ادعمنا بالإعجاب

الاستشراق الألماني وهيمنته على تراثنا الغالي

محمد سهيل الوافي

جامعة طرغوت أوزال – أنقرة – تركيا
            مما يبدع الباحثين خلال سهر لياليهم وإكبابهم على العلوم واعتكافهم على اكتشاف اللآلي البصيصة من الدرر الكامنة أغلبية الاستشراق على الخريطة العلمية منذ بعيد الزمان. إن مما لاجدال فيه أن الاستشراق له أثر كبير في العالم الغربي والإسلامي. ففي عالمنا هذا لا يكاد يجد المرء مجلة أو صحيفة أو كتابا إلا وفيها ذكر أو إشارة إلى شيئ عن الاستشراق أو يمت إليه بصلة قريبة أو بعيدة. وفي حقيقة الأمر لا يزال الاستشراق جزءا لا يتجزء من التواصل العلمي بين العالم الإسلامي والعالم الغربي. ولهذا قال إدوارد سعيد: "إن الاستشراق يشكّل شبكة المصالح الكلية التي يستحضر تأثيرها بصورة لا مفر منها في كل مناسبة يكون فيها ذلك الكيان العجيب (الشرق) موضوعا للنقاش"[1]. فحري بنا أن نقول إن الاستشراق يشتمل على عناصر سلبية وأخرى إيجابية، وعلينا أن نعترف للمستشرقين بما لهم من إيجابيات، ومن ناحية أخرى فإن من حقنا بل من واجبنا أن ننبه إلى ما وقعوا فيه من أخطاء، وما اشتملت عليه دراسات العديد منهم من أباطيل.
تعريف الاستشراق
تعريف الاستشراق يختلف باختلاف آراء العلماء عربيا كان أم غربيا. يقول د.أحمد سمايلوفتش[2] فى كتابه ‘فلسفة الاستشراق وأثرها فى الأدب العربي‘ كثيرا من التعريفات، منها قول الأستاذ أحمد حسن الزيات[3]"إن الاستشراق هو دراسات الغربيين لتاريخ الشرق وأممه ولغاته وآدابه وعلومه وعاداته ومعتقداته وأساطيره، لكنه فى العصور الوسيطة كان يقصد به دراسة العبرية لصلتها بالدين[4] ويقول رودي بارت[5] "الاستشراق علم يختص بفقه اللغة خاصة "[6].
ومن الواضح أنه لا يعرف أحد بالضبط من هو أول غربي عني بالدراسات الشرقية، ولا في أي وقت كان ذلك. ولكن يقول التاريخ عن جذور هذه العلاقة ويؤكد على أن بعض الرهبان الغربيين قصدوا الأندلس إبان عظمتها ومجدها وتثقفوا في مدارسها وترجموا القرآن والكتب العربية إلى لغاتهم.
إن الاستشراق الألماني يستحق البحث والنقاش أكثر من غيره. لأن المستشرقين الألمانيين بذلوا قصارى مجهوداتهم ومحاولاتهم نحو اللغة العربية وأدبها بنشر النصوص القديمة وإعداد فهارس المخطوطات العربية والاهتمام بالمعاجم العربية وغيرها. 
تاريخ الاستشراق الألماني
   قد بدأت عناية المستشرقين الألمانيين بحضارة الإسلام منذ أن اتصلت ألمانيا ببلاد الإسلام إثر الحملة الصليبية الثانية فى عام 1147م. خاصة بعد أن بدأ رجال الدين ترجمة الكتب العربية. فعند ما تمت أول ترجمة للقرءان  بين عامي 1141-1143م إلى اللغة اللاتينية قد أسهم هرمان الدلماشى الألمانى H.Alemanus)) في هذه الترجمة إلى جانب كل من روبرت الرتيني وراهب إسباني عربي، وإن لم تنشر هذه الترجمة إلا بعد أربعة قرون[7] . وقبل القرن الثاني عشر تبادل (أتو الكبير) إمبراطور ألمانيا مع عبدالرحمن الناصر بالأندلس السفراء، وكان ذلك عام 956م. ويبدو أن الغاية من هذه السفارة هي معرفة اللغة العربية لعلها تساعد على ترجمة التوراة لاشتراك العربية والعبرية فى السامية.[8]                         
 وبدأت محاولة تدريس العربية مع العالم الألمانى يعقوب كرستمانى(1554-1613م)الذى وضع فهرسا موجزا لبعض المخطوطات العربية ووضع كراسا لتعليم كتابة الحروف العربية. وترجم أجزاء من الإنجيل إلى العربية للتمرن على القراءة. وقد أعد بنفسه الحروف العربية فى قوالب من الخشب للمطبعة التى كان غوتونبرغ  قد اكتشفها حديثا. وفى عام 1585م عين كرستمان أستاذا فى جامعة هايدل برج Heidelherg) (. واقترح إنشاء كرسي للدراسات العربية بها بغية نقل الفلسفة والطب من مصادرها العربية. ومات كرستمان قبل أن يتحقق مشروعه.
