ادعمنا بالإعجاب

اطلاع إلى تاريخ ولاية كيرلا و قدوم المسلمين إليها


مجلة ملبار مجلة عربية سنوية تصدر عن قسم اللغة العربية في كلية السيد بوكويا التذكارية الحكومية، بيرنتالمنا كيرالا، الهند: 679322 البريد الإلكتروني: majallamalabar@gmail.com
بقلم: سيد علوي الوافي[1]
مقدمة لولاية كيرالا
كيرالا ولاية هندية مطلة على البحر العربي في الجهة الجنوبية، تتميز عن الولايات الهندية الأخرى بموقعها الجغرافي ومكانتها المرموقة في التاريخ. أرضها خصبة، أجواءها هادئة مطمئنة ، وطبيعتها خضراء خلابة، وتبقيها حية خضرة أربعة وأربعون من الأنهار الهندية التي تعبر أرضها. مناظرها الطبيعية جلبت آلافًا من السياح الأجانب. وأهلها يدينون بأديان متنوعة، ويعيشون متحابين في المودة والأخوة، ومجتمعها يتمتعون بالدرجة العالية في الحياة الاجتماعية والعلمية.
كيرالا منطقة ساحلية جنوبية في القارة الهندية. صارت ولاية مستقلة جديدة منذ عام 1956م، حسب قرار البرلمان الهندي لتقسيم الولايات وفق اللغات المحلية. وكانت منطقتها الشمالية قبل ذلك مندمجة في ولاية مدراس التي تعرف الآن باسم تاملناد، والمنطقتان الوسطى والجنوبية كانت تحت قيادة مملكة ترفيتامكور وكوشن. فصارت المنطقة التي يتكلم أهلها لغة مليالم ولاية جديدة باسم كيرالا. وكانت هذه المنطقة معروفة في التاريخ بعدة أسماء من بينها: ملي، و’مليبار‘ و’ملناد‘ و’مليالم‘ و’منبار‘ وغيرها.
وكلمة مليبار مركبة من كلمتي ’ملا‘ أو ’ملي‘ ,بار‘ فالكلمة الأولي تعني الجبل أو الجبال بينما تقصد بالكلمة الثانية إما المنطقة أو المكان في أصلها الفارسي، لأن التأثير الفارسي كان سائدا في كيرالا. ويمكن أن تكون ’بار‘ منحرفة من الأصل العربي ’بر‘ ضد البحر.  وعلى كل حال يراد بكلمة مليبار المنطقة الجبلية[2].
الهندوسيون في كيرالا يعتقدون حسب القصة الخرافية الأسطورية أن ’ براشوراما‘ رمى فأسه إلى البحر بعدما مل من قتل الناس من الطبقة السفلى وأحس بالندم على ما ارتكبه فكان من العجيب أن ارتفعت الأرض من البحر فجاء ’براشوراما‘ بالبراهمة من سائر أنحاء الهند وأسكنهم في ثلاث وثلاثين قرية وهكذا كان نشوء كيرلا في نظر الهندوكيين البراهمة. وإن كان من الممكن أن يكون نصًّا لأدنى مناسبة بين هذه الأسطورة المشهورة وبين حقيقة ظهور كيرالا وارتفاعها من البحر ولكن بعض المؤرخين يرون القصة أسطورة محضة ويؤكدون على أنها موضوعة لا أساس لها من الحقيقة وأن البراهمة أخترعوها ودبروها لتزييف الحقائق التاريخية وتقديس ظلمهم وجورهم وقتلهم الناس[3].
والمصادر الإسلامية بما فيها القرآن والسنة تنص عن وقوع طوفان عظيم وهائل في عهد سيدنا نوح عليه السلام[4]. وأن الطوفان قد عم المعمورات كلها وتسببت في إعادة تشكيل الجغرافية العالمية آنذاك. وقد اتفق العلماء الجغرافيون والجيولجيون على أنه كانت هناك قارة أرضية تسمى ب’الليمورية‘ وأنها انغمست في الماء عام 2387ق. م. ووقع طوفان عهد سيدنا نوح عليه السلام قريبًا من ذلك الوقت كما هو الرأي العام لدى المؤرخين. وقد اعتمد الدكتور وليام تيلر على هذين الحدثين التاريخين ويرى أنه قد انسحب الماء عن جبال المنطقة الغربية في جنوب الهند وظهرت المنطقة إلى الوجود عام 2348 ق. م.
