ادعمنا بالإعجاب

أهمية تعليم المرأة المسلمة في بناء الجيل الإسلامي المتكامل

بقلم: الأستاذ محمد الرابع الحسني الندوي  رحمه الله ، تعريب محمد أحمد الندوى

 إن الإسلام يولي التعليم التربية أهمية بالغة واعتناء زائدا اهتماما عظيما لا يوجد له نظير أي ديانة أخرى في العالم، قال الله عز وجل في محكم تنزيله و هل ستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون) وقال في موضع آخر إنما يخشى الله من عباده العلماء والعلم هو انكشاف الشئ على حقيقته، ولا يمكن لإنسان بعد إدراك حقيقة شئ أن يمنع نفسه من الاعتراف به والعمل بمتطلباته و مقتضياته

لقد جعل الله الإسلام دينا أخيرا كاملا وشاملاً لحقائق ومعارف تقوم حياة الإنسان وتصلحها وتهذبها وتوفر له السعادة، وتضمن له الفوز والنجاحبصفة خاصة في الحياة التي ستاني بعد هذه الحياة الدنيوية الفانية.

وإذا كان الإنسان يعرف حقائق ويعبها كاملا فلا يستسبع عقله وقلبه أن يحجم عن الاعتراف بها ولا يواني في الاتيان بها والعمل بما تقتضيه تلك الحقائق الثابتة في أعماق قلبه .

وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على التعليم، وأكد على أهميته وضرورته في الحياة الفردية والجماعية بطرق مختلفة، فقال صلى الله عليه وسلم "طلب العلم فريضة على كل مسلم " ولم يكتف بدعوة أصحابه إلى التعليم وحثهم على كسب العلم باللسان فحسب، بل أوجد فيهم ذوقا علميا وسبكهم في بوتقة علمية سبكا، قلما يوجد نظيره في التاريخ، أمر صحابيا أن يتعلم العبرانية ليتمكن من فهم التوراة مباشرة ثم ليخبره بما ورد فيها من أحكام وتعاليم، وعين عديدا من اصحابه الذين كانوا يعرفون القراءة والكتابة ليكتبوا ما ينزل عليه من عند الله تبارك وتعالى حينا لآخر.

وكان يستكتبهم رسائل الدعوة إلى دين الله عز وجل واعتنى بتعليم أتباعه اعتناء رائدًا، فوفر لهم جميع التسهيلات والوسائل اللازمة المتوفرة في ذلك العصر، ونتيجة لذلك حدثت ثورة علمية، ونشات رغبة شديدة إلى التعليم في المسلمين، حتى لم يمض على المسلمين قرن إلا وأصبح العلم فيهم أكثر رواجا وأعظم شيوعا من جميع الشعوب في ذلك العصر، وصارت الأمة الإسلامية قوما أشد اهتماما بالعلم من لأقوام الأخرى في العالم، ونشأ فيهم علماء ورجالات علم خدموا القرآن والسنة وما يتعلق بهما خدمة علمية، ونشروا تعاليمهما نشرا في مشارق الأرض ومغاربها لا يوجد لها نظير في أي ديانة من الديانات ولا في أمة من الأمم .

لا شك في أن التعليم يفتح على العقل الإنساني أبواب المعارف والمعلومات، كما يوجهه توجبها رشيدا إلى الانتفاع بتلك المعلومات في الحياة العلمية ويدفعه إلى العمل بمقتضياته ومتطلباته، وهذا التعليم ضرورة للفرد كما هو ضرورة للمجتمع والوطن هو وسيلة قوية الفلاحالإنسان ونجاحه وإسعاد الحياة الإنسانية والمجتمع الإنساني وتتحسن أوضاعه بتحسن تعليمه و رقبه، ويتخلف، ويقع في الغياهب كلما يهمل هذا الجانب. فيحتاج المجتمع الإنساني الرقبه وتطوره وارتقائه إلى التعليم مثلما يحتاج الجسم الإنساني إلى الغذاء التقويته وبقائه على أحسن حال والعلم كالغذاء يتوقف نفعه على قدر الضرورة، والذوق وصلاحية القبول، واقتضاء الوقت والطبيعة وفي ذلك تكمن أهمية المقررات والمناهج التعليمية في اختيارها وترتيبها كما أن الأغذية تحتاج إلى الانتخاب كما وكيفا، فلذك يجب على المعنيين بشؤون الملة وقضاياها أن يركزوا عنايتهم على نشر التعليم وتعميمه في المجتمع .

