ادعمنا بالإعجاب

صراع الهوية في شبه القارة الهندية ..- درس جديد قديم -


مجلـة الـرائــد ، العدد رقـم 180 ، محرم 1417 ، حزيران / يونيو  1996م
متولي موسى
الإنسان الحيّ هو الذي يتعظ ويعتبر من دروس التاريخ ، وخاصة إذا عرف سنن التغيير في الأنفس والمجتمعات ، وقد لفت الخالق سبحانه عباده إلى هذه السنن ، التي على أساسها ترتفع الأقوام أو تنخفض .. ونحن معشر المسلمين أكثر الناس مطالبة بمعرفة هذه السنن ، وكذلك لا بد لنا من إدراك سنة الله عزَّ وجلَّ في مكافأة المصلح ومعاقبة المسيء ، حتى نتمتع بنعمة السعادة في الدنيا ورضوان الله تعالى في الآخرة ، ولا بد لي من إِعطاء درس عملي يتمثل في صراع الهوية في شبه القارة الهندية -علماً بأن الدرس هو نفسه الذي وجد في فلسطين والذي نراه الآن في البوسنة والهرسك والشيشان .. إلخ- والله أسأل أن يرزقنا من خلال هذا الدرس الفهم والإعداد للمستقبل ..


أولاً : الأمم التي تعي سنن التغيير أمم حيّة
قال تعالى : ) قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ % هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ( [آل عمران : 137-138] . وفي ذلك بيان لضرورة استيعاب سنن هلاك الحضارات وانقراضها ، والاستفادة من دروس التاريخ حتى تتجنب الأمم والشعوب مزالق التيه والضياع وفقدان الهوية .. إنّ الدارس لسورة هود وحدها يمكنه أن يتعرّفَ إلى أسباب انهيار عدد من الحضارات التاريخية .. والتي كان القاسم المشترك في انهيارها هو انحرافها عن منهج الله تعالى ..
فإذا اعتبرنا التاريخ هو ذاكرة الأمم ، ورصيدها الفاعل في معرفة السنن -إذا وجد الفهم والإدراك- فلا بد لنا معشر المسلمين أن نفهم قول الله تعالى : ) ... وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ ( [الأنفال : 38] أي : وإن يعودوا لأعمالهم الفاسدة ، الناشئة عن تصوراتهم واعتقاداتهم المنحرفة ، فقد مضت سنة الله تعالى في نزول العقاب على أمثال هؤلاء ، ومن لا يتذكر دروس الماضي ولا يأخذ منها العبرة ، فليكن مستعداً لتحمل النتائج في الدنيا بذهاب الريح والتعرض للإهانة والعذاب والتشريد والقتل .. أما الآخرة فلا يملك فيها إلا أن يقول قول الذين نقل الله تعالى لنا أخبارهم : ) ... لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ( [الملك : 10] .
سيقول قائل : إنّ قوى الشر هي التي تتآمر على المسلمين في كل مكان .. وهذا حقّ لا مرية فيه ، ولكن ماذا فعل المسلمون لمواجهة هذه القوى المتكتلة المتآمرة ؟ هل اجتمع المسلمون واعتصموا بحبل الله تعالى كما أمرهم ؟ هل أعد المسلمون ما استطاعوا من قوة لإرهاب عدوهم ، وأخذوا حذرهم كما طلب منهم ربهم ؟ هل انتهى المسلمون عن التنازع ، الذي هو سبب الفشل وذهاب الريح ، وتعاونوا على البر والتقوى كما طالبهم شرعهم ؟ .. وغير ذلك من الأسئلة بنعم ، فاعلم أنه لا يمكن لقوى الأرض أن تقهر المسلمين ، وأما إذا كان الإجابة بالنفي -وهذا هو الواقع- فلا تستغرب ما يحل بهم !!