وباختصار إن المناطق الجبلية من كيرلا الحالية لا يتجاوز عمرها أكثر من خمسة آلاف سنة، أما المناطق الأخرى منها فيمكن أن يكون عمرها أقل من ذلك بكثير[5].
أهل كيرلا
 وكان في كيرلا من العهد القديم مختلف الأجناس من سكانها الأصليين والمهاجرين من حوض البحر الأبيض المتوسط ومن أهل فارس وكلهم استوطنوا كيرالا بعد هجرتهم إليها زرافات ووحدنا. ويعتبر القوم الدرافيدي أول قوم من بين الأقوام القديمة التي جاءت إلى بلاد المنطقة ودخلوا جنوب الهند وسكنوها قبل قدوم الآريين إليها. والقوم الدرافيدي كانوا أصحاب الحضارة العظيمة التي كانت في منطقة ’موهنجودارو‘ الأثرية ومنطقة ’هاربا‘ الأثرية. وكان زمنهم حسب رأي بعض المؤرخين سنة 3250 قبل الميلاد.
وتدل الآثار الموجودة للغة الدرافيدية في لغة مليالم على أن سكان البلاد كانت لهم صلة قوية بأقوام عديدة قبل قدوم الآريين إلى المنطقة واندماجهم بأهلها، ويرجع بعض المؤرخين بأصل الدرافيدين إلى العرب الجنوبيين أو من أفريقيا الشمالية أي البربر الذين سكنوا شمال إفريقيا. أما القوم الآري فيعتبر في المرتبة الثانية من بين الذين وصلوا إلى المنطقة من الخارج ويرجع أصلهم إلى جنس ’الهندو- الألمانية’ وقد تحركوا في قوافل عديدة على شكل هجرات متتالية كبيرة من وسط أوربا ثم إلى وسط آسيا ثم زحفوا نحو الشرق والغرب حتى وصلوا شمال الهند وأخيرًا إلى جنوبها وأن  القافلة الأولى وصلت شمال الهند في سنة 3500 ق. م، والأخيرة في سنة 600 ق.م[6]. ثم توالت على كيرالا هجرات أقوام مختلفة – اليهود والمسيحيين والمسلمين العرب والصينين وكذلك الأوربيون وكان مع كل واحدة من هذه الجماعات أهداف ينتظرون تحقيقها في هذه الأرض الطيبة ورأوا جو كيرالا وطقسها مناسبة للهجرة إليها وبذلك تسببوا في تكوين مجتمع ذي ثقافات متعددة[7].
لغة  استعملتها أهل كيرلا
ولاية كيرلا مكونة بجميع الأجزاء الأرضية التي ينطبق سكانها بمليالم كلغة الأم. إن لغة مليالم اكتسبت مكاناً مرموقاً بين اللغات الهندية وقد حازت الدرجة السابعة والعشرين من بين 2796 لغة في العالم بحسب السكان الذين ينطقون بها[8]، واختلف الباحثون حول نشأة لغة مليالم وقدم كل فريق منهم نظرية تختلف قليلاً أو كثيرًا عن غيرها من النظريات، وبصفة عامة كان الاعتقاد السائد عند كثير من الباحثين حتى زمن قريب أن مليالم متفرعة من الدرافيدية التي تعتبر من أقدم العائلة اللغوية في شبه القارة الهندية. وفي القرون السابقة كانت المنطقة الجنوبية للهند مركبة من كيرالا وبعض جهات تاملناد وكرناتكا. وكانت المجموعة معروفة ب’تميزكم‘ وسكانها كانوا يتكلمون بلغة أقرب إلى تامل الحديثة، ثم لما تفرق الناس وسكنوا مناطق مختلفة ووقعت عدة تغيرات في اللغة فتشكلت لغات مختلفة في المنطقة وتولدت كل من لغات تامل وكنّدا وتلغو ومليالم. وكان عزماء الطبقة العليا في كيرالا يتكلمون فيما بينهم بلغة سنسكرتا للطقوس الدينية.
