ادعمنا بالإعجاب

آراء الشعراء في أسباب النكبة الفلسطينية

د/ أن.أ. محمد عبد القادر
(رئيس التحرير للمجلة ورئيس قسم اللغة العربية بجامعة كاليكوت)

الالتزام الديني في الشعر الفلسطيني المعاصر

إن فكرة الالتزام في الأدب مارة جدلية ووليدة العصر الحاضر ولم يعرفها النظر النقد في العصور الماضية.


الالتزام مصطلح جديد في ميدان الأدب لم يستخدمه الأقدمون ولم يعرفوه والواقع أن مفهوم الالتزام قد ارتبط إلى حد بعيد بمفهوم الأدب نفسه ومدى علاقته بالحياة, وبالدور الذي يقوم به الأدب في توجيه هذه الحياة.
والأديب هو من كانت ألفاظه –سواء كانت شعرا أو نثرا - سورة صادقة عن انفعالاته، هو الذي عانق اللفظ لديه حرارة المعنى والانفعال الذي ولده، الأديب الملتزم هو الشاعر أو الناثر الحر الذى عبر اللفظ عن كامل انفعاله النفسي أنه الصدق في الإنفعال والصدق في نقل الانفعال الصدق الذي ينقل الأديب إلى مقام الحرية الخلاقة المبدعة وإلى مقام المجاوزة للذات والتسابق معها والارتقاء بها وبذلك يصبح الشعر الوطني والقومي والديني جانبا من الرسالة الملتزمة للشعر.
فالشعر العربي الملتزم في العصر الحديث هو الذي عاش حياة أمته حتى أعماقها والذي عاش حياته هو حتى أعماقها، هو الذي رجع على وتره المرهف ما يغتلى في داخله من خفقان فلا يستطيع إلا أن يردد الأصداء الرهيبة التى تطلقها أمته وهو الذي اهتز وتره الشعر لما يجري في الوطن العربي من أحداث ضخمة فيثور لثوار فلسطين والجزائر والعراق ويثور لمآسى لبنان وسوريا وباقي الأقطار العربية وهو يحمل في كل نبضة من حروف شعره بنبضة من شبابه الدافق ورعشة من قلوب الملايين من الشباب العربي الثائر في كل مكان الظامئ إلى المجد والتقدم والتحرر والانطلاق وهو الشاعر الذي يكون صفحة تصور غليان الجيل العربي الشاب في كل أرجاء الوطن العربي.
الالتزام الإسلامي في الشعر هو إظهار الشاعر في شعره من تصور إسلامي قاصدا إشاعته وهو يضطره إلى اتجاه إسلامي الذي هو انطلاقة من تصور إسلامي في نظره إلى الكون والإنسان والحياة وفي نظرته إلى القضايا والأحداث والأشخاص والمشكلات وفي تعبيره عن العواطف والمشاعر، وقد توجد بذور الالتزام الإسلامي أو لمحات منها في شعر بعض الشعراء ممن ليسوا من أصحاب الفكر الإسلامي بل من دعاة الفكر الوطني أو القومي إنما تلمح تلك اللمحات نتيجة الثقافة أو المشاعر لا نتيجة النظرة الشاملة المنبثقة عن التصور الإسلامي الكامل.
ولقد شهد العالم الإسلامي في العصر الحادث لعديد من الحركات التجديدية والإصلاحية التى ظهرت في مختلف ديار الإسلام داعية إلى العودة إلى الإسلام في صفائه ونقائه في الكتاب والسنة بتجاوز عصور الجمود والتقليد الأعمى الذي عطل طاقات المسلمين الفكرية وضيق آفاق نظرياتهم وتأثرت مجموعة من أهل فلسطين بتلك الدعوات وانتمى للحركة الإسلامية عدد كبير منهم وكان منهم الشعراء نطقوا بالشعر الذي عبر عن إيمانهم وفكرهم ونظرتهم الشاملة للدين والحياة والإنسان .
ومن الشعراء الفلسطينين الذين ينظرون إلى الحياة والقضية بمنظار الإسلام كمال عبد الكريم الوحدى وأحمد محمد الصديق وعبد الرحمان بارود ومحمد صيام ومحمود مفلح ومأمون جرار وكمال رشيد وسعيد التيم وأحمد فرح وعدنان التحوي فأفكارهم وصورهم وأمانيهم وأحلامهم كلها جاءت في الإطار الإسلامي ولذلك لا يوجد  في شعرهم سخط على الأقدار ولا سب للزمان في تصوير المأساة وعرض صور النكبة وكذلك الأمر في الحديث عن أسباب النكبة وطريق العودة.
آراء الشعراء في أسباب النكبة الفلسطينية 