نعم ، بَثّتْ أنظمة معادية للإسلام أفكاراً منحرفة ، وأثارت نعرات العصبية القومية والوطنية ، ونشرت الحركات والأنظمة الإلحادية -المضادة للإسلام والحاقدة عليه- سمومها ، وعملت على تشكيك عامة المسلمين بمعتقداتهم ، فعصفت الأفكار المادية والفلسفات الإلحادية بأدمغة كثير من المسلمين ، فانتشرت العقائد النفعية والمصلحية ، وتملك حب الدنيا من القلوب ، فضاعت الشخصية الإسلاميّة وفقد كثير من المجتمعات الإسلاميّة الهوية -كما هو الحال مع مسلمي الهند- ، وتقطعت الأمة الإسلاميّة الواحدة إلى قوميات ووطنيات ، وارتفعت ألوية الفساد ، وتعددت أساليب ووسائل تجفيف الينابيع الإسلاميّة .. وسأحاول في هذا الدرس من القارة الهندية بيان كيف تحققت السنة الماضية في حياة أبنائها -كما بين الخالق سبحانه- ؟! ولم يعد المجتمع المسلم في الهند- والذي لا يجد نصرة من إخوانه المسلمين في العالم- قادراً على مواجهة الهندوس الذين يعملون على استئصال شأفة الإسلام !!
ثانياً : إرهاصات ظهور أسباب ووسائل إخراج المسلمين من الهند !
بدأت فتوح المسلمين في الهند -التي كان الإسلام قد دخل إليها على يد التجار- بقيادة محمود الغزنوي سنة 390 ، وأخذت الفتوحات الإسلاميّة في الاتساع إلى أن أصبح الدين الحاكم فيها لأكثر من سبعة قرون ، وبدأت عمليات الاضطهاد والإذلال للمسلمين في الهند عندما تعاون الاستعمار البريطاني مع الهندوس وإليك صورة من هذه الصور ؛ وهي ما قامت به بريطانيا عندما باعت ولاية كشمير لأسرة (الدوغرا) بمبلغ زهيد يصل إلى سبعة ملايين ونصف المليون روبية ، وذلك لمدة مائة سنة : من سنة 1846 إلى 1946م تحت اسم اتفاقية (أمريتسار) فعاش المسلمون في هذه الفترة حياة الظلم والفزع ، وتسلط عليهم الهندوس يذبحون ويقتلون لأتفه الأسباب ، والويل للمسلم الذي يذبح بقرة ، فقد كانت الأحكام الموجودة تسمح بإعدامه إلى أن خفف الحكم عام 1934م إلى السجن عشر سنوات .. ومع هذا الجور والخسف فكر كثير من المسلمين في الهروب .. وخاصة إذا أُجبروا على السجود للأصنام .. وعندما كانت تجمعات من المسلمين تخرج للتعبير عن سخطها وتذمرها ، كانت قوات الجيش البريطاني تنـزل إلى الشوارع وتقف إلى جانب الحاكم الظالم بإيذاء وتشريد المسلمين ..
