ادعمنا بالإعجاب

القاضي محمد بن عبد العزيز الكاليكوتي وإسهاماته في الشعر العربي الكيرالي

مجلة ملبار مجلة عربية سنوية تصدر عن قسم اللغة العربية في كلية السيد بوكويا التذكارية الحكومية، بيرنتالمنا كيرالا، الهند: 679322 البريد الإلكتروني: majallamalabar@gmail.com
 بقلم:  عبد الرزاق الوافي ب.م .
مقدمة
للشعر دور كبير في الحضارة الإنساية، يحمل في طياته حماية مزاياها والمحافظة على تقاليدها وأخص خصوصياتها. وللشعر العربي كما لغيره مزايا وهو يعتني بأمته أيما عناية. كان مصدرًا أكبر لسرد تاريخ أمته فضلاً عن التعبير عن خيالهم ومعتقداتهم وفلسفة حياتهم. الشعر العربي الكيرالي وإن لم يكن له آثار ضخمة تجاري الحركات الشعرية العالمية على وجه تام، ترك ما يزوده لفخر أهل كيرالا. ومن أوائل الشعراء الذين بقيت آثارهم التاريخية لدينا القاضي أبوبكر بن رمضان الشالياتي المتوفى سنة 895 هـ/ 1490م، والشيخ زين الدين بن علي المعبري المتوفى 928هـ/ 1522م والقاضي محمد بن عبد العزيزالكاليكوتي 1025هـ/1616م[1] هذا البحث يتناول موضوع  مبدأ الشعر الكيرالي مع تركيز على دور  القاضي محمد بن عبد العزيز الكاليكوتي فيه .
القاضي محمد بن عبد العزيز الكاليكوتي 1025هـ/1616م
ولد القاضي محمد بن عبد العزيز بكاليكوت في  عائلة تنحدر من سلالة كريمة لها يد طولى  في خدمة الدين والأدب والوطن. كان والده القاضي عبد العزيز ممن شارك في المشورة التي انعقدت بمسجد مثقال في كاليكوت زمن حروب فتح قلعة شاليم[2]. وجده القاضي أبو بكر بن الرحمن الشالياتي كان مفخرًا للشعر العربي وترك آثارًا قيمة في ذلك المجال. تلمذ القاضي محمد على يدي أبيه بداية ثم تبحر في شتى العلوم السائدة في زمانه من القرآن والحديث والتفسير والفقه وأصوله والفلسفة وعلم الفلك والحساب وعلوم النحو من مدارس أمثال عثمان لبا القايلي، والشيخ عبد العزيز مخدوم. وتولى قضاة كاليكوت بعد وفاة أخيه واستمر فيه إلى وفاته. ويعد من أوائل الشعراء في منطقة كيرلا. له عدة مؤلفات في مختلف المواد والموضوعات منها
1.     قصيدة الفتح المبين للسامري الذي يحب المسلمين
2.     قصيدة إلى كم أيها الانسان ؟
3.     مرثية على الشيخ عثمان لبا القالي
4.     الخطبة الجهادية
5.     قصيدة مقاصد النكاح
6.     الفرائض الملتقط
7.     المنتخبات الفرائد
8.     نظم الأجناس
9.     نظم قطر الندى
10.                       قصيدة مدخل الجنان
11.                       منظومة في تجويد القرآن
12.                       منظومة في علم الأفلاك والنجوم
13.                       منظومة في علم الحساب
14.                       الدرة الفصيحة في الوعظ والنصيحة
15.                       منظومة في الخطوط والرسائل
16.                       الدرة الفصيحة
17.                       نظم العوامل
18.                       مدخل الجنات
19.                       قصيدة نصيحة المؤمنين [3]
أسلافه في مجال الشعر
حسبما نجد من المستندات التاريخية الكيرالية للشعر العربي، تراثه يبدأ من القاضي أبي بكر بن رمضان الشالياتي المتوفى سنة 895 هـ/ 1490م . وهو جد القاضي محمد بن عبد العزير محور هذا البحث. من آثاره الشعرية "الوردة الذكية في تخميس البردة الزكية للإمام البوصوري" و "راحة الفؤاد في تخميس بانب سعاد للشاعر الصحابي كعب بن زهير" و"مولد في مدح خير البرية".
المخدوم زين الدين بن علي المعروف بالمخدوم الكبير ممن يعد من أوائل الشعراء في كيرلا. من أشعاره "هداية الأذكياء إلى طريقة الأولياء"و " تحريض أهل الإيمان على جهاد عبدة الصلبان" و "قصيدة فيما يورث البركة وينفي الفقر" وأرجوزة في الفلسفة"
من إسهاماته الشعرية
القاضي محمد بن عبد العزيز الكاليكوتي من أشعر الشعراء في بداية الشعر العربي الكيرالي. قرض الشعر كالسابقين له في مختلف الموضوعات السائدة في زمانه، ولكن طابع الدين كان ظاهرًا  في جميعها. والموضوعات تدور حول المبادئ الدينية والفقه والنحو والصرف، وأشعاره تتراوح حوالي خمسة عشر شعرًا، ومن أشعاره:
إلى كم أيها الانسان؟
هذه القصيدة تشمل 80 بيتا. ويركز مضمونها على تنبيه المسلمين ويرشدهم إلى حاجتهم الماسة إلى الإقبال على التزويد للحياة الأخروية. يذكرهم غفلتهم العميقة لأجل تمرغهم في لذائذ الدنيا.
يقول في مطلعه:
إلى كم أيها الإنسان
                        على التسويف والنسيان

