ادعمنا بالإعجاب

قضايا العالم العربي وموقف الشيخ أبي الحسن الندوي إزاءها

صاحب القلم: محمد أمين، الطالب في السنة الرابعة من العالية
(مجلة النادي العربي السنوية عدد ممتاز عن منهج الإمام الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في الدعوة والفكر الإسلامي لطلبة النادي العربي دار العلوم لندوة العلماء ، لكناؤ 1435هـ الموافق 2014م)



"لو كانت أمة على وجه الأرض تستحق مني أكبر تقدير وأعظم إعجاب وإكبار لكان العرب من غير نزاع."
ولو كانت نفسي تدفعني إلى المجاملة مع أمة من الأمم وتزينها لي لكانت أمتي العربية العظيمة."
"وعندي مما أمدح هذه الأمة العربية العظيمة بحق لكثير واسع وعندي مما أرضى به نفوس هذه الأمة وأسماعها وأرضي به عاطفتي كعضو من أعضاء هذه الأسرة العظيمة الكريمة لكثير وكثير وكل ذالك مما يصدقه العلم و الواقع ويقول العالم :صدقت،ويقول التاريخ :عدلت وبررت."(العرب والإسلام-ص-74)
من الذي صدر منه مثل هذه العبارات المملوؤة بعاطفة الحب والمودة الخالصة للعرب، ألا وهو المفكر الإسلامي الكبير الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي .
وكم كانت صلته بالعالم العربي في الدين شديدة وطيدة وهل في وسع تاريخ القرن العشرين أن ينسى ذلك العالم الرباني الجليل والداعية المصلح الحكيم وعلاقته الدينية الخالصة مع البلاد العربية.
إن الشيخ الندوي عاش وقلبه مليئ بخالص الحب للعرب،لمكانتهم الفائقة وشديد الأسف على قضاياهم ومشاكلهم المعضلة وعظيم الرجاء في نهضتهم ورجوعهم إلى مجدهم التليد وعزهم القديم.
وقد اعتنى الشيخ الندوي بالأمة العربية ومشاكلها اعتناء بالغا،حتى ازداد كلامه في ذلك زيادة تتضائل أمامها كل كلام لغيره فيه،وصدرت من لسانه الصادق وقلمه الرشيق  عدد من المقالات والمحاضرات والكتب والمؤلفات التي تحدث عن أهمية العالم العربي وخصائصهم وقضاياهم واضحة مفصلة وأكسبت عنايته هذه في قلوب العرب تكرمة عظيمة له،كلما أقبل عليهم بالوعظ والنصيحة .
وقد عد الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي عنايته بالعرب وهمومهم ومشكلاتهم، خامس أوصاف رفعت قدر الشيخ الندوي لدى العرب، يقول في كتابه الشيخ أبوالحسن علي الندوي كما عرفته، :"لقد أبدى أبوالحسن اهتماما كبيرا بالعرب وبمشكلاتهم المختلفة وبنهضتهم وهويتهم باعتبار أنهم عصبة الإسلام وأهل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وأحفاد الصحابة الميامين والمفروض فيهم أن يقودوا الركب الإسلامي وأن يأخذو بزمام القافلة الإسلامية.
وهذا ما نراه في كتب ورسائل شتى من مؤلفاته مثل (من العالم إلى الجزيرة العرب )و (من جزيرة العرب إلى العالم ) و (إسمعياته) الموقظة التي خاطب بها عددا من البلاد العربية مثل (إسمعي يا مصر) ،(إسمعي يا سوريا)،(إسمعي يا زهرة الصحراء) يعني الكويت، (إسمعوها مني صريحة أيها العرب) ، ( العرب والإسلام) (العرب يكتشفون أنفسهم)، (الفتح للعرب المسلمين)،(نفحات الإيمان بين صنعاء وعمان)،(مذكرات سائح في الشرق العربي)،(كارثة العالم العربي الحقيقية وأسبابها)،(مستقبل العرب بعد حرب الخليج) إلى رسائل أخرى كثيرة .
