ادعمنا بالإعجاب

فقيد العلم والأدب السيد عبد الرحمن العيدروسي الأزهري ( المليباري)

إن مما لا شك فيه أن أرض مليبار أنجبت كثيرا من نوابغ العلماء الراسخين الذين مارسوا الحياة العلمية والأدبية باللغة العربية الفصحى بعد إتقانها واتخذوها لغة العلم والتعبير، منهم فقيد العلم والأدب الأستاذ الكبير السيد عبد الرحمن العيدروسي الأزهري الذي انتقل إلى رحمة الله ليلة يوم الأحد في العاشر من شهر صفر عام 1437هـ الموافق لـ 22/11/2015م عن عمر يناهز 93 عاما بعد حياة حافلة مزدهرة بالعلم والتقوى موقوفة لخدمة الإسلام والمسلمين "يا أيها النفس المطمئنة، ارجعي إلى ربك راضية مرضية، فادخلي في عبادي وادخلي جنّتي" تغمده الله بعفوه وغفرانه وحفّ روحه بروحه وريحانه.
وكان السيد الأزهري رحمه الله من أبرز علماء الهند في العصر الحديث ورئيس جمعية العلماء لعموم كيرالا (سامستا) وصاحب التصنيفات القيمة والمحاضرات النافعة في الدراسات الإسلامية والعلوم العربية والأدب العربي والتاريخ الإسلامي فضلا عن القضايا المعاصرة. فقد بموته شخصية جامعة أشتات العلوم تعرفه العرب والعجم وتأوي إليه العلماء والعوام فيما يهمهم من حل الغوامض وكشف الهموم، وكان مشهورا في العالم العربي أكثر من شهرته في بلده ومسقط رأسه حيث قضى سنين عديدة في البلاد الإسلامية مدرسا ومحاضرا تتلمذ منه خلالها كثير من رؤساء البلاد العربية وحكامها، وطبعت مؤلفاته ونشرت على نفقة العرب، ولا عجب في تفوّقه ومهارته علميا وثقافيا لأنه ولد في أسرة منتمية إلى العلم والتقوى وقرأ على أبرز العلماء في العالم الإسلامي.

أسرته ونشأته
ولد السيد الأزهري رحمه الله في 10/5/1922م ابنا للسيد محمد كوتشو كويا (Kochukoya) العيدروسي والسيدة فاطمة الزهراء في قرية مرتم كود (Marathamkod) قريبا من مدينة كونام كولام (Kunnamkulam) مقاطعة ترشور جنوب الهند. ينتمي السيد الأزهري إلى أسرة كريمة من قبيلة العيدروس المشهور بين الناس من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأبوه محمد كوتشوكويا كان عالما ماهرا خريجا من كلية الباقيات الصالحات، وهو أول عالم من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل شهادة الباقوي من أهل كيرالا.
انتقل جده الخامس السيد عبد الرحمن وعائلته من موطنه بتريم اليمن إلى عدن ثم إلى مليبار، جنوب الهند أيام الحاكم السلطان الشهيد تيبو وقام بأعباء الدعوة في أرجاء مليبار بعون من السلطان المذكور. يقول السيد الأزهري حول قدوم جده الأعلى: "انتقل في تلك الفترة إلى مليبار في السادة الحضارمة الجد الأعلى لراقم هذه الرسالة وجدّ السادة العيدروسيين في مليبار في الأغلب السيد عبد الرحمن العيدروسي وأقام في مدينة فنان من مدن مليبار وتوفي فيها عام 1164هـ في أحفاد السيد القطب عبد الله العيدروسي الشهير المتوفى والمدفون بتريم عام 865هـ ابن أبي بكر السكران المتوفى بتريم عام 821هـ ابن عبد الرحمن السقاف المتوفى بتريم عام 819هـ ابن مولى الدويله المتوفى عام 865هـ ابن علي ابن علوي ابن الفقيه المقدم المتوفى عام 653هـ (من نوابغ علماء مليبار ص 24)
شبّ السيد الأزهري وترعرع في جوّ علمي خالص وبيئة دينية هادئة حيث كان والده السيد محمد العيدروسي عالما مشهورا يقوم بمهمة التدريس في حلقات الدروس وأسرته أسرة غامرة بالعز والاحترام والتربية الطيبة فكان من الطبيعي ان يكمل السيد الأزهري مراحل تعليمية وتربوية بأحسن الآداب وأطيب الأخلاق منذ نعومة أظفاره.
رحلاته العلمية
إن من توفيق الله وعنايته للسيد الأزهري أنه كان مولعا بالعلوم النافعة ومعتكفا عليها منذ صغره ابتداء من كتّاب قريته حتى تخرج من جامعة الأزهر الشريف بمصر. أكمل دراسته في العلوم الدينية وآلاتها عن كبار المشايخ البارزين في حلقات الدروس الجارية في مساجد مليبار ومن مشايخه والده السيد محمد العيدروسي والشيخ محيي الدين كوتي مسليار كيجيري والشيخ محمد مسليار كرنغفارا. وبعد فراغه من دراسته حسب المنهج النظامي المقرر في دروس المساجد التحق للدراسات العليا بالباقيات الصالحات المقر العلمي الشهير من جنوب الهند وكان الشيخ العلامة شمس العلماء أبو بكر مسليار من مشايخه في الباقيات. ومن زملائه هناك الشيخ ك.سي جمال الدين مسليار والسيد عبد الرحمن البخاري والشيخ محمد مسليار أرفرا رحمهم الله.