             وكان المستشرقون الألمانيون في مطلع القرن الثامن عشر يقصدون هولندا لتعلم اللغات الشرقية ومن ضمنها العربية. وبعد عودتهم أخرجوا الدراسات من جامعاتهم من نطاق التوراة إلى ميدان الثقافة العامة. وفى مطلع القرن التاسع عشر انتقلوا صوب فرنسا حيث كان دى ساسىSilvestre de Sacy) 1758-1838م) أستاذ العربية والفارسية فى مدرسة اللغات الشرقية يدرّس ببارس. فتتلمذ له الألمان وتأثروا به. ومن أشهرهم : فلايشر(1801-1888 ) وإفالد ( 1803- 1875 ) يعد هذان الشخصان من مؤسسى الدراسات العربية فى ألمانيا[9]. ويلاحظ أن الاستشراق الألمانى وضع نفسه خلال القرن الثامن عشر فى خدمة اللاهوت المسيحي.
               وكان يوهان جاكوب رايسكه 1716-1774 Johann jakob Reiske) )أبرز مستشرق ألماني أسس الدراسات العربية فى ألمانيا. وهو أول مستشرق ألماني وقف حياته على دراسة العربية والحضارة الإسلامية. ورأى أن اللغة العربية يمكن أن تدرس لذاتها فى فترة لم يكن أحد يهتم بالدراسات العربية. وكان له اهتمام واسع بالشعر العربى. وقد اعتبر نفسه شهيد الأدب العربي، وجاء فى ترجمة حياته متحدثا عن المخطوطات "ليس عندي أولاد، ولكن أولادي يتامى بدون أب، وأعني بهم المخطوطات"[10].
            وقد تميز الاستشراق الألمانى بجمع المخطوطات ونشرها وفهرستها مع اهتمام خاص بالجانب الفيلولجي والأدب الصوفي وعناية بوضع معاجم فى اللغة العربية ودراسته لجوانب الفكر العربي الإسلامي. وكان الانشغال بالنص القرآني مما تميزت به جهود الألمانيين عن باقي جهود المستشرقين الآخرين. وذكر د. عبد الرحمن بدوي أن أقدم ترجمة ألمانية للقرآن الكريم عن النص العربي مباشرة هي ترجمة دافيد فريدرش ميجرلن الأستاذ فى جامعة فرنكفورت،  ظهرت سنة 1772م[11]. وعدد ترجمات معاني القرآن إلى الألمانية تصل إلى اثنتين وأربعين ترجمة. لعل آخرها ترجمة رودي باريت 1966م،  وقد اعتبرت أحسن ترجمة للقرآن الكريم في الألمانية.
ميزات حركة الاستشراق الألماني
تتميز حركة الاستشراق الألماني من سائره بما يأتي:
1.     حياد نسبي عن الغايات السياسية أو الاستعمارية أوالدينية. فهو في عمومه لا ينطلق من خلفيات إيديولوجية استعمارية. فألمانيا لم تكن لها مستعمرات فى البلدان العربية أو الإسلامية. كما أنها لم تعن بنشر المسيحية، أو بالأحرى لم يترك الفرنسيون والإنجليز للألمان حرية العمل في هذا الحقل. ومع هذا يصعب وصف الجهود الألمانية بالحياد المطلق والموضوعية النزيهة. يقول المستشرق رودي بارت المتوفى سنة 1982: "من التعسف أن يظن المرء أن فى إمكانه أن يعالج جهود الألمان على أنها مطلقة، وأن يفصلها عن ارتباطها بالأوشاج والأربطة العالمية"[12].
