ادعمنا بالإعجاب

العلاّمة عبد الحي الحسني الذي عرّف الھند إلى العالم العربي

بقلم: غياث الإسلام الصديقي الندوي (مدرّس اللغة العربية في كلّية ذاكر حسين دلهي)


لا یمكننا إلاّ أن نقول إن الله سبحانه وتعالى كما قیّض للأندلس الإسلامیة مؤرخا وصّافاً وأدیباً رسّاماً وهو محمد لسان الدین بن الخطیب الذي ألّف كتابه الفرید "الإحاطة في أخبار غرناطه " في ثلاثة أجزاء، والعلاّمة أحمد المقرئ المغربي الذي ألّف " نفح الطیب لغصن الأندلس الرطیب" ، وكما قیّض لمصر العربیة العلاّمة تقيّ الدین أحمد بن علي المعروف بالمقریزي الذي ألّف كتابه العظیم "كتاب المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار" المشهور بخطط مصر في جزئین، ولبلاد الشام ابن عساكر الذي ألّف كتابه الشهیر "تاریخ دمشق"، والأستاذ محمد كرد علي الذي ألّف كتابه القیم "خطط الشام" ، كذلك قیّض سبحانه وتعالى لشبه القارة الهندیة مؤرخاً مثالیاً وكاتباً قديرا وهو العلاّمة الطبیب عبدالحي الحسني الذي ألّف "نزهة الخواطر" في تراجم أعلام المسلمین الهنود عبر القرون الهجریة من القدیم إلى الحدیث و "الهند في العهد الإسلامي" في تاریخ الهند الإسلامیة وجغرافیتها وخططها وآثارها، و"الثقافة الإسلامیة في الهند" في تاریخ العلوم الإسلامیة في الهند وٕانتاج المسلمین فیها وكلّ كتاب من هذه الكتب الثلاثة موسوعة في ذاته.