ولما تخرّج منها عام 1950م اشتغل مدرسا وداعيا في جامع تلاكاداتور خمس سنوات وخلال تدريسه في الجامع المذكور ارتحل إلى دار العلوم بديوبند، شمال الهند للتزود من مشايخها الأجلاء حسب إشارة الشيخ ميران كوتي مسليار كيفتا الذي كان مدرسا في فنمندم ونال منها الشهادات في علوم التفسير والحديث والفلسفة الإسلامية والأدب العربي. ولكنه لم يكتف بهذه الشهادات والتأهيلات بل اشتاق قلبه للتروّي من مناهل الأزهر الشريف فسافر إلى مصر والتحق بالأزهر. شجّعه لهذه الفكرة النيرة اثناء تدريسه زميله من الباقيات الصالحات العالم الفاضل محيي الدين الألوائي الأزهري تلقى العلوم في شتى الفنون حتى صار متبحّرا وعالما نحريرا في الدراسات الإسلامية والعلوم العربية بحيث يفوق أقرانه وأترابه.
يقول السيد الأزهري رحمه الله حول حياته العلمية بعد تخرجه من الأزهر الشريف: "حصلت على الشهادة العالمية من كلية أصول الدين مع تخصص الدعوة والإرشاد واكتفيت بهذه الشهادة التي تعتبر شهادة أستاذية....... مع الحصول أيضا على شهادة من كلية جامعة القاهرة كلية الآداب قسم اللغة العربية وبعد دراسة وافية من معهد الدراسات الإسلامية الذي أسسه نخبة من العلماء الكبار المصريين المتخصصين في مكان روضه النيل ومن كلية تابعة لجامعة الدول العربية ومع تخصص التدريس التابع لكلية اللغة العربية الأزهرية تمنيت أن أشتغل في البلاد العربية حتى أتمرس أساليب التدريس في البلاد العربية..... ومع ذلك سجّلت اسمي في قسم الدكتوراه" (من نوابغ علماء مليبار ص 108)
إثر تخرجه وفقه الله تعالى أن يكون مدرسا في المعهد الديني التابع لكلية اللغة العربية التي أنشأت في ليبيا ضمن جامعة السيد محمد بن علي السنوسي لمدة سنتين ثم اشتاق أن يكون اشتغاله بالعلوم في الأراضي المقدسة لسهولة اعمال المناسك والزيارة. قبلت وزارة التعليم السعودية طلبه الذي قدّمه إليها حينما أدّى أعمال المناسك أيام شغله في ليبيا. فعين مدرسا في معهد المعلمين بمنطقة وادي الدواسر واستمر هناك لمدة خمس سنوات ثم نقل إلى منطقة قريبة من مكة المكرمة قرية خليص اشتغل هناك مدرسا لمدة ست عشرة سنة متوالية حتى وصل إلى سن التقاعد عام 1986م.
نشاطاته العلمية والدعوية في كيرالا
