ادعمنا بالإعجاب

الحفاظ على القيم الأكاديمية أول واجبات الباحث )حوار مع الأستاذ الدكتور ن. أ. محمد عبد القادر( السيد عبد الله الأماني

الحفاظ على القيم الأكاديمية أول واجبات الباحث
  )حوار مع الأستاذ الدكتور ن. أ. محمد عبد القادر(
                               السيد عبد الله الأماني
                 والسيد عبد الرحمن كوتي الملافالي

شخصية الأستاذ الدكتور ن. أ. محمد عبد القادر غنية عن التعريف في الأوساط الأكاديمية. بدأ الأستاذ حياته الرسمية في منصب المحاضر في كلية فاروق في يناير عام 1982م. والتحق بجامعة كاليكوت في منصب الأستاذ المشارك عام 1998م. تولى رئاسة قسم العربية مرتين. يعمل حاليا أستاذا في قسم العربية ورئيسا لهيئة الدراسات العربية (الماجستير). وسيتقاعد عن الخدمة الرسمية في السادس من حزيران القادم.
نال شهادة الدكتوراه في العربية عام 1992 لبحثه حول تأثير قضية فلسطين في الشعر العربي الحديث. له عدة مؤلفات بما فيها الأعمال المحررة والمترجمة، كما نشرت له أكثر من 200 مقالة في المجلات البحثية والموسوعات والدوريات. وهو متخصص في الشؤون الأكاديمية، وصاحب خبرة واسعة في مجالات مختلفة. نرجو أن يسلّط هذا الحوار الضوء على جوانب متنوعة لشخصيته الفريدة.

دارسا
كيف تتذكر أيامك الأولى للدراسة الرسمية ؟

بدأت دراستي الرسمية من المدرسة الابتدائية في ونمناد (قرب جاوكاد بمحافظة ترشور) التي كانت تحت إدارة خالي، والتحقت بعدها بالمدرسة الثانوية القريبة والتي كانت أيضا تحت إدارة خال آخر لي. وأما تربيتي الدينية فبدأتها من مدرسة "حياة الإسلام" التي كانت تابعة لهيئة تعليم الدين الإسلامي لعموم كيرالا. وكان لهذه المدرسة أثر كبير في أوساط المسلمين في البلد. وأتذكر الآن صدر المدرسين فيها الأستاذ "باوى المسليار" الذي كان متشددا على أن يكون التزام الأطفال المسلمين بالتربية الدينية بقدر التزامهم بالمدارس العامة الحكومية أو فوق ذلك.
وكنت في ذلك الوقت بعد الفراغ من دراستي المدرسية في كل يوم أحضر حلقة الدروس الخاصة بالمسجد الجامع التي كانت تقام بعد صلاتي المغرب والصبح تحت قيادة الأستاذ ت. م. محمد المسليار الفيضي. ومن هذه الدروس لعلوم النحو والصرف والبلاغة وغيرها تبدأ قصة علاقتي باللغة العربية وقوانينها ومبادئها. وكان لي حضور فعال وتفاعل جاد مع الأسلوب التربوي لهذه الدروس حيث كنت فائقا بين زملائي الذين كانوا يدرسون فيها بدوام كامل. وكنت مولعا بإتقان قواعد النحو والصرف. وتعتبر هذه الدروس بالنسبة لي المورد الأول في حياتي الذي اغترفت منه أصول اللغة العربية.

وبعد المرحلة الثانوية ؟
كان هناك ارتباك عما سيكون وجهتي بعد الثانوية. وكان والدي غير مقنع تماما عن أدائي في امتحان الثانوية ونسبة الأرقام التي حصلت عليها مع أني كنت حائز أعلى رقم بين الدارسين في الدفعة الأولى من مدرستنا. وقضيت عاما كاملا في ونمناد أحضر حلقة الدروس وأمارس الكتابة على الآلة الكاتبة.
وفي العام التالي سافرت من ونمناد لألتحق بكلية PSMO في ترورنغادي لدورة ما قبل البكالوريوس. وكانت حياتي في هذه الكلية بداية عهدي بالحياة الجامعية. اخترت المجموعة الثالثة التي كانت تمثل العلوم الإنسانية رغم أن أرقامي للثانوية عالية والذين حصلوا على مثل هذه النسبة من الأرقام كانوا يرغبون في الالتحاق بالمجموعات الأخرى التي تعود على الدارسين بفوائد مهنية وافرة. وكنت مقيما في هذه الفترة في تشيلاري التي كان مسرح العمل لوالدي كناشط ديني . وكنت في هذه الفترة أقرأ بعض الكتب الدينية على الأستاذ أمانة كويني المسليار الذي كان خطيبا في مسجد جديد تم تأسيسه في تشيلاري. ونقل أسرتي كليا من ونمناد إلى تشيلاري التي أسكن فيها حاليا إنما تم بعد إتمامي دورة ما قبل البكالوريوس.

كلية فاروق تعتبر محطة هامة بالنسبة لحياتك. كيف كانت تجربتك فيها كطالب؟
بعد أن أتممت دورة ما قبل البكالوريوس بالتفوق التحقت مباشرا بكلية فاروق لدورة البكالوريوس في اللغة العربية والتاريخ الإسلامي. لا أشك في أن كلية فاروق كان لها أثر كبير في حياتي العلمية حيث كانت في ذلك الزمن محطة لكثير من الأساتذة المرموقين منهم الأستاذ و. محمد الذي كان رئيسا لقسم العربية لكلية فاروق آنذاك. وكان صاحب شخصية محترمة لدى الطلاب والمدرسين يجذب الجميع من مظهره الفاخر مرتديا البدل والمعطف وربطة العنق, ودروسه التي كان يلقيها باللغة الإنجليزية السهلة كانت رائعة جدا، وكنا نستمع إلى دروسه برغبة وانجذاب بالغين لساعات من غير أن نشعر بالملل. وكانت هي أولى تجربة في حياتي أن أستمع إلى دروسه التي يوضح من خلالها المسائل المختلفة في ضوء الآيات القرآنية والأحاديث النبوية حيث كان يترجمها ويشرحها في أسلوبه الفريد الخلاب. وكانت مواقفه الدينية والاجتماعية راقية ومتوازنة ومتميزة بعدم الانحياز الفكري.
وكانت العلاقة الشخصية بيني وبينه حميمة للغاية حيث استدعاني أنا شخصيا عندما التحقت بالكلية وعرّفني للآخرين بأني نجل السيد عثمان صاحب وشجعني على اختياري للغة العربية والتاريخ الإسلامي رغم أني حزت أرقاما عالية في دورة ما قبل البكالوريوس. وحظيت عنده بحنان أبوي وعناية خاصة.
ومن أساتذة قسم العربية الذين تأثرت بهم في كلية فاروق الأستاذ محيي الدين كوتي -الذي أصبح مترجما في "Saudi Gazette" فيما بعد- والأستاذ إسماعيل لبا، ومن أساتذة الأقسام الأخرى الأستاذ ك. محمد حسن والأستاذ ممو صاحب (صارت بنته ريحانة شريكة حياتي فيما بعد) والأستاذ ا. ب. عبد الرحمن وغيرهم.
وحياتي في كلية فاروق هي التي أفادتني كثيرا في الاتصال باللغة العربية الحديثة والعربية الوظيفية واللغة الإنجليزية والاطلاع على المجلات والدوريات المعاصرة التي صبت نهائيا في صالح تطوير مهارتي اللغوية والقدرات الإنشائية.

ما هي ذكرياتك عن جامعة كاليكوت وأنت طالب ماجستير في رحابها ؟
الدكتور احتشام أحمد الندوي كان رئيس قسم اللغة العربية عندما التحقت به كطالب ماجستير. والأستاذ ك. م. محمد والأستاذ إسماعيل لبا والأستاذ إ. ك. أحمد كوتي كانوا أعضاء هيئة التدريس. وكان لكل أستاذ منهجه في التدريس. وكان الأستاذ إ. ك. منضبطا في أدائه التدريسي وفي التعامل مع الدارسين.
وكان حرم الجامعة مرتعا خصبا للعلم والاستفادة والاتصال بعالم القراءة الواسعة. واستخدمت المكتبة المركزية الواقعة في حرم الجامعة كوسيلة للاطلاع على الأدب العربي والأدب العام. وشغفي للقراءة العامة الذي رافقني من أيام إقامتي بونمناد حيث كنت عضوا في مكتبة عامة في بلدي قد أصبح متكاملا في حرم الجامعة وفي ظروف إمكانياتها الواسعة للقراءة.
وكانت دورة الماجستير تتكون من خمسة أو ستة دارسين وكنت أيام الماجستير لا أبرح في غرفة الباحثين للقراءة والتحليل والمناقشات واستطعت بفضل الله أن أكمل الماجستير بنجاح فائق.