2.     روحه المسالمة الخالية من العدائية للعنصر العربي وغلبة الروح العلمية التى تبتعد عن الأغراض. وتتقصى الحقائق بتجرد وموضوعية حيث إن المستشرقين الألمانيين لم يتعمدوا تشويه الحضارة الإسلامية العربية بل كثيرا ما نجدهم يقدرون التراث الإسلامي العربي ويبدون إعجابهم.
3.    اهتمامه بالقديم والتركيز على دراسة التراث الإسلامي العربي وتاريخ الحضارة الإسلامية. وإذا كان الإسلام قد استقطب اهتمام المستشرقين فإن ما ميز الاستشراق الألماني أيضا هو أنه أصبح مصدرا وعمدة في الدراسات القرءانية لدى المستشرقين الأوروبيين عامة[13].ومن الجدير بالذكر من هذا الحقل جهود المستشرق الكبير تيودر نولدكه وكتابه تاريخ القرآن.
خدمات الاستشراق الألماني للعرب والمسلمين
فحري بنا أن نبسط بما قام به المستشرقون البارعون بخدماتهم الجلية ومساهماتهم القيمة نحواللغة العربية وآدابها سيما المستشرقين الألمانيين. فلنوضح هذه الميادين.
1-    نشر النصوص القديمة 
           لقد ظهرت النصوص العربية القديمة محققة بعناية الألمان منذ القرن الثامن عشر، كان رايسكه 1774 (Reiske ) أول من نشر معلقة "طرفة بن العبد" بشرح ابن النحاس، مع ترجمتها إلى اللاتينية عام 1742. ثم ازدهر نشر النصوص في القرن التاسع عشر، فنشرت مئات من نصوصنا القديمة الأساسية، في الشعر العربي القديم في الجاهلية والإسلام، واللغة والأدب والتاريخ والجغرافية والفلسفة والفرق والحساب والجبر والفلك والطب. إن مجموع ما نشره الألمان وحدهم  يفوق ما نشرهم المستشرقون الفرنسيون والإنكليز معا. ومن المؤسف أن جمعية المستشرقين الألمان لم تكلف أحدا بوضع مسرد لجميع النصوص العربية التي نشرها الألمان. فهذا مفيد جدا ومهم. وقد ضرب بعض المستشرقين مثالا نادرا في تحقيق النصوص، من حيث العدد ، ومن حيث الدقة. ونشر وستنفلد (F.Wustenfeld  ) ما يعجز مجمع علمي عن نشره.
            فقد حقق "معجم البلدان" لياقوت و"وفيات الأعيان" لابن خلكان و"طبقات الحفاظ" للذهبي، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي و"الاستشقاق" لابن دريد "وتواريخ مكة" للأزرقي، والفاكهي، والفاسي، وابن ظهيرة. و"معجم ما استعجم" للبكري، و"عجائب المخلوقات" للقزويني، و"السيرة" لابن هشام، وغيرها. وكان كل ما حققه من الكتب الضخمة الأساسية. وقد زادت آثارهذا العالم الكبيرعلى المائتين.
               وقد نشر فرايتاغ (Freytag  1861)"ديوان الحماسة"لأبي تمام بشرح التبريزي، وترجمه إلى اللاتينية. ونشر روكرت (Ruckert 1866) "مقامات الحريري" "ومعلقة عمرو بن كلثوم". ونشر فبكهWoepk)) 1864"براهين الجبر والمقابلة"للخيام و"الفخري في الجبر والمقابلة"للكرخي. ونشرفلوجل( (Flugel1870 فهرست "ابن النديم"عمل فيه خمسة وعشرين عاما، وحقق"كشف الظنون"لحاجيخليفة وعمل فيه ثلاثة عشرعاما. ونشر ملر(M.J.Muller)1911 " صورالأقاليم "للاصطخري. ونشر توربكه ( Thorbecke )1890 "درة الغواص "للحريري.