وفي 14 آب/أغسطس سنة 1947م صدر قرار تقسيم الهند إلى هندوستان وباكستان ، وكانت إمارة حيدر أباد -دكن- المسلمة مستقلة ، أي لها حق البقاء كإمارة مستقلة أو الاختيار بين الانضمام إلى هندوستان أو باكستان ، وكانت هذه الإمارة غنية -بل أغنى مقاطعات القارة الهندية- ولها مقومات البقاء كدولة مستقلة ، يصل عدد سكانها آنذاك 30 مليون نسمة ، فلما قررت هذه الإمارة أن تكون مستقلة وفق ما قضت به اتفاقية تقسيم القارة الهندية ، اقتحمت الجيوش الهندية -بقيادة الهندوس- إمارة حيدر أباد واستولت عليها وضمتها إلى هندوستان ، ولم يقف إلى جوار المسلمين أحد ، لا من إخوانهم المسلمين في العالم ولا من المؤسسات العالمية الموجودة .. ومثل ذلك تم فعله مع إمارة (جوناكده) ، التي كان من حقها أن تنضم إلى باكستان فقط دون سواها ، لأنها قطعة منها ، وأهلها مسلمون يرغبون بالانضمام إلى باكستان ، ولما اعتدت عليها هندوستان وانتزعتها من باكستان وضمتها إليها ، أيضاً لم يقف أحد إلى جوار الحق ، ولم يقم المسلمون بنصرة إخوانهم كما يقضي بذلك شرع ربهم ! ثم اعتدت الجيوش الهندوستانية على إمارة كشمير المسلمة ، فلقيت مقاومة من أهلها ، ولكنها تمكنت من احتلال أجزاء منها ، تصل إلى أكثر من نصفها -ولما صدر قرار الأمم المتحدة سنة 1948م والذي يقضي بإعطاء الشعب الكشميري الحق في تقرير مصيره ، ظلت هندوستان تماطل حتى سنة 1956م ثم قررت رفضها لهذا القرار واعتبرت كشمير جزءاً من هندوستان ولا زالت مقاومة الشعب الكشميري لقوات الاحتلال حتى تاريخه .. ومرة ثالثة لا يقف المسلمون موقف النصرة لإخوانهم .. بل ربما كان موقف بعض المسلمين هو موقف الدعم للهندوس الذي يعيثون في الهند وكشمير فساداً ، يقتلون ويذبحون في المسلمين ولا رادع لهم ولا مانع .. !!
ثم استمرت أعمال المضايقات للمسلمين في المناطق التي أصبحت تحت سيطرة هندوستان ، والتي تصل إلى هدم المساجد وفرض طقوس شركية على المسلمين ، والإذلال والعذاب ، مما جعل كثيراً من المسلمين يختارون بين الهروب والفرار بدينهم إلى باكستان أو غيرها ، أو أن يتركوا الدين الإسلاميّ .. !! وفي سنة 1972م اعتدت هندوستان على باكستان -التي كانت تمثل تكتلاً إسلامياً ضخماً- فجعلتها دولتين ، القسم الشرقي الذي أصبح يعرف باسم (بنغلادش) والآخر الذي ظل يحمل اسم باكستان ، ومرة رابعة لم يجد المسلمون المضطهدون والمحارَبون نصرة من إخوانهم المسلمين أو من المؤسسات العالمية والدولية التي كانت تحمل لواء (حقوق الإنسان) بشدة في هذا الزمان ومن المؤسف أن عدداً من الزعماء العرب آنذاك كانوا على علاقة حميمة مع الزعيم الهندي جواهر لال نهرو .. ورفعوا معه شعار (دول عدم الانحياز) !!
ثالثاً : ظهور أطماع الهندوس والتعبير عنها
لقد أخذت مطامع الهندوس صوراً واضحة وصدرت كتابات تعبر عنها منها كتاب (Passive Voices) للكاتب الهندي (K. I. Ganaba) والذي صدر سنة 1973م ، والذي ذكر فيه أن الهندوس يريدون وطناً تمتد حدوده من نهر الفرات في العراق إلى نهر (الميكونغ) في فيتنام ، ويدخل في هذا الوطن كل بلد يبدأ اسمه بلفظ (هندو) أو (أندو) ، مثل الهند الصينية وأندونيسيا ، التي يقولون بأن أصلها هندو آسيا ثم أصبحت مع الزمن إندونيسيا . وقبل فترة قصيرة نشرت بعض وسائل الإعلام أن : حكماء هندوس قد اجتمعوا وأعلنوا بعض قراراتهم الخطيرة ، والتي كان منها :
1-          دعم الحزب الهندوسي في الهند حتى يصل إلى الحكم ، وعندها يتمم مخطط القضاء على المسلمين في الهند ، وقاموا بوضع مخطط لهدم 50 (خمسين) مسجداً ، وقد بدأ الهدم فعلاً بالمسجد البابري الكبير .
2-           العمل على زيادة العمالة الهندوسية في شبه الجزيرة العربيّة حتى يصبح للهندوس أغلبية عددية قبل سنة 2020م .
