بلقم: إبراهيم علي عبد الرب
أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم اسمه عبد مناف ين عبد المطلب بن هاشم وكان يحوط النبي صلى الله عليه وسلم ويرعاه ويشفق عليه ويدافع عنه وهو القائل:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم
حتى أوسد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة
وابشر وقر بذاك منك عيونا
وكان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على إسلامه وتوفي في السنة العاشرة من البعثة وحزن عليه الرسول صلى الله عليه وسلم حزناً شديداً.
نسبة القصيدة إلى أبي طالب
أورد ابن هشام صاحب السيرة القصيدة اللامية على أنه مشهورمن شعر أبي طالب. وقال عنها ابن كثير: هي قصيدة بليغة جداً لا يستطيع أن يقولها إلا من نسبت إليه وهي أفحل من المعلقات السبع وأبلغ في تأدية المعنى. ورواها الإمام البخاري في روايتين مرة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وأخرى لعبد الله بن دينار وفي مصنف ابن أبي شيبة رواية لعائشة رضي الله عنها ونسبها رواة كثر مستشهدين ببيت الشعر وأبيض يستسقى الغمام بوجهه...
أما مناسبتها فقد قيلت في حصار قريش بني هاشم في الشعب وتودد إلى أشراف قريش متعوذا بحرم الله وبمكانه منها.
وفي القصيدة ذكر مكة والحج ويعدد فيها أبو طالب مآثر محمد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حين أقبل عليه قومه يطلبون منه أن يتخلى عن حمايته.
وفيما يلي القصيدة بأكملها.
خَليلَيَّ ما أُذني لِأَوَّلِ عاذِلِ
بِصَغواءَ في حَقٍّ وَلا عِندَ باطِلِ
خَليلَيَّ إِنَّ الرَأيَ لَيسَ بِشِركَةٍ
وَلا نَهنَهٍ عِندَ الأُمورِ البَلابِلِ
وَلَمّا رَأَيتُ القَومَ لا وُدَّ عِندَهُم
وَقَد قَطَعوا كُلَّ العُرى وَالوَسائِلِ
وَقَد صارَحونا بِالعَداوَةِ وَالأَذى
وَقَد طاوَعُوا أَمرَ العَدوِّ المُزايِلِ
وَقَد حالَفوا قَوماً عَلَينا أَظِنَّةً
يَعضّونَ غَيظاً خَلفَنا بِالأَنامِلِ
صَبَرتُ لَهُم نَفسي بِسَمراءَ سَمحَةٍ
وَأَبيَضَ عَضبٍ مِن تُراثِ المقاوِلِ
وَأَحضَرتُ عِندَ البَيتِ رَهطي وَإِخوَتي
وَأَمسَكتُ مِن أَثوابِهِ بِالوَصائِلِ
قِياماً مَعاً مُستَقبِلينَ رِتاجَهُ
لَدَى حَيثُ يَقضي نُسكَهُ كُلُّ نافِلِ
وَحَيثُ يُنيخُ الأَشعَرونَ ركابَهُم
بِمُفضى السُيولِ مِن إِسافٍ وَنائِلِ
مُوَسَّمَة الأَعضادِ أَو قَصَراتِها
مُخَيَّسَةٌ بَينَ السديسِ وَبازِلِ
تَرى الوَدعَ فيها وَالرُخامَ وَزينَةً
بِأَعناقِها مَعقودَةً كَالعَثاكِلِ
أَعوذُ بِرَبِّ الناسِ مِن كُلِّ طاعِنٍ
عَلَينا بِسوءٍ أَو مُلِحٍّ بِباطِلِ
وَمِن كاشِحٍ يَسعَى لَنا بِمعيبَةٍ
