ادعمنا بالإعجاب

العلامة السيد سليمان الندوي رحمه الله - نبذة عن سيرته ومجهوداته العلمية

مجلة بدر الدجى السنوية العدد الخاص بـ حركة ندوة العلماء :" فكرتها وإنجازاتهاندوة التعليم والتربية " لطلاب كيرالا دار العلوم لندوة العلماء ، لكناؤ 1434هـ الموافق 2013م
بقلم: عبد الوهاب بن عبد الرشيد الشكوري الأفغاني الطالب في السنة الخامسة
                                                                                                  
أنجبت قرية دسنه من ولاية بيهار يوم الجمعة من شهر صفر سنة 1302هـ رجلا عبقريا من رجال التاريخ ممتازا في العلم والتقى ، جامعا بين العلم والعمل ، وحاز قصب السبق في كل مجال من مجالات الفضيلة ، وكان عالما جليل الشأن رفيع المنزلة لم يكن يدانيه في غزارة علمه ونفاذ بصيرته إلا قليل من العلماء ، ألا وهو العلامة الفاضل الداعية الجليل شيخ الندويين الأستاذ السيد سليمان الندوي رحمه الله رحمة واسعة ، وقد لعب السيد دورا هاما في اليقظة الإسلامية وصحوتها وتربية المجتمع وانتشار الثقافة الإسلامية والدراسة الدينية ، وقام بأعمال خالدة في حقل الدعوة والإرشاد .
تعلم السيد سليمان الندوي رحمه الله دروسه الابتدائية في قريته ، ثم تعلم اللغة الفارسية وآدابها واللغة العربية وقواعد الصرف والنحو ، ثم رحل إلى لكناؤ والتحق بدار العلوم لندوة العلماء عام 1318هـ المصادف 1901م ، وكانت حركة ندوة العلماء في أوج قوتها وشبابها في ذلك الزمان ، وانتشر صيتها في كل ناحية من أنحاء الهند ، كان الشباب يتهافتون إليها تفاهت الفراش على النور ، ومكث السيد فيها خمس سنوات ودرس على مشايخها كمثل العلامة شبلي النعماني رحمه الله .
وكان معروفا في أيام دراسته بالجدية والوقار والبعد عن الملاهي والملاعب ، وكان طالبا ممتازا واستفاد من منهل ندوة العلماء كمال الاستفادة ، ونال الشهادة وتمهر في التفسير والحديث والفقه والتاريخ الإسلامي واللغة العربية وآدابها ، وكان يطالع المجلات التي تصل من البلدان العربية إلى شيخه الجليل العلامة شبلي النعماني ، كان العلامة شبلي يشجع الطلاب على تعلم اللغة العربية ومطالعة المجلات والصحف ، وانتهز السيد هذه الفرصة وقرأ على شيخه عدة كتب في اللغة العربية وآدابها ، وقد ظهر تبحره أمام العلماء حينما عقدت حفلة لتخرج الدفعة الأولى من دار العلوم لندوة العلماء سنة 1325هـ ، وقدم السيد خطبة عربية ارتجالية مجلجلة أخذت بمجامع القلوب فتحير العلماء بخطابته وأخذتهم الدهشة والإعجاب الشديد ، كيف يقوم طالب ويخطب باللغة العربية الفصحى وذلك في بيئة بعيدة عن اللغة العربية وآدابها ، وقام العلامة شبلي النعماني رحمه الله وخلع عمامته ووضعهاعلى رأس تلميذه السيد سليمان الندوي إعرابا عن فرحه البالغ وكشهادة على مكانته العلمية وتبشير بمستقبله الزاهر وقال السيد وهو يتحدث عن القصة "أصبحت هذه العمامة مفخرة له طول حياته" .