وهكذا أصبح واضحاً لكل صاحب عقل مخطط الهندوس تجاه المسلمين في الهند وخارجها ، والوسائل المستخدمة لتحقيق الأهداف واضحة كل الوضوح ، سواء كانت اقتصادية أم عسكرية أم سياسية ، والتعاون والتعاضد بل والدعم المباشر لهذه المخططات من قبل قوى الاستكبار العالمية . ومن قبل القوميات والحركات التي لها نفس الأهداف مثل الصهيونية والكيان الصهيوني والصرب والروس واضح ولا يحتاج إلى تسويغ .. ولكن الذي لا يمكن أن يقبل العقل له تسويغاً موقف أمريكا -التي يزعم العرب أنها صديقة- وبعض الدول الأوروبية .. وخاصة في هذا الموقف العجيب من السماح للهند بامتلاك الأسلحة الذرية والسماح لها بصناعة صواريخ بعيدة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية في الوقت الذي يتم فيه التشديد على باكستان وعدم السماح لها بصناعة أسلحة تقليدية (أي لا يسمح بصناعة أسلحة كيماوية أو ذرية أو جرثومية) ، فضلاً عن عدم السماح لها بامتلاك صواريخ بعيدة المدى !! .
وأخيراً وقبل أيام انتهت الانتخابات في الهند بفوز الحزب الهندوسي بعدد من المقاعد ، إن لم يمكنه من تشكيل حكومة هذه المرة فإنه سوف يكون قادراً في القريب العاجل على تشكيل الحكومة ، لأنه يكتسب أصوات الشعب باستمرار ، وعندها ماذا يمكن أن يقال أو يُفعل ؟! إنّ الهندوس بدون الوجود في السلطة يفعلون ما يريدون ، فكيف إذا تمكنوا من السلطة ؟
إنّ الصراع القائم منذ قرون هو صراع هوية ومنطلقات مندفع في طريق التنامي على الزمن متمثلاً في إشاعة الانهزام النفسي ثم التشكيك في العقيدة ثم التمكين السياسي ، وهذا الصراع لن يقف عند حدود القارة الهندية ولكنه يستشري على الزمن! فالذي يدرس ما حدث في فلسطين سيجد أن الأمر قد مر بهذه المراحل : الانهزام النفسي ، ثم التشكيك في الإسلام والعروبة ، وأخيراً تمّ التمكين السياسي للكيان الصهيوني والاعتراف به من قبل العرب والمسلمين ، ولكن يجب أن يكون معلوماً أن الأطماع لن تقف عند هذا الحد .. كما أن الذي حدث في البوسنة والهرسك قد حدث بعد الاستفادة من التجارب السابقة مما جعلته يصل في مرحلة وجيزة إلى التمكين لكيان سياسي صربي في البوسنة والهرسك !!
رابعاً : هل كانت هذه الأمور خافية على من يجب أن يعلمها ؟
قد يقول قائل : الآن ظهرت هذه الأمور ، وكانت خافية من قبل على الحكام والمحكومين ، ولذلك لم يكن بالإمكان الاحتياط لمواجهتها .. فماذا يمكن فعله للمستقبل ؟
أما الادعاء فإنني أرده من وجوه ، والإجابة عن السؤال سأعرج إليها إن شاء الله تعالى بعد الإشارة إلى الوجوه المذكورة باختصار :
§ إنني أعتقد أن الأمر كان معلوماً للدلالات الآتية :
1-        في مذكرات الأستاذ أحمد الشقيري -رئيس منظمة التحرير الفلسطينية سابقاً والزعيم الفلسطيني المعروف - إشارات هامة ، فعند حديثه عن الضغوط الخارجية والداخلية التي رافقت انعقاد أول مؤتمر أفرو آسيوي عقد في مدينة باندونج في إندونيسيا قال : (إنّ رئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو اقترح إشراك (دولة إسرائيل) بهذا المؤتمر معتمداً في تقديم اقتراحه هذا على القول بأن (إسرائيل) دولة معترف بها من قبل الأمم المتحدة ، وأنها مرتبطة بعلاقات دبلوماسية مع عدد من البلاد الأفريقية والآسيوية ، هذا بالإضافة إلى أنها تقع في غرب آسيا ، ولذا فإنه من الفائدة أن تشترك في مؤتمر يعقده الأفرو-آسيويون ، وبذلك تستطيع أن تتفاوض مباشرة مع البلاد العربيّة بمختلف الأمور المتنازع عليها) .