والإنسان سواء كان رجلا ام امرأة يحتاج كلاهما إلى التعليم على حد سواء، فلا فرق بينهما في التعليم في نظر الإسلام وإنما الفرق في اقسام التعليم وكيفيته هذا الفرق يبتنى على خصائص جسمية وطبيعية لكل منهما، أما المرأة فانها تحمل مسئوليات تختلف عن مسئوليات الرجال فانها تقوم بتنشئة الأولاد وتربيتهم، وذلك يتطلب أن تهتم بالأمور المنزلية، وترجع إليها مسئوليات المنزلية أكثر من رجل، فتجب مراعاة هذه حقائق في التعليم .

لقد تخلف المسلمون في جال التعليم والحضارة مند ترون، ويسبب ذلك واجهوا خسارة ادحة، وتخلقوا عن ركب العالم المتحضر ولكن الآن يتصاعد فيهم وعى التعليم بسرعة، وينشأ فيهم الاهتمام بهذا الجانب، ولا ينحصر هذا الشعور في تعليم الأبناء فحسب بل تشمل هذه الصحوة البنات أيضا، وذلك لأن البنات هن أمهات الغد، يتربى الجبل الجديد في أحضانهن. فإذا كانت الأمهات متحليات بحلية التعليم والثقافة استطعن أن يريين أولادهن على عناصر سليمة وأسس مستقيمة من الطور الأول. فمن أجل ذلك ان تعليم البنات ليس أقل قيمة وأهمية من تعليم البنين .

إن عملية التعليم لتحتاج إلى نظام منسق متزن، لا يمكن القيام به بصفة ارتجالية، بل يقرر نظامه ومنهجه خبراء التعليم وأصحاب التجارب الواسعة العميقة بعد تفكير وبحث وتبادل الآراء، ويجب قبل صباغة المنهج التعليمي استعراض ودراسة حاجات الشعب الأساسية ومشكلاته والوسائل الضرورية . التي يحتاج إليها ذلك النظام في تطبيقه ومواصلة سيره، وإذا كان ذلك كله متوفرا في نظام تعليمي يكون نظاما منسقا متزنا ومفيدا ونافعا للشعب والوطن يوتي بثماره كل حين بإذن ربه، كما يلزم للمعنيين بوضع النظام التعليمي والمقرر الدراسي أن يعرفوا الفرق بين المنهجين للتعليم بـ للشعب الحر والشعب المكيل بأغلال العبودية، فالنظام التعليمي يوضع للأول حسب متطلبات ومقتضيات ذلك الشعب الحر، بينما يجب أن . يصاغ للثاني نظام تعليمي يوافق وينسجم مع طبيعة العبودية -وحاجاتها، وان كانت بلاد يقطن فيها شعب واحد وبيده الحكومة وقوة التنفيذ فيوضع لمثل هذه البلاد منهج تعليمي يتفق مع طبيعته وخصائصه الدينية. وبالعكس لو كانت بلاد يعيش فيها شعوب وأقوام مختلفة ذات نزعات وأديان ولغات وحضارات متعددة ومتنوعة، فإن نظام التعليم لتلك البلاد يوضع وفق طبائع أقوام تلك البلاد المختلفة فيما بينها.

وإذا كان زمام الحكومة بيد شعب يمكن له أن يضع نظاما تعليميا يكون أكثر فعالية ومتمرا ومفيدا له، والواقع أن هذه المسئولية ترجع أصلا إلى الحكومة ولكن يجب عليها أن تستفيد من تجارب خبراء التعليم المثقفين وخبراتهم العلمية والعملية في هذا المجال ليتم وضع ذلك النظام في أطر سليمة معتدلة بعيدة عن اللون السياسي والشوائب السياسية، وتتوفر فيه عناصر أخلاقية وعلمية بأتم شكل وأحسن وجه.