وتزهو العفو والغفران
                        وتعصي ربك الرحمن

ويشبه الشاعر هذه الدنيا الفانية بالرؤيا التي لا يكون لها في الواقع أي أثر، ويبرز أمام الإنسان عواقب لذائذ الدنيا وخيراتها يقول في وصفها
وفي لذاتها مر
                        وفي خيراتها شر

وفي جذواتها ضر
                        وفي مربحها الخسران

ويجعل الشاعر موت الخلائق رسائل من الرحمن إلى أمثالهم من البشر. ولكن بتراكم الذنوب والمعاصي صارت القلوب قاسية لا تقبل هذه الرسالة السماوية فيصور الشاعر هذه الرزية في الأبيات التالية
فما للقلب لايخشع
                        وما للعين لاتدمع

وماللنفس لا تجزع
                        بموت الخلق والإخوان

ويواصل الشاعر في وعظ المخاطبين ليعرفوا حقيقة الحياة والممات. لا بد للمسلم من الأفكار في أمر آخرته لأن الموت أمر مقضي لا مفر منه لأحد. يدعو انتباهم إلى هذه النكتة في ضوء الآيات القرآنية.
ومنها قد خلقناكم
                        وفيها الآن ندخلكم

ومنها سوف نخرجكم
                        إلى العرصات والميزان
الفتح المبين
اسمه الكامل" قصيدة فتح المبين للسامري الذي يحب المسلمين". وهي تحتوي على 537 بيتا يسرد أهوال حرب قلعة شاليم وفتحها وأحوالها،  وتعالج قضايا الاستعمار البرتغالي وأفعالهم الشنيعة التي تقشعرمنها الجلود من بدإ القرن الخامس عشر الميلادي، وتلقي الضوء على جهاد المقاومين من المسلمين والهنادك، وتبين العلاقات بين الملك السامري ورعييته وتسلط الضوء على خيانات بعض الخونة. يحكي الشاعرالقاضي محمد هذه القصة الواقعية في قالب رشاق.
فيقول الشاعرهذه القصة بعد بعض الأبيات:
فإن هذه قصة عجيبة
                        في شأن حرب شأنها غريبة

واقعة في خطة مليبار
                        ومثلها لم يجر في تلك الديار

 ويصور حسن سيرة الملك السامري وإنصافه بأبيات تالية
لا يأخذ المال بغيرجرم
                        وليس يؤذي أحدًا بظلم

