وفي «مرآة الزمان» ولد سنة سبعين وأربع مئة، قال ولده عبدُ الرَّزَّاق: سألت والدي عن مولده، فقال: لا أعلمه حقيقةً، لكني قَدِمْتُ بغداد في السَّنة التي مات فيها التميمي، وعمري إذ ذاك ثماني عشر سنة، والتميمي توفي سنة ثمانٍ وثمانين وأربع مئة[1][1]
وفي «سير أعلام النبلاء»: مَوْلِدُهُ: بِجيلانَ، فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسَبْعِينَ وَأَرْبَعِ مَائَةٍ، وَقَدِمَ بَغْدَادَ شَابًّا، فَتَفَقَّهَ عَلَى أَبِي سَعْدٍ المِحْرِمِي وَسَمِعَ مِنْ أَبِي غَالِبِ البَاقِلأَنِي، وَأَحْمَدَ بنِ المَظَفَّرِ بنِ سُوسٍ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ بَيَانٍ، وَجَعْفَرِ بنِ أَحْمَدَ السَّرَّاجِ، وَأَبِي سَعْدِ بْنِ حُشَيْشٍ، وَأَبِي طَالِبِ اليُوسُفِيِّ، وَطَائِفَةٍ[2][2]
وفي «معجم البلدان» جيلان بالكسر: اسم لبلاد كثيرة من وراء بلاد طبرستان، قال أبو المنذر هشام بن محمد جيلان وموقان ابنا كاشج بن يافث بن نوح، وليس في جيلان مدينة كبيرة إنما هي قرى في مروج بين جبال، ينسب إليها جيلاني وجيلي، والعجم يقولون كيلان. وإذا نسب إلى رجل منهم قيل جيلي، وقد نسب إليها من لا يحصى من أهل العلم في كل فن[3][3]
وفي «لواقح الأنوار»: وهو ابن موسى بن عبد الله بن يحيى الزاهد بن محمد بن داود بن موسى بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن على بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم أجمعين[4][4]
اعلم أن حضرة قطب العارفين الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس الله تعالى سره والدته الكريمة رضى الله عنها اسمها أم الخير، أمة الجبار فاطمة بنت السيد عبد الله الصومعي الزاهد ابن الإمام أبي جمال الدين السيد محمد ابن الإمام السيد محمود ابن الإمام السيد أبي العطاء عبد الله ابن الإمام السيد كمال الدين عيسى ابن الإمام السيد أبي علاء الدين محمد الجواد الله ابن الإمام الهمام على الرضا رضى الله عنه ابن الإمام الهمام موسى الكاظم رضى الله عنه ابن الإمام الهمام جعفر الصادق رضى الله عنه ابن الإمام الهمام عبد الباقر رضى الله عنه ابن الإمام الهمام سيد شباب أهل الجنة وقرة أعين السنة سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين الله وعنا به آمين[5][5]
وفي «مرآة الزمان»: ولد - ه - سنة سبعين وأربع مئة، قال ولده عبد الرزاق: سألت والدي عن مولده، فقال: لا أعلمه حقيقةً، لكني قَدِمْتُ بغداد في السَّنة التي مات فيها التميمي، وعمري إذ ذاك ثماني عشر سنة، والتميمي توفي سنة ثمان وثمانين وأربع مئة. وقال أبو سعد الهاشمي الجيلي، وأم الخير سعدي بنت أبي البسام الجيلية: كان لأُمّ الخير أمة الجبار أم الشيخ عبد القادر - هه - قَدَمٌ في هذا الأمر، وسمعناها تقول غير مرة: لما وضعت ابني عبد القادر كان لا يرضع ثديه في نهار شهر رمضان، وغُمَّ على النَّاس هلال شهر رمضان، فأتوني وسألوني عنه، فقلت: لم يلقم اليوم ثديًا، ثم اتضح أنَّ ذلك اليوم كان من رمضان، واشتهر ببلدنا في ذلك الوقت أنه وُلد للأشراف ولد لا يرضع في نهار رمضان[6][6]
وفي «قلائد الجواهر»: وقيل له رضى الله عنه: متى علمت أنك ولي الله تعالى؟ قال: كنت وأنا ابن عشر سنين فى بلدنا أخرج من دارنا وأذهب إلى المكتب عنك فأرى الملائكة عليهم السلام تمشي حولي فإذا وصلت إلى المكتب سمعت الملائكة يقولون: افسحوا لولي الله حتى يجلس فمر يوما رجل ما عرفته يومئذ فسمع الملائكة يقولون ذلك فقال لأحدهم: ما هذا الصبي فقال له أحدهم: هذا من بيت الأشراف. قال: سيكون لهذا شأن عظيم هذا يعطى فلا يمنع ويمكن فلا يحجب ويقرب فلا يمكر به ثم عرفت ذلك الرجل بعد أربعين سنة فإذا هو من أبدال ذلك الوقت. وقال رضى الله عنه: كنت صغيرا في أهلي كلما هممتُ أن ألعب مع الصبيان أسمع قائلا يقول لي إلي يا مبارك فأهرب فزعا منه وألقى نفسي في حجر أمي وإني لا أسمع الآن هذا في خلواتي[7][7]
وفي «مرآة الزمان»: وقال الشيخ محمد بن قائد الأواني: كنتُ عند سيدنا عبد القادر – له -، فسأله سائل: علام بنيت أمرك؟ قال: على الصدق، ما كذبتُ قَطُّ،
[8][8]
