مقدمة:
في منتصف القرن العشرين، حين وضعت الحرب أوزارها، وكانت الأرض لا تزال ترتجف من أهوال القنابل، والدماء لم تجفّ بعد على خرائط العالم، وعيون الأرامل تبحث في الأنقاض عن ظلّ غائبٍ لن يعود، والمدن بأكملها تحوّلت إلى ركام، وملايين الأرواح أزهقتها نيران الحرب. وسط هذا الركام، والدمار، والقتل، والتشريد، نشأت فكرة تحمل أملا جديدا، ورجاء قويا للأمن والسلام في مشارق الأرض ومغاربها.
في عام ١٩٤٥، اجتمع ممثلو ٥٠ دولة في مؤتمر سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية، وأسسوا منظمة للأمن والسلام، ومحطة لتصدي النزاعات والصراعات، ومنصة للحوار والنقاش، ومؤسسة لحماية حقوق الإنسان، وكيانا للحفاظ على العدالة والمساواة. ودخلت هذه المنظمة حيز التنفيذ باسم ”الأمم المتحدة“ كمظلة للسلام، ومحور للتعاون الدولي، ومسرح يُناقش فيه الخلاف بالحوار بدلًا من القتل والتطهير. ولكن، بعد مرور أكثر من سبعة عقود على ولادتها، وبين قراراتها وآلاف الاجتماعات والمؤتمرات، وبين تقاريرها الثقيلة، يبرز سؤال: هل ما زالت الأمم المتحدة مؤثرة؟ هل هي ما زالت فعالة في القرن الواحد والعشرين؟ هل هي ما زالت ناجحة في أوامرها وأحكامها؟
قال الرئيس الأمريكي، هاري ترومان، في خطابه الختامي خلال مؤتمر سان فرانسيسكو عام ١٩٤٥:إذا فشلنا في استخدامه، فسوف نخون كل من ماتوا حتى نلتقي هنا بحرية وأمان لإنشائه. إذا سعينا إلى استخدامها بشكل أناني - لصالح أي أمة واحدة أو أي مجموعة صغيرة من الدول - فسنكون مذنبين بنفس القدر بهذه الخيانة.“
تتكون الأمم المتحدة من عدة مجالس وهياكل رئيسية تعمل معًا لتحقيق أهداف المنظمة، مثل تعزيز السلام والأمن الدولي، حماية حقوق الإنسان، ودعم التنمية المستدامة. فيما يلي نظرة موجزة على أبرز هذه المجالس والهياكل:
الجمعية العامة:
إن الجمعية العامة هي الهيئة الرئيسية للأمم المتحدة حيث تتخذ القرارات، وتناقش القضايا العالمية مثل الأمن والسلام، وحماية حقوق الإنسان، كما تعالج القضايا الاقتصادية والاجتماعية، والمناخية. تضم ممثلين عن جميع الدول الأعضاء (١٩٣ دولة حاليًا). تجتمع الجمعية سنويًا في سبتمبر، مع جلسات خاصة حسب الحاجة.
مجلس الأمن:
إن مجلس الأمن مسؤول عن حفظ السلام والأمن الدولي حيث يتألف من ١٥ عضوًا: ٥ أعضاء دائمين (الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، والمملكة المتحدة، وفرنسا) مع حق الفيتو، و ١٠ أعضاء غير دائمين يُنتخبون لمدة عامين. يعمل مجلس الأمن لمعالجة القضايا والمشاكل من خلال الحوار والنقاش، وفي حالة الطوارئ، يمكن له أن يفرض العقوبات ويرسل قواته.
المجلس الاقتصادي والاجتماعي:
يركز المجلس الاقتصادي والاجتماعي على التنمية المستدامة، ومكافحة الفقر، والتعليم، والصحة وغيرها. يتكوّن المجلس من أعضاء ٥٤ دولة تنتخبهم الجمعية العامة للأمم المتحدة لمدة ثلاث سنوات، مع مراعاة التوزيع الجغرافي بين القارات. وينسق المجلس مع الوكالات المتخصصة مثل منظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأغذية والزراعة، ومنظمة العمل الدولية وغيرها.
