ادعمنا بالإعجاب

دور الهند في تطوير العلوم الإسلامية


الدكتورة محجبين أختر
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد بن عبد الله وعلى من صحبه وتبعه إلى يوم يلقى فيه كل إنسان ربه. أما بعد!
فالعلم جوهر فطري في الإنسان وسبيل لنجاح الأمم وتقدمها، بفضله ترتقى الأمم إلى المدارج العليا، وبفقده تقع في هوة الذل والمهانة. ومنذ قديم الزمان إلى الوقت الحاضر، كان العلم ثروة فخرية لجميع الأمم. ومع كون العلوم الدينية مجهولة قبل الإسلام لدى الأمم، فالتذوق العلمي كان متواجدا فيهم، فعلوم الطب والفلسفة والحكمة كانت عامة في الروم واليونان، والبلاد المثقفة في ذلك الوقت كانت تتلمذ على الهند في علم الهيئة والرياضيات، واشتهرت في العالم بلاغة العرب البدو.


فلما جاء الإسلام حوَّل التذوق العلمي للناس وخاصة للعرب إلى طريق خاص، وزودهم بكتاب بليغ كالقرآن الذي يشتمل على علوم العقائد والتوحيد والفقه، غير أن نموذجه العملي كان بشكل حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فجمعت أقواله وأفعاله مما أدى إلى نمو علم الحديث، وما قد فهمه الصحابة من القرآن أرشد إلى علم التفسير، فكل هذه العلوم الدينية والتعاليم الإسلامية انتشرت مع الإسلام في العالم.
وإلى الوقت الذي كان الإسلام في حدود العرب، لم يكن القرآن في حاجة إلى إعجامه بالشكل والنقط، لأنهم كانوا أصحاب اللغة مفطورين على تلاوة القرآن بدون الشكل والنقط، ولكن لما توسع الإسلام وبدأ يدخل الأعاجم فيه وبدأت الأخطاء تحدث في تلاوة القرآن الكريم، ودونت قواعد النحو والصرف وأصول البلاغة العربية، ولما تعارضت الفلسفة مع الإسلام ظهر علم الكلام دفاعا عن الإسلام. وهذا يعني أن العلوم المختلفة ظهرت بفضل الإسلام، وحيثما وصل المسلمون بتلك العلوم أسسوا المدارس والمعاهد ولم يبق مكان من أماكن الحكومة الإسلامية إلا عمر بالنشاطات العلمية.
وأما بالنسبة للهند فبدأت تنصب عليها أشعة الإسلام منذ عهد الصحابة، ويدلنا التاريخ على تنقلات بعض التجار العرب في الهند منذ ذلك العهد، والتاريخ لم يذكر كيفية نظام التعليم في الهند خلال القرنين الأول والثاني، غير أن بعض الآثار في جنوب الهند تدلنا على عناية العرب في القرن الثالث بتعليم المسلمين الجدد وبناء بعض المساجد في منطقة "مالابار" الساحلية التي كان يجرى فيها التعليم الديني للمسلمين الجدد، ولكن هذه الجهود كانت شخصية لم تكن على نطاق واسع.
لما دخل السلطان الغوري في الهند أسس فيها الحكومة الإسلامية، ثم بفضل عناية الملوك المسلمين بالعلم والفن ارتكز العلماء والصوفية في الهند، وقاموا بنشر العلوم الدينية غرسا وبذر حب الإسلام فيهم، الأمر الذي راج الذوق العلمي في الناس حتى إنهم بدأوا يشدون الرحال للحصول على العلوم الإسلامية، ويفتخرون بالتتلمذ على أيدى أهل العلم، وكان يوجد في العلماء أنفسهم أيضا رغبة شديدة في التدريس والإرشاد والتذكير والتأليف إلى حد أنهم كانوا يغادرون أوطانهم ويتجهون إلى بلاط الأمراء والملوك، ويشتغلون هناك تحت إشراف ورعاية الملوك بكل طمأنينة.
ولم تزل هذه الرغبة العلمية في قلوب المسلمين حتى جاء عهد الملك "علاء الدين الخلجي"، ففي خلال نصف قرن من عهده وجد علماء أجلة لم يوجد أمثالهم في مراكز العلوم الإسلامية آنذاك من "سمرقند" وغيرها.