ويبدو دور الاكتمال أو الوقت الذهبي لمليالم من القرن الخامس عشر الميلادي حينما قام العالم الكبير’ أيزوتشن‘ (1475- 1575م) بتشكيل الحروف الهجائية وضبطها بالأشكال الجديدة والرموز السهلة، ثم بعدما انتشرت الحروف الهجائية مع أشكالها ورموزها وثبت اللغة من حالة الركود التي لم تنتج فيها إلا بعض الأساطير والمرسومات الملكية وبعض الأقضية في المسائل اليومية إلى حالة النهضة والازدهار وبدأت مليالم تخطو نحو التقدم الشامل فخلقت ألوانًا من الآداب الغنية والعلوم الثرية.
وكان المسلمون في كيرلا يكتبون مليالم بالأحرف العربية ولعل سببه يعود إلى تأخر وجود الحروف الهجائية لمليالم فكانوا يستخدمون الأبجدية العربية للإفادة والاستفادة وأثروا بواسطتها خزانة الأدب العربي الماليالمي (Arabi- Malayalam) حتى أواخر القرن العشرين. وعادتهم هذه قد تسببت في انتشار علوم إسلامية كثيرة في كيرلا، وتمتلك لغة مليالم جميع أنواع الآداب والمعلومات والمنشورات وفيها أناشيد وأغنيات ومسرحيات وروايات ونثر وشعر وما إلى ذلك من الموضوعات المختلفة.
العلاقة بين العرب و كيرالا
العلاقة بين العرب وأهل الهند قديمة.وهذه العلاقة كانت قبل قدوم الإسلام بقرون .والفيل والطاؤوس والساج وغيرها المشهورة من الحيوانات والأشجار التي زينت جيش ملك سليمان عليه السلام وقصره وبلاده صدرت من الهند كما نص عليه التاريخ . وكذلك الحديد لداود عليه السلام أوتي من الهند . والتاريخ ينص على أن العلاقة التجارية التي قامت بين العرب والهند خاصة ومليبار في نصوص الشعر العربي الجاهلي .وكان سيوف الهند مشهور عند العرب وكذلك الفلفل الأسود وأخشاب الساج مشهورة عندهم مع أنهما لا يوجد إلافي الهند كما قال المباركبوري "الساج شجر عظيم لا ينبت إلا ببلاد الهند"[9]. وكان العرب يأتون الهند خصوصًا سواحل كيرالا حينما يذهبون إلى سيلون والصين للتجارة وغيرها وكذلك يأتون الهند للتجارة وكان الشعراء يستعملون الفلفل والسيوف الهندية في أشعارهم .
ترى بعر الآرام في عرصاتها                     وقيعانها كأنه حب فلفل[10]
والقرآن يشير إلى تجارة لقريش في قوله تعالى "لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف"[11]. وكانت لهم قافلة تجارية تسير إلى اليمن في فصل الشتاء وقافلة تسير إلى الشام في الصيف.قال البلادري أن أسعد بن زرارة بعث بسرير له عمود وقوائمه ساج، وإنه كان صلى الله عليه وسلم كان ينام عليه حتى تحول إلى منزل أبي أيوب الأنصاري.[12]
وابن بطوطة الرحالة يذكر كثيرًا من المدن الكيرالية التي لها ارتباط وثيق تجاري مع العرب وغيرهم من الأجانب. ويقول في كاليكوت إنها "من أحد البنادر العظام ببلاد مليبار يقصدها أهل الصين والجاوة وسيلان والمهل وأهل اليمن وفارس  ويجتمع بها تجار الآفاق، ومرساها من أعظم مرسى الدنيا".
وكانت  سواحل كيرالا مزدهرة  بمنازل لبعض العرب الذين استوطنوها من القرن الثاني قبل الميلاد.[13] ولسبب الروابط التجارية للعرب مع جنوب الهند كانت للعرب استعمارات عديدة في سواحل مليبار قبل سنين لبعثة النبي صلى الله عليه وسلم. وأما بعد البعثة النبوية إجتهد بعضهم  في دعوة الإسلام أيضا[14] .وكانت القوافل التجارية في عهده سائرة بين الجزيرة العربية ومليبار ذهابًا وإيابًا .وبعض التجار العرب استوطنوا بعض سواحل مليبار وأكثرهم من أهل الحجاز واليمن والبحرين. ولم يزل يتتابع هذه الحالة إلى عدة قرون.
