لقد فقد العالم الإسلامي في الأسبوع الأخير أحد علمائه المتميزين ودعاةه المخلصين—د. زغلول النجار (رحمه الله) —بعد حياة مكرسة للمعرفة والإيمان والدعوة إلى الله بالحكمة والوعظ الجميل”. نعرب عن تعازينا للأمة الإسلامية بوفاة العالم البارز د. زغلول النجار. ونعى الاتحاد الدولي لعلماء المسلمين وفاته ووصفها بأنها خسارة كبيرة للعالم الإسلامي
حياة مكرسة للعلم والإيمان
ولد د. زغلول راغب محمد النجار في 17 نوفمبر 1933 في قرية مشعل في قضاء بسيون بمحافظة الغربية بمصر. نشأ في بيت العلم والتقوى، وحفظ القرآن في سن العاشرة. كان جده إماماً للقرية، وكان والده وأعمامه وأعمامه من خريجي الأزهر ودار العلوم، مما يجسد إرثًا عائليًا متجذرًا بعمق في التقاليد الدينية والعلمية.
لقد زرعت بذور نظرته العلمية – القرآنية مبكراً. عندما كان شابًا، كان يحضر التجمعات المسائية الرمضانية لمثقفي قريته —المعلمين والعلماء والمهنيين من مختلف المجالات— الذين كانوا يقرؤون القرآن ويتأملونه، ويناقشون بلاغته اللغوية وحكمته القانونية. وقد ساهمت هذه الجلسات، إلى جانب دروس والده المنزلية في تفسير القرآن الكريم، في تشكيل شغفه مدى الحياة باستكشاف الانسجام المعجزي بين الوحي والخلق.
اشتهر الدكتور النجار بكتاباته الغزيرة ومحاضراته وبرامجه التلفزيونية، وأصبح معروفًا باسم “رائد المعجزات العلمية”، مما ألهم الأجيال للنظر إلى العلم كوسيلة لفهم العلامات الإلهية في الكون.
التعليم والتكوين الأكاديمي
حصل النجار على شهادة الثانوية العامة عام 1951، وكان من بين الطلاب المتفوقين، وتابع دراسة الجيولوجيا في كلية العلوم بجامعة القاهرة، حيث تخرج عام 1955 على رأس فصله.
بدأ حياته المهنية في مصر، وعمل في مجاله حتى عام 1959، عندما انتقل إلى المملكة العربية السعودية للحصول على فرص أكاديمية وبحثية. عازمًا على تعميق خبرته العلمية، سافر إلى جامعة ويلز (المملكة المتحدة)، حيث —على نفقته الخاصة— تابع وأكمل درجة الدكتوراه في الجيولوجيا في عامين فقط (1963)، وهو إنجاز يوصف بأنه “وقت قياسي.”
واعترافًا بتألقه، عرضت عليه جامعة ويلز زمالة بحثية لما بعد الدكتوراه، أنتج خلالها 14 ورقة بحثية في مجاله. وفي عام 1967، حصل على زمالة الجامعة، وأوصت لجنة الامتحانات بالنشر الكامل لأبحاثه، التي أصدرتها الجامعة في مجلد خاص مكون من 600 صفحة —أعيد طبعه 17 مرة بحلول عام 2004.
وقد نشأت جذور النجار الفكرية داخل حركة الإخوان المسلمين في مصر. وأدى ارتباطه بالجماعة خلال سنوات دراسته الجامعية إلى سجنه مرتين في السجن العسكري، حيث عانى من مشقة شديدة وتعذيب. تمت محاكمته لاحقًا أمام محكمة عسكرية بتهم “إحياء منظمة محظورة” و“السعي للإطاحة بالنظام.”
المناصب والمسؤوليات
دكتور. ولعب زغلول النجار دوراً رائداً في إنشاء أقسام الجيولوجيا في عدة جامعات، منها جامعة الملك سعود وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن في المملكة العربية السعودية، ثم في جامعة الكويت عام 1972 حيث شغل منصب رئيس القسم. وفي عام 1978 أصبح رئيساً لقسم الجيولوجيا في جامعة قطر، ثم عمل أستاذاً زائراً في العديد من الجامعات العربية والغربية، بما في ذلك جامعة كاليفورنيا (الولايات المتحدة الأمريكية).
أشرف على أكثر من 45 رسالة دكتوراه في علوم الأرض، وعمل كزميل وعضو مجلس إدارة الأكاديمية الإسلامية للعلوم، وأدار معهد ماركفيلد للتعليم العالي في المملكة المتحدة.
طوال حياته المهنية، عمل مع العديد من شركات الأبحاث والبترول الدولية، بما في ذلك شركة روبرتسون للأبحاث (المملكة المتحدة)، وساهم في العديد من المجلات العلمية في جميع أنحاء الولايات المتحدة وفرنسا والهند.
وفي سنواته الأخيرة، شغل منصب مستشار جامعة الأحقاف (اليمن) وأستاذًا في الجامعة العالمية للعلوم والتربية الإسلامية في عمان، الأردن—، واستمر في مهمته المتمثلة في الربط بين الإيمان والعلم حتى أيامه الأخيرة.