مجلس حقوق الإنسان:
يضم ٤٧ عضوًا يُنتخبون من الجمعية العامة. يتابع المجلس ما يجري في الدول من انتهاكات، سواء كانت حربا، أو اضطهادًا، أو تمييزًا، أو اعتقالات تعسفية، أو انتهاكات لحرية التعبير والدين. وكذلك يتابع المجلس حالات التعذيب، وحرية التعبير، والعنف ضد المرأة، وحقوق الأقليات، ويعد التقارير عنها.
محكمة العدل الدولية:
تألف المحكمة من ١٥ قاضيًا تنتخبهم كل من الجمعية العامة ومجلس الأمن لفترات مدتها تسع سنوات. ومقرها الرئيسي في لاهاي، هولندا. تنظر المحكمة في النزاعات القانونية بين الدول، مثل الخلافات الحدودية، وتقدم آراء استشارية قانونية غير ملزمة. تُوزع المقاعد جغرافيًا بشكل غير رسمي لضمان تمثيل القضاة من جميع الأنظمة القانونية الرئيسية في العالم في المحكمة.
ومن الوكالات المتخصصة الأخرى التي تنسق وتعمل مع الأمم المتحدة هي:
منظمة الصحة العالمية: تعنى بالصحة العامة على مستوى العالم، وتنسّق الاستجابات للأوبئة والأمراض، وتعمل على تحسين أنظمة الرعاية الصحية.
- منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو): تهدف إلى تعزيز التعليم، والثقافة ، وحماية التراث العالمي.
- منظمة الأغذية والزراعة: تعمل على القضاء على الجوع، وتحقيق الأمن الغذائي، والتنمية الزراعية.
- منظمة العمل الدولية: تهتم بحقوق العمال، وتحسين بيئة العمل، وتضع المعايير الدولية في مجال العمل.
- صندوق النقد الدولي: يدعم الاستقرار المالي العالمي، ويقدم المشورة والتمويل للدول لمساعدتها في مواجهة الأزمات الاقتصادية.
- البنك الدولي: يمول المشاريع التنموية في الدول النامية، ويهدف إلى تقليل الفقر، وتعزيز التنمية المستدامة.
ومن الوكالات الأخرى:
- مجلس حقوق الإنسان :هيئة تابعة للجمعية العامة، تعنى برصد أوضاع حقوق الإنسان حول العالم والتحقيق في الانتهاكات.
- برنامج الأمم المتحدة الإنمائي:يدعم الدول في تحقيق التنمية المستدامة ومكافحة الفقر.
- مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين:تقدم الحماية والمساعدة للاجئين والنازحين.
- برنامج الأغذية العالمي:يقدم مساعدات غذائية عاجلة في حالات الطوارئ.
- منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف):تعمل على حماية حقوق الأطفال وتقديم التعليم والرعاية الصحية لهم.
- مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة: يعالج قضايا الجريمة، والمخدرات، والاتجار بالبشر وغيرها.
ورغم هذه الوكالات والهيئات للأمم المتحدة، المتخصصة بحماية حقوق الإنسان، والحفاظ على الأمن والسلام، لا تبدوا مؤثرة، ولا تنجح في تحقيق مبادئها الأساسية، وأضحت غير موثرة في التعاطي بالنزاعات والصراعات العالمية والوطنية في القرن الواحد والعشرين. ومن المهم للمعرفة أن أكثر من ١٠ حروب حدثت في دول متعددة من آسيا إلى أفريقيا في ٢٠ سنة أخيرة، ولا تزال تستمر في عدة دول. ولكن الأمم المتحدة وجمعياتها لم تظفر بتسوية أي صراع ونزاع، إلا أصدرت خطبا ثقيلة، ورسائل شديد الإدانة، وأدانت بعمليات المحتلين، وطالبت بإعادة الأمن والسلام في المنطقة التي تنفخ فيها نيران الحرب، ولكنها لم تتخذ أي خطوة جريئة، ولم تبادر إلى أي إجراء عنيف ضد المحتلين والغاصبين والمهاجمين. وكل هذا بسبب عديد من الأسباب الداخلية والخارجية.
