ادعمنا بالإعجاب

«فرانكشتاين» لأحمد سعـداوي: إطلالة محسوسة إلى الحياة الاجتماعية للشعب العراقي

«فرانكشتاين» لأحمد سعـداوي: إطلالة محسوسة إلى الحياة الاجتماعية للشعب العراقي

السيد محمد شريف  ك.ف. الباحث في جامعة كاليكوت



تعد رواية  فرانكشتاين في بغداد  لأحمد سعداوي (2013) من أبرز الروايات العربية المعاصرة التي حازت إعجاب النقاد والقراء على السواء،
وقد وصلت شهرتها إلى آفاق بعيدة حتى كتبت فيها كتب ورسائل أكاديمية وأطروحات جامعية عديدة، و حظيت الرواية في الآونة الأخيرة باهتمام كبير من الأدباء والدارسين والباحثين لدى المجتمعات المثقفة في كافة أنحاء العالم.  وأكرم  العالم الكاتب والرواية بجائزة بوكر العربية العالمية لسنة2014م.ويبدو أنّ الروائي قد أفاد إلى حد كبير من تجربة الرواية العربية الحديثة خلال عقد الأخير بشكل خاص.ولم يترك في روايته عنصرا من العناصر الاجتماعي إلا قد أتى به. وتحكي «فرانكشتاين في بغداد» قصة هادي العتاك، بائع العاديات بحي شعبي في بغداد، والذي يقوم بلصق بقايا بشرية من ضحايا الانفجارات في ربيع 2005 ويخيطها على شكل جسد جديد، تحل فيه لاحقاً روح لا جسد لها، لينهض كائن جديد، يسميه هادي «الشسمه»، أي الذي لا أعرف ما هو اسمه، وتسميه السلطات بالمجرم أكس، ويسميه آخرون «فرانكشتاين». يقوم هذا الكائن بقيادة حملة انتقام من كل من أسهم في قتله، أو على الأصح من قتل الأجزاء المكونة له.
وتشكل الرواية مناخا وواقعا عراقيا بالامتياز والبيان، والرواية تتخذ في منطقة البتاويين، وهي إحدى مناطق بغداد مكانا للحدث لما يحمله هذا والمكان من شحنات نفسيه واجتماعية وثقافية ساهمة في تشكيل اللاوعي الجمعي للعراقيين وبمختلف انتماءاتهم الثقافية والعرقية ومناسبة لها تعتبر بيئة حاملة لانساق ثقافية وتاريخية مضمرة تظهر خلال طبيعة المكان واللغة كثقافة وتاريخ أسطوري جماهيري لا يظهر إلا لمن يجيد تفكيك واستنطاق إلامكنه ثقافيا وفنيا فالمكان وفق الاشتغال الثقافي والأدبي هو بنية حاملة للأنساق الثقافية والفنية الظاهرة والمضمرة، تتداخل فيه الصراعات والثقافات الاقتصادية والاجتماعية. و كما يصف الكاتب المكان مكانا ملتبسا وغامضا يحمل الكثير من الدلالات الحاضرة في طرق التعبير الوجداني والذاتي للعراقيين والمرتبطة بالأساطير والحكايات والملاحم،   وطبيعة الإنسان العراقي طبيعة ومكانية الحضور والتمثل لا يستطيع الانعتاق من سطوتها كليا في أشد حالات الوعي، وهذا يحسب للسعداوي في اختياره المكان (الحدث)وقدرته على توظيف ذلك الحدث ليمتد على طول جسد الرواية . وبقراءة النص يتكشف لنا أنّ المؤلف قد اختار شخصيات ذات كثافة نفسية واجتماعية تقف بالضد من الواقع الخارجي للإحداث عبر تبنيها للمضمر للأنساق الثقافية التي تعكس مجموعة من السياقات الاجتماعية والأخلاقية بل وحتى الدينية والسياسية المتبعة وما تضمر ما هو مضاد للمعلن في النص. ويتضح لنا في اختيار هادي العتاك كبطل للرواية يعكس موقف المؤلف من المضمر الثقافي المهمش من قبل السلطة والمجتمع في إشارة منه أن بلد مثل العراق تتحكم بمصائر شعبه صراعات دينية وعرقية يقودها أو يحركها المهمشون.