ثم تحدث الأستاذ الشقيري في المؤتمر الذي كانت تشارك فيه معظم الدول العربيّة عن أهمية القضية الفلسطينية ، وأصرَّ على ضرورة مناقشتها مهما كان الثمن ، فما كان من نهرو ، الذي يُقال أنه : بطل عظيم من أبطال الحرية والسلام والعدل ، ما كان منه إلا أن هبّ غاضباً وقال : إنها لجرأة من قبل العرب أن يناقشوا القضية الفلسطينية في هذا المؤتمر الذي لم تدع (إسرائيل) إليه! أو ليس وجود (إسرائيل) في غرب آسيا حقيقة ؟ أفلا يكفي أنها لم تدع إلى المؤتمر ؟ واستمر نهرو في كلامه على هذا النمط السخيف حيناً من الوقت)(1) .. ومن هذا النقل يتبين أن صراع الهوية ومنطلقاته -بل أكاد أقول ومراحله- كان معلوماً للقادة والمسؤولين من زمن طويل ..
2-        إذا لم يكن لدينا سبيلاً للمعرفة إلا الوحي لكفى إذ يقول الله تعالى لنا فيه : ) وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ( [البقرة : 120] .
كما يلفتنا إلى ضرورة الاستفادة من التجارب بعد معرفة السنن في قوله تباركت أسماؤه : ) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُورًا % اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً % أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ( [فاطر : 42-44] .
وبين سبحانه أنه قادر على نصر المستضعفين إذا تمسكوا بالحق واعتمدوا على رب العالمين وأخذوا بالأسباب فقال عزَّ وجلَّ : ) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ % وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ ...  ( [القصص : 5-6] .
ولكننا أيضاً لم نستفد مما جاء في الوحي وتركناه خلف ظهورنا .. !
3-        بل إنّ المستقرئ لواقع الحكام والشعوب في البلاد الإسلاميّة قد يصل إلى نتيجة مؤداها أن كثيراً منا كانوا يعملون لخدمة أعداء الإسلام والمسلمين ، أي إنّ منا أعداء لأنفسهم وإخوانهم . فبعد جلاء الاستعمار العسكري من بلاد المسلمين ، كانت الشعوب تعتقد أن الهوية الإسلاميّة هي التي ستسود وتحكم ، ولكن واقع المسار السياسي والثقافي ، بل والاجتماعي ، الذي فرض على البلاد والعباد منذ الاستقلال وحتى الآن لم يكن صادراً عن الإسلام الحق كما أنزله الله تعالى !! فقد أعلنت الأنظمة ظاهراً ومن خلال الدستور أن الهوية الإسلاميّة هي التي ستسود ، ولكن واقعياً كان التهميش للإسلام والمؤسسات الإسلاميّة ، وكانت محاولات تجفيف الينابيع الدينية وقهر الشعوب ..
ثم تمكنت الأنظمة القهرية من تطبيق إجراءات تفكيك الهوية الإسلاميّة للشعوب . ولما ظهرت حركات المدّ الإسلامي المناهضة لهذه السياسات ، قهرتها الأنظمة بالقوة التي ولدت عنفاً عند الشعوب ، وانتشرت أعمال العنف والعنف المضاد في كثير من بلاد المسلمين ، والذي تجدر الإشارة إليه هنا أن التجارب دلت على أن : الاعتداء على عقيدة الشعوب المسلمة وضمائر أبنائها يوقظ دوافع الدفاع عن النفس والحفاظ على الكرامة .. فلا يجوز أبداً الاستمرار في كبت الشعوب والضغط عليها للانسلاخ عن دينها وفقد هويتها ..