ربما لا يوجد بين أساتذة العربية في الهند من يحمل البكالوريوس في الحقوق سواك. ماذا حملك على اختيار هذا الطريق المتميز؟ وإلى أي مدى استفدت بشهادتك في الحقوق؟
نظرا لأهمية الوعي القانوني بالنسبة للنشاطات التي كنت أقوم بها في ذلك الوقت والتي كنت أرغب لها في مجال السياسة وحقوق الإنسان عزمت على أن ألتحق لبكالوريوس الحقوق في كلية الحقوق بكاليكوت بدوام مسائي. واستطعت بتوفيق الله أن أتمم هذه الدورة بنجاح في المحاولة الأولى مع أن كثيرا من الطالبين بها بدوام كامل كانوا يكملونها بمحاولتين أو أكثر.
واستفدت من تربيتي القانونية في العمل الذي كنت أقوم به في دولة قطر كما ساعدتني في مجال الترجمة القانونية حيث كنت أستطيع إدراك المصطلحات القانونية بسهولة. وفرص المهن وافرة في الخليج  لمن حصل على تربية قانونية مع الملكات اللغوية في مجال الترجمة القانونية.

باحثا
العنوان الذي اخترته لبحث ماجستير الفلسفة كان "محمود درويش: حياته وآثاره" وبحثك  للدكتوراه كان أيضا عن تأثير قضية فلسطين في الشعر العربي الحديث. ما هي تلك الخلفية التي شكلت عقليتك في تلك الفترة من حياتك؟
كانت حركات التحرر من الاستعمار في أنحاء العالم تتوهج يوما فيوما. والشباب المثقفون في كيرالا كانوا يتفاعلون مع كل تطور عالمي ويتعاطفون مع الحركات التحررية. والأحزاب اليسارية وأجنحتها الشبابية على وجه الخصوص تسايرت مع هذه الأحداث ضد المستعمر الرأسمالي. وحرم الجامعة لم يكن بمعزل عن هذا  الفكر والمناقشات الثورية المتعاطفة بالأمم المضطهدة. وكنت ممن تأثروا بهذه البيئة الفكرية السائدة حولي في ذلك الوقت.
وكانت القضية الفلسطينية تحتل مكانة كبيرة في هذه المناقشات، وكان الشباب والنشطاء وخاصة مؤيدو الأحزاب اليسارية ممن يدعمون قضية فلسطين على أنها نضال شعب مظلوم لأجل التحرر من المستعمر الرأسمالي. كمن يعيش في هذا الجو الفكري انجذبت طبيعيا إلى هذه القضية على أنها مسألة إنسانية وحقوقية على المستوى الدولي. واقتبست نصيبي من الفكرة الثورية من هؤلاء الشباب المناضلين ومن صداقتي ومجالساتي ومناقشاتي معهم وإن كانوا ينتمون إلى اتجاه سياسي غير مقبول عندي والذي يتناقض مع المبادئ السياسية التي أمثلها.
وكانت المجلات والدوريات التي تأتينا في المكتبة المركزية حافلة بكتابات للمفكرين والأدباء والشعراء التي تتناول الكفاح الذي يقوم به الشعب الفلسطيني كما تتداول قضايا المقاومة التي حدثت في فيتنام وكونغو ودول أمريكا اللاتينية.
وكانت تأتينا في المكتبة مجلة عربية اسمها "الشؤون الفلسطينية" التي كانت تصدر في قبرص والتي كان محمود درويش محررا لها. وهذه المجلة كانت تروي لنا نماذج المقاومة في الأرض الفلسطينية كما كانت تتضمن أشعارا ساخنة للشاعر محمود درويش. وكنت من قراء محمود درويش ومن المعجبين به. وكنت طالعت الجزء الأول لديوانه الذي كان متوفرا في مكتبة القسم. وقرأت لمحمود درويش كلما يأتي العدد الجديد لـ"الشؤون الفلسطينية" برغبة شديدة. وكانت تتمثل في أشعاره الحماسية أروع نماذج التعبير عن الحنين إلى التحرر.
ربما تكون أنت أول من أتى بـ"محمود درويش" إلى الإطار الأدبي العربي في كيرالا. وهل تعتقد أن درويش استوفى حقه كشاعر دولي من الأوساط الفكرية في مجتمع كيرالا؟
نعم أعتقد ذلك. لقد أصبح محمود درويش اليوم شاعرا معروفا لدى الكيراليين. ويمكن أن يعد من الشعراء الدوليين القلائل الذين أثروا البيئة الكيرالية تأثيرا أدبيا وفكريا. وأما في ذلك الوقت الذي قمت فيه بالبحث العلمي عن أشعاره فلم يكن أبدا مجهولا عند المثقفين وخاصة لدى النشطاء اليساريين. وقد كان رمز المقاومة والكفاح كما كانت أشعاره كذلك عندهم بمثابة رصاصات موجهة إلى صدر العدو الاستعماري. وقد أكرمته كيرالا بجائزة آشان للتفوق الشعري. وهي أسمى جائزة تمنح للشعر في كيرالا. وعقدت حفلات التأبين إثر وفاته ونشر معظم المجلات واليوميات السائدة مقالات عنه في صورة الغلاف.
وأما في الإطار الأدبي العربي في كيرالا فلم يكن ثمة حضور جاد للشاعر محمود درويش كما لم تكن هناك دراسة أو عمل أدبي أو نقدي عن أشعاره حتى ذلك الوقت في كيرالا. وكانت البحوث في الأدب العربي في كيرالا تدور حول موضوعات محصورة ونماذج معلومة. ولكن الحال تغيرت تماما فيما بعد فأصبح مشهورا بين العامة والخاصة وبين دارسي العربية وغيرهم حتى أصبح اسمه مذكورا كلما ذكرت فلسطين أو القدس أو المسجد الأقصى.

العثور على المصادر والمراجع هي المشكلة الأولى التي يواجهها الباحث. كيف تغلبت على هذه المشكلة كباحث جريء يقبل على مسار غير مألوف وفي زمن قبل الطفرة التكنولوجية وثورة السرعة في التواصل ونقل المعلومات ؟
بعد إتمام الماجستير من جامعة كاليكوت قدمت الطلب لدكتوراه الفلسفة حينما جاء الإشعار الرسمي. أول مشكلة واجهتها كانت اختيار المشرف. الدكتور احتشام أحمد الندوي والدكتور ك. م. محمد كانا قد أعربا عن استعدادهما للإشراف على بحثي. وكان الدكتور احتشام أحمد الندوي صاحب مهارة لغوية وأدبية، وكان عنده إلمام بالقضايا العالمية، وكان بيني وبينه صلات وثيقة مسبقة، كما كنت مترجما له في المناسبات العامة التي يشارك فيها في أنحاء كيرالا. وأما الدكتور ك. م. محمد فكان كذلك أستاذا بارعا، وكانت تربطنا علاقات أسرية علاوة على علاقاتنا الرسمية. فحصل ارتباك لدي عمن يكون مشرفي على البحث. وأخيرا قررت أن أقوم بالبحث للدكتوراه تحت إشراف الدكتور ك. م. محمد. وكمرحلة أولى لعملية البحث أعددت خطة البحث وقدمتها. وإعداد خطة البحث كان عملا صعبا بالنسبة لهذا الموضوع، وقد استشرت مع كثير من الأكاديميين وعلماء اللغة العربية ومنهم الأستاذ محمد كتاشيري.
كما أشرت إليه آنفا, كان في المكتبة ديوان للشاعر محمود درويش، كما كانت مجلة "الشؤون الفلسطينية" متوفرة في المكتبة. واتصلت بسفارات الدول العربية في الهند وبجهات أخرى فأرسلت إلي بعض الكتب، كما اتصلت باتحاد الكتاب الفلسطينيين، فأرسلوا أيضا بعض الكتب، ولكن معظم تلك الكتب كانت تتناول قضية فلسطين، ولم يكن فيها ما يساعدني على البحث عن تأثير تلك القضية في الشعر العربي الحديث. هكذا لم أستطع الحصول على المصادر والمراجع الكافية للموضوع. ولم تصبح هذه مشكلة فقط بل أصبحت عرقلة تعوق دون التقدم بالبحث بالإتقان المنشود.
وفي هذه الأثناء جاء إشعار يدعو الطلب لماجستير الفلسفة، فقدمت الطلب لماجستير الفلسفة. وموضوعي للبحث كان كما أشرت إليها: "محمود درويش: حياته وآثاره"، وقد سنح لي أن أكمل ماجستير الفلسفة بنجاح فائق.
والتحقت بكلية فاروق متزامنا مع إتمامي لماجستير الفلسفة، ثم التحقت لبكالوريوس في الحقوق، وبعدها غادرت إلى قطر لأعمل هناك مترجما في المباحث العامة التابعة لوزارة الداخلية لدولة قطر. وخلال إقامتي في قطر وفق لي أن ألتقي بشخصيات مثل الدكتور سليمان عمرقوش الذي زودني ببعض الكتب، واستطعت أن أجمع بعض المصادر من هنا قبل مغادرتي إلى الإمارات.
وفي الإمارات ساعدني السيد باسل محمد الرفاعي واتصلت بالمجمع الثقافي بأبوظبي وأصبحت عضوا في مكتبته،  ووجدت منها أيضا بعض الكتب، كما اشتريت كتبا كثيرة من عدة مكتبات. هكذا اجتمع لدي من الكتب ما يصلح أن يكون مصادر ومراجع لبحثي. وبعد وصولي في الوطن أخذت الرخصة من مهنة التدريس في الكلية وفرغت لكتابة البحث. وبعد إتمامي لكتابة البحث عرضته على مشرفي إلا أنه طلب مني اختصاره وإعادة كتابته أكثر من مرة, الأمر الذي ساهم في أن تكون أطروحتي للدكتوراه منقحة ومصفاة.