دوره في إحياء رسالة ندوة العلماء : وقد عين أستاذا سنة 1325هـ ، كان يهتم بدار العلوم لندوة العلماء اهتماما بالغا وألف وأفاد الطلاب بعلمه الغزير الواسع كما بذل جهده بتربيتهم وينصحهم بإصلاح النية في اكتساب العلوم الدينية وبأن التقوى رأس كل شيء ، وأغرس في قلوبهم أهمية العلم والأدب وكان يبذل لهم توجيهات رشيدة تنفعهم في مستقبلهم ،  ويختار من بينهم طلابا للتدريب على التأليف والكتابة في دار المصنفين ، وكان من ثمرات تربيته أنه ظهر من بين أبناء ندوة العلماء كتاب مؤلفون في جميع مجالات العلوم الإسلامية  ، يقول الشيخ مجيب الله الندوي: "قام السيد الندوي بإحياء حركة ندوة العلماء من نظرتها التكاملية والشمولية والوسطية إلى نصف قرن تقريبا بل وقام بتوسيع نطاقها وساهم بكل إخلاص في القضاء على التفرقة بين القديم والجديد والعصبية المذهبية للعلماء وجمعهم على رصيف واحد " .
وكان للسيد دور كبير في الأوساط العلمية حيث منحته جامعة عليجره شهادة الدكتوراه الفخرية اعترافا بمكانته العلمية ومهارته في العلوم والفنون ، وكان جامعا بين القديم والحديث ، يقول الأستاذ محمد الرابع الندوي حفظه الله "تخرج السيد سليمان الندوي رحمه الله في دار العلوم لندوة العلماء التي نادت بضرورة الجمع بين القديم الصالح والجديد النافع وربط العلم الجديد بالعلم القديم ، وكان عالما مسلما على الطراز المحافظ القديم ، وأديبا وباحثا على المنهج المعاصر الجديد ومثالا رائعا لما تريده وتتوخاه ندوة العلماء" .
ويقول الأستاذ السيد أبو الحسن علي الندوي رحمه الله :"كان من مزايا شخصية السيد الجامعية والشمول في المعرفة والبحث ، فقد كان خبيرا بالعلوم الدينية والعصرية وكان مؤرخا وأديبا ناقدا ومحققا ، وبجانب ذلك كان فقيها ومحدثا في آن واحد وبالإضافة إلى هذا الاشتغال والشغف بالبحث العلمي كان من كبار القادة لحركة تحرير البلاد والانتفاضة السياسية للمسلمين فكان يرأس اجتماعات وحفلات أدبية ولغوية ويرأس مجالس فقهية ودينية يضم العلماء ، وكان أحد أعضاء وفد حركة الخلافة التي توجه إلى إنكلترا برئاسة رئيس الأحرار مولانا محمد علي في عام 1920م وترأس أيضا وفد الخلافة الذي اشترك في المؤتمر الإسلامي الأول الذي دعا إليه الملك عبد العزيز آل سعود في عام 1924م ، وكان احد أعضاء الثلاثة للوفد الذي توجه إلى أفغانستان لإعداد خطة جديدة للتعليم في أفغانستان" .
مهارة السيد في القرآن الكريم وعلومه : يقول السيد أبو الحسن علي الندوي رحمه الله :"إني أعترف بأني لم أر أحدا يقارب السيد سليمان الندوي رحمه الله في التعمق في فهم القرآن الكريم وهذا اكتشاف تاريخي يعرف الناس السيد سليمان الندوي كمؤرخ ومؤلف للسير ومتكلم لكني أرى أنه كان يحظي في فهم القرآن الكريم بمكانة رفيعة لم أجد أحدا في الهند بل في شبه القارة منه في دراسة القرآن الكريم توسعا وتعمقا ".
تلاميذه : وكان التدريس أحد الاهتمامات العلمية التي ظل السيد الندوي ملازما لها طول حياته ، فقد قام بالتدريس في دار العلوم لندوة العلماء ثم في كلية بونه ثم في دار المصنفين ، ودرس الطلاب أحسن التدريس حيث يشهد بدروسه من كانوا يدرسون منه العذبة العطرة الصفوف والقاعات والطلاب والأساتذة ، وقد تخرج من بين يديه جمع كثير من طلاب العلوم الدينية ، ولا يمكننا أن نذكر أسماء جميع المتخرجين والمستفيدين من الأساتذة إلا أن نذكر بعض تلامذته المعروفين في الدوائر العلمية ، وهم :
1 . الأستاذ عبد الرحمن النجرامي الندوي 2 . الأستاذ معين الدين الندوي 3 . الشيخ محمد  أويس الندوي 4 . العلامة السيد أبو الحسن الندوي 5 . الأستاذ مسعود عالم الندوي 6 . الأستاذ محمد ناظم الندوي 7 . الأستاذ أبو الليث الندوي 8 . الأستاذ أبو العرفان الندوي .