أهمية العالم العربي عند الشيخ الندوي:
لقد بين سماحة الشيخ الندوي أهمية العالم العربي وخصائصه في عدة مواضع مع اختلاف أساليب البيان فيها. ولا نريد أن نأتي بجميع ما قال عنها خوفا من الإطناب،بل نذكر بعضها ضربا للمثال:
"اختار الله العرب للإسلام لخصائص طبعية ومزايا خلقية ينفردون بها،وقد قال عن بني إسرائيل أولا"ولقد اخترناهم على علم على العالمين"(الدخان32)،وقال عن النبي العربي صلى الله عليه وسلم آخرا "الله أعلم حيث يجعل رسالته(الأنعام124.......)
عقد الله بين العرب والإسلام للأبد وربط مصير أحدهما بالآخر فلا عز للعرب إلا بالإسلام ،ولا يظهر الإسلام في مظهره الصحيح إلا إذا قاد العرب ركبه وحملوا مشعله،وقد حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على بقاء هذا الرباط الوثيق المقدس بين العرب والإسلام،فجعل  جزيرة العرب مركز الإسلام الدائم  وعاصمته الخالدة."(العرب والإسلام ص57)
"ولكن المسلم ينظر إلى العالم العربي بغير العين التي ينظر بها الأوربي، وبغير العين التي ينظر بها الوطني العربي، إنه ينظر بها الوطني العربي، إنه ينظر إليه كمعهد الإسلام ومشرق نوره ومعقل الإنسانية , وموضع القيادة العالمية".(ماذا خسرص308.)
أراد الشيخ الندوي بذالك أن يوضح، أن العالم العربي قد وصلوا إلى الدرجات العلى حيث اختارهم الله لحمل رسالة دينه والإضطلاع بدعوته وقيادة العالم البشري إلى نوره.
وجدير بالذكر أن الشيخ الندوي لم يكتف بذكر مقام الأمة العربية الفريد من بين سائر الأمم وخصائصه الممتازة ،بل أضاف إلى ذلك ما يجب عليهم من التمسك بهذا الدين الذي اعتزوا به وسادوا  الدنيا والاضطلاع بأعباء الدعوة الإسلامية التي قاموا بها في أول عهد الإسلام.و نستطيع أن نرى ذلك في خطاباته التي وجهها للعرب في مناسبات مختلفة.
هذه المكانة التي يتمتع بها العرب معروفة لدى جميع من له أدنى إلمام بتاريخ الإسلام،ولكن لم ينتبه إلى ذلك ولم يصرح به إلا قليل من العلماء المفكرين والدعاة المخلصين،وكان في مقدمتهم الشيخ أبو الحسن علي الندوي.
قضايا العالم العربي
وبعد ذكر مكانة العرب عند الشيخ الندوي، ننتقل إلى صلب الموضوع : قضايا العالم العربي  وموقف الشيخ الندوي إزائها.
وإذا تتبعنا قضايا العالم العربي عند الشيخ و جدناها في مقالاته ومحاضراته مذكورة بالتفصيل.:نلخصها فيما يلي:
 1 .   النزعة القومية وتمجيدها
وإذا قمنا بالموازنة  بين قضايا العالم العربي التي عالجها الشيخ لوجدنا هذه القضية في طليعها في الذكر،وكان الشيخ الندوي أشد معارضة ونقدا لفكرة القومية وافتخار العرب بها،وكان يراها مؤامرة تهدف إلى القضاء على الدين الإسلامي، وقطع صلة المسلم عنه.
يقول الكاتب الكبير أنور الجندي :إن الأستاذ الندوي لم يهاجم شيئا في عنف وقوة كما هاجم الاتجاه العرب إلى القومية الضيقة والعصبية اللاإسلامية التي تمثلت في ذلك التيار العنيف التي أراد أن يضرب الإسلام بالعرب والعرب بالمسلمين ضربا قويا."
وإليك بعض الأمثلة لذلك.
