ادعمنا بالإعجاب

" العرب والعربية" للسيد عبد الرحمن العيدروسي الأزهري باكورة في الدراسات عن اللغة العربية

محمد اسماعيل  الهدوي.أى ب
التمهيد
الأمة العربية هي إحدي الأمم السامية[1] الممتازة في العالم بخصائصها الجغرافية واللغوية والثقافية والأصالة،  تنقسم الى عدة اقسام وطبقات من حيث العادات والطبقات والحضارات، تشرفوا على سائر الأمم العالمية بخصائص لا وجود لها في سائر الأمم، ومن أهمها لغتهم العربية التى هي إحدي اللغات السامية القديمة الباقية المتداولة على ممر الأعوام والأزمان، واللغة العربية تمتاز من سائر اللغات بميزات، انها لغة القرآن ولغة النبي صلى الله عليه وسلم ولغة اهل الجنة، تختص بالإعراب واختلاف اللهجات والتطور في الأطوار المختلفة واساليب اداء الحروف والمخارج والصفات وما اليها، تفرع منها ادب عربي خاص تشعب فيه كثير من أنواع الأدب حتي ألف آلاف من الكتب الأدبية واللغوية والثقافية.
المؤلف البحاثة رحمه الله

            وإذا فتشنا في المكتبات نعثر على عدة كتب أدبية تبحث عن الأدب العربي وتاريخ الأدباء العربيين وكتبهم، ولكن من الأسف البالغ لا نجد كتابا شافيا يبين عن اللغة العربية وميزتها وخصائصها من بين اللغات، ولا يكون في شيئ من الكذب والمبالغة إذا قلنا أنه لا يوجد في الحيز كتاب في هذا الصدد، ولكن الشيخ السيد عبد الرحمن السيد محضار العيدروسي المليباري قد سد هذه الثلمة بكتابه  القيم "العرب والعربية"
سيد عبد الرحمن سيد محضار العيدروس المليباري
هو سيد عبد الرحمن بن سيد محمد المحضار العيدروس من أحفاد السيد الشيخ عبد الله العيدروس الحضرمي، وابوه السيد محمد كجّ كوي كان عالما ماهرا خريجا من كلية باقيات الصالحات، انتقل جده الخامس السيد عبد الرحمن وعائلته من موطنه بتريم باليمن الى عدن ثم الى مليبار بالهند ايام الحاكم  المسلم السلطان الشهيد تاج الدين ديبو، وقام بأعباء الدعوة وتعرّف به السلطان وقدم له كل عون،
ولد السيد عبد الرحمن عام 1930 الميلادي[2] ،  وتعلم المبادئ الدينية في منزله وقريته وأكمل الدراسة عند كبار المشايخ في مليبار، والتحق للدراسات العليا في المعهد الديني الشهير في جنوب الهند الباقيات الصالحات، وتخرّج منها على الشهادة النهائية المولوي الفاضل بامتياز، وبعد ذلك اشتغل مدرسا خمس سنوات، ثم التحق بالجامعة دار العلوم في ديوبند شمال الهند، ونال منها الشهادات للأحاديث النبوية والفلسفة الإسلامية والآداب العربية وتفاسير القرآن الكريم، ولكن شوقه للخوض في بحور العلوم والحكم لم يقنعه بهذه الشهادات والتأهيلات، حتي ركب جناحيه الي مصر مهد الحضارة والثقافة ومنبغ العلوم والحكمة ونهل وعلّ من معينين من جامعة الأزهر فالجامعة القاهرة، ونال من الأزهر الشهادة العالمية من كلية اصول الدين مع تخصص اجازة الدعوة والإرشاد وشهادة التدريس من كلية