ادعمنا بالإعجاب

الوقاية من الشيخوخة في ضوء الحديث النبوي الشريف

د. عبد السميع الأنيس (أستاذ الدراسات العليا، كلية الشريعة، جامعة الشارقة)
يتكفَّل هذا البحث بإبراز موقف الحديث النبوي الشريف من علمٍ ظهر حديثًا في علم الطب أُطلق عليه علم: "مكافحة الشيخوخة"، وهو أمر تفرَّدت السنة النبوية ببيانه قبل ما يزيد عن ألف وأربعمائة سنة، ويعدُّ وجهًا جديدًا من وجوه الإعجاز الطبي فيها، ودلائل نبوته عليه الصلاة والسلام.
والشيخوخة إحدى المراحل الطبيعية في دورة حياة الإنسان، ولطالما أجرى الإنسان على مر العصور الأبحاث والتجارب في مُحاولة استعادة الشباب، وإبعاد عجز الشيخوخة، وأخيرًا، بعد طول بحث، وكثرة جهد، اعترف العلماء أن الشيخوخة طور حتمي في تاريخ الإنسان لا مفر منه. وصدق الله عندما قال: ﴿ وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ ﴾ [يس: 68].
وجاء في حديث أسامة بن شريك أنه قال: قالت الأعراب: يا رسول الله ألا نتداوى؟ فقال: (نعم، يا عباد الله تداووا، فإنَّ الله لم يضع داءً إلا ووضع له شفاءً أو دواءً، إلا داءً واحدًا، فقالوا: يا رسول الله، وما هو؟ قال: الهرم)
ولكن يُقرِّر الأطباء أنه من الممكن تَفادي الشيخوخة المصحوبة بالعجز والألم والخرف، عندما نعلم أن دور الجينات أو المورثات في الشيخوخة لا يتَجاوز 30 %، في حين أن الأسباب الأخرى للشيخوخة؛ كالابتعاد عن التدخين، والكحول، واتِّباع الأساليب الصحية في الحياة كالتغذية السليمة، والكشف المبكر عن الأمراض، والنوم الكافي، والتخفيف من التوتر، كل هذه الأسباب يُمكننا التحكُّم بها.
ويدعم هذا الفريق من العلماء رأيهم بأن فوائد مُكافحة الشيخوخة قد ثبتَت بعد مراجعة جداول وإحصائيات معقَّدة، هي خلاصة أبحاث تناولتْها أكثر من (25) ألف مقالة عن الشيخوخة منذ نشوء هذا العلم الحديث عام (1993) لدى تأسيس جمعية مكافحة الشيخوخة الأميركية، وإن دور الإنسان هو في تفادي ما يؤذي هذه الخلقة الإلهية الرائعة.
كما كشف البحث عن موقف النبي صلى الله عليه وسلم من طول العمر؛ لكونه صورة من الصور التي تعبِّر عن قيمة الحياة وأهميتها في الإسلام؛ فقد عدَّه لونًا من ألوان السعادة: يقول عليه الصلاة والسلام: (وإن من السعادة أن يطول عمر العبد، ويَرزقه الله الإنابة).
وهو نعمة وليس نقمة، ولو لم يكن نعمة لما دعا صلى الله عليه وسلم لخادمِه أنس بطول العمر، خلافًا لبعض الاتجاهات في الفكر الوضعيِّ الذي اعتبر طول العمر نقمة وليس نعمة.
وعند قراءتي لما توصل إليه الأطباء في مجال مكافحة الشيخوخة رأيتُ أن كثيرًا مما جاء في أبحاثهم قد أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في سنَّته المطهَّرة، وسأعرض نتائج ما توصلت إليه في عشرة أمور:
اﻷمر اﻷول: الاهتمام بالجانب المعنويِّ للمُسنِّ، وإبراز حقوقه، ورعايته وحمايته، وتقديره:
إن مفهوم المُسنِّ في الحديث النبوي الشريف أخذ بُعدًا حضاريًّا مُتميِّزًا؛ فهو مُصطلح مُرادف للتقدير والاحترام، وجدير بالرعاية والحماية، والاهتمام، وقد رصد البحث (14) حقًّا من حقوقه؛ قال صلى الله عليه وسلم: (ليس منا مَن لم يعرف حقَّ كبيرنا، ويَرحم صغيرنا)، فهذا نصٌّ صريح من النبي صلى الله عليه وسلم يُثبِت للمسنِّ حقًّا لكونه كبيرًا.
