ادعمنا بالإعجاب

فضيلة الشيخ محمد خواجه شريف : محدث تعتز الدنيا بأمثاله.


بقلم: الدكتور بهاء الدين الهدوي

هو عمدة المحدثين أشرف العلماء محدث الملة شاه محمد خواجه شريف صاحب القادري شيخ الحديث للجامعة النظامية بحيدر آباد.
ولد بـــ 15 من شوال سنة 1359 هـــ الموافق لـــ 14 يناير سنة 1940 م في قرية (بوتله بالي) بمقاطعة (شاد نكر) في ولاية آندهرابرديش (تلنكانه حاليا) الهند في أسرة معروفة بالعلم والعرفان.  ووالده حضرة محمد شهاب الدين بن عباس (المتوفى بيوم الجمعة بــ 13 من ذي الحجة سنة 1386 هـــ الموافق لــ 24 من شهر مارس 1967م) كان من علماء اللغة المحلية "تلكو"، ونسبه ينتمي إلى حليمة السعدية رضي الله عنها مرضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان جده (عباس علي) مشهورًا بخدمة الخلق وأعماله التطوعية. وأمه آمنة المتوفاة لــ 23 من جمادى الأولى سنة 1415 هـــ الموافق لــ 20 من أكتوبر سنة 1994م تنسب إلى حسين بن علي رضي الله عنهما، والجد السابع من طرف أمه هو سكندر على درويش المشهور بعلمه وعبادته،وقبره في قرية (بوتله بالي) يزار.
وكان من العرف في بلده أنه إذا كانت أمه تنسب إلى السادات يلقب المولود بشريف وأبوه بالشيخ فلذا أصبح اسمه محمد خواجه شريف.

