الكلمات الرئيسية:
محمد حسين هيكل، الرواية العربية، رواية زينب، المرأة العربية، هموم المرأة،
المدخل:
يعتبر محمد حسين هيكل أحد الأدباء الكبار في النصف الأول من القرن العشرين في مصر الذي شارك في ريادة الحياة الثقافية. كان ذا ثقافة واسعة، مطلعا على الثقافة العربية والثقافة الغربية. كانت لشخصيته جوانب عديدة. كان محمد حسين هيكل أديبا بارعا، صحافيا ثائرا وسياسيا قديرا، مؤرخا بالغ النظر ، روائيا محنكا، صاحب أول رواية عربية في تاريخ الأدب العربي الحديث. كان له دور كبير في التاريخ السياسي المصري الحديث. لم يكن متصومعًا على نفسه حلق بفكره على القضايا الاجتماعية في مصر وعالج في كتاباته عن هموم المرأة ومشاكلها اليومية. بدأ حياته الفكرية مؤمنًا بالقيم الغربية وكان رجل فكر وحركة، كتب في الفلسفة والتاريخ والأدب، هو أول من قدم إلى الادب العربي الحديث الرواية الفنية، وكان من السابقين الذين نقلوا الثقافة الغربية إلى العربية. بدأ حياته االأدبية والفكرية متأثرا بالحضارة الغربية وأفكارها ونزعاتها الوطنية إلى النهضة اثناء إقامته في فرنسا كطالب حيث كتب أول روايته "زينب". حظيت المرأة العربية باهتمام الكثير من الكتاب والأدباء والشعراء على اختلاف اتجاهاتهم وتعدد اهتماماتهم، فشغلت المرأة العربية حيزا بارزا في إنتاجاتهم الأدبية سواء أ كان شعرا أم نثرا. وظهرت على الساحة الأدبية بعض الأعمال ذات الصبغة الواقعية التي تناولت قضية المرأة العربية وهموهما بدقة ورؤية واعية متأنية، وبتقنية فنية متطورة كما هو الأمر في روايات محمد حسين هيكل.
مولده ونشأته:
ولد محمد حسين هيكل في قرية كفر غنام من أعمال مركز السنبلاوين بمديرية الدقهلية والواقعة في مصر في 20 من شهر أغسطس عام 1888م. وكانت أسرته ريفية مصرية صميمة. وكان والده حسين آفندي سالم هيكل مكرما عند الناس. ولما بلغ محمد حسين هيكل الخامسة من عمره ألحقه أبوه بكتاب القرية. فتعلم القراءة والكتابة وحفظ حوالي ثلث من القرآن الكريم. ولما بلغ السابعة من عمره التحق بمدرسة الجمالية الإبتدائية ثم انتقل إلى المدرسة الخديوية الثانوية فقرأ هناك ما قرأ وما لبث ان التحق بمدرسة الحقوق حيث درس أربع سنوات وتخرج فيها عام 1909م. ظهر فيه ميله إلى الأدب منذ أن كان في الحقوق. فعكف على قراءة الآثار العربية القديمة. وفي هذه الفترة اتصل بلطفي سيد الذي كان محررا لمجلة "الجريدة". فتح له باب هذه الصحيفة ليكتب القوقي الصغير. وكان لهذه الرعاية أثرها البعيد في تكوين شخصيته الأدبية. بعد تخرجه في الحقوق خطر بباله أن يتم تعليمه في فرنسا. سافر إلى باريس والتحق بكلية "السوربون" وحصل منها على شهادة الدكتوراه عام 1912م. عاد إلى مصر واشتغل بالمحاماة في مدينة "المنصورة" حيث أنشأ مكتبا للمحاماة وزاول هذه المهنة من 1912م إلى 1922م بكفاءة ومهارة. ومنذ سنة 1917م أخذ يلقي بعض المحاضرات في الجامعة المصرية الأهلية لأنه كان يميل طبعيا إلى الأدب رغم اشتغاله بلمحاماة. ولما أنشا حزب الأحرار الدستوريين جريدة "السياسة" عام 1922م تولى تحريرها.