ولا لما كنتُ في المكتب، ثم قال: كنتُ صغيرًا في بلدنا، فخرجت إلى السواد في يوم عرفة، وتبعت بقرا حراثة، فالتفتت إلي بقرة، وقالت لي: يا عبد القادر، ما لهذا خُلِقْتَ، ولا بهذا أُمرتَ. فرجعتُ فَزِعًا إلى دارنا، وصَعِدْتُ إلى سطح الدار، فرأيتُ النَّاس واقفين بعرفات، فجِئْتُ إلى أمي، وقلتُ لها: هبيني الله عزَّ وجلَّ، وَأُذني لي في المسير إلى بغداد أشتغل بالعلم، وأزور الصَّالحين. فسألتني عن سبب ذلك؟ فأخبرتها خبري، فبكت وقامت إلى ثمانين دينارًا ركنية، وَرَّثها أبي، فتركت لأخي أربعين دينارًا، وخاطت في دلقي تحت إبطي أربعين دينارًا، وأَذِنَتْ لي في المسير، وعاهدتني على الصدق في كل أحوالي، وخرجت مودعة لي، وقالت: يا ولدي، اذهَبْ فقد خَرَجْتُ عنك الله عز وجل، فهذا وَجْه لا أراه إلى يوم القيامة. فسرتُ مع قافلة صغيرة نطلب بغداد، فلما تجاوزنا همذان، وكُنَّا بأرض برتيك خرج علينا ستون فارسا، فأخذوا القافلة، ولم يتعرض لي أحد، فاجتاز بي أحدهم، وقال: يا فقير، ما معك؟ فقلتُ: أربعون دينارًا، فقال: وأين هي؟ قلتُ: مخاطة في دَلَقي تحت إبطي. فظنني أستهزئ منه، فتركني وانصرف. ومر بي آخر، فقال لي مِثْلَ ما قال الأَوَّل، وأجبته كجواب الأول. فتركني وانصرف، وتوافـيـا عنـد مقدمهم، وأخبراه بما سمعـاه مني، فقال: علي به، فأتي بي إليه، وإذا هم على تل يقتسمون أموال القافلة، فقال لي: ما معك؟ قلتُ: أربعون دينارًا، فقال: وأين هي؟ قلتُ: مخاطة في دلقي تحت إبطي. فأمر بدلقي فَفُتِقَ، فوجد فيه الأربعين دينارًا، فقال لي: ما حَمَلَك على هذا الاعتراف؟ قلت: إنَّ أمي عاهدتني على الصدق، فأنا لا أخون عهدها. فبكى، وقال: أنتَ لم تَخُنْ عهد أُمِّك، وأنا اليوم كذا وكذا سنة أخون عهد ربي. فتاب على يدي، فقال له أصحابه: أنت كنت مقدَّمنا في قطع الطريق، وأنت الآن مقدَّمنا في التوبة. فتابوا كلُّهم على يدي، وردُّوا على القافلة ما أخذوا منهم، فهم أول من تاب على يدي[9][9]
وفي «مرآة الزمان»: اشتغل بالقرآن العظيم حتى أتقنه، وتفقه بأبي الوفاء علي بن عقيل، وأبي الخطاب محفوظ الكلواذاني، وأبي الحسن محمد بن القاضي أبي العلاء، وأبي سعد المبارك بن علي المحرمي مذهبًا وخلافا وفروعًا وأصولا وقرأ الأدب على أبي زكريا يحيى بن علي التبريزي، وسمع الحديث من جماعة، منهم: أبو غالب محمد بن الحسن الباقلاني، وأبو سعد محمد بن عبد الكريم بن حشيش، وأبو الغنائم محمد بن علي بن ميمون النَّرْسي، وأبو بكر أحمد بن المظفر، وأبو محمد جعفر بن أحمد بن الحسن القارئ السراج، وأبو القاسم علي بن أحمد بن بيان الكرخي، وأبو عثمان إسماعيل بن محمد، وأبو طالب عبد القادر بن محمد بن يوسف، وابن عمه عبد الرحمن بن أحمد، وأبو البركات هبة الله بن المبارك، وأبو العز محمد بن المختار، وأبو نصر محمد، وأبو غالب أحمد، وأبو عبد الله يحيى أولاد الإمام أبي علي بن البناء، وأبو الحسين المبارك ابن الطُّيوري، وأبو منصور عبد الرحمن القزاز، وأبو البركات طلحة العاقولي، وغيرهم. وصَحِبَ الشيخ أبا الخير حَمَّاد الدَّبَّاس وأخذ عنه علم الطريقة، وتأدب به، وأخذ الخرقة الشريفة من أبي سعد المبارك المخرّمي، ولقي جماعةً من أعيان زهاد الزمان[10][10]
وفي «مرآة الزمان»: صحب حمادًا الدَّبَّاسَ، ومنه اكتسب علوم المعاملات والحقائق، وكان سكوته أكثر من كلامه، وكان يتكلم على الخواطر، فظهر له صيت عظيم وقبول تام، وما كان يخرج من مدرسته إلا يوم الجمعة إلى الجامع، أو إلى الرباط، وتاب على يده معظم أهل بغداد، وأسلم معظم اليهود والنصارى، وما كان أحد يراه إلَّا في أوقات الصلاة، وكان يصدع بالحق على المنبر، وينكر على من يولّي الظلمة على الناس، ولما ولى المقتفي القاضي ابن المرحم [الظالم]، قال على المنبر: وليت على المسلمين أَظْلَمَ الظالمين، ما جوابك غدًا عند رب العالمين[10][10]
وفي «مرآة الزمان»: وقال محمود بن النعال: سمعتُ أبي يقول: كنتُ يوما عند الشيخ حماد الدباس، فجاء الشيخ عبد القادر وهو شاب يومئذ، فقام إليه، وتلقاه، وقال: مرحبا بالجبل الراسخ، والطود المنيف الذي لا يتحرك، وأجلسه إلى جانبه، وقال له: ما الفرق بين الحديث والكلام؟ فقال: الحديث ما استدعيت من الجواب، والكلام ما صدقك من الخطاب، وانزعاج القلب لدعوة الانتباه أرجح من أعمال الثقلين، فقال له الشيخ حماد: أنت سيد العارفين في عصرك. قلتُ: كان الشيخ حماد الدباس أحد العلماء الراسخين في العِلم وعلوم الحقائق، وانتهت إليه تربية المريدين ببغداد، وانعقـد عـلـيـه الإجماع في الكشف عن مخفيات المراد، وانتمى إليه معظم مشايخ بغداد وصوفيتهم في وقته، وهو أحد مَنْ أخذ عنه سيدنا الشيخ عبد القادر – رحمة الله عليه وصحبه، وأثنى عليه، وروى كراماته، وكان أبو الوفاء إذا قَدِمَ بغداد، ينزل عنده ويعظم شأنه، وكان المشايخ ببغداد يعظمون أمره ويتأدبون في حضرته، وينصتون لسماع كلامه[11][11]