الشیخ عبد الحي الحسني الراي بریلوي رئیس جمعیة ندوة العلماء لكنؤ بالهند سابقا كان كاتبا قدیرا وناقدا بصیرا ومتضلعا من اللغة العربیة وآدابها والعلوم الإسلامیة معاً إلى جانب تضلعه من اللغتین الأردیة والفارسیة. إنه خلّف آثارا أدبیة قیمة وضخمة في ترویج فكرة ندوة العلماء الوسطیة ونشر الثقافة الإسلامیة وتقدیم دار علومها إلى الأمام كجامعة عربیة إسلامیة نموذجیة متّزنة. خلفه نجلاه وحفیده على التوالي وهم الدكتور عبد العلي الحسني والشیخ أبوالحسن علي الحسني - رحمهما الله -، والشیخ محمد الرابع الحسني -حفظه الله- في تحمّل هذه الأمانة التربویة بصفة متتالیة، فأدّوا واجباتهم خیر أداء، من غیر تطلّعهم إلى منافع مادیة. ولد الشیخ عبد الحي الحسني بن فخر الدین بن عبد العلي 22 من دیسمبر عام 1869 م في زاویة الشیخ علم الله بمدینة راي بریلي على بُعد 80 كیلومترا من لكنؤ. ودرس العلوم العربیة من الصرف والنحو والفقه والأصول والتفسیر والعلوم العقلیة على أشهر علماء لكنؤ، ثم سافر إلى بهوبال وهو محط رحال العلماء والطلبة حینذاك، فقرأ جمیع الكتب الدراسیة مثلا قرأ الحدیث على العلامة المحدث الشیخ حسین بن محسن الأنصاري الیماني، والأدب على ابنه الشیخ محمد، والطب على الطبیب الشهیر عبد العلي، ثم قام برحلة علمیة فزار دلهي وباني بَتْ وسهارنبور وسرهند ودیوبند وكنكوه وهي المراكز العلمیة الدینیة الكبرى في الهند یومئذ، واجتمع بالعلماء والمشایخ، منهم الشیخ رشید أحمد الكنكوي والشیخ المحدث نذیر حسین الدهلوي، والشیخ عبد الرحمن الباني بتي والشیخ فضل الرحمن الكنج مراد آبادي والشیخ الإمام إمداد الله المهاجر المكّي. نشأ سید عبد الحي منذ صباه على حبّ العلم والمطالعة والولع بالكتابة والتألیف، حتى أصبح قادرا على الجمع بین الدین والعلم والذوق الأدبي وفهم الشعر ونقده وبین الوقار وخفّة الروح ورقّة الشعور. وعندما بلغ أشدّه شاهد المجتمع الإسلامي في خضم الخلافات والنزعات التي كانت تعمّ العالم الإسلامي بوجه عام، وشبه القارة الهندیة بوجه خاص، "فبدأ دعوته الإصلاحیة من أعضاء أسرته امتثالا  للآیة الكریمة "وأنذر عشیرتك الأقربین" وبعد ذلك جمع قومه ودعاهم إلى الوئام والاتحاد[1].  ومن ثمّ تكونت جمعیة للإصلاح الاجتماعي والتوعیة الإسلامیة في ا رئي بریلي. عندما انتقل الشیخ الحسني إلى لكنؤ، انضم إلى جماعة الشیخ محمد علي المونكیري التي وفِّقت لتأسیس جمعیة باسم ندوة العلماء سنة 1311 ھ، من أهدافها الرئیسیة التقریب بین المذاهب وأهلها ورفع النزاعات الفقهیة وتقلیل الفجوة بین الطوائف الإسلامیة وتنسیق الجهود في إصلاح التعلیم والمسلمین وتطویر المناهج الد راسیة، فصادف ذلك رغبته وذوقه فشارك في نشاطاتها وأعمالها منذ نشأتها وأصبح عَلمًا من أعلامها، ثم تفرّغ لخدمتها وخدمة الإسلام والمسلمین بواسطتها وحاز ثقة أعضاء الندوة فاختاروه أمیناً عاما لندوة العلماء سنة 1333 ھ الموافق 1915 م فركّز جهوده على تطویر هذه الحركة فبفضل جهوده الحثیثة نالت حركة الندوة شهرة عالمیة في إبان حیاته وتخرّج في دارعلومها كثیر من العلماء والأدباء الذین خدموا اللغة العربیة وآدابها والدراسات الإسلامیة وأثروها بإنتاجاتهم العلمیة والأدبیة والثقافیة.
توفّي رحمه الله 15 جمادي الأخرى 1341 ھ الموافق 2 فب ا ریر 1923 م في لكنؤ، ونقل جثمانه إلى راي بریلي مسقط رأسه وصُلّي علیه في جمع حاشد ودفن بجوار قبر الشیخ علم الله في زاویته مُخلّفا وراءه ابنتین وابنین وهما الدكتور عبد العلي الحسني والشیخ أبو الحسن الندوي.
والواقع أنّ جهود العلامة عبد الحي لم تقف عند حدود إصلاح العشیرة وعند جهوده في ندوة العلماء بل اتسعت رقعتها بمرور الأیام، وذلك لأنه كان یشعر بمسؤولیته تجاه عامة المسلمین وبوجه أخص مسلمي الهند. وكان هدفه أن تكون حیاته حافلة بالعطاء، ممتدة الجذور والأعماق، فانطلاقا من هذا الشعور توجه العلامة إلى خدمة العلم والأدب وقضى جُلّ أوقاته في مطالعة الكتب وتألیفها، وسرعان ما أصبح خبیرا بطبقات الرجال وخصائصهم ودقائق أخبارهم ومتضلعا من مختلف العلوم والفنون وبارعا في آداب اللغة العربیة والفارسیة والأردیة وعكف بوجه  أخص على قراءة تاریخ الهند العلمي والسیاسي فلم یكن له نظیر في العلم بأحوال الهند ورجالها في عهد الدولة الإسلامیة وترك آثارا علمیة وأدبیة ذات أهمیة بالغة، وهذه الآثار تمیط اللثام عن صلاحیته العلمیة وعقلیته العمیقة ودراسته الواسعة وبحوثه الدقیقة. فمؤلفاته العربیة التي حظیت ولاتزال تحظى باهتمام العلماء ولها دوي في الأوساط العلمیة والأدبیة هي:
a.       نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر (الإعلام بمن في تاریخ الهند من الأعلام)
b.      الثقافة الإسلامیة في الهند
c.       الهند في العهد الإسلامي
