ادعمنا بالإعجاب

العلامة شبلي النعماني (لمحة عن حياته ودراسة لخدماته)

"مجلة الهند" مجلة فصلية محكّمة- المجلد:4  العددان: -3-4 يوليو- ديسمبر 1025 م- الجزء الثاني للعدد الخاص بمناسبة مرور مئة عام على وفاة العلامة شبلي النعماني- مدير التحرير" د. أورنك زيب الأعظمي"- نائب مدير التحرير" محمد عمران علي ملا"- تصدر عن " مولانا آزاد آئيديل إيجوكيشنال ترست بولفور، بنغال الغربية"

بقلم: - أ. د. رياض الرحمن الشيرواني(سكرتير، مؤتمر المسلمين التعليمي لعموم الهند)
ترجمة من الأردوية: د. أورنك زيب الأعظمي (أستاذ مساعد، قسم اللغة العربية وآدابها، الجامعة الملية الإسلامية، نيو دلهي)
كان العلامة شبلي النعماني 1857- 1914) م( شخصية ذات شمولية عس ى أن يجد  البعض تعارضًا فيما بينها ولكن تنوع الشخصية هذه تلهمها جذبًا ولفتًا إليها؛ إنه ا نحريرًا، وكانت له رغبة ً كان يتمتع من ذوق الفنون اللطيفة بجانب كونه عالم خاصة بالمعقول ولذا فالتفت إلى علم الكلام وعلى هذا فقد اعتبره البروفيسور ظفر أحمد الصديقي أول متكلم، وعلاوة على هذا إنه كان مولعًا بالتاريخ والسير ولكن كاتب هذه الأسطر لا يفرّق بين هذين العلمين، ولقد ترك بحوثا وتحقيقات عديدة فيهما حتى قال حبيبه الواله مهدي إفادي إنه لا يقدّم خطوة بدون التاريخ، حتى قال حبيبه الواله مهدي إفادي إنه لا يقدّم خطوة بدون التاريخ، ولقد عرفه الناس كمؤرخ إلا أن تلميذه البارّ سيد سليمان الندوي قال: إنه تسل من خلال التاريخ إلى علم الكلام لأن كتبه في التاريخ لا تخلو من علم الكلام، وخير مثال لديّ "الغزالي" و"رومي"، ولا شكّ أن درجته في كتابة الرسائل تبلغ ما بلغها الشاعر الأردوي غالب في عصره كما أن بعض رسائله شاهد عدل بروعة الإنشاء، ولو أن كتابة الرحلات بالأردوية كانت متوفرة من قبل إلا أن رحلته "سفرنامة روم ومصر وشام" تمتاز بأنه شاهد هذه الدول من حيث أنها قلب خافق للإسلام. وبما أنه كان كلفًا بالإسلام فكان يقلق بالاعتراضات التافهة للمستشرقين والمؤرخين الآخرين على الإسلام وأتباعه فكان يقوم بالرد العلمي عليها، ولا شك أنه تجاوز الحدود كما يقول بعض الباحثين فيرد عليه اعتراض بأن معاملته في التاريخ دفاعية ولكن الكاتب المتواضع لا يتفق مع هذا الرأي إلا قليلا الإسكندرية مقالتان له تفقدان نظيرهما لا في الأردوية بل في لغات العالم كلها لاسيما قوله في الجزية "كانت الجزية تسقط عن الجنود غير المسلمين في الحكومة الإسلامية" شرح مقنع لاتهام عظيم وكذا الفاروق والمأمون والمجلد الأول لسيرة النبي تراث أردوي ثمين، وهل موقف العلامة شبلي في هذه الكتب واقعي أم دفاعي؟ فلو هذه الكتب وأمثالها تردّ الاتهام مع شرح الوقائع وتوفير الأخبار الصحيحة فهذه معجزة من ذكاء العلامة ذاته.
ولنلاحظ هنا أنه اختار عمر الفاروق من بين الخلفاء الراشدين كما انتخب مأمون الرشيد من بين خلفاء بني العباس فعلاوة على الصفات الأخرى كان عمر الفاروق قوي الاجتهاد بينما وضع مأمون الرشيد أساس حرية الرأي وانطلاق الفكر عن طريق القيام بالموازنة الموضوعية بين الأديان.
وعلاوة على هذه الجوانب يرغب ذوقه الجميل إلى الشعر فقال الشعر بالأردوية والفارسية كلتيهما فشعره الأردوي وطني ومل ي بينما الشعر الفارسي يغلبه العشق فالعشق ليس من خلل العقل، ولا عزو الابتذال إليه دليل على صحة العقل فقد قاةمولانا آزاد: لم ينته الشعر الفارسي على غالب بل على العلامة شبلي" وعس ى أن يشمل هذا القول مبالغة ما إلا أنه متفق عليه أن ذوقه الشعري جرّه إلى تأليف كتاب قيّم رائع "شعر العجم"، ولو أن هذه الكتاب يشوبه مناقص بحثية ولكنه أحيى الشعر الفارسي في الهند وكما قال البروفيسور آصف نعيم الصديقي، رئيس قسم اللغة الفارسية بجامعة علي كره: إنما وفره العلامة شبلي من منتخب أشعار الفارسية في شعر العجم يعجز الباحث عن أمثالها في كتاب آخر وزدْ عليه إقامة مستوى عاليًا للغاية لشرح الشعر لم يقدر أحدٌ على اتباعه".