وفي «سير أعلام النبلاء»: قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ عَبْدُ القَادِرِ مِنْ أَهْلِ جيلانَ إِمَامَ الحَنَابِلَةِ، وشيخهم في عصرِهِ، فَقِيهٌ صَالِحٌ دَيْنٌ خَيْرٌ، كَثِيرُ الذِّكْرِ، دَائِمُ الفِكْرِ، سَرِيعُ الدَّمْعَةِ، تَفَقَّهَ عَلَى المخرمِي، وَصَحِبَ الشَّيْخَ حَمَّادًا الدَّبَّاسَ، وَكَانَ يَسكنُ بِبَابِ الأَزَجِ فِي مَدْرَسَةٍ بُنِيَتْ لَهُ، مَضَيْنَا لزِيَارَتِهِ، فَخَرَجَ وَقَعَدَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ، وَخَتَمُوا القُرْآنَ، فَأَلْقَى دَرْسًا مَا فَهِمْتُ مِنْهُ شَيْئًا، وَأَعْجَبُ مِنْ ذَا أَنَّ أَصْحَابَهُ قَامُوا وَأَعَادُوا الدَّرسَ، فَلَعَلَّهُم فَهِمُوا لإلفهِم بِكَلامِهِ وَعَبَارَتِهِ[12][12]
وفي «سير أعلام النبلاء»: قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ فِي (تَارِيخِهِ): دَخَلَ الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِر بَغْدَادَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِ مَائَةٍ، فَتَفَقَّهَ عَلَى ابْنِ عَقِيلٍ، وَأَبِي الخَطَّابِ، وَالمِحْرِمِي، وَأَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَّاءِ، حَتَّى أَحكَمَ الأُصُولَ وَالفُرُوعَ وَالخلاف، وَسَمِعَ الحَدِيثَ، وَقرَأَ الأَدبَ عَلَى أَبِي زَكَرِيَّا التَّبْرِيزِي، وَاشْتَغَلَ بِالوَعِظِ إِلَى أَنْ بَرَّزَ فِيهِ، ثُمَّ لأَزَمَ الخَلْوَةَ وَالرِّيَاضَةَ وَالمُجَاهِدَةَ وَالسَّيَاحَةَ وَالمَقَامَ فِي الحَرَابِ وَالصَّحْرَاءِ، وَصَحِبَ الدَّبَّاسَ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ أَظَهْرَهُ لِلْخَلْقِ، وَأَوقَعَ لَهُ القبول العَظِيمَ، فَعَقَدَ مَجْلِسَ الوعظ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَأَظْهَرَ اللهُ الحِكْمَةَ عَلَى لِسَانِهِ، ثُمَّ دَرَّسَ، وَأَفْتَى وَصَارَ يُقصَدُ بِالزِّيَارَةِ وَالنُّذُورِ، وَصَنَّفَ فِي الأُصُولِ وَالفُرُوعِ، وَلَهُ كَلامٌ عَلَى لِسَانِ أَهْلِ الطَّرِيقَةِ عَالٍ[13][13]
وفي «مرآة الزمان»: وقال محمد الحسني المؤصلي: سمعت أبي يقول: كان سيدنا الشيخ عبد القادر يتكلم في ثلاثة عشر عِلْمًا، وكان يذكر في مدرسته درسًا من التفسير، ودرسا من الحديث، ودرسا من المذهب، ودرسًا من الخلاف، وكان يُقرأ عليه في طرفي النهار التفسير وعلوم الحديث، والمذهب والخلاف والأصول والنحو، وكان يُقْرِئُ القرآن بالقراءات بعد الظهر[14][14]
وفي «مرآة الزمان»: وسلك أسلوب جده الشيخ جمال الدين أبي الفرج، فإنَّه ذكره في «مناقب الإمام أحمد رحمة الله عليه ذكر فيه المختارين من الطبقة الثامنة من أصحاب الإمام أحمد بن حنبل وأتباعه، فقال: عبد القادر بن أبي صالح الجيلي، تفقه على أبي سعد المخرمي، وسمع الحديث، ثم لازم الانقطاع عن الناس في مدرسته، متشاغلا بالتدريس والتذكير، وبلغ من العمر تسعين سنة[15][15]
وفي «مرآة الزمان»: وقال الشيخ عمر البزاز: كانت الفتاوى تأتيه من بلاد العراق وغيره، وما رأيناه تبيتُ عنده فتوى ليطالع عليها أو يفكر فيها، بل يكتب عليها عقيب قراءتها، وكان يفتي على مذهب الإمام الشافعي وأحمد رحمهما الله، وتعرض فتاواه على علماء العراق، فما كان تعجبهم من صوابه أشد من تعجبهم من سرعة جوابه فيها، وكان من اشتغل عليه في فن من الفنون الشرعية افتقر إليه فيه، وساد على أقرانه[16][16]
وفي «مرآة الزمان»: وقال الشيخ عبد الرزاق: جاءت فتوى من العَجَم إلى بغداد بعد أن عُرِضَتْ على علماء العراقين: عراق العجم وعراق العرب، فلم يتضح لأحدٍ منهم جواب شاف، وصورتها: ما يقول السادة العلماء في رجلٍ حَلف بالطلاق الثلاث أنَّه لا بُدَّ له أن يعبد الله عزَّ وجَلَّ عبادةً ينفرد بها دون جميع الناس في وقتِ تَلَبُّسِهِ بها، فما يفعل من العبادات؟ فأُتي بها إلى والدي، فكتب عليها على الفور: يأتي مكة ويخلى له الطَّواف، ويطوف أسبوعًا وحده، وتنحل يمينه. فما بات المستفتي ببغداد[17][17]
وفي «مرآة الزمان»: وقال الشيخ الإمام موفق الدين رحمه الله: كان شيخنا محيي الدين عبد القادر رحمه الله، نحيف البدن، ربع القامة، عريض الصَّدْر واللحية طويلها، أسمر، مقرون الحاجبين، حفيا، ذا صوتٍ جَهْوَرِي، وسمت بهي، وقَدْرِ عليّ، وعلم وفي، - ه - وقال إبراهيم بن سعيد الداري: كان شيخنا عبد القادر - ه - يَلْبَسُ لباس العلماء، ويتطيلس، ويركب البغلة، وترفع الغاشية بين يديه، ويتكلم على كرسي عالٍ، وكان في كلامه سرعة وجَهْر، وله كلمة مسموعة، إذا قال أُنْصِتَ له، وإذا أمر ابتدر لأمره، وإذا رآه ذو القلب القاسي خشع، وإذا مر إلى الجامع يـوم الجمعة وقف الناس في الأسواق يسألون الله تعالى به حوائجهم، وكان له صيت وصوت، وسمت وصمت، ولقد عَطَسَ يوم جمعة، فشمته الناس حتى سُمِعَتْ في الجامع ضجَّةٌ عظيمة يقولون: يرحمك الله، ويرحم بك. وكان المستنجد بالله الخليفة في مقصورة الجامع، فقال: ما هذه الضجة؟ قيل له: قد عَطَسَ الشيخ عبد القادر فهاله ذلك[18][18]