و كذا يسعى المؤلف عبر شخوصه في إعادة إنتاجه ضمن رؤى أسطوريه وحكائية غريبة فهادي العتاك هو شخص مجهول النسب والهوية يعتاش على بيع الأثاث القديم وسرد الحكايات الخرافية والذي يشعر من خلالها بأهميته لدى مستمعيه وفي ذلك دلالة واضحة على التلاحم مابين المخيال الشعبي والأسطوري مع الاشعور الجمعي  ولتكتمل صوره النمطية الميثلوجيا المخلص أو المنتقم في الأدب الشعبي الذي جمعه هادي من بقايا ضحايا الانفجارات اليومية. ولتكتمل أخر أجزائه كما يصفها الراوي (لم يكن ينقص الجثة كي تغدو كاملة سوى الأنف وهاهو ينتهي من هذا العمل البشع) لتختفي الجثة فيما بعد في ظروف غامضة وملتبسة مثل المكان الذي جمعت فيه لتستمر عملية القتل والانتقام في إشارة واضحة لما يحدث اليوم في العراق من قتل مجاني لا يستثنى منه احد إلا افرنكشتاين،أو كما يسميه هادي (بالشسمه) إن هذا الحنين للأسطورة يعود بنا إلى زمن ليس ببعيد فأبو طبر وما نسجت حوله من قصص وحكايات غريبة وعجيبة يحمل نفس شخصية الشسمة لكن مع فارق بسيط أن الشسمه يحمل صفة المنتقم أو المخلص الدينية والأسطورية والذي يسعى لتحقيق العدالة الإنسانية بقتلة المجرمين وفق قوانين روحية إما أبو طبر فكان هدفه مادي بحت، وهذا ما يؤخذ على السعداوي محاولته للتعبير عن دوافعه الداخلية أكثر من تسليطه الضوء على المسرح المظلم للذات البشرية لذلك كانت شخصية هادي العتاك شخصية مسطحة من حيث المضمون النفسي والاجتماعي لا يجيد سوى سرد الحكايات وجمع العلب الفارغة حتى إن لقائه بالصحفية الألمانية انتهي باتهام هادي، بأنه يروي احد الأفلام المشهورة .وإن إعادة اختيار السعداوي لقصة افرنكشتاين القديمة يظهر مدى إصرار السعداوي على فرض نسق تاريخي أسطوري له حضوره القوي على الذاكرة العراقية وكذلك في اعتماده على خطاب منحاز سلفا للماضي كملاذ ثقافي ذو تأثير واضح على ذاكرة المتلقي و يساهم في إنتاج وسط ثقافي غير قادر على إعادة البناء النفسي والاجتماعي في الواقع المعاش بسبب غياب الرؤية المستقبلية والروح التضامنية الفاعلة لذلك فرض السعداوي على شخوص روايته نمطا ثقافيا ذو بنية أسطوريه محددة أفقدتهم القدرة على صناعة واقع حقيقي يستطيع إيجاد حلول عملية ومعرفية لتحقيق العدالة المنشودة في ظل الموت المجاني السائدة اليوم، ومما يجب إلى الإشارة أنّ السعداوي عبر نصه يحاول إيصال رسالة أو خطاب بعدمية وعي الإنسان العراقي بمستقبلة بقدر وعيه بماضيه وحكاياته تأكيدا لقول الغذامي ((إن العرب ماضويون أكثر منهم تاريخيون)). وإن الرواية من حيث بنيتها ومواصفاتها ترتبط بالواقعية السحرية من خلال عنوانها وإحداثها وإبطالها ففرانكشتاين هو أسطورة عالمية ذات تصورات وإبعاد بداويه أي بدائية  بدويه حيث البطل يتخذ من أجساد الضحايا مصدر بقائه مما يولد لدية الرغبة بالقتل للبقاء حتى يتحول من المنتقم العادل إلى المنتقم القاتل وهذه هي ثيمة أساسية في الرواية التي اعتمدها السعداوي والتي تكتسب دلالتها الثقافية والاجتماعية باعتبارها عهدا بين الإنسان وماضيه،وهادي العتاك هو نموذج للبطل الأسطوري الذي لا يموت والذي تحول إلى بطل بعد أن كان غير من معروف  أو مسحوق حيث يمثل اختفاء هادي وحضوره تحقيق لنبوءة المسحوقين أو المهمشين. وكي لا نبخل على السعداوي نجاحاته نعترف أنها تعد من أهم الروايات العراقية من حيث بنية الشكل والبناء الداخلي ولكن لان النقد الثقافي في مضمونه هو بحث في أنساق مضمره للخطاب ويتعامل مع النص الأدبي بوصفه حادثة ثقافية كغيرها من الحوادث .
وأخيرا في رأيي أنّ رواية "فرانكشتاين في بغداد"ليست هي الوحيدة التي تعيد إنتاج هذه الأنساق الثقافية وأسطرت الواقع أو الانحياز للماضي بل الكثير من الروايات العراقية تشترك في ذلك والسبب هو الفشل المتكرر للمنظومة الثقافية والاجتماعية في صنع واقع إنساني حقيقي يرتكز على القدرة الفعلية والإجرائية لصناعة المستقبل إلا من خلال إبطال أسطوريين يحظون بقيمة رمزية ومعنوية خالية من أي مضمون أو قيمه إجرائية فعلية لمجابهة الخراب من جراء التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية في العراق.تقع الرواية في 353 صفحة  من القطع الكبير، ومقسمة على 19 فصلا.


مواضيع ذات صلة
دراسات,

إرسال تعليق

0 تعليقات