ما هي الجوانب التي أعجبتك من شخصية وشاعرية محمود درويش, شاعرك المحبوب كمتذوق أو ناقد ؟
محمود درويش شاعر كان يحلم عن وطنه الحبيب بواسطة شعره. وكان مناضلا من القدم إلى الرأس إلا أن شعره كان سلاحه ودرعه. وأشعاره لا تمثله فقط بل تمثل آلام  كل حي نابض فقد أحلامه في أرض فلسطين.
نرى بين سطوره تلك القوة التي تجعل من الكلمات رصاصات، وإننا إذا نطقنا بشعره نشعر كأننا نشارك في النضال وكأننا في ميدان الحرب. وذلك لأنها تعبير صادق عن الرفض والاحتجاج والحماسة يأتي مباشرة من ميدان الحياة الحقيقية الرطبة. لا يمكن إلا لفلسطيني عاش كل أهواله وشهد كل مشاهده وحزن كل أحزانه أن يكتب ويهتف بصوته الرفيع الصارم:
("سجل
أنا عربي!
ورقم بطاقتي خمسون ألف
وأطفالي ثمانية.. وتاسعهم..
سيأتي بعد الصيف
فهل تغضب؟")
أو
(" سنخرج من معسكرنا
ومنفانا
سنخرج من مخابينا
ويشتمنا أعادينا:
"هلا , همج هم , عرب !"
نعم! عرب
ولا نخجل
ونعرف كيف نمسك قبضة المنجل
وكيف يقاوم الأعزل
ونعرف كيف نبني المصنع العصريَّ
والمنزل
ومستشفى , ومدرسة, وقنبلة, وصاروخا..
وموسيقى
ونكتب أجمل الأشعار
عاطفة , وأفكارا , وتنميقا")

كيف انعكست القضية الفلسطينية على الأدب العربي عموما ؟
لا يخلو كاتب أو شاعر عربي له ميل سياسي أو لأشعاره علاقة بالواقع العربي إلا وقد كتب عن قضية فلسطين نثرا و شعرا. والقضية الفلسطينية ليست مجرد مسألة وطنية بالنسبة للشعراء والأدباء العرب غير الفلسطينين مثل نزار قباني. وكذا الشعراء الفلسطينيون لا يميزون بين خدمة الوطن والنضال والشعر، فنضالهم شعر وشعرهم نضال.
 وهل نجحنا في تقديم القضية الفلسطينية أمام القراء الكيراليين ككارثة إنسانية ؟
التيار العام في كيرالا يعترف بأهمية قضية فلسطين. والكيراليون في وعي تام عن خطورة الوضع الفلسطيني ومدى آلام الفلسطينيين وانتهاكات حقوقهم والاعتداءات الغاشمة على أرواحهم وممتلكاتهم وأراضيهم. ويكون هنا تفاعل جاد مع جميع التطورات التي تكون في فلسطين. والأحزاب السياسية وجمعيات حقوق الإنسان والحركات الشبابية كلها تراقب الأحداث في فلسطين وتتعاطف معها بالاحتجاجات. ولا شك في أن لأشعار وآداب المقاومة تأثيرا واضحا ومباشرا في جعل عقليتها تتعاطف مع الفلسطينيين.

لقد تطورت القضية الفلسطينية كثيرا مما كانت في زمن بحثك عنها، كما تغيرت سياسة العرب حتى إن السعودية والإمارات ومصر أدرجت "حماس" في قائمة الجماعات الإرهابية كتطور تابع لحظر جماعة الإخوان المسلمين. وفي ظل الظروف الجديدة ما هو الموقف الذي تعتقده صحيحا: سياسة الأمر الواقع التي يتمسك بها هذه الدول السائدة والتي تتضمن الاعتراف بإسرائيل مقابل قيام دولة فلسطينية مستقلة أو موقف جماعات المقاومة التي تتمسك بعدم الاعتراف بدولة إسرائيل وتعتقد في حل عسكري ؟
لا يمكن لي أقول إن ما تفعله حماس خطأ، لأن عندهم حقا. بل أقول إن ما تفعله هي الصواب على المعايير النظرية، وإن كان هناك اختلاف عن ذلك على المعايير العملية، وينبغي أن يعتبر هذا الاختلاف. وكيف نتناقش عن قيام دولة فلسطينية مقابل الاعتراف بإسرائيل مع أن إسرائيل هي التي صرحت مرارا أنها لا تسمح لهذا. وقد انتخب نتنياهو رئيس الوزراء في إسرائيل على وعده لمنتخبيه أنه لا يسمح أبدا لقيام دولة فلسطينية. وعندما نعتبر "الأمر الواقع" علينا أن نعتبر هذا الواقع أيضا.
وأما عن إدراج "حماس" في طائفة الجماعات الإرهابية فخطوة لا يمكن لي أن أوافق عليها كمن درس تاريخ المقاومة الفلسطينية. نعم كانت هناك جماعات واتجاهات مختلفة الألوان والأشكال في جبهة المقاومة الفلسطينية، ولكنها كانت متوافقة جميعا على هدفها المنشود. وأما جماعة الإخوان المسلمين وقولهم إن الحكم الإسلامي عبر الوسائل الديمقراطية أليق في الأمم التي أغلبية سكانها مسلمون فلا أرى فيه عيبا على وجهة نظري. وهذا أخطر المواقف التي يمثلونها! فلا أعتقد أنهم خطر إرهابي.

مدرّسا
متى بدأت خدمتك في مجال التدريس؟ وأين كانت التجربة الأولى ؟
بداية تجربتي كمدرس كانت في مستهل الثمانينات. بعد ما أكملت دورة الماجستير عملت بضعة أشهر في كلية الحكومة بملابرم كمحاضر موقت.

متى التحقت بكلية فاروق كمحاضر؟ ومن كان زملاءك؟ وكيف كان تأثير تلك الأيام التي قضيتها في كلية فاروق في مجرى حياتك ؟
قبل أن أكمل دورة ماجستير الفلسفة (ما قبل الدكتوراه) في قسم العربية بجامعة كاليكوت وُفِّقت لألتحق بكلية فاروق في منصب المحاضر رسميا في يناير 1982. واستغرقت خدمتي في تلك الكلية 16 سنة. طبعا، كان لتلك المدة المديدة دور كبير في تصميم مجرى حياتي. كان قسم العربية في تلك الأيام حافلا بأساتذة بارعين أمثال م. محيي الدين كوتي، وم. محمد، ود/ و. ب. عبد الحميد، ود/ ن. عبد الجبار، ود/ ت. ب. عبد الرشيد، و ب. أ. أحمد سعيد وغيرهم. ومع ذلك كانت لي علاقة وطيدة مع كثير من الأساتذة في الأقسام الأخرى. وكانت الاجتماعات واللقاءات في منتدى المدرسين في رحاب الكلية منصة لتبادل آرائنا وأفكارنا حول قضايا مختلفة. أضف إلى ذلك أني كنت ناشطا سياسيا في تلك الأيام، فكنت مولعا بمتابعة التطورات الراهنة في مجال السياسة الدولية والإقليمية، وبالتزود بما أحتاج إليه في مجال السياسة من الإلمام بالقوانين وغيرها. هذا هو الذي حملني على دراسة الحقوق، وإلى قراءة كثير من الكتب في موضوعات متنوعة بما فيها السياسة وحقوق الإنسان وأدب المقاومة وغيرها.

متى التحقت بجامعة كاليكوت كمدرس؟ وكيف تقارن بين تجاربك في كلية فاروق وبينها في جامعة كاليكوت ؟
التحقت بجامعة كاليكوت في منصب الأستاذ المشارك عام 1996. وفّقت هناك لأعمل مع جميع الأساتذة الأقدمين في القسم إلا أحمد إسماعيل لبا الذي كان قد تقاعد قبل ذلك. وكان لقسم العربية بجامعتنا في تلك الأيام سمعة طيبة بين الأوساط الأكاديمية في كافة أنحاء الهند حيث كان حافلا بأساتذة كبار أمثال د/ سيد احتشام الندوي، ود/ إ. ك. أحمد كوتي، ود/ ك. م. محمد، ود/ ك. و. فيران محيي الدين، ود/ و. محمد، ود/ أحمد إبراهيم رحمة الله، ود/ ا. ب. محيي الدين كوتي. وكثير منهم كانوا أساتذتي حينما كنت دارسا في القسم، كما يجدر بالذكر أن كثيرا منهم نالوا جائزة رئيس جمهورية الهند لمساهمتهم الممتازة في مجال اللغة العربية. واستفدت من العمل مع هؤلاء الأساتذة تجارب كثيرة أنارت لي الطريق حينما توليت رئاسة القسم فيما بعد.
أما بالنسبة للمقارنة بين حياة التدريس في الجامعة وبينها في كلية فاروق فلا شك في أنه كان بينهما فرق كبير حيث كان لي أثناء عملي في كلية فاروق نشاطات حيوية في مجالات مختلفة، وكانت لي علاقة قوية مع الكتاب والمفكرين والناشطين السياسيين الذين كان بعضهم يعملون أساتذة في الأقسام الأخرى. أما في جامعة كاليكوت فكانت طبيعة العمل فيها تستدعي أن أبتعد كل البعد عن النشاطات السياسية الظاهرة، وأن أنزوي إلى حد في قسم العربية بأشغاله الشاغلة، وأن أركّز اهتمامي في المجال الأكاديمي.