وقبل أن نقدّم خطوة نتوقف هنا فنرى أنما ناله العلامة شبلي من الأفضال من أي مصدر كانت علاوة على المصدر الرباني؟ فقد ولد العلامة في بندول محافظة أعظم كره الشهيرة في إنجاب الشخصيات في أول يونيو 1857 م، كان العلامة من أصل راجبوتي فأسلم جدّه شيف راج سنغ وتسمّى ب"سراج الدين". كان أبوه يسمّى "شيخ حبيب اله" الذي كان إقطاعيًا يحترف المحاماة. نال العلامة شبلي دراسته الابتداائية في بندول وكانت أول مدارسه "مدرسة ناصر العلوم" ثم أرسل إلى غازيفور حيث تعل في "مدرسة چشمه رحمت" ثم رجع إلى أعظم كره والتحق ب"مدرسة علوم إسلامية"، ومن أبرز أساتذته الشيخ فاروق التشرياكوتي والشيخ فيض اله. ويرى كاتب هذه الأسطر أن جلّ فضل تربية العلامة شبلي بعد اله تعالى يرجع إلى الشيخ فاروق التشرياكوتي سواء كان ميله إلى المعقول أو ذوقه للشعر الفارسي أو رغبته في الموسيقى فهذه كلها من أفضاله فكان الأستاذ والتلميذ يستيقظان معًا فكان الأستاذ (الشيخ فاروق) يسأل: شبلي! تودّ أن تسمع بهيروين؟ فأستاذ رجل لا يدرّسه مجرد العلوم الدينية والمنطق والكلام بل يسمعه البهيروين في الصباح المبكر كذلك فهل لم يبرز شبليًا نعمانيًا فماذا يصبح؟ وإن لم يشر على عذراء محضّرة مثقّفة أن تحذق في الموسيقى فماذا كان يشير عليها؟
 ولما قال خورشيد الإسلام إن شبلي كان أول "يونانيًا" في الهند لما كذب لأنه كان يطوي عقل يونان وحكمتها ومنطقها وفلسفتها في جانب وفي جانب آخر كان يتمتع من حسن الانتخاب والذوق اللطيف وعلاوة على ذلك فقد نهل من منهل الإسلام الصافي ولذا فكما رغب في علم الكلام ترك رسائل رائعة في الأردوية وشعرًا مثيرًا للعواطف في الفارسية فكما كان اليونان ينحتون أوثانًا جميلة بالإزميل والمطرقة كذلك كان العلامة شبلي
يوفّر ألفاظا جذابة ومؤثرة بقلمه المنحات، ومن فضله أنه طهّر وجه الإسلام المنور من الغبار الذي رماه عليه الأعداء فلا أريد بهذا سوى القول بأن العلامة شبلي لم يكن شخصية لها جانب واحد بل كان شخصية متعدّدة الجوانب ومتكاملتها.
لم نتقدّم بقصة تعلمه من أعظم كره وغازيفور فذكرنا حتى الآن أثر فاروق التشرياكوتي عليه فبعد الفراغ منهما توجّه نحو رامفور فتعل ه وأصوله على الشيخ إرشاد حسين الرامفوري ثم وصل إلى لاهور وتعلم الأدب العربي على الشيخ فيض الحسن السهارنفوري ودار معه حيث دار الشيخ فيض الحسن ثم حضر دروس المحدث أحمد علي السهارنفوري التي تعلم فيها جامع الترمذي أشهر وأوثق الصحاح الستة.
كانت أسرة العلامة شبلي تعرف بحرفة المحاماة فحاولت أن تسيّره على هذا الصراط ولكن لم يوافق جفاف هذه الحرفة ذهن شبلي الطازج الندي ولقد اختاره الله لأعمال مهمّة للغاية أدّاها بطريقة أو أخرى وهي التي نذكرها بمناسبة المئة سنة الماضية عليها.
عمل العلامة شبلي في أربعة مراكز؛ علي كره وحيدراباد وندوة العلماء (لكناؤ) ووطنه أعظم كره. عيّن أستاذا للفارسية والعربية في كلية M.A.O  في 1883 م في عمره البالغ 26 سنة ومن قبلُ زار علي كره في 1881 م وقدّم قصيدته العربية في مدح العجوز المفعم بالشباب السير سيد أحمد خان الذي كان أكبر منه بأربعين سنة والذي امتحن موهبة الشاب شبلي حين زيارته الثانية في 1883  م وفوّض إليه مكتبته الضخمة وسمح له التصرف فيها كيف شاء. قضى العلامة شبلي 15 سنة في علي كره  فتعلّم بها كما علّمها  فكان السير سيد يهدف بتأسيس هذه الكلية أن يحصل المسلمون على العلوم الجديدة عن طريق الإنجليزية لكي يأتيهم الانطلاق في الفكر ولا يتخلفوا في الحياة عن غيرهم ولكنه مع ذلك كان يودّ أن يحصل المسلمون على ما يحصلون في حالة كونهم مسلمين ولا غير وعلى هذا فنظم تعليم العربية والفارسية والعلوم الدينية بجانب اهتمامه بالعلوم الجديدة فأقام بها العلامة شبلي موسّعًا آفاقه العقلية ومحاولا تنمية البيئة الإسلامية البحتة في رحاب الكلية، وبما أنه كان أستاذ العربية فأحبّ أن يخلق طلاب العربية في أنفسهم صلاحية الحديث والكتابة بالعربية بجانب قراءتهم للكتب العربية ولذا فقام بتأسيس لجنة الأدب، وكذا رفاق  البروفيسور في علي كره أفاد كلا  منهما فنشرت مؤلفات العلامة العديدة القيّمة حين إقامتها بعلي كره وقد أفاد العلامة علي كره على إهدائها إليها مادة ومنزلة، ومن هو أعرف منه بأن القرآن الكريم ضروري للمسلمين ضرورة الروح للجسد بل أكثر منه لأن الروح في يوم أو آخر تفارق الجسد وأما القرآن الكريم فهو يضمن فلاح المسلمين في هذه الدنيا كما في تلك الآخرة وعلى هذا فقد بدأ بتدرعس القرآن في رحاب الكلية، السلسلة التي نالت قبولا عامًا، ولا يكون من غير المناسب لو ذكرنا هنا أن هذه المسؤولية قد حمّلت على السيد سليمان أشرف بعدما أصبحت الكلية جامعة وأما خلفه المفتي عبد اللطيف فلو أنه لا يدرّسه فيما بين الجمهور ولكنه يفيد بعلمه للقرآن نخبة من الطلاب فمعرفته للقرآن وعلومه لا نظثر لها في هذا العصر. ومعهد آخر لعلي كره بناه السير سيد أحمد تمتع من فيض العلامة شبلي ويسمّى هذا المعهد بمؤتمر المسلمين التعليمي لعموم الهند والذي كانت جلسته السنوية تنعقد في كل بقاع الهند القديمة ولقد زادت خطب العلامة شبلي ومنظوماته قدرًا وفائدة له وهي التي نفخت روحًا جديدة في جسد المؤتمر.