مع ملاحظة أن بعض هذه الحقوق إنما تراعى مع اﻷكبر سنا وإن لم يكن مسنا، لكنه تشمله من باب أولى، وهذه الحقوق هي:
وهذه الحقوق هي:
    1.     توقيره وإجلاله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يوقر الكبير، ويرحم الصغير).
         2.     حفظ شرفه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا مَن لم يَعرف شرف كبيرنا).
         3.     إكرامه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن من إجلال الله إكرامَ ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط).
 
الرجوع إليه في المهمات؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (البركة مع أكابركم)، وفي لفظ (الخير مع أكابركم).
       4.     عدم الاستخفاف به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يستخفُّ بحقِّهم إلا منافق: ذو الشيبة في الإسلام، وذو العلم، وإمام مُقسط). تقديمه بالكلام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: كبِّر - الكبر في السن - أو قال: (ليبدأ الأكبر).
        5.     تقديمه بالطعام؛ لقول حذيفة: (كنا إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم طعامًا لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضَع فيه) ابتداؤه بالسلام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (يُسلِّم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير).
        6.     تقديمه في المناوَلات، وسائر الأمور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:
       7.     (أراني في المنام أتسوَّك بسواك فجذَبني رجلان، أحدهما أكبر مِن الآخر، فناولت السواك الأصغر منهما، فقيل لي: كبِّر، فدفعته إلى الأكبر) توسيع المجلس له؛ لقوله صلى الله عليه وسلم (لا يوسِّع المجلس إلا لثلاث، لذي علم لعلمه، ولذي سُلطان لسلطانه، ولذي سنٍّ لسنِّه). زيارته والإتيان إليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: (لو أقررتَ الشيخ في بيته لأتيناه.)
      8.     تقديمه في رعاية الأسرة بعد وفاة أبيه؛ جاء عن حكيم بن قيس بن عاصم أن أباه أوصى عند موته بنيه، فقال: (اتقوا الله، وسوِّدوا أكبركم، فإن القوم إذا سوَّدوا أكبرهم خلَفوا أباهم، وإذا سوَّدوا أصغرهم أزرى بهم ذلك في أكفائهم).
      9.     تقديمه في إمامة الصلاة لقول مالك بن الحُويرث: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم أنا وصاحب لي، فلما أردنا الإقفال من عنده قال لنا: (... وإذا حضرت الصلاة فليؤذِّن لكم أحدكم، وليؤمَّكم أكبركم.)
       10.       بره إذا كان والدًا، وصلته إذا كان قريبًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من سرَّه أن يُمد له في عمره، ويزاد له في رزقه، فليبرَ والديه، وليصل رحمه).
اﻷمر الثاني: بيان الرُّخَص والتخفيفات التي شرعت في الإسلام، وهي تشمل المسنِّين بسبب المرض لا باعتبار السنِّ فقط، وهذا من خصائص الإسلام في رعاية هذه الفئة، إذ إنه أدمج المسنِّين في المجتمع، ولم يميِّزهم بأحكام خاصة بهم، حفاظًا على مشاعرهم، وإبقاءً على حيويتِهم من أن تمسَّ، فالمسنُّ السليم: يتمتَّع بالحقوق والواجبات كافة.
وعليه، فإن فقهاء المسلمين لم يُفرِدوا أحكامًا خاصة للمسنِّين؛ إذ ليس للمسنِّ أحكام تخصُّه إلا إذا وصل إلى مرحلة الضعف الشديد، أو صاحبه مرض ما، وعندها فإن الرخص التي تَشملهم هي رُخَص لهم باعتبار عدم الطاقة والمرض، لا باعتبار السن فقط، ولهذا نلاحظ في بعض النصوص تقييد "الشيخ" بالفاني، والهرم، والكبير، والزَّمِن، والضعيف وما إلى ذلك.
