ادعمنا بالإعجاب

أنا وليد الشعر- حوار مع أدونيس


الحوار : عبدالله أمانة الهندية

القصيدة أمي الثانية \ كنت ميالا منذ فتوتي إلى جعل الشعر أوسع من القصيدة \ ابتكرت للكولاج إسما بالعربية هو"رقيمة" \ أعداء للغة العربية أبنائها \ لا تجد رئيسا عربيا واحدا يعرف أن يخطب \ أنا ضد تدخل الدين في السياسة \ إن الله ليس سجانا \ أنا ميال للحركات الصوفية \ الحلاج كان رجلا عظيما \ الثورة السورية ليست مقبولة عندي \ الأنظمة العربية كلها بدون استثناء يجب أن تتغير \ الربيع العربي أصبح كارثة \أنا مظلوم ولكن قوي بأصدقائي.

جلسنا أمام أدونيس في فندق مطل إلى البحر العربي قريبا من ترفاندرم. وكان الوقت المسموح لنا خمس دقائق فقط. وكانت تلك الأيام التي كان متواجد في كيرالا لاستلام جائزة "آشان". وقد بدى أدونيس نشيطا عندما سمع أننا من مجلة عربية في كيرالا. وناشدنا بكل الإعجاب هل عندكم قراء في كيرالا؟ وطالبنا أيضا أن نرسل إليه نسخة من المجلة بعد نشر الحوار إلى عنوانه في باريس. وكان رجلا بسيطا ومتواضعا لدرجة أنه كان لا يبدو لنا أن من أمامنا هو رائد الحداثة في الشعر العربي ولا تغيب عن الذاكرة أبدا مزحاته وضحكاته المتعالية طوال الحوار.
تطرق أثناء حديثه الذي بدأه بحياته إلى مشاكل العالم العربي وقضايا اللغة العربية والتحديات الحديثة التى يواجهها الإسلام وشارك معنا بكل صراحة بآراءه المختلفة عن نطاق واسع من الموضوعات من الشعرواللغة إلى الدين والسياسة. وإلى نص الحوار:

الربيع العربي أصبح الآن أكثرمن خريف بل كارثة.

