ادعمنا بالإعجاب

المحدث العلامة شعيب الأرناؤوط

 بقلم: أحمد إبراهيم العلاونة .عمان- الأردن (مجلة الرابطة: العدد: 603 ربيع الآخر ١٤٣٨ ه يناير ٢٠١٧ م)
فقد العالم الإسامي المحدث العلامة اللغوي الأديب الشاعر المتفنن الشيخ شعيب الأرناؤوط رحمه الله وغفر له، وبوفاته فقد المسلمون محدث العصر، الذي لقب بهذا - بعد وفاة الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله- وانطفأ وجه مشرق من وجوه العلم.
ولد الشيخ شعيب في دمشق عام 1346 ه/ 1928 م، وكان أبوه محرم قد وفد إليها مهاجراً من)أشكودرا( عاصمة ألبانيا عام  1926 ،
بعد أن اتجهت تلك الدولة إلى العلمانية، فتعلم في مساجد دمشق، وفي معهد الفتح الإسلامي، والمعهد العربي الإسلامي، وكانت له آراء خالف فيها السائد .
 والأرناؤوط )تتريك( للألبان، أطلقه الأتراك على الألبان، فكان من الأولى كما يقول أن يقال لهم الألبان، ولكن درج الناس ودرج هو على هذا اللقب. أما الشيخ ناصر الدين الألباني المولود في ألبانيا، فقد احتفظ بنسبته إلى ألبانيا.
كان يُمضي الساعات الطويلة في المكتبة الظاهرية، يديم النظر في مخطوطاتها، ويتعلم قراءة خطوطها، وما فيها من عس وصعوبة، ويهيئ نفسه على ذلك حتى أحكم القراءة فيها، وأُولع باللغة العربية لعزيز علمها، وروائع كلِمها، وجميل أساليبها وفنون أشعارها، وكان يراها مفتاح العلوم، فإذا أتقنها الواحد منا أمكنه أن يدخل أي علم من العلوم.
 قرأ على الشيخ ناصر الدين الألباني علوم الحديث مدة )وهذه حقيقة يجهلها كثيرون( وعمل معه ومع الشيخ عبد القادر الأرناؤوط في المكتب الإسامي للطباعة والنشر الذي أسسه الشيخ زهير الشاويش عام 1957 ، باسم دار السلام أولاً، وكان عملهم فيه أول اشتغال لهم في التحقيق، ومنه انطلاقتهما وشهرتهما. بدأ الشيخ شعيب العمل فيه عام 1377 ه/ 1958 م حتى عام 1397 ه/ 1977 م، ثم انتقل إلى العمل في مؤسسة الرسالة 1398 ه/ 1978 م، التي أنشأها الأستاذ رضوان دعبول في بيروت عام 1970 ، فأسس مكتب التحقيق فيها ورأس الفريق العامل بها، وأشرف على أعمال المحققين فيه، وكان يقوم بتوجيههم وتعليمهم، فتعهدهم بعنايته، وأفاض عليهم من علمه وخبرته، ثم قدم عمان عام 1402 ه/ 1982 م، واستقر فيها ونال الجنسية الأردنية، وأضحى مقر مكتب التحقيق الرئيسي بعمان، لوجود الشيخ فيها، مع إشرافه على الأعمال التي تنجز في مكتب التحقيق بدمشق، وكان يقوم منهجه في التحقيق بالاعتماد على الأصول الخطية في التحقيق، والدقة في العمل، وتعقُّب المتقدمين بأسلوب رقيق، والاعتراف بفضلهم، وغرس حب الاجتهاد في المسائل المختلف فيها، والأخذ بأقربها إلى الصواب الذي يعضده دليل قوي، والرد على المعارضين بأسلوب لطيف.
 وهو صاحب مدرسة في التحقيق بدمشق وعمَّان، تميزت بسرعة الإنجاز والإتقان بالعمل، بعد أن كان التحقيق فيهما يمشي ببطء، وبعد أن كان مقتصراً على أشخاص معدودين، لم تتميز أعمالهم بالكثرة. ومن أبرز هؤلاء: إبراهيم الزيبق، وأحمد برهومة، والدكتور حسان الطيان، وسعيد اللحام ، وعادل مرشد، والدكتور عمر القيام، ومأمون الصاغرجي، ومحمد أشرف أتاسي، والدكتور محمد كامل القربلي، ومحمد نعيم العرقسوسي، ومحمد يوسف الجوراني. كما كان مرجعاً لكبار المحققين كالدكتور بشار عواد معروف.