             ونشر الورد(Ahlwardt1909)"الأصمعيات" و"رجز العجاج"والزفيان، وروبة، وديوان"طهان الكلابي"و"الفخري في الآداب السلطانية" لابن الطقطقي.ونشر ليبرت(Lipert 1911) "تاريخ الحكماء" للقفطي. ونشر متز 1917 "حكاية أبي القاسم البغدادي" ونشريان 1917 " شرح المفصل لابن يعيش" ونشر بيكر (Becker ) 1933 "مناقب عمر بن عبد العزيز" لابن الجوزي. ونشر مايرهوف ( Meyerhof) 1933 "شرح أسماء العقار"لموسى بن ميمون، و "العشرمقالات في العين "المنسوب لحنين بن اسحق. ونشر برجستراسر (G.Bergstrase) 1933 وبرتسل 1941 مجموعة نادرة من النصوص القرآنية،ورعيا و معهد أبحاث القرآن في جامعة ميوليخ، لكن هدم هذا المعهد أبحاث وأتلف كل ما فيه، اثناء الحرب العالمية الثانية. وقد نشرا نصوصا قرآنية مهمة جدا. منها "التيسير في القراءات السبع"  فإن هذه الجداول تكثر عند ما نعد.[14]
          ولا بد أن نذكر هنا المكتبة الإسلامية لجمعية المستشرقين الألمانيين التي بدأ بنشرها العلامة الكبير هلموت ريتر 1971 في إستانبول عام 1931، وتبعه في إدارتها الأستاذ البرت ديترش(Dietrich ) والاستاذ فيلد(E.Wild ) .وقد ظهر فيها نصوص قديمة محققة ذات شأن. فقد حقق ريتر الجزء الأول من "الوافي بالوفيات" للصفدي ، ثم تتابع على نشره علماء آخرون . وكتاب "فرق الشيعة "للنوبختي ، وكتاب "أسرارالبلاغة" للجرجاني .
     2 فهرسة المخطوطات العربية
ومن نشاطات المستشرقين الألمانيين وخدماتهم الجلية نحو العربية أن يرتب وينظم الفهرس للمخطوطات العربية القديمة الموجودة في مكتوبات ألمانيا، أو مكتبات العالم أو التنويه بها . وكان كريستمان(J.Christmann ) 1613 أول من وضع فهرسا لمخطوطات عربية اقتناها نبيل ألماني. ولعل أعظم أثر في هذا الميدان يعتبر فخرا للإستشراق الألماني هو فهرس المخطوطات العربية في مكتبة برلين الذي وضعه "الورد"في عشر مجلدات ضخام، وصف فيه ما يقرب من عشرة آلاف مخطوطات. ولقد كان عملا جبارا[15].
                    وهناك عشرات من الفهارس المفردة وضعها آخرون للمخطوطات العربية. فقد وضع "زيبلولد"الجزء الأول من فهرس مخطوطا جامعة توبنجن،ووضع قايسقايلر(Weisweiler)الجزء الثاني منه.ووضع أومير(Aumer1922) فهرس المخطوطات الشرقية في مكتبة جامعة ميونيخ، ووضع فلايشر(Fleischer1888)فهرسا للمخطوطات الشرقية في مكتبة درسدن الوطنية 454مخطوطا. ووضع ثير فهرس المخطوطات في جمعية المستشرقين الألمان، وبروكلمان فهرس المخطوطات الموجودات في مكتبة الدولة في برسلو، وبرنباخ( Berenbach)، فهرس المخطوطات العربية في مكتبة جامعة هايدلبرج، وغير ذلك. ويتابع الأستاذ ذلهايم الآن فهرسة طائفة أخرى من المخطوطات العربية التي لم تفهرس في ألمانية. ووضع الأستاذ "اولمن "فهرسا لمخطوطات الكيمياء العربية في مكتبة شستربتي بدبلن.
                 وقد كتب الأستاذ ريتر(Ritter.  H.) الذي كان يعتبر مرجعا نادرا المثال في المخطوطات العربية – مقالات كثيرة عن مخطوطات إستانبول. منها : مخطوطات تاريخية عربية في مكتبات استانبول لم تطبع بعد. صدرت في كتاب : ما ساهم به المؤرخون العرب (بيروت، 1959) والمخطوطات المكتوبة بخطوط أصحابها( autographs)  في مكتبات تركية ،(صدرت في مجلة Oriens ، عام 1953). والمخطوطات العربية في الأناضول واستامبول. (صدرت في Oriensعام 1949 و1950)، ومخطوطات التفسير في أياصوفيا، (صدرت في مجلة Turkiyat Megmuasi عام 1945)، وغيرها مما كتبه المستشرقون الألمان كثير.
