كمثل
جميع الأقطار الهندية، تأثر الإقليم المليباري أيضا في مجالاتها الاجتماعية السياسية والعلمية بالثقافة الغربية في بداية القرن العشرين. وقد وقعت هنالك
صراعات جلية بين التقدمات المنتجة بالثقافة الغربية وبين جميع
العقائد والتقاليد القديمة، ولكن الحركات التجديدية كانت حية مستمرة في
جميع المجتمعات والديانات التي تعيش داخل مليبار وخارجها من ولاية كيرالا القديمة
لأجل علاقاتها مع الثقافة الغربية خصوصا على وجه الاحتلال البريطاني.
وهذه التقدمات والحركات
التجديدية لم تؤثر في أصالة التقاليد المليبارية المسلمة حينما غيرت حتى العرب والأوروبيين من
المسلمين، وقد كان ذلك لشدة صلابة التقاليد المليبارية وثباتها ولأجل خلفيتها الاجتماعية
والثقافية الأصلية. وإن التقدمات المهمة التي وقعت على غرة القرن العشرين تنقسم
عموما إلى ثلاثة:
1.
تكون التقليد المنتقد
2.
نشأة طبقة اجتماعية عليا
3.
تجديد التغيرات الاجتماعية وتحديثها
1.
مدافعة الاستعمار وتكون التقليد المنتقد
وقد كانت المدافعات ضد الاستعمار أنتجت تجمدا في نمو المجتمع لأجل انقراض تردد الدعاة
من الجزيرة العربية بسبب تسلط أوروبا على البحار. وكان ذلك سببا لتولد التقاليد
الجديدة المضادة للتقاليد الأصلية لأهل مليبار من المسلمين. وكان أعظم التحديات
للإسلام من جانب الدعاة المنصرين ومن جانب الأفكار الأوروبية الجديدة والنواميس
المنتقدة لأصل التقاليد الإسلامية. وكان من خصوصيات هذه التقاليد الجديدة أنها
قبضت الطبقة العليا من المجتمع، لأن عقائد العوام كانت ثابتة في التقليد التعبدي الإسلامي. ومن جانب آخر كانت
هذه التقاليد الجديدة أثرت في بعض من أهل الطبقات العليا من المسلمين مثل سناء
الله مكتي تنغال ومحمد حمدان تنغال، ووكم عبد القادر المولوي.
بعد أن عرفت الأمة أنها أصيبت بالصدمة الاستعمارية انتهت
إلى نتيجة أنها قد فقدت شيئا من القيم. وأدى ذلك التعرف إلى فكر جاد بين العلماء
والعوام حتى انتهوا إلى فكرتين. أولاهما غضت الأبصار عن تجديد التقاليد المسلمة،
وثانيهما توقفت على إصلاحها فقط.
1.
التقليدية: يعنى بهذه اللفظة طريقة سوية لتناول الأشياء
على سبيل التقاليد للأمم السالفة, وهذه الطريقة هي السائدة بين مسلمي العالم في
جميع الأعصار والأمصار، لما أنها نقل العقائد من السلف إلى الخلف بلا تغيير ولا تبديل،
ولأن العلماء العظام قاموا لهذه الطريقة وحدها ولتخليص العقائد من تلك التبديلات.
وهم يقومون للمدافعة عن
الشريعة وعن جميع التقاليد الإسلامية مثل زيارة القبور ونحوها. وإن التجديد لديهم هو
الذي وقع على أيدي العلماء والأمراء المجددين السالفين مثل الغزالي والجيلاني وما
إليهما. ولهذه التقليدية الإسلامية سهم وافر في تقاليد الأمة الإسلامية في جميع
أنحاء العالم وخصوصا في مليبار.
2.
التجديدية: هذه هي التي تضاد التقليدية على التمام، لما أنها
تنبذ التقاليد المنقولة من السلف إلى الخلف، وتقبل تقليدا جديدا ينفي جميع محاسن
القديم. وقد كانت هذه الفرقة مؤثرة في باكورة حياتها بالحركات الاجتماعية
التجديدية الغير الإسلامية مثل SNDP و NSS وغيرها.
