ادعمنا بالإعجاب

بوادر الصحوة الإسلامية في الديار الهندية

الكاتب: محمد نوفل الثقافي وينغرا  باحث في جامعة اللغة الإنجليزية واللغات الأجنبية – حيدراباد  وللمصارد والمراجع وللمزيد 9496843216


مهمتي من خلال هذه الدراسة عن أول تربة طابت بطيب الوحي الإلهي وسعدت بالدعوة الإسلامية تسليط الضوء على من يستأهل التراث الإسلامي الأصيل في هذه الديار الهندية وكشف النقاب عن أهل الزوائغ المدعية لحلفاءها ريادة النهضةالإسلامية. فلتقم أيها القارئ المنصف، كلما تقوم عند منعطف حاد فيه الضال عن الطريق الجاد، بتمييز ما هو أصيل قائمة له الحجج والدلائل مما هو دخيل قائمة عليه الحجج والدلائل.
وثانيا،إن الاعتناء بدراسة مستهدفة تحليلية لهذه النواحي من مسيرة التاريخ بين العرب والهنود ليأخذ بأيدينا إلى مجموعة من المعلومات الرائعة الشيقة التي تكون محل اهتمام بالغ لدى عالم مؤرخ ورجل عادي على حد سواء. فنحن بحاجة ملحة لبذل كل المحاولات والمساعي في القيام بدراسة من هذا القبيل واستذكار الماضي الطيب ليخلق شعورا مليئا بالاحتراموالتسامح والحب والوداد ويوجِد فكرة سليمة متبادلة بين بلدي النخيل والنارجيل.
وإني على يقين، أن لا يسعني هذا المقام استيعاب كل شاردة وماردة تناولت فجر الدعوة في الهند وضحاها وظهرها،كما لا بد للقارئ من الرجوع إلى المراجع التاريخية الموثوقة. فإليك بعض الأعلام من المشاهير الذين أثروا خزانة تاريخ المجد الهندي بلغات شتى: سليمان التاجر، أبو زيد السيرافي، المسعودي، الديار بكري، ابن رسته، اليعقوبي، الإصطخري، ابن حوقل، المقدسي، المروزي، البيروني، ابن بطوطة، العمري، ابن خردازبه، البلاذري، ابن الفقيه، بزرك بن شهريار، إبراهيم بن وصيف شاه، الإدريسي، ياقوت الحموي، أبو الفداء، القلقشندي، ابن ماجد، أعلام المخاديم، الشالياتي، المباركفوري، عبد الرحمن المليباري، النلكوتي، الكاندابورامي، الندوي، الآلوائي وغيرهم من المسلمين وغيرهم ممن يصلح للثقة بهم في تاريخ الهند الحبيبة. كما لا يخفى على أحد أنهذه الأخبار والآثار في سرد التاريخ لا تتقوى صحة ومتانة صحة أحاديث الشيخين وربما وجدت فيهم ذوي ضعف أومن تكلم في عدله الآخرون.
الإشراقة الأولى من فجر الإسلام
ومما لا ينبغي التغاضي عنه في معرض الكلام عن تربةٍ حاضرها جزء لا يتجزء عن ماضيها ومصاغٌ يصاغ فيه مستقبلها أن نستذكر هذا الماضي حتى يساعدنا على تدعيم الأواصر الحاضرة وإجادة وضعها اليوم ونعد جيلا يصعد على مدارجها لِغد مجيد.
فرسالة الإسلام بمعناها العام من توحيد الله سبحانه وتعالى بدأت يبرز فجرها في مرتع الهند الخصب في نفس الوقت الذي بزغ على سطح هذا الكون على وجه العموم. حيث إن تربتنا تشرفت بنزول أبي البشر أول الأنبياء والرسل آدم عليه السلام من الفردوس الأعلى على جبل "راهون" الواقع في جزيرة سرنديب من البلاد الهند القديمة التي ضمت في تلك الأيام في طياتها شتى الدول المجاورة لها المستقلة اليوم. كما ورد في حديث: "إن أول ما أهبط آدم على أرض الهند، وفي لفظ آخر في دجني أرض الهند، ويقول العلماء إن دجني معرب من دكهن، والمراد منه سرنديب في جنوب شبه القارة الهندية. وفي رواية أخرى منقولة عن ابن عباس أن الرسول قال: إن أول ما نزل آدم نزل بمكة مكان البيت الحرام، ثم ذهب من هناك إلى الهند فتخطى فإذا هو بأرض الهند. فمكث هناك ما شاء الله. ثم استوحش إلى البيت. وبين العالم التابعي المشهور عطاء بن رباح: "أن آدم هبط بأرض الهند ومعه أربعة أعواد من الجنة، فهي التي يتطيب الناس بها، وقد ورد أنه قد حج البيت الحرام راجلا من الهند أربعين حجا. ويقول في كتاب تاريخ الخميس إن أبا البشر كان طويل القامة وطويت له الأرض فى كل خطوة اثنين وخمسين فرسخا حتى بلغ مكة فى زمن قليل. فمما يقبله العقل السليم أنه انطبعت - كعبرة لخلفه –آثار قدمه الشريفة على "جبل آدم" كما هو المشهور اليوم، وأنه لما عبر في إحدى رحلاته بضواحي كيرالا أن ارتسمت آثار قدمه الشريفة على سطح بعض الصخور من شواطئ البحر العربي كما يتداول صيتها كابرا عن كابر، انطباعات أراد الله إبقاءها فيما أبقى، سنة الله التي قد خلت من قبل في سيرة أبي الأنبياء في مقام إبراهيم وسيد البشر محمد عليهم السلام في صخرة بيت المقدس.