ميوله إلى الأدب:
وكان من الطبيعي أن ينضم محمد حسين هيكل إلى الحزب الأحرار وأن يتولى تحرير جريدته لأن أستاذه لطفي سيد الذي كان يحرر صحيفة " الجريدة" ثم انضم معه في رئاسة التحرير زميله طه حسين عندما رجع من باريس. فنهضا معا بتحرير صحيفة الأحرار الدستورين. غلبت على طه حسين النزعة الأدبية في كتاباته كما غلبت على صاحبنا محمد حسين هيكل النزعة السياسية ولكن لم يقصر هيكل نفسه على السياسة فحسب بل بدأ يكتب مع صديقه طه حسين فصولا في الأدب والنقد. وجمع طائفة من هذه الفصول ونشرها باسم "أوقات الفراغ"عام 1925م. ولكثرة شغفه بالسياسة ترك هيكل المحاماة وانغمس في غمار الحياة الصحافية والسياسية. وتمتد هذه المرحلة السياسية والصحافية من سنة 1922م إلى 1937م. وفي عام 1937م انتقل من السياسة إلى الخدمة الحكومية فاختير وزيرا للدولة ثم وزيرا للمعارف. وما زال يتولى هذه الوزارات من حين إلى حين حتى عين في سنة 1945م رئيسا لمجلس الشيوخ. وظل في هذه الرئاسة على سنة 1950م. قضى اكثر من اسنتي عشرى سنة بين الوزارة والرئاسة ولكنه احتفظ ميوله الأدبية وأخيرا ترك الوزارة والرئاسة وكرس حياته للأدب فعكف على دراسة التاريخ الإسلامي. فأصدر سلسة من الكتب في الموضوعات الإسلامية ومنها "حياة محمد" وهو من المحاولات الرائدة لعرض السيرة النبوية بأسلوب علمي معاصر. رجع أخيرا إلى كتابة القصة والرواية وتابع بعد ذلك كتابة القصة القصيرة وبدأ ينشرها في الصحف والمجلات.
آثاره العلمية والأدبية.
كتب هيكل في معظم الفنون النثرية وترك لنا المقالات والفصول في السياسة والأدب. ألف كتب التاريخ والسير والنقد والرحلات والقصص والرويات. ومن أهم مؤلفاته:
1."زينب" عام 1914م
2.جان جاك روسو" عام 1921م
3." أوقات الفراغ" عام 1925م
4." عشرة أيام في السودان" عام 1927م
5." تراجم مصرية وغربية" عام 1929م
6." ولدي" عام 1931م
7." ثورة في الأدب" عام 1933م
8." حياة محمد" عام 1935م
9." في منزل الوحي" عام 1937م
10." الصديق ابو بكر" عام 1943م
11." الفاروق عمر" عام 1946م
12.مذكرات في السياسة المصرية" عام 1951م
13." هكذا خلقت" عام 1955م
محمد حسين هيكل ودوره الريادي في الرواية العربية:
كانت الرواية العربية قبل الحرب العالمية الأولى على حالة من التشويش والبعد عن القواعد الفنية. وكانت أقرب ما يكون إلى التعريب والإقتباس حتى ظهور رواية "زينب" لمحمد حسين هيكل عام 1914م التي اتفق النقادة على أنها بداية الروايات من حيث الفن والمضمون والتي عالجت الريف المصري. وعلى الرغم من أن رواية "زينب" ليست أول رواية في الأدب الروائي العربي عموما والمصري خصوصا، فقد سبقها عدد لا بأس به من الروايات مثل رواية "علم الدين" لعلي مبارك، و"تخليص الابريز في تلخيص باريز" للطهطاوي، و"حديث عيسى بن هشام" للمويلحي وروايات جورجي زيدان عن تاريخ الإسلام، أو رواية "الدين والعلم والمال" لفرح أنطون وغيرها كثير، نقول على الرغم من ذلك فإن رواية "زينب" تحتل أهمية خاصة بين كل هذه الانتاجات الأدبية. يقول يحي حقيفي هذا الصدد: "إن مكانة رواية زينب لا ترجع فحسب إلى أنها أول القصص في أدبنا الحديث، بل إنها لا تزال إلى اليوم أفضل القصص في وصف الريف وصفا مستوعبا شاملا.[١]