ولا يأخذ البلدان ممن دونه
                        وإن عصوا يعفو بما يهدونه
   وكانت العلاقة حميمة بين الملك السامري والمسلمين آنذك حتى نرى  الشاعر يدعو له بالهداية كما يحث الآخرين لذاك بحجة أنه يجاهد لوطنه ضد المستعمرين البرتغاليين.فيقول الشاعر:
والله يهديه هداية الأبد
                        ويجرين على أموره السدد

فواجب على جميع المسلمين
                        يدعو بمثل ذا يا مسلمين

مرثية علي الشيخ عثمان لبا القايلي
وهي قصيدة يرثي بها الشاعر أستاذه الفقيد عثمان لبا القايلي ولكن التاريخ لم يحفض لنا جميعها كما يقول عبد القادر الفضفري في كتابه جواهر الأشعار. وقد بقي منها بضعة أبيات يصف فيها الفقيد بمناقب جميلة، منها:
أيا من إليه المشكلات تحط
                        ومن نحوه الطلاب رحلهم حطوا

سلام عليكم نورالله قبركم
                        سلام خديم حال بينهما سط

ويتوجع الشاعر ألمًا على فراق أستاذه الفذ حيث يقول:
فما طاب عيشي منذ غبتم ولا هنا
                        ولا زاد لى علم وفضل ولا خط

وصارت رياض القلب بعدك يابسا
                        كما صارت الغبرا إذا وقع القحط
مقاصد النكاح
وهي قصيدة تشمل الأحكام الفقهية للنكاح على المذهب الشافعي. تحتوي على 252 بيتًا يشرح الشاعر أثناء أبياته أركان النكاح ولوازمه والمسائل الخلافية بين العلماء وكيفية الإفتاء فيه للقضاة. وتتميز بسهولتها للحفظ لطلبة العلم.
يقول الشاعرالفقيه في مطلع منظومته:
فإن هذي مقاصد النكاح
                        للعاقدين عن مواقع السفاح

فمن وعاها فهو ناج عن جناح
                        وجامح بين صلاح وفلاح

الفرائض المتلقط
نظم هذه المنظومة وهي تشتمل على 194 بيتاً في الفرائض والميراث ليكون سهل الحفظ لطلبة العلم وفي مطلعها يقول الشاعر:
الحمد للإله ذي البقاء
                        مهلك ماسواه بالفناء

حي قديم أول بلا ابتدا
                        باق مميت آخر بلا انتها
هذه وما قبلها من أشعار القاضي معروفة لدى أهل كيرلا على الأقل، وألف منظومات في النحو والتجويد والمنطق والحساب والخطوط والرسائل وغيرها التي لاتزال مواد الدراسة في مدارس كيرلا حتى في عصرنا هذا.
مضامين الفتح المبين
يعتقد أن القصيدة قرضت في فترة بين 1579م وبين 1607م و تحتوي 537 بيتا وتشتمل على مضامين رئيسة تاليةمطلع القصيدة، مدح السامري وتعداد مناقبه، مبدأ الاستعمار البرتغالي وأوصافهم، المقاومة وفتح قلعة شاليم، اضطهاد المسلمين.
مطلع القصيدة
هذه القصيدة تبدأ بالحمد والصلاة على سيد الورى. فيحمد الشاعر الله عزوجل بأسمائه الحسنى حيث يقول
الحمد لله القوي القادر
                        المالك العلي المغني القادر

القاسم الملوك والجبابرة
                        وكاسر القيول والأكاسرة


ويصلى على النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم ويتبرك بالدعاء على أفضل البشر بعد الأنبياء من الصحابة والتابعين.
ثم صلاة الله مع سلام
                        على النبي المصطفى التهامي

محمد وآله الأبرار
                        وصحبه والتابع الأخيار

يخوض في ثناء الملك السامري وتعداد مناقبه العاطرة حيث ينشد:
وعلمها تسير في الآفاق
                        لاسيما في الشام والعراق

ويعلموا لهمة السلطان
                        السامري المشهور في البلدان

ويقول في محبته للمسلمين في أبيات:
وهو محب ديننا الإسلام
                        ومسلمين بين ذا الانام


