ادعمنا بالإعجاب

السيد عبد الحي الحسني ومساهمته في الأدب العربي الهندي


عبد الرحمن الفيضي المولافالي[1]
حياته وأسرته

هو الشريف العلامة عبد الحي بن فخرالدين الحسني مؤرخ الهند الأكبر وأحد كبار مؤلفي القرن الرابع عشر الهجري. انتقل قطب الدين محمد أحد أجداده من بغداد في فتنة المغول[2]          فقدم غزنة(3)         وأقام بها زمانا، ثم قدم الهند فجاهد في سبيل الله، وتولى مشيخة الاسلام في دهلي،[4] وقد نبغ من ذريته عدد لا يحصى من رجال العلم والمعرفة.
ولد الشيخ عبد الحي الحسني رحمه الله سنة 1286 هـ \ 1869 م في زاوية السيد علم الله على ميلين من بلدة راي بريلي[5] من أعمال لكهنو. تربى في حجر الدين والعلم، وقرأ الكتب الدرسية من الصرف والنحو والفقه والأصول والتفسير والمعقولات على أشهر علماء لكهنو، ثم سافر إلى بهوبال[6] فقرأ سائر الكتب الدرسية، وبعد ما رجع إلى لكهنو شمر الذيل في تحصيل علم الطب، ثم رحل إلى دهلي وباني بت وسهارنبور وسرهند وديوبند، واجتمع باالعلماء والمشايخ، وأخذ عنهم الإجازة.