الدراسات العربية، كما حصل على الشهادة من كلية آداب جامعة القاهرة، واكرم بعدد من الشهاداة والإيجازات من اشهر العلماء والسادات العظام من البلدان المختلفة مثل مصر وليبيا والسودان وبغداد والكويت، وإثر تخرجه اشتغل بالتدريس بجامعة السيد محمد بن على السنوسي في ليبيا لمدة ثلاث سنين، كان ذلك سنة 1962في عمره الثاني والثلاثين، ثم في المعهد المعلمين بمنطقة وادي الدواسرثم في المعهد الديني بخليص في المملكة العربية السعودية وغيرها تمتد ثلاثا وعشرين سنة،
له يد طولى في مجال التصنيف الأدب العربي كما في مجال التدريس ايضا، من اهم مساهماته في مجال التصنيف موجز تاريخ الأدب العربي والدعوة الإسلامية في مليبار، قصة مليبار الذي اعتنق الإسلام، تاريخ الشيخ مالك بن دينار الذي نشر الإسلام في مليبار، التصوف الصحيح والمتصوفة، النشاط الديني في الهند، تاريخ النحو وتطوره، من نوابغ علماء مليبار، مختصر حياة شمس العلماء وغير ذلك مطبوعة وغير مطبوعة، وله ايضا قصائد كثيرة قرضها في مناسب شتي،
كتابه "العرب والعربية"
كما يبدو من الإسم يشتمل الكتاب على دراسة بحثية عن العرب[3] واللغة العربية، قام به السيد الفاضل ولاقى من صعاب  في جمع مواده عدة سنين، كان اولا يشتغل بتأليف كتاب عن تاريخ النحو وتطوره، ففى أثناء القراءة والتطلع على المصادر لهذه العجالة عثر على معلومات نادرة جمة عن العرب واللغة العربية وعلومها، فصرف وجهه عما هو فيه الى ان يكتب رسالة عن العرب واللغة العربية مقدمة لما هو بصدده، قام على ساقيه ولبس نعلين من الحديد في تكميل هذه الخطوة حتى ظهر الكتاب ثمرة جده المتواصل وسعيه المتسلسل وثمرة ذهنه الثاقب وفكره الحاد وعبقريته النادرة ومهارته اللغوية،
قد تعجب العرب بمضمون هذا الكتاب وأسلوبه الرائع وابدوه في اقوالهم وتقاريظهم، يقول الدكتور الشيخ محمد عبد المنعم خفاجي[4] في تقريظه للكتاب " إن هذه الدراسة القيمة جدير بالذيوع وبالتقدير معا، وأود ان تطبع بلغتها العربية وأن تترجم إلى لغات كثيرة وخاصة الأردية السائدة في الهند قبل تقسيمها مع ان لغة مليبار(مالايالم) لها حروف خاصة، ليتمكن ملايين المسلمين من قرائتها والإفادة منها"[5]، يقول الشيخ محمود النواوي في مقدمة الكتاب "وما كنت أعتقد ان يخرج بهذا الكتاب في بيان عربي فصيح لعجمته واستعصاء الأسلوب العربي المبين على مثله، ولكنه جاء منذ أيام فعرضه عليّ لقرائته، فإذا كتاب في اللغة العربية وآدابها لا يقدم على مثله إلاّ فحول الأدباء والباحثون الفاحصون من رجال اللغة العربية الأصيلين، وبعد مجهود لا يعرفه إلاّ من مارس الأدب وزاول التأليف فيه بعد أن توفر على دراسته سنين عددا وقلب مراجعه وتذوق أساليب العرب وآدابها"[6] واي شيئ اكبر شهادة من هذا على أهمية الكتاب، فضلا عن هذا كله انه طبع على نفقة معالى السيد الفاضل على الشرفا الحمادي.