وَمِن مُلحِقٍ في الدينِ ما لَم نُحاوِلِ
وَثَورٍ وَمَن أَرسى ثَبيراً مَكانَهُ
وَراقٍ لِيَرقى في حِراءٍ وَنازِلِ
وَبِالبَيتِ رُكن البَيتِ مِن بَطنِ مَكَّةٍ
وَبِاللَهِ إِنَّ اللَهَ لَيسَ بِغافِلِ
وَبِالحَجَرِ المُسوَدِّ إِذ يَمسَحونَهُ
إِذا اِكتَنَفوهُ بِالضُحى وَالأَصائِلِ
وَمَوطِئِ إِبراهيمَ في الصَخرِ رَطبَة
عَلى قَدَمَيهِ حافِياً غَيرَ ناعِلِ
وَأَشواط بَينَ المَروَتَينِ إِلى الصَفا
وَما فيهِما مِن صورَةٍ وَتَماثِلِ
وَمَن حَجَّ بَيتَ اللَهِ مِن كُلِّ راكِبٍ
وَمِن كُلِّ ذي نَذرٍ وَمِن كُلِّ راجِلِ
وَبِالمَشعَرِ الأَقصى إِذا عَمَدوا لَهُ
إِلالٍ إِلى مُفضى الشِراجِ القَوابِلِ
وَتَوقافِهِم فَوقَ الجِبالِ عَشيَّةً
يُقيمونَ بِالأَيدي صُدورَ الرَواحِلِ
وَلَيلَةِ جَمعٍ وَالمَنازِل مِن مِنىً
وَما فَوقَها مِن حُرمَةٍ وَمَنازِلِ
وَجَمعٍ إِذا ما المَقرُباتُ أَجَزنَهُ
سِراعاً كَما يَخرُجنَ مِن وَقعِ وابِلِ
وَبِالجَمرَةِ الكُبرى إِذا صَمَدوا لَها
يَؤُمّونَ قَذفاً رَأسَها بِالجَنادِلِ
وَكِندَة إِذ هُم بِالحِصابِ عَشيَّةً
تُجيزُ بِهِم حجاج بَكرِ بنِ وائِلِ
حَليفانِ شَدّا عقدَ ما اجتمَعا لَهُ
وَرَدّا عَلَيهِ عاطِفات الوَسائِلِ
وَحَطمهمُ سُمر الرِماحِ مَعَ الظبا
وَإِنفاذُهُم ما يَتَّقي كلُّ نابِلِ
وَمَشيهُم حَولَ البِسالِ وَسرحُهُ
وَشِبرِقُهُ وَخدَ النَعامِ الجَوافِلِ
فَهَل بَعدَ هَذا مِن مَعاذٍ لِعائِذٍ
وَهَل مِن مُعيذٍ يَتَّقي اللَهَ عادِلِ
يُطاعُ بِنا الأَعدا وَودُّوا لوَ اِنَّنا
تُسَدُّ بِنا أَبوابُ تُركٍ وَكابُلِ
كَذَبتُم وَبَيتِ اللَهِ نَترُكُ مَكَّةً
وَنَظعَن إِلّا أَمرُكُم في بَلابِلِ
كَذَبتُم وَبَيتِ اللَهِ نُبزى مُحَمَّداً
وَلَمّا نُطاعِن دونَهُ وَنُناضِلِ
وَنُسلِمهُ حَتّى نُصَرَّعَ حَولَهُ
وَنذهلَ عَن أَبنائِنا وَالحَلائِلِ
وَينهَضَ قَومٌ بِالحَديدِ إِلَيكُمُ
نُهوضَ الرَوايا تَحتَ ذاتِ الصَلاصِلِ
وَحَتّى يُرى ذا الضِغنِ يَركَبُ ردعَهُ
مِنَ الطَعنِ فِعلَ الأَنكَبِ المُتَحامِلِ
وَإِنّي لَعَمرُ اللَهِ إن جَدَّ ما أَرى
لَتَلتَبسَنَّ أَسيافُنا بِالأَماثِلِ
بِكَفِّ اِمرِئٍ مِثلَ الشِهابِ سمَيدَعٍ
أَخي ثِقَةٍ حامي الحَقيقَةِ باسِلِ
شُهوراً وَأَيّاماً وَحَولاً مُجَرَّماً
عَلَينا وَتَأتي حجَّةٌ بَعدَ قابِلِ
وَما تَركُ قَومٍ لا أَبا لَكَ سَيِّداً
يَحوطُ الذِمارَ غَيرَ ذَربٍ مُواكِلِ
وَأَبيَضَ يُستَسقى الغَمامُ بِوَجهِهِ
ثِمالُ اليَتامى عِصمَةٌ لِلأَرامِلِ
يَلوذُ بِهِ الهُلّاكُ مِن آلِ هاشِمٍ
فَهُم عِندَهُ في رَحمَةٍ وَفَواضِلِ
لَعَمري لَقَد أَجرى أُسَيدٌ وَرهطُهُ