والحق، أن الهند أصبحت لعنايتها بالعلم آخر مركز مرجع لعلماء الإسلام فيتجه إليها العلماء أفواجا من بلاد أخرى، أعد المؤرخ الشهير ضياء الدين برنى في كتابه "تاريخ فيروز شاهى" قائمة طويلة للعلماء غير الهنود، الذين وصلوا إلى الهند في عهد السلطان شمس الدين التمش بعد استيلاء التتاريين على العالم الإسلامي، وقاموا بنشر العلوم الدينية ببناء حلقات التعليم، ومن هؤلاء الشيخ رفيع الدين الشيرازي والشيخ جلال الدين الدواني، وقد عمرت الحياة الهندية للهند اليوم بفيض دروسهم. فالدرس النظامي يروى اليوم الغلة العلمية للهنود.
الحقيقة أن شيخا من أسرة أبى أيوب الأنصاري اسمه علاء الدين الأنصاري، نزل في زمان بالهند ثم ولد في سلالته "ملا قطب الدين" وهو الذي أسس الدرس النظامي، وظهر من حلقات درسه علماء بارزون وفضلاء ممتازون، وكان من تلامذته شخصيات فذة كانوا بمثابه الثروة العلمية في العهد العالمغيرى، التي تفتخر بها الهند حقا. ومن هؤلاء :ملا نظام الدين فرنجى محلى" الذي اشتهر بمؤسس الدرس النظامي، وكان من أساتذته "مولوى أمان الله بنارسي" و"ملا محب الله بيهاري" صاحب سلم العلوم ومسلم الثبوت، و"قطب الدين شمس آبادي" وملا جيون، صاحب نور الأنوار.
ويبدو من هذه النشأة العلمية الهائلة ورعاية العلماء السريعة أنه كان في عهد السلف اهتمام بالغ بنشر وترويج التعليم الديني على مستوى العالم، ويؤيد ذلك ما كتبه صاحب "صبح الأعشى" فيما يتعلق بمدينة دلهي:
 كان في مدينة دلهي ألف مدرسة في عهد "تغلق" وكانت كلها ملتزمة بالفقه الحنفي إلا واحدة فكانت على الفقه الشافعي" ويذكر عن ذلك العهد أنه كانت بمدينة "تت" فقط أربع مائة مدرسة للعلوم والفنون المتنوعة يصرف عليها من الخزانة الملكية مبلغ كبير. والحق أن تربية العلماء والصوفية وتذوقهم العلمي كل ذلك كان بمنزلة الجامعة للعلوم الدينية، فحيثما كانوا يتجهون، تنفجر أنهار مياه الحياة لظمآن العلم يتروى بها خلق كثيرون، بالإضافة إلى بيوت العلماء وزوايا الصوفية التي كانت مدارس مستقلة.
وماعدا العاصمة دلهي كان في الهند مركزان للعلوم الدينية مازالت النشاطات العلمية فيهما بفضل العلماء وأصحاب الفنون أحدهما شيراز الهند الذي يصح أن يقال فيه: إن كانت مدينة دلهي عاصمة الهند في الحكومة فشيراز الهند عاصمتها في علم الحديث، فتقام هناك دراسات لعلم الحديث ويستفيد بها جميع أهل الهند.
ومما يشير إلى وجود النشاطات العلمية هنا ما كتبه مولانا مناظر أحسن الكيلاني حيث قال :
" يوجد في حدود عشرة أو عشرين ميلا بنيان للسكان الكرام يحصلون على مراعاة الرواتب والعقارات من الملوك،  وهناك مساجد و مدارس وزوايا أيضا، وفتح المدرسون العظام حلقات الدرس في كل مكان".
والحاصل أن بلاد الشرق كلها كانت موطن العلم والفن، إلا أن " جونفور " كانت بالأخص تحتل مكانة متميزة في الثروة العلمية، فنشرت علم الحديث في أرجاء الهند، وظهر في هذه المدينة أول شارح هندي لصحيح البخاري باسم فيض الباري وكان اسمه عبد الأول، كما طلع في هذه السماء العلمية من الكواكب النيرة أمثال ديوان عبدالرشيد وملا محمود الفاروقي الذين قال العلامة شبلي فيهما أنه لم يجتمع بعد العلامة التفتازاني والعلامة الجرجاني عالمان عبقريان مثلهما في وقت واحد.