ونكثر ذكر اختلاف السير سيد عن العلامة شبلي وكتب البروفيسور شان محمد في مقالته المنشورة في شهر أكتوبر لسنة 2014 م لمجلة "تهذيب الأخلاق" الصادرة عن علي كره أنه قد اختلف عن السير سيد في بعض الأمور حتى أقرب رفقائه، وقد كان اختلاف الشيخ سميع اله خان عنه شديدًا إلى حد أنه لم يلق السير سيد قبل موته لتسع سنوات ولا نستثني منهم مولانا حالي ومحسن الملك ووقار الملك سوى أن النوا وقار الملك كان يشدّد عليه في بعض الأحيان بينما النواب محسن الملك ومولانا حالي لم يفته تكريمُ السير سيد، ومن أكبر أسباب الاختلاف (1) سيطرة الأساتذة الإنجليز على الكلية و(2) خبط السيد محمود وتضامنه معهم. وقد كتب البروفيسور شان محمّد أن هذه الأساتذة الإنجليز يحاولون سرًا لتنصير الطلاب المسلمين. وأما عن العلامة شبلي فنزيد إليهما سببين آخرين أولهما اختلافهما سياسيًا وثانيهما قلة الجو الديني في الكلية كما كان يرى العلامة شبلي فكان السير سيد يدير معهدًا قرّر أمامه مستواه مثل مستوى أوكسفورد وكيمبريج فكان يرى من الضروري له تواجد الأساتذة الإنجليز ومساعدة الحكومة كذلك حتى أن العلامة شبلي قد صالح الحكومة حينما انتسب بندوة العلماء وعلى كل حال نرى أن العلامة شبلي كان محقًا في خياله أن المسؤولين يتجاوزون الحدود في هذا الشأن ففي بداية عقد السنة 1890 م جعل يبتعد عن الكلية إلا أنه ظل ينتسب بها رسميًا في حياة السير سيد ولكنه لم يرض أن يبقى فيها بعد وفاته في 1898 م والسبب وراء هذا كبر السيد محمود وبعد فكر العلامة شبلي أن خلف السير سيد يفقد علوّ فكرته وانطلاقها فلو أنه يسير على سياسته ولكنه لا يتبعه في الشؤون التلعيمية والاجتماعية، وحدث كما خمّن العلامة شبلي فلم تتغير سياسة علي كره التي أسّسها السير سيد في الفترة ما بين 1898 م و 1947 م ولكنها لم تحقّق أحلامه العلمية فففارقته في نضج عقله وبعد نظره، ولا نستثني منهم سوى حفيد السير سيد سر راس مسعود الذي أحيى ذكرى جدّه خلال  فترة إدارته للجامعة أي 1929- 1934م.
وبعدما فارق العلامة شبلي علي كره قض ى وقتًا قليلا في ندوة العلماء ووطنه أعظم كره ولم تنقطع سلسلة تأليفه وفي 1901 م وصل إلى حيدراباد وبقي بها حتى 1905 م، فوسّع بها نطاق أشغاله عملا وكتابة فقدّم إليه نيابة الشؤون الدينية  التي لم يقبلها وفي النهاية عيّن ناظمًا للمعارف ولكن مدّ وجزر السياسة المحلية لم يدعا هذه الإدارة أن تقوم علي ساق وقدم إلا أنه خلال قيامه بحيدراباد نشر مؤلفات الآخرين كما ألّف ونشر كتبًا قيّمة أمثال الغزالي وعلم الكلام والكلام وموازنة أنيس ودبير، وبفضل المنحة التي كان يحظى بها على هذه المؤلفات من قبل الحكومة المحلية ضمّت هذه الكتب إلى السلسلة الآصفية.
وحيثما كان لم يغفل عن  إصلاح وتبديل المنهاج الدراس ي للمدارس ولذا فقد ركّز نظرته  دائمًا على ندوة العلماء فكان يحضر جلساتها وععرض مقترحاته وفي النهاية جاءها في1905م وأصبح مسؤولا  عن شؤونها التعليمية وبقي على هذا المنصب حتى 1912 م.
وكما ذكرنا آنفًا أن فكرة العلامة تتمحور حول إصلاح وتبديل المنهاج الدراس ي فكان يودّ أن يقع التبديل في كافة الفنون الآلية والعالية، ونعلم أن المدارس تهمّ العلوم الآلية مثل النحو والصرف والمعقول، والكتب التي تدرّس فيها لا تفي حاجة العصر فكما كان العلامة يودّ التبديل فيه فكذلك كان يودّ أن يتم التركيز على العلوم العالية مثل التفسير والحديث وأصوله والفقه وأصوله والأدب والإنشاء العربي ثم تأتي قضية تعليم الإنجليزية بل كان بعيد نظر العلامة يتطلب تعليم السنسكريتية فكان يحاجّ لذا حينما كان في ندوة العلماء فقبلوا بعض مقترحاته كما رفضوا الكثير منها.