و الإسلام وصل إلى الهند  في القرن الأول الهجري. وكيرالا هي البقعة الأولى في الهند التي تشرفت بالإسلام أولاً، وذلك بواسطة التجار العرب المسلمين.[15] فتراث مسلمي كيرالا عربي خالص وعدم ميلهم قديمًا إلى الفنون والمعامرية الفارسية خير دليل على ذلك. دخل المسلمون فيها واستوطنوها من البلاد العربية مباشرًا لا بطريق فارس كما دخلوا شمال الهند. ولما توثقت تجارتهم في هذا البلد استوطن منهم كثيرون في بعض مدنها الساحلية وتزوجوا بالنساء الأهالية لأن تكون التجارة قوية وثابتة وبعض ملوكها لاسيما ساموتري ملك كالكوت حرض المسلمين على هذا لمنافع فيها حتى كثرت بيوتهم في كيرالا فتولدت فيها أمة بشرية جديدة من ذكور العرب وإناث مليبار وسماهم المؤرخون والشعب باسم "مابلا"
ولأجل ارتقاء التجارة وتطورها وإعداد تسهيلاتها استوطن كثير من العرب سواحل كيرلا في القرن الثامن للميلاد[16] . وهم نشرو الإسلام ودعوا أهالى كيرالا إلى الإسلام علاوة على التجارة، فالتحق بهم كثير من سكان كيرالا من مختلف الطبقات الهندوسية واعتنقوا الإسلام وعاشروا مع المسلمين العرب معاشرة طيبة، وأكثرهم كانوا من أهل الطبقة السفلى. النقود التي نقبت من بعض جهات كيرالا المنسوبة إلى الدولة الأموية الإسلامية يدل على المعاملات لسكان كيرالا مع العرب في تلك الأيام ويقال أن حجاج بن يوسف الثقفي المتوفى سنة 714 م والى العراق من جهة هشام بن عبد الملك كان قد أرسل   جيشًا لتوسيع مملكته وفرقة من الجنود استوطنت بساحل المعبر وبعضهم استوطن في كنيا كوماري وأبناء الفرقة الأولى يعرفون حاليًا بأسرة نوايت والأخرى باسرة لبا[17]
واستوطن المسلمون سواحل كاليكوت تحت رعاية وحماية الملوك السامريين وهم شيدوا سلطنة السامري وحاربوا له وكانت قيادة الجيش البحري للملوك السامريين بكاليكوت تحت أسرة مركار المسلمة وظلت بأيديهم إلى عدة سنين إلى أن غادروها وتركوا كاليكوت إلى الأبد بعد أن قتل القائد الكبير كنج علي مركار بيد البرتغاليين حين سلمه الملك السامري إليهم من أجل اتهام عليه
ومن العرب الذين استوطنوا كيرالا في مختلف العصور والأزمنة أسرة الباعلوية ببليفتن وأسرة البخاري بشافكات وأسرة البافقية بكويلاندي وأسرة الساداتية بكيرالا التي تعرف بأسرة تَنْكَلْ .استوطنوا في مختلف جهات كيرالا في مختلف الأزمنة والعصور.
الإسلام إلى كيرالا على يد مالك بن دينار وأصحابه.
وقد أقبلت وفود عربية إسلامية إلى الهند  للدعوة الإسلامية والتجارات المختلفة وسكنوا فيها كدعاة الإسلام وانتشرت معالم الدين في أرجاء الهند خاصة في سواحل كيرالا .
الشيخ أحمد زين الدين المخدوم يقول :"إنه رافق الملك المذكور بإسلامه سابقًا جماعة من جزيرة العرب في السفر إلى مليبار لعمارة المساجد وإظهار دين الإسلام فيها، ثم إن الملك مرض واشتد مرضه فوصى أصحابه الذين رافقوه ومعه شرف بن مالك وأخوه من الأم مالك بن دينار  وابن أخيه مالك بن حبيب وغيرهم بأن لا يبطلوا سفر الهند بعد موته إذا توفي في المرض، فقالوا لا يعرفون موضعه ولا حدود سلطاته، وهم كانوا أرادوا السفر بصحبته فتفكر الملك ساعة وكتب لهم ورقة بخط مليبار وعين فيها مكانه وأمرهم أن ينزلوا بكدنكلور أو درمفتن أو فنندرينا أو كولم وقال لهم أن لا يخبروا بشدة مرضه ولا بموته إن مات في ذلك المرض أحدًا من المليباريين ثم إنه توفي رحمه الله رحمة واسعة.[18]
وبعد ذلك بسنين سافر شرف بن مالك ومالك بن دينار ومالك بن حبيب وزوجته قمرية وغيرهم من الأولاد والأتباع إلى مليبار في مركب فوصلوا إلى كدنكلور ونزلوا فيها وأعطوا ورقة الملك المتوفى في الطريق إلى الملك الذي في ذلك البلد وأخفوا خبر موته فلما قرأها وفهم مضمونها إعطاهم الأراضي والبساتين على مقتضي ما كتبه الملك السابق فأقاموا فيها وعمروا فيها المساجد[19] .ونقلوا منها إلى الأراضي المختلفة وبنوا فيها المساجد وانتشر الإسلام في كيرالا.