المساهمة العلمية والفكرية
ورغم تخصصه في الجيولوجيا والمجالات ذات الصلة مثل دراسات البترول والمياه، فقد كرس الدكتور زغلول النجار جزءاً كبيراً من حياته لاستكشاف المعجزات العلمية للقرآن والسنة. وبالاعتماد على خبرته المزدوجة في العلم والإيمان، قام بتأليف العديد من الكتب، وألقى محاضرات، وشارك في مؤتمرات دولية لإظهار الانسجام بين الوحي والاكتشاف العلمي. وقد تناولت كتاباته الجوانب المعجزية في القرآن الكريم فيما يتعلق بخلق الإنسان، والحيوان، والسموات، والأرض، مؤكداً أن كل هذه الخلق تعكس دقة الخالق القدير— الذي أنزل كتاباً سبق كثيراً من الحقائق العلمية الحديثة قبل قرون من اكتشافها. وكانت مهمته التأكيد على أن القرآن يسبق المعرفة العلمية الحقيقية، لكنه لا يتعارض معها أبدًا.
![]() |
| العلامة المصري زغلول النجار |
وشدد النجار على أنه ينبغي استخدام الحقائق العلمية المثبتة فقط في تفسير المعجزات العلمية، في حين لا يجوز الرجوع إلى النظريات والفرضيات إلا في أمور تتجاوز الملاحظة البشرية— مثل الخلق والفناء والقيامة.
كما ميز بين التفسير العلمي والمعجزات العلمية في القرآن، موضحاً: “يستخدم التفسير العلمي كل المعارف المتاحة —الحقائق والقوانين والنظريات والفرضيات— لفهم النص القرآني بشكل أفضل. لكن المعجزة تكمن في الدقة الإلهية التي لا يمكن أن يضاهيها التفكير البشري.”
وكان يستنتج في كثير من الأحيان، “لا ضرر من استخدام النظريات في التفسير، فهي تظل محاولة إنسانية للفهم. إذا كان المترجم على حق، فإنه يكسب مكافأتين؛ وإذا أخطأ يكسب واحدة.”
اعتبر زغلول النجار المعجزات العلمية في القرآن الكريم شكلاً من أشكال التحدي الفكري، ووسيلة لإثبات أن هذا القرآن، الذي نزل منذ أكثر من 1400 عام على النبي محمد صلى الله عليه وسلم بين أمة أمية إلى حد كبير، يحتوي على حقائق عن الكون لم يكتشفها العلماء إلا مؤخراً. وأوضح أنه في حين يتم التعبير عن الآيات المتعلقة بالإيمان والعبادة والأخلاق والعلاقات الإنسانية بلغة واضحة وحاسمة، فإن الآيات الكونية —التي يتجاوز عددها الألف— موجزة وعميقة عمداً، مما يتطلب الانخراط في المعرفة العلمية المتاحة لفهم معانيها خارج النطاق اللغوي.
المنشورات والإرث
ألف زغلول النجار أكثر من 150 بحثًا ومقالًا علميًا، ركز الكثير منها على جيولوجيا العالم العربي. امتد إنتاجه الفكري والأدبي إلى ما هو أبعد من العلم، حيث شمل أكثر من 45 كتابًا باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية— يستكشف موضوعات مثل المعجزات العلمية للقرآن والسنة، والفكر الإسلامي، والعلاقة بين الإسلام والغرب.
ومن أبرز أعماله:
- مسألة المعجزات العلمية في القرآن ومبادئه المنهجية
- المعجزات العلمية في السنة
- مشكلة التخلف العلمي والتكنولوجي في العالم الإسلامي
- الإسلام والغرب
- الإنسان: من الولادة إلى القيامة في القرآن
- علوم الأرض في الحضارة الإسلامية
- قصة الخلق
- الظواهر الكونية في القرآن
- معجزة الزمان والمكان
قد حصل على جائزة دبي العالمية للقرآن الكريم (2006) — تم تكريمها كشخصية العام الإسلامية (1427هـ).
لقد كانت حياة زغلول النجار شهادة على الانسجام بين الإيمان والعقل، وتركت أبحاثه بصمة عميقة في العالمين العلمي والفكري الإسلامي. ومن خلال جهوده التي بذلها طيلة حياته، سعى إلى إثبات أن القرآن يظل الدليل النهائي للمعرفة، وهو كتاب إلهي لا يزال يلهم أجيالاً من العلماء لقراءة الكون باعتباره انعكاساً لحكمة الخالق. رحمه الله، وقبل خدمته مدى الحياة للإسلام والإنسانية، وكافئه جزاءً غزيراً على مساهمته في إحياء الفكر القرآني.
حانوت كتب زغلول النجار - كتب للتحميل
عرض لأغلفة بعض كتب الدكتور زغلول النجار في الإعجاز العلمي للقرآن الكريم مع روابط التحميل.
تحميل PDF
تحميل PDF
تحميل PDF
تحميل PDF
تحميل PDF
تحميل PDF
تحميل PDF
تحميل PDF
تحميل PDF

0 تعليقات
أكتُبْ تعليقا