التبويب في الكتاب
قسم المصنف هذا الكتاب الى ثلاثة أقسام، تحتوي كل واحد على عدة أبواب يبحث شتى نواحي الموضوع، القسم الأول الأمة العربية فيه عدة ابواب مثل العرب، وموقع العرب الجغرافي وأقسام الجزيرة العربية، وسر تسمية العرب، وأقسام العرب، وطبقات العرب، والحضارة القديمة للعرب، وأشهر الأصنام للعرب، وأخلاق العرب
والقسم الثانى اللغة العربية بين اللغات، وهذا القسم قد طال كثيرا في 120صفحة تقريبا وفقا للموضوعات، يحتوي على اللغة العربية، وإختلاف اللهجات العربية، وسبب انفكاك وحدة اللغة، ومظاهر اختلاف اللهجات الشمالية، والإختلاف في الإعراب ،واللغات المذمومة أواللهجات غير الفصيحة، ولغة قريش وعوامل انتشار اللهجة القرشية، وأثر الأسواق في تهذيب اللغة العربية، وأثر القرآن والحديث في اللغة العربية، واللغة العربية في أطوارها المختلفة، وعوامل توسع اللغة، والترادف والمجاز والإشتراك، والإشتقاق، والتعريب، والحروف العربية، والحروف المستهجنة الستة، والحروف المستهجنة في موضع والمستحسنة في آخر، وأساليب أداء الحروف العربية، ومخارج الحروف، وصفات الحروف، وترتيب الحروف العربية، والفرق بين الشكل والإعجام،
والقسم الثالث أقسام الكلام العربي ويضم النثر والشعر ومنزلة الشعر عند العرب، والشعر المنثور والمرسل ومجمع البحور والشعر الحر، وأقسام الشعر العربي ونشأة الشعر العربي وأوزانه، وخصائص الشعر العربي وطبيعته، والشعر في نظر الإسلام، ومصادر الشعر العربي
وفي اثناء المطالعة يظهر امام القارئ شخصية المؤلف في حسن عرضه للموضوع  باسلوب أنيق مع عبارة فصيحة جذابة سهلة، وتخيّر موضوعاته ودقّته في العلم وأمانته في النقل وجمال العرض، ومن الجدير بالذكر انه قد جمع المواد من المصادر المختلفة تبلغ الي مأة وخمسين كتبا وهمش كلاّ حسب الموقع يمكّن القارئ الخوض الى عمق الموضوع حسب الحاجة، لم يصادف امرا غريبا الاّ عرّفه او مبهما الاّ وضّحه حتي فرق الغث والسمين،
شرع  بالذكر عن الأمة العربية نسبهم وأصلهم فموطنهم الجغرافي فأشار الى اختلاف اصطلاحي للجزيرة العربية[7]، ثم تكلم عن الأقسام الخمسشة[8] للجزيرة العربية، وبعد ذلك بين سر تسمية ‘العرب" بالإشارة الى الخلاف، يقول "قال بعضهم ان نسبته الي يعرب بن قحطان بعد تغيير يسير،وقال البعض إن اولاد اسماعيل نشأوا"بعربة" وهي من تهامة فنسبوا إلى بلدهم، ورجح الأزهري هذا القول، قال ياقوت: إن كل من سكن جزيرة العرب ونطق بلسان أهلها فهم العرب سموا عربا باسم بلدهم العربات[9]، وقيل ان لفظة العرب مشتقة من الإعراب، وقال هشام بن محمد بن السائب جزيرة العرب تدعى عربة ومن هنا قيل للعرب عربي[10]،
وبعد هذا البحث الدقيق المحقق خاض الى بحث اقسام العرب من حيث العادات والتهذيب وحيث الطبقات، وفي الأول ينقسم العرب بدويا[11] وحضريا، وفي الثاني ينقسم الى البائدة[12] والباقية، وتدخل في الباقية العاربة والمستعربة[13]، يقول: "واستدل الباحثون من النقوش التى وجدوها في أشور وبابل على أن دولة حمورابي كانت عربية خالصة والتي استولت على بابل قبل الميلاد بأكثر من ألفي سنة[14]،
وحينما تكلم عن دين العرب ومللهم لم يغادر منه شيئا، حتى بين عن كل الأديان والمدينين بها حرفا حرفا، يقول: "كانت العرب في الجاهلية مختلفة الملل والنحل، فكان بعضهم يدين بدين الصابئة ويعتقد في أنواء الكواكب....ومنهم من ينكر الإله والبعث ومن يعترف بالإله وينكر البعث، ومنهم من يدين باليهودية كبعض العرب الذين جاوروا خيبر وقريظة والنضير، ومنهم من يدين بالنصرانية كأهل نجران وتغلب وبعض شيبان وغسان، ومنهم من تأثر بالمجوسية الديانة الفارسية مثل عرب تميم الذين جاورهم بلاد الفرس، ومنهم زنادقة كبعض قريش أخذوها من الحيرة،وكان بعضهم يعبد الشمس كحمير أو القمر مثل كنانة او الكواكب مثل تميم وخزام ولخم، ولكن كانت الوثنية كانت سائدة ومنتشرة فيهم"[15]
وفى آخر هذا البحث يهدي القارئ الى أشهر الأصنام للعرب، ويعلن بحقيقة ظاهرة متداولة بينهم، وذلك ان هذه الآلهة المندثرة في الجزيرة العربية والتي أقاموا لها البيوت والسدنة لم تشغلهم عن تعظيم الكعبة وإجلالها لأنها كانت أثر أبيهم اسماعيل[16]، ثم بين عن أخلاقهم وشمائلهم النيرة، ومما لا مجال شك فيه ان العرب  لم توحدهم حكومة ولا نظام ولم يدينوا لقانون وضعي وكانوا في حروب دامية لأدني سبب، على الرغم من هذه كلها كانت لهم شمائل نبيلة لم توجد لشعب آخر، عرفوا بالرجولة الكاملة وحب الفخر والوفاء بالوعد وبذل أنفسهم في الدفاع عن العرض، وكانوا مشهورين في قري الضيف والكرم والسخاء، والمصنف يذيّل كل أمور بالوقائع التاريخية[17] والحقائق البينة[18]، والأشعار العربية تضفي علينا صورة من مظاهر حياتهم نري فيها الشمائل العربية والفروسية والبسالة والشرف والشهامة والوفاء والإعتداد بالنفس وغير ذلك من الأوصاف التى تميز بها العربي عن سائر الشعوب.