العوامل الأساسية لكتابة رواية "زينب":
اكتشف محمد حسين هيكل في الأدب الفرنسي خصائص تتمثل في السلاسة والسهولة إلى جانب القصد والدقة في التعبير. تأثر هيكل بالأدب الفرنسي كما تأثر بالأدباء الفرنسيين وعلى رأسهم الأديب هنري بوردو الذي كان يسجل العادات الاجتماعية الفرنسية في قصصه ورواياته. فرواية "زينب" في الواقع هي وليدة أمرين أساسين هما الحنين إلى الوطن والإبانة عما في النفس وكما هو معلوم أن الحنين ذو الصلة بالماضي، والاعجاب ذو صلة بالحاضر والمستقبل والصراع بين الشرق والغرب. ولعل الحنين وحده هو الذي دفعه إلى كتابة هذه الرواية. فلولا هذا الحنين ما خط قلمه فيها حرفا. عندما كان في باريس بدأ يذهب للسير إلى بعض الأماكن في الغربة يسئم ويمل قلبه من رؤيتها. وخيل إليه مناظر ريفية من خلال حنينه وتشوقه ولهفته حتى ليجعل من هذا الحينين السبب المباشر في كتابة روايته "زينب". فما كانت تقع عينيه في باريس على الأماكن والآثار إلا زاد حنينه إلى الوطن وهذا هو الذي دفعته في الواقع أن يسجل كا ما يختلج في نفسه في أسلوب قصصي.[٢] والسبب الثاني الذي دفعه إلى كتابة هذه الرواية هو اتصاله وتأثره بالثقافة الغربية عامة و الآداب الفرنسية خاصة. قضي هيكل في باريس ثلاث سنوات للحصول على شهادة الدكتوراه فتأثر بالأداب الغربية تأثرا كبيرا. وكان لهذا التأثر والتأثير أثر واضح في فكره وذهنه. وهو يقول عن نفسه: "وكنت ولوعا يومئذ بالأدب الفرنسي أشد ولع، فلم أعرف منه إلا قليلا يوم غادرت مصر وبضاعتي من الفرنسية لا تتجاوز الكلمات. فلما أكببت على دراسة تلك اللغة وآدابها رأيت فيها غير ما رأيت من قبل في الآداب الإنجليزية وفي الآداب العربية. رأيت سلاسة وسهولة وسيلا. ورأيت مع هذا كله قصدا ودقة في التعبير عنه والوصف وبساطة في العبارة لا تواني إلا الذين يحبون ما يرون التعبير عنه أكثر من حبهم ألفاظ عبارتهم واختلط في نفسي ولعي بهذا الأدب الجديد عندي بحنيني العظيم إلى وطني.[٣] هذا العاملان الرئيسان الذان دفعا هيكل إلى كتابة رواية زينب، وكما هو معروف أن هيكل حينما نشرها لأول مرة لم يجترئ أن ينشرها باسمه الحقيقي فنشرها باسم مستعار وهو بقلم "فلاح مصري".[٤]
رواية "زينب" الرواية الفنية:
يكاد يتفق دارسو الأدب العربي على أن رواية "زينب" لمحمد حسين هيكل هي الرواية الفنية التأسيسية في الأدب العربي. يقول يحي حقي: "إن مكانة رواية زينب لا ترجع فحسب إلى أنها أول القصص في أدبنا الحديث، بل إنها لا تزال إلى اليوم أفضل القصص في وصف الريف وصفا مستوعبا شاملا.[٥] تبدأ الرواية بوصف الطبيعة. فوصف هيكل زينب بطلة الرواية وهي تهتم بالنهوض حيث قد تزوجت وانتقلت من بيت أبيها إلى بيت زوجها حسن. تدور أحداث رواية زينب في الريف المصري، واختيار المؤلف للريف كان له مغزاه، وذلك لما يمثله من أصالة الشخصية المصرية. تمثل "زينب" الشخصية المحورية في الرواية، إذ تبدأ الرواية بها وتنتهي على موتها. ونظرا لذلك قد سميت الرواية "زينب". وفي الحقيقة أن "زينب" هي البطلة الرئيسية، والأحداث التي تدور في الرواية تتعلق بها. هذه هي الفتاة المصرية التي يتم زواجها لحسن ولكنها لم تقتنع بها الزواج. فقد أحبت شخصا آخر من أصدقاء زوجه، وهو إبراهيم الذي غادرها لأداء الخدمة الوطنية العسكرية. وهناك حديث في الرواية عن حامد الذي أحب أبنة عمه ولكنه لم يظفر بها كما يظفر بزينب. أما بطلة الرواية "زينب" فإنها مرضت بمرض السل و في نهاية الرواية ماتت. فرواية زينب هي تذكار لمناظر الريف في مصر وحديث عن عاداتها وتقاليدها. عندما كان محمد حسين هيكل في فرنسا، يستبد به الحنين إلى وطنه الحبيب. وهو كان مغتربا مصريا كانت روحه تصهر لمصر وتضيئ قلبه وجسده من فرط حبه لوطنه. فكلما رأى منظرا جميلا ذكره بوطنه، وراح يصف منظرا يصوره في خياله.
المضمون في رواية "زينب":
الموضوع الأساسي في رواية "زينب" هو وصف الريف بطبيعته وعاداته وأخلاقه مع التركيز على موضوع الحب والزواج. وذلك من خلال عن إحدى العاملات في الفلاحة التي تدعى زينب. إن موضوع الرواية هو الريف المصري ببشره وحيواناته وطبيعته وعاداته وتقاليده. تقوم الرواية على عدة عناصر من أهمها الحب المرتبط بوصف عائلة ريفية تفترش الارض مجتمعة في صبيحة أحد الايام على الفطور لتأكل ما تيسر ليذهب كل أفرادها إلى الحقل محتملة الجوع حتى الظهيرة. إن مجرد التطرق لموضوع الحب، والعلاقة بين الرجل والمرأة بهذه الكيفية يعد جرأة كبيرة من الكاتب. يقول يحى حقي: "إنها كانت جرأة بالغة منه، فلم يكن المجتمع المصري يطيق الاعتراف بشرعية هذه العاطفة أو الخوض في التحدث عنها.[٦] ولا شك في أن معالجة هذا الموضوع الاجتماعي كان ضمن وصف الريف لمناظرة الطبيعية والاجتماعية المختلفة لأن وصف الطبيعة في رواية هيكل لا يتلاءم مع الطابع العام الروائية. ولا يمهد الجو لشخصياته وأحداثه. تعالج الرواية قضية العلاقة بين الرجل والمرأة وتحكم المجتمع المصري الذكوري في هذه العلاقة. دعا الكاتب من خلال وصية بطلتها "زينب" إلى ترك الحرية للشباب وعدم اجباره على ربط علاقة محددة. والجدير بالذكر أن بطلة الرواية "زينب" توصي أمها عند موتها أن لا تتزوج أختها الصغيرة بالرجل لا تعرفه من قبل. إن الموضوعات التي عالج هذا الكاتب في أدبه هي القضايا الاجتماعية ومعاناة المرأة العربية المصرية من حيث الزواج والطلاق والحب والوجد والشوق والخيانة والحرمان والفراق والشعور بالغربة. أوضح هذه الأحاسيس كلها بجرأة وصراحة. وهو دائما يرمز حسب رغباته الفكرية والأدبية من خلال قضايا المرأة العربية للوطن والأرض والطبيعة.