3– الاهتمام بالمعاجم العربية
وكان يعقوب يوليوس (1667) أول من وضع معجما عربيا- لاتينيا. ثم وضع فرايتاغ (1661) معجما مثله، حل محله. وجاء نولدكه فكتب على هوامش نسخته من معجم فرايتاغ الكثير من الإضافات . يمكن أن يكون منها معجم خاص. وقد اهتم جورج كريمر( 1961) باستخراجها، ونشر في عام 1952و 1954كراستين فيهما حرف الألف. وحاول فيشر (1949) أن يضع جذاذات ، بلغت الألوف ، لمعجم اللغة العربية مستند من المصادر القديمة على اختلاف العصور، ليكون معجما تاريخيا يدل على تطور معاني الألفاظ وقد قضى في جمع ذلك ، وبمعاونة بعض تلاميذه، قرابة أربعين عاما . وإذ كان عضوا في مجمع اللغة العربية في القاهرة، فقد حمل إليه بطاقاته، بعد أن أبدى المجمع رغبة في إخراج معجمه. ولم يخرج المجمع إلا كراسة واحدة صغيرة منه.
                 ووضع الأستاذ ثير معجمه العربي الألماني الذي قصره على الألفاظ العربية المستعملة  في عصرنا، في الصحف ومؤلفات الكتاب، مهملا الألفاظ القاموسية أو الأدبية التي ماتت أو لا تستعمل اليوم. وقد قضى في جمعه وقتا طويلا، ونقل إلى الإنكليزية  وأصبح مرجعا لكل مستشرق، وعالم.
 4- الدراسات المختلفة في ميادين الثقافة الإسلامية
وكان من الطبيعي أن يهتم المستشرقون الألمانيون بالدراسات المختلفة في ميادين الثقافة الإسلامية. وهناك دراسات هامة ما تزال مرجعا، رغم مضي زمن على تأليفها، كدراسة رايسكه عن التاريخ الإسلامي وضرورة اعتباره جزءا من التاريخ العالمي، ودراسات "فوك " عن اللغة واللهجات والأساليب، ودور الرواية  والرواة في الإسلام، وشعر القبائل العربية الشمالية في الجاهلية، والنبي محمد انسانا ومؤسسا لدين، وغيرها، ودراسات شاخت في الفقه الإسلامي، ودراسات تشتر عن الفتوة في الإسلام ودراسات"شبولر"عن تاريخ الإسلام في إيران، وجنوب روسيا، وآسية الوسطى، ودراسة"مايرهوف"عن طب العيون في الإسلام. ودراسات"قلهاوزن"عن الأمبراطورية العربية وسقوطها، ودراسات" متز"عن الحضارة العربية في القرن الرابع الهجري، ودراسات "هرزلفلد" الآثارية عن سر من رأى، وسورية، ودراسات باريت عن القرءان وبروانه(W.Braune ) عن الشعر الجاهلي و"كاسكل"( W.Caskel )عن القبائل العربية ودراسات "أولمن"عن الطب في الإسلام ، وغير ذلك.
                ومن المستشرقين الذين تابعوا دراساتهم الإسلامية في مختلف ميادين الثقافة العربية فيهم الأساتذة والدكاترة : شبيتالر(A.spitaler) وديترش(Dietrich) وزلهايم (R.Sellheim) وغاتية (Gatje) بورجل (Ch.Burgel)  وشال) (A.Schallواولمن M.Ulman) )غروتزفلد وقيلد(S.Wild) وديم( W.Diem)وفيشر(W.Fischer) ونوت(Noth) وناجل(Nagel) واندهW.Ende)) وفوكه(H.Vocke) واندرس            (G.Endress)وغرامليش(R.Gramlich) وهلم جرا..[16].