وما تمتاز به ندوة العلماء من العناية بالأدب والإنشاء العربي واللغة العربية الجديدة بمقابل المدارس الدينية والعربية يرجع فضلها إلى محاولات مضنية قام بها العلامة في بداية عصرها فيقول السيد سليمان الندوي: كان الهدف ورائها تبشيريًا أي الرد على اعتراضات المستشرقين بالإنجليزية على الإسلام ولكن كاتب هذه الأسطر يرى أنه لم يكن الهدف الوحيد فحسب فكان العلامة شبلي يودّ أن يتعرف طلاب هذه المدارس على ما تخفيه هذه اللغات من الخزائن العلمية فهو كان يؤمن ب"خذ ما صفا ودع ما كدر"، ويرى هذا الكاتب المتواضع أن كبارنا يقدّمون بلون ليس لونهم الأصلي ولعل هذا وقع مع العلامة شبلي كثيرًا فكان هو عالما كبيرًا ولذا كانوا يرونه بهذا اللون الخاص الذي قرّرناه لعلمائنا وحينما يجدونه بغير اللون الذي قرّروه فيتهم به مخالفوه بأمور لا تخطر ببالنا بينما يودّ مؤيدوه أن يخفوا لونه الحقيقي أو أن يأوّلوه تأويلات تغبّر صورته فيقوم أحدٌ فيجعله خصمًا للسير سيد ويقوم الآخر فيعلي
صوته بالنزاع بينه وبين العلماء الآخرين بالندوة بينما يأتي أحد فيقول إن مؤلفاته قد أصابها الصدأ في هذه المدة القليلة وهناك آخر يعيّن هدفها هو الرد على اعتراضات المستشرقين بينما هناك رجال يرفعون أصابعم إلى تقواه حتى يثيرون الغبار على أخلاقه ونرى أن هذه كلها نتيجة دراسة ناقصة لشخصيته المتكاملة.
 وبجانب إصلاح وتبديل المنهاج الدراسي حين قيامه بندوة العلماء كان العلامة يدير مجلة "الندوة" ولقد أعانه في هذا العمل لفترات مختلفة رجال عدة لكن الإدارة لم تحوّل عنه وما حظيته هذه المجلة من سمعة وميزة في تلك الفترة لم تضاهها مجلة أخرى سوى مجلة "معارف" التي كان يدير تحريرها تلميذه الرشيد سيد سليمان الندوي والتي كانت أن تشرف على إنهاء المائة سنة لحياتها وهي لم تزل تصدر بانتظام وتبقي مستواها إلى حدّ ما، وعلاوة على هذين خدم العلامة ندوة العلماء عن طرق مختلفة ولكن علمائها ذوي الأفكار السحيقة لم يصبروا عليه فاضطر إلى تركها في  1912م، فتكدّر صفوه من "الجديد" و"القديم" كليهما وحكم على أن يجمع نخبة تلامذته في دياره والتي نحتفل فيها بمئة سنة الماضية على وفاته.
يتسع نطاق مؤلفات العلامة شبلي من علي كره إلى حيدراباد إلى لكناؤ وألّف، كما ذكرنا، عن علوم وفنون مختلفة وأدّى حقها خيرًا، وقد اختلف في أن مأثرته تتعلق بأي فرع من فروع العلم فكان يقول حبيب العلامة شبلي مهدي إفادي أن موضوعه المركزي هو التاريخ بينما يقول السيد سليمان الندوي إنه تسلّ ل إلى علم الكلام عن طريق التاريخ لأننا نجد لمحات عن علم الكلام في كتبه للتاريخ. هذا صحيح لأن المباحث الكلامية تناولها العلامة شبلي بالبحث في الغزالي ورومي علاوة على علم الكلام والكلام. يرى البروفيسور ظفر أحمد الصديقي أن العلامة كان متكلمًا في الواقع، وأرى أنه يبدو منشئًا كبيرًا في كل موضوع تحدّث عنه، ولو أن روعته الإنشائية تبدو جليًا في بعض رسائله الأردوية ولكن نرى نماذج رائعة للإنشاء الجميل في كتابه الأخير "سيرة النبي" ف"ظهور قدس ي" درة يتيمة للإنشاء كما يقول العديد من العلماء.
 فقد روّى العلامة شبلي العلم والأدب حيثما كان وزاد تراثه العلمي بمؤلفاته القيّمة  فألّف رسالة في التعليم الماض ي للمسلمين حينما كان في علي كره ولقد كانت هي خطبة كتبها لتلقى في الجلسة السنوية لمؤتمر المسلمين التعليمي لعموم الهند، والكتاب الثاني للعلامة شبلي كان هو المأمون ففي هذا الكتاب ثبت العلامة منفردًا فقد كانت العامة والخاصة كلتاهما تعرف هارون الرشيد، وقد انتشرت قصص عديدة عنه ولقد خلقت هذه القصص حبّه للعلم وأصحابه، وشكوته وجوده لهم. ويرى كاتب هذه الأسطر أن العلامة اختار مأمون الرشيد لكتابة السيرة لأن سعيه للعلم وجهده للوصول إلى الحق قد ألهياه، ويرى السيد سليمان الندوي أن العلامة كتب سيرته لأن بامر كتب سيرة هارون الرشيد التي اعترض فيها على الإسلام، والواقع أن معظم مؤيدي العلامة شبلي قد عرضوه في هذا اللون بأنه كان يتربّص للمستشرقين فينتقدهم كلما رأى اعتراضهم وثرثرتهم فكأن قلم العلامة شبلي شبّه بقلم المتنبي في الهجو، ومثل هذه الآراء قد وفّرت المثقفين الجدد الفرصة لاعتبار كتب التاريخ للعلامة دفاعية. والواقع أن العلامة قد أعجب ببحثه عن الحق فعزم على تأليف سيرته فإن جاء فيها الردود على اعتراضات بامر فزاد هذا علوًّا في الكتاب فلا حاجة إلى اعتباره سببًا لتأليف هذه السيرة. والكتاب الثالث للعلامة شبلي هو سيرة النعمان الذي جعله "شبلي النعماني" من "محمد شبلي" فيقول السيد سليمان الندوي: إن هذا اللقب قد أعطاه أستاذه فاروق التشرياكوتي فإن اختار العلامة بنفسه هذا اللقب أو أعطاه أستاذه ولكن السبب وراءه تفقه كلا العالمين )العلامة شبلي والعلامة فاروق التشرياكوتي(في الدين أي لا نجد لأبي حنيفة مثالا آخر. في التفقه في الدين لدى أي فقيه
