مجلة البعث الإسلامي ، ابريل
١٩٧٠
لا يمكن تحديد تعدد المعلقات أو تسميتها كما أنه صعب على الدارسين معرفة السنوات التى أنشدت أو علقت فيها بالضبط ، و لكن الأدباء و الناقدين والباحثين المعاصرين منهم والقدماء اتفقوا على ندرتها وأسلوبها وبلاغتها وروعتها ، أضف إلى ذلك الفطرة التي اتخذها أصحابها لتصوير ما أحسوا وشاهدوا وعملوا فى حياتهم اليومية من أعمال الكرم والجود أو التهور و الشجاعة ، أو النزاع و القتال ، أو الوصف و المدح أو البغض و الحسد
أنشد كل شاعر كما أحس و شعر و نظر و بصر، لا يخاف لومة لائم ولا يتمنى نعمة منعم إلا و هو نظم بقلب نقى وذهن ذكى واحساس مرهف ، بسط أمام الناس معايب الحياة ومحاسنها و ترك لهم مآثر مما يصور حياة قبلية فطرية دون غلو ولا مبالاة
و هذه كانت أيام الجاهلية كما نعرفها ، كل شاعر فى ذلك الزمن كان يعتبر لسان قومه أو مدافعاً عن قبيلته التى ينسب إليها ، بمعنى أنه كان يدافع عن أفراد قبيلته فى الخطوب ، و ينشر مكارمهم ، ويشيد بذكرهم فكان للشاعر تأثير قوى يساوى دعاية اليوم، فيرفع مكانة قبيلته على حساب قبيلة أخرى
فاذا اشتهرت القصيدة علقت على أستار الكعبة على حد قول بعض الناقدين ، و لذلك سميت مثل هذه القصائد المعلقات أو المذهبات أو السموط على حد قول الآخرين
ما من شك فى أنه قد اختلف الأدباء والباحثون في تسمية المعلقات ، وتعددها فمثلا ، سماها المفضل الضبي المتوفى ۱۸۹ه السموط وسماها المعلقات أبو زيد القرشي الأنصارى المتوفى ٢١٦ه ، و يقول البعض : إن حماد الراوية المتوفى ١٥٤ه كان أول من سماها بالمعلقات
ويقول ابن الكلبي المتوفى عام ٥٢٠٤ : إن أول شعر علق على ركن من أركان الكعبة أيام الموسم كان لامرئ القيس ، و يؤيد هذا الرأى ، ابن عبد ربه و جاء فى المزهر ، إنما سميت هذه المعلقات لأن الملك كان إذا استجيدت قصيدة يقول : علقوا لنا هذه لتكون فى خزانته ، و من انكروا تعليقها على الكعبة ، أبو جعفر النحاس المتوفى ۳۳۸ه ويؤيد هذا الرأى نولدكي Noeldeke المستشرق الألمانى الذى يقول: إن المعلقات معناها المنتخبات وإنما سماها حماد الراوية بهذا الاسم تشبيهاً لها بالقلائد التي تعلق فى النحور ، واستدل على ذلك بأن من أسمائها السموط ، و من معانى السموط القلائد، و شايعه على هذا كليمان ميار الفرنسى
أما الشيخ الاسكندرى المصرى المتوفى ١٩٣٦م فانه يخالف هذا الرأى أيضاً، ويقول : إنها كانت تعلق فى الخيام حيث يقيمون ، أما الآلوسى ، فانه كتب فى بلوغ الأرب: إن هذه القصائد علقت في سوق عكاظ و من أجل ذلك سميت بالمعلقات
و أما الزيات فانه يرى أن تعليق الصحائف الخطيرة على الكعبة كان سنة في الجاهلية بقى أثرها في الاسلام، فمن ذلك تعليق قريش الصحيفة التى وكدوا فيها على أنفسهم مقاطعة بني هاشم والمطلب لحمايتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أجمع على الدعوة ، وتعليق الرشيد لعهده بالخلافة من بعده إلى ولديه الأمين فالمأمون ، فلم لا يكون الأمر كذلك في هذه القصائد مع ما علمت من تأثير الشعر فيهم و مكانة الشعراء منهم - على أن لهذا الأمر نظائر في أدب الاغريق فان القصيدة التي قالها بندارزعيم الشعر الغنائى يمدح بها ديا جوراس قد كتبوها بالذهب على جدران معد أثينا فى لمنوس
و مهما يكن من أمر ، فان المعلقات قد احتلت مكاناً اعتنى به كثير من الأدباء المتقدمين والمتأخرين على السواء، وترجمت إلى لغات اجنبية ، ألمانية وفرنسية وانجلزية ، وشرحها الكثيرون ، بعضهم بشتى من التصرف، و هذا كله يدل على روعتها ، و جمال معانيها و سحر أساليبها ، فان المعلقات تنطق بصراحة و بدون تكلف أو تصنع بمجد العرب، وطباعهم و عاداتهم وتقاليدهم و أفكارهم
.
وقيل إنها سبع قصائد لامرىء القيس، والنابغة الذبياني وزهير بن أبي سلمى و طرفة بن العبد ، و لبيد ، و عمرو بن كلثوم والأعش وأضاف بعضهم إليها قصيدة عنترة بن شداد و بعضهم قصيدة الحارث بن حلزه حتى أضيفت قصيدة عبيد بن الأبرص و جعلوها العشر قصائد
امرىء القيس
لهُ أيطلا ظبيٍ وساقا نعامة
وإرخاء سرحانٍ وتقريبُ تتفلِ
ضليع إذا استدبرته سد فرجه
بضاف فويق الأرض ليس بأعزل
مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقبِلٍ مُدبِرٍ مَعًا
كَجُلمودِ صَخرٍ حَطَّهُ السَيلُ مِن عَلِ
و يقول فى الغزل :
وَبَيْضَةِِ خِدْرٍٍ لا يُرَامُ خِبَاؤُهَا
تَمَتَّعْتُ مِنْ لَهْوٍٍ بِهَا غَيْرَ مُعْجَلِ
تَجَاوَزْتُ أَحْرَاسًا وَأَهْوَالَ مَعْشَرٍاً
عَلَيَّ حِرَاصٍ لَوْ يُشِرُّونَ مَقْتَلِي
فَقَالَتْ يَمُيْنَ اللهَ ما لَكَ حِيْلَةٌ
وَمَا إِنْ أَرَى عَنْكَ العَمَايَةَ تَنْجَلِي
وبيضة خدر لا يرام خياؤها تمتعت من لهو بها غير معجل تجاوزت أحراساً إليها ومعشرا على حراصاً لو يسرون مقتلى فقالت : يمين الله مالك حيلة و ما أن أرى عنك الغواية تتجلى
و يصف الليل
وليل كموج البحر أرخى سدولهُ
عليَّ بأنواع الهموم ليبتل
فَقُلْتُ لَهُ لما تَمَطّى بجوزه
وأردف أعجازا وناء بكلكل
ألا أيّها اللّيلُ الطّويلُ ألا انْجَلي
بصُبْحٍ وما الإصْباحَ فيك بأمثَلِ
في الحقيقة : كان امرؤ القيس ينظم الشعر منذ طفولته و هو أول من وقف على الأطلال وبكى على الديار و شبب بالنساء ، ففى أشعاره
نرى صورة واضحة من حياته وعاداته و من خلال عاداته و خلقه نجد صورة كاملة مما كان يدور حوله في ذلك العصر
تحميل ملف PDF
0 تعليقات
أكتُبْ تعليقا