إِلى بُغضِنا وَجَزَّانا لآكِلِ
جَزَت رَحِمٌ عَنّا أُسَيداً وَخالِداً
جَزاءَ مُسيءٍ لا يُؤَخَّرُ عاجِلِ
وَعُثمانُ لَم يَربَع عَلَينا وَقُنفُذٌ
وَلَكِن أَطاعا أَمرَ تِلكَ القَبائِلِ
أَطاعا أُبَيّاً وَاِبنَ عَبدِ يَغوثِهِم
وَلَم يَرقُبا فينا مَقالَةَ قائِلِ
كَما قَد لَقينا مِن سُبَيعٍ وَنَوفَلٍ
وَكُلٌّ تَوَلّى مُعرِضاً لَم يُجامِلِ
فَإِن يُلقَيا أَو يُمكِن اللَهُ مِنهُما
نَكِل لَهُما صاعاً بِكيلِ المكايِلِ
وَذاكَ أَبو عَمرٍو أَبى غَيرَ بُغضِنا
لِيظعننا في أَهلِ شاءٍ وَجامِلِ
يُناجى بِنا في كُلِّ مَمسىً وَمُصبحٍ
فَناجِ أَبا عَمرٍو بِنا ثُمَّ خاتِلِ
وَيُقسِمُنا بِاللَهِ ما إِن يَغُشَّنا
بَلى قَد نَراهُ جَهرَةً غَيرَ حائِلِ
أَضاقَ عَلَيه بُغضنا كُلَّ تَلعَةٍ
مِنَ الأَرضِ بَينَ أَخشَبٍ فَمجادِلِ
وَسائِل أَبا الوَليدِ ماذا حَبَوتَنا
بِسَعيِكَ فينا مُعَرِضاً كَالمُخاتِلِ
وَكُنتَ اِمرءاً مِمَّن يُعاشُ بِرَأيِهِ
وَرَحمَته فينا وَلَست بِجاهِلِ
أَعُتبَةُ لا تَسمَع بِنا قَولَ كاشِحٍ
حَسودٍ كَذوبٍ مُبغِضٍ ذي دَغاولِ
وَقَد خِفتُ إِن لَم تَزجُرَنهُم وَتَرعَووا
تُلاقي وَنَلقى مِنكَ إِحدى البَلابِلِ
وَمَرَّ أَبو سُفيانَ عَنّي مُعرِضاً
كَما مَرَّ قَيلٌ مِن عِظامِ المَقاوِلِ
يَفِرُّ إِلى نَجدٍ وَبَردِ مِياهِهِ
وَيزعُمُ أَنّي لَستُ عَنكُم بِغافِلِ
وَأَعلَمُ أَن لا غافِلٌ عَن مَساءَةٍ
كَفاكَ العَدُوُّ عِندَ حَقٍّ وَباطِلِ
فَميلوا عَلَينا كُلّكُم إِنَّ مَيلَكُم
سَواءٌ عَلَينا وَالرِياحُ بِهاطِلِ
يُخبِّرُنا فِعلَ المُناصِحِ أَنَّهُ
شَفيقٌ وَيُخفي عارِماتِ الدَواخِلِ
أَمُطعِمُ لَم أَخذُلكَ في يَومِ نَجدَةٍ
ولا عِندَ تِلكَ المُعظماتِ الجَلائِلِ
وَلا يَوم خَصمٍ إِذ أَتوكَ أَلِدَّة
أَولي جَدَلٍ مِنَ الخُصومِ المُساجِلِ
أَمُطعِمُ إِنَّ القَومَ ساموكَ خُطَّةً
وَإِنّي مَتى أُوكَل فَلَستُ بِوائِلِ
جَزى اللَهُ عَنّا عَبدَ شَمسٍ وَنَوفَلاً
عُقوبَةَ شَرٍّ عاجِلاً غَيرَ آجِلِ
بِميزانِ قِسطٍ لا يُغيضُ شَعيرَةً
لَهُ شاهِدٌ مِن نَفسِهِ حقُّ عادِلِ
لَقَد سَفهَت أَحلامُ قَومٍ تَبَدَّلوا
بَني خَلفٍ قَيضاً بِنا وَالغَياطِلِ
وَنَحنُ الصَميمُ مِن ذؤابَةِ هاشِمٍ
وَآل قُصَيٍّ في الخُطوبِ الأَوائِلِ
وَكانَ لَنا حَوضُ السِقايَةِ فيهِم
وَنَحنُ الذُرى مِنهم وَفَوقَ الكَواهِلِ
فَما أَدركوا ذَحلاً وَلا سَفَكوا دَماً
وَلا حالَفوا إِلّا شِرارَ القَبائِلِ
بَني أمَةٍ مَجنونَةٍ هِندكيَّةٍ
بَني جُمَحٍ عُبَيدَ قَيسِ بنِ عاقِلِ
وَسَهمٌ وَمَخزومٌ تَمالوا وَأَلَّبوا
عَلَينا العِدى مِن كُلِّ طِملٍ وَخامِلِ