"أنت لنا سيف ونحن ولك الغمد". بهذا البيت ربما تكون بدأت رحلتك الشعرية. حيث قلت قصيدة في مدح شكري القوتلي الرئيس آنذاك. وكان سببا في دخولك المدرسة العامة في سنك الثالث عشر. كيف تأثرت هذه الحادثة على حياتك؟
أعتقد أنك تعرف القصة بأكملها. وهذا يذكرني بتلك القصة وما زلت أقول إن القصيدة هي التي خلقتني. ولولاها لما رأيتني هنا. فالشعر غير حياتي كليا. وأمي الثانية كانت هي القصيدة.
دعني أذكرك أخرى بقصيبي, تلك القرية التي ولدت وترعرعت بها. سمعت أنك كنت تنشئ الغرزال على شجرة أمام بيتك وتقرأ الكتب جالسا فيه. كما كنت تختفي في بعض الأحيان حتى تنشدك أمك لتراك مشتغلا بتكوين أشياء وصورغريبة. واليوم أنت بعيد كذلك في إحدى الشقق بقرب باريس ومشغول كذلك بإنشاء الكولاج. كأنما هناك تشابه بين هذين الطرفين من حياتك؟
(يضحك) صحيح ما قرأته عني. دائما كنت ميالا منذ فتوتي إلى جعل الشعر أوسع من القصيدة. القصيدة لا تستوعب الشعر كله. ولذلك أحببت في آخر مرحلة من مراحل حياتي أن أكتب القصيدة بالأشياء والألوان. ولذلك قمت بما سميته بالـ"الكولاج" وابتكرت له إسما بالعربية هو"رقيمة". وكلمة رقيمة تأتي من فعل "رقم". والرقم يفيد الخط واللون في آن واحد. ولذلك أفضل كلمة "رقيمة" العربية على كلمة "كولاج" الفرنسية.
دائما نراك تحافظ على روح اللغة العربية, وحتى في قصائدك تلتزم بالعربية الفصحى. هل لك موقف محدد في هذا الموضوع؟
أعتقد أن اللغة العربية الفصحى هي لغة جميلة جدا. وقد تكون – وإن كنت لا أعرف جميع اللغات- بين أجمل اللغات في العالم. وإذا كان للغة العربية أعداء فهؤلاء الأعداء من أبنائها. لأنك مثلا لا تجد رئيسا عربيا واحدا يعرف أن يخطب. وكذلك أئمة الجوامع الذين يفترض أنهم هم الذين يحمون اللغة العربية ويدافعون عنها لا يعرفون عن اللغة العربية جيدا. فإذاً, الذين يقتلون اللغة العربية ليسوا الأجانب وإنما هم العرب أنفسهم. ربما يكون أبوبكر البغدادي زعيم داعش هو الوحيد الذي بإمكانه أن يتكلم بالفصحى بغير الأخطاء من بين العرب (ضاحكا)
أين موقفك من داعش؟
أنا أولا ضد تدخل الدين في السياسة. لأننا نحن مواطنوالأرض. ورأيي أن الإنسان وجد قبل الدين. والدين أتى لخدمة الإنسان. وليس العكس. نحن الآن نسخر الإنسان لخدمة الدين. والدين بالنسبة للبغدادي وأمثاله مجسد في السلطة. فيتم تسخير السلطة العربية باسم الدين والبشر باسم السلطة. والدين منهم براء. ويحولون الدين إلى عنف وإلى قتل. ربنا تعالى فاتح للبشر أبواب الجنة والنعيم والحياة الحسنة وليس فاتح السجون والقيود وآلات الذبح وآلات الشنق.. كأنه سجان؟ إن الله ليس سجانا أبدا. ولكنه رحيم كريم.
فإذاً, يجب الفصل الكامل بين الدين والسياسة حتى نخلص من هذه العقلية الرهيبة التي شوهت الإنسان وشوهت الدين نفسه بل قتلته. لأن الإسلام له صورة بشعة في العالم. كيف يمكن لنا أن ندافع عن الإسلام والذين يسكنون في الغرب يقولون لنا أنتم تذبحون البشر وأنتم تضعون النساء في أقفاص وتبيعونهن. وهذا صحيح. ماذا نقول لهم؟ ويرتكب كل هذا باسم الدين. فإذاً, الإسلام صار عندهم في صورة مرهبة.
ثم إن الدين أصبح مربوطا بالمال. يتصرفون في العراق وفي سوريا كأنهم فاتحون. .. أهدافهم المال  والسلطة والنهب ونساء سبايا وغنائم. أعتقد أن العهد الجاهلي أحسن من هذا. لأنها كانت لها آداب إنسانية على الأقل (يضحك)
وهناك تفسير آخر للدين قريب من الوجهة الصوفية أو نفسها. وما هو موقفك من هذا الوجه الآخر للدين؟ وقد قمت بمقارنة رائعة بين الصوفية والسريالية في إحدى مؤلفاتك؟
أنا ميال إجمالا لكل الحركات الصوفية. لأن الحركات الصوفية تحرر الإنسان من داخله. وتجعله أكثر انفتاحا وتجعله محبا للآخرين.
وفي كتابي " الصوفية والسريالية" أقول للشعراء العرب إذا كنتم تريدون أن تتأثروا بالمخيل السريالي فعليكم أن تقرؤا المتصوفين. والمتصوفون هم سرياليون طبيعيون لا يحتاجون إلى مخدرات لكي يسكروا, يسكرون بإرادتهم يسيطرون على أجسامهم ثم يأتي الإملاء الرباني عليهم. وذلك الذي يسمونها الكتابة الآلية في السريالية. وهم أغنى وأعمق إنسانيا. هكذا أردت أن أقول للشعراء العرب.
وأحب الحلاج. كان رجلا عظيما وشخصية مهمة جدا. السلطة الدينية شوهته وقطعته ورمته في النهر. الإنسان لا قيمة له لدى السلطة. والمؤسف أن هذه السلطة تفعل ذلك باسم الدين. رغم كل الشناعات والجرائم التى قامت بها ما يسمى بالثورة السورية فإنه لم يصدر حتى الآن بيان واحد ضد هذه الأعمال. يمكن للمسلمين أن يدينوا النظام ولكن يدينوا في الوقت نفسه هذه الأعمال المجرمة التى ترتكب باسم الإسلام.
وكيف تنظر إلى الأحداث التي تجري في بلادك سوريا وما هو رأيك عما يسمى بالثورة السورية ضد بشار الأسد؟
أنت الآن مقيم في كيرالا وتتكلم العربية وتنظر إلى العالم العربي. هل يمكن لك أن تقبل بثورة لا تحرر المرأة؟ هل يمكن لك أن تقبل بثورة تقوم على الطائفية؟ يعني أن أقتلك لأنك مسيحي! كيف أقتلك لأنك مختلف عني ؟ أوأقتلك لأنك من مذهب آخر غير مذهبي؟ هل يمكن أن تقبل ذلك؟ هل يمكن أن تقبل بثورة لا يقوم بها الشعب نفسه بل هي ثورة يقوم بها مرتزقة من جميع دول العالم. ويعبثون بكل شيئ ويكون فيهم لصوص وسراقون ونهابون يأتون باسم الثورة ويسرقون العالم ويقتلونه. هل تقبل بذلك؟ هل تقبل بثورة يدعمها الأمريكان أو الاستعمار؟ أمريكا التي قامت باستئصال الهنود الحمر كلهم وقتل شعبا بكامله, وطوال التاريخ لم تكن مرة واحدة مع التحرر وحرية الشعوب. تلك فلسطين أمامنا. الفلسطينيون يقتلون منذ خمسين سنة وأمريكا مع المعتدين. ولم تقف مرة واحدة مع الفلسطينيين. كيف يمكن لهذه البلاد أن تقول ثورة ؟ هل تقبل كثوري أن تكون تابعا لأمريكا؟
لكن هذا لا يعني أن الأنظمة العربية ليست رديئة. نقول هذا ونقول أن الأنظمة العربية كلها بدون استثناء يجب أن تتغير.
هل تقول أن الربيع العربي بدأ ربيعا وانتهى خريفا؟
أصبح الآن أكثرمن خريف بل كارثة.
هناك صراع بين الإسلام والشعر المطلق في بعض المحطات. وفي بعض النصوص الدينية تصريح مباشر ضد الشعر؟
(يضحك) نسمعها ونقرأ ولكن لا نطيع. وليس هناك شاعرعربي واحد أطاعه في كل التاريخ العربي. وكان المعري يقول العالم اثنان: رجل عنده دين لكن ليس عنده عقل, ورجل عنده عقل وليس عنده دين.
"أدونيس" التي في الأسطورة شخصية مقتولة. وهل تعرضت مثله لأي ظلم من المجتمع حولك؟

أدونيس حي رغم القتل. دائما أنا مظلوم. لكن عندي أصدقاء يساعدونني. أنا قوي بأصدقائي. وأنتم منهم.

مواضيع ذات صلة
شأون الخارجية,

إرسال تعليق

0 تعليقات