وفي «مرآة الزمان»: وقال الشيخ المعمر جرادة: ما رأت عيناي أَحْسَنَ خُلُقًا ولا أَوْسَعَ صَدْرًا، ولا أَكرمَ نفسًا، ولا أعطف قلبًا، ولا أحفظ عهدًا وودا من سيّدنا الشيخ عبد القادر، ولقد كان مع جلالة قدره، وعلقٍ منزلته، وسَعَة عِلْمه يقف مع الصَّغير، ويوفّر الكبير، ويبدأ بالسلام، ويجالس الضعفاء، ويتواضع للفقراء، وما قام لأحدٍ من العظماء ولا الأعيان، ولا ألم بباب وزير قط ولا سلطان[19][19]
وفي «مرآة الزمان»: وقال الشيخ أبو سلمان داود المنبجي: كنتُ يوما عند الشيخ عقيل المنبجي، فقيل له: قد اشتهر ببغداد أمر شاب عجمي شريف اسمه عبد القادر. فقال الشيخ عقيل: وإن أمره في السماء أشهر منه في الأرض، ذاك الفتى الرفيع المدعو في الملكوت بالباز الأشهب، وسينفرد في وقته، وسَيُرَدُّ إليه الأمر، ويصدر عنه. والشيخ عقيل أول من لقب سيدنا الشيخ محيي الدين - ه - بالباز الأشهب فيما نعلم[20][20]
وفي «مرآة الزمان»: وقال الشيخ العارف القدوة علي بن وهب السنجاري: عبد القادر أحد أعيان الدنيا، الشيخ عبد القادر أحد أفراد الأولياء، الشيخ عبد القادر من تُحفِ الوجود، الشيخ عبد القادر من هدايا الله تعالى إلى الكون، طوبى لمن رآه طوبى لمن جالسه طوبى لمن بات في خاطر الشيخ عبد القادر[21][21]
وفي «مرآة الزمان»: وقال الشيخ علي بن الهيتي: زرت مع سيدي الشيخ عبد القادر والشيخ بقاء بن بطو قبر الإمام أحمد رحمة الله عليه، فشهدته خرج من قبره، وضم الشيخ عبد القادر إلى صدره، وألبسه خلعة، وقال له: يا شيخ عبد القادر، قد افتقر إليك في عِلْم الشريعة، وعلم الحقيقة، وعلم الحال[22][22]
وفي «مرآة الزمان»: وقال الشيخ عبد الله البطائحي رحمة الله عليه: انحدرت في حياة سيدي الشيخ محيي الدين عبد القادر - الله - إلى أم عُبيدة، وأقمتُ برواق الشيخ أحمد أيامًا، فقال لي الشيخ أحمد يومًا: اذكر لي شيئًا من مناقب الشيخ عبد القادر وصفاته، فذكرتُ منها شيئًا، فجاء رجل في أثناء حديثي، فقال لي: مة، لا تذكر عندنا مناقب غير هذا. وأشار إلى الشيخ أحمد، فنظر إليه الشيخ أحمد مُغضَبًا، فوقع الرجل بين يديه ميتًا، ثم قال: ومَنْ يبلغ مبلغ الشيخ عبد القادر، ذاك بحر الشريعة عن يمينه، وبحر الحقيقة عن يساره، من أيّهما شاء اغترف الشيخ عبد القادر، لا ثاني له في وقتنا هذا. قال: وسمعته يوصي أولاده فيه وأكابر أصحابه، وقد جاء رجل يودعه مسافرا إلى بغداد قال: إذا دَخَلْتُم بغداد، فلا تقدموا على زيارة الشيخ عبد القادر شيئًا إن كان حيًّا، ولا على زيارة قبره إن كان ميتا، فقد أخذ له العهد: أيما رجل من أصحاب الأحوال دخل بغداد، فلم يَزُرْه، سُلِبَ حاله، ولو قبيل الموت. والشيخ عبد القادر خَسِرَه من لم يره، رضي الله عنه[23][23]
وفي «الفتاوى الحديثية»: أنهم قد يؤمرون تعريفا لجاهل أو شكرا وتحدثا بنعمة الله كما وقع للشيخ عبد القادر أنه بينما هو بمجلس وعظه وإذا هو يقول: قدمي هذه على رقبة كل ولي الله تعالى، فأجابه في تلك الساعة أولياء الدنيا. قال جماعة: بل أولياء الجن جميعهم، وطأطؤوا روءسهم وخضعوا له واعترفوا بما قاله إلا رجل بأصبهان فأبى فسلب حاله، وممن طأطأ رأسه أبو النجيب السهروردي وقال: على رأسي على رأسي، وأحمد الرفاعي فقال: وحميد منهم، وسئل: فقال: الشيخ عبد القادر يقول كذا وكذا وأبو مدين في المغرب وأنا منهم اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك أني سمعت وأطعت فسئل فأخبر بما قاله ببغداد فأرخ فكان قول أبي مدين عقـب قـول الشيخ عبد القادر ذلك، وكذا الشيخ عبد الرحيم القناوي مد عنفه وقال: صدق الصادق المصدوق فسئل فأخبر بما قاله الشيخ، وذكر كثيرون من العارفين الذين ذكرناهم وغيرهم أنه لم يقل إلا بأمر إعلاما بقطبيته فلم يسع أحد التخلف بل جاء بأسانيد متعددة عن كثيرين أنهم أخبروا قبل مولده بنحو مائة سنة أنه سيولد بأرض العجم مولود له مظهر عظم يقول ذلك فتندرج الأولياء في وقته تحت قدمه[24][24]
وفي «قلائد الجواهر»: وقال الشيخ عدي بن أبي البركات صخر بن صخر بن مسافر قال أبي صخر قلت لعمي الشيخ عدي بن مسافر لله أعلمت أن أحدا من المشايخ المتقدمين قال قدمى هذه على رقبة كل ولي الله غير الشيخ عبد القادر؟ قال: لا، قلت: فما معناها؟ قال: هي مفصحة عن مقام الفردية في وقته قلت: ولكل وقت فرد؟ قال: نعم، ولكن لم يؤمر أحد أن يقول هذا القول سوى الشيخ عبد القادر له قلت أو أمر بقولها؟ قال: قد أمر، وإنما وضعت كلهم لمكان الأمر، ألا ترى إلى الملائكة عليهم السلام لم يسجدوا لآدم إلا لورود الأمر عليهم رءوسهم بذلك[25][25]