وَشائِظُ كانَت في لُؤَيِّ بنِ غالِبٍ
نَفاهُم إِلَينا كُلُّ صَقرٍ حُلاحِلِ
وَرَهطُ نُفَيلٍ شَرُّ مَن وَطئَ الحَصى
وَأَلأَمُ حافٍ مِن مَعَدٍّ وَناعِلِ
أَعَبدَ مَنافٍ أَنتُمُ خَيرُ قَومِكُم
فَلا تُشرِكوا في أَمرِكُم كُلَّ واغِلِ
فَقَد خِفتُ إِن لَم يُصلِحِ اللَهُ أَمرَكُم
تَكونوا كَما كانَت أَحاديثُ وائِلِ
لَعَمري لَقَد أُوهِنتُمُ وَعَجزتُمُ
وَجِئتُم بِأَمرٍ مُخطئٍ لِلمَفاصِلِ
وَكُنتُم قَديماً حَطبَ قِدرٍ فَأَنتُمُ
الآنَ أحطابُ أَقدُرٍ وَمَراجِلِ
لِيَهنئ بَني عَبدِ مَنافٍ عُقوقُها
وَخِذلانُها وَتَركُنا في المَعاقِلِ
فَإِن يَكُ قَومٌ سَرَّهُم ما صَنَعتُمُ
سَتَحتَلِبوها لاقِحاً غَيرَ باهِلِ
فَبَلِّغ قُصَيّاً أَن سَيُنشَرُ أَمرُنا
وَبَشِّر قُصَيّاً بَعدَنا بِالتَخاذُلِ
وَلَو طَرَقت لَيلاً قُصَيّاً عَظيمَةٌ
إِذاً ما لَجَأنا دونَهُم في المَداخِلِ
لَو صُدِقوا ضَرباً خِلالَ بُيوتِهِم
لَكُنّا أُسىً عِندَ النِساءِ المَطافِلِ
فَإِن تَكُ كَعبٌ مِن لُؤَيٍّ تَجَمَّعَت
فَلا بُدَّ يَوماً مَرَّةً مِن تَزايُلِ
فَإِن تَكُ كَعبٌ مِن كُعوبٍ كَثيرَةٍ
فَلا بُدَّ يَوماً أَنَّها في مَجاهِلِ
وَكُلُّ صَديقٍ وَاِبنُ أُختٍ نَعُدُّهُ
وَجَدنا لَعَمري غِبَّهُ غَيرَ طائِلِ
سِوى أَنَّ رَهطاً مِن كِلابِ بنِ مُرَّةٍ
بَراءٌ إِلَينا مِن مَعَقَّةِ خاذِلِ
بَني أَسَدٍ لا تُطرِفُنَّ عَلى القَذى
إِذا لَم يَقُل بِالحَقِّ مِقوَلُ قائِلِ
فَنِعمَ اِبنُ أُختِ القَومِ غَيرَ مُكَذَّبٍ
زُهَيرٌ حُساماً مُفرَداً مِن حَمائِلِ
أَشَمُّ مِنَ الشُمِّ البَهاليلِ يَنتَمي
إِلى حَسَبٍ في حَومَةِ المَجدِ فاضِلِ
لَعَمري لَقَد كَلِفتُ وَجداً بِأَحمَدٍ
وَإِخوَتِهِ دَأبَ المُحِبِّ المُواصِلِ
أُقيمُ عَلى نَصرِ النَبِيِّ مُحَمَّدٍ
أُقاتِلُ عَنهُ بِالقَنا وَالقَنابِلِ
فَلا زالَ في الدُنيا جَمالاً لِأَهلِها
وَزَيناً لِمَن ولّاهُ رَبُّ المَشاكِلِ
فَمَن مِثلُهُ في الناسِ أَيُّ مُؤَمّلٍ
إِذا قاسَهُ الحُكّامُ عِندَ التَفاضُلِ
حَليمٌ رَشيدٌ عادِلٌ غَيرُ طائِشٍ
يُوالي إِلهاً لَيسَ عَنهُ بِغافِلِ
فَأَيَّدَهُ رَبُّ العبادِ بِنَصرِهِ
وَأَظهَرَ ديناً حَقُّهُ غَيرُ ناصِلِ
فَوَاللَهِ لَولا أَن أَجيءَ بِسُبَّةٍ
تَجُرُّ عَلى أَشياخِنا في المَحافِلِ
لَكُنّا اتّبَعناهُ عَلى كُلِّ حالَةٍ
مِنَ الدَهرِ جدّاً غَيرَ قَولِ التَهازُلِ
لَقَد عَلِموا أَنَّ اِبنَنا لا مُكَذَّبٌ
لَدَيهم وَلا يُعنى بِقَولِ الأَباطِلِ
رِجالٌ كِرامٌ غَيرُ ميلٍ نَماهُمُ
إِلى الغرّ آباءٌ كِرامُ المَخاصِلِ
دَفَعناهُمُ حَتّى تَبَدَّدَ جَمعُهُم