ويرى صاحب تحفة المجاهدين إنما كانت هذه الحوادث بعد المائتين للهجرة رغم أنه ينقده كثيرون. منهم القاضي شهاب الدين الكاليكوتي ويقول :إنه لا غبار عليه من الصحة لأن مالك بن دينار الذي كان رئيس البعثة التبشيرية توفي سنة127ه أو قبله أن يعطوا مالكًا وأصحابه المساكن والمزارع والأراضي لبناء معابدهم في أي أرض شاؤا ذلك. وبعد أن زار مالك مسجده بماداي سكن هنالك ثلاثة أشهر وكان له كثير من الأصدقاء المخلصين.
وعين عبد الرحمن بن دينار قاضيًا في ذلك المسجد .ومسجد مالك في كاسركود كان في مكان فيه الآن مسجد كاسركود الكبير الذي بجواره ضريح مالك بن محمد أحد أقرباء مالك بن دينار رحمه الله.
ملك جيرمان برمال والروايات عن إسلامه
على حسب الروايات التاريخية  أن ملكًا من ملوك كيرالا كان قد اعتنق الإسلام في بداية نشره في البلد ولكنهم اختلفوا في اسم هذا الملك وعصره وأن الجمهور يرى أنه ملك أسرة جير الأسرة المالكة القديمة فيها وكان يعرف باسم جيرمان فرمال. وأسرة جيرا مذكورة في التاريخ من قديم، ويوجد ذكرها أولاً في رسائل الإسكندر المقدوني وملك أشوكا، ولكن التاريخ الواضح لهذه الأسرة في عصر ما قبل الميلاد غير مذكور صريحًا في الصحف التاريخية. وإنما يعرف تاريخهم منذ سنة 212-305م أولاً. وهذا العصر يعرف بعصر ملوك جيرا الأولى، وكانت عاصمتهم كدنكلور التي كانت ميناء كبيرا[20]. وأيضًا لا توجد تفاصيل وخطوط هذه المملكة من 305م إلى825م، وأما بعد ها يوجد ذكرهم واضحًا إلى سنة 1202م، وهذه الحقبة الثانية تعرف أيضًا بملوك فرمال. وملوك جيرا كانوايعرفون بالألقاب والأوصاف وبعض الوقائع التي كانت تنسب إليهم، فجيرمان الذي يذكر بإسلامه ليس بعلمه كما يتوهمه الكثيرون وهو لقب معناه ملك كيرالا أوملك من ملوك أسرة جيرا.
والنبي صلى الله عليه وسلم أرسل الرسائل في السنة السابعة للهجرة  إلى بعض الملوك المعروفين في عصره يدعوهم إلى الإسلام وكما يراه مؤرخ كيرالى كان في جملتها رسالة إلى جيرمان فرمال ملك كيرلا –وإسمه جنكل فرمال أو شنكو فارمن – وهذه الرسالة دليل على إمكانية إسلام ذلك الملك في عهده صلى الله عليه وسلم .ويروى أن النبي (ص) أرسل كتابه إلى أهل السند على يد خمسة نفر من الصحابة فلما جاؤا إلى السند أسلم بعض أهله ثم رجع من الصحابة اثنان مع الوافدين منهم في السند وأظهر أهل السند الإسلام وبينا لأهل السند الأحكام وماتوا فيه وقبورهم فيه الأن موجودة . المخطوطات القديمة لملوك أراكل بكيرالا تدل على أن تشيرمان فرمال سافر إلى الجزيرة العربية في عهده صلى الله عليه وسلم
والدكتور برنال الذي بحث عن هذا الموضوع يرى أن هذا الملك هو معاصر النبي (ص) وهذا الملك سمع عن النبي من بعض تجار العرب الذين قدموا إلى بلده للتجارة وتشوق إلى رؤيته وخرج إلى جزيرة  العرب واعتنق الإسلام والمؤرخ الكيرالي سيد محمد نقل عن على الطبري أن ملكًا من ملوك كيرالا قد تشرف بزيارة النبي ولقائه وإنه سكن في ضيافته صلى  الله عليه وسلم عشرة أيام .