أما من خلفه من الأبناء والأسباط والأحفاد فإنهم تقطنوا حوالي مقر إقامة أبيهم آدم عليه السلام أي في شتى نواحي الهند. وخير شاهد لهذا أن قبر ابنه هابيل يقع في "تاملانادو"وابنِه نبي الله شيث عليه السلام في "أيودهيا"على أشهر الأقوال، بجانب مسجد بابري، على شاطئ نهر "سريو". كما أن ابنه النازل السادس نبي الله إدريس عليه السلام يعتبر رائد نهضة التدريس وأول من كتب بالقلم وأجاد اثنتين وسبعين لغة دعى بها الناس إلى دين الحق. وقام ابن آدم النازل التاسع نبي الله نوح عليهما السلام يدعو الناس إلى الإسلام.
ثم انتشر أولاده في مناطق الهند والجزر الشرقية. وكان هند من أولادحام بن نوح. وقد أرسل الله نذيرا وداعيا إليه في كلأمة من أمم العالم  الإنساني  .قال تعالى: "وإن من أمة إلا خلا فيها نذير". وقد ذكر حارث الديلمي رواية جاء فيهامما قال رسول الله صلي عليه و سلم: كان في الهند نبي أسود اللون،اسمه "كاهن".واستمر هذا الجو الديني حيا إلى أن بدأ أول من  بدأ لعينهم عمرو بن لحي ينصب الأصنام ويدعو إلى باطله الدامس. فأوحي إليه أن ينجو بمن بقي معه في الفلك كي لا يكتسحهم الطوفان فلا يتعرضوا على الهلاك. بعدها استوت الفلك على الجودي وتوطن من فيهم في موصل العراق التي أصبح فيما بعد مهد الحضارات العالمية القديمة. والذي يظهر من تفاسير آيات هذه الوقائع من أن نوح عليه السلام صنع فلكه من أخشاب الساج أنه هي المتوفرة ببلادنا والثمانون الذين عاهدوا معه وآمنوا به كانوا من أبناء بلاد الهند المؤمنين.
فطلائع تاريخ مناطق كيرالا وبلاد الهند لا تنفصل عن تاريخ أول الأنبياء وعن تاريخ شروع دعوة الإسلام على سطح الأرض وعن تاريخ التمدن البشري من أوائل مراحلها بل لم تزل تتساير جنبا لجنب.
عهد الثقافات القديمة والحضارات العتيقة
إن شعب الهند من أمة ذات حضارة قديمة. ويقول المؤرخون في حضارة الهند إنها بدأت قبل الميلاد بنحو أربعة آلاف سنة في شواطئ نهر السند التي هي أقرب مكان الهند إلى مصر وبابل وآشور ويونان من بلاد ذات حضارة قديمة. ولكنهم عاجزون عن بيان تاريخ هذه الحضارة مسلسلا منذ هذه الحقبة. وعلى الرأي الأرجح أن موهنجودارو كانت ميناء كبيرا لتجارة عربية واسعة. فبدأت وترعرعت علاقات الهند بغرب آسيا معتمدا على الخطوط البرية وبالأحرى البحرية على متن قواربهم الشراعية المغامرة باستعانة الرياح الموسمية. ويثبت صحة هذه الحركة التجارية الرائجة القائمة بين الهند و"موسوبوتاميا" أي العراق تلك الختوم والبراشم والحروز ل"موهانجودارو" والتي وجدت في باطن الأرض التي يمر عليها النهران، "الدجلة" و"الفرات". هناك عدة روايات وأساطير تحكي عن البحارة الهنود المتجرين الذين منهم من يبيع غرابا بمائة قطعة من الفضة وآخر طاؤوسا بمائة قطعة من الذهب كما احتوى من المبيعات الهندية أخشاب الساج والملابس القطنية التي تعرف باسم "سندا" والأرز والقرود والطاؤوس والأفيال والأحجار الثمينة والتوابل والبخور والبهارات والإماء والثيران والمرمر  وغيرها من السلع المعتادة بالاتجار.
وبعدها شهد تاريخ عهد الملك نبي الله سليمان بن داود عليه السلام سفنا تجارية تصل إلى "أوفير" مرة في كل ثلاث سنوات وتحمل من هناك عدة بضائع تجارية.والمؤرخ الهندي الدكتور تاراتشاند يرى أن "أوفير" هي ميناء "بيفور" القريبة من كاليكوت. ولكن الكاتب الألماني فودر يرى أنها ميناء بوفار بجانب ترفاندرم، وكلاهما في كيرالا. وفي إبان هذه الفترة تشرفت تربتنا بوصول بعض من اعتنق الإسلام تلبية لدعوة موسى عليه الصلاة والسلام ودخل على دينه الصحيح قبل التحريف والتبديل. وأول هؤلاء الوفود من مؤمني بني إسرائيل نزلوا في ميناء "كوتشي"ثم انتشروا في نواحي الهند والتحق بهم في الأزمان التالية وفود من مسلمي بني إسرائيل.