أنت الذي تولى رئاسة قسم العربية بجامعة كاليكوت أطول مدة بعد رئيسه المؤسس السيد احتشام الندوي –حفظه الله. ما هي الأهداف التي سعيت لتحقيقها في فترة رئاستك ؟ وما هي التحديات التي واجهتها؟ وما هي الإنجازات الهامة التي وفّقت لتحقيقها ؟
كان علي أن أحافظ على السمعة الطيبة التي كان قسم العربية يتمتع بها منذ زمان، وإن لم أضف إليها شيئا آخر. هذا هو الهدف الذي سعيت لأجله أثناء رئاستي. وبالنسبة للتحديات، كانت قلة عدد الأساتذة هي أكبر تحد واجهته في سبيل تحقيق هذا الهدف حيث لم يكن في القسم إلا أنا والأستاذ رحمة الله في كثير من الأحيان، كما لم يكن في القسم موظفون أيضا بقدر الحاجة. وعلى الرغم من هذه العوائق أعتقد أني بذلت ما في وسعي من جهد للحفاظ على شهرة القسم وسمعته الطيبة في المجال الأكاديمي. وقد ضحّيت في كثير من الأحيان سمعتي الطيبة بين الطلبة تبعا لإجراءات شديدة اتخذتها في سبيل المحافظة على مستوى الدراسة والبحوث في القسم، لأني كنت أرى ذلك المنصب أمانة يجب علي أن أؤديها إلى أهلها. لذلك سعيت دائما للاحتفاظ بالقيم الأكاديمية.
وأما بالنسبة للإنجازات فإني أعتقد أن الورشة الوطنية حول علم المخطوطات، التي انعقدت في قسم العربية تحت كفالة الهيئة الوطنية لرعاية المخطوطات، ربما تكون أهم الإنجازات التي حقّقتها أثناء خدمتي في الجامعة، حيث أدت تلك الورشة إلى توجهات جديدة في كيرالا في مجال الاحتفاظ بالمخطوطات العربية والأردوية القديمة، كما تم استعراض المخطوطات في كثير من المكتبات الأثرية في مليبار، وتم اكتشاف بعض المخطوطات التي تمتلك قيمة تاريخية وأدبية بالغة، وتم تحقيق بعض المخطوطات وترجمتها ونشرها تحت قسم العربية بالمساعدة المالية من الهيئة الوطنية لرعاية المخطوطات.

العلاقة بين الأساتذة والطلبة قد تعرضت لكثير من التطورات في الأيام الراهنة. فكثير من الأساتذة يعاملون مع الطلبة معاملة الأصدقاء، حينما يتحفظ أساتذة آخرون في هذا الأمر ويلتزمون دائما نوعا من البعد عن الدارسين؟ ما هو موقفك بهذا الصدد؟
لكل وجهة هو مولّيها، ولكلٍّ طريقة يتخذها ويسير عليها، بالنسبة لي أرى أن على المدرس أن يحتفظ بكرامته ومكانته بين أيدي الطلبة، وأن عليه أن لا يعاملهم كأنه واحد منهم. هذه الطريقة هي التي تعودتها أثناء عملي في كلية فاروق، واستمررت فيها إلى هذا الوقت.

مشرفا على البحوث
 كيف ترى التوجهات الجديدة في مجال البحوث العربية في الهند؟ وكيف تقارن بين السابقين الأولين في مجال بحوث الدكتوراه في جامعتنا وبين الباحثين الجدد؟
قد شهد مجال البحوث العربية تقدما مرموقا في الجامعات الهندية عموما، وفي جامعتنا بالخصوص. فقد كثر عدد الذين يتخذون القضايا الراهنة في مجال الأدب العربي موضوعات لبحوثهم. وفي نفس الوقت لا يوجد لدى كثير من الباحثين رغبة أكاديمية خالصة ولا إيثار البحث على أي شيء آخر، كما أن منهم من يعتمد كثيرا على ما يجده من الشبكة المعلوماتية بدون مراعاة قوانين البحث. وكان السابقون الأولون من الباحثين يبذلون جهودا مضنية في سبيل البحث، على الرغم من أن بحوث كثير منهم كانت في موضوعات تقليدية.  

يقال إنك تلتزم تحفظا شديدا في اختيار الباحثين، وأنك لا تقبل إلا من ترضى عن كفاءتهم في العربية ورغبتهم في البحث ؟
ليس كل من أكمل دورة الماجستير يتأتى له أن يقوم بالبحث. فالبحث موهبة خاصة تبرز لدى بعض الناس دون آخرين. فعلى المشرف على البحوث أن يختبر موهبة الباحث وكفاءته في اللغة قبل أن يتولى الإشراف على بحثه. كنت أتحفظ إلى حد في هذا الأمر، ولا أقبل إلا من رضيت عن موهبته ورغبته في البحث وكفاءته في العربية.
من الطرق المتميزة التي تلتزمها وتتشدد فيها في جميع البحوث التي تشرف عليها، أن يقرأ الباحث أطروحته على المشرف من أولها إلى آخرها. ماذا حملك على هذا الالتزام ؟
هذه الطريقة أخذتها عن أستاذي المشرف د/ ك. م. محمد. فقد كان يتشدد في مثل هذه الأمور ويلح على الباحثين أن يبالغوا في تجنيب الأخطاء والتزام مناهج البحث. وقد طلب مني أيضا أن أعيد كتابة خاتمة الأطروحة عدة مرات. ولكن على الرغم من أني اضطررت إلى بذل جهود جبارة في مثل هذه الأمور، عرفت فيما بعد أن هذا التشدد من المشرف هو الذي أدى إلى أن أكمل خاتمة بحثي على أحسن ما يرام –بالنسبة لطاقتي وخبرتي- بحيث يمكن تقديمه أمام أي أحد من المختصين. وأنا أيضا أريد أن يكون جميع الأطروحات التي يتم إعدادها وتقديمها تحت إشرافي ممتازة متصفة بمواصفات البحث الأدبي. فإن جودة الأطروحات وقيمتها العلمية هي أهم من كثرة عددها.

أكاديميا
الجامعات الهندية تأتي دائما في مؤخر قائمة الجامعات الممتازة في العالم. هل يعني هذا انهيار المستوى التعليمي في الجامعات الهندية ؟
إعداد هذه القائمات يتم على أساس معايير مختلفة، فإذا كانت المعايير طبقا للأوضاع السائدة في الدول المتقدمة فطبعي أن تأتي الجامعات الهندية في مؤخرها. أضف إلى ذلك أن الجامعات الهندية تعاني كثيرا من المشكلات من أهمها عدم توفر البنية التحتية اللازمة، وقلة المساعدة المالية من الحكومة، وقلة الأساتذة الأكفاء أو مهاجرتهم إلى الخارج.

هناك مطالبات من جهات مختلفة لتأسيس جامعة مستقلة للغة العربية في كيرالا. كيف تنظر إلى هذه المطالبات كأكاديمي متخصص في اللغة العربية ؟
المناقشات والمحاورات عن تأسيس تلك الجامعة تجري حاليا في مجال السياسة. أنا شخصيا أرى أنه لا بد أن تجري مناقشات جادة حول طبيعة تلك الجامعة في المجال الأكاديمي. وعلى الزعماء السياسيين أن يستشيروا الخبراء الأكاديميين حول إمكانات تلك الجامعة والمشكلات والتحديات التي يمكن أن تطرأ أمامها وطرقِ التغلب عليها. وفي الجملة يجب أن تتحول هذه المطالبة من هتاف شعبي أو موضوع سياسي إلى مشروع أكاديمي تم تصميمه بأيدي الخبراء الأكاديميين.

