ادعمنا بالإعجاب

نظرة خاطفة على إسهام الهند في السيرة النبوية باللغة العربية


الدكتور عبد الناصر علي
إن التأليف في السيرة النبوية كان ولايزال موضوعا محببا لدى العلماء المسلمين وتحنُّ اليه قلوب الباحثين والطالبين ومَن له إلمام واسع في التاريخ حتى غير المسلمين لكون النبي صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ورحمة للعالمين، وأسهموا في إثراء المكتبات الإسلامية واسعة ، وعلى قلبه أنزل الله تعالى القرآن الكريم وعليه أكمل الدين، ويقول اله تعالى: (  اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ،سورة المائدة- الآية: 3) ويقول أيضا: (  ولقد كان لكم في رسول اله أسوة حسنة،(سورة الأحزاب-الآية: 26 ). ومن ثم أصبح القرآن الكريم والحديث النبوي مصدرين رئيسين للتشريع الإسلامي، واهتم المؤلفون السيرة النبوية بتسجيل التفاصيل الدقيقة عن حياة النبي صلى اله عليه وسلم وحفظ كل شيء له به علاقة، وكل خبر له به صلة، 


وكل وصف دقيق لأعماله وتصرفاته وشؤونه وعاداته، وكذلك حياته الفردية والاجتماعية، وأخلاقه الكريمة التي يقول اله تعالى عن عظمتها: (وإنك لعلى خلق عظيم،سورة القلم- الآية: 4). فحفظت لنا كتب السيرة النبوية الصورة الكاملة حياة الرسول صلى الله عليه وسلم بكل دقة ووضوح، لأنها تقدم أمامنا ترجمة الدعوة القرآنية إلى العمل في واقع الحياة، وكان كل قول وعمل له من وحي الله يقول: (وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى،  سورة النجم- الآية: 3،4 )، ولذا أكد الله تعالى على إطاعة الرسول الأعظم وجعل إطاعته إطاعة له في قوله: (من يطع الرسول فقد أطاع الله،سورة النساء- الآية: 80 ). ويقول أيضا: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم فانتهوا،سورة الحشر . الآية: 1 )
وانطلاقا من هذه الأهمية البالغة للبشرية جمعاء، ومن منارة الهداية للأمة الإسلامية ركز الكتاب والعلماء عنايتهم بكتابة السيرة النبوية واعتبروها واجبا دينيا مقدسا في كل لغة وفي كل عصر ومصر، فتكاثرت التأليفات في كل لغة حول كل ناحية من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن ترجع الأسبقية فيها إلى العرب الذين أولوا عنايتهم الخاصة بتسجيل كل صغير و كبير كان له علاقة بالرسول صلى الله عليه وسلم و أهله وذويه، وحتى جمعوا لنا حياة الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وحياة التابعين، ولذلك بالرغم من كتب قيمة في  السيرة النبوية في كل بقعة من بقاع العالم وفي كل لغة من لغات العالم تعتبر المؤلفات العربية في العهود الأولى المصدر الأساسي للباحثين في السيرة ولها حق أن توضع في الدرجة الأولى من السيرة النبوية.
 وأما الهند فما كانت لها علاقة باللغة العربية، كما كانت له علاقة تجارية منذ زمن أسحق، ولكنها وسعت صدرها للغة القرآن، واستقبلتها بكل حفاوة وإكرام وحتى فاقت الدول غير العربية في اللغة العربية، وساهمت في مؤلفات عربية تعد من كتب قيمة بين العرب في اللغة العربية وآدابها، وفي التاريخ والسيرة. وتزداد  أهمية الهند وعنايتها باللغة العربية أن العديد من الكتب العربية المؤلفة في الهند يتم تدريسها في الكليات والجامعات العربية كمقررات دراسية، والعديد من الأساتذة الهنود قاموا بالتدريس في الجامعات العربية من حين لآخر، فلا غرو أن أبناء الهند ساهموا في السيرة النبوية مساهمة قيمة لا يستهان بها، يحق لنا أن نلقي نظرة على مؤلفات عربية في السيرة النبوية في الهند.
 كان الاحتكاك التجاري بين الهند والعرب ثم دخولهم وسيطرتهم على بلاد السند والهند لبنة أولى لنشر الإسلام و تعاليمه السمحة ، فكانت بداية تطوير العلوم الإسلامية وفروعها المختلفة، بما فيها السيرة النبوية في بلاد الهند إبان الزحف الإسلامي فيها، فأول من ألف في السيرة النبوية بالعربية من علماء الهند هو المحدث أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي من رجال القرن الثاني الهجري، وكان قد سمع الحديث من نافع و عدة نفر من التابعين، وقد ذكر المترجمون أنه ألف كتابا في المغازي [1]، فهو كان أول هندي حاول للكتابة في السيرة النبوية.