دعنا كي ننظر إلى بعض الحروب التي فشلت فيها الأمم التحدة في إعادة الأمن والسلام في المنطقة:
في حرب العراق، شنت الولايات المتحدة وحلفائها الهجوم على العراق، ادعاء بأنها تزيل النظام السياسي لصدام حسين. وفي ستار هذه التحديات التعسفية، احتلت القوى العظمى العراق، ودمرت المدينة بأكملها، وخربت المناطق، ولكن الأمم المتحدة فشلت في إنهاء هذا الاحتلال، والقبض على السفاكين، بل إنها تخلت من مسؤولياتها فقط من خلال إرسال المساعدات المالية، وإعادة البناء للمباني. في سوريا، مارست الحكومة السورية الظلم والاستبداد، وقتلت الآلاف، وسجنت الأشخاص، وهتكت حقوق الإنسان. ولكن الأمم المتحدة وهيئاتها لم تتخذ أي خطوة حاسمة، ولم تقر أي قرار معاد للنظام السوري بسبب القوات والقدرات التي تمتلكها بعض الدول الكبرى، وتحتك تلك الهيئات.
تأتي التمويلات للأمم المتحدة من الدول الأعضاء فيها، مثل ما تساهم الولايات المتحدة حوالي ٢٢٪ من ميزانيتها، كما تأتي بعض التمويلات بشكل غير مباشر من خلال التمويل إلى الهيئات الأخرى التابعة للأمم المتحدة مثل الأونروا، ومنظمات حقوق الإنسان والغذاء والأطفال وغيرها. وكل من يزيد من تمويلها، يكون نصيبها أكثر مقارنة بالدول الأخرى، ويسيطر عليها مثلما يشاء، ولذا شهدنا أن الولايات المتحدة أوقفت التمويلات لوكالة الأونروا في عام ٢٠١٨، كما تهدد دائماً بقطع التمويلات من المنظمات الأخرى. ولذا نجد في بعض الأحيان أن الأمم المتحدة وهيئاتها تقتصر من توفير المساعدات والإغاثات بسبب قلة التمويلات إليها مثلما حدث في اليمن والسودان. وحالياً، تواجه الأمم المتحدة التحديات المالية حيث أعلنت أنها تقلل عدد موظفيها حوالي ٢٠٪ بسبب التخفيضات المالية، مما جعلها تعاني بخسارة تبلغ ٦٠ مليون دولار.
في أفغانستان، قررت الحكومات الأمريكية والبريطانية بالهجوم عليها في عام ٢٠١١، وبررته تلك الحكومات بمكافحة الإرهاب. وفي أعقاب ذلك الهجوم، دمرت هذه القوات المدينة، وقصفتها، وخربتها، وحولتها إلى المدينة شبه الميدان. ووفرت الأمم المتحدة غطاء سياسيا لهذه القوات التحالفية وحلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة. حتى قال قيادي من حركة طالبان ”إن الأمم المتحدة كانت داعمة للحرب الأميركية على أفغانستان خلال سنواتها الـ ٢٠“.