ثم بعد حقبة من الزمن، بعد أن رفع الله نبيه عيسى عليه الصلاة والسلام إليه وصل إلينا القديس توما {توماسْ} سنة 52م أحد الحواريين الاثني عشر من أنصاري عيسى عليه السلام.وقضى بقية عمره في ربوعها داعيا إلى توحيد الله تعالى. والذي يجنح إليه خاطرناأن كثيرا من أسلافنا أجابوا دعوته واعتنقوا الإسلام حتى انتشر الإسلام في جميع بلاد الهند مرة أخرى حتى توفاه الله. ففيما يقال إن ضريحه في قرية “ملياتور” بمقاطعة كوتايم من كيرالا.
ثم جرى على يد اليهود والنصارى ما جرى من التحريف والتبديل في دين الله سبحانه وتعالى وكتبه. وكان حقا عليهم أن يحافظوها على أصالتها فلم يقوموا بها أحسن القيام فأصبحوا شر خلف لخير سلف.
فخلاصة القول، أنه توثقت بين الهند وجاراتها أصدق الصلاتوأوثق العرى وحكتها شتى الوشائج من دينية إلى ثقافية ومن ودية إلى سياسية ومن تجارية إلى دبلوماسية، الأمر الذي عاد بأرباحه على الجانبين معا.
العصر الذهبي لنشر الإسلام هو العصر النبوي
            قال تعالى: لإيلاف قريش ۝ إيلافهم رحلة الشتاء والصيف ۝{قريش 1-2}.
قد بدأت فعاليات سكنى الهنود في الجزيرة بأولئك التجار الذين رحلوا إليهامع ما أتوا بها من الهند مما يحتاج إليه العرب من البضائع فيبيعونها في مواسم العرب وأسواقهم، والتي أشهرها سوق عكاظ ومجنة وذو المجاز.ونجد أن هناك عددا كبيرا من سكان الهند مثل الزط والميد والسبابجة أو السيابجة والأحامرة والأساورة والبياسرة هجروا قومهم ووطنيتهم الهنديةواستوطنوا في جزيرة العرب بشكل دائم. أما العرب فنظروا إلى هؤلاء التجار نظرة تقدير وإكرام. ولم يكن يتمثل ذلك في الكف عن نهب ممتلكاتهم أوإبادتهم فحسب، بل كانوا يرعون جوارهم حق الرعاية. وإن وجود التقارب والاتحاد – إلى حد كبير – بين مشركي الهنود مع العرب الجاهلين في النزعات ومظاهر الوثنية والعقائد ومعظم العادات والخصال و المثل والتقاليد بينهم ساعد كثيرا على أن يندمج الهنود في البيئ العربية ليصبحوا وحدة من وحداتها. والمسابِر في أغوار تاريخ المناطق العربية - على التعبير العام - يجد ما كان للهنود القاطنين في المناطق الساحلية والشرقية والجنوبية للجزيرة من عدد كبير وجمع لا يستهان به وما كان لهم نفوذ وقوة قبل وبعد ولادة النبي صلى الله عليه وسلم. وكانوا في الغالب ينصرفون إلى رعي الأغنام ويتنقلون بالسواحل يستنجعون الكلأ ويتتبعون الماء. وتطبعت حياتهم بلون الحياة العربية البدوية. وكانت مساكنهم منتشرة على طول الساحل العربي من الخليج العربيالذي يشمل كلا من أقطار عمان ومسقط وقطيف والبحرن والقطر والكويت. وما دفع العرب إلى تسمية الإبلة بأرض الهند أو فرج الهند إلا وجود الهنود في المناطق الساحلية والطفوف بوفرة هائلة.
            ومما ينهض معنا دليلا على وجود جنود هنود بكمية هائلة في المناطق الوسطى من نجد، إلى جانب أولئك السكان في المناطق الساحلية في الخليج العربي، روايات حروب الردة وما تليها من مساعدات الهنود لأهل الكفر والمشركين والمرتدين أيام فتنة الارتداد عن طريق تزويدهم بالسيوف الهندية. كذلك كان للهنود عدد كبير في نجران على عهد بعثته صلى الله عليه وسلم. وكان قد أمر خالد بن الوليدليدعوهم إلى الإسلام فدعاهم إليه فقبلوا دعوته دونما تردد. ومن الآثار ما يقر على وجود الهنود غربي الجزيرة العربية في مكة المكرمة والمدينة المنورة – كما في الأدب المفرد:"عن عمرة : أن عائشة رضي الله عنها دبرت أمة لها فاشتكت عائشة فسأل بنو أخيها طبيبا من الزط". وفي بعض الروايات أن وجدت آثار الزط الهنود في بعض ضواحي تبوك الشهيرة لغزوة تبوك، كما ورد هو الآخر في الأدب المفرد.
            ومن السلع التي كانت تصدر من الهند إلى العالم العربي فمنها خشب الساج -والذي يستخد لبناء البيوت والسفن والقوراب – والحديد الخام والسيوف الهندية والذهب والفضة والمعادن الأخرى والماس والبلور واللآلي والأصداف والعاج وأصناف من العطور والروائح والتوابل والبهارات. كما تم إصدار الكافور وحشب الصندل والمنجة والفنس والليمون والأترج و النارجيل وما إلى ذلك من الحيوانات وغيرها. وتدخل في واردات الهند لبان ذكر والعاج والخيول والذهب والماس والتمر وغيرها من البضائع الثمينة.