ولكن أطهر مباركبوري لا يوافق مع هذا قائلا "هنا روايات عن إتيان بعض الصحابة في الهند وذهاب بعض ملوكها إلى العربية وقبوله الإسلام ..ولا تصح منها رواية .
روى عبد الله الحاكم في المستدرك عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: أهدى ملك الهند إلى النبي (ص) جرة فيها زنجبيل فأطعم أصحابه قطعة قطعة وأطعمني منها قطعة . والراجح أن يكون هذا الملك الهندي هو تشيرامان ملك كيرالا إذ كان الزنجبيل والفلفل تعد من محصولات كيرالا الزراعية قديمًا. أما عدم ذكر اسم هذا الملك في الحديث فمحتمل حين يروي عن أبي زرعة أنه قال: قبض رسول الله (ص) عن مائة ألف وأربعة عشر ألفا من الصحابة ممن روى عنه وسمع منه. ولكن عدم ذكر هذه الحادثة صريحًا في الأحاديث يجعلها موضع تهمة
.والقاضي أبو بكر بن محي الدين الكاليكوتي بعد أن حكى هذه الحادثة يقول إنه نقل هذه الحادثة من كابر عن كابر من أهل الثقة والعهود من آبائه
وعند المؤخرين اختلافات في تعيين عصر هذا الملك الذي اعتنق الإسلام ويحكى عن أبي محمد عبد الله اليافعي المتوفى سنة 1368 م أن وفدا للمسلمين جاء إلى كاليكوت في عهد خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه تحت قيادة مغيرة بن شعبة المتوفى سنة 50ه  وكان سلطان كاليكوت حينئذ السامري فأسلم هذا الملك بيد هذا الوفد وسار إلى مكة ومات عند رجوعه إلى مليبار في ظفار وقبره موجود هناك.
والشيخ زين الدين بن الغزالى المخدوم بعد أن أخبر بحادثة إسلام هذا الملك- وهو أيضًا يسميه بالسامري – يقول إنها وقعت على غالب الظن بعد القرنين للهجرة. ولكنه يقول أيضًا لم يتحقق عنده تاريخ هذه الحادثة. ولوغن يقول في خطوط مليبار أن في ظفار قبر ملك كيرالي منقوش عليه عبد الرحمن السامري وصل إلى الظفار سنة 212ه وتوفي 216ه. وعندالنظر الدقيق لايصح أن يكون هذا القبر الذي اطلع عليه لوغن لتشيرمان فيرمال لأنه لا يسمى بالسامري، والسامري أسرة ملكة لكاليكوت. والحقيقة أن تشيرمان فيرمال توفي بشحر مكلا كما قاله السهروردي.
وابن بطوطة الرحالة المشهورأيضًا يذكر بإسلام ملك من ملوك كيرلا[21] والدكتور أم جي أس ناراينان يقول إنه لا حاجة لإنكار إسلام ملك من ملوك كيرالا وهو يعترف بهذه الحادثة ولكنه يرى في اسمه وعصره اختلافا لما يقوله المؤرخون اللآخرون[22] .فخبر إسلام ملك من ملوك كيرالا متواتر عند المؤرخين وإنما الاختلاف بينهم في اسمه وعصره. وبعد هذه الحادثة المهمة وفدت إلى كيرالا وفود للدعوة الإسلامية وأشهرهم نفوذا وشهرة وفد تحت رعاية مالك بن دينار رحمه الله.
والاختلاف المذكور في تاريخ إسلام جيرمان فرمال يتبع أيضًا في تاريخ قدوم وفد مالك بن دينار لأن بينهما ترابط وتوافق ومواصلة كاملة كما يرى كثير من المؤرخين. والقاضي أبوبكر بن محي الدين الكاليكوتى يقول بأن مالكًا وأصحابه بنوا مسجد كدنكلور سنة 21للهجرة .