وفي بلاد لا يتمتع فيها شعب بمساعدة الحكومة وإشرافها في حقل التعليم فتتضاعف مسئوليات أصحاب العلم والرأى في الشعب نحو التعليم لأن جميع المسئوليات من وضع نظام تعليمي مفيد متطابق الطبيعة الشعب، والعناية به عناية كاملة في وضع ذلك النظام المتطلبات ظروف والشعب مع مراعاة ملابسات تلك البلاد، فهذه كلها ترجع إليهم، وهم مسئولون عن هذا الجانب المهم.

يشبه وضع المسلمين في الهند تلك الصورة التي بينتها أنها وذلك لأن حكومة الهند حكومة علمانية أو شبه علمانية فيجب على المفكرين الإسلاميين أن يقدموا بفهم دقيق وشعور عميق على هذه الجبهة التعليمية. ويجعلوا المدارس والمراكز التعليمية التي يؤسسونها وسيلة قوية لتحقيق متطلبات المسلمين في هذه البلاد، فإن المدارس والمعاهد العلمية التي يقوم أصحاب العلم من المسلمين بتأسيسها بتبرعات المسلمين ودعمهم لهى حاجة أكيدة للمسلمين في هذه البلاد. لأنها تلعب دوراً فعالاً جذريا في إيقاظ الشعور بالدين وهويتهم الإسلامية فيهم، وتفتح أفاقهم العلمية وتنير أذهانهم، فلا بد من تاسيس هذه المدارس وإنشائها على أوسع نطاق وتوفير الوسائل اللازمة لها لتدبير نظامها على أحسن وجه.

ومن المهم أن تعد مقررات دراسية لهذه المدارس المبثوثة في أرجاء الهند مثلة للإسلام والمسلمين وحضارتهم وتاريخهم تمثيلاً صادقا صحيحا، ويتم ذلك بتشكيل العلوم الاجتماعية في ثوب إسلامي جديد ولباس ديني قشيب على الأقل وتحب مراعاة ذلك في تدريس المواد المذكورة، وإن إقامة المدارس للبنات مستقلة منفردة أفضل وأمثل وأنفع تعليما للبنات، لأننا بذلك تتمكن من تعليمهن لبعض أعمال ما يتعلق بالنساء من تدبير المنزل وإدارته من أعمال يدوية مثل الطبخ والخياطة والتطريز وما إلى ذلك. أما البنون فانهم لا يحتاجون إلى مثل هذه الأمور، ولا يخفى على أصحاب العلم والبصيرة أن تعليم البنين والبنات في المراحل الابتدائية على أسس إسلامية يحمل أهمية بالغة ممتازة فذلك يجب علينا أن تركز العناية الزائدة في الطور الأول على ترسيخ جذور العقائد الإسلامية وعباداتها في نفوس أفلاد كيدنا بأسلوب قوى مؤثر أحاد، وذلك لأن الطفل المسلم لولم يعرف أن ربه واحد لا شريك له، وله الخلق والامر فيتخوف عليه أن يتأثر بعقائد فاسدة متحارية العقيدة التوحيد بحكم جيرانه الذين يتبنون عقائد باطلة ويخضعون لآلهة كثيرة، فان لم يهتم بهذا الجانب في هذه المرحلة لا يمكن للطفل المسلم أن يصمد على عقيدة التوحيد الخالصة من شوائب الشرك فانها لا تكاد ترسخ بعد هذه المرحلة في سواد قلبه، وهذا الضعف قد يؤديه إلى الانصراف والابتعاد عن الإسلام وخلع ريقته عن عنقه .

كذلك يحتاج أولادنا أن يعرفوا ما تجب عليهم معرفته في المراحل الابتدائية أن النبي صلى الله عليه وسلم آخر نبي ارسله الله إلى الناس جميعا لهدايتهم وان الدين الذي جاء به من عند ربه دین کامل شامل الجميع نواحي الحياة وجوانبها بصورة متكاملة ويتعرفوا الشخصيات الإسلامية البارزة الممتازة ويتحتم عليهم أن يحفظوا بعض سور. القرآن التي لا تصح الصلاة من غيرها ويطلعوا على التاريخ الإسلامي والثقافة الإسلامية

ويجنب هذه الأصول والأسس الإسلامية اللازمة في حياة المسلم يحب أن يتعلم الأولاد المسلمون العلوم الأساسية اللازمة. في الحياة مثلا اللغة والرياضة والتاريخ والجغرافية، وشطرا من العلم الحديث والعلوم التي لها صلة قوية بالحياة الإنسانية، ومن المناسب أن تدرس هذه العلوم كلها على مناهج المدارس العصرية.