وفي «مرآة الزمان»: لم يجتمع لأحدٍ من المناقب، وأسباب المحامد ما اجتمع لسيدنا الشيخ محيي الدين - رحمة الله عليه - من العِلْم والعمل والحسب والمواهب الجسيمة، والنعم المتتابعة، نفعنا الله ببركته، وحشرنا في زمرته، وأماتنا على محبته، فقد حكي أن بعض محبيه حَلَف بالطلاق أن سيدنا الشيخ عبد القادر أفضل من أبي يزيد البسطامي رحمة الله عليه، ثم استفتى علماء العراق، فكل منهم أحجم عن الجواب، فتحيّر في أمره، فقيل له: عليك بالشيخ عبد القادر، فهو أخبر بذلك، فجاء إليه، وقص عليه قصته، فقال: وما الذي حملك على هذا؟ فقال: قد وقع ذلك، فَمُرْني ما أفعل؟ هل أفارق زوجتي أو أستمر على مضاجعتها؟ فقال: ضاجع زوجتك، فكلُّ ما وصل إليه أبو يزيد البسطامي وصلت إليه، وسبقته بفضيلة علم الفتيا، وهو لم يفت، وتزوجت ولم يتزوج، ورُزِقْتُ الأولاد[26][26]
وفي «الفتاوى الحديثية»: وحكى إمام الشَّافِعِيَّة فِي زَمَنه أَبو سعيد عبد الله بن أبي عصرون قَالَ: دخلتُ بَغْدَاد في طلب العلم فَوَافَقتُ ابن السقا ورافقته في طلب العلم بالنظامية وكُنَّا نزور الصَّالِحِينَ وَكَانَ بِبَغْدَاد رجل يُقَال لَهُ الْغَوْث يظهر إِذا شَاءَ ويختفي إِذا شَاءَ فقصدنا زيارته أَنا وَابْن السقا والشيخ عبد الْقَادِر وَهُوَ يَوْمَئِذٍ شَاب فَقَالَ ابْن السقا ونحن سائرون لأسألنه مسئلة لا يدْرِي لَهَا جوابا وقلت لأسألنه مسئلة وأنظر مَا يَقُول فِيهَا وَقَالَ الشَّيْخ عبد الْقَادِر معاذ الله أن أسأله شيأ أنا بَين يَدَيْهِ أنتظر بركة رُؤْيَته فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَلم نره إِلَّا بعد سَاعَة فنظر الشَّيْخ إِلَى ابْن السقا مغضبا وَقَالَ ويحك يا ابن السقا تَسْأَلُنِي مسئلة لَا أَدْرِي لَهَا جَوَابا هِيَ كذا وجوابها كَذَا إِنِّي لأرى نار الكفر تلتهب فيك، ثم نظر إِلَيَّ وَقَالَ يَا عبد الله أتسألني عن مسئلة لتنظر مَا أَقُول فِيهَا هَذَا كَذَا وجوابها كَذَا لتخزن الدُّنْيَا عَلَيْكَ إِلَى شحمة أذنيك بإساءة أدبك، ثم نظر إِلَى الشَّيْخ عبد الْقَادِر وَأَدْنَاهُ مِنْهُ وأكرمه وَقَالَ يَا عبد القادر لـقـد أرضيت الله وَرَسُوله بحسن أدبك كَأَنِّي أَرَاكَ بِبَغْدَاد وقد صعدت الْكُرْسِيّ متكلما على الْمَلأَ وَقلت: قدمي هَذِهِ على رقبة كل ولي الله وَكَأَنِّي أرى الْأَوْلِيَاء في وقتك وقد حنوا رقابهم إجلالا لك ثُمَّ غَابَ عَنَّا فَلم نره قَالَ وَأَما الشَّيْخ عبد الْقَادِر فقد ظهرت أَمَارَات قربه من الله وأجمع عَلَيْهِ الْخَاصِ وَالْعَامِ وَقَالَ قدمي الخ وأقرت الْأَوْلِيَاء في وقته له بذلك. وأما ابن السقا فَإِنَّهُ اشتغل بالعلوم الشَّرْعِيَّة حَتَّى برع فِيهَا وفَاق فيها كثيرا من أهل زمانه واشتهر بقطع من يناظره في جَمِيعِ الْعُلُومِ وَكَانَ ذَا لِسَان فصيح وسمت بهي فأدناه الخَلِيفَة مِنْهُ وَبَعثه رَسُولا إلى ملك الروم فَرَآهُ ذَا فنون وفصاحة وسمة فأعجب بِهِ وَجمع لَهُ القسيسين وَالْعُلَمَاء بالنصرانية فناظرهم وأفحمهم وعجزوا فعظم عِنْد الملك فزادت فتنته فتراأت له بنت الملك فَأَعْجَبَتْهُ وَفتن بها فَسَأَلَهُ أَن يُزَوجِهَا لَهَا فَقَالَ إِلَّا أَن تتنصّر فَتَنَصَّرَ وَتَزَوّجها ثم مرض فألقوه بالسوق يسْأَلُ الْقُوتِ فَلَا يُجاب وعلته كآبة وَسَوَاد حَتَّى مر عَلَيْهِ من يعرفهُ فَقَالَ لَهُ مَا هَذَا قَالَ فِتْنَة حلت بِي سَببُهَا مَا ترى قَالَ لَهُ هَل تحفظ شيأ من الْقُرْآن قَالَ لَا إِلَّا قَوْله { رُبَّمَا يود الذين كفَرُوا لَو كَانُوا مُسلمين } قَالَ ثُمَّ خرجتُ عَلَيْهِ يَوْمًا فرأيته كَأَنَّهُ قد حرق وَهُوَ فِي النزع فقبلته إِلَى الْقَبْلَة فَاسْتَدَارَ إِلَى الشرق فعدتُ فَعَاد وَهَكَذَا إِلَى أَن خرجت روحه ووجهه إلى الشرق وَكَانَ يذكر كَلَام الْغَوْثَ وَيعلم أَنه أُصِيب بِسَبَبِهِ، قال ابن أبي عصرون. وأما أَنا فَجئت إلى دمشق فأحضرني السُّلْطَان الصالح نور الدين الشهيد وأكرهني على ولايَة الْأَوْقَاف فوليتهَا وَأَقْبَلتُ على الدُّنْيَا إقبالا كثيرا فقد صدق قول الْغَوْثَ فِينَا كلِّنا. وَفِي هَذِهِ الْحِكَايَةِ الَّتِي كَادَت أَن تتواتر فِي الْمَعْنَى لِكَثْرَة نَاقِلِيهَا وعدالتهم فيها أبلغ زجر واكد ردع عن الْإِنكار على أَوْلِيَاء الله تَعَالَى خوفًا من أن يقع الْمُنكر فِيمَا وَقع فِيهِ ابْن السقا من تِلْكَ الْفِتْنَةِ المهلكة الأبدية التي لا أقبح مِنْهَا وَلَا أعظم مِنْهَا نَعُوذ بالله من ذَلِك ونسأله بِوَجْهِهِ الْكَرِيم وحبيبه الرؤوف الرحيم أن يؤمننا من ذلك ومن كل فتنة ومحنة بمنه وكرمه وفيها أيضا أتم حث على اعتقادهم وَالْأَدب معهم وحسن الظن بهم ما أمكن[27][27]