ومع ذلك تأثر بعض من أكابر
علماء مليبار مثل وكم عبد القادر المولوي ببعض عقائد من خارج الهند مؤثرة بالغرب
حتى اخترعوا طريقة جديدة في التفسير والتأويل، ورغم ذلك إن بعضا من الطقوس الغربية الجديدة
والنواميس الحديثة توغلت إلى مليبار مع هذه العقائد مثل مساواة الجنسين ونحوها. وعلى
طرازعاقبة جميع الحركات التجديدية بعد البداية انقسمت إلى الطبقة الدينية وإلى الطبقة
السياسية التي قبلت نظريات المودودي، حيث سميت الأولى بالمجاهدين والثانية
بالجماعة الإسلامية. وكان ظهور هذه الاتجاهات التجديدية سببا مؤديا إلى تأسيس
جمعية العلماء لعموم كيرالا من جانب التقليدية. وهذه النظريات المستقلة الحرة أدت
إلى ظهور نظريات مستقلة منحرفة عن الملة الحنفية مثل حركة القرآن والسنة المؤسسة بأبي
الحسن المولوي الجيكنوري. وكانت عاقبة نشاطات الحركات التجديدية في مليبار أن تقاليد
الإسلام وعقائده تراجعت، وصارت التقاليد شخصية مثل ما أنذر المفكر الإسلامي حسين
نصر.
2. نشأة الطبقة العليا
الجديدة وتغير المناظر:
ومن مواد نشأة الطبقة
العليا في مجتمع مليبار الاقتصاد والأخوة والمحبة والاستقامة، وجميعها مواد دينية.
والطبقة العالية في مليبار كانت على جناحين. أولهما سياسي، والآخر أكاديمي محترف.
وقد أدى تأسيس رابطة المسلمين إلى نشأة طبقة جديدة عالية سياسية أطلقت علماء الدين
إلى تناول الأمور الدينية من دون السياسة، وسهلت الطريق إلى التفرق بين علماء
الدين وزعماء السياسة إلى حد مع تعاونهم فيما بينهم، وهو مدار صلاح هذه الأمة.
ولا شك في أن وجهات أهالي
مليبار قد تغيرت وتبدلت، وتنقسم إلى قسمين:
1) وجهات تلقاء التربية
العلمانية. 2)وجهات تلقاء تقوية النسوة.
1. الوجهات تلقاء التربية
العلمانية:
كانت وجهات الأمة تلقاء
التربية العلمانية قبل الاستقلال الهندي تقوم على موقف الخلاف على الرغم من عديد
من الحركات الرسمية من جانب الحكومة البريطانية لتشجيع التربية العلمانية. ولكنها
تغيرت بعد على ممر الأزمان إثر تحول النظرية حول التربية العلمانية في المجال
الأكاديمي من أن التربية إنما هي للثقافة فقط إلى أنها للحرفة والمتاع.
2. الوجهات نحو تقوية
النسوة:
نتيجة لما أثرت القوانين
الهندية بحجز المقاعد للنسوة في المؤسسات والمناصب الرسمية، تغيرت وجهة الأمة
التقليدية حول تقوية النسوة بعد طول الضجيجات من جانب التجديدية على إيجابها. وإن المجتمع
الإسلامي الذي أغلبيته الأمة التقليدية يشارك في سياسة النسوة للتخلص من ضغط
القوانين.