والمركز الثاني " فرنكى محل " الذي هو أول مركز للدرس النظامي، ازدحم فيه العلماء كالبحر المتلاطم، وكما قال العلامة شبلي أنه لو أحرم أحد في الهند كلها إحرام العلوم الدينية لاتجه إلى فرنكى محل، ومن أبناء هذا المركز الخالدين ذكرا والمعروفين في العالم ملا عبدالعلي الملقب ببحر العلوم ومولانا عبدالحيء اللكنوي الذين تفتخر بلادنا الهند بخدماتهما العلمية ويثنى عليهما العالم الإسلامي.
وإذ كان جهود المعلمين والمتعلمين عاملا أساسيا للتطور العلمي في الهند من جهة فتأييد الملوك وإشرافهم على التعليم الديني، وحبهم له مما يثني عليه ولا ينسى ذكره. ومن مظاهر إشرافهم السخي أنهم كانوا يدعون العلماء من الخارج بصرف أموال طائلة مما يسبب ازدياد شرف مجالسهم وشهرة حكومتهم. يذكر في الملك شمس الدين التمش، أنه كان يتفقد العلماء في الليالي في الحلة البالية ويلقى الأموال إليهم سرا، وكان هو نفسه مريدا للخواجه "بختيار كاكى"، فكان يخدمه بالرغم من أنه كان ملكا شديدا. وخير دليل على تقديره للعلماء ما نقله "ضياء الدين برني" من مقولته :
"كم أشكر الله على أنه ساعدني بهؤلاء المعاونين والمؤيدين الذين كل واحد منهم خير منى، ثم الناس يمشون ورائى حسب تقاليد الملوك ويقدمون أيديهم أمامي للنذر، ويقومون لي في البلاط، إلا أنني أستحي أمام منزلة أولئك وأتمنى أن أقبل أيديهم أرجلهم نزولا عن العرش".
وكان الملك "بلبن" يحب العلماء إلى حد لم تخل مائدته منهم. وعلى شدة رغبة الملوك في العلم كانوا يجمعون حسب ميولهم الكتب القيمة النادرة من خارج البلاد، وعلى ذلك الكتب التي كانت تعتبر في السابق نادرة لم تبق نادرة. والحاصل أن حب العلم ومساندة أهل العلم كانت أكبر علامة للجود، والملوك كانوا يبنون المدارس والكتاتيب والزوايا لذكرى عهدهم، وكان مستوى المفاخر عندهم أهم الإنتاجات العلمية. فكل عصر من عصور ملوك الهند المسلمين وكل قرن من تاريخ الهند كان عصرا ذهبيا من ناحية الأعمال العلمية إلا أن بعضها يمتاز بميزات خاصة، فيمكن لنا تقسيم تلك العصور إلى أقسام تالية:
العصر الأول :
قد مر على الهند أربعة عصور بلغت النشاطات العلمية فيها ذروة التفوق، وظهرت فيها الدراسات الجديدة الممتازة. فيبدأ العصر الأول بالعاصمة دلهى، وكان الإشراف على العلم والفن في هذا العصر من أمثال "شمس الدين التتمش" و"محمد تغلق" و"سكندر لودي" محبى العلم. وبذلك أصبحت الهند رائدة في هذا العصر للعالم الإسلامي في ميدان العلم والفن، فكثير من العلماء والكتاب التجأوا إلى الهند بعد ما دمر جنكيزخان و هلاكوخان العالم الإسلامي، فاجتمع زبدة من أهل العلم في الهند. وقد عم  العلم في هذا العصر إلى حد أن النساء والإماء كانت حافظات للقرآن الكريم.
فحسب بيان ابن بطوطة كان حال تطور التعليم في مكان واحد من أماكن جنوب الهند اسمه "هنور" إلى حد أن غالبية عدد نسائه كانت حافظات للقرآن، وكانت هناك ثلاث عشرة مدرسة للبنات وثلاث و عشرون مدرسة للبنين. وكان محمد تغلق نفسه عالما كبيرا وحافظا لكتاب الهداية في الفقه. وبنيت في ذلك العهد مدينة جونفور التي صارت جامعة علمية وآخر ملجأ للعلماء بعد مذابح تيمور.