وفي «عوارف المعارف: الباب الحادي والعشرون»: في شرح حال المتجرد والمتأهـل مـن الصوفية وصحة مقاصدهم: الصوفي يتزوج الله كما يتجرد الله، فلتجرده مقصد وأوان، ولتأهله مقصد وأوان، والصادق يعلم أوان التجرد والتأهل لأن الطبع الجموح للصوفي ملجم بلجام العلم. مهما يصلح له التجرد لا يستعجله الطبع إلى التزوج ولا يقدم على التزوج إلا إذا انصلحت النفس واستحقت إدخال الرفق عليها؛ وذلك إذا صارت منقادة مطواعة مجيبة إلى ما يراد منها بمثابة الطفل الذي يتعاهد بما يروق له ويمنع عما يضره. فإذا صارت النفس محكومة مطواعة فقد فاءت إلى أمر الله وتنصلت عن مشاحة القلب فيصلح بينهما بالعدل وينظر في أمرهما بالقسط. ومن صبر من الصوفية على العزوبة هذا الصبر إلى حين بلوغ الكتاب أجله ينتخب له الزوجة انتخابا، ويهيء الله له أعوانا وأسبابا، وينعم برفيق يدخل عليه ورزق يساق إليه، ومتى استعجل المريد واستفزه الطبع وخامره الجهل بثوران دخان الشهوة المطفئة لشعاع العلم وانحط من أوج العزيمة الذي هو قضية حاله وموجب إرادته وشريطة صدق طلبه إلى حضيض الرخصة التي هي رحمة من الله تعالى لعامة خلقه يحكم عليه بالنقصان ويشهد له بالخسران ومثل هذا الاستعجال هو حضيض الرجال. قال سهل بن عبد الله التستري: إذا كان للمريد مال يتوقع به زيادة فدخل عليه الابتلاء فرجوعه في الابتلاء إلى حال دون ذلك نقصان وحدث. وسمعت بعض الفقراء، وقد قيل له: لم لا تتزوج؟ فقال: المرأة لا تصلح إلا للرجال وأنا ما بلغت مبلغ الرجال فكيف أتزوج؟ فالصادقون لهم أوان بلوغ عـنـده يتزوجون. وقد تعارضت الأخبار وتماثلت الآثار في فضيلة التجريد والتزويج وتنوع كلام رسول الله في ذلك لتنوع الأحوال، فمنهم من فضيلته في التجريد، ومنهم من فضيلته في التأهل، وكل هذا التعارض في حق من نار توقانه برد وسلام لكمال تقواه وقهره هواه، وإلا ففي غير هذا الرجل الذي يجب عليه الفتنة يجب النكاح في حال التوقان المفرط ويكون الخلاف بين الأئمة في غير التائق، فالصوفي إذا صار متأهلاً يتعين على الإخوان معاونته بالإيثار ومسامحته في الاستكثار إذا رئي ضعيف الحال قاصرا عن رتبة الرجال كما وصفنا من صبر حتى ظفر لما بلغ الكتاب أجله[28][28]
وفي «عوارف المعارف»: وسمعنا أن الشيخ عبد القادر الجيلي قال له بعض الصالحين: لم تزوجت؟ فقال: ما تزوجت حتى قال لي رسول الله: "تَزَوَّج"؛ فقال له ذلك الرجل: الرسول يأمر بالرخص وطريق القوم التلزم بالعزيمة. فلا أعلم ما قال الشيخ في جوابه ولكني أقول: رسول الله يأمر بالرخصة وأمره على لسان الشرع، فأما من التجأ إلى الله تعالى وافتقر إليه واستخاره فيكاشفه الله بتنبيهه إياه في منامه، وأمره هذا لا يكون أمر رخصة بل هو أمر يتبعه أرباب العزيمة لأنه من علم الحال لا من علم الحكم، ويدل على صحة ما وقع لي ما نقل عنه أنه قال: كنت أريد الزوجة مدة من الزمان ولا أجترىء على التزوج خوفا من تكدير الوقت فلما صبرت إلى أن بلغ الكتاب أجله ساق الله لي أربع زوجات ما فيهن إلا من تنفق علي إرادة ورغبة، فهذه ثمرة الصبر الجميل الكامل فإذا صبر الفقير وطلب الفرج من الله يأتيه الفرج والمخرج: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}[29][29]
وفي «مرآة الزمان»: كان له عِدَّة أولاد ذكورًا وإناثًا، فمن أعيانهم الشيخ عبد الوهاب، تفقه على والده، وسمع منه، ومن أبي غالب بن البَنَّاء وغيرهما، ورحل إلى بلاد العجم في طلب العلم، ودرس بعد والده بمدرسته، وحدث ووعظ وأفتى، وتخرج به جماعة، ... والشيخ موسى، تفقه على والده، وسمع منه، ومن ابن البَنَّاء وغيرهما، وحدَّث بدمشق وعمر، وانتفع به الناس، ودخل مصر، واستوطن دمشق، وتوفي بها بالعقيبة في ليلة مستهل جمادى الآخرة سنة ثمان عشرة وست مئة، ودفن بسفح جبل قاسيون، ومولده سلخ ربيع الأول تسع وثلاثين وخمس مئة، ويقال: سنة سبع وثلاثين وخمس مئة، وهو آخر من مات من أولاده - رضي الله عنهم -. (وأما بيان أولاده الله فهم الشيخ عبد الوهاب والشيخ عبد الرزاق والشيخ عبد العزيز والشيخ عبد الجبار والشيخ عبد الغفور والشيخ عبد الغنى والشيخ صالح والشيخ محمد والشيخ موسى والشيخ عيسى والشيخ إبراهيم والشيخ يحيى وهو أصغرهم وكريمته يمته أمة الجبار العلوية فاطمة قدست أسرارهم أجمعين[30][30]