مؤلفات السيد سليمان الندوي : وكان العلامة الفاضل سليمان الندوي كاتبا بارعا وصاحب قلم سيال، سلسال، رقراق، يكتب في مجالات مختلفة وموضوعات شتى في التفسير والحديث والتاريخ والفقه والقضايا الإسلامية وردا على كتب المستشرقين قلما يوجد نظير كتاباته ، وقد شهدت المجلات والصحائف وتأليفاته الفخمة بهذه الحقيقة .
كتاباته في الدراسات القرآنية : 1 . كتابه " أرض القرآن" في جرئين ، لا يزال كتابا فريدا لم ينسج على منواله في موضوعه وهو ثروة غنية في الموارد العلمية ، 2 . "حواشيه على المصحف الشريف" ، ويقوم الآن الأستاذ محمد فرمان الندوي بجمع وترتيب هذه الملاحظات ، ولا تزال تنشرها مجلة "البعث الإسلامي" ، 3 . وكانت للسيد سليمان الندوي رحمه الله دروس ومقالات حول مفردات القرآن باللغة الأردية ، وقد قام الشيخ محمد فرمان الندوي حفظه الله بجمعها وتحقيقها وبذل أقصى جهده بنقلها من اللغة الأردية إلى اللغة العربية الفصحى ، وقد نشرت خمسون درسا من هذه المفردات مجلة "البعث الإسلامي" التي يديرها الدكتور سعيد الأعظمي الندوي ، واستفاد الناس من هذه المقالات استفادة تامة .
كتاباته في السيرة النبوية : 1 . كتابه في سيرة النبي ، وهو في سبعة مجلدات ألف المجلدين الأولين العلامة شبلي النعماني رحمه الله وقام السيد الندوي بتأليف المجلدات الخمسة الباقية ، 2 . محاضرات مدراس ، ألقى هذه المحاضرات في مدينة مدراس وهي تقدم السيرة النبوية في أسلوب مؤثر ومنهج فريد ونقلت إلى اللغة العربية ثم طبعت باسم "الرسالة المحمدية" .
مؤلفاته في التاريخ والإعلام : 1 . سيرة عائشة ، وهذا الكتاب ممتاز في بيان سيرة سيدتنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، 2 . حياة مالك ، هذا الكتاب عرض لحياة إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه وصفاته وكتابه المؤطا ، 3 . الخيام ، يشتمل على عرض ونقد مصادر حياة عمر الخيام واستعراض لحياته ومآثره ، 4 . حياة شبلي ، هو عرض علمي عن حياة شيخه العلامة شبلي النعماني رحمه الله ، 5 . شجاعة نساء الإسلام ، 6 . الصلات بين الهند والعرب ، 7 . الملاحة عند العرب .
الكتابات الأدبية : 1 . نقوش سليماني ، هذه مجموعة محاضرات ومقالات عن اللغة العربية وآدابها ، 2 . دروس الأدب ، 3 . لغات جديدة يشتمل هذا القاموس عن أربعة آلاف كلمة تقريبا .
الكتابات المتفرقة : 1 . رسالة أهل السنة الجماعة ، 2. رحلة إلى أفغانستان ، 3 . مقالات سليمان .
فضله وثناء الناس عليه : يقول الأستاذ محمد الرابع الندوي حفظه الله "العلامة السيد سليمان الندوي من أولئك الرجال العظام الذين لا يوجد بهم التاريخ إلا قليلا" ، وقال المحدث الكبير العلامة أنور شاه الكشميري :" إذا جمع علم الغزالي والرازي إلى ورع جنيد وشبلي تكون منه سليمان الندوي" ، وقال الشاعر العلامة إقبال :"ويتبوأ السيد سليمان الندوي اليوم أعلى مدارج حياتنا العلمية ، إنه ليس مجرد عالم بل هو أمير العلماء ، وليس بكاتب بل إنه إمام الكتاب والمؤلفين ، إن شخصه بحر للعلوم والمحاسن تخرج منه مئات من الأنهار وتستقي منه ألوف من المزارع اليابسة" ، وقال المربي الجليل العلامة أشرف علي التهانوي رحمه الله :"يتشابه شبلي وسليمان تشابه ابن تيمية وصاحبه ابن قيم" .


مواضيع ذات صلة
الأعلام المسلمة, الأعلام،, دراسات, نداء الهند،مقالات,

إرسال تعليق

0 تعليقات