في ميانمار، منذ ٢٠١٨، قتل أكثر من ٧ آلاف شخص، وشرد عدد هائل إلى الدول المجاورة، ومارس الجيش البورمي التطهير العرقي، والأعمال التعسفية، والإبادة الجماعية للمسلمين. وهذه الحرب كانت من أكثر المجازر دمويا، وأشد المذابح تعسفا. ولا يزال يواجه المسلمون البرميون القتل والتشريد والتهجير والتمييز العنصري والطائفي. فأين كانت الأمم المتحدة وهيئاتها التي تدعي بحماية حقوق الإنسان، والعدالة والمساواة؟
وفي ليبيا، تجري الحروب والنزاعات منذ انتفاضة عام ٢٠١١ التي دعمها حلف الشمال الأطلسي والدول الأوربية الأخرى، مما قسمت الدولة إلى عدة فصائل وجماعات في شرق الدولة وغربها، وخفضت الاقتصاد، وانهار النظام السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي. ومنذ ذلك اليوم، تنتشر الفوضى والنزاعات والصراعات، ويفقد الأمن والسلام في المنطقة. وفشلت الأمم المتحدة كليا في إعادة الأمن والسلام في المنطقة، والحفاظ على حقوق المواطنين.
وفي أوكرانيا، شنت روسيا هجوما عسكريا على أوكرانيا في عام ٢٠٢٢، ولا تزال تهجم عليها، مما دفع إلى انهيار النظام الاجتماعي والاقتصادي لأوكرانيا بشكل كامل. ولكن الأمم المتحدة لم تستطع أن تقر القرارات لإنهاء العدوان الروسي بسبب حق الفيتو الذي تمتلكه روسيا، ولم تجبرها على الالتزام بحقوق الإنسان وسيادة الدولة بالرغم من أن زار المسؤولون والأمناء إليها، ولكنها لم تسفر عن نتائج ملموسة.
وفي اليمن، منذ ٢٠١٥ يعيش السوريون في أسوأ وضع سياسي حيث اندلعت الحرب بين الحكومة اليمنية المدعومة من المملكة العربية السعودية، وجماعة الحوثيين المدعومة من إيران. وتعد هذه الحرب أكثر دمويا وقسوة حيث قتل الآلاف، وشرد الملايين، وانتشر الفقر والمجاعة إلى حد لا مثيل لها، ويعيش معظم من المواطنين في حالة الفقر ويضطربون للحصول على الطعام لوقت واحد. ولكن الأمم المتحدة أصدرت فقط البيانات الثقيلة والتقارير المرعبة، إدانة للهجمات والغارات والانتهاكات لحقوق الإنسان، ولكن كلها كانت دون جدوى. وبات الشعب اليمني يردد سؤالًا مؤلمًا: أين الأمم المتحدة؟ أين المنظمات لحقوق الإنسان؟
وفي فلسطين، لا يحتاج إلى ذكر البربرية والوحشية والتعسفية والعنصرية التي يمارسها الكيان الصهيوني منذ عقود، والآن بلغت إلى قمتها حيث قتل أكثر من ٤٠ ألف فلسطيني، واضطر الآلاف إلى الهجرة لكي يتركوا بيوتهم للكيان الصهيوني المحتل يمارس عدوانها ووحشيتها فيها. وفشلت الأمم المتحدة مرة أخرى في منع الاضطهاد ووقف الإبادة الجماعية، حيث فشلت أكثر من ٧ مرات منذ السابع من أكتوبر عام ٢٠٢٣ في إصدار قرار يجبر إسرائيل بإنهاء المجازر الدموية والمذابح الوحشية التي ترتكبها في غزة.
منذ إعلان قيام دولة إسرائيل إلى النكبة والنكسة والانتفاضة، أقرت الأمم المتحدة أكثر من ٥٠ قرارا، يدين الاحتلال الاسرائيلي، ويطالبه بانسحابه من الضفة الغربية، وغيرها. ولكن هذه القرارات بقيت مجرد نصوص على الورق، ولم تتحول إلى الحقيقة حيث يواجه الشعب الفلسطيني في أسوأ وضع سياسي اجتماعي في التاريخ. بالإضافة إلى ذلك، استغلت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) أكثر من ٤٠ مرة في مجلس الأمن لوقف أي قرار يدين الإحتلال الإسرائيلي وممارساته. قال أنطونيو غوتيريش: «الحقيقة هي أن مجلس الأمن فشل بشكل منهجي فيما يتعلق بالقدرة على وضع حد للصراعات الأكثر مأساوية التي نواجهها اليوم»، في إشارة إلى «السودان وغزة وأوكرانيا».