وكان من بين  الشعراء الفلسطينين من يرى أسبابا دينية وعوامل أخلاقية ساعدت في حلول النكبة وضياع فلسطين وهزيمة العرب بأيدي اليهود، ووجهة نظرهم إلى هذه الكارثة كانت مختلفة من نظرة أولئك الشعراء الذين نسبوا الهزيمة إلى عوامل سياسية واجتماعية فقط، وهم الشعراء الإسلاميون من أبناء فلسطين أعلنوا في قصائدهم أن الذل والعار والهزيمة التى حل على الأمة المسلمة في فلسطين لم يكن إلا نتيجة مباشرة لإهمالهم الواجبات الدينية وابتعادهم عن طريق النبي والصحابة والسلف الصالح وهجرهم لأحكام الله، وكذلك أشاروا إلى الانحلال الخلقي وابتعاد الأفكار المستوردة واتباع الميول والأهواء كعوامل ساعدت في انهيار العرب، ولإثبات نظرتهم هذه استدلوا بالوقائع التاريخية التى تظهر دور الإسلام في بعث العرب ووضعهم على مسرح التاريخ على أن رؤيتهم لم تكن متشائمة ولا يسخط على الأقدار ولا يسب على الزمان بل كانت حافلة بتفاؤل تلقى والأمل والرجاء في قلوب الشعب بأنه سيتحقق النصر ويسترد الحقوق المسلوبة بعودتهم إلى الدين ودخولهم في السلم كافة، ومن أشهر هؤلاء الشعراء أحمد محمد الصديق وأحمد فرج عقيلان ومحمد صيام وكمال عبد الكريم الوحيدى.   
بعد البحث عن الالتزام الديني في الشعر قلنا كان من بين الشعراء الفلسطينين من يرى أسبابا دينية وعوامل أخلاقية ساعدت في حلول النكبة وضياع فلسطين وهزيمة العرب بأيدي اليهود، فهنا نبذة يسيرة منها.