اللغة العربية بين اللغات
والقسم الثاني هو الجانب المهم في الكتاب يبحث فيه عن اللغة العربية وميزاتها وجوانبها وما إليها، في البداية يعبر عن نوعية اللغة العربية فيقول انها إحدي اللغات السامية [19]التي كان يتكلمها بنو سام بن نوح[20]، ويقول: ليست لدينا أدلة نبرهن بها على أيها أسبق، لأننا لا نجد تاريخيا يرجع إلى الحقبة الغابرة السحيقة في القدم وكل ما ذكر العلماء في هذا الموضوع من قبيل التخمين، ويرجع أكثره الى التعصب الجنسي أو الديني[21]، ومن بعده يسرد آراء العلماء في أسبق اللغات السامية، وان لم يمكن ان يحكم حكما نهائيا في أصل نشأة اللغة العربية طبعا نقول انه لم يتصل الى هذا النظام الدقيق والإتساق الكامل إلا وقد مرت بمراحل وتطورات، ثم يرشد القارئ للتوسع في هذا الموضوع الى الكتب المؤلفة في علم اللغات،
عندما يبين عن اختلاف اللهجات العربية بين ان اللغة العربية تختلف من حيث سماة الأرض الى اللغة العربية الجنوبية[22] والشمالية، وكلتاهما تتفرع الى فروع وفصائل، من أهم اللهجات الجنوبية: -المعينية والسبئية والحميرية والقتبانية والحضرمية[23]، واللغة الشمالية لها لهجات مختلفة في قبائلها منها ما هو مذموم مثل بعض لهجة تميم ومضر وقيس وهذيل وغيرها، قد طرأ على بعضها من الألفاظ الأعجمية عدد كثير فدخلت فيها ألفاظ فارسية وحبشية ويونانية، واسباب اختلاف اللهجات ترجع أولا الى طبيعة اللغة العربية ثم الى حياة البدو الجافة في القواحل الجرداء والى الوسائل التى درجوا عليها لأميتهم، وجلّ ما كان عندهم المحاكاة والنقل الشفوي،
وكان هناك لهجات مذمومة وغير فصيحة أيضا، مثل عجعجة قضاعة وفحفحة هذيل وكشكشة ربيعة وعنعنة تميم وقيس وغير ذلك[24]،   ولكن الشعر العربي قد خلى عن هذه اللهجات، هذا يدلنا على ان الشعراء كانوا لا يستعملون في قرض الشعر الا اللغة الفصيحة، حينما نرجع مثلا الى ديوان الهذليين  الذين عرفوا بلهجة خاصة كالفحفحة أو تسهيل الهمزة لا نعثر على آثار هذه اللهجة في أشعارهم الاّ بضع كلمات فسرها الشراح أنها لغة هذيل، ولكن اللهجات التي عدت مذمومة اعتبرها النحاة المتأخرون غير مذمومة، وقد عقد ابن جني فصلا مستقلا في كتاب الخصائص بعنوان " اختلاف اللغات وكلها حجة" يقول في آخر هذا الباب "واذا كان الأمر في اللغة المعول عليها هكذا، وعلى هذا فيجب ان يقل استعمالها وان يتخير ما هو أقوي وأشيع منها الاّ انّ انسانا لو استعملها لم يكن مخطئا لكلام العرب لكنه يكون مخطئا لأجود اللغتين، فأما ان احتاج الى ذلك في شعر او سجع فإنه مقبول منه غير منعي عليه"[25].