وبعد هذه الفترة مضت عدة قرون و لم يوجد مؤلف هندي كتب حول السيرة النبوية ولكن البداهة لاتقبل بسهولة أن علماء الهند لم يطرقوا أبواب السيرة النبوية ولم يعتنوا بها بتاتا في هذه المدة المديدة، ولا يمكن لنا أن نقول شيئا حتميا لقلة معرفتنا وعدم اطلاعنا على هذه الناحية، ويقودنا الظن الغالب أن علماء الهند كتبوا في هذه الفترة أيضا ولكن لا توجد الشواهد التاريخية التي تهدينا إلى معرفة مضبوطة.
 وأما في القرن الثامن و التاسع الهجري فكانت الهند تحت الحكم الإسلامي ولقيت اللغة الفارسية رواجا عاما في الكتابة والخطابة، فقلت العناية باللغة العربية، بالرغم من ذلك يدلنا التاريخ على بعض القصائد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها القصيدة المدحي للقاضي عبد المقتدر بن القاضي ركن الدين الكندي الدهلوي – ت 791 ه [2]، والقصيدة الدالية للشيخ أحمد بن محمد التهانيسري [3]، ورسالة وجيزة حول السيرة النبوية للشيخ محمد بن يوسف الدهلوي - ت 825 ه [4]، وقدم علماء الهند فيها تحيتهم العطرة وسلامهم المبارك على الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم وأدوا فريضتهم الدينية المقدسة. وفي القرن العاشر ازدادت عناية العلماء بتأليف السيرة النبوية فأتت عدة من كتب وشروح على جوانب مختلفة في السيرة، ومن أهمها " مختصر السير ملخص سفر السعادة" لعبد الأول بن العلاء الحسيني الزيدفوري الجونفوري – ت 918 ه [5]، ثم نجد كتابا قيما " تبصرة الحضرة الشاهية بسيرة الحضرة النبوية الأحمدية " للقاضي جمال الدين أحمد الشهير ببحرق الحضرمي الكجراتي – ت 929 ه، و شرح شمائل الترمذي في شمائل النبي و قصائد في مدحه للشيخ عبد الوهاب البخاري – ت 932 ه [6] .
وفي القرن الحادي عشر قطع أدب السيرة شوطا أكبر من ذي قبل، ومن أهم المؤلفات التي برزت على المنصة وهي: مغازي النبوة للشيخ يعقوب بن حسن الكشميري – ت1003  ه[7]  ، وألف الشيخ محيي الدين عبد القادر بن الشيخ الحضرمي الكجراتي ت1028 ه، أربعة كتب مهمة في السيرة وهي : الحدائق الخصرة في سيرة النبي وأصحابه العشرة" وقد شمل سيرة العشرة المبشرين بالجنة، وله كتاب آخر سلك في المنهج نفسه وهو: إتحاف الحضرة العزيزة بعيون السيرة الوجيزة" وله كتاب في مولد النبي: المنتخب المصطفى في أخبار مولد المصطفى" وفي المعراج كتابه: المنهاج إلى معرفة المعراج"، وكان الشيخ من نبهاء زمانه، وتعتبر كتبه المذكورة من الأعمال العلمية الجليلة [8]، ومطلع الأنوار العربية في الحلية الجليلة النبوية، للشيخ عبد الحق محدث الدهلوي – ت 1052 ه [9] . و نظم الدرر والمرجان في تلخيص سير سيد الإنس و الجان، للشيخ أوحد الدين ابن مرزا جان بركي الجالندهري- ت 1091 ه، وهو كتاب قيم و جامع قام صاحبه بتأليفه في ضوء الحديث النبوي الشريف [10] . ومولد في مدح الرسول للشيخ صلاح الدين بن سليمان- ت1098ه [11] .
في القرن الثاني عشر نصادف كتبا قيمة تم تأليفها في السيرة النبوية في هذه الفترة، ومن المؤلفات البارزة " مولد الرسول، للشيخ شهاب الدين بن سليمان – ت 1121 ه، ويقع في أربع مائة وخمسة و تسعين بيتا في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم [12]، ومجموع مدائح لشاه ولي الله الدهلوي – ت 1176 ه، باسم " أطيب النغم في مدح سيد العرب و العجم [13] . وكتاب " قرة العين في فضائل رسول الثقلين" للنواب محمد محفوظ خان الفاروقي الكوباموي- ت 1192 ه [14] ، ومختار الأطوار في أطوار المختار: لأبي الحسن بن محمد صادق السندي الصغير- ت 1187ه [15] ، ومدائح الشيخ غلام على آزاد البلغرمي الذي لقبه أهل العلم بحسان الهند بسبب حبه و شغفه الشديد بالرسول صلى الله عليه و سلم من جهة وبفصاحته وبراعته وتصرفه في القول من جهة أخرى[16].