ارتحل العلامة شبلي إلى تركيا في 1892 م حينما كان هو مقيمًا في علي كره ولم يكن هدفه سوى تبريد غليله العلمي ولقد أمرنا ب"اطلبوا العلم ولو كان بالصين" فاستعير هنا بالصين مكان بعيد للغاية. يقول السيد سليمان الندوي إنه كان مضطرًبا ليكتب الفاروق وكان ينوي جمع المواد له من حيث أمكن الحصول عليها فمكتبة القسطنطينية لم تزل خزينة العلم منذ غابر الزمان لمن يريد البحث عن العلوم القديمة وليس الفرق بينهما سوى أنهم كانوا يرتحلون إليها في الماض ي والآن توجد هذه الذخيرة متواجدة في البيت على الكمبيوتر إلا أن للسفر بركات وقد أمرنا في القرآن ب"سيروا في الأرض" وكذا يرى السيد سليمان أن رحلته تلك كانت تهدف إلى إعادة الصحة الجيدة ولا نريد البحث عن تفاصيلها فلا نريد منها سوى ماذا حصل لنا من تلك الرحلة فقد استفاد منها العلامة بأشياء ضمنية ولقد تعلّم التركية قليلا كما استعرض مناهجها الدراسية وكذا كتب السيد الندوي أن زيّ الجامعة الإسلامية لعلي كره قد اختاره السير سيد أحمد خان بمشورة من العلامة شبلي وكانت هذه نتيجة رحلته إلى القسطنطينية فقيامه بها واستفاضته منها قد زادا شعره الفارسي بهاءً ولقد أكرمته الحكومة التركية بوسامها العظيم "الوسام المجيدي". ولقد ظفر العلامة شبلي بالوسام المجيدي من تركيا فكأن السير سيد أراد أن يفوز بشرف الحكومة البريطانية "شمس العلماء"، وقد ذكر السيد سليمان في "حيات شبلي" سببًا آخر له هو أنه أصبح مشكوكا فيه لدى الحكومة البريطانية لارتحاله إلى تركيا ولقائه مع الخليفة والفوز بالوسام المجيدي فقام السير سيد بهذه المحاولة لإزالة شكها وإثبات وفائه لها وعلى كل حال فقد أصبح العلامة شبلي "شمس العلماء" ولو أنه لم يكن أقل من النير الساطع.
والآن قد تكدّر صفو العلامة شبلي من علي كره، ويذكرون السبب وراء أنه لما تم احتفل بفتح الأتراك في الحرب قد حضره العلامة شبلي إلا أن السير سيد غاب عنه لو أن العلامة لم يزل يتحمّله ولكن رحلاته المتكررة إلى حيدراباد قد سبّبت رغبته فيها فقدّم بعض المقترحات لتحسين وضع دائرة المعارف، الأمر الذي أثر فيه جيدًا فقرّر له آصف جاه السادس عثمان علي خان منحة تعليمية شهرية قدرها100  روبية هندية ثم زادها آصف جاه السابع مير عثمان علي خان مئة روبية أخرى فأصبحت المنحة مئتي روبية.
وخلال هذه الفترة بقي العلامة شبلي مضطرًا لتأليف الفاروق فجمع المواد حيث توفّ رت له حتى انتظر نشر بعض الكتب الجديدة فقض ى أربع سنوات في تأليفه ولما نشر في  1989 م اعتبره الناس درة يتيمة للعلامة شبلي ولقد ألّف العلامة شبلي هذا الكتاب، كما يحكي السيد سليمان الندوي، في ثلاثة مواضع؛ علي كره، وأعظم كره، وكشمير فأنهاه في كشمير. فمن ينكر أن جماله وطراوته رهينان بكشمير. هذه هي السنة التي تقطّعت فيها علاقة شبلي مع علي كره فتعتز علي كره أنها على الأقل ساهمت في تأليف أربعة كتب للعلامة ولو أن الفاروق طبع في كانفور. ولقد جمع اله تعالى في عمر الفاروق من الصفات الحسنة من الخطابة والفراسة والشجاعة والنظم والإدارة فكانت قوته للاجتهاد فاقدة النظير في صدر الإسلام، وهذا يعني أن المسلمين كانوا يحتاجون إلى الاجتهاد ولو أن الصحابة كانوا حاضرين ولم تمض مدة طويلة على وفاة الرسول صل الله عليه وسلم وكان عمر الفاروق عادة ما يلبّي هذه الحاجة، ولتأليف سيرة هذه
الشخصية الكبرى كانت الحاجة إلى قلم العلامة شبلي والذي أدّى حق الموضوع.
ولو أن العلامة شبلي لم يقم بحيدراباد إلا قليلا ولكنها مهمّة لنا لأنها أوجدت لنا كتبًا قيّمة أمثال الغزالي وعلم الكلام والكلام وسوانح مولانائ روم وموازنة أنيس ودبير.