وكان رحمه الله حريصا على إصلاح المسلمين ونفعهم، وكان يتألم كثيرا مما يرى من اضطراب حبل المسلمين. فلما أسست جمعية ندوة العلماء[7] تفرغ لخدمتها وخدمة الإسلام والمسلمين بواسطتها مع ضيق ذات يده، ولما رتب له أعضاء الندوة معاشا قبله زمانا ثم اعتزل الوظيفة واشتغل بالطب، ولم يزل يخدم الندوة حسبة لله تعالى مدة حياته،[8] وكان رحمه الله هوالمعتمد في أمور الندوة من أول الأمر فجعلوه ناظما لها- أي مديرا لشؤونها. ولما أسست مدرسة دار العلوم تحت إشراف ندوة العلماء اعتنى بأمورها اعتناء تاما حتى صارت مضرب المثل في الجمع بين القديم الصالح والجديد النافع.
توفي رحمه الله سنة 1341 هـ الموافق 1923 م، ودفن عند قبر الشيخ علم الله في زاويته خارج بلدة راي بريلي. وقد أعقب رحمه الله ابنين وبنتين. أما الأكبر من ابنيه هو الدكتور عبد العلي، والثاني هو الداعية الكبير أحد أعلام القرن العشرين السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي رحمهما الله، اقتفيا أثر والدهما وقاما بسعي مشكور في تحقيق أحلامه الجليلة.
مساهمته في مجال التدريس والتصنيف      
كان متضلعا من العلوم، راسخ القدم في آداب اللغة العربية والأردوية والفارسية، وكان شاعرا مجيدا إلا أنه لم يكثر فيه، بارعا في الفقه والحديث والتفسير والسير والتاريخ، لم يكن له نظير في العلم بأحوال الهند ورجالها في عهد الدولة الإسلامية، وكان يدرس الأدب والطب والحديث والقرآن، وجل أوقاته كانت تمضي في مطالعة الكتب والتصنيف.[9]
مؤلفاته العربية
1)   نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر
إن بلاد الهند العامرة بالرجال التي لم يغب لها نجم إلا وطلع لها نجم آخر لم تنل من عناية المؤرخين العرب ما كانت تستحقه، ولم تشغل من مؤلفاتهم المكان اللائق بمجدها وكرامتها. أما مؤلفات أهل الهند في التراجم والتاريخ فكان معظمها معوزة بقلة التنقيح والتهذيب والاستقصاء والاشتغال بالغرائب وبما لايهم عما يهم،[10] فكانت الحاجة ماسة إلى وضع كتاب بالعربية جامع لما تفرق في الكتب المؤلفة في ألف سنة من تاريخ الإسلام في الهند مع تهذيب وتلخيص وتحقيق. تصدى الشيخ رحمه الله لهذه المهمة الجليلة، فأكب على دراسة هذا الموضوع ووقف عليه حياته، فوفق لوضع كتاب كبير تنوء به عصبة من العلماء أو مجمع علمي في ثمانية أجزاء، سماه "نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر"، لخص فيه واقتبس من ثلاثمائة كتاب في العربية والفارسية والأردوية ما بين خطي ومطبوع،[11] ولم يغادر صغيرا ولا كبيرا اطلع عليه إلا أحصاهم في كتابه، حتى أصبح الكتاب يحتوي على ترجمة أكثر من أربعة آلاف وخمسمائة ونيف، ذكر فيها كل ما انتهى إليه علمه من تعلمهم وأعمالهم وكناهم وألقابهم وأنسابهم وسني وفياتهم وأين درسوا وعلى من قرؤوا وما صنفوا وأين علّموا. وقد بالغ في الاستقصاء وكاتَب العلماء وأهل الخبرة ودار البلاد.
ويتضمن الجزء الأول لهذا الكتاب تراجم علماء الهند وأعيانها فيمن قدم الهند من أعيان المسلمين من القرن الأول إلى القرن السابع، وكل جزء بعده يتضمن تراجم أعلام قرن كامل حتى ينتهي الجزء الثامن بتراجم أعيان القرن الرابع عشر الهجري.
وأول ما طبع من أجزاء هذا الكتاب هوالجزء الثاني حيث قامت دائرة المعارف العثمانية بحيدراباد بطبعه عام 1350هـ \ 1931 م ذيلا لكتاب "الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة" لابن حجر العسقلاني رحمه الله. ثم طبعت الجزء الأول عام 1366 هـ \ 1947 م مع مقدمة اشتملت على ذكر أعلام المسلمين في التاريخ الاسلامي حسب اختصاصاتهم العلمية حتى القرن الرابع عشر الهجري، بقلم نجل المؤلف عبد العلي الحسني رحمه الله. ثم ظهرت الأجزاء الأخرى عن دائرة المعارف نفسها. وكلما توقف الطبع حث عليه المرحوم أبوالكلام آزاد وزير المعارف الأول للهند المستقلة، حتى طبع الجزء السابع عام 1378 هـ \ 1959 م, فتم طبع أجزاء الكتاب عدا الجزء الأخير، لكون المؤلف توفي عنه وهو لا يزال في مسودته، وقد ترك فيه بياضات لزهاء 350 ترجمة سمى أصحابها، وأتم منه 559 ترجمة. فعمل نجله المرحوم أبوالحسن علي الندوي على إكمالها من بعده. قال: وحرصت على تمييز كل ما أزيده ويصدرعن قلمي القاصر، عما صدر عن قلم المؤلف نفسه، فجعلت الزيادات والملحقات كلها بين عمودين، ولم أضم تراجم جديدة إلى الكتاب، ولم أكتب ترجمة لم يكتبها المؤلف" وطبع هذا الجزء سنة 1970 م, وهو من أهم أجزاء الكتاب.[12]
    وكان للمصنف رحمه الله صفات أهلته للقيام بهذا التأليف الجليل، نلخصها فيما يلي:
‌أ.        انه نشأ على الاطلاع والجمع، وقد كان ذوقا توارثه من أبيه، فإن والده السيد فخرالدين بن عبد العلي صاحب مؤلفات في التاريخ والأنساب، أكبرها "مهرجان تاب" بالفارسية. فكان فن تاريخ الهند للمصنف سليقة وذوقا، إذ كان لغيره صناعة وكدا.
‌ب.   كان مشاركا في جميع العلوم السائدة في عصر المترجمين، وكان له بصيرة كاملة في العلوم العقلية والنقلية، جامعا إلى ذلك الإلمام بالتصوف.
‌ج.    كان ذا مواهب في التاريخ، قد رزقه الله صفاء الحس وثقوب النظر وحسن الملاحظة ودقتها.
‌د.      الإتقان والإحكام، فلم يستعجل في كتابه ولم يبادر بنشره، بل مكث حياته ينقح ويهذب.
‌ه.     انه كان يمتاز بسعة قلبه، لا يتحيز إلى فئة في التاريخ، ولايتعصب على جماعة، بل يؤدي الأمانات إلى أهلها.
‌و.      كان صاحب القلم السيال والبيان السلسال، فجعل الكتاب يصدق عليه اسمه بكل معنى الكلمة (نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر)
‌ز.      ان هذا الكتاب يشتمل على فوائد غالية في تاريخ الهند لاتكاد توجد في مكتبة حافلة، فضلا عن كتاب مفرد.
‌ح.    حسن التلخيص والإشعار بمكانة المترجم.[13]
2)    معارف العوارف في أنواع العلوم والمعارف