وَحسّرَ عَنّا كُلُّ باغٍ وَجاهِلِ
شَبابٌ مِنَ المُطَيّبينَ وَهاشمٍ
كَبيضِ السُيوفِ بَينَ أَيدي الصَياقِلِ
بِضَربٍ تَرى الفِتيانَ فيهِ كَأَنَّهُم
ضَواري أُسودٍ فَوقَ لَحمٍ خَرادِلِ
وَلَكِنَّنا نَسلٌ كِرامٌ لِسادَةٍ
بِهِم نَعتلي الأَقوامَ عِندَ التطاوُلِ
سَيَعلَمُ أَهلُ الضّعنِ أَيّي وَأَيُّهُم
يَفوزُ وَيَعلو في لَيالٍ قَلائِلِ
وَأَيُّهُمُ مِنّي وَمِنهُم بِسَيفِهِ
يُلاقي إِذا ما حانَ وَقتُ التَنازُلِ
وَمَن ذا يَمَلُّ الحَربَ مِنّي وَمِنهُمُ
وَيحمدُ في الآفاقِ مِن قَولِ قائِلِ
فَأَصبَحَ فينا أَحمَدٌ في أَرومَةٍ
تُقَصِّرُ عَنهُ سورَةُ المُتَطاوِلِ
كَأَنّي بِهِ فَوقَ الجِيادِ يَقودُها
إِلى مَعشَرٍ زاغوا إِلى كُلِّ باطِلِ
وَجُدتُ بِنَفسي دَونَهُ وَحَمَيتُهُ
وَدافَعتُ عَنهُ بِالطُلى وَالكَلاكِلِ
وَلا شَكَّ أَنَّ اللَهَ رافِعُ أَمرِهِ
وَمُعليهِ في الدُنيا وَيَومَ التَجادُلِ
شرح الكلمات وبعض الأبيات:
وقد شرح القصيدة عدد من الشرّاح ونختار منها بعض معاني الكلمات وشيئا يسيرا من شرح الأبيات لأهميتها. الصغو : الميل . وأصغيت إلى فلان: إذا ملت بسمعي نحوه. يريد أنه يتروى في الأمر ولا يصغي إلى قول أول من يأتيه بالعذل أو المراد أنه لا يُصغي إلى العذل بل يتبع ما يرشده إليه الوجدان والعقل فإذا كان غير صاغ للعاذل الأول فعدم إصغائه إلى غيره أولى.
وأراد في البيت الثاني أن الرأي الجيد يكون بمشاركة العقلاء فإن لم يتشاركوا بأن كانوا متباغضين لم ينتج شيئاً والرأي ما لم يتخمر في العقول كان فطيرا والنهنه بنونين وهاءين كجعفر المضي. والنيّر الشفاف الذي يظهر الأشياء على جليتها وأصله الثوب الرقيق النسج ومن شأنه أن لا يمنع النظر إلى ما وراء وهو معطوف على شركة والبلابل إما جمع بلبلة بفتح الباءين، أو جمع بلبال بفتحهما، وهما بمعنى الهم ووساوس الصدر. كزلازل جمع زلزلة وزلزال بالفتح.
هنا إشارة لما كان من مقاطعة القرشيين لبني هاشم، وقد صارحوهم بالعداوة والأذى، فما كان من أبي طالب وأهله إلا أن يلوذوا صابرين عند بيت الله ويعوذوا بربهم.
وفي الأبيات ذكر لمواضع بمكة. وقوله: وليلة جمع جمع اسم مزدلفة سميت بذلك لاجتماع الحاج بها والمنازل جمع منزل. [إذا ما المقربات] يريد الإبل المجتمعة غير المتبددة (أجزنه) أي قطعنه (سراعا) أي مسرعات حال من الضمير المستتر في أجزنه.
وقوله (و بالجمرة الكبرى) هي إحدى جمرات منى وهي ثلاث بين كل جمرتين غلوة سهم منها جمرة العقبة وهي تلي مكة ولا ترمى يوم النحر إلا هي. ويقال لها الكبرى والجمرة الدنيا سميت بذلك لأنها أدنى منازل النازلين عند مسجد الخيف. والثالثة الجمرة الوسطى....