التربية:
قرأ (القاعدة البغدادية) على الشيخ المعروف بـ (زلفان والا مولوي صاحب) ، وفي سنه الثامن رافق أباه في سفره إلى حيدرآباد ودخل في المدرسة التحتانية (رسالة عبد الله) في (كوشه محل) ثم التحق بالجامعة النظامية المشهورة سنة 1950 م في العاشر من عمره في الصف الرابع وكان من زملائه مولانا محمد سلطان محي الدين، صدر قسم اللغة العربية بالجامعة العثمانية في حيدرآباد ومولانا محمد برهان ومولانا عباس شريف وغيرهم، وفاق بين أقرانه في قوة ذاكرته وفهمه وفطانته وقراءته ورياضته. وكان سكرتيرًا لجمعية الطلبة في الجامعة النظامية فجهد كل جهده في ترقية الطلاب والجامعة معًا.
التدريس:
                قام بالتدريس في دار العلوم مؤتمر العلماء في مغل كده الواقع في محبوب نكر براتب شهري قدره 150 روبية هندية واستمر إلى سنة 1966 م، حتى جاءت وظيفة شاغرة في الجامعة النظامية حيث إن مدرسًا منها استقال للالتحاق بوظيفة حكومية فدخل الجامعة إثر دعوة من الأستاذ عبد الحميد شيخ الجامعة السابق براتب شهري قدره 75 روبية هندية أعنى نصف الراتب الذي كان يأخذه من دار العلوم.
التحقيق في علوم الحديث:
 وقد كان الشيخ ابتدأ تدريسه في أيام دراسته ولكنه حرص على تعلم علوم الحديث كثيرًا بإشارة من أستاذه المشفق شيخ الجامعة عبد الحميد، وذلك أنه لما كان في مسجد (أفضل كنج) معه إذ مدحه بين يدي الناس على مهارة محمد خواجه شريف في علوم الحديث فصمم إرادته أن يتعمق في علوم الحديث فسافر إلى الجامعة الأمينية الواقعة في دهلي عاصمة الهند سنة 1971م، وقرأ الصحاح الستة على الأستاذ مشهود الحسن الجشتي وأخذ الإجازة لتدريسه والرواية منها، ثم رجع إلى الجامعة النظامية في وصف شيخ الحديث.
أسلوبه في التدريس:
                وكان تدريسه مختصرًا جامعًا وخلابًا رائعًا ولا يتدخل في المسائل المختلف فيها إلا بالاعتدال ، ولا يتعصب في أي مذهب فقهي ولو كان من مقلدي الإمام  أبي حنيفة الكوفي رحمه الله في الفقه، وكان تلامذته في الجامعة يتكونون من الأحناف الجمهور والشوافع، فهو يقوم بترجيح المسائل الحنفية على المسائل الشافعية من غير نقد جارح للشافعية.  وكان يبحث في الرواة ببساطة ويحكي عن الصحابة الكرام وقائع غريبة ومذهلة ومورثة للازدياد في الإيمان.
خصائص درس صحيح البخاري:
                وكان درسه للبخاري يتميز بهذه الخصوصيات ولنذكر أهمها ، وهي اثنتا عشرة خصوصية "فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا":
1.     البحث في مطابقة الأحاديث مع الترجمة.
2.     التحقيق في اللغة العربية.
3.     البحث في الأدب والمعاني والبيان والبديع.
4.     البيان عن السند ورجاله.
5.     البحث في اختلاف الائمة وأدلتهم.
6.     الترجيح لمسائل الفقه الحنفي.
7.     التأييد لعقائد أهل السنة والرد على أهل البدع.
8.     استنباط المسائل المعاصرة الفقهية والعقدية من الأحاديث النبوية.
9.     التوضيح للأحاديث التي تتعلق بالتطورات العلمية الحديثة، والتي تتعلق بالفتن في أواخر الزمان.
10.الاستخراج للأحاديث المتعلقة بالتصوف وتزكية النفس.
11.التعظيم لآثار النبي صلى الله عليه وسلم وشعائر الإسلام وتقديس الصحابة وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، واحترام السلف الصالح.
12.الترغيب في الزهد والقناعة والتشويق لحب النبي صلى الله عليه وسلم والعمل بسنته.
أسفاره العلمية
سافر لتدريس البخاري والصحاح الستة إلى مواضع في المملكة العربية السعودية، والكويت، وألمانيا، والأمارات العربية المتحدة، ودولة قطر، كما سافر في مختلف أقطار الهند، ومن الجدير بالذكر أنه في المملكة العربية السعودية ابتدأ تلقينه لصحيح البخاري في المسجد الحرام وختم به في المسجد النبوي، وهذا الدرس الذي استغرق أسبوعين ختم فيه صحيح البخاري وشمائل الترمذي فكان يبتدأ تدريسه بعد صلاة الفجر ويختم به في الساعة العاشرة ليلاً.  فتلمذ بين يديه كثير من العلماء والمحدثين أهمهم: منذر بن محمد مديد (وزارة الشؤون الإسلامية) من المدينة المنورة والشيخ محمد بن أحمد الحريري الذي كان أستاذًا في جامعة الملك عبد العزيز (جدة) والشيخ نايف بن حمد عبد الله باني مدرسة حبيب بن عدي (الرياض) والشيخ عمر بن إبراهيم بن عبد الله التويجري أمين مكتبة القصيم، والشيخ صالح بن عبد الله العثيمين مدير بحوث الدراسات الإسلامية (الرياض) ومدرس المسجد النبوي.