وهناك توجيهات نبوية عامة تُرشد إلى التخفيف عن المسنِّ ورفع الحرج عنه، لا بأس بذكر نماذج منها:
    1.      قوله للذي نذَر أن يَمشي: (إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني)، وأمره أن يركب.
    2.      أمره صلى الله عليه وسلم من يؤمُّ الناس في صلواتهم التخفيف لأنَّ معهم كبير السن.
    3.      مشروعية أن يُنيب غيره ليحجَّ عنه إذا لم يستطِع، وكان له مال.
    4.      نهيه عن قتل المسنِّ غير المقاتل ولو كان كافرًا.
الأمر الثالث: الابتعاد عن الإرهاق ولو كان بالعبادة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (فإنَّ لجسدك عليك حقًّا)، وهي جملة موجزة، ولكنها رائعة ومعبِّرة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد وجَّهها مع جُمل أخرى مهمة للصحابي الجليل عبدالله بن عمرو الذي سلَك مسلكًا صعبًا في العبادة مما يعود على جسدِه بالإرهاق والتعب:
قال رضي الله عنه: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عبدالله، ألم أخبَر أنك تصوم النهار، وتقوم الليل؟ فقلت: بلى يا رسول الله، قال: فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونمْ، فإن لجسدك عليك حقًّا، وإن لعينك عليك حقًّا، وإن لزوجك عليك حقًّا، وإن لزورك عليك حقًّا...)
إنها دعوة إلى التوازن الذي يجعل الإنسان في وضع صحي سليم، من الناحية الجسدية والنفسية، ويبعد عنه الأمراض، ويَحفظ له صحته، حتى إذا ما وصل إلى الشيخوخة وصَلَ إليها بأقل الأضرار.
ومن مظاهر الإرهاق: السهر الطويل، وقلَّة النوم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (وإن لعينِكَ عليك حقًّا)، فهذا إرشاد نبوي إلى أهمية النوم، وأنه حقٌّ من حقوق العين، بل جاءت أحاديث أخرى ترشد إلى النوم مبكِّرًا، وترك السهر الطويل، إلا في حالات الضرورة، وقد جاءت المقرَّرات الطبية لتؤكد ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فهي تنصَح بعدم السهر الطويل، والحرص على النوم الكافي، وأن لذلك أثرًا في تأخير أمراض الشيخوخة.
الأمر الرابع: النظام الغذائي السليم والمتوازِن:
ولتحقيق النظام الغذائي السليم لا بدَّ من بيان ثلاثة أمور:
         1-    الابتعاد عن التقتير والإسراف:
أما التقتير فقد جاء التنفير منه بأسلوب الاستعاذة من الجوع، وذلك عندما دعا صلى الله عليه وسلم: بقوله: (اللهمَّ إني أعوذ بك من الجوع، فإنه بئس الضجيع)، فلولا أنه كان شرًّا لما استعاذ صلى الله عليه وسلم منه.
وأما الإسراف فقد نهى صلى الله عليه وسلم عنه بقوله: (كلوا واشربوا، وتصدقوا والبَسُوا في غير إسراف، ولا مَخِيلة، إن الله يحب أن تُرى نعمته على عبده).
وقال صلى الله عليه وسلم: (ما ملأ آدمي وعاءً شرًّا من بطنه، بحسب ابن آدم أُكُلاتٌ - وفي رواية: لُقَيمات - يُقِمْن صلبَه فإن كان لا محالة، فثلثٌ لطعامه، وثلُثٌ لشَرابه، وثلُثٌ لنفَسِه.)
وعن جعدة قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم ورأى رجلًا سمينًا، فجعل صلى الله عليه وسلم يومئ إلى بطنه بيده ويقول: (لو كان هذا في غير هذا كان خيرًا لك....) فهو صلى الله عليه وسلم جعل الإكثار من الطعام والشراب شرًّا، وأرشد المسلم إلى التوازُن المطلوب بين الطعام والشراب والنفَس، وحذَّر مِن السمنة في أجلى مظاهرها وهو البطن، فهل رأيت توازنًا في النظام الغذائي أكمل من ذلك، وأوضح منه.