            وقد جاء في القرآن ذكر الكافور والمسك والزنجبيل،كما أن الرسول وأصحابه ومن عاصروهم كانوا يعرفون الهنود والأشياء الهندية.قال البلاذري إن أسعد بن زرارة بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بسرير له عمود وقوائمه ساج وإنه صلى الله عليه وسلم كان ينام عليه حتى تحول إلى منزل أبي أيوب الأنصاري، كان ينام عليه حتى توفي، فوضع وصلي عليه، فطلبه الناسيحملون عليه موتاهم، فحمل عليه أبو بكر وعمر، والناس يطلبون بركته. وقال ابن قتيبة وهو سرير عائشة وهو من خشبتي ساج وبيع في ميراث عائشة فاشتراهعبد الله بن إسحاق من موالي معاوية بأربعة آلاف درهم فجعله للناس. وكان لحجرة عائشة باب من الساج. وكان النبي وأصحابه يستعملون بعض الأدوية الهندية التي تباع في أسواق العرب كالكافور والزنجبيل والفلفل.هذا الشاعر المفلق امرئ القيس يستعمل الكلمة في بعض أشعاره قائلا :
ترى بعر الآرام في عرصاتها            ۞         وقيعانها كأنه حب فلفل
والشاعر عنترة العبسي يشبه سواد شعر أمه بالفلفل الأسود في شدة السواد ويقول:
أنا بن سوداء الجبين كأنها            ۞         ذئب ترعرع في نواحي المنزل
الساق منها مثل ساق نعامة         ۞         والشعر منها مثل حب الفلفل
وفي الحديث أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أكل لحم دجاج سندي. وفي روايات أخرى أن الرسول وأصحابه قد استعملوا ثيابا صدرت من الهند مثل الجلباب معرب قرطق. ففي حديث منصور: جاء الغلام وعليه قرطق أبيض، وفي حديث الخراج : كأني أنظر إليه حيث عليه قرطة. وهو تعريب كلمة "كرته" الهندية.وفي حديث عائشة رضي الله عنها أنه رأى عليها أربعة ثياب سند.
وفي طبقات ابن سعد وأنساب الأشراف: "أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلاح بني قينقاع ثلاثة أسياف، سيفا قلعيا. وهي من السيوف الهندية العتيقة. والقلعي تعريبكلهي - بلدة مشهورة على الساحل الجنوبي يمكن أن يكون هذا كلاَّي كما ذهب إليه البعض.وفي أشعار الشاعر الفرزدق:
متقلدي قلقية وصوارم      ۞         هندية وقديمة الآثار
والسيف الهندي نال شهرة كبير بين العرب إذ لا يوجد حديد أمضى من الحديد الهندي الذي يتم صنعه بتراكيب متقنة، فيما أكده الشريف الإدريسي. يقول كعب بن زهير رضي الله عنه وهو يمدح المصطفى صلى الله عليه وسلم:
إنَّ الرَّسُولَ لَسَيْفٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ   ۞         مُهَنَّدٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ مَسْلُولٌ
وأورد المسعودي في مروج الذهب وغيرهم في تاريخ مكة أن عبد المطلب قد وجد في بئر زمزم سبعة سيوف هندية، وأنه جعلها في أبواب الكعبة وظلت باقية إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم. وكان الهنود يرسلونها إليها نذرا لأنهم كانوا يعظمون زحل الذي بنى الكعبة على زعم من يقول ذلك على طالعه.
فالذي يحدو بنا جمع الروايات الواردة إلى استخلاصه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قل – بمعنى أعم – العرب كانت لهم معرفة جيدة بصور رجال الهند وشاراتهم وهيئاتهم وكانوا ملمين بوجوههم وأزيائهم. كما أن بعضهم اقتبس من حضارة الآخر واختار كل ما استطاب من الآخر، وازدهر جراء هذا الاحتكاك تفاعل وتقارب شديد فيما بين العرب وبين الهنود في القلب والقالب.
فتوح فتحت بالمعارف الأذهان
لقد عمت الفتوحات الإسلامية في عصر النبوة وعهد الخلفاء الراشدين شرقا وغربا وشمالا ويمينا وهندا وسندا. وعمر الغزاة الفاتحون حماة الدين والسلام تلك البلدانوفتحوا بالمعارف الأذهان وشيدوا فيها حضارة مزدهرة وثقافة إسلاميةمبنية على تقوى من الله ورضوان. فقد ورد كثير من الصحابة والتابعين وأتباعهم في الهند من العصر النبوي إلى بداية الدولة العباسية. قال بن كثير: كان الصحابة في زمن عمر وعثمان رضي الله عنهما فتحوا أوائل بلاد الهند. وكان في عساكر بني أمية الصالحون والأولياء والعلماء وكبار التابعين، في كل جيش منهم شرذمة عظيمة ينصر الله بهم دينه.
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُونَ فَيُقَالُ لَهُمْ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيُفْتَحُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يَغْزُونَ فَيُقَالُ لَهُمْ هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ مَنْ صَحِبَ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيُفْتَحُ لَهُمْ. واستظهر المباركفوري عند هذا الحديث فقال: وعلى هذا لا يؤمرون في مغازي الهند من أيام الخلفاء الراشدين إلى أيام بني أمية إلا الصحابة حتى انقرضوا بعد مضي سنة عشر ومأة، ولم يبق أحد من الصحابة في الدنيا.