تولى منصب التدريس في جامع تلاكاداتور واجتمع حوله مئات من الطلبة إثر تخرجه من الباقيات الصالحات كما مرت الإشارة إليه ثم لما عاد إلى بلده بعد التقاعد من السعودية شد بكاهله مسئولية بعض المؤسسات الإسلامية والهيئات الدينية في كيرالا، منها رئاسة مجمع مالك بن دينار الإسلامي في مقاطعة ترشور ورئاسة جمعية العلماء لعموم كيرالا وعمادة الجامعة النورية الإسلامية والعربية (وفقني الله تعالى مع أربعة زملائي أن أرافق السيد الأزهري والشيخ على كوتي مسليار إلى سفارة جمهورية مصر العربية بدلهي وذلك لإجراء الملاقاة مع سفير مصر لدى الهند للالتحاق بالدورة للائمة والوعاظ الجارية في الأزهر الشريف. أتيحت لنا الفرصة للمشاركة في تلك الدورة بسعيه وبسعي الشيخ علي كوتي مسليار العميد الحالي للجامعة)
وكان السيد الأزهري عضوا في مجلس المشاورة الذي هو المجلس الأعلى لجمعية العلماء لعموم كيرالا منذ عام 1952م وتولّى رئاستها بعد وفاة الشيخ ك.ك أبوبكر حضرة رحمه الله عام 1995م ثم لاسباب صحية ترك التدريس والبرامج الخارجية ولزم البيت في آخر عمره ولكن ما زال يشتغل بالعلم حتى وافاه الأجل المحتوم.
وكان فضيلة السيد المرحوم مجمع الأوصاف الحسنة تقيا نقيا ورعا لا يخاف في الله لومة لائم وما كان التصوف وتزكية النفس عنده كلمات تذكر فقط بل كان متعظا بما يعظ وكان مكرما بإجازات السادات الفضلاء والمشايخ العظام في السلوك والطرق المستقيمة وكان مستجاب الدعوة وموفقا لاداء المناسك مرارا يوقره جميع الناس مع اختلاف أحزابهم ودياناتهم وجدير بالذكر أنه كان يمتلك اكبر مكتبة شخصية في كيرالا يشتمل على كتب قيمة جمعها حين كان يعمل في البلاد العربية تدل على مهارته وعبقريته وشغفه بالعلوم وكتبها.
وله يد طولى في مجال التصنيف في اللغة العربية الفصحى من أهمها العرب والعربية، كتاب النحو وتطوراته،ومن نوابغ علماء مليبار الشيخ ميران كوتي مسليار، موجز تاريخ الأدب العربي، الدعوة الإسلامية في مليبار، التصوف الصحيح والمتصوّفة، النشاط الديني في الهند، تاريخ الشيخ مالك بن دينار الذي نشر الإسلام في الهند، قصة ملك مليبار الذي اعتنق الإسلام، مختصر حياة شمس العلماء وغير ذلك منها مطبوعة وغير مطبوعة إضافة إلى ما كتب من المقالات والقصائد الكثيرة في مناسبات شتى.
ترك خلفه زوجة وخمسة بنين وخمس بنات، تغمده الله بوابل رحمته وأدخله في فسيح جنته ونفعنا بعلومه وجمعنا معه في دار كرامته آمين





مواضيع ذات صلة
أدب كيرالا, أعلام كيرلا, الأعلام،, دراسات, كيرالا,

إرسال تعليق

0 تعليقات