وبكر بن وائل القبيلة المعروفة. وفي قوله (حليفان) إشارة إلىكندة و بكر بن وائل المتحالفان (شدا) أي أحكما عقد الشيء الذي احتلفا أي تحالفا لأجله [وردا] أي وأسبلا على ذلك الشد عاطفات الوسائل] أي الأسباب التي توجب العطف والمحبة وهذا البيت يبين أسباب تسيير بكر بن وائل لكندة وأنهم إنما تسيرهم لكونهم حلفاءهم وإنما احتاجوا إلى التسيير لكون كندة يمانيين لا يأمنون على أنفسهم في الحجاز.
وفي الأبيات استعاذة برب الناس وبمقدسات قريش وأعمال الحج وبالحجيج من الأصناف الذين ذكرهم من كل طاعن إلى قوله ما لم نحاول.
أراد بالقوم كفار قريش والعُرا جمع عروة وهي معروفة وأراد بها هنا ما يتمسك به من العهود مجازا والوسائل جمع وسيلة وهي ما يتقرب به.
صارحونا كاشفونا بالعداوة صريحا والمزايل: اسم فاعل من زایله مزايلة :وزيالا فارقه وباينه وإنما يكون العدو مفارقا إذا صرح بالعداوة. ومن قال: المزايل المعالج.
الصبر: الحبس والسمراء القناة. والسمحة اللينة التي تسمح بالهز والانعطاف. والأبيض : السيف والعضب القاطع والمقاول: جمع مقول بكسر الميم الرئيس . وهو دون الملك. كذا في المصباح عن ابن الأنباري. وقال السهيلي في الروض الأنف أراد بالمقاول آباءه شبههم بالملوك أقول: وفي لسان العرب القيل والمقول الملك سمي بذلك لأنه نافذ القول والأمر.
الوصائل: ثياب مخططة يمانية كان البيت يكسى بها. ملح: اسم فاعل من ألح على الشيء: إذا أقبل عليه مواظباً.
المعيبة العيب والنقيصة
ثور: معطوف على رب الناس وهو وثبير وحراء جبال بمكة. والبر: خلاف الإثم. وهو رواية ابن إسحاق وغيره. أقسم بطالب البر بصعوده في حراء للتعبد فيه وبالنازل منه. وبعض أنواع القسم والاستعاذة الموجودة هنا ما أبطلها الشرع بعد ذلك. الأصائل جمع أصيلة والأصيلة لغة معروفة في الأصيل. وهو ما بعد صلاة العصر إلى الغروب موطئ إبراهيم عليه السلام: هو موضع قدمه على الصخرة وجعلها الله تعالى آية المعاذ :بالفتح: اسم مكان من عاذ فلان بكذا إذا لجأ إليه واعتصم به والمعيذ : اسم فاعل من أعاذه بالله أي عصمة به. وعادل صفة معيذ بمعنى غير جائر.
العُدّى : جمع عاد من عاد من عدا عليه يعدو كما قالوا غاز وغُزّى. أي والله لا نترك مكة ولا نظعن منها، لكن أمركم في هموم ووساوس صدر.
الواو للقسم وفي قوله (وبيت الله) ونبزى جواب القسم على تقدير لا النافية فإنّها يجوز حذفها في الجواب كقوله تعالى( تالله تفتأ) أى لا تفتأ . ونبزى بالبناء للمفعول أي تغلب ونقهر عليه، يقال أبزى فلان بفلان إذا غلبه وقهره كذا في الصحاح . ولما نافية جازمة، والجملة المنفية حال من نائب فاعل نبزى والطعن يكون بالرمح والنضال يكون بالسهم.
ونسلمه بالرفع معطوف على نبزى. أي لا نسلمه، من أسلمه بمعنى سلّمه لفلان أو من أسلمه بمعنى خذله ونصرع وتذهل بالبناء للمفعول والحلائل : جمع حليلة وهي الزوجة.
ينهض بفتح الياء وهو منصوب معطوفا على نصرع والنهوض في الحديد عبارة عن لبسه واستعماله في الحرب والروايا: جمع راوية، وهو البعير أو البغل أو الحمار الذي يستقى عليه. وذات الصلاصل هي المزادة التي ينقلب فيها الماء، وتسميها العامة الراوية والصلاصل جمع صلصلة بضم الصادين وهي بقية الماء في الأداوة . يريد: إن الرجال مثقلين بالحديد كالجمال التي تحمل المياه مثقلة . شبه قعقعة الحديد بصلصلة الماء في المزادات .