ما هو رأيك عن مناهج تدريس العربية في الجامعات الهندية؟ هل تؤهّل الدارسين لاستغنام الفرص المتوفرة في أنحاء العالم لمن يتقن اللغة العربية ؟
لست أهلا للكلام عن مناهج التدريس في جميع الجامعات الهندية. بالنسبة لجامعة كاليكوت، أرى أن مناهج تدريس الدورات العربية فيها ممتازة ومتطورة إلى حد كبير. ومع ذلك يجدر بنا أن نقول إن المناهج فقط لا تؤهل أحدا لأي وظيفة، بل لا بد أن تتكامل وتتفاعل عناصر متنوعة ليمتلك الدارس ملكة مرغوبة في اللغة. من أهم تلك العناصر تطبيق تلك المناهج على أتم طريق وأكمله، ومثابرة الطالب وجدّه واجتهاده، والحصول  على أساتذة أكفاء.

كيف تنظر إلى الوضع الراهن للأدب العربي الهندي؟
إذا عنينا بالأدب معناه الاصطلاحي فليس هنا إلا حضور ضئيل للأدب العربي. وأما إذا عنينا به كل ما كتب في العربية بأيدي الهنود –كما يوصف به في كثير من الأحيان- فليس الوضع الراهن مرضيا أيضا حيث كان لنا تراث ثري في هذا المجال في العصور القديمة. أما في هذه الأيام فلا تصدر في الهند كتب علمية ولا أدبية قيمة في العربية إلا نادرا.

كاتبا
ما هي تجربتك الأولى في مجال الكتابة ؟
لا أذكر جيدا ما هي المقالة الأولى التي نشرت لي في الدوريات. وإنما أذكر أن بداية تجربتي في هذا المجال كانت حينما كنت دارسا في المرحلة الثانوية. وقد نشرت لي عدة مقالات في جريدة Chandrika وفي ملحقاتها الأسبوعية وفي دوريات أخرى.

ما هي أهم المؤلفات التي قمت بإعدادها أو تحريرها ؟
قد نشر لي كتاب بعنوان "شعراء فلسطين المعاصرون"، قمت بتأليف هذا الكتاب في ضوء تجربتي كباحث في أدب المقاومة الفلسطينية. كما نشرت لي بعض الكتب في مناهج النقد الأدبي، وفي اللغة العربية الوظيفية، وفي الترجمة التطبيقية، وغيرها. هذه الكتب قد تم إعدادها وفقا لمناهج التدريس في جامعة كاليكوت. ومن الكتب التي قمت بتحريرها كتاب تحفة المجاهدين للشيخ زين الدين المخدوم. وقد نشرت الهيئة الوطنية لرعاية المخطوطات هذا الكتاب بترجمته إلى الإنجليزية والهندية والمليالمية. وقد نشر قسم العربية بجامعة كاليكوت بعض الكتب التي قمت بتحريرها بالمساعدة المالية من الهيئة الوطنية لرعاية المخطوطات، منها:
1.    الإيديولوجيا والنضال
2.    IDEOLOGY AND STRUGGLES
3.    URDU – ARABIC LOAN WORDS IN MALAYALAM
4.    الخطوط العربية المختلفة في مليبار
5.    أصوات صامتة (مجموعة أشعار)

كم مقالة كتبتها ؟ وأين تم نشرها ؟ وما هي الموضوعات التي تتناولها ؟
كتبت حتى الآن أكثر من مائتي مقالة في موضوعات مختلفة. وقد نشرت هذه المقالات في الدوريات المليالمية وفي المجلات العربية وفي موسوعة الأدب العالمي التي يصدرها معهد الولاية للموسوعات وفي دائرة المعارف الإسلامية التي يصدرها دار النشر الإسلامي (IPH) وفي المجلات التذكارية التي يصدرها جمعيات ومؤسسات مختلفة. وبالنسبة للموضوعات، تتناول هذه المقالات موضوعات متنوعة، حيث كتبتها في مناسبات مختلفة. لكن الموضوعات التي كتبت عنها كثيرا ربما تكون هي أدب المقاومة والمكائد الاستعمارية والصهيونية والفاشية والاستشراق ونحوها وتراث كيرالا في اللغة العربية وآدابها وفي مناهضة الاستعمار.

تمتاز مقالاتك بحسن الانتظام وبأسلوب علمي رائع مما يدل على نبوغك في اللغات العربية والإنجليزية والمليالمية. كيف استطعت أن تنمّي هذه الملكة ؟
لا أدري هل تتصف مقالاتي بمثل هذه الميزات والمواصفات. وإن كانت كذلك فربما كان سببه أني كنت مولعا بقراءة الدوريات والكتب الأدبية القيمة في اللغات المذكورة منذ أيام دراستي، الأمر الذي مهّد لي الطريق إلى مجال الكتابة والمحاضرة والترجمة.
مترجما
عرفتك كيرالا قبل أن تعرفك أكاديميا أو محاضرا كمترجم لخطابات الزعماء السياسيين ومترجما للسيد غلام محمود بنات والا وللسيد إبراهيم سليمان سيتو في التسعينات. ماهي ذكرياتك عن تلك الفترة ؟
أول خطاب ترجمته إلى مليالم هو خطاب السيد سعيد أحمد الأكبرابادي في حفلة عامة. ثم ترجمت بعد هذا خطابات مختلفة لشخصيات بارزة مثل الشيخ عكرمة سعيد صبري (مفتي فلسطين وخطيب المسجد الأقصى  السابق) والسيد علي الهاشمي (المستشار الديني لرئيس دولة الإمارات) والدكتور خالد الشيخ (سفير فلسطين السابق) والسيد يوسف هاشم الرفاعي (وزير سابق في الكويت) والسيد باسل محمد الرفاعي (الصحفي) والسيد ماني شنكر أير (وزير الحكومة المركزية سابقا) وغيرهم من الزعماء المرموقين. وترجمتي من الإنجليزية أكثر منها من العربية.
وأما ترجمتي للسيد بنات والا والسيد سليمان سيتو فقد أثرت في حياتي تأثيرا كبيرا حيث كنت أنا المترجم لهما لفترة طويلة من الزمن. وكانت بينا علاقات ودية بسبب ترجمتي لخطاباتهم. وكان السيد سيتو صاحب  معجبا بترجمتي حيث كان يثني على ترجمتي للآخرين ويقول إنه لم يكن مقتنعا بترجمة أحد لخطبته بقدر اقتناعه بترجمة عبد الصمد الصمداني ثم بترجمتي.
وعندما ترجمت مرة خطاب السيد ماني شنكر أير قال لجمهوره: "إن شابا كان يترجم خطابي حينما قدمت كيرالا في المرة السابقة قد أرسلتموه ليعمل معنا في البرلمان (يقصد بذلك عبد الصمد الصمداني) والآن ها هو ذا يقوم بترجمتي شاب آخر فعليكم أن ترسلوه أيضا ليعمل معنا في البرلمان." ولم أترجم هذه الكلمات. فقام السيد إي أحمد وترجمها وقال: إن المترجم لا يترجم هذه الكلمات لأنها عن شخص المترجم.

كيف تقارن بين خطابات كل واحد من هذين الزعيمين الكبيرين؟ وكيف كانت علاقاتك الشخصية معهم ؟
هناك بون بعيد بين الأسلوب الخطابي لكل واحد من السيد بنات والا والسيد إبراهيم سليمان سيت، وإن كان كل منهما خطيبا مصقعا يجلب الحشود. خطاب سيتو عاطفي وحماسي منسوج في قالب واحد ويسيرفي اتجاه واحد من البداية إلى النهاية يكثر فيه سرد الآيات والأحاديث التي تخدم الموضوع، وهذا الأسلوب ترجمته أسهل نسبيا.
وأما خطاب بنات والا فلا يكون في قالب واحد، بل تتعدد اتجاهاته وتكثر منعطفاته وتتداول فيه الموضوعات المختلفة بدءا من الدين والفلسفة والاجتماع إلى التاريخ والقانون والحقوق. وخطابه الفكري يتيح للمستمعين لرحلة علمية ممتعة متنوعة المشاهد والمواقف. وينعكس في خطاباته علمه الوافر المستفيض الناتج عن القراءة العميقة والواسعة. وهذا النوع من الخطاب يكلف المترجم بمشقة في أدائه حيث لا يمكن له أن يتنبأ ما سيكون موضوعه في الجملة القادمة حيث يقفز من موضوع إلى آخر.
وأما علاقاتي الشخصية معهم فكانت عميقة جدا حيث إن للمترجم أهمية كبيرة لكونه وسيلة بين الزعيم والجمهور. فالمرحوم سيتو صاحب كان يحبني كثيرا، وكان يتواصل معي حتى بعد أن انتهيت من ترجمة خطاباته، وكان يلح أن أكون أنا المترجم له في كثير من المناسبات.
وأما الصداقة الحميمة بيني وبين المرحوم بنات والا فالألفاظ عاجزة عن وصفها. حتى إنني كنت كلما أزور نيو دلهي حينذاك أسكن في سكنه الرسمي، وكان يسلم مفتاح غرفته لي إن كان غائبا ويصر علي أن أسكنها وإن كان غائبا عنها وأن أتناول الطعام من المقصف على حسابه ويوعدني بأنه سيتصل بالمقصف ويؤكد ذلك بنفسه!