ومن البديهي ان قريشا كانت افصح العرب لغة وأصفاهم لهجة، وانتشرت لغتهم واصبحت تقوي وتنمو في الوقت الذي كانت اللغات الأخري آخذة في الضعف والتدهور،قال النبي صلى الله عليه وسلم " أنا أفصح العرب بيد أني من قريش"[26]، قد بين المصنف الأسباب التي ساعدت اللغة القرشية ان تغلب على سائر اللغات، وهي العوامل الديني والأقتاصادي والسياسي،
الأول العامل الديني: ان قريشا كانت سدنة بيت الله الحرام، وكانت العرب من كل أصقاع الجزيرة يفدون إليه ويجلون البيت وسدنتة ويجعلونهم حكما بينهم،
الثاني العامل الإقتصادي: كان أهم المراكز التجاري في الجزيرة في أيدي القرشيين، امتدت متاجرهم الى بلاد العجم حتي نوه بها القرآن الكريم،
الثالث العامل السياسي: كان لقريش النفوذ السياسي على قبائل العرب، ساعدتهم على ذلك الظروف وموقع بلادهم الجغرافي، واستطاعوا بما أودع الله فيهم من الذوق الفطري أن ينتقوا من لغات القبائل الوافدة عليهم في المواسم والمجامع مع اختيار بعض الكلمات الأعجمية بعد تحويرها وغير ذلك من العوامل التى ساعدت لغتهم التفوق على سائر اللغات[27]،  وبذلك توحدت اللهجات العربية واصبحت اللغة العربية الفصحي مشتركة لجميع القبائل، ولما نزل القرآن بلغة قريش وسحر العرب ببيانه واعتنق العرب الإسلام تمت الغلبة نهائيا للغة قريش وتوارت تلك اللهجات،
ومما لا ينكره أحد ان الأسواق الجاهيلة لها دور مهم في تهذيب اللغة العربية، يجتمع فيها العرب من كل حدب وصوب تستمر طوال العام ينتقلون من بعضها الى بعض، منها الأسواق العامة بين العرب والخاصة بين القبائل والبلاد، بين المصنف هذه الأسواق كلها[28]،
للقرآن والحديث اثر كبير في شأن اللغة العربية، ولم يكن اسلوب القرآن والحديث في متناول جميع العرب، لذا كان لهما أعظم الأثر في توطيد اللغة وتثبيت دعائمها وتقوية سلطانها، فتحا آفاقا كثيرة امام اللغة العربية وقضيا على ألفاظ يستعملونها لأشياء حرمها الأسلام[29]،
اللغة العربية في أطوارها المختلفة
ان اللغة العربية قد تطورت بمرورها في الأطوار المختلفة كما هو شأن اللغات[30]، يتكلم المصنف في هذا الكتاب[31] عن الأطوار الأربعة التى بلغت فيها شأوا كبيرا، الطور الأول: ما وقع عند قدماء العرب العاربة، كانوا يأخذون من اللغات الأخري حسب حاجاتهم، نقل الإمام السيوطي في المزهر كلمات كثيرة نقلها العرب من الفرس واليونان والروم والحبشة، الطور الثاني تبدأ فيه التحسينات والتغييرات، والطور الثالث يبتدأ من قريش الذين كانوا حماة البيت، والطور الرابع هو صدرالإسلام بلغت اللغة فيه شأوا كبيرا، وخطت خطوا كثيرة، لأسباب ثلاثة هي الأساليب الفريدة للقرآن واحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بمااحتوت من الفصاحة وغيرها[32] وتعاليم الإسلام السامية[33]،
عوامل توسع اللغة العربية
ومما لا ينتطح فيه عنزان ان اللغة العربية كانت في اتساع دائم حتي رست أصولها وسمت فروعها وأتت أكلها يانعة من طورها الرابع، حتى كانت لغة رسمية لحكومة انضوت تحت رايتها معظم الدول، وكانت ذات أدب كامل وثقافة عالية واتسعت لكل العلوم والإختراعات، ولم يكن ينضب ماؤها العذب بغمرة المدنية والمخترعات الهائلة بل كانت درعا سابغا تتسع لكل المعاني التى ترتدي بها، ومما ساعد على التوسع الترادف والمجاز والإشتراك[34] والإشتقاق والتعريب وغيرها، بين المصنف عن هذه كلها بيانا شافيا كافيا مصحوبا بالأنواع والآراء الواردة والكتب المؤلفة فيها،