والضغن بالكسر الحقد وجملة يركب حال من مفعول نرى. يقال للقتيل. ركب ردعه إذا خر لوجهه على دمه والردع بفتح الراء وسكون الدال اللطخ والأثر من الدم والزعفران ومن الطعن متعلق بيركب. والأنكب: المائل إلى جهة وأراد كفعل الأنكب والمتحامل بالمهملة الجائر والظالم.
والالتباس: الاختلاط والملابسة والنون الخفيفة للتوكيد. وأسيافنا فاعل تلتبس. والأماثل الأشراف، جمع أمثل. والمعنى إن دام هذا العناد الذي أراه تنل سيوفنا أشرافكم.
وقوله: مثل الشهاب. يريد أنه شجيع لا يقاومه أحد في الحرب. كأنه شعلة نار يحرق من يقرب منه. والسميدع بفتح السين. السيد الموطأ الأكناف قال المبرد في أول الكامل: معنى موطأ الأكناف أن ناحيته يتمكن فيها صاحبها والثقة مصدر وثقت به أثق والحقيقة ما يحق على الرجل أن يحميه والباسل الشجيع الشديد الذي يمتنع أن يأخذه أحد في الحرب. والمصدر البسالة . وفعله بسُل بالضم . قال البغدادي: وقد حقق الله ما تفرسه أبو طالب يوم بدر.
وقوله : لا أبا لك يستعمل كناية عن المدح والذم ووجه الأول: أن يراد نفي نظير الممدوح بنفي أبيه، ووجه الثاني: أن يراد أنه مجهول النسب والمعنيان محتملان هنا والسيد من السيادة وهو المجد والشرف. وحاطه يحوطه حوطا رعاه وفي الصحاح (وقولهم فلان حامي الذمار، أي إذا ذمر وغضب حمى، وفلان أمنع ذمارا من فلان ويقال الذمار ما وراء الرجل مما يحق عليه أن يحميه، لأنهم قالوا حامي الذمار كما قالوا حامي الحقيقة. وسمي ذماراً لأنه يجب على أهله التذمر له. وسميت حقيقة لأنه يحق على أهلها الدفع عنها. وظل يتذمر على فلان: إذا تنكر له وأوعده). والذرب بفتح الذال المعجمة وكسر الراء، لكنه سكنه هنا وهو الفاحش البذئ اللسان والمواكل اسم فاعل من واكلت فلانا مواكلة إذا اتكلت عليه واتكل هو عليك ورجل وكل بفتحتين ووكلة كهمزة وتكلة أي عاجز بكل أمره إلى غيره ويتكل عليه.
أبيض: معطوف على سيد المنصوب بالمصدر قبله وهو من عطف الصفات التي موصوفها واحد وهكذا أعربه الزركشي في نكته على البخاري المسمى بالتنقيح لألفاظ الجامع الصحيح، وقال: لا يجوز غير هذا وتبعه ابن حجر في فتح الباري وكذلك الدماميني في تعليق المصابيح على الجامع الصحيح، وفي حاشيته على مغني اللبيب أيضا. وزعم ابن هشام في المغني: إن ابيض مجرور برب مقدرة وإنها للتقليل والصواب الأول، والأبيض هنا بمعنى الكريم. قال السمين في عمدة الحافظ عبر عن الكرم بالبياض فيقال: له عندي يد بيضاء أي معروف وأورد هذا البيت والبياض أشرف الألوان. وهو أصلها إذ هو قابل لجميعها وقد كني به عن السرور والبشر وبالسواد عن الغم ويستسقى بالبناء للمفعول والجملة صفة أبيض والثمال: العماد والملجأ والمطعم والمغني والكافي والعصمة ما يعتصم به ويتمسك، قال الزركشي: يجوز فيهما النصب والرفع. والأرامل جمع أرملة وهي التي لا زوج لها لافتقارها إلى من ينفق عليها وقال ابن السكيت الأرامل المساكين رجالا كانوا أو نساء آل السهيلي في الروض الانف ج ۱ ص ۱۷۹: (فإن قيل: كيف قال أبو طالب وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ولم يره قط استسقى به إنما كانت استسقاءاته عليه الصلاة والسلام بالمدينة في سفر وحضر . وفيها شوهد ما كان من سرعة إجابة الله له؟ فالجواب إن أبا طالب قد شاهد ذلك في حياة عبد المطلب ما دله على ما قال انتهى. قال ابن هشام وحدثني من أثق به قال: أقحط أهل المدينة فأتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله). فشكوا ذلك إليه، فصعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم المنبر فاستسقى، فما لبث أن جاء من المطر ما أتاه أهل الضواحي يشكون منه الغرق فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) اللهم حوالينا ولا علينا، فإنجاب السحاب عن المدينة فصار حواليها كالإكليل فقال رسول الله (صلی الله عليه وسلم) : لو أدرك أبو طالب هذا اليوم لسره فقال له بعض أصحابه كانك يا رسول الله أردت قوله وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل قال: أجل.