وهذه المساجد التي بناها هذا الوفد والتي بنيت فيما بعد اجتمع فيها المسلمون للصلوات المفروضات وكانت أيضًا مراكز التعليم الإسلامية واللغة العربية وهذه المراكز معروفة بالدروس المسجدية، وبعضها كانت شهيرة حتى كان يرتاده طلاب العلم من البلاد الخارجية أيضًا .
والدروس التاريخية التي وقعت من المؤرخين المشهوريين تختلف في قدوم الصحابة في الهند. ومع ذلك يجتمعون في إسلام ملك من ملوك الهند وقدوم وفد من جزيرة العرب. والاختلاف في اسم الملك ووقت إسلامه. وفي بعض أمكنة كيرالا مقابرة مشهورة مثل ‘نِلامُوتَم’ من منطقة كنور، و‘بَارابَلّي’ في كاليكوت ويقال أنها مقابرة الصحابة في ادعاء أهلها. ولكن ليس عندهم دلائل جلية .
وأهل كيرلا المسلمون يعتقدون أنه قد جاء في كيرالا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه لايوجد دلائل واضحة في هذا إلا أقوال المؤرخين والعظماء وفرضياتهم. والعرب قد تعودوا أن يأتوا إلى مليبار قبل الإسلام لحاجاتهم التجارية والزيارات إلى سيلون وغيرها من الحوائج، فلما لم يأتوا إلى جنوب الهند وخاصة إلى كيرالا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم عند قدوم الإسلام وانتشاره مع أن الصحابة حاولوا لنشر الإسلام في البقع البعيدة عن المدينة. والنصوص التاريخية تشير إلى قدوم الإسلام في الصين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. والنقوش التي على ميزان مقابر في ‘نِلامُتم’ تدل على قدوم الصحابة إليها. لأنه ليس للنقوش الأشكال والنقطات التي جاءت في اللغة العربية بعد خمسين من الهجرة. والمقبرة التي في ‘بارابلي’ في كُيلاندي تعرف باسم تميم الداري الذي شهد بدرًا . ولكن ماو جد في تاريخه قدومه إلى الهند. والله أعلم.
اللغة العربية في كيرالا
فناني
عرفت كيرالا اللغة العربية في أول الأمر بواسطة تجارب العرب، كانت هنا علاقة وثيقة بين العرب وكيرالا، حيث تصدر البضائع منها إلى ديار العرب منذ العصور قبل الميلادي. فصارت البضائع الهندية متوافرة في الأسواق العربية، ومألوفة عند العرب حتى استخدموا في أشعارهم ونظمهم أسماء هذه البضائع كما فعل امرؤ القيس وغيره من شعراء عصره. أدت هذه العلاقة إلى قدوم كثير من تجارب العرب إلى كيرالا واستيطانهم ببعض مدنها الساحلية مثل كالكوت وشاليام وكويلاندي وفُناني وغيرها، واختلاطهم بأهالي كيرالا، وهذا شجع انتشار اللغة العربية بين السكان المدن الساحلية. وأما انتشارها في جميع نواحي كيرالا فبدخول الإسلام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو بعده في أرجاءها حيث دخل أهل كيرالا في دين الله أفواجا، فنشطت دراسة اللغة العربية بشغفهم بها؛ لأنها لغة القرآن وتؤدي عبادات الإسلام بها. وصارت كيرالا هدف كثير من العلماء والدعاة من جزيرة العرب، وأدوا خدمات جليلة في الدعوة إلى رحاب الإسلام ونشر الثقافة الإسلامية واللغة العربية في طول  كيرالا وعرضها. وبعض من هؤلاء العلاماء ينتمون إلى أسر  مشهورة في الولاية مثل الأسرة الباعلوية والجفرية والبخارية والبافقية والمخدومية المعبرية والقاضية وغيرها. وهنا أيضًا كثير من العلماء  أنتجتهم كيرالا من أبنائه  لا ينتمون إلى أسرة من هذه،  بل قاموا بجهد فائق من علماء هذه الأسر. فانتشر الإسلام واللغة جنبًا بجنب في ديار كيرالا. فاهتم المسلمون بدراسة العربية من الحلقات الدراسية في أول الأمر. 