وفي «قلائد الجواهر»: وقال ابن النجار في تاريخه سمعت عبد الرزاق ابن الشيخ عبد القادر الجيلي يقول: ولد لوالدى تسع وأربعون ولدا سبعة وعشرون ذكرا والباقي إناثا. وقال الجبائي - صاحب وتلميذ الشيخ الجيلاني -: قال سيدنا الشيخ عبد القادر الله: كان إذا ولد لي ولد أخذته على يدي وأقول: هذا ميت فأخرجه من قلبي فاذا مات لم يؤثر عندي موته شيئا؛ لأني قد أخرجته من قلبي أول ما ولد، قال: فكان يموت من أولاده الذكور والإناث ليلة مجلسه فلا ينقطع المجلس ويصعد على الكرسي ويعظ الناس والغاسل يغسل الميت فإذا فرغوا من غسله جاءوا به إلى المجلس فينزل الشيخ ويصلي عليه رضى الله عنه وعنا به[31][31]
وفي «سير أعلام النبلاء»: يَقُولُ الشَّيْخ أَبو بَكْرِ العِمَاد - رَحِمَهُ اللهُ: كُنْتُ قَرَأْتُ فِي أُصُولِ الدِّينِ، فَأَوقع عِنْدِي شَكَا، فَقُلْتُ: حَتَّى أَمْضِيَ إِلَى مَجْلِسِ الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ، فَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ على الخوَاطِرِ. فَمَضَيْتُ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ: اعْتِقَادُنَا اعْتِقَادُ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَالصَّحَابَةِ. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا قَالَهُ اتِّفَاقا. فَتَكَلَّمَ، ثُمَّ التَفَتَ إِلَى نَاحِيَتِي فَأَعَادَهُ، فَقُلْتُ: الوَاعِظُ قَدْ يَلْتَفِتُ. فَالْتَفَتَ إِلَيَّ ثَالِثَةً، وَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، فَأَعَادَ القَوْلَ، ثُمَّ قَالَ: قُمْ قَدْ جَاءَ أَبُوكَ. وَكَانَ غَائِبا، فَقُمْتُ مُبَادرا، وَإِذَا أَبِي قَدْ جَاءَ[32][32]
وفي «الغنية»: (فصل) ويعتقد أهل السنة أن أمة نبينا محمد - ل - خير الأمم أجمعين، وأفضلهم أهل القرن الذين شاهدوه وآمنوا به وصدقوه وبايعوه وتابعوه وقاتلوا بين يديه ومدوه بأنفسهم وأموالهم وشرفهم ونصرهم. وأفضل أهل القرون أهل الحديبية الذين بايعوه بيعة الرضوان وهم ألف وأربعمائة رجل. وأفضلهم أهل بدر وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا عدد أصحاب طالوت. وأفضلهم الأربعون أهل دار الخيزران الذين كملوا بعمر بن الخطاب. وأفضلهم العشرة الذين شهد لهم النبي - الله - بالجنة وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد وسعيد وأبو عبيدة بن الجراح. وأفضل هؤلاء العشرة الأبرار الخلفاء الراشدون الأربعة الأخيار. وأفضل الأربعة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي - رضي الله تعالى عنهم، ... وخلافة الأئمة الأربعة كانت باختيار الصحابة واتفاقهم ورضاهم، ولفضل كل واحد منهم في عصره وزمانه على من سواه من الصحابة ولم تكن بالسيف والقهر والغلبة والأخذ ممن هو أفضل منه، ونحسن الظن بنساء النبي - لا الله - أجمعين، ونعتقد أنهن أمهات المؤمنين، ... واتفق أهل السنة على وجوب الكف عما شجر بينهم الصحابة - والإمساك عن مساوئهم، وإظهار فضائلهم ومحاسنهم، وتسليم أمرهم إلى الله - عز وجل - على ما كان وجرى من اختلاف علي وطلحة والزبير وعائشة ومعاوية - رضي الله عنهم - على ما قدمنا بيانه، وإعطائه كل ذي فضل فضله، كما قال الله عز وجل: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم} [الحشر: ١٠]. وقال تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة: ١٣٤]. وقال -صلى الله عليه وسلم-: «إذا ذكر أصحابي فأمسكوا». وفي لفظ آخر: «إياكم وما شجر بين أصحابي، فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه». وقال - صلى الله عليه وسلم -: طوبى لمن رآني ومن رأى من رآني». وقال -صلى الله عليه وسلم-: لا تسبوا أصحابي فمن سبهم فعليه لعنة الله». وقال -صلى الله عليه وسلم- في رواية أنس: «إن الله عز وجل - اختارني واختار لي أصحابي، فجعلهم أنصاري، وجعلهم أصهاري، وأنه سيجيء في آخر الزمان قوم ينقصونهم، ألا فلا تواكلوهم، ألا فلا تشاربوهم، ألا فلا تناكحوهم، ألا فلا تصلوا معهم، ألا فلا تصلوا عليهم عليهم حلت اللعنة». ... وأجمعوا على تسليم المعجزات للأنبياء، والكرامات للأولياء.، فعلى المؤمن اتباع السنة والجماعة[33][33]
وفي «الغنية»: (فصل) ويجب على المؤمن أن يحب الله ورسوله، وأن يحب الصحابة - رضي الله عنهم - ويترضى عنهم، ويحب أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ويعرف لهم فضلهم ومكانتهم، ويحترمهم ويوقرهم، ويحب الأولياء والصالحين، ويتبع سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - في أقواله وأفعاله، ويجتنب البدع والمحدثات في الدين، ويتبع السنة والجماعة، ويعتقد أن الإيمان قول وعمل ونية، وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الله يُرى في الآخرة بالأبصار، وأن المؤمنين يرونه في الجنة بأعين رؤوسهم، وأن الله عز وجل فوق عرشه، بائن من خلقه، محيط بكل شيء علما، وأن القدر خيره وشره من الله تعالى، وأن الشفاعة حق، والصراط حق، والميزان حق، والجنة والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور[34][34]