ماذا عن تجربة ترجمة الخطابات المرتجلة كأداء لغوي وفني ؟
الترجمة نفسها عملية صعبة تحتاج إلى دقة واحتياط بالغين وإلى القدرة في كلتا اللغتين المترجم منها والمترجم إليها. وضعف المترجم أو عجزه في إحداهما يؤدي إلى فشل عملية الترجمة. والترجمة الشفهية أو المرتجلة أكثر صعوبة من الترجمة الكتابية التي توفر للمترجم مهلة وفرصة للتفكر. وأما الترجمة الشفهية مع الحفاظ على جودة الترجمة تحد كبير. وأمكن لي بحمد الله أن أترجم الخطابات محافظا على جودتها الترجمية لفظا بلفظ وكنت أحفظ في ذاكرتي كلمات الخطيب التي استغرقت عشر دقائق مثلا من غير أن أسجلها أو أكتبها، وأترجمها مباشرة إلى اللغة الأم. وكان كثير من الناس يثنون علي في هذا. وكنت ملتزما فيها بمراعاة جميع الآداب التي ينبغي أن تراعى في فن الترجمة حتى تكون صادقة ومعبرة عن إرادة الخطيب.

الترجمة الكتابية تعتبر أسهل وأسلم من الترجمة الشفهية. لم لم تقم بأعمال ترجمية للأدب العربي؟ ولم لم تترجم شاعرك الحبيب محمود درويش؟ والترجمة الموجودة للشعر العربي إلى مليالم ينقصها أنها لم تكن بأيدي من يعرفون العربية وأنها ترجمة عن الترجمة. ألا يكون هذا عيبا في جانب الأكاديميين وعلماء العربية في كيرالا ؟
الترجمة الكتابية وإن كانت أسهل من الترجمة الشفهية إلا أنها تحتاج إلى دقة وجودة، فلا يتسامح فيها ما يتسامح في الترجمة الشفهية. وأما ترجمة الأشعار فليست مهمة سهلة، ولا يقدر عليها إلا من اجتمعت فيه المهارة اللغوية والملكة الشاعرية. وينبغي أن يعي المترجم عقلية الشاعر المصدر ويدخل في شخصه وفكره ويتوشح بعواطفه وأحاسيسه وتتجسد نظراته وأفكاره في داخله ويمر بنفس التجارب التي مر عليها الشاعر الأصلي. ولا يلزم أن يكون عالم أو أكاديمي عربي أن يكون بذوق شاعري يسنح له ترجمة الشعر إلى لغة أخرى. ولكننا نحن كمن يخدم اللغة العربية في كيرالا لا نستطيع أن نتبرأ من الواقع المؤسف في مجال الترجمة العربية المليالمية.
ولقد حاولت أن أترجم شاعري الحبيب محمود درويش في كثير من الأحيان حيث كلفني بها بعض الناشرين ولكنني في النهاية تراجعت عن هذا لأني كنت غير واثق في جودتها وخفت أن أكون ظالما لشاعر كبير مثل محمود درويش أو أكون سببا في استصغار أشعاره العظيمة في أعين القراء الكيراليين بسبب ترجمتي القاصرة.

يجتمع فيك التجارب الثلاث :اللغة العربية حيث إنك أستاذ فيها، والشعر العربي حيث كان موضوع بحثك واهتمامك، والكتابة في لغة مليالم حيث كنت تكتب مقالات فيها وكانت لغتك وأسلوبك في مليالم راقيين. فهل أنت مستعد لتشغل أوقاتك بعد التقاعد بترجمة الشعر العربي إلى مليالم ؟
في الحقيقة كانت لدي محاولات كما أشرت إليها ولكنها لم تتطور لظروفها التي أشرت إليها ولأنها عملية تحتاج إلى مزيد من الوقت. وأما بعد تقاعدي فإني مستعد بإذن الله  لأترجم الشعر العربي والأدب العربي على العموم إلى مليالم إذا وجه إلي طلب رسمي من ناشر ملحوظ في كيرالا.

سياسيا
متى تبدأ مباشرتك بالسياسة ؟ وما ذا كانت إيديولوجيتك السياسية ؟
اقتبست ممارسة السياسة من والدي الموقر حيث كان ناشطا سياسيا حيويا، وكنت أشارك في النشاطات السياسية في صغر سني منذ أن كنت طالبا في المرحلة الثانوية. وكان قد تم انتخابي كعضو في مجلس الجامعة منذ أن كنت طالبا في جامعة كاليكوت. وكان رئيس الحكومة الأسبق سي اج محمد كويا من الذين هنؤوني على هذا النجاح. ولما التحقت بكلية الفاروق كمدرس فيها طالبني زملائي في السياسة أن أؤجل التحاقي ليمكن لي الإدلاء بالصوت في الانتخاب القادم حيث إنني سأضطر إلى الاستقالة من المجلس إذا تم التحاقي بكلية الفاروق. فالتحقت بها غير رسمي حسب إشارة من إدارة الكلية.
ورغم التحاقي بكلية فاروق كنت أمارس العمل السياسي والاجتماعي. وكانت لي نشاطات سياسية حيوية حينما كنت في كلية الحقوق أيضا. وقربي الشخصي من السيد بنات والا صاحب والسيد سيتو صاحب ساعدني على الحضور الكامل وسط الميدان السياسي.
وأنا من أتباع الأيديولوجية التي تمثلها رابطة المسلمين وما زللت عنها في حين من الأحيان.

مسايرتك لإبراهيم سليمان سيتو كمترجم هل كسبت لك أهمية سياسية ؟ وهل كان تريد يوما الاستمرار في العمل السياسي بدوام كامل ؟
دمر المسجد البابري بأيادي فاشية سوداء. وكانت ضربة وجيعة على وجه الأمة المسلمة في الهند. وكان السيد سيتو يمثل غضب الشباب المسلمين ضد الحكومة المركزية وحزب الكونجرس. فطلب من قيادة مسلم ليج أن تسحب دعمها من الائتلاف الذي يضم كونجرس، ولكن القيادة كان موقفها أن لا تخضع للضغط العاطفي. وشكل "تجمّع قائد الملة" كقاعدة للنشطاء الذين كان لهم موقف مشترك في هذا الخصوص وأجريت تحتها سلسلة خطابية يقودها الزعيم الكبير السيد سيتو صاحب. وكنت مترجمه في جميع الحفلات المسائية التي كانت تعقد في مختلف أنحاء كيرالا. وكانت هذه الخطابات جاذبة لحشود كبيرة في كل مكان تعقد فيه. وكان سيتو زعيما كبيرا ومحبوبا بين الجمهور وكان أتباعه يحتشدون لاستماع كلماته الساحرة مئات وآلافا وكانوا ينتظرون له إلى منتصف الليل.
وكنت في هذه الفترة أشارك في هذه الحملة بدوري مترجما بنوع من التضحية وعانيت لها كثيرا من المشقات وعرفت في هذا الوقت معنى التضحية لأجل خدمة إيديولوجية والتفاني لحفاظها التي رأيتها في والدي وفهمت كيف يمكن للمرء أن ينسى بيته وأهله وعلاقاته ويهمل خساراته الشخصية لصالح المبادئ التي يقوم لها.
وفي هذه الأثناء كان يطالب مني كثير من أصدقائي وزملائي الذين لا يوافقون على هذه الحركة تحت سيتو صاحب أن أتوقف عن ترجمته بسبب أن ذلك يضعف الحزب. ولكنني كنت أردهم بأني سأواصل ترجمتي حتى يخرج سيتو صاحب من الحزب أو تخرجه القيادة. حتى طلب مني قيادة الحزب مباشرا أن أترك الترجمة وأخبروني أن سيتو صاحب الآن خارج تحكم الحزب وأنه لا تكون هناك تسامحات أكثر في شأنه من جانب القيادة. وفي الأخير اضطررت إلى أن أترك الترجمة وأبتعد عن سيتو صاحب وحركته. وهذه الحادثة في حياتي قللت لي الفرص السياسية وأدت إلى تراجعي في الميدان السياسي وانزوائي في الدائرة الأكاديمية.

  هل تزال تعتقد أن حزب مسلم ليج أخطأ في التحالف مع الكونجرس بعد تدمير المسجد البابري ؟ وماذا رأيك عن موقف السيد سيتو صاحب آنذاك ؟
أنا لا أزال على رأي أنه كان ينبغي على الحزب الذي يمثل الأقلية المسلمة أن يتفاعل مع الغضب العام ويستجيب لدعوة الواقع ويسحب الدعم السياسي لحزب الكونجرس ولو مؤقتا لأن تفريط حزب الكونجرس في قضية المسجد البابري كان واضحا جدا ولم يكن ممكنا إرضاء الجمهور المسلم بالأعذار العملية.
وعدم استجابة رابطة المسلمين لغضب الشباب المسلمين هو الذي استغلتها الأحزاب السياسية الصغيرة المتولدة إثر حادثة تدمير المسجد البابري والتي أثرت سلبيا على رابطة المسلمين وأدت إلى تراجع قوتها في بعض الأحيان.