يقول شيخ الندوي:"فمن المؤسف المحزن المخجل أن يقوم في هذا الوقت في العالم العربي رجال يدعون إلى القومية العربية المجردة من العقيدة والرسالة، وإلى قطع الصلة عن أعظم نبي عرفه تاريخ الأديان، وعن أقوى شخصية ظهرت في العالم وعن أمتن رابطة روحية تجمع بين الأمم والأفراد، والأشتات والأضداد، إنها جريمة قومية تبذ جميع الجرائم القومية التي سجلها تاريخ هذه الأمة، وإنها حركة هدم وتخريب تفوق جميع الحركات الهدامة المعروفة في التاريخ، وإنها خطوة حاسمة مشؤومة في سبيل  الدمار القومي، والإنتحارالإجتماعي.(العرب والإسلام-ص-94)
ودعا الشيخ الندوي العرب القوميين إلى التمسك بالأخوة الإسلامية والوحدة الدينية التي كانوا فيها نماذج مثالية للأمم الأخرى في تاريخهم الماضي،ودعاهم إلى نبذ الفكرة القومية والعصبية التي كانوا يشتهرون بعارها،ويكتوون بنارها.
 3  .تقليد الحضارة الغربية وإيثارها على الحضارة الإسلامية.
كان الشيخ الندوي ناقدا على الحضارة الغربية التي تأسست على الظلم والعدوان والفساد والطغيان والتي لا ترشح للإنسانية بشيئ،يقول الشيخ:"كيف يجمل بالعرب والمسلمين أن يقلدوا هذه الحضارة الغربية،وقد علم الذين درسوا هذه الحضارة أنها تأسست على الظلم والعدوان والأخذ بالقشور، والإكتفاء بالحس وإنكار ما وراء ذلك وعبادة المادة والشهوات من أول يوم، وهي خليفة الحضارة اليونانية الضالة أو المدنية الرومية الآثمة...........
"أن تقليد هبذه الحضارة لم يكن لائقا بالمسلمين والعرب، يوم كانت هذه الحضارة في أوجها وزهوها،وكانت تنتج وتثمر، وكانت شابة فتية،أما وقد شابت ووهنت وبدأت تتقدم بخطى سريعة إلى الإفلاس والإخفاق، بل إلى الإنهيار والإنتحار،فتقليدها أقبح وأخزى، ويعلم الذين يتصلون بمراكزها وتياراتها الجديدة،أنها قد أصبحت فاكهة قد أينعت وحان قطافها، وأنها إذا لم تقتطفها يد قوية فإنها ستسقط بنفسها على الأرض وتتناثر، فالذين يربطون حظوظهم ونفوسهم لهذه السفينة المتكسرة التي قد أشرفت على الغرق، يسيئون إلى أنفسهم ,إلى أمتهم قبل أن يسيئوا إلى عقيدتهم ................(العرب والإسلام-ص-100)
4  .ضعف الوعي.
كشف الشيخ الندوي عن ضعف الوعي في البلاد العربية والشعوب الإسلامية في جميع جوانبه،فإنها تخلفت في الوعي عن الأمم الأوربية مع إفلاسها في الروح والأخلاق،وعيوبها الكثيرة،يقول:
"إن الشعوب الإسلامية والبلاد العربية  مع الأسف  ضعيفة الوعي  إذا تحرجنا أن نقول: فاقدة الوعي  فهي لا تعرف صديقها من عدوها ولا تزال تعاملها معاملة سواء أو تعامل العدو أحسن مما تعامل الصديق الناصح وقد يكون الصديق في تعب وجهاد معها طول حياته بخلاف العدو، ولا تزال تلدغ من جحر واحد ألف مرة ولا تعتبر بالحوادث والتجارب، وهي ضعيفة الذاكرة سريعة النسيان تنسى ماضي الزعماء والقادة، وتنسى الحوادث القريبة والبعيدة، وهي ضعيفة في الوعي الاجتماعي وأضعف في الوعي السياسي، وذلك ما جر عليها ويلاً عظيماً وشقاء كبيراً وسلط عليها القيادة الزائفة وفضحها في كل معركة.
ونبه الشيخ العرب إلى وجوب العناية بإيجاد الوعي في طبقات الأمة ودهمائها،فقال:" فمن أعظم ما تخدم به هذه الأمة وتؤمن من المهازل والمآسي التي لا تكاد تنتهي هو إيجاد الوعي في طبقاتها ودهمائها وتربية الجماهير التربية العقلية والمدنية والسياسية، ولا يخفى أن الوعي غير فشو التعليم وزوال الأمية وإن كانت هذه الأخيرة من أنجح وسائلها، وليعرف الزعماء السياسيون والقادة أن الأمة التي يعوزها الوعي غير جديرة بالثقة ولا تبعث حالتها على الارتياح وإن أطرت الزعامة والزعماء وقدستهم فإنها  ما دامت ضعيفة الوعي  عرضة لكل دعاية وتهريج وسخرية كريشة في فلاة تلعب بها الرياح ولا تستقر في مكان."