فهنا ألقي ضوء یسیرًا على كلّ منها. فكتاب " نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر" المعروف بطبعته الجدیدة : الإعلام بمن في تاریخ الهند من الأعلام بتحقیق ابنه العلاّمة الشیخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في موضوع تراجم الرجال والأعلام المسلمین في الهند، ذكر فیه المؤلف تراجم أعیان الهند وعلمائها فیمن قدم الهند من أعیان المسلمین ومآثرهم وكلّ ما انتهى إلیهم علمه من تعلمهم وأعمالهم وألقابهم وأنسابهم وسنوات وفیاتهم وأخبارهم وكذلك كیف درسوا ومن قرأوا علیهم، واستوعب كلّ عصر منذ بدء الإسلام حتى سنة وفاته، ویقع الكتاب في ثمانیة مجلدات، ضمّ الأوّل منه أعلام القرون السبعة الأولى، واختص كلّ مجلّد من بعده بقرن من القرون السبعة الباقیة. فهو في ثمانیة أجزاء لخّص فیها المؤلف واقتبس من ثلاث مائة كتاب في العربیة والفارسیة والأردیة من المخطوطات والمطبوعات حتى یحتوي الكتاب على تراجم أكثر من أربعة آلاف وخمس مائة ونیّف فصدرت له حتى الآن ثلاث طبعات، الطبعة الأولى من دائرة المعارف بحیدرآباد في جنوب الهند والثانیة من لكنؤ باسم "الإعلام بمن في تاریخ الهند من الأعلام" والثالثة من بیروت. ویقول نجل المؤلّف العلاّمة الشیخ أبوالحسن علي الحسني الندوي في وصف هذا الكتاب:
"ووفق والدي العلامة السید عبدالحي الحسني _رحمه الله تعالى_ لوضع أكبر كتاب یعرف في شبه القارة الهندیة بتراجم الرجال الذین نبغوا في الهند من القرن الإسلامي الأول إلى سنة وفاة المؤلف سنة 1341 ھ ( 1923 م)  یغطي المساحة الزمنیة من القرن الأول إلى القرن الرابع عشر الهجري، والمساحة المكانیة من ممرخیبر في الشمال الغربي من الهند إلى خلیج بنغال في الشرق، ومن قلل كشمیرإلى "مالابار" و "كاليكوت" في الجنوب، والأعیان من كل طبقة على اختلاف مذاهبهم الفقهیة واتجاهاتهم العلمیة، واختصاصاتهم الفنیة، فجاء في ثمانیة مجلدات كبار یحتوي على أكثر من أربعة آلاف وخمس مائة من التراجم، وهو أشبه في أسلوب الكتاب ومنهجه وتعبیراته بابن خلّكان في الدقة والأمانة وتحري الصدق والقیاسات اللائقة والدقیقة في تخیر الأوصاف والنعوت[2]
ویلقي العلاّمة الشیخ الضوء على إفادیة هذا الكتاب وأسلوبه فیقول :
"إن أكبر ثروة للتاریخ العلمي والدیني والإسلامي في الهند كانت موجودة في البیت، وكان ذلك كتاب والدي "نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر" في ثمانیة مجلّدات، فقرأ تها أكثر من مرّة، وبذلك تمثّل تاریخ الهند الإسلامي العلمي في شبه القارة الهندیة فقد دخلها الإسلام في صورة حیة واقعیة، واطّلعت على أوضاع الملوك والأمراء، وأرباب الكمال وحملة رایة الإصلاح والتجدید، والمؤلفین الكبار والكتاب البارعین وعثرت على نكتهم اللطیفة وفرائدهم الدقیقة، ولم یكن من الممكن أن ألمّ بها إلا بالبحث الدقیق وبمتابعة المؤلفات والكتب التي تعد بالمئات، وذلك بمثابرة مستمرة وجهد بالغ، إنّما كان هذا كنزًا ثمیناً للمعلومات والثقافة، لایمكن لمن یبحث في موضوع یتصل بالهند وعهدها الإسلامي أن یغض البصر عنه، وقد وجدت في هذا الكتاب دائما متعة روحیة ولذة أدبیة وفائدة علمیة، وهو من الكتب المعدودة التي لا أملّ قراءتها على كثرتها وتكرارها. وقد صبّ المؤلف في هذا الكتاب مواهبه وسجایاه، فجاء قطعة من نفسه، ونسخة من روحه، صفاءَ حسّ ورقةَ شعور واندفاعا إلى الجمال والكمال أینما وجدا، واعترافا بالفضل أینما حلّ واستقر،  واقتصادا في المدح والنقد، وتنبیهاً لم واضع الضعف وممّا لا یخلو منه بشر، وعذوبةَ عبارة، وخفة روح وتنوع مادة. كان من سوء حظي أني ما قدِّر لي أن أستفید من والدي مباشرة لصغر سنّي ولكن رحم الله والدي، وأغدق علیه شآبیب رحمته إذ ترك لنا ثروة علمیة زاخرة، سنحت- بفضلها- لنا فرصةً للاستفادة من علمه ومجهوده طیلة حیاتي[3]
ونجد أنّ العلامة عبد الحي الحسني لایقتصر في كتابته لتاریخ الأدب على الترجمة وأخبار المترجم ، أو  على سرد الحقائق والوقائع التاریخیة، بل یقدّم آراءه النقدیة في بعض الأمور التي أثیرت فیها الشكوك وحامت حولها الشبهات، فقام بتحلیلها تحلیلا دقیقا یظهر براعته في فن التاریخ، ولاریب أن كتابة التاریخ والسیر وتراجم الرجال تحتاج إلى بحث عمیق ودراسة متأنّیة لكي تتجلّى المحاسن والمعایب وتظهر الصورة الحقیقیة، وكل ذلك یتطلّب التفحص عن الأحداث التاریخیة ونقدها، ولذا استخدم العلامة عبد الحي الحسني ملكته النقدیة لتحقیق الوقائع واستخراج الحقائق عن شخصیات التراجم، إذ كان العلامة یؤمن تماما بأن التاریخ یجب أن یكون بریئا من الترهات والأباطیل، ونقدم فیما یلي بعض النماذج في هذا الصدد لتدعیم هذا الرأي فیقول مثلا في ترجمة شاه عالم بهادرشاه الدهلوي :
"الملك الفاضل الحلیم محمد معظم بن أورنك زیب التیموري شاه عالم بهادرشاه بن عالمكیر الدهلوي سلطان الهند........ ولكنّه كان سیئ التدبیر والسیادة، غلب في عهده عظیم "المرهته" فتغلب على أكثر بلاد المسلمین فسلّم له شاه عالم ربع الخراج من بلاد "الدكن" وهو أول وهن ظهر منه فأدى إلى زوال شوكته ثم انقراض ملكه من أولاده. وكان عادلا رحیما كریمًا بارعًا في العلوم لم یزل یشتغل بمطالعة الكتب والمذاكرة، وكان شیعیا أمر أن یدخل في خطب الجمع والأعیاد لفظ الوصي عند ذكر سیدنا علي المرتضى- كرم الله وجهه- فارتفع الصخب وكثر الضوضاء بمدینة "لاهور" فأمر بإحضار العلماء بین یدیه وباحثهم في ذلك وقرأ بعض ما روي في إثبات الوصایة لسیدنا علي -رضي الله عنه- وبعض أقوال الفقهاء والمجتهدین في ذلك حتى كثر اللغط ورغب الناس كافّة إلى العلماء سرا حتى أن ولده عظیم الشأن أیضا مال إلیهم، فلمّا علم السلطان رغبة الناس أمر أن یرجع الأمر إلى الأول حسبما كان جاریا في عهد عالمكیر. مات في التاسع عشر من المحرم سنة أربع وعشرین ومائة وألف[4]