وبعد هذا البيان الممتع دخل الى البحث عن الحروف العربية[35] اورد فيه الكلام عن الألف واللام الف والإختلاف فيهما والحركات التىي تصور بها الحروف[36]، والحروف المستهجنة الستة[37] وأساليب أداء الحروف العربية ومخارجها وصفاتها[38]وترتيب الحروف العربية[39]والفرق بين الشكل والإعجام[40]،
وفي القسم الثالث من الكتاب بحث عن أقسام الكلام العربي، والكلام العربي مثل سائر اللغات الغير العربية ينقسم الى النثر[41] والشعر، وكان للشعر مكانة مرموقة بين القبائل العربية، كان متاجر العرب المختلفة مجالا لإجتماع فحول الشعراء أيضا، ومعظم الشعراء الذين نقل عنهم الشعر العربي ينسبون الى قبائل في الحجاز ونجد وما جاورهما والى القبائل التي نزلت قريبة من نهر الفرات، كما ان الشعر العربي ليس مختصا بقبيلة لم يكن محصورا في الرجال بل نبغت من النساء شاعرات أخذن مكانا رفيعا في الجاهلية والإسلام،
وبتأثير بعض الأدباء بالآداب الأجنبية وأشعارها ظهر في الشعر العربي انواع جدد مثل الشعر المنثور والمرسل والحر، يقول المصنف " ولكن محاولات هؤلاء المحدثين الخروج على تقاليد الشعر العربي بائب بالفشل لأن طبيعة الشعر العربي تأبي هذا اللون الخالي من الموسيقي وتمنع الخروج عن إطار الوزن أو القافية"[42]، ثم دخل الى بحث اقسام الشعر العربي، هناك كثير من الأدباء قسموا الشعر العربي الى أقسام عديدة حسب الأنظار[43]، ثم عن نشأة الشعر العربي وأوزانه وخصائصه وطبيعته، ويختم هذه الدراسة القيمة بالضوء على نظر الإسلام على الشعر ومصادر الشعر العربي، ويقول"لم يكن موقف الإسلام إزاء الشعر والشعراء موقفا مضادا معاندا كما يظن البعض ولم يغض الرسول صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة من شأن الشعر شيئا"[44] حقق هذا الأمر بالإستدلال بأدلة هامة من صحف التاريخ، 
خصائص الكتاب-  "العرب والعربية"
·      انه دراسة شاملة على جميع نواحي الموضوع يعني الأمة العربية ولغتهم العربية
·      انه تأليف جليل قام به عالم عجمي بعيد عن البلاد العربية
·      اول باكورة من عالم هندي في هذا الموضوع على هذا النمط
·      التحقيق الكامل والتدقيق الشامل بالمصادر والمراجع
·      العبارات الفصيحة الجذّابة لذهن القارئ
·      الدقة في عرض الموضوع والأمانة في نقل المنقول والتذييل بالهومش
·      ثناء العلماء من البلاد العربية وتعجبهم بمثل هذا العمل الجليل
وفي صفوة القول ان هذا الكتاب "العرب والعربية" للسيد عبد الرحمن سيد محضار العيدروسي المليباري دراسة شاملة عن الأمة العربية ولغتهم العربية، في عبارات سهلة والفاظ فصيحة يستفيد منه الطالب والعالم والباحث لا يقدم على مثل هذا العمل الاّ عالم عربي ماهر في اللغة والموضوع، لم ينقل شيئا الا بالتدقيق ولم يترك شيئا للخلف حتي بين كل شيئ،
المصادر والمراجع
1.     تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلى،  شوقي ضيف،
2.     لسان العرب، ابن المنظور،
3.     الخصائص ، ابن جني ،
4.     نور اليقين في سيرة سيد المرسلين
5.     اللغة العربية ومكانتها بين اللغات، الدكتور فرحان السليم