قال ابن كثير: كان الصحابة في زمن عمر وعثمان فتحوا غالب هذه النواحي ودخلوا في مبانيها، بعد هذه الاقاليم الكبار، مثل الشام ومصر والعراق واليمن وأوائل بلاد الترك، ودخلوا إلى ما وراء النهر وأوائل بلاد المغرب، وأوائل بلاد الهند. فكان سوق الجهاد قائما في القرن الاول من بعد الهجرة إلى انقضاء دولة بني أمية وفي أثناء خلافة بني العباس مثل أيام المنصور وأولاده، والرشيد وأولاده، في بلاد الروم والترك والهند.
ففي خلافة (11 – 13 هـ) أبي بكر رضي الله عنه لم تكن فتوحات تذكر خارج بلاد العرب إلا يسيرة، ولم يتهيأ لها إلا أنه حارب الزط والسيابجة الهنود لانضمامهم في المرتدين. وفر هؤلاء إلى الهند. ثم أسلموا أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبذلوا جهدهم مع الجيوش الإسلامية صفا بصف ثم أصابتهم نكبات.
وفي زمن (13 – 23 هـ) عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث البدريَّ عقبة بن غزوان إلى أرض الهند كما أنه بعث الصحابي عثمان بن أبي العاصي وأخويه الحكم والمغيرة إلى الهند ففتحوا تهانه والبروج والديبل. ففي هذه الأثناء وفدت إلينا العدة من الفضلاء. منهم – إلى جانب هؤلاء الصحابة – الصحابي الربيع بن زيادة الحارثي والصحابي الحكم بن عمرو بن مجدع الثعلبي والصحابي عبد الله بن عبد الله الأنصاري والصحابي سهل بن عدي الخزرجي الأنصاري والمدرك شهاب بن المخارق المازني والصحابي صحار بن عباس العبدي والصحابي عاصم بن عمرو التميمي والصحابي عبد الله بن عمير الأشجعي والمخضرم النسير بن دسيم العجلي والتابعي سعد بن هشام الأنصاري.
وفي عهد (24 – 35 هـ) عثمان بن عفان رضي الله عنه أرسل عبدُ الله بن عامر أميرُ العراق حكيم بن جبلة العبدي المدرك إلى ثغور الهند ليتعرف أحوالها. فلما رجع وصفها فقال: "ماءها وشل وثمرها دقل ولصها بطل؛ إن قل الجيش ضاعوا، وإن كثروا جاعوا". فلم يغزها أحد في عهده رضي الله عنه. وفي ضمن من ورد من الأشراف في هذا العهد الصحابي عبيد الله بن معمر القرشي والصحابي عمير بن عثمان بن سعد والصحابي مجاشع بن مسعود السلمي والصحابي عبد الرحمن بن سمرة القرشي والتابعي سعيد بن كندير القشيري وغيرهم.
وفي أيام (35 – 40 هـ) علي بن أبي طالب رضي الله توجه بإذنه الحارث بن مرة العبدي التابعي إلى ثغر الهند على رأس جيش سنة 38 هـ فعاد ظافرا بغنائم وسبايا. واستشهد هو وعامة من معه سنة 42 هـ في الهند. وتشرفت تربتنا بعدد من الأفاضل أمثال الصحابي الخريت بن راشد الناجي و والمخضرم عبد الله بن سويد التميمي والصحابي/ التابعي كليب أبي وائل وغيرهم.
وفي خلافة معاوية بن أبي سفيان وقعت سبع غزوات من سنة 40 إلى 60 هـ فأول من فتح المهلب بن أبي صفرة منطقتي بنة والأهواز. وفتح في نفس العهد حكيم بن جبلة العبدي بلدة مكران. وفي سنة 91 هـ توجه إليها محمد بن قاسم الثقفي بأمر الحجاج بن يوسف أيام الوليد بن عبد الملك الأموي. ثم في أيام هشام بن عبد الملك الأموي من سنة 105 هـ إلى سنة 125 هـ في ولاية الجنيد بن عبد الرحمن المري ففتح بلادا لم يتسن لمن قبله الوصول إليها.
وفي خلافة العباسية يرجعفضل اتساع رقعة سلطان الإسلام إلى المهدي من سنة 158 إلى 169 هـ والذي جهز عبد الملك بن شهاب المسمعي مع أبنائه وأعوانه إلى بلاد الهند وفتح بلادا عديدة. وأما من كان بعدهم من الخلفاء فليس له فيه إلا عمل يسير مثل تولية الأمراء على البلاد، وإخماد نار البغي والخروج، والحرب مع المتغلبين، والقتال على العصبيات القاتلة وإصلاح الثغور وغيرها.
ولما فتحت أمام أهل الهند أبواب الإسلام على مصراعيها وتنفسوا الهواء الصافي تمتعوا بحقوق الإنسانية وصاغوا حياتهما بصيغة الثقافة الإسلامية. ولعبوا بدورهم في إنعاش ميادينالعلم والدين، حتى تولد منهم أئمة الدين وحفاظ الحديث وعلماء الفقه والسير والمغازي. ومن سلالة موالي الهند الذين أقاموا في عهد الخلافة الراشدة مع العرب الإمام الحافظ أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي المدني صاحب المغازي والإمام أبو معشر يحيى السندي مولى بن هاشم والإمام محمد بن عبد الرحمن البيلماني مولى آل عمر والإمام الفقيه مكحول بن عبد الله الشامي مولى امرأة من بني قيس سنديوالإمام شيخ الإسلام عبد الرحمن بن عمر الأوزاعي والشاعر الحماسي أبو العطاء أفلح بن يسار السندي مولى بني أسد والمنتجع بن نبهان السندي. فهؤلاء أبناء الهند من بركات الإسلام من القرن الثاني.