               وقد شاركت النساء الألمانيات في الإستشراق، وشاركن في الدراسات المختلفة. فمنهن عميدة المستشرقات أنا ماري شمل) A.Schimmel ( والسيدات سوسنة فلزر((Wilzer وريراك ياكوبي(R.Jakobi)ومشتيلد بانكه(Mechththild)ودورتيا كراوولسكي (D.Krawulsky) وفيلنت ( (Vielancltوغيرهن. 
 أثر الاستشراق الألماني في دراسة العربية
وسنعرض بإيجاز لأثره في دراسة العربية
الأول : أثره في اتجاهات الدراسات اللغوية
أ. الاتجاه التاريخي:
          وفتح هذا الباب من التأليف كتاب ( العربية : دراسات في اللغة واللهجات والأساليب) ليوهان فوك ، إذ درس العربية في مختلف عصورها ، وتابع تطورها التاريخي في مستوياتها الأربعة ، مستعملا مصادر أدبية ، وجغرافية ، وتاريخية من خارج عصر الإستشهاد . ومن أهم الدراسات المتأثرة به أو التي ألفت على غراره :
1.  مستقبل اللغة العربية المشتركة  ، د . إبراهيم أنيس (1960).
2. دلالة الألفاظ العربية ، د . مراد كامل (1963)
3. في علم اللغة التاريخي (دراسة تطبيقية على عربية العصور الوسطى ) ، د. البدراوي زهران (1979).
4. ملامح من تاريخ اللغة العربية ، د . أحمد نصيف الجنابي (1981)
5. اللهجة المصرية الفاطمية ، عطية سليمان أحمد (1993)
6. علم اللغة العربية ، د. محمود فهمي حجازي .
7. التطور اللغوي في عربية القرون الأولى ، د . رمضان عبد التواب.
            فضلا عما ألهمه من توجيهات لدراسة التراث العربي المتمثل بكتب (لحن العامة )، و(التراث الجغرافي)، والمصادر التاريخية والطبية وغيرها. ومما يؤسف له أن بعض الدارسين المحدثين ممن لا يعوزهم قلة التأليف، لجأوا إلى نقل كثير من فصول كتاب(العربية) بعد تلخيصها، وأخذ كثيرا من آراء يوهان فك واستنتاجاته وشواهده من غير إشارة.
ب. الاتجاه المقارن:
            وتأثر بعض الدارسين المحدثين العرب في هذا الإتجاه من التأليف اللغوي بكتاب فقه اللغات السامية لكارل بروكلمان، منهم :
1. رمضان عبد التواب في كتابيه (المدخل إلى علم اللغة ) و (التطور اللغوي ) وغيرهما. فقد تأثر بمصطلحات بروكلمان الصرفية، ورددها واستعملها كثيرا، وأخذ أمثلة بروكلمان وبعض تعريفاته وتقسيماته من غير إشارة لذلك.
2. خالد إسماعيل علي في كتابه ( فقه لغات العاربة المقارن ). وإن نظرة متفصحة للموضوعات التي عالجها في كتابه ( فقه لغات العاربة المقارن ) نراه يعرض من خلالها للموضوعات نفسها التي عرضها بروكلمان في كتابه ( فقه اللغات السامية ). منها على سبيل المثال موضوع :الضمي، والمشتقات، وأوزان الفعل الثلاثي والمزيد، وأوزان الأسماء، ومقولات الجنس( التذكير والتأنيث )، والعدد (المفرد والمثنى والجمع )، والتعين (التعريف والتنكير)، واسم العدد، ولاحقة الإعراب.
الثاني: أثره في تجديد الدراسات اللغوية
إن ما أحدثه المنجز اللغوي للمستشرقين في أوائل تلقيه، كان متواضعا قياسا إلى أهميته وجدته ؛ لسببين :
 أولهما ، موضوعي، يتمثل في أنه لم يكن تطورا طبيعيا، بل جاء متزامنا مع تأسيس الجامعة المصرية، وحاجتها إلى أساتذة أوربيين يجعلون العلم فيها مزدهرا.
 وثانيهما ذاتي يتمثل في عدم القدرة على تمثل مناهج المستشرقين الألمان وهضمها ؛ لسطوة تراثنا اللغوي، ولمحاذير دينية تتمثل بأفضلية لغة القرآن على لغة الكفار. ولتأكيد أثره في التجديد نعرض مثالين رغبة في الإختصار؛ لأنه يريد لفصول بحثه اللاحقة أن تكشف مزيدا من الأثر والتأثر.