وقد قرَّر الأطباء أن أهمَّ الأمور في مكافحة الشيخوخة المبكِّرة الابتعاد عن الكحول؛ لأنها تحتوي على سكريات يمتصها الجسم مما يؤدِّي إلى إفراز الأنسولين، والجوع، ثم الشراهة في الأكل، ثم حدوث البدانة التي تزيد من نسبة السرطان، كما أن كثرة تناول الكحول: (يؤدِّي إلى قصور عمل الكبد.)
        2-    الابتعاد عن المفترات والمسكرات:
أما المُفتِر: فقد جاء عن أم سلمة أنها قالت: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلِّ مُسكِرٍ ومُفتِر).
وأما المضرات: فقد جاء عن أبي سعيد الخدري أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (لا ضرَر ولا ضرار)، فهذا الحديث نصٌّ عامٌّ في اجتناب كل ما فيه ضرر للجسم من مأكولات أو مشروبات أو غير ذلك.
     3-     التنوع الغذائي: وقد جاءت الإشارة إليه في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [البقرة: 172].
فلفظ "الطيبات": لفظ مُطلق يشمل كل الطيبات التي خلقها الله لعباده، ولم يُحرِّم عليهم سوى الخبائث كالميتة، ولحم الخنزير، والدم المسفوح، والخمر، وغير ذلك مما جاء النص بتحريمه لما تحدث من ضرر كبير في صحة الإنسان، وأكد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (كلوا واشربوا من غير إسراف...).
وقد قرَّر الأطباء بأنه لا حاجة لأخذ عشرين نوعًا من الأدوية والفيتامين لمكافحة الشيخوخة، طالما كان غذاؤك متوازنًا ومتنوعًا.
اﻷمر الخامس: اﻻهتمام بغذائه في ضوء الحديث النبوي:
هناك أغذية تتميز بقيمتها الغذائية الكبيرة، وأوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم، وثبتَت فائدتها في الوقاية من أمراض الشيخوخة، ومعالجة آثارها، مثل:
        1-    عسل النحل؛ قال تعالى: ﴿ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ﴾ [النحل: 69]، وقال صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالشفاءين: العسل والقرآن). وذكر المؤرِّخون أن معظم المعمَّرين من العلماء - ومنهم أبقراط - كان طعامهم الخبز والعسل.
     2  -     اللبن؛ قال صلى الله عليه وسلم: (من أطعمه الله طعامًا فليقل: اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرًا منه، ومن سقاه الله لبنًا فليقل: اللهمَّ بارك لنا فيه، وزِدْنا منه، فليس شيء يُجزئ مكان الطعام والشراب غير اللبن). وهو غذاء متكامِل في حد ذاته، ويَحتوي على مواد بروتينية ذات قيمة عالية مع الأملاح المعدنية، ويُطلَق عليه في البلقان: اسم "غذاء العمر الطويل"، وفيه وقاية من هشاشة العظام، وسقوط الأسنان.
        3-     الحبة السوداء؛ قال صلى الله عليه وسلم: (إن هذه الحبة السوداء شفاءٌ من كل داء إلا السام)، قلت: وما السام؟ قال: (الموت)، وقد ثبَت طبيًّا أنها تقوي جهاز المناعة مما يعود بالفائدة على جميع أجهزة الجسم.
       4-     زيت الزيتون؛ قال صلى الله عليه وسلم: (كلوا الزيت، وادَّهنوا به؛ فإنه من شجرة مبارَكة).
ومن فوائده: أنه يَمنع تصلُّب الشرايين، ويليِّن الأمعاء، ويقوِّي الكَبِد، ويَحفظ ضغط الدم، ويُحافظ على جمال البشرة، ويلطِّف الجلد.
        5-     التمر؛ قال صلى الله عليه وسلم: (من تصبَّح كل يوم بسبع تمرات عجوة لم يضرَّه في ذلك اليوم سمٌّ ولا سحْر).
اﻷمر السادس: الاهتمام بالنظافة:
جاء عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث توجه المسلمين إلى أهمية النظافة، ولا شكَّ أن هذا التوجيه له أثر كبير في حماية الإنسان من الأمراض، والمحافظة على صحته.