ولقد مضى آنفًا أن من كتب عن العلامة شبلي اختلفوا في درجته العلمية وا لأدبية ويرى هذا العاجز أن كمال شخصيته الحقيقي أنه نجح في مزج التاريخ بعلم الكلام، وخير مثال لذلك هو الغزالي الذي تم تأليفه قبل علم الكلام والكلام، وبما أن الغزالي كان متكلمًا فقد مسّت الحاجة إلى نقاش درجته الكلامية في سيرته فهذا الكتاب وما بعده من الكتب سوى سيرة النبي مما يرجع فضل تأليفها ونشرها إلى حيدراباد ولو أن السير سيد أحمد خان قد طلب من العلامة شبلي أن يكتب الغزالي ولكن السؤال هنا عن طلبه؟ ونرى أن السبب وراءه ذوق السير سيد الكلامي فإن قمنا باستعراض أفكاره الدينية لاتضح لنا أنه كان بنفسه متكلمًا. وما هي حقيقة علم الكلام؟ هي محاولة التطبيق بين الفكر الإسلامي والفكر الراسخ الحديث، ولقد تصدّى الإمام الغزالي للفلسفة اليونانية بينما السير سيد والعلامة شبلي تصدّيا لعلوم الغرب فقد حاول كل منهم للبحث عن العلاقة بين الدين والفلسفة والعلوم. كان العلامة شبلي عالم  متبحرًا للدين وقد شدا العلوم الجديدة حين القيام بعلي كره، ومرّ ذكر أن شخصيته لم تكن ذات جانب واحد فكانت له رغبة سوية في العلوم العقلية والنقلية  كلتيهما فالتفت في حيدراباد إلى علم الكلام وعس ى أنه تذكّر ما طلبه منه السير سيد فبدأ بهذا العمل من الإمام الغزالي.
 ولقد كتب السيد سليمان الندوي، وأصاب، أنه كما انتهى الغزالي إلى علم الكلام قاطعًا مختلف مراحل حياته فكذلك يتحدّث هذا الكتاب عن علم الكلام للغزالي بدءًا من حياته إلى الأشياء الأخرى حتى تحدّث عن صفته متكلمًا.
وطبقًا لما قال السيد سليمان أنه لما كان العلامة شبلي يؤلف علم الكلام بدأ في نفس الوقت يجمع المواد للكلام كما كتب مقالتين كان موضوعهما الغزالي والكلام فإن يبحث علم الكلام عن فلسفة علم الكلام القديمة فالكلام جانب جديد له ولكن هذا الجديد قديم في أيامنا هذه ولنلاحظ هنا كذلك شغف العلامة بالمعتزلة ولقد نشرت له مقالتان في هذا الموضوع. وظل يؤلف العلامة هذه الكتب الثلاثة معًا ونشر واحدًا بعد الآخر بينما لم يتجاوز عمر العلامة 45 سنة. هذه الفترة فترة شغفه بالعلوم العقلية ولو أنه قد ابتدئ في علي كره إلا أنه بلغ الكمال في حيدراباد ولو أنه أحيط به من التعقيدات العقلية في كلا الموضعين.
 ولقد التفت إلى سيرة مولانا روم لأجل أن مولانا رومي كان يبدو صوفيًا ولكنه رزق ذوقا لعلم الكلام ولا تخلو ملحمته عن هذا اللون، وعلاوة على هذا فلا يشك اثنان في كون مولانا روم شاعرًا فارسيًا كبيرًا وأما رغبة العلامة شبلي في الشعر الفارسي فلا تسأل عنها فوجد في الملحمة نموذجًا أعلى للتصوف والكلام والشعر وعلى هذا فالتفت إلى الحديث عن الملحمة، ويمكن لنا أن ندرس هذا الكتاب من ناحية أنه يلقي ضوءًا فاضيًا على جانب العلامة شبلي النقدي.
ولقد ابتدأ تأليف هذا الكتاب في حيدراباد إلا أنه صدر من مطبعة منشي رحمت الله رعد في 1904 م حين غادرها العلامة لندوة العلماء وبما أن "حيات شبلي" تخلو من استخدام الواوين فيصعب لنا تعيين جمله وجمل الآخرين من الكتّاب ولكن الجملة التالية ولو أنها للسيد سليمان أو للشيخ حبيب الرحمن الشيراني تنبئ عن الواقع "قد بورك حين التفت إلى التصوف لأن من نتيجة هذا الالتفات ذاك الكتاب )سوانح مولانا روم( الذي نحن بصدد استعراضه، ولقد أودع في شبلي هذا التدقيق بالنسبة لاعتباره كتابًا للتصوف أن مثنوي معنوي نموذج جميل لعلم الكلام" وأغلب الظن أن هذه الجملة من استعراض الشيح الشيرواني لأن السيد سليمان أوضح فيما بعد أنه كما أن البحث عن المعقول جاء بالعلامة مدرسة الغزالي فكذلك جرّه البحث عن الغزالي إلى عتبة دار مولانا روم فكأن قول السيد سليمان الذي قد نقلناه فيما مض ى بأن العلامة شبلي تسلّ ل إلى علم الكلام عن طريق التاريخ" )ثم ألحقنا إليه التصوف( حق مئة بالمئة.
ولو أن العلامة بدأ يؤلّ ف "موازنة أنيس ودبير" قبل "سوانح مولانا روم" ولكنه نشر بعده وتبع "الموازنة" "شعر العجم" في تأليفه وقد مض ى قول الكاتب من قبل فأودّ أن أقول هنا بأن هذين الكتابين نموذج لنقد العلامة الأدبي مع الفرق بأن تاريخ الشعر الفارسي قد رافق نقده بينما رجّح العلامة شبلي ميز أنيس على ميرزا دبير في الموازنة وهذا الترجيح صحيح تمامًا لأنما نجده لدى أنيس من الخيال والقدرة على خيار الكلمات لا نحدهما لدى ميرزا دبير إلا أن أنيس يعيبه أنه رسم شمالي الهند حينما ذكر العراق.
 والمآثر الأخرى التي قام بها العلامة شبلي في حيدراباد لا يعني هذا الموضع ذكرها ولكن العلامة لم يطبع على الصبر على سياسة الدولة فاستقال عن منصبه في حيدراباد في 1905 م.