يلوذ صفة أخرى لموصوف سيد . والهلاك: الفقراء والصعاليك الذي ينتابون الناس طلبا لمعروفهم من سوء الحال ! وهو جمعهالك.
نوفل هو ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وهو ابن العدوية وكان من شياطين قريش، قتله علي بن أبي طالب يوم بدر.
والقسط بالكسر: العدل. وخسَّ يَخَس من باب ضرب: إذا نقص وخف وزنه فلم يعادل ما يقابله . وله أي للميزان شاهد أي لسان من نفسه أي من نفس القسط غير عائل صفة شاهد أي غير مائل يقال عال الميزان يعول إذا مال.
الصميم الخالص من كل شيء. والذؤابة الجماعة العالية واصله الخصلة من شعر الرأس.
ألبوا اجتمعوا والطمل: الرجل الفاحش
أقول: قوله (سينشر أمرنا الأمر هنا هو رسالة النبي (صلى الله عليه وسلم)، ويفيد هذا البيت أن أبا طالب كان على يقين أن رسالة النبي (صلى الله عليه وسلم) سوف تنتشر وتبوء كل محاولات قريش بالخذلان.
الغب بالكسر العاقبة. ويقال هذا الأمر لا طائل فيه إذا لم يكن فيه غناء ومزية، مأخوذ من الطول بمعنى الفضل.
قال السهيلي: يقال( قوم براء بالضم وبراء بالفتح وبراء بالكسر: فأما براء بالكسر فجمع برى مثل كريم وكرام وأما براء فمصدر مثل سلام والهمزة فيه وفي الذي قبله لام الفعل. ويقال رجل براء ورجلان براء وإذا كسرتها أو ضممت لم يجز إلا في الجمع، وأما براء بضم الباء فالأصل فيه براء مثل كرماء واستثقلوا اجتماع الهمزتين فحذفوا الأولى وكان وزنه فعلاء فلما حذفوا التي هي لام الفعل صار وزنه فعاء وانصرف لأنه أشبه فعالا) . والمعقة بفتح الميم: مصدر بمعنى العقوق قال ابن هشام في السيرة زهير هو ابن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وأمه عاتكة بنت عبد المطلب) انتهى. وزهير هو المخصوص بالمدح مبتدأ. وجملة نعم ابن أخت القوم هو الخبر وغير مكذب بالنصب حال من فاعل نعم وهو .ابن. والحسام السيف القاطع وهو منصوب على المدح بفعل محذوف أي يشبه الحسام المسلول في المضاء والمفرد المجرد. والحمائل جمع حمالة وهي علاقة السيف.
الشمم: ارتفاع في قصبة الأنف مع استواء أعلاه. وهذا مما يمدح به وهو أشم من قوم شم. والبهاليل: جمع بهلول بالضم. والبهلول من الرجال: هو الحيي الكريم.
كلفت بالبناء للمفعول والتشديد مبالغة كلفت به كلفا من باب تعب: إذا أحببته وأولعت به، وأراد أبو طالب بإخوة النبي: أولاده جعفراً وعقيلاً وعليا رضي الله عنهم فإن أبا طالب كان عم النبي (صلى الله عليه وسلم)، والعم أب فأولاده إخوة النبي (صلى الله عليه وسلم) (أقول: مضافا إلى أنه تربى معهم في بيت واحد فهو أخوهم). ودأب مصدر منصوب بفعله المحذوف أي ودأب المحب، يقال فلان دأب فيعمله إذا جد وتعب.
الذب: الدفع والمشاكل جمع مشكلة.
والطيش: النزق والخفة ويوالي إلها أي يتخذه وليا وهو فعيل بمعنى فاعل من وليه إذا قام به ومنه (الله ولي الذين آمنوا) . الناصل الزائل المضمحل يقال نصل السهم: إذا خرج منه النصل ونصل الشعر ينصل نصولا زال عنه الخضاب.
في النهاية: يقال عُنيتُ بحاجتك أعنى بها فأنا بها معنى. وعُنيت بها فأنا عان، والأول أكثر أي اهتممت بها واشتغلت وهو من باب تعب.
0 تعليقات
أكتُبْ تعليقا