إن هذا الاحتفاء الكبير، والاهتمام الشديد بأمر النظافة ليدلُّ بوضوح على مدى اهتمام السنة النبوية بحماية الإنسان، والمحافظة على صحته ليعيش حياة سليمة وسعيدة.
ولا شك أن النظافة من أهمِّ اﻷسباب التي لها أثر في الوقاية من آثار الشيخوخة.
اﻷمر السابع: الاهتمام بالرياضة البدنية:
ينصح الأطباء بممارسة الرياضة البدنية، وأن الإنسان الذي لا يُخصِّص (30) دقيقة من يومه للرياضة فإنه سيخسَر الوقت الكثير مستقبلًا بالأمراض، وزيارة الأطباء والمستشفيات.
وينصحون باختيار ما يُناسب الإنسان من رياضات؛ كالمشي، أو السباحة، أو الجري السريع.
ويقرِّرون أن مُمارسة الرياضة بشكل مُستمرٍّ لها فائدة كبيرة في مُكافَحة أمراض الشيخوخة المبكِّرة، ومنها على سبيل المثال: مكافَحة البدانة والسكري، وأمراض القلب، والجلطات الدماغية، والاكتئاب والتوتُّر، والأرق.
وهي تُساعد على تخفيض الكوليسترول السيِّئ، والضغط الشرياني المسؤول عن اهتراء الشرايين، وتنشط جهاز المناعة الذاتية لمكافحة الالتهابات والسرطانات.
ولو رجعنا إلى الهدي النبوي لرأينا أنه صلى الله عليه وسلم أمر بكل ما يجعل المؤمن قويًّا؛ وذلك عندما قال: ((المؤمن القويُّ خير، وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير)).
وحثَّ على كثير من الألعاب التي تكسب الإنسان قوة، ومنها:
الرمي، وركوب الخيل، والصيد، واللعب بالحراب وغير ذلك، ولكنني سأذكر هنا أمثلة تنفعنا في مجال مكافحة الشيخوخة، فمنها على سبيل المثال: كثرة المشْي.
والمشي الذي حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم إنما ربطه بأهم عبادة وهي الصلاة، ليكون مشيًا هادفًا، ذا فائدة تعود على صاحبه في دينِه ودُنياه، ولا شكَّ أن ذلك سيدفعه إلى الاستمرار عليه، وعدم تركه.
جاء في الحديث: ((فإن أعظمكم أجرًا، أبعدكم دارًا)) قالوا: لم يا أبا هريرة؟ قال: من أجل كثرة الخُطا.
فلو أن المسلم حافظ على الصلاة في المسجد خمس مرات في اليوم والليلة ماشيًا في ذهابه وإيابه لحقَّق ما نصح به الأطباء من المشي (30) دقيقة في اليوم.
ومنها: رياضة الجري: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قام بهذه الرياضة مع زوجته، وقيامه صلى الله عليه وسلم برياضة الجري مع زوجته تشجيع لنا على هذه الرياضة.
ومن العجيب أن أطباء الصحة البدنية يقرِّرون أن من أسرار نجاح برامج الرياضة، وعدم إهمالها قيام كلا الزوجَين بها، أو مع بعض الأولاد أو مع بعض الأصدقاء.
ومنها: رياضة السباحة: فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كل شيء ليس مِن ذكر الله فهو لهو أو سهو، إلا أربع خصال...))، وذكر منها: ((تعليم السباحة)).
اﻷمر الثامن: الاهتمام بالتداوي:
من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العناية بالصحة الجسَديَّة أنه أمر بالتداوي وحث عليه، وأرشد إلى أن ((لكل داء دواء...))، وبذلك فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم باب الأمل على مصراعيه أمام الأطباء والمرضى معًا، وهو بذلك يقرر الطب الصحيح القائم على العلم والتجربة، ويقاوم طب الكهنة والسحرة الذي لا يزيد من اعتمد عليه إلا إرهاقًا ومرضًا، وعوَّضه عن ذلك بالاستعانة بالله عن طريق الأدعية والأذكار.