وفي «مرآة الزمان»: وقال الشيخ عبد الرزاق: كان والدي يقول: أنا أصولي، وأنا فرعي، وأنا صوفي، وأنا سني، وأنا بحر لا يدرك قعره، وأنا جبل لا يزحزحه أحد، وأنا باز يطير في سماء العرفان، وأنا ليث يصول في ميدان الفتوى، وكان يقول: أنا أحمدي المذهب، حنبلي الطريقة، علوي النسب، جيلي المنشأ، بغدادي الإقامة، وكان يقول: أنا أحمدي لأني أتبع الإمام أحمد بن حنبل في الفروع والأصول، وأنا صوفي لأني أتبع طريقة القوم في التزكية والمعاملات، وأنا علوي لأني من ذرية علي بن أبي طالب، وأنا جيلي لأني من أهل جيلان، وأنا بغدادي لأني أقمت ببغداد ودرست وأفتيت ووعظت فيها[35][35]
وفي «سير أعلام النبلاء»: وقال ابن النجار: كان الشيخ عبد القادر يقول: أنا لست بمبتدع، ولا مفرط، ولا مقصر، ولا متكبر، ولا متجبر، وإنما أنا عبد فقير إلى الله، أتبع السنة والجماعة، وأحب الصحابة وأهل البيت، وأوقر العلماء والصالحين، وأكرم الفقراء والمساكين، وأنصر الحق وأنكر الباطل، وأدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وأنا على طريقة أهل السنة والجماعة، لا أخرج عنها، ولا أميل إلى غيرها[36][36]
وفي «قلائد الجواهر»: وقال الشيخ عبد الرزاق: كان والدي يقول: من لم يكن له شيخ يهديه، فالشيطان شيخه، ومن لم يكن له علم يحكمه، فهواه يظلمه، ومن لم يكن له عمل ينفعه، فجهله يضره، ومن لم يكن له تقوى تحميه، فهواه يرديه، وكان يقول: العلم بلا عمل كالشجرة بلا ثمر، والعمل بلا علم كالسهم بلا قوس، والتقوى بلا علم وعمل كالجسد بلا روح، والعلم والعمل والتقوى هي طريق القوم إلى الله تعالى[37][37]
وفي «مرآة الزمان»: وقال الشيخ عبد الرزاق: كان والدي يقول: الطريق إلى الله تعالى ثلاثة: العلم، والعمل، والإخلاص، فمن كان عالما بلا عمل فهو جاهل، ومن كان عاملا بلا علم فهو ضال، ومن كان عالما عاملا بلا إخلاص فهو منافق، والعلم يهدي إلى العمل، والعمل يوصل إلى الإخلاص، والإخلاص يقرب إلى الله تعالى، وكان يقول: العلم نور، والعمل طريق، والإخلاص وصول، فمن استنار بالعلم، وسار على الطريق، وأخلص في عمله، وصل إلى الله تعالى[38][38]
وفي «سير أعلام النبلاء»: وقال الشيخ عبد الرزاق: كان والدي يقول: التصوف هو التخلق بأخلاق الله، والتحلي بصفات الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والاقتداء بالصحابة والتابعين، والتأدب مع العلماء والصالحين، والتواضع للفقراء والمساكين، والصبر على الأذى، والشكر على النعمة، والرضا بالقضاء، والتسليم للأمر، والتوكل على الله، والرجاء في رحمته، والخوف من عذابه، والحياء من نظره، والمحبة له ولرسوله ولأوليائه ولعباده الصالحين[39][39]
وفي «قلائد الجواهر»: وقال الشيخ عبد الرزاق: كان والدي يقول: الفقير الصادق هو الذي لا يملك شيئا ولا يملكه شيء، والعارف الصادق هو الذي يعرف الله بقلبه ولسانه وجوارحه، والولي الصادق هو الذي يحب الله ورسوله وأهل بيته وأصحابه والصالحين، والمريد الصادق هو الذي يريد الله ورسوله والدار الآخرة، وكان يقول: الفقر ليس بعدم المال، ولكن بعدم الحاجة إلى المال، والعرفان ليس بكثرة العلم، ولكن بكثرة العمل بالعلم، والولاية ليس بظهور الكرامات، ولكن بظهور الطاعات، والإرادة ليس بالكلام، ولكن بالصدق في القلب والعمل[40][40]
وفي «مرآة الزمان»: وقال الشيخ عبد الرزاق: كان والدي يقول: من أراد الله فالطريق واضح، والدليل بين، والحجة قائمة، والعلم ظاهر، والعمل ميسر، والإخلاص ممكن، والله قريب مجيب، فمن أخلص في طلبه وصدق في نيته، وصبر على مشقة الطريق، وتحمل أعباء العمل، وتوكل على الله في كل أحواله، واستعان به في جميع أموره، واستغفره من جميع ذنوبه، وأناب إليه في جميع أوقاته، وصل إلى الله، ونال رضاه، وفاز بجنته، وأمن من عذابه، وكان من المقربين[41][41]
وفي «سير أعلام النبلاء»: وقال ابن النجار: توفي الشيخ عبد القادر ببغداد ليلة السبت مستهل ربيع الآخر سنة إحدى وستين وخمس مئة، ودفن في مدرسته بباب الأزج، وكان عمره تسعين سنة، وكان له صيت عظيم، وقبول تام، ومحبة عند الخاص والعام، وكان من أعظم مشايخ الوقت، وأجل علماء العصر، وأكثرهم ذكرا، وأعظمهم قدرا، وأكرمهم خلقا، وأوسعهم علما، وأحسنهم سمتا، وأبلغهم وعظا، وأصدقهم قولا، وأحكمهم فتوى، وأشدهم إنكارا على الظلمة، وأكثرهم تواضعا للفقراء، وأحبهم إلى القلوب، وأقربهم إلى الله تعالى، رضي الله عنه وأرضاه، وجعل الجنة مأواه، ونفعنا ببركته، وحشرنا في زمرته، آمين[42][42]
0 تعليقات
أكتُبْ تعليقا