منسّقا
تتولى مناصب عديدة في المجال الأكاديمي وفي المجالات الأخرى. ماهي أهم تلك المناصب ؟
في المجال الأكاديمي أتولى منصب رئيس هيئة الدراسات العربية (الماجستير) بجامعة كاليكوت، ورئيس لجنة الدكتوراه (العربية) في جامعة كاليكوت، ورئيس هيئة الامتحانات (العربية) بجامعة كيرالا، ورئيس هيئة الامتحانات لمعلمي العربية لولاية كيرالا، وأعمل عضوا في هيئة الدراسات في كل من جامعة كيرالا وجامعة سري شنكراجاريا، وعضوا في لجنة الدكتوراه في كل من جامعتي مهاتما غاندي وكنّور، وعضوا في قائمة الخبراء في عدة جامعات.
وفي مجال الصحافة أتولى منصب رئيس التحرير لمجلة كاليكوت، ورئيس التحرير لمجلة النهضة، ومستشار التحرير لمجلة النور. وفي المجالات الأخرى أتولى منصب رئيس اتحاد الموظفين المسلمين لعموم كيرالا، ورئيس أكاديميا للعدالة الاجتماعية (اتحاد المدرسين بجامعة كاليكوت)، وأمين هيئة تعليم الدين الإسلامي لعموم كيرالا، ومنسّق المجلس الأكاديمي التابع لهيئة تعليم الدين الإسلامي، ومدير الامتحانات لتنسيق الكليات الإسلامية في كيرالا،  كما أعمل عضوا في اللجان الإدارية في عديد من المعاهد التربوية في مناطق مختلفة في كيرالا.

ما هي تجربتك الأولى في مجال التنسيق  ؟
تجربتي في هذا المجال تبدأ حينما كنت دارسا في المرحلة الثانوية حيث كنت ناشطا لاتحاد الطلبة المسلمين. وبعد ما أكملت الثانوية عملت ناشطا وزعيما لاتحاد الطلبة السنيين في المجال الديني، ولاتحاد الطلبة المسلمين في المجال السياسي. استفدت من تلك التجارب المبادئ الأولية للتنسيق.