قال الذهبي يصور هذا العصر الذهبي: كان الإسلام وأهله في عز تام وعلم غزير وأعلام الجهاد منثورة والسنن مشهورة والبدع مكبوتة والقوالون بالحق كثير والعباد متوافرون والناس في بُلَهنِيَة من العيش بالأمن وكثرة الجيوش المحمدية من أقصى المغرب وجزيرة الأندلس وإلى قريب مملكة الخطا وبعض الهند وإلى الحبشة. ومما يردُّ شبهات إعداء الإسلام الواهية والتي تحوم حول الإسلام والإرهابية في خصوص هذه الفتوحات قول المؤرخ سترابو : "إن العرب ما كانوا – مطلقا – قوما محاربا في البر وبالأحرى في البحر بل وكانوا تجارا ليس إلا". ومن هذا التصريح ينعكس حقيقيا الميزة التجارية الأساسية لطبيعة العرب والتي ظلت مظهرا حيا لها حتى بعد ظهور الإسلام وبعد أن صارت الغلبة السياسية على الشرق الأوسط إليهم. أما واقعة فتح وحكم العرب في السند في السنين الأولى للقرن الثامن فكانت لمدة قصيرة، رغم هذه كلها استمرت علاقاتهم دائما وأبدا مبنية على الأركان الثقافية والتجارية الخالصة. فعلى حد ما قال "وولسلي هيج": فإن فتح العرب للسند ما هو إلا حادث بسيط في تاريخ الهند ولم يؤثر إلا على طرف من أهداب هذه البلاد الفسيحة. وتخمدت سلطة الخليفة في عام 871 حيث أسس زعيمان عربيان إمارتين مستقلتين في كل من "ملتان" و "منصورة". وعلى رغم عدم الوصول إلينا تفاصيل تاريخية عن هذين الأميرين فالذي يبدو أنهما قد خولا الشؤون الإدارية للبلاد – إلى حد كبير – إلى المواطنين الأصليين وعاملا بكل سماحة واحترام تجاه الديانة الهندوسة. وتؤيد هذا الرأي الحقيقة التاريخية بأن سكان المنطقة قد بكوا لفاتح السند محمد بن قاسم حينما غادر الولاية أخيرا.
ورود الصحابة والتابعين
ورد كثير من الصحابة والمخضرمين والمدركين والتابعين وتابعيهم في الهند، منذ عهده صلى الله عليه وسلم، كما أن البعض منا رحل إلى جزيرة العرب لتلقي الإسلام من حضرته النبوية في نفس الزمان. وقد سبقنا القول عن بعضهم في الصفحات السابقة.
فقد ذكر العلماء والمحدثون روايات عديدة عن رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الهند - كما كان هو هدي المصطفى في دعوة الإسلام –كمااختلفوا فيصحة بعضها. ففي العقد الثمين نقلا عن مجموع الرسائل "أنه روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل كتابه إلى أهل السند على يد خمسة نفر من الصحابة. فلما جاءوا في السند أسلم بعض أهله. ثم رجع منهم اثنان مع الوافد منهم في السند. وأظهر أهل السند الإسلام. وبينوا لأهل السند الأحكام وماتوا فيه. وقبورهم فيه الآن موجودة". وقد نقلالحافظابن حجرالعسقلاني )المتوفى 852 ه(خبر ملك هندي وأنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفذ اليه عشرة من الصحابة من أعظمهم حذيفة بن اليمان وأسامة بن زيد وسفينة وصهيب وأبو موسى الأشعري يدعونه إلى الإسلام فأسلم. لكن المؤرخين وأهل الترجمة تضاربت آراءهم في صحتها وفي تحديد اسم الملك هل هو سرباتك أو غيره،كما تعارضت الروايات في عمره الطويل وفي هل لقي النبي صلى الله عليه وسلم أم لا. وقد ذكر الذهبي أنه كذب واضح.
هكذا روي في شأن ملك آخر اسمه رتن بن عبد الله الهندي ادعى العمر الطويل وبعض الأحاديث بسنده من الرسول صلى الله عليه وسلم وسماها الآخرون بالرتنيات أو الرسالة الرتنية، وقدأيد دعواه بعض الصوفية، وأنكره المحدثون.
أما قصة الملك السامري فقد وردت بعدة روايات نريد أن نختصر في سردها. فقد كانت من عادات العرب أن يضربوا في البحر إلى سرنديب لرؤية أثر قدم آدم عليه السلام. فنزل جماعة من العرب المسلمين ومعهم شيخ كبير السن في كدنغلور وكانوا في طريقهم إلى سرنديب. ولما سمع ملك كدنغلورخبر وصول هذه الجماعة طلبهم لمقابلته وأضافهم في قصره  وسألهم عن أخبار جزيرة العرب. فأخبره شيخهم بأمر النبي الجديد ومعجزة شق القمر. فأدخل الله سبحانه وتعالى في قلبه حب النبي وصدقه فأسلم من صميم الفؤاد .