وفي مناقبه يقول:
ويخبر الأعدا وقت حربه
                        ليستعد خصمه بحربه

فخرا لدى الملوك بالشجاعة
                        إذ حرب غير السامري بالخدعة



مبدأ الاستعمار البرتغالي وأوصافهم
يشرح الشاعر في ثنايا أبياته قدوم البرتغاليين ويبرز سوء نواياهم إذ جاءوا في اسم التجارة  فيصفهم:
وجاء عند السامري بالتحفة
                        ورام أن يكون كالرعية

وقال إني أعمر البلاد
                        وأدفع الأعداء والفسادا

ولكن كان هذه كلها من المداهنة وعبارة عن نفاقهم لأنهم حينما قويت شوكتهم خرجت من باطنهم نياتهم الخبيثة حيث يقول الشاعر:
ثم غدا مخالفًا للسامري
                        من بعد ماكان كعبد صاغر

ولم يزل يفعل مايضره
                        ويسعى إلى الذي يغره

ككلب من رباه لانتفاعه
                        وهو يعض دائما لرجله
المقاومة وفتح قلعة شاليم
حاصر جيش السامري القلعة البرتغالية واشتد القتال فيصور الشاعر هذه الملحمة وأهوالها بهذه الأبيات
وقد جرت عجائب في ساعة
                        وكانت الساعة مثل الساعة

وبالبخار والدخان العالي
                        قد أصبح النهار كاليالي

وكالرعود صوت كل المدفع
                        ولمعان السيف مثل اللمع



اضطهاد المسلمين
البرتغاليون أذاقوا المسلمين عذابًا فوق ما يوصف. وبعد المغادرة من قلعة شاليم صالح مع الملك كوشن عدو السامري واستمروا في تعذيب المسلمين وأهالي كيرالا. فالشاعر يصف أنواع التعذيب في الأبيات:
ويقتل المسلم لمنشار
                        وبعضهم بكلب ونار

وتارة بالحبس والدخان
                        ورملة بالخيل والصيانة

ويقول في موضع آخر:
وكرة يخنقه بالحبل
                        وحلة يقطع كل وصل

وهكذا يغرقه في البحر
                        مرتبطا في الكيس مثل الأنجر

وفي موضع آخر يقول الشاعر
ويربط المسلم فوق الدقل
                        حينا منكسًا بإحدى الرجل

الخاتمة
القاضي محمد بن عبد العزيز الكاليكوتي واحد من الشعراء الأوائل  في تاريخ الشعر الكيرالي ويعده د.ويران محي الدين الفاروقي في كتابه "الشعر العربي في كيرلا مبدأه وتطوره" من الجيل الأول من الشعراء الذين بقي تراثهم الشعري على مر العصور. وله آثار شعرية تنيف خمسة عشر شعرًا في مختلف الموضاعات. وقصيدته الفتح المبين من أشهرها صيتاً وأعظمها قيمة بما تعالج من الاستعمار البرتغالي وأهميتها التاريخية. فقصيدته هذه  تستحق حفاوة بالغة وقراءة واسعة من طلبة العلم والعلماء، وأشعاره الأخرى تحتاج إلى مزيد من الإقبال عليها لإبراز الأبعاد الشعرية المختلفة.
المصادر والمراجع
·        د.ويران محي الدين الفاروقي، الشعر العربي في كيرلا مبدأه وتطوره، مكتبة عربنت.كاليكوت.
·        د.سلينة.ن،حركة المقاومة لعلماء كيرالا كما تنعكس في مؤلفاتهم العربية (رسالة الدكتورة )ـقسم العربية ـجامعة كاليكوت.
·        Nidaulhind.blogspot.in




[1] الشعر العربي في كيرلا مبدأه وتطوره.د.ويران محيدين الفاروقي، ص65
  [2] HUSSAIN,KT.KERALA MUSLIGAL ADHINIVESHA VIRUDHA  PORATTATHITE PRATHYASHASTRAM. P:15,IPH CALICUT.2008

مواضيع ذات صلة
أدب كيرالا, أعلام كيرلا, الأدب العربي الهندي, ثقافة كيرالا, دراسات,

إرسال تعليق

0 تعليقات