وتطورت دراسة اللغة العربية من الحلقات الدراسية إلى المدارس الدينية التي أسست في جميع أنحاء كيرالا. ويرجع الفضل في تأسيسها إلى كل من الفرق الدينية التي قامت بدور محمود في تنمية الأمة المسلمة في ولاية كيرالا. فأول مدرسة أسست في كيرالا مدرسة تنمية الإسلام بوازكاد. وذلك في سنة 1871م. وأول من قام بالحركة المدرسية الجديدة تشاليلاكت كنج أحمد حاجي. ثمّ حوّل الحاجي هذه المدرسة إلى كلية عربية، وهي معروفة الآن بكيلة دار العلوم العربية. ثم انتشرت المدارس والكليات العربية والدينية تحت رعاية الجمعيات الدينية.
مراجع ومصادر
·         ابن بطوطة ، تحفة النظار في غرائب الأمصار، دارالكتب العلمية.
·         سيد محي الدين شاه، الإسلام  في كيرلا.
·         أيلم كولم كنجن بلا ، مملكة جيرا في القرون التاسعة والعاشرة،
·         الشيخ زين الدين المخدوم ، تحفة المجاهدين في أحوال البرتغاليين،مؤسسة الوفاء ، بيروت لبنان.
·         دكتور كي كي بلا، تاريخ جنوب الهند
·         دكتور تارا تشند، تاثير الإسلام في الثقافة الهندية ،مؤسسة الفكر العربي
·         أطهر مبارك بوري ،العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين
·         كتاب محي الدين آلوا
·         سيد محمد بي أي ، تاريخ مسلمي كيرلا
·         دائرة المعارف – مليالم
·         الكتاب السنوي لمليال منورما،  سنة 1989م (مليالم)
·         الدكتور كريم.سي. ك، كيرلا القديم وظهور المسلمين
·         تاريخ أكسوفورد للهند، الجزأ الأول  (انجليزية)
·         إيبن. ك, وي، تاريخ كيرلا ، (مليالم)
·         شريدر مينون . أس، تاريخ كيرلا،  (مليالم)




[1] باحث الدكتوراه في جامعة كيرالا
[2]. إيبن. ك, وي، تاريخ كيرلا ، ص 80 (مليالم)
[3]. شريدر مينون . أس، تاريخ كيرلا، ص 20 (مليالم)
[4]. القرآن الكريم، سورة هود، الآيات 40- 43
[5]. الدكتور كريم.سي. ك، كيرلا القديم وظهور المسلمين ص15
[6]. تاريخ أكسوفورد للهند، ج 1، ص 49-52 (انجليزية)
[7].إيلم كلم كنجن بلا، كيرالا من العصور، ص 99
[8]. الكتاب السنوي لمليالمنورما، ص 291 سنة 1989م (مليالم)
[9]  أطهر مبارك بوري ،العقد الثمين ،صفحة 20
[10] ديوان أمرؤ القيس ، صفحة 8  
[11] سورة القريش 1-2      
[12] أطهر مبارك بوري ،العقد الثمين،صفحة 19-20
 [13]  دكتور تارا جند ،تاثير الإسلام في ثقافة الهند ،صفحة 30
[14]  دكتور تارا جند ،تاثير الإسلام في ثقافة الهند ،صفحة 30
[15]  دليل فودر للهند، صفحة147
[16]  دكتور كي كي بلا، تاريخ جنوب الهند، صفحة 128
[17]  دكتور تارا تشند، تاثير الإسلام في الثقافة الهندية .
[18]   الشيخ زين الدين المخدوم ، تحفة المجاهدين ،صفحة 207
[19]  الشيخ زين الدين المخدوم ، تحفة المجاهدين ،صفحة 208
[20]  أيلم كولم كنجن بلا ، مملكة جيرا في القرون التاسعة والعاشرة ، صفحة 108
[21]  إبن بطوطة ، رحلة ابن بطوطة ،صفحة 552
[22]  سيد محي الدين شاه، الإسلام  في كيرلا صفحة 26

مواضيع ذات صلة
تاريخ الهند, ثقافة كيرالا, دراسات, كيرالا,

إرسال تعليق

2 تعليقات

أكتُبْ تعليقا