قام بطبعه المجمع العلمي العربي بدمشق باسم "الثقافة الإسلامية في الهند" سنة 1377 هـ \ 1958 م. وقد وضع المؤلف في أول هذا الكتاب مقدمة جليلة بحث فيها عن مناهج التعليم في هذه البلاد وما حدث فيها من التغيير في كل عصر منذ فتح المسلمون الهند إلى عهد المؤلف، ثم تكلم على الفنون كالصرف والنحو واللغة والبلاغة والعروض والشعر والتاريخ والجغرافية والفقه والحديث وأصولهما والتفسير وأصوله والتصوف والأخلاق والكلام والمناظرة والمنطق والطبيعيات والرياضيات والطب، فذكر تاريخ كل فن مطلقا، ثم ذكر تاريخ الفن في الهند، ثم ذكر ما وضع فيها علماء الهند من الكتب ومن برع فيها منهم. وهو كتاب جليل غزير المادة في هذا الموضوع، وخلاصة دراسات طويلة واسعة دقيقة.
3)   جنة المشرق ومطلع النورالمشرق
طبع باسم "الهند في العهد الإسلامي". وهو أجل كتاب في جغرافية الهند وتاريخ المسلمين، يحتوي على ثلاثة فنون:
الفن الأول عرف فيه أولا اصطلاحات علم الجغرافية، ثم ذكر جغرافية الهند وحاصلاتها وأشجارها وحيواناتها ومعادنها وأجناسها، وأديانها وصناعاتها ولغاتها وأقطاع الهند وأشهر مدنها وقراها في العهد الإسلامي، وقد أشار الشيخ فيه إلى الحشائش  والعقاقير وأصناف النبات النافعة في حفظ الصحة وإزالة الأمراض ومقاومة السموم المشروبة والملدوغة التي تنبت بأرض الهند. ثم فصل جغرافية الولايات في الهند على حدة، وقد ذكر فيها المدن الكبيرة وأهمية المباني التي بنيت فيها من القصور والسجون والمدارس والمساجد وغيرها، ثم ختم الفن الأول على ذكر سلطة الإنكليز.
وفي الفن الثاني استعرض تاريخ الحكومات الإسلامية في الهند وظهور الإسلام في الهند واستيلاء ملوك المسلمين مع تراجمهم، إلى سلطة الإنكليز والثورة الهندية ضدهم. وقد بين أساليب الحكم والتنظيم الإداري وقيادة الجيوش ونظام الحروب والأحوال الإقتصادية وغيرها بالتفصيل.
وأما الفن الثالث الذي هو حصيلة هذا الكتاب التي تهبه مكانا عاليا في كتب الخطط والآثار، فقد أوضح فيه طرق الملوك في الأحكام السياسية ونظام الحكومة وآثارهم ومؤسساتهم كالشوارع والأنهار والحدائق والحياض والبريد والجوامع والمساجد والمدارس والمستشفيات والمقابر العظيمة، ونظام العساكر ووظائفها، وآداب التحية والأعياد العامة، وأسماء الشهور الشمسية والقمرية ووجه تسميتها، وطريق المسلمين في الساعات والتاريخ، ومقاييس الموازين في الهند ونقودها، والخراج ومالية الدولة، ونظام  البريد وضوابطه. وقد ألقى الضوء على فضل الحكومات الإسلامية في إنهاض البلاد وترقيتها من نواحي الحضارة كلها.
4)    تلخيص الأخبار
طبع هذا الكتاب باسم "تهذيب الأخلاق". وهو كتاب مختصر نفيس في الحديث، جمع فيه الأخبار بحذف الأسانيد الواردة في الكتب الستة، انتخبها خاصة لتهذيب الأخلاق وتزكية النفس وفضائل الأعمال والأخلاق.
5)   منتهى الأفكار في شرح تلخيص الأخبار
هذا الكتاب شرح لتأليفه "تلخيص الأخبار"، قد شرح فيه الأحاديث وكشف النقاب عن وجوه الاختلاف، فأجاد فيما أراد في الجزءين الكبيرين، والكتاب يدل على مكانته في علم الحديث.
6)   كتاب الغناء
قد أوضح في هذا الكتاب الوجيز مسألة الغناء في الإسلام، وبين حكم الشرع في هذا الأمر، وتحدث عن الاختلاف بين الأئمة حول التحريم أو الترخيص بالآلات أو بغيرها.
7)   تعليقات على سنن أبي داود
كان من أعز أماني الشيخ في آخر حياته أن يتفرغ لتدريس الحديث الشريف ونشره، فألف الكتب السابقة في الحديث، وشرع في كتاب باسم "تعليقات على سنن أبي داود"أ ولكن وافته المنية قبل إكماله.
8)   شرح المعلقات السبع
هذا الكتاب أيضا من ضمن المؤلفات التي لم يكملها الشيخ رحمه الله في حياته. شرح فيه واحدا وثمانين بيتا من شعر امرىء القيس، وأربعة ومائة بيت لطرفة بن العبد، وثلاثة وعشرين بيتا لزهير بن أبي سلمى.
9)   ريحانة الأدب وشمامة الطرب
هو كتاب مدرسي عن الأدب العربي لتدريس علم الصرف والنحو على الأصول الاستقرائية لتدريب الطلبة في الخطابة والكتابة. وهذا الكتاب أيضا غير مكمل.
10)                        القانون في انتفاع المرتهن بالمرهون
رسالة وجيزة شرح فيها الأحاديث النبوية المتعلقة بالراهن والمرتهن، وأوضح الخلافات الفقهية في انتفاع المرتهن بالمرهون في ضوء القرآن والحديث.
مؤلفاته بالأردية
1)   كل رعنا (الزهرة الرشيقة)
تأليف رائع في تاريخ شعر اللغة الأردية وشعرائها، وقد قررته عدة جامعات للتدريس في الصفوف العليا.
2)   ياد ايام (ذكريات للماضي)
  كتاب وجيز عن العهد الإسلامي في ولاية كجرات وحضارتها وعهدها الذهبي الإسلامي.
3)   دهلي اور اسكى اطراف (مدينة دهلي وما حولها)
هو انطباعات رحلته العلمية التي قام بها سنة 1312هـ \ 1894 م.
4)   طبيب العائلة
كتاب علمي مفيد يبحث عن طبيعة الأولاد وما ينتابهم من الأمراض، ويشتمل على إشارات وقائية وما يختص بالنساء من المراحل الطبيعية.
5)   قرا بادين
  يتكلم فيه على أسباب الأمراض المزمنة ومعالجتها وكيفية تركيب الأدوية.
6)   تعليم الإسلام
  كتاب وجيز يبين المسائل الفقهية الضرورية في حياة المسلم.
7)   نور الإيمان
  رسالة وجيزة عن عقائد الإسلام، مفيدة لتعليم الأطفال.
مؤلفاته بالفارسية
 1)       تذكرة الأبرار: كتاب جمع فيه أحوال الشيوخ والعلماء من أسرته.
2)      رسالة دربيان سلاسل خانواده نقشبنديه (رسالة في سلسلة المشايخ النقشبندية)[14]
المراجع
1.     الحسيني، الدكتور السيد قدرة الله, العلامة السيد عبد الحي الحسني: عصره- حياته- مؤلفاته.
2.      الحسني، السيد عبد الحي، نزهة الخواطر، دائرة المعارف العثمانية.
3  .     الحسني، السيد عبد الحي، الثقافة الإسلامية في الهند، المجمع العلمي العربي، دمشق.  
4   .     الحسني، السيد عبد الحي، الهند في العهد الإسلامي، المجمع العلمي العربي، دمشق.
5.     الحسني، الدكتور السيد عبد العلي، مقدمة نزهة الخواطر، دائرة المعارف العثمانية، حيدراباد.
6.     الندوي، السيد أبو الحسن علي، مقدمة الجزء الثامن من نزهة الخواطر، دائرة المعارف العثمانية، حيدراباد.
7.     مواقع شتى من إنترنت.       