ولما كان ملوك ذلك العهد محبى العلم فتطورت العلوم المدنية بمساندتهم تطورا بالغا، و  عُني بتدوين الفقه، وكتابة التفاسير والتراجم عناية خاصة، فألف بالإشراف الملكي "فتاوى تاتارخانية" الذي يعتبر ثروة علمية قيمة لذلك العهد، وكان الفقه في ذلك الوقت من أهم الموضوعات لدى العلماء حتى قيل إن أوائل القرن السابع ابتعد إلى حد ما عن علوم الحديث.
العصر الثاني :
هذا العصر عرف بالعهد الأكبرى، والذي يقال عنه إنه عصر الصراع الديني إلا أن هذا الصراع كان في حدود البلاط الملكي، ولم يحدث انقلاب في تطور التعليم بالنسبة إلى العهد السابق، ولكن هذا العصر يمتاز بنشر الإسلام وحدوث التطورات في مجال الدراسة كما يقول به مؤرخ:
 "حدثت في عهد الملك أكبر تغيرات عديدة بارزة في مجال الدراسة.
كانت كتب العلوم والفنون في عهد الخلجيين والتغلق على قلة في الهند، وكان أكثر ما يعتنى به الفقه وأصوله، ثم ازداد في عهد اللوديين بعض الكتب في العلوم العقلية، ولكن العهد الأكبري امتاز بكثرة الكتب في المعقولات، ومن أهم اسبابه اتجاه بعض العلماء من إيران وسمرقند إلى الهند، الذين ساهموا في ترويج المنطق والفلسفة.
يدل ما سبق على حدوث تطور كبير في العلوم في العهد الأكبري على الرغم من الصراع الديني، ويعود فضل ذلك التطور إلى الشيخ أحمد سرهندي المعروف بمجدد ألف ثانى، والشيخ عبدالحق المحدث الدهلوي اللذين كان يرويان بعلومها الهند كلها بل العالم الإسلامي أيضا.
العصر الثالث:
  يحتل العهد العالمغيري أهمية خاصة بل عنوانا مستقلا لتطور العلوم الدينية، بل النشاطات التعليمية الحالية بفضل ذلك العهد. هذا العهد يمتاز بكثرة المدارس الدينية وانتشارها بين المدن والقرى، وكان تعيين المدرسين فيها من جهة الملك.
كان عالمغير ملكا مدبرا كيسا وحازما في أمور المملكة إلى جانب شغوفه بالعلم، حيث أشرف في عهده على تأليف كتاب قيم في الفتاوى باسم "فتاوى عالمغيرية" الذي قال فيه باحث إن هذا الكتاب أغنى العلماء عن جميع مؤلفات الفقه.
والخلاصة أن هذين العهدينالأكبري والعالمغيريبابان مشرقان لتاريخ الهند وحقيقان أن يجعلا موضوعين مستقلين. وكان عهد هذين الملكين ممتدا من القرن العاشر إلى القرن الثاني عشر الهجري، وفي ذلك العهد كانت سيادة العالم الإسلامي بيد الأتراك العثمانيين، وكانوا
متعطلين في المجال العلمي، فالعالم الإسلامي كله وقع في الجمود العلمي والانحطاط الفكري، بينما كانت الأمم الأوربية تتقدم بكل قوة وتصدر مدارج الرقي، يقول الشيخ أبوالحسن علي الندوي:
"ولم يكن الجمود العلمي والكلال الفكري مقتصرين على تركيا و أوساطها العلمية والدينية فحسب، بل كان العالم الإسلامي من شرقه إلى غربه مصابا بالجدب العلمي، وشبه شلل فكري، قد أخذه الإعياء والفتور واستولى عليه النعاس".
وبالتالي قلما وجد في هذه الفترة الطويلة رجال برزوا في المجال العلمي وأضافوا إلى التراث العلمي إضافة قيمة، إلا أن الهند تفتخر بأنها أنجببت في هذه الفترة المجدبة جبال العلم مما امتازت به الهند عن البلاد الإسلامية، يذكر الشيخ أبوالحسن علي الندوي هذه الميزة للهند وخدماتها العلمية الغالية قائلا  :
"إذا استثنينا بعض الأفراد في أطراف العالم الإسلامي، كالشيخ أحمد بن عبدالله السرهندي( المتوفي سنة ١٠٣٤ ه ) صاحب الرسائل الخالدة فيىالشريعة والمعارف الإلهية، والشيخ ولي الله بن عبد الرحيم الدهلوي المتوفي سنة ١١٧٦ ه صاحب "حجة الله البالغة" و "إزالة الخفاء" و الفوز الكبير" و "رسالة الإنصاف"، وابنه الشيخ رفيع الدين المتوفي سنة ١٢٣٣ ه صاحب "تكميل الأذهان" و "أسرار المحبة" والشيخ اسماعيل بن عبد الغني بن ولي الله الدهلوي المتوفي سنة ١٢٤٦ ه صاحب "منصب الإمامة" و "العبقات" و "الصراط المستقيم".