التحديث والتغيرات
الاجتماعية:
وقد توغل التحديث الاجتماعي
إلى قالب المجتمع الهندي والإسلامي خصوصا بعد الاستقلال من أيدي البريطانية. وإن
الأحوال والأوضاع الكدرة أدت الثقافة المليبارية إلى صوب الهلاك والموت بعد
الاستقلال، ولكنها تخلصت من شفا حفرة السقوط لأجل الوجود المعتز للدين والسياسة في
المجتمع، وعدم الانحطاط الاجتماعي الذي أدى إلى هلاك عديد من المجتمعات في شمال
الهند. ثم إن المنافسة بين الحركات المختلفة من أهل التقليد والتجديد أدت إلى
تأسيس المدارس العلمانية التي صارت سبب قدوم التحديث إلى المجتمع.
دور التقليد والتجديد في
مجال التغيير التربوي والتحديث:
إن مما يفرق بين الأوضاع
التربوية المليبارية المسلمة وبين غيرها نقطتين هامتين: 1. تحديث التربيات التقليدية.
2. تقليدية التربيات الحديثة.
أما أولهما: فإن التربيات
التقليدية إنما هي على واسطة المدارس الابتدائية لتعلم الصلاة وتلاوة القرآن من
المعلم، ثم على دروس المساجد التي هي أكبر الوسائط للدراسة العالية تحت مدرس حاذق.
وكان درس فناني الذي أسسه زين الدين المخدوم الكبير أشهر دروس المساجد بكيرالا حتى
وصل إليه الطلبة من إندونيسيا وسرنديب وملاي وما إليها من خارج الهند.
النسوان المليبارية بالأزياء التراثية |
ولكن صيته تراجع مع تراجع
صيت الدروس على مجيء الاستعمار، وبزغت الكليات للدراسات العليا مثل كلية الباقيات الصالحات
وندوة العلماء ودار العلوم بشمال الهند وجنوبها. وكان أول خطة لتحديث التربيات
التقليدية من جاللكت كونج أحمد الحاج المولوي الذي أسس مدرسة دار العلوم بوازكاد
لهذا الغرض نفسه، وضمن في مناهج دراسته الموضوعات الجدد والعصرية. وقد أسس هناك
نحو 73 كليات إسلامية تنتهج هذا المنهج مباشرا أوغير مباشر.
وإن المدارس تعرف أعجوبة
وقوة لأهل مليبار في جميع أنحاء العالم، حيث إن فيها أكثر من عشرة آلاف مدرسة تجري
تحت إشراف منظمات مختلفة، كما أن هناك صورة جديدة للمدارس تتضمن تعلم الانجليزية والمواد
العلمانية مع العلوم الدينية تحت رعاية تلك المنظمات نفسها.
وأما ثانيها فكان من أعظم
أسباب استنكاف المسلمين وانقباضهم عن تلقي الدراسات العلمانية أن المؤسسات التربوية
كانت تجري بأيدي المسيحية، فخافوا أن تضر الدراسات العلمانية فيها ثقافتهم الإسلامية.
ولكن الحكومة البريطانية تقدمت لتقريب المسلمين من الدراسات العلمانية بتوفير
التسهيلات للدراسة الدينية في المدارس المدنية. وبعد ذلك تغيرت وجهة الأمة نحو
الدراسة العلمانية.
ثم إن دور لجنة المجتمع التربوي
المسلم (MES) حقيق بالذكر، بعدما تأسست عام
1964، ولعبت دورا بارزا في تقدم الدراسات العصرية لدى المسلمين حيث إن عديدا من
الدكاترة والمهندسين والحذاق في عديد من المجالات تخرجوا على أيدي هذه الجمعية
التجديدية.
وبالجملة إن الطبقتين الهامتين
العلماء والأمراء هما السبب الأصلي لتقدم التقاليد المليبارية المسلمة من بعد
بزوغها في القرن الثامن إلى يومنا هذا. وإن المعاملات التجارية وتأسيس المعاهد التعليمية
والمدافعات ضد الاستعمار والمشاركات الفعالة في عديد من تقدمات المجتمع على طول
الأزمان تشير إلى أن تقاليد أهل مليبار كانت حية مستمرة غير متوقفة.
0 تعليقات
أكتُبْ تعليقا