ولا يتوقع من الحكومة أن تهتم بإقامة مثل هذه المدارس والمعاهد التي تتوافر فيها المواد الدينية والموضوعات الإسلامية التي سبق ذكرها أنفا، وهذا جانب هام تعود مسئوليته على المسلمين، فلهم أن يختاروا طرقا مواتية لهم لإقامة المدارس وتوسيع نطاقها في جميع المدن وأحبائها. والقرى والأرياف على نطاق أوسع وأشمل ليتربى الجيل الإسلامي على العقيدة الإسلامية الخالصة وثقافتها الرائعة البديعة أما الاطلاع على الديانات الأخرى وثقافتها المختلفة فينبغي أن يكون هذا بعد المرحلة التي تنضحفيها العقيدة وتترسخ جذورها وتتكون شخصية الإنسان عقائديا وفكريا، بل لا حاجة لهم إلى بذل الجهود في هذا المجال في المرحلة الابتدائية لأنهم سيقفون عليها في المدارس العلمانية الحكومية، وإن تعلم البنون والبنات المبادئ والعقائد الإسلامية في المرحلة الابتدائية فلا يضرهم مواصلة الدراسة والتعليم الذي يتلقونه في المدارس العلمانية بل يوفر لهم التعليم الأساسي الذي أخذوه من حجر أمهاتهم وفي المدارس الابتدائية الضمان والصمود والثبات على جادة الحق والتمسك بأهداب العقيدة الإسلامية.

وينبغى اختيار موضوع واحد أو أكثر من بين الموضوعات الكثيرة بعد المرحلة الثانوية ليتمكن الطالب من الاختصاص في موضوع واحد ويلمع نجمه وإلى ذلك أن الأمة الإسلامية تحتاج إلى عدد كبير من العلماء والمشتغلين بالقرآن والسنة والعلوم الإسلامية، ليوجهوا الأمة إلى ما تحتاج إليه من قضايا دينية ويحلوا المشاكل التي تعرض لها بين فينة وأخرى لتبقى هويتها الإسلامية كامة واحدة متراصة تنجب مثل هؤلاء العلم والاخصائيين إلا المدارس العربي والمعاهد الدينية، ولا يمكن أن تقـ وتدار هذه المدارس إلا بمساع المسلمين وتبرعاتهم وبدعمه المتواصل، فنظرا إلى أهميتها. حياة المسلمين وخاصة فى بلا الهند يجب على المسلمين أن يعتنوا بهذه المدارس الديني وتقوية جانبها، لتواصل مسيرهـ في مجال القيام بخدمات المسلمين في هذه البلاد، وتحتاج كذلك الأمة الإسلامية إلى عدد من الاخصائيين في مختلف مجالات العلوم والفنون كى تتمكن هذه الأمة من الازدهار والارتقاء والتطور كما أن أوربا أثرت الناحية العلمية في الماضي على جميع نواحي الحياة متطورت وارتقت في مجال التعليم، وبالتالي أحكمت نفودها وسيطرتها على البلدان الشرقية واستعبدتها بأسرها، وبقيت ربقة العبودية في أعناق البلدان الشرقية حوالى قرنين، ولكن الآن قد تحررت من نيرها فيجب عليها أن تهتم بجانب التعليم لتقطع أشواطا بعيدة في ميدان التقدم والازدهار وهذه البلدان لا نتقوى ولا تكسب القوة والتطور في الدنيا إلا يقدر ما تربط علاقتها بالتعليم.

إن قضية تعليم البنات -كما مر سابقا - تحمل أهمية بقدر أهمية تعليم البنين، والإهمال فيها يؤدى إلى نتائج سيئة، ولابد أن نضم المواد الممثلة للعقيدة الإسلامية وثقافتها في المراحل الابتدائية والمتوسطة كما أننا ترى اليوم في بلادنا المدارس الدينية التي تقام لتعليم البنات تتوافر فيها مواد دينية بقدر كبير واننا بذلك نستطيع ان شاء الله أن تلعب دورا مهما في مجال تعليم البنات وتغذية عقولهن بالغذاء الديني والإسلامي.


مواضيع ذات صلة
دراسات إسلامية,

إرسال تعليق

0 تعليقات