5. الخضوع لأنواع الأثرة:
هذه القضية لا يفطن لها إلا من له إدراك بالحكومة الموجودة في البلاد العربية،فإنها تتشبه بالملوكية التي هي سائدة في معظمها.وكان الشيخ الندوي مطلعا بمواقفها لما كان بينه وبين الحكام والملوك علاقة وشيجة دينية،يقول الشيخ:
"لقد أتى على العالم العربي عهد في التاريخ كانت الحياة فيه تدور حول فرد واحد   وهو شخص الخليفة أو الملك   أو حول حفنة من الرجال   هم الوزراء وأبناء الملك  وكانت البلاد تعتبر ملكاً شخصياً لذلك الفرد السعيد والأمة كلها فوجاً من المماليك والعبيد، ويتحكم في أموالهم وأملاكهم ونفوسهم وأغراضهم، ولم تكن الأمة التي كانت يحكم عليها إلا ظلاً لشخصه ولم تكن حياته إلا امتداداً لحياته".
ويتأكد الشيخ أن الأثرة لا محل لها في الإسلام أيا كان نوعها،فستنتهي وتتخلص حياة الأمة منها،يقول:
"إن الأثرة يجمع أنواعها ستنتهي وإن الإنسانية ستثور عليها وتنتقم منها انتقاماً شديداً، إنه لا مستقبل في العالم إلا للإسلام السمح العادل الوسط وإن طال أجل هذه(الأثرات)وأرخي لها العنان وتمادت في غيها وطغيانها مدة من الزمان.
إن الأثرة  فردية كانت أو عائلية أو حزبية أو طبقية  غير طبيعية في حياة الأمة وإنها تتخلص منها في أول فرصة إنه لا محل لها في الإسلام ولا محل لها في مجتمع واع بلغ الرشد ولا أمل في استمرارها؛ فخير للمسلمين وخير للعرب وخير لقادتهم وولاة أمورهم أن يخلصوا أنفسهم منها ويقطعوا صلتهم بها قبل أن تغرق فيغرقوا معها".
 6. التبذير وحياة البذخ والترف.
تأسف الشيخ على العرب الذين صارت حياتهم بتأثير الحضارة الغربية عاكفة على الترف والدعة،واشتكى ما سادت في عواصم البلاد العربية من الفرق الهائل بين الغني والصعلوك.
يقول ،"وقد اعتاد العرب لأسباب كثيرة وبتأثير الحضارة الغربية حياة الترف والدعة والاعتداد الزائد بالكماليات وفضول الحياة والإسراف والتبذير، والاستهانة بمال الله في سبيل اللذة والشهوة والفخر والزينة.
وبجانب هذا الترف والنعيم وحياة البذخ والتبذير، جوع وعري وفقر فاضح، يرى الناظر مناظره الشائنة في عواصم البلاد العربية فتدمع العين ويحزن القلب وينتكس الرأس حياء وخجلاً، فبينا هنالك رجل عنده فضول الثياب وزائدة الطعام والشراب لا يعرف كيف يستهلكه، إذ ببدوي لا يجد قوت يومه وكسوة جسمه، وبينما أمراء العرب وأغنياؤهم على سيارات تباري الريح وتثير النقع، إذا بفوج من النساء والأطفال عليه ثياب سوداء قد أصبحت خيوطاً من طول اللبس يعدو لأجل فلس أو قرص، فما دامت المدن العربية تجمع بين القصور الشامخة والسيارات الفاخرة، وبين الأكواخ الحقيرة والبيوت المتداعية الضيقة المظلمة، وما دامت التخمة والجوع يزخران في مدينة واحدة، فالباب مفتوح على مصراعيه للشيوعية والثورات والاضطراب والقلق لا تقفها دعاية ولا قوة، وإذا لم يسد النظام الإسلامي في بلاده بجماله واعتداله يحل محله نظام جائر بعسفه وقهره عقاباً من الله كرد فعل عنيف."(ماذا خسر العالم-ص-316)
 7  .اضمحلال الروح العسكرية وفقدان الفروسية.