الأمر التاسع: الأدعية الخاصة بمكافحة الشيخوخة:
هناك أدعية صدرت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاستعاذة بالله من عدد من الأمراض التي يمكن أن تصيبه، وهي بالإضافة إلى كونها من الأدوية الإلهية النافعة من الأمراض ما وقع منها، وما لم يقع، هي أيضًا توجيهات نبوية تُرشد الإنسان إلى الابتعاد عن كل أسباب المرض قبل وقوعه، كما أنها ترشده إلى معالجتها إذا أصيب بها.
وسأذكر هنا بعض الأدعية مما له صلة بمكافحة الشيخوخة لكي يُحافظ عليها المسلم في شبابه وشيخوخته:
        1-     كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ فيقول: ((وأعوذ بك مِن الهرم..)).
        2-    وكان يقول: ((وأعوذ بك أن أرد إلى أرذَل العمر..)).
       3-    وكان يقول: ((اللهمَّ إني أعوذ بك من الجنون، والجذام، والبرَص، وسيِّئ الأسقام)).
      4-    4 - وكان يدعو فيقول: ((اللهم متِّعني بسمعي وبصري، واجعلهما الوارث مني..))، وفي رواية: ((اللهمَّ عافني في جسدي، وعافني في بصري، واجعله الوارث مني)).
     5-    وكان يقول: ((اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شرٍّ)).
       6-     ومن ذلك الدعاء بتوسيع الرزق عند كبر السن؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: ((اللهم اجعل أوسع رزقك علي عند كبر سنِّي، وانقضاء عمري))، وهنا يرشد النبي صلى الله عليه وسلم المسلم أن يدعو ربه بأن يوسع عليه الرزق في آخر عمره، وهي فترة تشتد فيها حاجته إلى الرزق، وهو إرشاد له بأن يدخر لنفسه ما استطاع تحسبًا لنوائب الدهر.
الأمر العاشر: الاهتمام بالصحَّة النفسيَّة:
عُنيت السنَّة النبوية بهذا الجانب عناية فائقة، وجاءت بتوجيهات كثيرة، وحسبي هنا أن أشير إلى بعض الأفكار والمُفرَدات في هذا المجال.
أولًا: الالتزام بالعبادات تُورث الطمأنينة، والراحة النفسية؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].
ثانيًا: الابتعاد عن المعاصي الكبيرة والصَّغيرة، والظاهرة والباطنة.
ثالثًا: المُفرَدات الإيمانية؛ كالتوكُّل على الله، والرجاء، والخوف، والصبر، والشكر، والقناعة، والرضا، والتسليم، والإخلاص، والصدق، والمحبَّة، وتنميتها في قلب المؤمن، وتجسيدها في سلوكه وعمله.
رابعًا: صلة الأرحام، وزيارة الأقارب، والأصدقاء الصالِحين.
وقد نصح الأطباء: وهم يتحدثون عن مكافحة الشيخوخة المبكرة بإحاطة النفس بالأهل والأقارب والأصدقاء.
خامسًا: الابتعاد عن الضغوط النفسية باجتناب أسبابها ومن أهمِّها: الخوف من المستقبل، أو ملازمة الكآبة أسفًا على ما فات، أو حُزنًا على أمر لم يتمَّ تحقيقه، أو عدم القدرة على اتخاذ القرار الذي يجب اتخاذه، أو التأخُّر عن أداء ما يجب أداؤه، أو التثاقل عن القيام بالأمور المطلوبة، أو عدم الجرأة على مواجهة الأمور التي تواجهه.
هذه الأمور النفسية جميعها، أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى تجنُّبها بأسلوب يناسبها، ألا وهو أسلوب التوجه إلى الله عندما قال: ((اللهمَّ إني أعوذ بك من الهمِّ والحزَن، والعجز والكسَل، والجُبن والبُخْل، وضَلَع الدين، وغلبة الرجال)) 1.

وللتوسع في هذا الموضوع يرجع إلى كتاب: جوانب حضارية في السنة النبوية المطهرة، للدكتور عبد السميع اﻷنيس، الصادر عن جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم، سنة 1434 - 2013

مواضيع ذات صلة
دراسات, مقالات دينية,

إرسال تعليق

0 تعليقات