[1]   باحث, قسم العربية, جامعة كاليكوت
[2]  امبراطورية أسسها جنكيز خان. وهجوم المغول على البلاد الإسلامية أدى إلى هجرة كثير من رجال العلم إلى الهند وما جاورها.
[3]    مدينة في شرق أفغانستان.
[4]  الزركلي، خير الدين، الأعلام.
[  5]     مدينة معروفة في ولاية أتر براديش.
[6]  Bhopal  عاصمة ولاية Madhya Pradesh  حاليا.
[7]  جمعية تأسست في لكهنو عام 1312 هـ  بأيدي بعض العلماء الذين خافوا على المسلمين تخلفهم عن ركب الثقافة والعلم.
[8]    الحسني، الدكتور عبد العلي، مقدمة نزهة الخواطر، دائرة المعارف العثمانية.
[9]    الكتاب السابق
[10]  الحسيني، الدكتور السيد قدرة الله، العلامة السيد عبد الحي الحسني: عصره، حياته، مؤلفاته، رسالة دكتوراه في جامعة كاليكوت، طبعها المجمع العلمي العربي.
  11]       الحسني، الدكتور عبد العلي.
   12]      الحسيني، الدكتور السيد قدرة الله.
    13]  الحسني، الدكتور عبد العلي.
   14]  الحسيني، الدكتور السيد قدرة الله

مواضيع ذات صلة
الأعلام،, دراسات, نداء الهند،,

إرسال تعليق

1 تعليقات

أكتُبْ تعليقا