ادعمنا بالإعجاب

ابن مضاء وهو لوزعي في عصره

محمد رؤوف الصمداني.إي (الباحث في جامعة دار الهدى الإسلامية في قسم اللغة العربية  وآدابها)


تتميز المدرسة النحوية الأندلسية عن بقية مدارس النحوية التي في المشرق بميزات مخصوصة لأن نحاة الأندلس كانوا مفكرين في مجالات أخرى بحيث تنقلب القواعد النحوية ميسرة لكل من يرغب فيها، ومجذبا للعقول التي يحتاج إليها، وحثا على تعليمها وتعلمها.  إن ابن مضاء القرطبي كان واحدا من المفكرين، الذي افتتحها بكتابة "الرد على النحاة" .هو كتاب وضع في القرن السادس الهجري وطبع ونشر في سنة ١٩٤٨،وهو أشد محاولة من جهة لابن مضاء القرطبي على النحوي المشرق من وضعه، وكتاب أثار ضجة كبيرة في البيئات العلمية والأكادمية، حققه الدكتور شوقي ضيف بعد موته في قرن العشرين. كان مراد القرطبي أن يكون فن النحو سهلا لكل من يحرص إليه مع أنه عبر عنها بقوله في مقدمة كتابه "قصدي في الكتاب أن أحذف ما يستغنى النحوي عنه، ونبه على ما أجمعوا علي الخطأ فيه.

ابن مضاء القرطبي وهو أحمد بن عاصم بن مضاء االخيمي القرطبي الحياني، المعروف ب" إبن مضاء القرطبي " يكنى بأبي العباس، وأبي جعفر. كان مولده بقرطبة سنة اثني عشر وخمسمائة (٥١٢)ه. وأصله  من قرطبة فينسب إليها ،وهو الذي لم يكن في عصره من يماثله في عمله ،الذي أتي بتحديات مختلفة على تاريخ العلماء النحاة التقليدية والعالمية.

ابن مضاء القرطبي كان في غاية الحرص لحصول العلم منذ نعومة أظفاره، كان أشد اشتياقا إلى العلم، ولذلك أنه خرج من عائلته الي حلقات الدروس متعلما ومحتسبا لوجه الله تعالى، ومعانيا أشد عناية بلقاء أساتذه ،ومعطيا أعظم رعاية لطلب العلم قدر ما استطاعه، ومن أجل ذلك نستطيع أن نرى أنه رحل من قرطبة إلى إشبيلية ليتدرس من أستاذه ابن رماك الكتاب لسيبويه، وكما ذهب إلي إشبيلية في طلب النحو نراه أنه ترك بلده لطلب الحديث إلي سبتة ليتدرس من أستاذه القاضي عياض أكبر محدثي المغرب وزوزعي في عصره. ثم رحل إلي المغرب ليكون قاضيا في مراكش ،إبن مضاء كان فقيها ظاهريا تابعا لأستاذه إبن حزم الأندلسي ولكن الإنجاز الأكثر إنما كان في النحو والصرف.    وعندما اكتمل الدروس النحوية بعد انكشاف بعض قواعد النحوالجديد أنه صرف عقله إلي انكشاف تركيبات أخري بحيث تعارض لأسلوب النحوي التقليدية حتى أنه كتب في نشوء القرن السادس الهجري الكتاب "الرد على النحاة" محتويا بعض من المستجدات والتحديات على نحاة المشرق.

ابن مضاء القرطبي أحسن تعليمه أيما إحسان ،ولهذا أنه كان مع العلماء الذين عاشوا في زمنه منذ كان فتى صغيرا. قد تلقى العلم من الطاهرين والنابغين في الفنون النحوية والأدبية والفقهية. كان من أفضل شيوخه عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن عيسى أبو القاسم المعروف ب"ابن رماك"، يعد من أشهر النحاة الأندلسيين ودرس عليه كتاب عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي لأن ابن رماك كان مدققا في كتاب السيبويه "الكتاب". والقاضي عياض ،إبن سمحون، إبن العربي  من أساتذه أيضا ،الذين لعبوا دورا عظيما في إنضاج فكره وثقب عقله في مجال جديد.

ونقل عن بعض المؤرخين قد تتلمذ علي ابن مضاء القرطبي كثير من مشاهير اللغة والفقه والحديث وغيرها. إنه ترك وراءه أثرا عميقا على العلماء النحاة لا سيما بين تلامذه. كان من أقرب إليه عمر بن الثلوين ،أبو محمد البلوي وغيرهما الذين استفادوا من علمه حتى جعل فيهم ضجة كبيرة. إن معظم تلاميذه كانو مدعمين ومؤيدين بوضعه الجديد في قوانين النحوي.

جدير بالذكر هنا ماذا كان مذهب ابن مضاء الفقهي؟ وذلك يبقى مسألة كثيفة لدى العلماء ،يريبون فيه هل أنه اعتنق مذهب الظاهري بعد اعتناقه المذهب المالكي،لأن هناك دلائل التي تدعم الجانبين .ومما يدل على أنه كان مذهب مالكي وهو ابن فرحون عده في طبقات العلماء المالكين . ابن فرحون ذكره في كتابه "الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب". ولكن في يد اليسرى دليل ما يدل على أنه كان مذهب ظاهري وهو أن ابن مضاء عاصر مع أمراء الموحدين الأربعة الذين تابعوا المذهب الظاهري بل إنه تولي رئاسة القضاء ليوسف بن عبد المؤمن ،ويعقوب بن يوسف.

إن الذي اختار من سطور التواريخ هو ابن مضاء كان مذهب ظاهري لأنه كيف هو يبقى مع رؤساء الموحدين مع أنه باقيا في المالكي؟ لأن الموحدين كانوا يأمرون بإطراح تقليد الأئمة بل أنهم أمروا العلماء أن أحرق جميع كتب الفروع المذهبية . ومما يؤيد موقفي ما قال المراكشي صاحب الذيل والتكملة  "كان قصده اى ابن مضاء محو مذهب مالك وإزالته من المغرب وحمل الناس علي الظاهر من القرآن والسنة".

 

ومات إبن مضاء القرطبي - رحمه الله - في حدود سنة اثني وتسعين وخمسمائة في عصر الخليفة الموحدي يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن. كان بين مولده ووفاته ثمانون عاما تقريبا. ورضي الله عنه وعنا. وسامحني ان اختتم من هذا مع قول الشاعر :

                     هيهات لا يأتي الزمان بمثله

                     ليت الزمان بمثله لا يذهب.

 


مواضيع ذات صلة
الأدب العربي العالمي, دراسات أدبية,

إرسال تعليق

0 تعليقات