والشاعر أحمد محمد الصديق يؤكد أن ضياع فلسطين كان يوم ضيع فلسطينيون دينهم الإسلامي وفرطوا بعقيدتهم وتاهوا بين مبادئ الشرق والغرب، فيقول في قصيدته: "سلاما صلاح الدين":
فلسطين ضاعت يوم ضاعت عقيدة
                                             ويأتي فساد الحال أقبح مقتنى
أيصلح في حمل الأمانة أرعن       تعلق في دنيا الضلالات والخنا
أمجد دين أورث العرب سؤدد ا     وينقض ما شاد النبي وما بنى
ليرضى علينا العرب حينا ويحتفي
                                        بنا الشرق أحـيانا ونفقد  ذاتنا
وما زادنا هذا التذبذب عزة    ولكن حصدنا دونه الشوك والعنا
وكان حريسا أن نوطن حزمنا       ونجعل دين الله روحا مهيمنا
لننفض غبار الذل والجهل والهوى
                                          ولا ينبغي أن يحسب الأمر هينا
وقول أحمد فرح عقيلان:
إن العروبة روحها إسلامها     والجسم دون الروح معناه الردى
اسأل صلاح الدين في حطينة    متفقها..... متدينا..... متعبدا
من يلتمس غير الحنيفة منقذا     فهو الذي ابتاع الضلالة بالهدى
لما تبـدلـنا شرائع غـيرنا      بشريعة الإسلام أصبحنا سدى
 تلك المبادى مزقت أعلامنا       وعـذابها الشمل الجميع مبددا وإذا اليهودي الذليل يجوس في    أقداسنا متبججا...... متمردا أن الذي كتب اليهود أذلة     كتب العلاء لحزبه والسؤددا جيش العروبة حين أعلن أنها      ديـن أقام العالمـين وأقـعدا واليوم أعلى أنها دينا فـما        صعدت لفئران البرية شردا، ويقول الشاعر أحمد فرج عقيلان في قصيدته "صرخة":
والجيش من دون إيمان ومعتقد     ضأن يساق إلى حانوت جزار
يا أيها العرب يا أحفاد من طلعوا  
                                         على ظلام الحيارى جيش أقمار
آباؤنا جعلوا الإسلام رايتهم        فلم تكن غير إكليل من الغار
أن يسلخ العرب من إسلامهم رجعوا
                                            على شمال المعالى بعض أسفار
العقل والحق والتاريخ أعلنها      ما في سوى دينكم حظ لمختار
اتحقرون كتابا فيه ذكركم             وتشترون به مسموم أفكار
مبادئ الكفر قد جرت هزائمنا    وصيرت عارنا نشرات أخبار
كما أشار الشاعر إلى سبب آخر وهو تسلط بعض الحكام على الشعوب وهجرهم لأحكام الله وجعل أنفسهم أربابا من دون الله، وخيانتهم للأمانة التى ألقيت على كواهلهم:
هزمنا يوم ضاع الدين منا               أليس الكفر مصدر الانهزام
وهمنا بالمناصب وهي غل                 وأسلمتنا الأمانة للحرامى
ومن علامات ترك الدين والبعد عن الإسلام الانقسام الذي جعل الأمة أمما، وهذا التناحر والتطاعن الذي يتراوح بين الشتائم الإذاعية والمعارك التي تراق فيها دماء المسلمين بأيدي المسلمين أهم علامة لهذا التباعد.
وقال الشاعر أحمد فرج عقيلان في قصيدة بعنوان "إلى المعذبين في الأرض" وجهها إلى أبناء وطنه الذين عذبوا وشردوا من ديارهم ليرسم لهم طريق الحق ليسلكوه:
تفهموا خلق الهادى وسنته
                                    فالنصر في ديننا للمؤمنين الفهم
لا تذهبوا النفس أحزانا فكم عرضت
                                      للمصطفى محنة بالصبر لم تدم
فإن تكونوا خرجتم من مساكنكم
                                 قسرا فقد أخرج الهادى من الحرم
فإن تجوعوا فخير الخلق قاطبة
                                    قضى الطفولة بين العدم واليتم
سلوا بلالا وعمارا ووالده    عن السلاسل والرمضاء والألم
أن عذبوا الجسم فالإيمان معتصم
                                بالقلب مثل اعتصام الليث بالأجم
ويقول أحمد قرج مصورا حال الشعب الفلسطينى مع العرب:
أبكي وأهلى عنى في مخاصمة      نيرانها بسيط الذل تصلينى
في كل نوم لهم نصر ومعركة
                                 وفي المهرجانات لا في مثل حطين
كم أشعلوا بينهم حقدا ومعركة
                                         جيش البلاغة فيها بالملايين
لو تسمع اللعن في المذياع منهمرا
                                    خلت الفصاحة آلت للمجانين
وتحت ألف شعار سار موكبهم
                               يستنـزل النصر من عند الشياطين
حتى نمت دولة الكفار واحتشدت
                               وكان ما كان من خزى ومن هون
والشاعر محمد الشيخ محمود صيام عاشى المآسى والنكبات التي حلت بوطنه، وآمن بحتمية الحل الإسلامى لقضايا أمته، واختار طريق الحق ليكون جنديا من جنوده، وشارك في مجالات عديدة من مجالات العمل الإسلامى، فيسأل في قصيدته "إلى الأمهات المسلمات":
فما لهذا الزمان اختص أمتنا        بالحادثات وغطتها بلاويه
وما لها ما رأت من قبله زمنا          نكراء أيامه سودا لياليه
أمن قليل عتاد أم ترى سبب      غير العتاد نعاني من تفشيه
ثم يجيب لهذه الأسئلة برؤيته الوثيقة بالإسلام:
ماذا يفيد عناد الأرض بين يدى    شعب تنكر مختارا لماضيه
وكل فرد من الأفراد وا أسفا        عليه دور ولكن لا يؤديه
والناس أخلاقهم أمست مزعزعة
                                      والعالم اليوم في خطب سيفنيه
أما الفساد الذي قد بات منتشرا
                                   في هذه الأرض والشيطان ينميه
وفلسطين مشكلة المشاكل في عالم الإسلام، فمنذ حلت النكبة بفلسطين لم ير المسلمون خيرا فتتابعت عليهم النكبات وحلت في ديارهم المصائب، وما حل لفلسطين ليس نكبة مفردة بل نكبات متداخلة يفضي بعضها إلى بعض. ويقول الشاعر نفسه مقارنا بين ماضي الأمة وحاضرها ومشيرا إلى ما تم من المؤتمرات التي أدت إلى ضياع فلسطين:
أفدى زمانا تولى أمر أمتنا          فيه من القوم أبطال صناديد
واليوم أحفادهم أبطال جعجعة      وكل عدتهم شتم وتهديد
وهم على الشعب آساد ضراغمة
                                           وفي المعارك غزلان رعاديد
أم أن تسليمهم هذي الحدود وما  
                                    خلف الحدود لإسرائيل مقصود
ويشير الشاعر أحمد محمد الصديق إلى الدسائس والمهزلة التى من دونها ما حلت النكبة والعبر التى وراءها لا بد أن يعى بها الفلسطيني المسلم:
ما أنهد ركن المنى إلا بمهزلة
                                        أبواقها لم  تزل تطفى فتغوينا
وأقبل الليل أشباحا مروعة
                                       تمزق الشمل تشتيتا.. وتوهينا
وأطفأ الظلم في المنفي مواقدنا
                                           وامتد كابوسه غولا وتنينا
الجاهلية أصنام .. وأنظلمة     
                                         ماحاربت قط إلا الله والدينا
أن الهزائم إذا حلت بنا عبر        فما لهم ينفقون العمر لاهينا
لم ينته









مواضيع ذات صلة
أدبيات, الأشعار, دراسات, مقالات, نداء الهند،،نداء الهند,

إرسال تعليق

0 تعليقات