اعتنى المؤلف رحمه الله اعتناء كبیرا بتصریح سني الموالید والوفیات بالتقویم الهجري النبوي وقد ذكرهنا هذه التواریخ بالكلمات وقام بترتیب تراجمه حسب الأسماء والأنساب وتاریخ الولادة واسم الوطن، ثم صرّح بالتعلیم والمرحلة الدراسیة، والوفاة ومكان الدفن ثم الخصائص الممیزة، وأخلاق المترجم وآثاره.
وكان رزق الله المؤلف دقّة الملاحظة وعمق النظر ومتانة الفكر وسلامته، فكان یضع الرجل في طبقته ویصفه بصناعته، فقد اقتدى فیه بابن خلكان في الدقة والاقتصاد، ووضع الرجال في منازلهم، مثلا یعرف شخصیة الملك المغولي شاجهان كمایلي :
"السلطان الفاضل الباذل شهاب الدین محمد شاهجهان بن جهانكیر بن أكبر شاه الكوكاني ملك ملوك الهند[5]
وكذلك یقول في مفتتح ترجمة المحدّث الشیخ عبدالحق بن سیف الدین البخاري:
"الشیخ الإمام العالم العلامة المحدث الفقیه، شیخ الإسلام، وأعلم العلماء الأعلام، وحامل رایة العلم والعمل في المشایخ الكرام، الشیخ عبدالحق بن سیف الدین بن سعدالله البخاري الدهلوي المحدث المشهور[6] "
والجدیر بالذكر أن المؤرخین لتراجم الرجال وأحوالهم لم یلتفتوا إلاّ قلیلاً إلى تحقیق الحوادث ونقدها حتى بدت كتاباتهم كأنها محشوة بالخوارق ومكشوفات الصوفیة والسیر التي لا یظهر منها شئ حقیقي من الحیاة، فكان هذا النقص عاما في أكثر تراجم علماء الهند ، هذا، وٕان دلّ على شئ فإنما یدلّ على الإبهام والغموض والضعف في الفن إلاّ أن العلاّمة عبدالحي الحسني قد قام بتحقیق الوقائع واستخراج الحقائق عن شخصیات التراجم فكتابه "نزهة الخواطر" أصبح موسوعة تاریخیة كبیرة تشتمل على تراجم العلماء والأدباء والشعراء والسلاطین والمشائخ الهنود، ویمتاز من بین جمیع كتب التاریخ والسیر والتراجم التي ألّفت داخل الهند وخارجها بغ ا زرة مادته واتّزانه واعتداله في التنقید والتقریظ وذلك لأنه لایتحیز إلى فئة من فئات المسلمین ولا یفضّل عصرا على عصر آخر، ولذا نجد في هذا الكتاب ذكر الأعیان والمشاهیر الهنود من أول عهد المسلمین حتى سنة وفاة المؤلف فیعدّ هذا الكتاب تحفة غالیة ودائرة معارف في تراجم الشخصیات الهندیة البارزة یكاد لایوجد لها مثیل في المكتبات التاریخیة الحدیثة.
 أمّا كتابه "معارف العوارف في العلوم والمعارف" الذى اشتهر فیما بعد ب"الثقافة الإسلامیة في الهند " فهو أیضاً كتاب لا یوجد نظیره في موضوعه ودلیل مستوعب لإنتاج علماء الهند في مختلف العلوم الإسلامیة والأدبیة عبر القرون والأجیال، بحث المؤلف في مقدمته عن مناهج التعلیم في هذه البلاد وما حدث فیها من التغییر في كل عصر منذ أن فتح المسلمون الهند إلى عصر المؤلف، وألقى ضوء وافیاً على تاریخ النشاطات الدینیة والأوساط العلمیة والأدوار التربویة في القرون المتتالیة. ثم قسمه إلى أربعة أبواب وخاتمة. فالباب الأول في علوم اللغة والأدب والتاریخ وفیه تسعة فصول تشتمل على فن النحو والصرف واللغة والبلاغة والعروض والشعر والتاریخ والسیر والطبقات والجغرافیا. والباب الثاني في العلوم الشرعیة وفیه سبعة فصول تشتمل على علم الفقه وأصوله، والفرائض والحدیث والتفسیر والتصوف والكلام. والباب الثالث في العلوم العقلیة والفنون النظریة، وفیه ستة فصول تشتمل على آداب المناظرة، والمنطق والطبیعیات والریاضة والسیاسة المدنیّة والطبّ . أمّا الباب الرابع فهو في الشعر والشعراءالهنود وفیه أربعة فصول تشتمل على معنى الشعر وتقسیمه، والشعر الفارسي والأردي والهندي ثمّ الخاتمة في أسماء بعض الكتب العلمیة المنقولة من الكتب الدینیة والتاریخیة والطبیة.
أوضح العلامة الحسني في هذا الكتاب أهمیة توافد المسلمین على الهند إذ جعلوها بعدا استیطان فیها مركزًا  هاماً للعلوم والفنون، خاصة بعد أن انعكست أشعة العلم على الهند من جهة خراسان وماوراء النهر فأصبح هذا الكتاب غزیر المادة في هذا الموضوع، وخلاصة دراسات طویلة واسعة دقیقة، وقد طبعه المجمع العلمي العربي بدمشق باسم "الثقافة الإسلامیة في الهند". وممّا لاریب فیه أن استعراض هذا الكتاب "الإعلام بمن في تاریخ الهند من الأعلام" یعكس بوضوح المنزلة التي كانت تحظى بها الهند في الأوساط العلمیة والخدمات التي قام بها علماؤها وأدباؤها في تنشیط حركة التألیف والنشر باللغة العربیة. یقول المؤلف - رحمه الله- في مقدمة هذا الكتاب :
" تصفحت كتبا كثیرة من تاریخ الملوك والشعراء وطبقات المشایخ ومكتوباتهم وملفوظاتهم وأخذت شیئا شیئا منها حتى أحطت بمالم یحط به أحد قبلي[7]
ألقى العلامة الحسني ضوء على الأدب العربي في شبه القارة الهندیة فقال:
" فمن أدباء الهند الشیخ سعد بن مسعود بن سلمان اللاهوري ، وهو أول من برع في العلوم العربیة من أهل الهند، وأكثر في الشعر وجمع دیوانا له.
ومنهم الأمیر خسرو بن سیف الدین الدهلوي، فإنه مع براعته في لغة الفرس كان ماهرا بالعلوم العربیة من النحو والمعاني والبیان والبدیع والعروض والقافیة وغیرها ومن مستخرجاته نوع في البدیع ، وله أبیات رائقة بالعربیة منها قوله :
یاعاذل العشاق دعني باكیا                     ان السكون على المحب محرم
 من بات مثلي فهو یدري حالتي                طول اللیالي كیف بات متیم[8] "