            المثال الأول: ما فتحته محاضرات براجشتراسر (التطور النحوي) من باب أمام التجديد في دراسة العربية، والإفادة من المنهجين المقارن والتاريخي، وأبرز تأثربها كان عند إبراهيم مصطفى في كتابه(إحياء النحو 1937)، وعبد المجيد عابدين في كتابه (المدخل إلى دراسة النحو العربي على ضوء اللغات السامية 1951م ). وربما أراد عبد المجيد عابدين أن يطور محاولة إبراهيم مصطفى التجديدية بإفادته من دراسات المستشرقين على نحو أعمق.
            المثال الثاني: لقد كانت الدراسة الصوتية عند العرب أقرب الدراسات اللغوية إلى الوصفية والملاحظة الذاتية، وأبعدها عن التعليل، ولما أشار المستشرقان الألمانيان براجستراسر وشاده، إلى التطور الصوتي الذي لحق بعض الأصوات العربية، فقد فتحا باب الإهتمام بالوصف الجديد لمخارج لأصوات العربية وصفاتها، سابقين أول محاولة حديثة قام بها إبراهيم أنيس في كتابه (الأصوات اللغوية ) في سنة 1947م في طبعته الأولى.
           ولا يقتصر أثر الإشتشراق الألماني على هذين الإتجاهين فحسب، بل بعث في مصر– تيارا لغويا. فتسيد الدراسات اللغوية في مصر تياران :
الأول – يمثله خريجو جامعة لندن ولا سيما تلامذة فيرث، مثل : إبراهيم أنيس والجيل الذي تلاه، مثل : تمام حسان، ومحمود السعران، وكمال بشر، وعبد الرحمن أيوب، واهتم هذا التيار بالتأليف بمنهج وصفي، فأشاعوا إعادة توصيف العربية على وفقه، وترجموا مؤلفات مهمة في في علم اللغة الوصفي. إنما كتبه تمام حسان – خريج جامعة لندن – قد خص المنهج الوصفي بكتابين نظريين، وآخر تطبيقي.
            الثاني: يمثله خريجو جامعات ألمانيا ولا سيما المهتمة منها بالدراسات الإستشراقية، ولا سيما تلامذة المستشرقين الألمان مثل: عبد الحليم النجار، ومراد كامل، والسيد يعقوب بكر، ورمضان عبد التواب، ومحمود فهمي حجازي وغيرهم، واهتم هذا التيار بتأليف على وفق مناهج المستشرقين الألمان، فأشاعوا المنهجين التاريخي والمقارن أكثر من سواهما. واهتموا أيضا بالتراث تحقيقا ونشرا، وبترجمة أهم دراسات المستشرقين الألمان، وفي هذا الجانب نرى كثيرا من التصريحات في كتاب البحث اللغوي في دراسات المستشرقين الألمان لعبد الحسن عباس حسن الجمل الزويني[17].
حضورهم في جامعة القاهرة
           فيما أظن أن هذه المقالة لا تتم إلا بإشارة توضح وتفتح أعيننا إلى حضور المستشرقين الألمانيين في جامعة القاهرة. ومن أعلامه خاصة: برجتراس1886-1933م(Bergstrasser) إنو ليتمان (E Littman) جوزيف شاخت( Joseph Schart ). وفى أواخر الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات من القرن العشرين كان من الوافدين اليهود على القاهرة الفارين من النازية الألمانية: بول كراوس( Paul Kraus )وماكس مايرهوف ( Max Meyerhof) وكانت لهما عناية بالفلسفة والعلوم الإسلامية. وعين إلى جانب هؤلاء فى مجمعى اللغة العربية بالقاهرة ودمشق: كل من هارتمان ( Hartmann) أوجست فيشر (August Fisher) وكارل بروكلمان( Carl Brockelmann ) وهلموت ريتر( Hellmut Ritter). وقد تولى المستشرق الألمانى فيلهيلم شبتا ( W.Spitta ) سنة 1875م إدارة دار الكتب المصرية  وفهرس مخطوطاتها فى نحو أربعين صفحة.