حقق الشيخ أن العالم العربي فقدت الخصائص العسكرية التي كانوا يعرفون بها في عصورهم الذهبية،يقول:
"من الحقائق المؤلمة أن الشعوب العربية قد فقدت كثيراً من خصائصها العسكرية، ورزئت في فروسيتها التي كانت معروفة بها في العالم، فكانت رزيئة كبيرة وخسارة فادحة، وكانت سبباً من أسباب ضعفها وعجزها في ميدان الجهاد، فقد اضمحلت الروح العسكرية، وضعفت الأجسام ونشأ الناس على التنعم، وقد حلت السيارات محل الجياد حتى كادت الخيل العربية تنقرض من الجزيرة العربية، وهجر الناس المصارعة والمناضلة وسباق الخيل وأنواع الرياضة البدنية والتدريبات العسكرية، واستبدلوا بها ألعاباً لا تفيدهم شيئاً، فالمهم لرجال التعليم والتربية قادة الشعوب العربية أن يربوا الشبيبة العربية على الفروسية والحياة العسكرية، وعلى البساطة في المعيشة وخشونة العيش والجلادة وتحمل المشاق والمتاعب، والصبر على المكروه!".(ماذا خسر العالم-ص-314)
ولفت الشيخ أنظارهم إلى ضرورة العناية بالفروسية والحياة العسكرية،وحذرهم من سوء العاقبة التي تلحق بهم إذا غفلو عن ذلك،يقول:
"ومن واجب رجال التربية وولاة الأمر أن يحاربوا بكل قوتهم ما يضعف روح الرجولة والجلادة ويبعث على التخنث والعجز، من عادات وأدب وصحافة وتعليم، ويأخذوا على يد الصحافة الماجنة والأدب الخليع الملحد، الذي ينشر في الشباب النفاق والدعارة والفسوق، وعبادة اللذة والشهوات، ولا يسمحوا لهؤلاء التجارة الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا أن يدخلوا في معسكر محمد صلى الله عليه وسلم الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاث، ويفسدوا على الناشئة الإسلامية قلبها وأخلاقهم، ويزينوا لها الفسوق والعصيان، وحب الفحشاء، بثمن بخس دراهم معدودة، وقد شهد التاريخ بأن كل أمة أصيب رجالها في رجولتهم وغيرتهم، ونساؤها في أنوثتهن وأمومتهن، وطغى فيهن التبرج، ومزاحمة الرجال في كل شيء، والزهد في الحياة المنزلية، وحبب إليهن العقم، أفل نجمها وكسفت شمسها، فأصبحت أثراً بعد عين.
هذه كانت عاقبة اليونان والرومان والفرس، وإن أوربا لفي طريقها إلى هذه العاقبة، فليحذر العالم العربي من هذا المصير الهائل. (ماذا خسر العالم-ص-315)
.الإعتماد على الغرب في التجارة والمالية.8
هذه القضية إن لم تعد من القضايا الكبرى فإنها ،استحقت اهتمام الشيخ ،فاستعرضها وبين طرق الحل لها.فقال:
"وكذلك لابد للعالم العربي  كالعالم الإسلامي  من الاستقلال في تجارته وماليته وصناعته وتعليمه، لا تلبس شعوبه وجماهيره إلا ما تنبته أرضه وتنسجه يده، وتستغني عن الغرب في جميع شئون حياتها، وفي كل ما تحتاج إليه من كسوة، وطعام، وبضائع، ومصنوعات، وأسلحة وجهاز حربي، وآلات وماكينات، وأدوية، فلا تكون كلاً على الغرب وعيالاً عليه في معيشتها ومتطفلة على مائدته." (ماذا خسر العالم-ص-321)
قد نبه الشيخ بأن البلاد العربية تحتاج لمحاربة الغرب إلى الاستقلال في تجارتها وماليتها،ولا يستطيع العالم العربي ذلك وهو مدين له في ماله وعيال عليه في بضائعه ومنتجاته،واشتد في كلامه،:
"إن العالم العربي لا يستطيع أن يحارب الغرب  إذا احتاج إلى ذلك ودعت إليه الظروف  وهو مدين له  في ماله، عيال عليه في لباسه وبضائعه، لا يجد قلماً يوقع به على ميثاق مع الغرب، إلا الرصاص الذي أفرغ في الغرب، إن عاراً على الأمة يجري ماء الحياة في عروقها وشرايينها إلى أجسام غيرها، وأن يدرب جيوشها وكلاء الغرب وضباطه، ويدير بعض مصالح حكومتها رجاله، فلابد للعالم العربي أن يقوم هو نفسه بحجاته: تنظيم التجارة والمالية، وحركة التوريد والتصدير، والصناعة الوطنية، وتدرب الجيش، وصنع الآلات والماكينات وتربية الرجال الذين يضطلعون بجميع مهمات الدولة ووظائف الحكومة في خبرة ومهارة فنية، وأمانة ونصيحة. (ماذا خسر العالم-ص-322)
قضية فلسطين
وهناك قضية أخرى نعيشها ونراها كقضية سياسية عالمية كبيرة،وهي قضية فلسطين التي لا تزال تشغل أذهان المسلمين وتؤلم قلوبهم منذ أن استعمرتها قوة الصهيونية الظالمة،وكان الشيخ يرى أن هذه القضية ليست قضية فلسطين فحسب ،بل قضية المسلمين جميعا ،وكان يرى أيضا أنه لا طريق لإستعادة فلسطين إلا بالإسلام وأن تحرير فلسطين يتطلب قائدا عملاقا عبقريا غير عادي ،فحث العرب والمسلمين على أن يتحلوا بصفات هذا القائد.
يقول:"أن القضية في إنقاذ فلسطين قضية العقيدة وقضية الأخلاق،قضية العزم الصادق، فإذا صحت العزائم وصدقت القلوب،زال اليهود كما يتقشع الضباب،نحن في حاجة إلى تربية جديدة، تربية إسلامية، إلى عقيدة كأنها عقيدة جديدة...........
"إن قضية فلسطين سهلة هينة وانتصار العرب مضمون إذا كانوا أحرارا في تصرفهم ،مالكين لزمامهم، مدبرين لسياستهم مغامرين بأرواحهم ، محكمين لسيفهم وسنانهم ،واثقين بنصر الله ،معتمدين على سواعدهم فقط،متمردين على المادة والشهوات، مصممين على الكفاح والجهاد،(انور الجندي أعلام القرن الرابع عشر الهجري1424))
هذه قضايا العالم العربي التي عاشها الشيخ في حياته الفكرية والدعوية،وكان مرتبطا بها كل الإرتباط،لم يغفل عنها في أي حالة،وإن غفلوا هم أنفسهم،وحاول أن يفهمها للعرب بألفاظه الصريحة التي تنبه العقول وتوقظ المشاعر وتهز القلوب لكي ينتبهوا من غفلتهم ويستيقظوا من سباتهم،ويعرفو حقيقتهم، ويكتشفوا ذاتهم،ويستأنفوا دورهم،ويقودوا العالم البشرية فضلا عن العالم الإسلامي كما فعلوا بالأمس.
القيادة العالمية للعرب
وكان يرى الشيخ القيادة العالمية للعالم العربي بكل جدارة واستحقاق،لما كان له فيها أحسن قدم بعد تشرفه بالإسلام،وقد أوضح ذلك الشيخ في بعض مقالاته أو محاضراته،إشارة إلى أهميتها وخطورتها،وختم كتابه الذي طبق صيته في الآفاقماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين بذكر مآل القيادة العالمية إلى العالم العربي حتما.
المراجع:
1.ماذا خسر العالم \الشيخ أبو الحسن علي الندوي
2. العرب والإسلام \ الشيخ أبو الحسن علي الندوي
3.مذكرات سائح في الشرق العربي \ الشيخ أبو الحسن علي الندوي
4. الشيخ أبو الحسن كما عرفته \الدكتور العلامة يوسف القرضاوي
5.أعلام القرن الرابع عشر الهجري \أنور الجندي
6. الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي –الإمام المفكر،الداعية الأديب \ السيد عبد الماجد الغوري
7. أبو الحسن الندوي العالم المربي،والداعية الحكيم \الدكتور محمد أكرم الندوي.




مواضيع ذات صلة
الأعلام المسلمة, الأعلام،, الندويات, دراسات,

إرسال تعليق

0 تعليقات