على مر الأيام تطورت الكتابة في السيرة النبوية فتوجد كتب قيمة كثيرة في القرن الثالث عشر الهجري، ومن أهمها " السيرة المحمدية" للشيخ كرامة علي الدهلوي، كتاب ضخم قد أشاد به العلماء على دراية المؤلف و فهمه الثاقب في كتابة السيرة. وكتاب " كشف الأسرار في خصائص سيد الأبرار: للشيخ ولي الله اللكهنوي-ت 1270 ه [17]، وضياء القلوب في سير المحبوب" للسيد علي كبير الإله آبادي – ت 1285 ه [18]، وتحفة المحبين في مولد حبيب رب العالمين" لعبد الله المدراسي – ت 1288 ه [19]، و "الإعجاز المتين في معجزات سيد المرسلين" لعبد الله المدراسي [20] .
هناك مجهودات مشكورة في تأليف السيرة النبوية في القرن الرابع عشر الهجري، فمن المؤلفات البارزة "تاريخ أحمدي"هو تأليف الشيخ أحمد بن صبغة الله المدراسي – ت  1307ه [21] ، و"منحة السرنديب في مولد الحبيب" للسيد محمد بن أحمد – ت 1316 ه [22]  "سيرة الرسول" للشيخ أبوبكر بن محمد الجونفوري – ت 1359 ه [23]، وكذلك كتب أخرى مثل "خير الحقائق" لمحمد خير الله، و "خلاصة السير في أحوال سيد البشر" لأبي عبد الله بن إبراهيم، و "الرحيق المختوم" لصفي الرحمن المباركفوري، و قد حاز هذا الكتاب على الجائزة الأولى في مسابقة السيرة التي عقدته رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة.
وإلى جانب هذه الكتب العربية التي تم تدوينها في السيرة النبوية في الهند، يشهد التاريخ أن مؤلفات كثيرة تقدمت بها الهند نظما ونثرا في المدائح النبوية العطرة في أزمنة مختلفة، وشروحا كثيرة كتبها علماء الهند لشمائل الترمذي، وقصيدة البردة للشيخ شرف الدين البوصيري وقصيدة بانت سعاد لكعب بن زهير، ودبجت يراعة الشيخ سعيد الرحمن الأعظمي رئيس التحرير )البعث الإسلامي( كتابا قيما حول شعراء الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك ألفوا كتبا في الأردية و منها ترجمت إلى العربية لأجل أهميتها البالغة في السيرة النبوية، ومنها "سيرة النبي" للشيخ شبلي النعماني قام بتعريبها الشيخ محمد إسماعيل المدراسي الندوي، و"خطبات مدارس" للعلامة السيد سليمان الندوي عربها الأستاذ محمد ناظم الندوي و سماها "الرسالة المحمدية".
وأما في بداية القرن الخامس عشر فألف الداعية الكبيرة الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي "السيرة النبوية" في سنة 1977 م، فلقيت هذه السيرة قبولا واسعا في الأوساط العلمية والأدبية لشمولها جوانب السيرة وسهولة ورشاقة أسلوبها ، ووضوح عباراتها، وطبعت عدة مرات، و ترجمت إلى لغات عديدة، فازدادت أهميتها بين المؤلفات العربية في السيرة النبوية. وكذلك ألف الشيخ الندوي كتابا باسم "الطريق إلى المدينة المنورة" وهي مجموعة من مقالاته ومحاضراته القيمة حول شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، كما يقول: وهي انطباعات عن هذه الشخصية الحبيبة وسيرتها وحياتها، وعرض سريع لما قد تغنى به الشعراء والمحبون في ديار العجم، وقد أسميت هذه المجموعة ب" الطريق إلى المدينة" فإنها تمهد الطريق إلى هذه المدينة، وتبعث الأشواق إليها، وإلى منورها عليه ألف ألف سلام [24] .
ولا يسع لنا المقام أن نذكر جميع المؤلفات العربية في السيرة النبوية التي ألفها علماء الهند لأجل حبهم العميق وشوقهم الشديد للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وإنهم تقدموا بتحياتهم الخالصة وصلاتهم العطرة عليه، واعتبروا كتابة جانب من حياته المتعددة الجوانب فريضة دينية وعملا مقدسا ، فكتبوا وألفوا نثرا أو شعر ا ، كثيرا أو قليلا آملين السعادة في الدنيا والآخرة، عارفين بواجب الإجلال والتكريم والامتنان، معترفين بأنه هو الذي أخرج الإنسانية من الظلمات إلى النور، ومن الشقاء إلى السعادة، ورد إلى الإنسانية كرامتها واعتبارها، وإلى أفراد النوع الإنساني حقهم في الحياة، صلى الله عليه و سلم. فهذه نظرة خاطفة على السيرة النبوية العربية في الهند.