قد عملت في منصب نائب مدير معهد تدريب الكوادر الأكاديمية (UGC Academic Staff College) لمدة ثلاث سنوات. كيف كانت تجاربك في تلك الوظيفة؟
تلك الوظيفة مهّدت لي الطريق لأقوم بنشاطات ملحوظة في المجال الأكاديمي في خارج إطار العربية، كما استفدت كثيرا من تجربتي هناك في تنسيق الدورات التدريبية لأساتذة الكليات والجامعات.
في ضوء خبرتك الواسعة في تنسيق الندوات والورشات ما هي آراءك واقتراحاتك عن الندوات والورشات التي تعقد من حين لآخر في كليات وجامعات مختلفة؟
الجهات المعنية تريد من خلال هذه البرامج رفع مستوى الأساتذة والباحثين والدارسين. ولكن بعضا منا يسيئون استخدامها وينظرون إليها كأنها تعقد لمنح شهادة تقديم الورقة لكل من يرغب فيها. أما إذا راعينا القيم الأكاديمية فلا شك في أن هذه البرامج ستلعب دورا بارزا في رفع مستوى الدراسات والبحوث.
شخصا
تنتمي إلى أسرة عريقة في العلم والدين. كيف كان تأثير تلك الخلفية في حياتك؟
إن سلسلة أسرتنا تنتهي إلى سيدنا أبي بكر الصديق –رضي الله عنه- من جانب، وإلى سيدنا أبي عبيدة بن الجراح –رضي الله عنه- من جانب آخر. وأول من وفد من هذه السلسلة في مليبار هو الشيخ عثمان والد الشيخ محيي الدين عبد القادر الثاني (ت 983 هـ) المدفون في قرية برتّيل في محافظة كنّور. وكان والدي –رحمه الله- حفيد هذا الشيخ من الجيل الخامس عشر.كان كثير من أجدادي من شيوخ الطريقة السهروردية. وكان كثير من آبائي يعتنون بتسمية أولادهم بأسماء الأجداد حتى صار بعض الأسماء تتردد في سلسلة آبائي مثل عبد القادر وكمال الدين ونور الدين وغيرها. ولعل هذه العادة هي التي حملت والدي على تسميتي بعبد القادر. أما بالنسبة لتأثير هذه الخلفية في حياتي فإني أعتقد أنه كان لها دور كبير في تصميم شخصيتي حيث تربيت في جو ديني كامل واهتم والداي بتربيتي تربية دينية سليمة وتحليتي بالعادات الدينية والقيم الأخلاقية، تلك القيم التي تمسكت بها في جميع أطوار حياتي وتغلبت بها على جميع المشكلات والتحديات.
ما هي ذكرياتك عن والدك الكريم المعروف بعثمان صاحب الذي كان من أبرز الشخصيات التي يعود إليهم الفضل في نشر التعليم الإسلامي المنتظم في كيرالا؟
كان والدي مثالا للتضحية لأجل القيم والمعتقدات التي يعتقدها ويتمسك بها. كان من القلائل الذين أكملوا دورة Inter mediate في تلك الأيام، كما كان يتقن اللغات الإنجليزية والأردوية ومليالم. وكان في وسعه أن يسلك في سلك الخدمة الحكومية ويحتل مناصب رسمية عالية، لكنه رفض أن يتولى أي منصب في الحكومة الإنجليزية الاستعمارية، كما كان لديه إمكانات للحصول على مراتب علية في مجال السياسة، حيث كان له نشاطات مكثفة في مجال السياسة في بادئ الأمر، حتى انتخب إلى منصب الأمين العام لاتحاد الطلبة المسلمين (التابع لرابطة المسلمين) لمحافظة مليبار تحت ولاية مدراس. والسيد سي. أتش. محمد كويا هو الذي تولى ذلك المنصب بعد والدي. وقد عمل والدي في تلك الأيام مترجما لخطبات بعض الزعماء الكبار أمثال السيد عبد الستار سيت، والسيد إبراهيم سليمان سيت (وقد ذكر السيد إبراهيم سليمان سيت نفسه هذا الأمر ببالغ الفرح والسرور أثناء خطبة ألقاها في تانور، وكنت مترجم تلك الخطبة). وبعد أن قام بنشاطات مكثفة في مجال السياسة عرف أن المجال الديني هو أجدر بالاهتمام، فترك السياسة وكرّس حياته لخدمة هيئة تعليم الدين الإسلامي لعموم كيرالا. فكان يتولى منصب الأمين للهيئة منذ أن تأسست إلى أن انتقل إلى رحمة الله.
وفي أيام طفولتي كان والدي لا يصل في بيتنا في ونمناد (جاوكاد) إلا حينما يزور البلدان والقرى المجاورة لأجل الاجتماعات والمؤتمرات، وكنا لا نعرف كثيرا عن مناصبه ولا عن نشاطاته. وأثناء دراستي الثانوية كنت أزور والدي في أيام العطلة في مقره ببربننغادي، وأرافقه في بعض أسفاره وجولاته. كثيرا ما كان يجوب مسافات بعيدة مشيا على الأقدام، وينام في صفة مسجد من المساجد حيثما ينتهي به سفره. وأكبر درس تعلمته من حياة والدي هو أنه يمكن للمرء أن يضحي بنفسه في سبيل المعتقدات إذا كان يمتلك إيمانا راسخا وكان لا يرجو ثوابا إلا من عند الله.
التدريب العسكري في دولة قطر هل ساعد على أن تكون شخصيتك منضبطة ومتوازنة ؟
كانت التجربة في المباحث العامة التابعة لوزارة الداخلية صفحة جديدة في حياتي. ولا شك في أنني استفدت منها كثيرا. وكانت هناك تدربيبات نفسية وجسدية مرتبة. كما كانت هناك دورة خاصة عن الحفاظ على الأسرار. وكان الشعار فيها: المعرفة بقدر الحاجة والحيازة بقدر الحاجة والتجول بقدر الحاجة. وكان هناك تعليمات صارمة للحفاظ على الآداب والبروتوكولات. وليس غريبا أن تنطبع هذه الصفات على حياتي الشخصية فيما بعد.
هل الالتحاق بجامعة كاليكوت كأستاذ مشارك هو الذي شكّل نقطة تحول في حياتك التي تنقسم إلى مرحلتين مختلفتين، حيث أنهيت في المرحلة الثانية جميع النشاطات العامة وانطويت إلى الجانب الأكاديمي البحت ؟
كنت أخشى أنني إذا التحقت بجامعة كاليكوت ستنقطع صلاتي بالعالم الخارجي وتنحصر نشاطاتي في المجال الأكاديمي فقط. الفترة التي قضيتها في قطر بعيدا عن الأحداث التي تجري هنا وانقطاع الصلات بالسيد سيتو صاحب وانعزالي في دائرة السياسة والتحاقي بجامعة كاليكوت الذي يلزمني بالابتعاد عن مجال السياسة, كل هذه الأمور أثرت في تأثيرا كبيرا وجعلت حياتي تخوض مسارا جديدا.
انتقال ابنك الوحيد إلى رحاب الله في عنفوان شبابه كانت حادثة مفجعة بالنسبة لنا جميعا. وتفاعلك المهذب مع تلك الحادثة الذي كان مناسبا لفقهك وتراثك الأسري كان أسوة للجميع. فكيف كان تأثير هذه الحادثة في حياتك ؟
الأقدار كلها بيد الله وحكمه ينفذ ولا معطي لما منع ولا راد لما قضى. الحمد لله على القدر خيره وشره , قلت ذلك ولا أزال أقوله. ولكن رغم هذا كله إنه يكون من الغلو أو الزهد الكاذب أن أقول إن قلبي خال عن العواطف الإنسانية والحزن والكآبة. ولا أدعي أنني رجل حازم لا تمسني المصائب أيا كانت. وبالعكس فإنني إنسان ساذج في داخلي قلب حساس وربما أكثر حساسية من رجل عادي. حتى إنني كنت يغلبني البكاء أحيانا لأسباب تافهة مثل أن تودعني أختي بعد إقامتها معنا يوما أو يومين وهي تروح إلى بيتها.
ولكن ربي سبحانه قد أفرغ علي صبرا بكرمه ومنه عندما حلت بي أكبر مصيبة ذقتها في حياتي، فله الفضل في ذلك وإليه يعود الامتنان. ولو لم يثبت الله قلبي في تلك الأيام الحرجة لم يمكن لي أن أصبح عضدا لأمه وأخواته في تلك الأيام.
نفسي تعرضت لتغييرات جذرية بعد ذهاب رجاء إلى جوار ربه. ولم أعرف عن مدى تأثر حياتي به إلا بعد فراقه. وكان له تأثير مباشر بجميع تفاصيل حياة أبيه. وبلغت رعايته بي حتى في اختيار ملابسي أثناء التسوق.
في مثل هذا المساء من يوم الجمعة الذي نحن فيه, أنا فقدته.. وكنا قد ذهبنا معا في اليوم الذي قبله إلى كاليكوت لبعض الحوائج، وكان هو الذي يسوق السيارة. وتسوقنا معا في ذلك اليوم, يوم الخميس, في مدينة كاليكوت ولما دخل الوقت لصلاة العصر أولا ثم للمغرب استأذنني ليخرج لأداء الصلاة فسبقني إليها، ثم رجعنا إلى البيت.وكانت تلك هي الرحلة الأخيرة التي جمعتنا أنا ورجاء. وبعد أن أوصلنا البيت ذهب ليلتقي بصديق له كان ينتظره في تشيلاري. وتناولا معا الشاي من المقهى الذي اعتادا أن يشربا منه ولم يشعرا أن ذلك آخر لقاء بين الصديقين في الدنيا.
وفي صباح يوم الجمعة خرجنا من البيت وذهب إلى مكتبه وذهبت أنا إلى الجامعة.
وبعد الجمعة جلست في غرفتي في الجامعة كعادتي أرتقب الوقت لتسجيل انصرافي في الخامسة مساء على جهاز البصمة.. وحقا كان ذلك يوما عسيرا.. وقد أصابني قلق وحيرة منذ الصباح لسبب لا أعرف.. وكنت لا أعمل شيئا.. وكنت فقط أنظر إلى الخارج عبر النافذة.. فلما زالت الشمس تغيمت السماء قليلا وتغيم معه قلبي وزاد قلقي .. وأصابتني حالة مزيجة من الحزن والقلق لسبب مجهول.. حتى بدأت السماء تمطر.. اشتد قلقي وحيرتي.. ونظرت إلى المطر في الخارج عبر النافذة.. فرأيت ذاك المشهد .. شجرة قريبة من نافذتي بلها المطر تماما والغصن الذي بواجهتي يمر عليها الماء سيلا حتى يتقاطر إلى الأرض قطرة فقطرة.. مشهد بسيط عادي.. ولكنه قد هيجني  خوفا من شيء لا أدري .. كأنما هو رمز ينذرني بخطر.. وإني كلما جلست في غرفتي بعد هذه الحادثة وأنظر إلى تلك الشجرة أشعر بالخوف !
تذكرت ابني رجاء في تلك اللحظة.. انتظرت حتى يهدأ المطر قليلا .. ثم أخذت مظلتي وخرجت.. وما كنت أمشي ولكنني كنت أهرول.. وبعض من رأوا ذلك سألوني عن سبب سرعتي فيما بعد.. ووجدت أوتوركشا من الشارع العام ووصلت في البيت. فوجدت ابني غائبا.. فأخذت هاتفي وحاولت الاتصال به .. وهاتفه كان يرن .. ولكن لا يستلم الاتصال.. فواصلت المحاولة .. حتى سمعت صوتا في الطرف الآخر يسألني من أنت؟ فقلت متعجبا: تسألني من أنت.. فسكت وانقطع الاتصال .. علمت أنه غير رجاء ابني وأنه رجل آخر استلم الاتصال.. ثم كنت أحاول الاتصال إلى الهاتف.. ولا أحد يستلم.. وفي الأخير استلم الاتصال، وسألني من الطرف الآخر: هل أنت تريد شابا هيئته كذا وملابسه كذا ..؟  ووصف لي رجاء.. فقلت: نعم.. إياه أريد .. فأخبرني أنه أصيب بحادثة مرورية.. أخفيت اضطرابي وسألته هل الإصابة خطيرة أم لا فأخبرني أنهم في طريقهم إلى المستشفى..
ناديت حرمتي ريحانة وقلت لها: رجاء قد تعرض لحادثة.. دعنا نرح إلى المستشفى.. واتصلت ببعض أقربائي الذي جاء بسيارة.. وخرجنا .. وكان تأتيه الاتصالات واحدا بعد واحد .. فهمت من كلامه أنه استفسار عن رجاء.. وسألته عن حال رجاء .. فطمأنني وقال لا حاجة للخوف..
وكنا نسير إلى المستشفى..ولا أزال أتذكر تلك اللحظات جيدا.. عرفت أن شيئا خطيرا قد وقع.. ووجدت رائحة سوء.. فرأيت قلبي يملأ بنور القرآن.. وجاءت إلى قلبي في تلك اللحظة جميع آيات الصبر والتوكل التي حفظتها.. وجاء إلى قلبي (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات فبشر الصابرين) (المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير) (والآخرة خير وأبقى) والأحاديث مثل (إنما الصبر عند الصدمة الأولى).. وأحسست أن القرآن الذي في داخلي يكلمني في تلك اللحظات.. ويقول لي أن اصبر.. هذا أوان الصبر والاحتساب.. وأنا واثق بأن قوة القرآن الكريم هي التي أصبحت حماية وتسلية لي في تلك الأيام..
ولما وصلنا المستشفى نزل من السيارة أقاربي وبقيت أنا وحرمتي فيها.. طلبوا منا أن نبقى في السيارة حتى يرجعوا.. فقلت لحرمتي .. كوني حازمة.. وكوني جاهزة لكل شيء قدر الله .. وربما .. لا يكون معنا إلا ابنتانا في رحلة الحياة من هنا.. ولما رجعوا سألتهم: هل جروحه كثيرة؟ فأجابوني: إن جسمه ليس فيه حتى جرح واحد.. ونزلنا من السيارة وذهبنا إلى المستشفى ودخلنا غرفة العناية الفائقة التي فيها رجاء.. فرأيته فاقد الوعي يتنفس بمساعدة الأجهزة الطبية.. نظرنا إليه لحظة وقبلت حرمتي على خده وخرجنا من الغرفة.. وفي طريق رجوعي إلى السيارة قابلني الطبيب فسألته: كيف رجاء؟ فشرح لي جميع ما حدث، وفي الأخير أخبرني أنه لا خير يرجى..
ثم قلت لأخي إني أريد أن أرجع إلى الغرفة وأرى ابني مرة أخرى.. فأذنوا لي .. فدخلت عليه فإذا الأجهزة الطبية ترفع عنه.. فقبلت على خده .. وكان قد برد..

متقاعدا
وأخيرا ما هي خططك لما بعد التقاعد ؟
سأتقاعد عن الخدمة يوم 6 -6-2015 . وفي نفس اليوم من نفس الشهر في العام المنقرض كانت تلك الواقعة التي قد شقت حياتي إلى نصفين.
وكانت عندي جراءة لأروح إلى أي جهة في الأرض حينما كان ابني معي، أما الآن بعد فراقه فقد أصبحت لدي حدود، ومع ذلك أرجو من الله العلي القدير أن يفتح لي مجالا جديدا للعمل حيث لا أستطيع أن أتفكر عن حياة مفعمة بالملل والكسل خالية عن الجد والعمل. كما سأحاول إن شاء الله أن أستعمل وقتي فيما يرضي الله تعالى وينفع الناس .



مواضيع ذات صلة
أدبيات, الأشعار, دراسات, مقالات, نداء الهند،،نداء الهند,

إرسال تعليق

0 تعليقات