وذكر الشیخ تاریخ كلّ فن مطلقا، ثم ذكر تاریخ الفن في الهند و ما وضع فیه علماء الهند من الكتب ، ومن برع فیه منهم، مثلاً عرّفنا بعلم التاریخ والسّیر والطبقات فقال:
"علم التاریخ هو معرفة أحوال الطوائف وبلدانهم ورسومهم وعاداتهم وصناعة أشخاصهم وأنسابهم و وفیاتهم إلى غیر ذلك ، وموضوعه أحوال الأشخاص الماضیة  من الأنبیاء والأولیاء والعلماء والحكماء والملوك والشعراءوغیرهم، والغرض منه الوقوف على الأحوال الماضیة، وفائدته العبرة بتلك الأحوال والتنصح بها وحصول ملكة التجارب بالوقوف على تقلبات الزمن لیحترز عن أمثال ما نقل من المضار ویستجلب نظائرها من المنافع ، وهذا العلم كما قیل عمر آخر للناظرین والانتفاع بمنافع تحصل للمسافرین[9]."
واستعرض ورود علم الحدیث النبوي الشریف في بلاد الهند فملخصه كما یلي :
"اعلم أن محّمد بن القاسم الثقفي فتح بلاد السند في عهد الولید بن عبدالملك الخلیفة الأموي وتمكنت فیها دولة العرب كسائر البلدان ودخلها أتباع التابعین ورجال من أهل بیت النبي - صلى الله علیه وسلّم - مخافة الخلفاء من الأمویین وبني العباس وتتابع الناس بعد ذلك من أهل العلم وسكنوا بها وتوالدوا وتناسلوا وسافروا من بلاد إلى بلاد أخرى وأخذوا الحدیث و رووها بالحفظ والإتقان مدة أربعة قرون وسارت بمصنفاتهم الركبان إلى الآفاق، أشهرهم إسرائیل بن موسى البصري نزیل الهند ومنصور بن حاتم النحوي وٕابراهیم بن محمد الدیبلي .  ولما انقرضت دولة العرب من بلاد السند وتغلبت علیها الملوك الغزنویة والغوریة، وتتابع الناس من خراسان وماوراء النهر، صار الحدیث فیها غریبا كالكبریت الأحمر حتّى منّ الله تعالى على الهند بإفاضة هذا العلم، فورد به بعض العلماء في القرن العاشر كالشیخ عبد المعطي بن عبدالله باكثیر المكي المتوفى بأحمدآباد سنة 989 ه والشهاب أحمد بن بدر الدین المصري المتوفى بأحمدآباد سنة 992 ه ثمّ وفّق الله سبحانه بعض العلماء من أهل الهند أن رحلوا إلى الحرمین الشریفین وأخذوا الحدیث وجاءوا به في الهند وانتفع بهم خلق كثیر كالشیخ عبد الله بن سعدالله السندي والشیخ رحمة الله بن عبدالله بن إبراهیم السندي المهاجرین إلى الحجاز فإنهما قدما الهند ودرّسا بغُجرات مدّة طویلة ثمّ رجعا إلى الحجاز، والشیخ یعقوب بن الحسن الكشمیري المتوفى سنة 1003 ه، والشیخ جوهر الكشمیري المتوفى سنة 1026 ه. ثمّ جاء الله سبحانه بالشیخ عبدالحق بن سیف الدین البخاري الدهلوي المتوفى سنة 1052 ه ، وهو أوّل من أفاضه على سكان الهند ، وتصدّى للدرس والإفادة بدار الملك دهلي، وقصر همته على ذلك وصنّف وخرّج ونشر هذا العلم على ساق الجد ، فنفع الله به وبعلومه كثیرًا من عباده المؤمنین حتّى قیل إنه أول من جاء بالحدیث بالهند وذلك غلط كما علمت. ثمّ جاء الله سبحانه بالشیخ الأجل والمحدث الأكمل ناطق هذه الدورة وحكیمها وفائق تلك الطبقة وزعیمها الشیخ ولي الله بن عبدالرحیم العمري الدهلوي المتوفى سنة 1176 ه ، فإنه رحل إلى الحجاز وأخذ عن الشیخ أبي طاهر وعن غیره من أئمة الحدیث، ورجع إلى الهند، وشمّر عن ساق الجد والاجتهاد لنشر ذلك العلم، فدرّس وأفاد، وخرّج وصنّف، وقد نفع الله بعلومه كثیرًا من عباده المؤمنین، ونفى بسعیه المشكور من فتن البدع ومحدثات الأمور، لأنه بنى طریقته على عرض المجتهدات على الكتاب والسنّة، وتطبیق الفقهیات بهما، وقبول ما یوافقهما من ذلك، وردّ ما لا یوافقهما كائناً ما كان ومن كان[10]"   . وهكذا یستمر المؤلّف في ذكر كثیر من علماء الحدیث النبوي من أهل الهند.
وبعد ذلك استوعب مصنفات أهل الهند في الحدیث الشریف فیقول في البدایة :
"أما مصنفات أهل الهند في الحدیث الشریف وأصوله وما یتعلق به فهي كثیرة، أشهرها مشارق الأنوار للشیخ الإمام حسن بن محمّد بن الحیدر الصغاني اللاهوري وهو مقبول متداول في أیدي الناس، ومصباح الدجى في حدیث المصطفى والشمس المنیرة كلاهما للشیخ حسن بن محمّد المذكور ... وكنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للشیخ علاءالدین علي بن حسام الدین المتقي الهندي المهاجر إلى مكة المشرفة المتوفى سنة 975 ه، وهذا الكتاب في أربع مجلدات، رتب فیه جمع الجوامع للسیوطي ، كترتیب جامع الأصول، ومنهج العمال في سنن الأقوال للشیخ علي المتقي المذكور رتب فیه الجامع الصغیر للسیوطي[11]"   
وبعد استیعاب مؤلّفات العلماء الهنود في الحدیث النبوي الشریف ذكر المؤلف جهودهم مستقلا في كلّ من الأربعینات، وشروح المؤطا، وشروح صحیح البخاري، وشروح ثلاثیات البخاري، وشروح صحیح مسلم، وشروح جامع الترمذي، وشرح  السنن لأبي داود، وشروح السنن للنسأي، وشروح السنن لابن ماجه، وشروح الشمائل للترمذي، وشروح مشكاة المصابیح، وشروح مشارق الأنوار، وشروح الحصن الحصین، وشروح بلوغ المرام، وشروح الأربعین للإمام النووي، وشروح عین العلم، وشروح غنیة الطالبین، وكتاب الآثار للإمام محمد، ومصنفاتهم في غریب الحدیث، ومصنفاتهم في الموضوعات، ومصنفاتهم في التخریج، وكتبهم في أصول الحدیث، وكتبهم في أسماء الرجال، وفي الأسانید. وكل ذلك ذكره العلامة بإسهاب وتفصیل. وكذلك شأنه في جمیع الأبواب والفصول.
ویلقي الأستاذ الطنطاوي ضوء على أهمیة هذا الكتاب في ذكریاته حیث یقول:
"وقرأت الكتابین اللذین وصلا إلىّ ممّا ألّفه والد السید أبي الحسن، كتاب "نزهة الخواطر" الذي جمع فیه من سیر أعلام الهند، ومن نشأ فیها، مالم یجمعه كتاب غیره ، فهو یغني في هذا الباب عن كل كتاب ولا یغني عنه كتاب، وكتابه الآخر الذي نشره المجمع العلمي فى دمشق وسمّاه المجمع (ثقافة الهند) والذي أودعه المؤلف ما لا یستطیع مثلي أن یجده في خزانة كاملة، یكتب علیه ، یطالع ما فیها[12]
أمّا كتابه "جنة المشرق ومطالع النور المشرق" الذي اشتهر فیما بعد ب "الهند في العهد الإسلامي" فهو في الحقیقه كتاب الخطط والآثار الذي تتباهى به الهند في مجموع كتب الخطط التي ألّفت عن مختلف البلدان والأقطار، وٕانه عصارة دراسات المؤلف الطویلة التي استمرت طول حیاته. ویبیّن العلامة غایة تألیفه في المقدمة فیقول:
" وٕاني لم أقصد بتألیفه، ولا جهدت نفسي لتصنیفه لهواً، ولا لعباً، ولا رغبةً سرت إلیها، ولا رهباً، ولكن رأیت التصدي له واجباً، والانتداب له مع القدرة فرضاً لازباً، مع أنّ الوطن المألوف بمنزلة الأمّ، لها حقٌّ لایضاع، وٕالیها حنینٌ لاینكر، فوجب لذلك علینا إعلام المسلمین بماعلمناه، وٕافادتهم بما أفادنا الله بفضله فأتقنّاه[13]
قسم المؤلّف هذا الكتاب إلى ثلاثة فنون، فالفن الأول في جغرافیة الهند وفیه مقدمة في الألفاظ المتكررة في ذكر الأقالیم والبلدان، وأربعة أبواب، ذكر فیها جغرافية الهند وموقعها الأرضي، وجبال هذه البلاد وأنهارها وهواءها وحاصلاتها الزراعیة والمعدنیة وأشجارها ونوادرها وحرف أهلها وأدیانها وصناعاتها ولغاتها وبیان حیواناتها وأجناسها، واستقصاء عقاقیر بلاد الهند والفواكه التي لا توجد خارج هذه البلاد،وأقطاع الهند المشهورة وأشهر مدنها وقُراها في الدولة الإسلامیة، وتقسیم بلاد الهند إلى الولایات المختلفة.
والفن الثاني في أخبار ملوك الهند وفیه عشرة أبواب ذكر فیها ظهور الإسلام بأرض الهند، واستیلاء الملوك الغزنویة والغوریة علیها، ومن ملكوا الهند واتخذوا مدینة دلهي عاصمة حكومتهم، وملوك الولایات الهندیة، وكیف تسلّط الإنكلیز على الهند، وثورة الشعب الهندي للتخلص من سلطة الإنكلیز الغاشمة، وأمراء الهند في ذلك الوقت.
وأمّا الفن الثالث فهو في الخطط والآثار وفیه ثلاثة أبواب ذكر فیها خطة الملوك الهنود في الأحكام السیاسیة، وترتیب العساكر ونظامها، وأهل المناصب و رواتبهم، ونظام المملكة وعادات الملوك الهنود في الجبایة والعدل والقضاء، وقصورهم، والأعیاد والمواسم، وآداب التحیة بین أیدي السلاطین، ثم ألقى الضوء على السنین والشهور والساعات، والنقود والموازین وتقسیم الأرض بحسب المساحة وأصنافها، وأحكام العشر والخراج ومالیة الدولة الإسلامیة والجوامع والمساجد والمدارس بالهند وماإلى ذلك.
بدأ المؤلف هذا الكتاب وهو یلقي الضوء على جغرافية الهند وموقعها الأرضي، ودخول المسلمین أرض الهند و ولاتهم من بدء الخلافة الأمویة إلى آخر الخلافة العباسیة واستیلاء الملوك الغزنویة والغوریة على الهند وتاریخ الملوك والأمراء حتى عصره، و فنّ الخطط والآثار حیث یرى فیه القارئ صورة واضحة القسمات  الملامح للعهد الإسلامي الزاهر الذي كان ولایزال موضع الغفلة والاستهانة عند كثیر من مؤرّخي المسلمین والمشتغلین بالعلم والدراسات في الجامعات والمجامع العلمیة.
وینتهي الكتاب بذكر الأمور النافعة التي قام بها الملوك المسلمون، والآثار المعماریة والتحف الفنیة التي خلفوها وراءهم، وزیّنوا بها هذه البلاد من شوارع عامّة، وتنظیم البرید، والحیاض والأنهار، والحدائق والبساتین، والمستشفیات والملاجئ للفقراء والعجزة، واستطرد المؤلف في هذا الصدد إلى ذكر المقابر العظیمة والمشاهد الأثریة ، وذكر النوادر التي صنعها المسلمون في الهند. مثلا یقول العلامة في ذكر الحدائق والبساتین:
            "لم یكن بالهند في عهد الهنادك (الهندوس) من الفواكه والأشجار المثمرة غیر"الأنبه"، و"الجامن"، و"الكتهل"، و"التمر الهندي" وأمثالها فلما جاء الإسلام، وعمّر الملوك الإسلامیون بلادها وقراها وحفروا الآبار والأنهار جلبوا من البلاد البعیدة أثمارا وفواكه وغرسوا أشجارها بأرض الهند وأسّسوا الحدائق والبساتین، فإنك كلّ ما ترى من الفواكه والریاحین في أرض الهند كالنخیل، والتفاح، والخوخ، وأصناف اللیمون، وأقسام النارنج، والأعناب، وأمثالها من الفواكه فإنها من آثارالملوك الإسلامیین، والأمراء فإنهم اعتنوا بها أشد اعتناء حتى صارت الهند كلها حدیقة غناء، ممتلئة من أصناف الفواكه وأقسام الریاحین لا یقدر أحد منا أن یضبط ذلك ویحصر ولو كان مؤرخا كبیرا، وبارعا في التاریخ والجغ ا رفیا [14]
ویذكر العلامة الحسني الجوامع والمساجد بالهند فیقول:
"اعلم أن الملوك الإسلامیین قد أسسوا الجوامع والمساجد بالهند ولاتكاد تضبط كثرة، وكذلك الأمراء، قد أسسوا في كل بلدة، وعمالة، وقریة وبذلوا علیها أموالا طائلة، لا یقدر أحد أن یضبط كل ذلك، فلنذكر المعروف هاهنا، ولنطو ذكر الباقي، فأول جامع أسس بمدینة دهلي – على ماأحفظ – الجامع الذي یسمونه قبة الإسلام أو قوة الإسلام، بناه قطب الدین أیبك سنة 587 ھ. شرع في بناء الجامع الكبیر بأمر السلطان شهاب الدین الغوري من حمر الحجارة المنحوتة أبدع نحت، ثم لما ولي الملك بعده شمس الدین أیلتمش(اِلْتُمِشْ)، أضاف إلى جانبیه أبنیة كثیرة من بیض الحجارة، وفي أحد جانبیه المنارة العظیمة، لایكاد یوجد مثلها في الدنیا في الحسن والمتانة[15]  "