أسلوب الرواية:
تخلصت رواية زينب تخلصا كاملا من سيطرة السجع، ابتعد بها صاحبها من أسلوب المقامات الذي كان شائعا في عصره، وقام أن ينسجم بين تصوير الريف المصري وبين اللغة المستخدمة. يقول في هذا الصدد محمد زغلول سلام: "الميزة التي ظهرت بها زينب في كتابات هيكل هي ميله إلى المصرية، أي إلى اصطناع أسلوب مصري الطابع تبدو فيه العامية واضحة.[٧] فنجد أن رواية زينب تقف في أسلوبها بين أسلوب الرواية وأسلوب المقامة ويتنازعها الأسلوب الفني. أما لغتها فهي لغة وصفية استطاع الكاتب من خلالها أن يصور لنا الأجواء الريفية ببعدها البشري والطبيعي كما استطاع أن يقدم كل ذلك الوصف بلغة شاعرية ورومانسية، ولغة واضحة بالإضافة إلى تضمينه الرواية بعض التعابير العامية.
الريف في رواية "زينب":
إن الحديث عن الريف هو حديث متصل بالحياة المصرية التي شهدت تغيرات وتحولات جذرية عبر محطات تاريخية طويلة. اكتسبت العناية بالريف والحياة الريفية مكانة هامة في المنجز الروائ المصري منذ فترة الاحتلال، حيث حفزت حيوية موضوع الفلاح وقضية المراة للأدباء إلى تقديم عطاء يستوعب الحياة الريفية بكل أبعادها الاجتماعية والسياسية والإنسانية. هذه الرواية زينب عادات الريف المصري وبساطة أهله ومحاسن حياتهم ومساويها وما عليها من اعتقادات. نقلها المؤلف يعيون دقيقة ونراه أن له موقفا لينقد نقائصها ومفاسدها وما على نظام اجتماعي في الريف المصري وخاصة ذكر مسألة الزواج وقضية المرأة المصرية ليس لها حق في اختيار قرينها وشريك حياتها. أظهر لنا محمد حسين هيكل صعوبة عيش أهل الريف إبان الإستعمار والجهل والظلم اللذان عايشتهما زينب بتزويجها دون رضاها. الكاتب هو الراوي في هذه الرواية فهو يحكي قصة زينب ولا يتكلم بلسانها. تظل زينب الرواية الرائدة تصور الشخصية البسيطة وصراع الحب داخل المجتمع الذي يعاني من سوء الأوضاع الاجتماعية. عمد فيها هيكل إلى وصف حياة الريف والفلاحين بصورة لم يسبقه فيها أحد من المصريين.[٨] لم يفسح هيكل لنفسه في تصوير الشخصيات الجانبية وطبعها. ولم تتسع خبرته بالحياة وتجاربها العميقة وإنما عوضه بأصوفه الغنية للطيعة الريفية في مصر.
المجتمع المصري كما يتجلى في رواية زينب:
ولما كان الأدب تعبيرا عن القيم، قيم الحياة والجمال، وتصويرا للحياة. وما الأدب إلا وصف وإبراز وتحليل العادات والتقاليد والعقائد والأخلاق والصفات الإنسانية. رأى هيكل أن الأدب رسالة ، لها قيمة وتأثير على أذهان الناس. فدعا إلى الأدب الذي يقتحم الحياة حرا طليقا ، لأن الأدب عند هو الأدب الذي له صلة وثيقة بالحياة والإنسان. يبعث