المدارس التي أقامها:
وقد كرس حياته لإقامة الدين وشعاره ونشر علومه فأقام مدارس دينية منها: (دار العلوم أنانت بور) التي أقامها سنة 1961 م في (أنانت بور) الواقع في (آندهرابرديش) التي هي ولاية في جنوب الهند،  ودار العلوم مؤتمر العلماء التي أسسها سنة 1963 م في (شاه آباد) ثم نقل إلى (مُغل كَده) في (محبوب نكر) بدعوة من الصوفي الغلام محمد صاحب ، كما قام بإحياء (دار العلوم الدينية باركاه بنده نواز)  التي أسسها السيد أكبر الحسيني ، ومجلس الأنوار العلمية واللجنة العلمية التي قام بترجمة نصاب أهل الخدمات الشرعية إلى لغة (تلكو)، والمعهد الديني العربي التي قام بتأسيسها سنة 1984 م في حيدرآباد لنشر اللغة العربية وهو من أهم الأعمال التي قام بها الشيخ، ويوجد تحته معهد البنات نفيس النساء ومعهد البنات رفيق النساء حتى لا تحرم السيدات المسلمات من العلوم الدينية . ولمزيد من المعلومات يرجى مراجعة هذا الموقع الإلكتروني www.almahad.in.
ومن المعاهد التي قام بتأسيسها كلية الدراسات العربية والإسلامية، التي أسست سنة 2017م والتي تجمع بين القديم الصالح والجديد النافع من العلوم، ومنها مركز عمدة المحدثين للبحوث التي تم تأسيسه سنة 2018م، لنشر ملفوظات الشيخ ومكتوباته ويقوم بهذه المهمة تلميذه وخادمه الخاص المولوي محمد طاهر خان الخلجي، كما يهدف هداية الأمة إلى التوسط في المذاهب والعقائد.  ولمزيد من البيانات يمكن الرجوع إلى الموقع الذي يحمل عنوان www.mdkhajasharif.com.
المواعظ الحسنة:
وقد كان يلقي مواعيظه داخل الهند وخارجها وفي حضره وسفره كأنه كان جزءًا من حياته، وكان يجلس في مسجد (جمكوره) بعد كل صلاة الفجر لتدريس حديث من كتاب (زجاجة المصابيح).  وكان يدرس في مسجد (جيونتي شاه) بعد صلاة المغرب في كل يوم الجمعة واستمر هذا الدرس إلى أربعين سنة، وكان يعتمد على (زجاجة المصابيح) في الحديث و(نور الإيضاح) في الفقه في هذا المجلس العلمي.
المؤلفات:
·       (الإمام  الأعظم إمام المحدثين): قام بطبعه مركز البحوث الإسلامية بالجامعة النظامية
·       (ثروة القاري من أنوار البخاري) هو شرح لبعض الأحاديث المنتخبة من صحيح البخاري
·       ترجمة (الكلام المرفوع فيما يتعلق بالحديث الموضوع)، من اللغة الأردوية إلى اللغة العربية
·       ترجمة كتاب (زجاجة المصابيح) للسيد عبد الله شاه النقشبندي إلى اللغة الأردوية باسم (نور المصابيح) من الجزء التاسع إلى الجزء 22.
·       الكلام المنظوم: المدائح النبوية في اللغة العربية وفي اللغة الأردوية، والمناقب والتهاني وقد تم تدوين بعض أشعاره في كتاب يسمى المدائح العطرة.
وفاته:
وكان مصابًا ببعض الأمراض في آخر حياته ولكن اشتد المرض في شهر أكتوبر 2018م حيث أصابه السرطان في الكبد، فلما عرف به الشيخ صمم إرادته للعمرة وزيارة روضة النبي صلى الله عليه وسلم، مع أفراد أسرته وغيرهم من محبيه. وسافر إلى مكة المكرمة وأقام هناك أربعة أيام معتمرًا ثم توجه إلى المدينة المنورة وسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فاطمأن قلبه وأحس بالراحة ثم رجع إلى حيدر آباد.
وبعد الوصول إلى مقر عمله مكث فترة بلاتعب، وهكذا مضى أسبوعان وذات يوم بعد صلاة الجمعة في مسجد (مومن شاه) قام بزيارة ضريح باني الجامعة النظامية الشيخ أنوار الله الفاروقي ورجع إلى بيته في حيدرآباد، وكان يحس بضيق التنفس فانتقل به أهله إلى المستشفى وكان في شدة مرضه أيضًا يواظب على الصلوات والأذكار والأوراد والوظائف حتى وافته المنية بيوم الجمعة الموافق لتاريخ 6 من شهر الربيع الثاني سنة 1440 هــ (الموافق لــــ 14 ديسمبر 2018م).
وصلى عليه مولانا المفتي محمد عظيم الدين بساعة 09.00 مساء ودفن في مسقط رأسه (بوتلا بالي) بولاية (تلنكانه).
جمعنا الله وإياه في دار جناته ونفعنا بعلومه آمين.





مواضيع ذات صلة
الأعلام المسلمة, الأعلام،, تراجم العلماء,

إرسال تعليق

0 تعليقات