وأمر الشيخ أن يرجع هو وأصحابه إليه بعد زيارة سرنديب، وأسر إليهم أنه سيرافقهم  بنفسه في طريق عودتهم إلى بلاد العرب لمقابلة النبي الجديد، ومنعهم أن يحدث بهذا الخبر لأحد في مليبار. ثم لم يلبث الملك أن أعد العُدّة لسفره وودع أقربائه ورعيته. فلماجَنَّ عليهم الليل خرجوا من ميناء كدنغلور. ففي الطريق أصيب الملك بمرض شديد. فكتب باللغة المليبارية مكتوبا إلى أقاربه ووزرائه للاهتمام بالدعوة، ودفعه  عند العرب المسلمين ومنهم شرف بن مالك ومالك بن دينار ومالك ابن حبيب. وقال لهم أن لا يخبرو اأحدا بمرضه أو عن موته،ثم توفي الملك هناك .وبعد موت الملك بعامين توجه أولئك التجار الدعاة مع أسرتهم إلى مليبار فوصلواإلى "كدنغلور" ونزلوا فيها وأعطوا مكتوبا لملك إلى أقربائه وأخفو اخبر موته عنهم، فلما قرأوها وعلموا مضمونها أعطوا هؤلاء الدعاة الأراضي اللازمة لتشييد المسجد وبناء مساكنلهم.
            فهذه القصة رغم أنها وقعت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنها لا تدل على رؤيته انشقاق القمر وهل لاقاه الملك أم لا. وقال بعضهم إنه كانت وفاته في " المكلا" فدفن في فناءأحد مساجدها. وكذلك انتهى بعض الباحثين إلى أن هذا الشيخ الكبير من جماعة العرب كان الصحابيَّ أبا وقاص، خالَ الرسول صلى الله عليه وسلم ووالدَ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه محتجا بأن اسم أبي وقاص هو مالك بن وهيب، والذي كان يرتاد دولة الصين آنذاك.
            وينقل مؤرخ آخر الشهير باسم "فرشته" خبرَ ملك مليباري لقي النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الملك السامري حاكم مليبار أى بنفسه في زمانه عليه السلام معجزة شق القمر في  أرضه،فأرسل رسلا إلى أماكن شتى لتحقيق الأمر، فأخبر بأن رجلا من العرب يسمى محمدا ادعى النبوة فشق القمر لكي يرى قومه بعض معجزاته فهو ذاك. فالسامري ركب البحر وارتحل إلى الحجاز،لأنه دفعه الشوق الشديد إلى الرحيل إلى الحجاز ليتشرف برؤياهذاالنبي الجديد العظيم، وكان معه جماعة من حاشيته، وأتى مكة وتشرف بالإسلام وأقامفيها عدةأيام، (ويقول المؤرخ كوبالان ناير :"لقيه الملك بجدّةَ في الساعة التاسعة من يوم الخميس 27 شوال، وأنه لقنه كلمتي الشهادة وسماهبتاج الدين السلطانو قضى خمس سنوات معه)ثم عاد إلى وطنه في جماعة من المسلمين فلما بلغ بلد ظفار مات ودفنبها، والمسلمون الذين كانوا في رفقته خمسة عشررجلا وخمس نسوة ومن بينهم شرف بن مالك وحبيب بن مالك وعبدالرحمن بن مالك ومحمد بن مالك وعلي وحسين بن مالك ونقي الدين بنمالك وإبراهيم وموسى وعمرو حسين بن مالك وفاطمة وعائشة وزينب وقمرية وحليمة، فأوصاهم قبل موته بأنيسيروا إلى مليبار وينشروا الإسلام فيها وأسر إليهم أن لايخبروهم بموته، وقيل إنه أوصى من  معه بأن يبلغوا ذريته وورثته بنبأ إسلامه وموته، ثم كتب إلى حاكم مليبار أن يكرمهم ويعاون هم ودعاهم فيها إلى اعتناق الإسلام وبناء المساج دوالحفاوة بمن يصل من العرب للدعوة والتبليغ.
ويؤيد هذا ما رواه الحاكم رضي الله عنه في المستدرك بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري أنه قال: أَهْدَى مَلِكُ الْهِنْدِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَرَّةً فِيهَا زَنْجَبِيلٌ فَأَطْعَمَ أَصْحَابَهُ قِطْعَةً قِطْعَةً وَأَطْعَمَنِي مِنْهَا قِطْعَةً.
وقد أنشد القاضي عمر البلانكوتي رضي الله عنه في هذا الشأن:
وبعدُ فكدنغَّلُّورُ مَنْشَا مَوْسِمٍ                  
                     بِجَكْرَوَرْتِ برُمَاضٍ مليكٍ معظَّمٍ
بقطر مليبار جرى حكم ملكه                  
                     على كل ذي ملك بها بالتقدُّم
فمعجزة الهادي النبي بيقظة                   
                     رآها انشقاق القمر لا بالتغيم
فحب النبي منها علي قلبه وقع                
                     ففي قطرنا قد صار أول مسلم

ومن الروايات الشفوية أن تميم الداري أتى في جنوب الهند وتوفي هناك. وقبره الآن موجود في نواحي مدراس. وهذه أيضا لم تستند إلى دليل يدل على صحتها.