إن نطاق خدمات العلامة شبلي واسع للغاية فيشمله العديد من المؤسسات والمعاهد بما فيها "أنجمن ترقي أردو" )مؤسسة تطوير الأردوية( الذي كان قسمًا من أقسام مؤتمر المسلمين التعليمي لعموم الهند، انتخب العلامة شبلي أول سكرتير له واحتل هذا المنصب منذ 1903 م حتى1905 م فما قدّمه العلامة من خدمات اللغة الأردوية وآدابها يطول بذكرها الخطاب.
في أي مكان نزل العلامة شبلي أو أي عمل كان يقوم به لم يغفل عن ندوة العلماء فكان يحضر جلساتها السنوية من حيث أقام بعيدًا عنها أو قريبًا منها، وكان العلامة يفكّر في المناهج الدراسية للمدارس الإسلامية عامة ولندوة العلماء خاصة، فكان يرى، وكان محقًا في رأيه، أن اللغة العربية تدرس في المدارس كلغة كلاسيكية فيرك ن على النحو والصرف والعلوم العقلية فالعلوم التي هي الغاية لا تعطى من الفرصة ما تتطلبها.
لما أصيبت رجل شبلي بالجروح في 1907 م كان مشغولا بتأليف "شعر العجم" في أعظم كره، كان هذا الحادث شديدًا للغاية والكل يعرف بما حدث وكيف حدث كما أن بعضهم اختلفت آراؤهم ولكن بصرف النظر عن تلك التفاصيل كلها نودّ أن نقول إن هذا الحادث الكبير لم يعرقل سبيل عزائمه ولا سبيل تأليفه للكتب فلا شك أنه وقع طريح الفراش لمدة قليلة كما قض ى بعض الوقت في المداواة ومنذ 1908 م واصل أسفاره وأشغاله الأخرى فعلاوة على التأليف كانت الندوة محطة أنظاره وفي نفس السنة تم تحديد منحة دراسية شهرية لخمسين روبية من قبل الحكومة البريطانية، وكما مض ى قولنا أن إدارة المعاهد والمؤسسات لا بد لها من دعم الحكومة مع الحذر أن لا يخلّ هذا الدعم بهدفها الأصلي، وما وجّهوا من محاولات لإزالة شك الحكومة في ندوة العلماء تتطلب الصفحات الطوال وتسبّب في إعادة السخط والقلق، ولنكتف بأن حرية تلك الفترة كانت مقيّدة بأغلال عديدة ولنشكر الزعماء الذين حلّوا هذه القيود وأزالوها.
 لم يكن الأمر مجرد إزالة شك الحكومة والاستعانة منها ونيل العزة من قبلها بل الأصل كان الخلاء من النزاعات الداخلية والبراءة من الاتهامات المورودة من قبل أصحابها، وعلاوة على ذلك فلم يغفل العلامة عن رقي الندوة من كل جانب فكان يحضر كل جلسة سنوية لها ويزيدها عزة ووقارًا، وبجانب الندوة لم يبتعد العلامة عن المعاهد التعليمية والثقافية الأخرى وبذل كل جهوده لرقيها وتقدّمها وعلى هذا فواصل جهده لتحويل كلية . M. A. O إلى الجامعة ولو أنه تقطعت علاقته معها عملا .
في 1905 م تعيّن العلامة شبلي أمينًا لندوة العلماء وبقي على هذا المنصب للعام 1912 م ولقد قدّم إليه هذا المنصب من قبل إلا أنه لم يحضر والآن توق ع أنه سيجد فرصة كاملة لإعادة النظر في المنهاج الدراسي ولكنه لم يوفق لتلك لأن عقول بعض مسؤولي ندوة العلماء القديمة لم تكن راضية عن قبولها وعلى كل حال فكلما نجده من الطراوة والتفرد في منهاج الندوة الدراس ي وأسلوب تدرعسه يرجع فضل بدايتهما إلى العلامة شبلي ولو لا نودّ الخوض في التفاصيل الأخرى في هذا الشأن. لا ننكر أثر علي كره في فكرة العلامة الجديدة ولكن الأمر اللافت للأنظار هو أنه لما يئس العلامة شبلي من معاملة الشيخ حبيب الرحمن الشيرواني أحد أبرز أبناء علي كره مع ضمّ اللغة الإنجليزية في المنهاج الدراس ي وعبّر عنه في إحدى رسائله إلى الشيخ الشيرواني.
يروي السيد سليمان الندوي أن الذين غمرهم السرور من قرار العلامة شبلي في ندوة العلماء هم الطلاب فلما وصل إليها العلامة التفت إلى بعض طلابها الجواد وهذا من ميزات الأستاذ أن يطوّر في الطالب ما يشعر به من الميل سواء كان إلى الخطابة أو إلى الكتابة أو التدرعس وععينه في إتمامه قدر ما استطاع فلا شك أن العلامة شبلي كان يميز الجيّد من الرديئ كما وفق مرافقة أستاذ مثله ويفوق الكل عجوز علي كره المفعم بالشباب فاستفاض عقل العلامة الحادّ فلم يتلألأ اسمه فحسب بل أمدّ في تلألأ أسماء العديد من الطلاب ويكفينا دليلا سيد سليمان الندوي ويمكننا أن نسمّي الآخرين إلا أنّ ضيق الوقت يمنعنا عنه إلا أنه لا مناص من ذكر الشيخ عبد السلام الندوي والشيخ مسعود علي الندوي لأنه لا يتم بدونهما هذا "التثليث". ولتربية تلامذته استخدم العلامة كافة الأسباب التي كانت لازمة لها، وكذا لم تحرم مدرسة الإصلاح بسرائ مير، أعظم كره من عنايته وهو كان يودّ أن تكون هذه المدرسة جامعة بين القديم والجديد من العلوم، وهو الذي شجّع أحد أعزته الشيخ عبد الحميد الفراهي على خدمتها.