ولذا یعتبر هذا الكتاب موسوعة صغیرة للعهد الإسلامي في الهند إذ تتجلى فیه صورة العهد الإسلامي في الهند بكل جلالها وجمالها، وبنظرة واحدة یتبلور لنا جمیع مآثر الملوك المسلمین وأهل الفن والصناعة الحضاریة والبنائیة والإداریة، وهو أیضا كتاب الخطط والآثار التي تتباهى بها الهند بین كتب الخطط التي ألفت من مختلف البلاد والأقطار ویطلعنا هذا الكتاب على جغرافیا الهند وموقعها في الكرة الأرضیة وما یتعلق بها من الأحوال والأخبار بما في ذلك ذكر منتجات ومعادن الهند الثمینة. وبجانب ذلك، له مؤلفات أخرى فى العربیة و الأردیة یبلغ عددها ستة عشر كتابا أهمها "تلخیص الأخبار" الذي اشتهر فیما بعد "بتهذیب الأخلاق" في الحدیث النبوي الشریف و"كل رعنا" فى تاریخ شعر اللغة الأردیة وشعرائها الذي لقي بالقبول الحسن وقررته عدة جامعات للتدریس في الدرسات الأدبیة العلیا، و "یاد أیام" في  تاریخ ولایة غجرات، وحضارتها وعهدها الذهبي الإسلامي، وهو نموذج رائع لتدوین التاریخ على النمط العلمي المفید، ومثال جمیل للتعبیر الأدبي التاریخي.
وقد أشاد العلامة محمد تقي الدین الهلالي الحسیني المغربي- رحمه الله- بفضل العلامة عبد الحي ونوّه بنصاعة بیانه إذ یقول فى رسالة موجّهة إلى تلمیذه الشیخ أبي الحسن الندوي :
"أما ما شهدت به وأعجبت به من علم والدكم، وفصاحته، وحسن تصنیفه وبلاغته وجمال أسلوبه، فقد جاء عفوا، ولم أقصد به المدح والثناء وسرّني مجیئه فى الوقت المناسب، والعجب من الذین شكوا في علمه وتحقیقه، ولا شك أن الحامل لهم على ذلك هو قصورهم في اللغة العربیة[16]
وقد صدق الدكتور السید قدرت الله الحسیني في كتابه "العلاّمة السیدعبد الحي الحسني مؤرّخ الهند الأكبر ومن كبار مؤلفي القرن الرابع عشر الهجري" حین قال فأجاد:
"وٕاذا نظرنا إلى حیاته العلمیة وجدنا أنه ابتكر كثيرا من الأمور العلمیة التي لم یلتفت إلیها العلماء والأدباء من قبل، فهو أول عالم كتب تاریخ الحیاة العلمیة والعقلیة لمسلمي الهند، وجمع أحوال علماء الإسلام الذین نبغوا في الهند، جمع موسوعةتراجمهم  وأحوالهم ، ونقد مؤلفاتهم حتى أصبح كتابه "نزهة الخواطر"(1- 8)علمیة كبیرة مشتملة على آلاف من الصفحات، محتویة على تراجم نحو خمسة آلاف، ولا یوجد كتاب في هذا الموضوع مثله، وهوالمرجع الوحید الكبیر لأهل العلم والتحقیق في هذا الموضوع. أمّا كتابه "الثقافة الإسلامیة في الهند" فهو أیضا كتاب لا یوجد نظیره في هذا الموضوع، فهو للهند ككتاب "كشف الظنون" للجلبي وهو دلیل مستوعب لإنتاج علماء الهند في مختلف العلوم الإسلامیة والأدبیة عب ا رلقرون والأجیال ، ویلیه كتاب "الهند في العهدالإسلامي"، فهو حلقة ذهبیة في سلسة كتب الخطط والآثار التي وضعت لمختلف البلاد والأقطار[17] "
وفي نهایة المطاف، لا یمكننا إلاّ أن نقول إن الله سبحانه وتعالى كما قیّض للأندلس الإسلامیة مؤرخا وصّافاً وأدیباً رسّاماً وهو محمد لسان الدین بن الخطیب الذي ألّف كتابه الفرید "الإحاطة في أخبار غرناطه " في ثلاثة أجزاء، والعلاّمة أحمد المقرئ المغربي الذي ألّف " نفح الطیب لغصن الأندلس الرطیب" ، وكما قیّض لمصر العربیة العلاّمة تقيّ الدین أحمد بن علي المعر وف بالمقریزي الذي ألّف كتابه العظیم "كتاب المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار" المشهور بخطط مصر في جزئین، ولبلاد الشام ابن عساكر الذي ألّف كتابه الشهیر "تاریخ دمشق"، والأستاذ محمد كرد علي الذي ألّف كتابه القیم "خطط الشام" ، كذلك قیّض سبحانه وتعالى لشبه القارة الهندیة مؤرخاً مثالیاً وكاتباً قديراوهو العلاّمة الطبیب عبدالحي الحسني الذي ألّف "نزهة الخواطر" في ت ا رجم أعلام المسلمین الهنود عبر القرون الهجریة من القدیم إلى الحدیث و "الهند في العهد الإسلامي"  في تاریخ الهند الإسلامیة وجغرافیتها وخططها وآثارها، و"الثقافة الإسلامیة في الهند" في تاریخ العلوم الإسلامیة في الهند وٕانتاج المسلمین فیها وكلّ كتاب من هذه الكتب الثلاثة موسوعة في ذاته فأوّلها موسوعة ضخمة شاملة لأربعة عشر قرناً، ولأكثر من خمس مئة وأربعة آلاف ترجمة للمسلمین الهنود. أمّا ثانیها وثالثها فهما أیضاً موسوعتان ولكنّهما صغیرتان في الكمّیة وكبیرتان في الكیفیة، وتقدّمان معلومات وفیرة یعجز عنها كتاب آخر یشبههما في الكمّیة. ویمكن أن نقول بعد هذا التفصیل إنه كان ابن خلّكان الهند في فن التراجم وحاجي خلیفه جلبي في استعراض التاریخ والمقریزي في وصف البلاد.
فخلاصة القول إننا نجد في الهند شخصیات بارزة في اللغة العربیة في كل عصر مثلا العلامة السید غلام علي البلكرامي، والأمیر صدیق حسن خان بهوبالي، والدكتور زبید أحمد، والقاضي أطهر المباركبوري وغیرهم الذین ألفوا كتبا قیمة باللغة العربیة وقاموا بأعمال بحثیة وتألیفیة فیها، لكن العلاّمة عبدالحي الحسني فاقهم بتألیف كتب موسوعیة لم یؤلف مثلها حول الهند قدیماً وحدیثاً فلم یزل ولا یزال ینتفع بها أجیال من الباحثین والمثقفین والمتعلّمین، ولایستغني عنها أحد ممّن یرید البحث عن تاریخ الهند ورجالها وعلومها وفنونها.