وقال ابن حجر في الإصابة فيمن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجتمع به سواء أسلم في حياته أو بعده بيرزطن الهندي، شيخ كان في زمن الأكاسرة ولما أدرك الإسلام أسلم. وقد سبقنا الكلام عن طبيب هندي مسلم من جنس الزط عالج أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، كما رواه في الأدب المفرد. وكذلك من المدركين من آباءنا باذان ملك الهند. وهو الذي أمره كسرى على اليمن فلم يزل عليها حتى بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم هو من معه.
وكان أهل سرنديب وما والاها لما بلغهم خروج النبي صلى الله عليه وسلم أرسلوا رجلا فهيما منهم وأمروه أن يسير إليه فيعرف أمره وما يدعو إليه. فعاقت الرجل عوائق. ووصل إلى المدينة بعد أن قبض صلى الله عليه وسلم وتوفي أبو بكر ووجد القائم بالأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
ثم شهد تاريخ كيرالا قدوم عدد كبير من الوفود مثلما شيعه أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وفدا على رئاسة المغيرة بن شعبة سنة 27 هـ كما في شرح الشالياتي رحمه الله.
نبذة يسيرة عن آثار مجدنا المقدس
فحقا يرجع فضل اتساع رقعة الإسلام وعمارتها في كيرالا إلى الوفد الذي ترأسهم مالك بن دينار رضي الله عنه الذي وصلها في العهد النبوي وبنى أول المساجد في كودنغلور في الدولة الهندية. ولم نجد في كتب التاريخ ولا في الوثائق التاريخية الأخرى ما يدل على قيام مسجد في أية بقعة في أرض الهند قبل هذا الذي بناه مالك بن دينار. بعدها رجع إلى خراسان وتوفي هناك. وعلى حد تعبير الشيخ زين الدين رحمه الله: "وأقام ابن أخيه مالك بن حبيب مقامه لبناء المساجد في مليبار فخرج مالك بن حبيب إلى كولام بماله وزوجته وبعض أولاده وعمر بها مسجدا، ثم خرج منها بعد ما خلى زوجته فيها إلى هيليماراوي وعمر بها مسجدا ثم رجع منها إلى باكنور وعمر بها مسجدا ثم رجع منها إلى منجلور وعمر بها مسجدا، ومنها إلى درمفتن وعمر بها مسجدا وخرج منها إلى كانجركوت وعمر بها مسجدا ومنها إلى هيلي ماراوي وأقام بها ثلاثة أشهر ومنها إلى جرفتن وعمر بها مسجدا ومنها إلى درمفتن وعمر بها مسجدا ومنها إلى فندرينه وعمر بها مسجدا ومنها إلى شاليات وعمر بها مسجدا وأقام فيها مدة خمسة أشهر ومنها إلى كدنغلور عند عمه مالك بن دينار". والباقون قضوا نحبهم في أراضي كيرالا وتولوا رياسة دفع عجلة الدعوة الإسلامية إلى الأمام مركزين على هذه المساجد، المراكز الإسلامية الدعوية في قديم الزمان كحديثه. فرحمهم الله رحمة واسعة وجزاهم عن هذه الأمة خير الجزاء.
ويثبت من الأحجار المحفورة من جانب بعض المساجد مثل مسجد فيولاية كنور أنه تم تشييده في السنة الخامسة الهجرية حيث يقرأ "سنة خمس" غير منقوطة. ومن المؤرخين عدد كثير جنح إلى إثبات أن مسجد تشيرمان فرمال تم بناءه في العهد النبوي.
وتقع في جنوب مدينة كنور مدينة صغيرة تدعى إريكور. وفيها مقبرة قديمة معروفة باسم "نيلاموتام". وتضم هذه المقبرة حوالي مائة قبر أثري. وعلى كل منها لوحة (بلاطة الضريح) منالحجر الأبيض. ومن الميز البارزة لهذه القبور أن المكتوب على كل من هذه اللوحات أسماء عربية بحروف خالية من النقط مثل حسن وزيد وأمثالهما. ويبدو على بعضها "باسم الله الرحمن الرحيم هذا القبر عدي بن هاتم رحمه الله عليه بشهر ربيع الآخرباليوم السبت سنة أربعة وسبعين ولما ر برحمتك يا أرحم الراحمين" – غير منقوطة. وهذه تبعثنا على اعتقاد أن هؤلاء إما هم من الصحابة وصلوا قبل سنة 60 هـ أو انتشرت العربية هناك في ذلك الزمان بين مسلميها فسموا بأسماء عربية ودفنوا بطريقة إسلامية. لأن نظام النقط والتشكيل قد بدأ بعد سنة 60 هـ وضعها نصر بن عاصم في عهد الحجاج بن يوسف الثقفي.
فخلاصة الكلام أن للهند العزيزة اليد الطولى والقدح المعلى والسابقة الأولى في فرش البساط الأحمر لدعاة الدين ولقادتها أكثر مما هو لأي تربة أخرى على وجه الأرض. وهذا الغيض من الفيض أعتقد أنه يحفز الباحثين للتقدم والإقبال إلى هذه النواحي من تاريخ ماضينا من جديد.

مواضيع ذات صلة
تاريخ الهند, ثقافة كيرالا, دراسات, كيرالا,

إرسال تعليق

0 تعليقات