الأدب في حياة الإنسان نورا كما يجب على الأدب أن يقوم على أساسه حضارة سليمة يقود الإنسان والإنسانية إلى المجد والسعادة. قد أفرغ هيكل وصف المجتمع المصري في قالب جميل ليستهوى النفس ويصقل العقل. إن هيكل هو شرقي عربي مصري في أدبه وفنه. تتسم بذلك الروح الشرقية الخالصة حين يرسم صورة المجتمع المصري البيئة المصرية صورة صادقة. دعا إلى أخذ ما يليق أخذه من حضارة الغرب في أرضية شرقية ورأى أن يتم غرس الحضارة الغربية في أرض الشرق فتنمو نموا طبعيا ملائما لطبيعة الحياة الشرقية. وهو كان يؤمن بحرية الشرق ويدافع عن إصلاح الأوضاع الفاسدة في الشرق. قد تناول هيكل في قصصه ورواياته الطبقة المتوسطة والفقيرة وعرض جوانب سيئة من حياة أفرادها ومن عاداتهم وتقاليدهم وصور أوضاع الفلاحين بأنهم رغم التعب الشديد قانعون بهذه الحياة راضون عنها. يقول عن حياة الفلاح المصري: "يصعب الله عليه النار من أعلى السماء فيلقاها صامتا صاغرا يروح ويرجع، ويرجع ويروح وراء محراثه، أو يحنى ظهره الساعات الطليلة في نكش الأرض. ويعمل غدا ما عمله اليوم، وبعد غد ما يعمله في الغد، وإن انتقل من شقاء إلى شقاء، ويرجع في المساء".[٩]هذا نموذج حي لوصف حياة الفلاح. تلك الحياة التعبة القاسية، تعب كبير وعياء ظاهر، أكل بسيط وإنتاج كثير من الذرية. ولكن الفلاح راض وقانع سبب العادة. تناول هيكل في روايته زينب مسائل المجتمع المصري وقضايا الفلاحين والعمال الكادحين ومشاكل الطبقة العامية والوسطى كما أشار إلى بعض أمراض المجتمع والفساد الخلقي والاعتقادات القديمة وعلاقات الرجل بالمرأة غير الشرعية، ثم عالج المشكلة التي يعانيها الفلاح المصري من الآلام والمصائب الاجتماعية. فالرواية من هذا اللون من القصص الاجتماعي هي التي تحدث فيها هيكل عن تجارب شخصية واصطبغ أحيانا بصبغة عاطفية. تعالج رواية "زينب" قضية العلاقة بين اللرجل والمرأة. دعا الكاتب من خلال وصية زينب إلى ترك الحرية للشباب. والعلاقة بين المرأة والرجل بهذه الكيفية يعد جرأة كبيرة من الكاتب. إن معالجة هذا الموضوع الاجتماعي العاطفي كان ضمن الريف بمناظره الطبيعية والاجتماعية المختلفة. يصف الكاتب حياة الفلاحيين ويصور أفراحهم وأحزانهم كما يصف الطبيعة الجميلة في الليل والنهار ويصور البيوت والمساجد والحقول ولكن في وصف الريف لا ينسجم في معظم الأحيان بين الحدث والطبيعة. فإن وصف الطبيعة في رواية هيكل لا يتلائم مع الطبائع العام لروايته، ولا يمهد الجو لشخصياته وأحداثه.[١٠] تتسم رواية زينب من الناحية الفنية ببراعة التصميم والدقة في رسم الجو وبطه بالأحداث والشخصيات.