النزاع بين المسلمين تاريخه طويل وقد ابتدئ هذا من شهادة الخليفة الثالث عثمان بن عفان، ثم انتشر هذا النزاع في مختلف الدول وشعب الحياة، وكيف يمكن أن تبتعد عنه الندوة فأحاط بها النزاع ومن الأسف أنه تمركز حول العلامة شبلي ولا نريد أن نخوض فيه لأن قصته مرّ للغاية إلا أننا نشير إلى أن هذا النزاع ابتدئ حين تعيّنه أمينًا للتعليم وكان الاختلاف ذا وجهين وجه يحيط به اختلاف الفكرة ووجه يحيط به اختلاف الطبيعة فوقع هذا الاختلاف أولا مع الشيخ خليل الرحمن السهارنفوري الذي كان مديرًا موقتًا للندوة وذلك في أمور عديدة ثم تولدت جماعة للمعارضين ولقد اعترف بعض أتباع العلامة شبلي )مثل السيد سليمان الندوي( أن العلامة شبلي كان متخلفًا عن غيره من العلماء في الأمور الدينية ولكن هذا اتهام يوجّه إلى قاعد أو زعيم حينما
يراد به عرقلة سبيله ومن لم يحط به هذا الاتهام فمن السير سيد إلى مولانا آزاد إلى إقبال وليس الأمر محدودًا في المتأخرين بل يتسع نطاقه إلى المتقدمين فلقد أجبر أبو ذر الغفاري على الانعزال لوجهات نظره الاقتصادية. كان العلامة شبلي رجلا حسّاسًا فقد ترك علي كره لاختلافه كما ترك حيدراباد ولعله كاد أن يترك الندوة من قبل ولكن قبوله فيما بين عامة الأساتذة والطلبة أصبح أغلالا في قدميه إلا أن السيل قد بلغ الزبى في 1912 م فتركها العلامة شبلي ولو أنه لم يرغب عنها ففي 2924 م لما اشتدّ مرض العلامة وكان هو مشغولا بإنهاء أخير أعماله أضرب الطلاب عن الدراسة في الندوة وقد حاول المعارضون أن يتهموه بهذا العمل ولكنه لم يختر الجانب السلبي فبمعونة من بعض كبار المسلمين أدّى دورًا إيجابيًا فيه. ومن أهم أسلحة الطبقة الخاصة من المسلمين هو التكفير وقد جرّبوه على العلامة شبلي وقد قدّر أن ينتهي الإضراب وقد كان ما قدّر إلا أنه بعد وفاة العلامة شبلي النعماني.
ومن الخدمات الدينية التي أدّاها العلامة شبلي هي الوقف على الأولاد فلو أن السير سيد بادر بها ثم تبعه السيد أمير علي ولكن العلامة لعب دورًا كبيرًا لتكليله بالنجاح، ولو أن الحكومة البريطانية لم ترض أن تقبله فبهذه المناسبة أول محاولة قدّموها هي إثبات أن هذه هي قضية المسلمين الدينية ولا مناص في هذا الشأن من الاعتراف بخدمة السيد محمد علي جناح الذي قدّم هذه القضية في المجلس المركزي ولكنه لم يقدر على تقديمها كما يرام لأنه لم يكن يعرف العلوم الدينية فاختلف العلامة عنه.
وبعدما يئس عن هذا الجانب أقام بوطنه في أعظم كره وهو محاط به من الأمراض وقد كان يطوي قلبه العديد من المشارعع التعليمية والعملية بالنسبة لوطنه ولكنه لم يجد الفرصة لإتمامها لكونه بعيدًا عنه ومن تلك المشارعع المدرسة الوطنية التي أصبحت مدرسة جورج فقد كلف بها العلامة منذ البداية وهي كانت على وشك الانحطاط وحصرت في مدرسة متوسطة فلما رجع إلى الوطن التفت إلى إتمام هذه المشارعع فلو أنه بقي ساعيًا لرقي الكلية واتخذ له خطوات عديدة إلا أن المنية لم تمهله وعلى كل حال فقد تم تأسيس كلية شبلي في 31 /مارس 1940 على يدي حبيبه الحميم النواب صدريار جنگ الشيخ حبيب الرحمن الشيرواني وقد ترقّت هذه الكلية وأصبحت كلية وطنية عالية تشتغل بخدمة الوطن وأبنائها.
وعلا وة على تلك لم يزل يرسم العلامة دار المصنفين ولقد كتبنا عنها من قبل فالخدمة الأخيرة التي أدّاها العلامة للإسلام والعلم والمسلمين هي تأليف "سيرة النبي" ولقد أنهى العلامة مجلده الأول وكان يكتب المجلد الثاني إذ وافته المنية و"ختم عليه بالخير" فوقعت أنظاره لإتمام هذه الموسوعة على ثلاثة رجال؛ الشيخ عبد الحميد الفراهي، ومولانا أبو الكلام آزاد، والسيد سليمان الندوي ولكن هذا العمل المبارك قد كتب إتمامه في حق السيد سليمان كما كتب له إتمام مشروع دار المصنفين، وقد أدّى هذه الخدمة بأحسن ما يرام، ولكن مجلده الأول يعتبر أ روع أعمال العلامة شبلي بالنسبة لمتنه ولغته معًا ولو أمهلته المنية لإتمامها لاحتل هذا الكتاب أعلى درجة فيما بين مؤلفات العلامة شبلي فقد كان له شغلان كبيران بعد القيام بأعظم كره ألا وهما سيرة النبي ودار المصنفين ولكن الأجل لم يمهله للمزيد وتوفي العلامة شبلي  في 18 /نوفمبر سنة 1914 م،

الهم اغفر وارحم وأنت خير الراحمين

مواضيع ذات صلة
إسهام علماء الهندية, الأعلام المسلمة, تراجم العلماء, دراسات,

إرسال تعليق

1 تعليقات

أكتُبْ تعليقا