§ والآن للإجابة على السؤال المطروح أقول : الذي يمكن فعله للمستقبل معلوم ، وقام المخلصون بالتذكير به مرات ومرات .. ويكفي أن أذكر هنا بما قاله الأستاذ عصام العطار من قريب : (نعم ؛ إننا ندعو إلى تجاوز الصراعات العنيفة التي تستهلكنا في كلّ دولة من دولنا وقطر من أقطارنا العربيّة والإسلاميّة ، وإلى مصالحة وطنية شاملة ، وإلى بناء حياتنا السياسية والاجتماعية على أساس سليم جديد ، وإلى التكاتف في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية الخطيرة ، وتحديات المعرفة والتنمية والبناء على كلّ صعيد
إنّنا ندعو العرب والمسلمين دُوَلاً وبلاداً وأفراداً إلى تجاوز صراعاتهم ومنازعاتهم ، وإلى التماسك والتكامل والتعاون في كلّ مجال ، وإلى أقصى ما يمكن من الوحدة ، فبالوحدة نجاةُ الجميع ، ونجاح الجميع ، وعزّةُ الجميع وخيرهم ، وفي الفرقة الهلاك والخسار والهوان ، وكلُّ شرّ يخطر بالبال
ولو كان العرب والمسلمون الآن قلباً واحداً ، وصفّاً واحداً ، وكلمة واحدة ، لما اجترأت عليهم إسرائيل هذا الاجتراء ، وما احتقرتهم الولايات المتحدة هذا الاحتقار ، وما كانت حالهم هذه الحال
إنّ أعداءنا المهيمنين علينا ، المتحكّمين فينا ، يأكلون الدولةَ من دولنا العربيّة والإسلاميّة ، أو يُخضعونها ، أو يؤدّبونها ، أو يحطّمونها -إن أرادوا- بمساعدة بعض أخواتها !! ، أو رضاهنّ !! ، أو سكوتهنّ وسلبيّتهن !! ، ولولا ذلك ما استطاعوا ..
وستقول كل دولةٍ عربية متواطئةٍ أو غافلةٍ يوماً من الأيام : (أُكِلت يومَ أُكل الثور الأبيض)
وقد أُكِلتْ حتى الآن معظمُ دولِنا -وا أسفاه- ، واستيقظ بعضُ مَنْ توهّموا لأنفسهم الحظوةَ والامتياز على الآخرين ، على الواقع المرير ؛ أنَّهم لم يكونوا إلا مجرد أداة ، وأنهم كانوا وهم يُصافحِون ويُصافَحون ، ويستقبِلون ويُستقْبَلون ، ويمتدِحون ويُمتَدَحون .. يُحْكَم حولهم الحصارُ في الخفاء ، وتنسج لهم قيودُ المستقبل)(2)
ولا يمكنني أن أزيد على ذلك إلا التأكيد على الاستفادة من الدروس وأخذ العظة والعبرة هو الذي يوقف هذا الاستدراج والسير مع مخططات الأعداء ، وأن نتذكر أن الزمن يمضي ولا ينتظر ، فهل من مدّكر ؟!
_________________
(1)       مؤامرة الصهيونية والهندوكية على المسلمين ، تأليف أبي الحارث محمد حامد ، مؤسسة الرسالة ، ط2 سنة 1409/1988م ، بيروت ص 35-37 .  
(2)       مجلة الرائد ، العدد 179 ، الأستاذ عصام العطار ، مقال : لا .. لا يمكن أن تستمر هذه الحال!






مواضيع ذات صلة
القضايا الوطنية الهندية, دراسات, نداء الهند،,

إرسال تعليق

0 تعليقات