وخلاصة القول إن هؤلاء العلماء الكبار بذلوا كل جهودهم في تطوير التعليم الإسلامي وقاموا بتجديد وإحياء كل العلوم التي نشأت وتطورت من حين لآخر. فإن كان عصرهم مقدمة لسقوط الهند حيث  حُرم  المسلمون بعدهم عن السياسة، ولكنهم خلفوا وراءهم بديلا غاليا في صورة المؤلفات القيمة، فأشعة العلوم الدينية التي تشرق اليوم في الهند كلها من آثار ذلك العهد الميمون.
العصر الأخير القوي:
هذا العصر يمتاز بنشأة الحركة القوية للتعليم وانفجار عين التعليم  الإسلامي وصيانة الملة الإسلامية، وظهرت بشكل أكبر مركز للتعليم الإسلامي في آسيا، وكان العامل الأساسى وراء تأسيسه فكرة الشاه ولي الله الدهلوي التي ألهمها الله في قلبه، فعرف أن الدهر قد تقلب، فلا يفيد في هذا الوضع الاكتفاء ببيان كل الدين حتى تشرح الجزئيات بالدلائل النقلية والعقلية، وهذا ما دفعه إلى تأليف كتابه "حجة الله البالغة" كما بين ذلك في سبب تأليفه.
وانتقلت فكرته هذه إلى من بعده حتى جاء الوقت الذي انطفأ فيه مصباح الحكومة الإسلامية وحل محلها الانجليز بالثقافة الغربية المادية، الذين استولوا كفاتحين على النظام التعليمي الدينى، وذلك لأن الفاتح لايؤثر فقط في السلوك الظاهر للمفتوح بل يهاجم على فكره وحضارته وتعليمه أيضا.
وكان هذا الوضع السائد الذي ابتلى به المسلمون خطيرا جدًاو فكانوا في حاجة إلى حراسة دينهم وثقافتهم، فاجتمع نخبة من العلماء والمفكرين الحاملين حول فكرة الشاه ولي الله، وأمسكوا زمام المسلمين الهنود وأسسوا لتعليم المسلمين جامعة دارالعلوم بديوبند التي اشتهرت فيما بعد بأزهر الهند. وكان المنهج الدراسي فيها على طراز الدرس النظامي، وفعلا أنقذت هذه الجامعة المسلمين من الجمود والانحطاط، والتي تعادل وحدها بخدماتها العلمية آلاف المدارس في عهد تغلق في الخدمات التعليمية، ومدرسة فيروز شاهى في علو الشان، وقامت خلال فترة قصيرة بخدمات جليلة لايوجد لها نظير في تاريخ الهند والعالم الإسلامي، ثم وسعت شبكتها على منهاجها بصورة مدارس مختلفة كثيرة في أرجاء الهند، التي لاتزال تعمل جاهدة في نشر العلم.
أهمية علم الحديث في الدرس النظامي :
إن جزءا كبيرا من منهاج التعليم الديني في الهند يختص بالمنهاج النظامي الذي يعرف في الهند بالدرس النظامي، ويتضمن المواد الدراسية الدينية الخاصة، من النحو والصرف والمنطق والحكمة والرياضيات والبلاغة والفقه وأصوله وعلم الكلام والتفسير والحديث، إلا أن بعض المواد منها كالفقه والتفسير وعلم الحديث تحتل درجة الأصالة.
ولما شاع التعليم الديني في الهند على أيدى العلماء والوافدين وكان أغلبهم على الفقه الحنفى، انتشر الفقه الحنفى بوجه خاص، وبالرغم من ذلك إذا نظرنا إلى علم الحديث اتضح لنا أن الهند تمتاز بخدمة علم الحديث أيضا مما يقدره العالم الإسلامي.