قضايا المرأة وهمومها في رواية زينب:
تدور أحداث الرواية حول زينب بطلة الرواية وهي فلاحة في ربيع عمرها تحب ابراهيم ولكن تشاء الأقدار أن يوافق والدها على تزويجها إلى حسن وهو أعز صديق لحبيبها ومن خلال حياة البطلة زينب المأساوية، أظهر لنا الكاتب صعوبة عيش أهل الريف إبان الإستعمار والجهل والظلم اللذان عايشتهما زينب بتزويجها دون رضاها. الكاتب هو الراوي في هذه الرواية فهو يحكي قصة زينب ولا يتكلم بلسانها. تظل زينب الرواية الرائدة تصور الشخصية البسيطة وصراع الحب داخل المجتمع الذي يعاني من سوء الاوضاع الاجتماعية. حاول هيكل أن بقدم قصة حامد للتعبير عن قلقه وضياعه ونبعث مأساة حامد حيثما نبعث مأساة "زينب" وسرعان ما انفصل باقتران زينب من حسن. ولكن زينب ملكت الشاب زمام قلبها كان على شاكلتها. ولكن قد حالت القتاليد البالية بينه وبينها وهي ما استطاعت أن تظهر حبها تجاه إبراهيم امام لافراد الأسرة. وحينما قاله لها إبراهيم "أنا أحبك" فقامت الدنيا وقعدت بالنسبة لها وتحول الكون إلى عرس كبير. يقول هيكل: " كلما في الأرض والسماء من سعادة لا يبلغ ذرة مما يفيد عنها هاته الساعة عنة القمر والموجودات كلها في عرس كبير وذلك النسيم العذب الساري في الجو يحمل معه الهناء. هل تستطيع زينب أنة تتكلم الآن وهل يعسفها لسانها. كلا، كلا. لقد غلب عليها الفرح فهي واجمة حيرى ثابتة في مكانها ترنولإبراهيم. وبكل ما حولها ثم بحركة لم تفهمهاارتمت نحوه مسلمة نفسها بين يديه ملقية براسها على كتفيه فضمها هو إليه وراح ذاهلا بتلك النشوة التي يوحى بها جسمها."[١١] تشتغل المرأة مساحة واسعة في قصصه ورواياته. أما تركيب القصة وشخصياتها فهي عبارة عن رموز وأفكار أكثر من شخصيات قصة تبدأ فكرتها من إحساسه بالظلم والقهر ثم الشعور بالثورة والرفض للواقع والتمرد عليه على نتيجة للتطور السائد ثم انتهاء بإثبات دورها الاجتماعي في المجتمع لأنها تتكون في بناء نصف المجتمع الإنساني.
استنتاج البحث:
كان محمد حسين هيكل من السابقين الذين نقلوا الثقافة الغربية إلى العربية. هو أول من قدم إلى الأدب العربي الحديث الرواية الفنية، بدأ حياته االأدبية والفكرية متأثرا بالحضارة الغربية وأفكارها ونزعاتها الوطنية إلى النهضة اثناء إقامته في فرنسا كطالب حيث كتب أول روايته "زينب". إذ تعتبر رواية "زينب" الرواية التأسيسية في الأدب العربي الحديث. وعلى الرغم من أن رواية "زينب" ليست أول رواية في الأدب الروائي العربي، على الرغم من ذلك فإنها تحتل أهمية خاصة بين كل هذه الانتاجات الأدبية لعدة أسباب ومنها قد تناول الكاتب لأول مرة قضايا المرأة وهمومها. لقد اهتم هذا الروائي على قضايا المرأة العربية ومعاناتها وبؤوسها في المجتمع المصري الذكوري في كتاباته القصصية والرواية وعالج مشاكل المرأة المصرية وهمومها ودعم دعما حقوق المرأة لكي تقوم المرأة العربية وتلعب دورها الفعالة وتساند بالرجال في كل مجال من مجالات الحياة.
المراجع والمصادر:
[١] يحي حقي: فجر القصة المصرية، الهئية المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1987م ص 48،
[٢] محمد حسين هيكل: زينب ص، 9-10
[٣] المصدر السابق، ص، 10
[٤] محمود حامد شوكت: الفن القصصي في الأدب العربي الحديث ، دار الفكر العربي، القاهرة 1956مص، 220،
[٥] يحي حقي: فجر القصة المصرية، الهئية المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1987م ص 48،
[٦] المصدر السابق ص، 46
[٧] محمد زغول سلام: دراسات في القصة العربية الحديثة: أصولها واتجاهاتها وأعلامها، المعارف الأسكندرية 1967م ص 128،
[٨] الدكتور شوقي ضيف: الأدب العربي المعاصر في مصر، دار المعارف القاهرة 1961م ص 270
[٩] محمد حسين هيكل: زينب ص 45
[١٠] عبد المحسن طه بدر: تطور الرواية العربية الحديثة في مصر(1870م- 1938م)، دار المعارف مصر 1983م ص 322،
[١١] محمد حسين هيكل: زينب ص 113
0 تعليقات
أكتُبْ تعليقا