[1]   الشیخ أبوالحسن علي الحسني الندوي : حیات عبد الحي( باللغة الأردیة مجمع الإمام احمد بن عرفان الشهید، ا ري بریلي ، 2004 م، ص 141

[2]  الشیخ أبوالحسن علي الحسني الندوي : شخصیات وكتب أثرت في حیاتي ، دار القلم، دمشق، 1410 ھ/ 1990 م، ص 8

[3]  .160المرجع السابق، ص 159

[4]  الشیخ عبدالحي الحسني: الإعلام بمن في تاریخ الهند من الأعلام، دار الحزم، بیروت، لبنان، 1999 م، ص 729 /6

[5]  المرجع السابق، ص 536  /.5
[6]  المرجع السابق، ص 553  /5
[7] الشیخ عبدالحي الحسني: الثقافة الإسلامیة في الهند، مجمع اللغة العربیة،. دمشق 1983 م، ص 9
[8]  المرجع السابق، ص 44
[9] المرجع السابق، ص 57

[10] المرجع السابق، ص 135- 142
[11]  المرجع السابق، ص 142

[12] الشیخ عبدالحي الحسني: الإعلام بمن في تاریخ الهند من الأعلام، ص 6 نقلا عن  الذكریات" للأستاذ الطنطاوي: ص  106/ 8

[13] الشیخ عبدالحي الحسني: الهند في العهد الإسلامي، مجمع الإمام احمد بن عرفان الشهید، ا رئي بریلي، 2001 م، ص 29

[14]  المرجع السابق، ص 343
[15]  المرجع السابق، ص 349

[16]  السید محمد الرابع الحسني الندوي: رسائل الأعلام ، مطبعة ندوة العلماء، لكنؤ، .29م، ص .  28        1984   
[17]  السید قدرة الله الحسیني: العلاّمة السید عبد الحي الحسني مؤرخ الهند الأكبر ومن كبار مؤلفي القرن الرابع عشر الهجري، دا ا رلشروق للنشر والتوزیع والطباعة، جدّة، 30- 1983م، ص 29

مواضيع ذات صلة
الأعلام،, تراجم العلماء, دراسات,

إرسال تعليق

0 تعليقات