وخير دليل على ذلك ما قام به الشيخ حسن الصنعانى اللاهورى من خدمات جليلة في مجال علم الحديث في العهد الذي كان العالم مشغولا بالمذاهب الفقهية وكانت تبنى لذلك المدارس والمعاهد على نطاق واسع، وكان الفقها يسعون لإعلاء ومذاهبهم الفقهية وإبراز وجهاتهم النظرية ويستندون إلى كل حديث صحيح أو ضعيف حتى موضوع، وتوضع بعض الأحاديث لهذه الأغراض المذهبية، وحتى القصاص أيضا كانوا يضعون الأحاديث لتزيين قصصهم. وبالجملة أصبح علم الحديث شبه ضائع.
في مثل هذا الوضع ظهر الشيخ حسن الصنعانى اللاهورى مجددا لعلم الحديث، وقام بخدمته خير قيام، وقدم إلى العالم الإسلامي مؤلفات قيمة منها كتاب "مشارق الأنوار".
فالحق أن المحدثين الهنود لو لم يلتفتوا أيام انحطاط العالم الإسلامي إلى علم الحديث لوقع العالم الإسلامي اليوم في مشكلات دينية، ولم يكن اليوم هذا العلم على هذا التطور والرقى، كما يقول العلامة رشيد رضا المصرى :  
"ولولا أن بذل إخواننا الهنود جهودهم في علوم الحديث في هذا العصر لا نقضى هذا العلم في المناطق الشرقية الإسلامية، لأن مصر والشام والعراق والحجاز كلها بلغت من القرن العاشر إلى القرن الرابع عشر الهجرى مبلغ الضعف الانحطاط".
فإذا ألقينا النظر على التاريخ وجدنا أن علم الحديث كان متنورا في الهند من القرن الثاني، الذي أضاء العرب مصباحه من منطقة السند، وانتشر شيئا فشيئا إلى القرن الرابع في أوساط الطلاب الهنود، فالمحدثون المنصوريون خير مثال على ذلك. إلا أن هذا العلم صار نوره ضئيلا إلى القرن السادس باستثناء بعض الشخصيات، ثم في القرن السادس و إن أصبحت الهند بلدا إسلاميا إلا أن الفقه والعلوم العقلية غلبت على علم الحديث.
ثم لما قامت الدولة البهمنية في الدكن والدولة المظفر شاهية في غجرات دعا هؤلاء الملوك نخبة من المحدثين من أنحاء العالم الإسلامي لترويج علم الحديث تحت إشرافهم ومراقبتهم السخية، فقام هؤلاء المحدثون بإحياء ونشر علم الحديث في الهند بكل جهدهم ونشاطهم، وبفضل حلقات دروسهم..
وهما ممن ينتمى إلى بعض هذه الوجهات الشاه ولي الله الدهلوي والشيخ عبدالحق الدهلوي الذين ينتهى إليهما سلسلة أسانيد الحديث في الهند حاليا. ويمثل جهودهما خير تمثيل ويشرف على العلوم والمعارف الإسلامية خير إشراف المدارس الإسلامية في الهند، فتقوم بدارسة علم الحديث دراسة علمية، بل تغنى أهالى الهند عن البلاد الأخرى بتنظيم جيد للتعليم.
وبالجملة فموضوع دخول العلوم الإسلامية في الهند و أثرها و جهود علماء المسلمين الهنود حقيق أن يبرز و ينشر بالكتابة والخطابة فهذا واجب علينا دينيا وعلميا.
(الف) باللغة العربية
١ صبح الأعشى
٢ القراءة الراشدة، لأبى الحسن علي الندوي
٣ ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، لأبى الحسن علي الندوي
٤ مفتاح كنوز السنة.
(ب) باللغة الأردية
٥ تاريخ دارالعلوم ديوبند
٦ رود كوثر
٧ سفرنامه ابن بطوطه
٨ علم حديث مين براعظم باك و هند كا حصه
٩ مقالات شبلى
١٠ هندوستان كى سلاطين علماء اور مشائخ كى تعلقات بر ايك نظر
١١ هندوستان مين مسلمانون كا نظام تعليم و تربيت، مولانا مناظر

احسن كيلانى.

مواضيع ذات صلة
أدبيات, دراسات, مقالات,

إرسال تعليق

0 تعليقات