كذلك، لم تظفر الأمم المتحدة بدورها في مجالات أخرى أيضا. فشلت الأمم المتحدة في حماية اللاجئين والمهاجرين وفي توفير الرعاية الكافية للعيش بعد أن أطفئت نيران الحرب أمنياتهم في العيش بالأمن والسلام في دولتهم. لا يزال لاجئو روهنغيا في أسوأ وضع في المخيمات والملاجئ دون أي مساعدة قابلة للذكر. ويعيش المهاجرون الفلسطينيون في مخيمات لا يعلمون متى شنت الهجوم عليها ودفنت تحت الركام، ويحتاجون إلى الطعام والشراب والحوائج الأساسية للعيش.
وهذا من المعلوم لدى الجميع، أن التغير المناخي من أخطر التحديات التي يواجه العالم حاليا في العصر الراهن، وأطلقت الأمم المتحدة عديدا من البرامج للحفاظ على المناخ مثل اتفاق باريس للمناخ و مؤتمر الأطراف وغيرها. ولكن كل هذه الأهداف والمبادرات بقيت غير ملتزمة حيث انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق عام ٢٠١٧، ثم عادت إليه، وكذلك دائما يهدد الرئيس الأمريكي من انسحابه من هذه الاتفاقية. ويزداد الجفاف في إفريقيا، والفيضانات في الدول المتعددة، وحرائق الغابات مثل غابات الأمازون، ولكن رغم كل هذا أخفقت الأمم المتحدة في تحويل الوعي البيئي العالمي إلى التزامات فعالة ومُلزِمة.
الأسباب الرئيسية لفشل الأمم المتحدة:
يعتبر حق النقض (الفيتو)، الذي تمتلكه ٥ دول دائمة العضوية، بما فيها -الولايات المتحدة، وروسيا، وفرنسا، والصين، والمملكة المتحدة- من أهم الحواجز والعراقيل التي تخل في تسوية أي نزاع وصراع في العالم. ويوفر هذا الحق القوة والسلطة لرفض وعرقلة أي قرار يقره مجلس الأمن للأمم المتحدة بدون أي سبب مسبق. وهذا هو الحق الذي شل الأمم المتحدة، وضعف قواتها، وجعلها تعمل حسب مصالح الدول الكبرى. ولذا نشهد أن هذه الدول، دائمة العضوية، تستخدم حق الفيتو للحفاظ على مصالحها وحلفائها وشركائها. استخدمت روسيا حق الفيتو أكثر من ٨٠ مرة، والولايات المتحدة حوالي ٧٥ مرة وغيرها من الدول. استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو أكثر من ٤٠ لحماية حليفها اسرائيل، واستخدمت روسيا في حماية النظام السوري، كما في منع القرارات التي تدين تدخلها في أوكرانيا. وكذلك استخدمت الصين حق الفيتو لحماية كوريا الشمالية وميانمار. فهكذا أضحت الأمم المتحدة لعبة تستخدمها كل دولة للحفاظ على مصالها الجيوسياسية، ولحماية شركائها التجارية والسياسية.