[1] الدكتور أحمد أمين، ضحى الإسلام ، 1/233 والسيد عبد الحي، نزهة الخواطر1/46، حيدر آباد1947 م
[2]. السيد عبد الحي، نزهة الخواطر20/70- 76، وفيها نجد تسعة وأربعين بيتا من هذه القصيدة
[3] المصدر السابق: 4/8- 13، و منها قد ذكر السيد عبد الحي واحدا وأربعين بيتا
[4] المصدر السابق:3/154
[5] عبد الجبار، جهود مخلصة في خدمة السنة المطهرة، ص-48- والسيد عبد الحي، نزهة الخواطر:4/167-168
[6]  والسيد عبد الحي، نزهة الخواطر4/ 324
[7]  المصدر السابق:5/439
[8]  السيد عبد الحي، الثقافة الإسلامية في الهند ص90
[9]  السيد عبد الحي، نزهة الخواطر5/204
[10] المصدر السابق:7/337-338 و الثقافة الإسلامية في الهند لنفس المؤلف ص90
[11] محمد يوسف كوكن عربك و برشين ان كارنيتك ، ص55
[12] المصدر السابق:ص 54
[13] السيد عبد الحي، نزهة الخواطر6 / 460
[14] المصدر السابق: 6/348، وكتاب يوسف كوكن ص-90
[15] السيد محمد خالد علي، مساهمة الهند باللغة العربية في الأدب الحديث النبوي3/322
[16] السيد عبد الحي، نزهة الخواطر6/204
[17] المصدر السابق:7/527
[18] المصدر السابق:7/334
[19] المصدر السابق:7/301
[20] المصدر السابق:7/306
[21] المصدر السابق: 8/ 21
[22] محمد يوسف كوكن عربك و برشين ان كارنيتك ، ص- 523
[23] السيد عبد الحي: نزهة الخواطر، 8/ 7
[24] السيد أبو الحسن علي الندوي، الطريق إلى المدينة المنورة (كلمة المؤلف)

مواضيع ذات صلة
الأعلام،, دراسات,

إرسال تعليق

1 تعليقات

أكتُبْ تعليقا