            ومن زبدة القول إن الإستشراق كفكرة عالمية لعبت دورا هاما في تطوير البحث اللغوي وتنقيح المخطوطات وإعداد الفهارس واهتمامه بالقديم والتركيز على دراسة التراث الإسلامي الفائق بلبه وقشره. سيما جانب الإستشراق الألماني لأن تضحيته العلمية خير شاهد على ذلك. ومن اللازم قبل أن نتهمهم بسهام حادة أن نعترفها بكل معناها ويكافح عنها بأسلحة علمية وفكرة ناضجة ونشاطات أكادمية جادة تغلب عليهم أجيالنا الناشئة بمباحث ودراسات جامعية. والله المستعان وإليه التفويض...                            
المراجع:
·      إدوارد سعيد ، الاستشراق ، ترجمة كمال أبو ديب –  مؤسسة الأبحاث العربية ، بيروت 1981م
·      أحمد حسن الزيات ، تاريخ الأدب العربي ، طبعه دار النهضة
·      د. أحمد سمايلوفبش ، فلسفة الإستشراق وأثرها في الأدب العربي المعاصر
·      نجيب العقيقي ، المستشرقون ،
·      عدنان محمد وزان ، الإستشراق والمستشرقون :– سلسة دعوة الحق ، 1984
·      ميشال جحا، الدراسات العربية والإسلامية في أوربا ، طبعة 1، بيروت ، معهد الإنماء العربي، 1982
·      عبد الرحمن بدوي ، موسوعة المستشرقيين.
·      رودي بارت، الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية (المستشرقون الألمان منذ نولدكه) 1901 



[1] إدوارد سعيد ، الاستشراق ص 39، ترجمة كمال أبو ديب –  مؤسسة الأبحاث العربية ، بيروت 1981م
[2] كان أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بكلية الدراسات الإسلامية ، سرايبمو ( يوغسلافيا) ورئيس المشيخة الإسلامية لجمهوريات البوسنة والهرسك وكرواتيا وسلوقينيا يوغسلافيا.
[3] أديب مصري ولد سنة 1889، ألف عديدا من الكتب أهمها دفاع عن البلاغة ، في أصول الأدب ، تاريخ الأدب العربي .
[4] أحمد حسن الزيات ، تاريخ الأدب العربي ، ص 512 طبعه دار النهضة
[5] هو مستشرق ألماني ، ولد عام 1901 ،  درس في جامعة توبنجن ، كان اهتمامه في البداية بالأدب الشعبي، ولكنه تحول إلى الإهتمام باللغة العربية والدراسات القرآنية .
[6] د. أحمد سمايلوفبش ، فلسفة الاستشراق وأثرها في الأدب العربي المعاصر ص :23
[7] نجيب العقيقي ، المستشرقون ، ج 1 ص 124 ط 4 ، عدنان محمد وزان ، الاستشراق والمستشرقون :– سلسلة دعوة الحق ، 1984 ص 107
[8] ميشال جحا، الدراسات العربية والإسلامية في أوربا ، طبعة 1، بيروت ، معهد الإنماء العربي ، 1982 ص 185
[9]ميشال جحا ، الدراسات العربية والإسلامية في أوربا ، ،186. نجيب العقيقي ،  المستشرقون : 2- 341
[10] ميشال جحا ، الدراسات العربية والإسلامية في أوربا ، 190
[11]عبد الرحمن بدوي ، موسوعة المستشرقيين ، ص : 310
[12]  رودي بارت ، الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية (المستشرقون الألمان منذ نولدكه) 1901 
[13] رودي بارت ، الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية (المستشرقون الألمان منذ نولدكه) ص 20 . ميشال جحا ،الدراسات العربية والإسلامية في أوربا - 187
[14] صلاح الدين المنجد ، المستشرقون الألمان ...تراجمهم وما أسهموا به في الدراسات العربية ، ص:8
[15] المرجع نفسه ص 10
[16] أنظر للتفاصيل صلاح الدين المنجد ، المستشرقون الألمان....تراجمهم وما أسهموا به في الدراسات العربية ، ص :12
[17]  أنظر للتفاصيل ص 35 .

مواضيع ذات صلة
التاريخ الأسلامي, دراسات,

إرسال تعليق

0 تعليقات