[1] ) تطلق كلمة الساميين على مجموعة من الشعوب في الشرق الأوسط دلت القرابة بين لغاتها على أنها كانت فى الأصل تتكلم بلهجات متقاربة تطورت الى لغات سميت جميعا باسم السامية أخذا من اسم سام بن نوح الذي ورد ذكره في التوراة وهي تسمية اصطلاحية، شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلى،  (المكتبة الشاملة)
      [  2]    ) ولد في قرية مَرتَّنكود قرب كُنّم كُلَم في مقاطعة ترشور، അറബി സാഹിത്യത്തിന് കേരളത്തിന്റെ സംഭാവന, പേജ്152, സത്യസരണിയുടെ ചരിത്രസാക്ഷ്യം, പേജ്267
[3] ) العرب(بالضم فسكون وبالتحريك) جيل من الناس معروف خلاف العجم وهما واحد مثل العُجم والعَجم ،ابن المنظور، لسان العرب، مادة عرب
[4] ) ولد عام 1915في تلبانة مركز المنصورة بمصر، عمل استاذا وعميدا لكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر وعضوا بمجلس جامعة الأزهر والمجلس الأعلىي للفنون والآداب وغيرها، حصل على عدة جوائز مثل جائزة شوقي في الآداب(1950) وجائزة رابطة الأدب الحديث(1960)  كما نل وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى ،له مؤلفات وتوفي سنة 2006، ويكيبيديا
[5] ) تقديم الكتاب العرب والعربية، فضيلة الدكتور الشيخ محمد عبد المنعم خفاجي، ص 5
[6] ) مقدمة الشيخ محمود النواوي، العرب والعربية ص 7
[7] ) يقول المصنف: لا تصل الجزيرة في الشمال إلى بحر قلزم(البحر الأبيض المتوسط) فالماء محيط بها من ثلاث جهات، فإذن اطلاق الجزيرة عليها من باب التجوّز الذي نجد ظواهر هذا النوع من الإستعمال في اللغة العربية كثيرا، او ان العرب ظنوا أن أراضيهم محاطة بالبحار من جميع الجوانب فأطلقوا عليها هذه الكلمة حسب اعتقادهم، وكثير من المؤلفين يطلقون عليها "شبه الجزيرة العربية" وضعا للأمور في نصابها، العرب والعربية، الطبعة الثانية، ص 36
[8] ) الأول اليمن، والثاني تهامة، والثالث الحجاز، والرابع نجد، والخامس العروض، نفس المصدر، ص 37,38، تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي، شوقي ضيف، ص
[9] ) العربات جمع عربة بالتحريك
[10] )الأزهري، عبد الرحمن العيدروس،  العرب والعربية، ص 38
[11] ) البدو الذين يتباعدون عن اعداد المياه ذاهبين في النجع الى مساقط الغيث ومنابت الكلأ، ابن منظور، لسان العرب، مادة حضر،
[12] )هم العرب الذين بادت شوكتهم واندثرت قواهم وبقيت منهم أشتات من الضعفاء ولم يبق لهم شيئ يذكر الاّ بعد حقبة طويلة من الدهر، ومن العرب البائدة: عاد وثمود والعمالقة وجرهم الأولي وطسم وجديس وأميم وعبيل ووبار وعبد ضخم ومدين وغير هؤلاء ممن نسب أكثرهم إلى إرم، العرب والعربية، ص 40,41
[13] ) العرب العاربة هم الخلص منهم ، ومستعربة دخلاء ليسوا بخلّص، ابن منظور، لسان العرب، مادة عرب، واما العرب المستعربة فهم الذين دخلوا في العاربة من أولاد إسماعيل بن ابراهيم واندمجت لغتهم بلغتهم وأصبح منها لسان مزيج جديد، العرب والعربية، ص 47
[14] ) الأزهري، عبد الرحمن العيدروس، العرب والعربية، ص 43
[15] ) نفس المصدر السابق ص 58,59 بتغيير يسير
[16] ) نفس المصدر، ص 61
[17] ) كما سرد المصنف قصة عفو نعمان بن المنذر لحفظة الطائي، انظر العرب والعربية، ص 65
[18] ) يقول المصنف: ولشدة اعتزازهم بالشجاعة يسمون الأولاد باسم الحيوانات الضارية مثل الكلب والأسد تفاؤلا بأنه سيكون جريئا قويا وفيا، انظر ص 65