ومن أهم الأسباب أن الأمم المتحدة تبدوا متحيزة في كثير من الأحيان حيث تفرض العقوبات والقيود على بعض الدول بكل صرامة وشدة، وفي جانب آخر لا تفرض العقوبات على بعض الدول، حتى لا تنفذ أوامرها وقراراتها عليها. مثلا، فرضت القيود والعقوبات على العراق، وشكلت تحالفات عسكرية للهجوم على العراق بسبب غزوها للكويت، ويستمر الاحتلال الصهيوني على فلسطين منذ عقود، ولا تزال ترتكب المجازر والمذابح، ولكن العقوبات والقيود لم تنفذ عليها رغم أن الأمم المتحدة أقرت مئات من القرارات تدين ممارساتها وعدوانها ووحشيتها، بل تعطل القرارات التي تدين ممارساتها عبر الفيتو. وهذا يطرح الأسئلة على مصداقية الأمم المتحدة، وتجعلها منظمة تستخدمها الدول الكبرى للحفاظ على مصالحها الجيوسياسية.
ومن الأسباب الأخرى هي عدم تعاون الدول بعضها مع بعض في كفاح الظلم والاستبداد في أي ناحية من نواحي العالم، عدم امتلاكها جيشا مستقلا، وعملها لصالح الدول الدول العظمى.
الخاتمة:
أخيرا، تبدو الأمم المتحدة اليوم كمنارة تتلاشى أضواؤها في ضباب المصالح الجيوسياسية، وكمصباح ينطفئ نورها يوما بعد يوم، وصوتها الذي كان صدى للأمن والسلام، قد خفت وسط صخب النزاعات والصراعات والحروب. إن المنظمة التي كانت ولدت من بيت الألم والظلم والفساد، كأمل للعالم، وكمحاولة للإنسانية كي لا تعود إلى هاوية الحروب، لكن مسيرتها الطويلة باتت مضمحلة، وشهد القرن الحادي والعشرون على عجزها الصارخ عن حماية المستضعفين، وكفاح وحشية الطغاة، وإنهاء تعسفية الظالمين، وإيقاف نزيف شعوب العالم.
لم تكن المشكلة في مبادئها، بل في تأسيسيها وتفويضها للقوى العالمة، وفي تكبيل يديها بحق النقض، وفي خضوعها لأجندات الأقوياء الذين حولوا قاعاتها إلى ساحات لإكمال مصالحهم لا لحل النزاعات. وهكذا، تحوّلت من كيان جامع إلى منصة ثقيلة، تتكلم كثيرًا وتفعل قليلًا، تُدين ولا تُعاقب، وتراقب بصمت بينما تُنتهك القوانين الدولية أمام أعينها.
فهل الأمم المتحدة لا تزال مؤثرة؟ وهل هي وفت بمبادئها، ربما... ولكنها لم تعد تعتمد عليها. ولقد آن الأوان، إما لإعادة بنائها على المبادئ أكثر عدلًا وفعالية، أو الاعتراف بأنها أصبحت ظلًا باهتًا لفكرة عظيمة، حلمت يومًا بأن تجعل من هذا العالم وطنا للأمن والسلام.
المصادر والمراجع:
- إصلاح هيئة الأمم المتحدة: نظرة تحليلية لمشكلاتها وطرق التغلب عليها: زياد محمد الوحشات
- الدورة الـ78.. حدود فاعلية الأمم المتحدة في مواجهة التحديات العالمية: د. عبدالعليم محمد https://bit.ly/3RXgI3r
- بين المحاولة والفشل.. بعثات الأمم المتحدة تُدوِّنُ سطورها الأخيرة في مناطق الصراع، https://bit.ly/3YFHsJr
- رؤى: منفصلون عن الواقع، عاجزون عن المساعدة؟ حقوق الإنسان بين الأمم المتحدة والمنطقة العربية، https://bit.ly/44xzkyn
- Is the United Nations Still Relevant?: Shashi Tharoor, https://bit.ly/3EhqCtL
- Is the United Nations Still Fit for Purpose? https://bit.ly/4jzcZ86
- Does the UN still serve a purpose?: Jamie Shea https://shorturl.at/NGFOU
- Is the United Nations still relevant and effective? https://shorturl.at/Z5F8H
0 تعليقات
أكتُبْ تعليقا