 بدأ التحقيق بكتاب)مسند أبي بكر الصديق( للروزي، وببعض كتب الحنابلة، وبعض كتب الأدب، ومن أشهر الكتب التي حققها أو شارك في تحقيقها )سير أعلام النبلاء( للذهبي، 25 مجلداً، و)المسند( للإمام أحمد، 52 مجلداً. وقد تجلى علمه في هذين العلمين: فن التراجم، وفن علوم الحديث النبوي الشريف. وحقق أيضًا )روضة الطالبين( للنووي، 12 مجلداً، و)شرح السنة( للبغوي، 16 مجلداً، و)المبدع في شرح المقنع( لابن مفلح الحنبلي، 10 مجلدات، و)زاد المسير في علم التفسير( لابن الجوزي، 9 مجلدات، و)زاد المعاد( لابن الجوزي، 5 مجلدات، و(الإحسان في تقريب صحيح ابن حِبَّان( 18 مجلداً، و(العواصم من القواصم في الذب عن سنة أبي القاسم) لابن الوزير 9 مجلدات، و(شرح مشكل الآثار) للطحاوي، 16 مجلداً، و(سنن الدارقطني) 6 مجلدات، و(فتح الباري) 26 مجلداً، إضافة إلى كتب السن الأربعة، وصحيح البخاري. ومات الشيخ شعيب و(المستدرك) للحاكم الذي تولى الإشراف على تحقيقه يوشك على الانتهاء منه.
 وأنبِّه على أنه لم يؤلف أي كتاب، إنما كان عمله مقتصراً على التحقيق، وكان يحاول أن ينسِّي نفسه ما كتبه من شعر، ولو جمع شعره لجاء في ديوان ضخم.
كان رحمه الله وغفر له بسيطاً متواضعاً كريماً زاهداً، يُعنَى بطلبة العلم ويتفقدهم، حريصاً على التعليم والنفقة على طلابه من غير العرب وبعض العرب، ويغدق عليهم من ماله، يألف ويؤلف، يتكلم ويتحدث بفصاحة. وكان بيته مفتوحاً لكل طارق، خاصة الذين يقرأون عليه، وكان يرى في الإجازات العلمية جهداً ضائعاً، لا فائدة فيه، وكان لا يؤمن بمعطيها ولا بآخذيها لأنها لم تكن كما عهدها القدماء، ولأنها أصبحت للتباهي والفخر ، ولم يكن معه من الإجازات إلا إجازة واحدة من الشيخ عبد الله الهرري قبل أن تكتشف حقيقته، فلما انكشفت مزَّقها.
 كان حنفي المذهب إلا ما خالف الدليل[1]، فمذهبه حينئذ ما صح به الحديث، وكان يكره التقليد في الآراء وكان يقول دائما: لا تبع عقلك لأحد.
 سألت أحد تلاميذه عن خفوت شهرة الشيخ وقلة تلامذته، مقارنة بالشيخ ناصر الدين الألباني، فأجاب: مَن عنده مشروع ينجح، فالشيخ ناصر عنده مشروع، والشيخ شعيب ليس لديه مشروع، فسألته وما هو مشروع الشيخ ناصر؟ فأجاب: نشر الدعوة السلفية على طريقته. وسئل ابنة الشيخ ناصر الدين الألباني أباها: من يخلفك في علم الحديث؟ فأجابها: شعيب.
 توفاه الله في عمان يوم الخميس 26 المحرم 1438 ه/ 27 تشرين الأول 2016 م، وصُلِّي عليه في اليوم التالي بعد صلاة الجمعة، في مسجد الفيحاء في الشميساني أحد أحياء عمان الجميلة، ودفن فيها.
ومن أسفٍ أن أحد المطربين توفي بعد الشيخ شعيب بيوم واحد، ويوم دفنه، قامت الدنيا ولم تقعد في الإعلام حتى يومنا هذا، في حين اقتصر خبر وفاة الشيخ على بعض أهل العلم ومحبيه، ولكن ما تركه الشيخ هو الخالد والباقي في الدنيا والآخرة، فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
 رحم الله الشيخ شعيب وأحسن إليه كِفاء ما قدم من خدمة لدين الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وحشره مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.


[1]  هذا من مكر الكاتب لأن يوهم أن في المذهب الحنفي أخطاءً ما تخالف الشرع . والعياذ بالله وطعنٍ في شخصية العلامة ، فراجع الى كتبه 

مواضيع ذات صلة
الحديث، القرأن, شأون الخارجية,

إرسال تعليق

0 تعليقات