[19] ) واللغات السامية هي اللغة العربية والسريانية والعبرانية والفينقية والآشورية والبابلية والحبشية وما انحدر منها، وبعض هذه لا يزال حيا وبعضها مات واندثر، اطلق على هذه باللغات السامية نسبة الى سام بن نوح، نفس المصدر ص 69
[20] ) نفس المصدر السابق ص 69
[21] ) نفس المصدر السابق ص 69
[22] ) اطلق عليها العلماء اسم اليمنية القديمة أو العربية الجنوبية القديمة او القحطانية او عرفت باسم بعض لهجاتها مثل الحميرية او السبئية، نفس المصدر ص 74
[23] ) المعينية نسبة إلى المعينين الذين أنشأوا أقدم مملكة في الجنوب وكانت عاصمتها قرنا، السبئية نسبة الى السبئيين الذين قوضوا مملكة المعينين وكانت عاصمتها مأرب، الحميرية القديمة التى ظلت تنافس السبئيين وكان ملوكها يلقبون بالتبابعة جمع تبع بضم التاء وتشديد الباء المفتوحة، القتبانية نسبة إلى قبائل قتبان التي كانت تسكن في المناطق الساحلية شمالي عدن المعروفة بهذا الإسم وانقرضت في حربهم مع السبئيين، الحضرمية نسبة الى قبائل حضرموت في المنطقة الجنوبية المسماة بهذا الإسم ، نفس المصدر ص 74,75
[24] ) للمزيد انظر باب اللغات المذمومة أو اللهجات غير الفصيحة في كتاب العرب والعربية، ابن جني، الخصائص، باب اختلاف اللغات وكلها حجة،
[25] ) ابن جني ،الخصائص ، باب اختلف اللغات وكلها حجة، ج 2 ص 12
[26] ) قال صلى الله عليه وسلم أنا أفصح العرب بيد أني من قريش ونشأت في بني سعد، نور اليقين في سيرة سيد المرسلين، باب شمائله صلى الله عليه وسلم
[27] ) الأزهري، العرب والعربية، ص 96,97
[28] )من ص 99 الى 104
[29] ) ومن أمثلة ذلك أسماء الشهور والأيام القديمة في ضمن كلمات لها صبغة جاهلية او الطابع الوثني، المصدر السابق، ص 107
[30] ) يقول الفرنسي إيرنست رينان " اللغة العربية بدأت فجأة على غاية الكمال، وهذا أغرب ما وقع في تاريخ البشر، فليس لها طفولة ولا شيخوخة، اللغة العربية ومكانتها بين اللغات، الدكتور فرحان السليم، ص 4
[31] ) من صفحة 109 الى 133
[32] ) فصّل المصنف هنا الكتب المؤلفة عن القرآن  والحديث وما يتعلق بهما قرنا بعد قرن، انظر منص 116-126
[33] ) اورد هنا قصة ابن المقفع مع اشراف العرب ص 132
[34] ) في أثناء البحث عن الإشتراك يقول المصنف " وقد أخرج اللغويون من الإشتراك نوعا خاصا سموه المشجر او المسلسل وهو ان تجيئ كلمة لمعني وله لفظ آخر ولهذا اللفظ معنى آخر غير الأول تدل عليه كلمة آخري وهكذا يتسلسل وربما تبلغ السلسلة الى مئة أو يزيد، واورد مثالا أيضا، ص 139
[35] ) ص  161
[36] ) ص 163
[37]) ص 166
[38] ) ص 169,170,171
[39] ) هناك ثلاث تراتيث للحروف العربية، الأول هو الترتيب الأبجدي والثاني الترتيب على مخارج الحروف مبتدأة من الصر منتهية الى الشفتين، والثالث ترتيب نصربن عاصم ويحي بن يعمر العدواني في أيام الخليفة عبد الملك بن مروان، وهو الذي جري عليه العمل فيما بعد وعليه أصحاب الصحاح والقاموس ولسان العرب، العرب والعربية ص 178-181
[40] ) ص 185
[41] ) النثر قسمان النثر العادي هو ما يدور على السنة الناس في لغة التخاطب، والنثر الفني هو ما يحتوي على أفكار جديدة منظمة في صياغة جذابة ولغة فصيحة وأسلوب جميل وهو القسيم للشعر ص 191
[42] ) ص 202
[43] ) ص 202
[44] ) ص 212

مواضيع ذات صلة
الأدب العربي الهندي, دراسات,

إرسال تعليق

2 تعليقات

أكتُبْ تعليقا