ادعمنا بالإعجاب

مناهج المفسرين في العصر الحديث



مناهج المفسرين في العصر الحديث
د/سيد شجاع الدين قادري عزيز[1]        




الحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام على سيد الانبيآء والمرسلين وعلى آله وصحبه الاكرمين أجمعين أما بعد!
فأول مفسر للتفسير هو الله تعالي فقد ورد في الحديث النبوي: القرآن يفسر بعضه بعضا. والواقع أن الأمر في القرآن الكريم يأتي في إجمال بسيط. وبعد ذلك يأتي الله تعالي بالشرح الوافي لذلك الحكم المجمل بالنظر إلي الظروف الخاصة‘
وبعد ذلك يأتي تفسير النبي صلي الله عليه وسلم لكثير من السنة كما هو مندرج في أمهات الكتب يأتي علي رأسها الصحاح الستة‘ و أول تفسير مطبوع تفسير ابن عباس واسمه تنوير المقياس‘ وبعد ذلك لقد طبع تفسير سفيان الثوري أيضا. وهذان من أقدم التفاسير‘ ولما جاء العصر العباسي وعكف الناس علي العلوم والمعارف جاء دور التفسير أيضا. فابتدأ التفسير بعد أن أجمع الناس علي اختيار المصحف العثماني والمشهور من بين هذه التفاسير تفسير مقاتل بن حّيان و الضحّاك ومن نحا نحوهما.
و دارت عجلات الزمن  وفتح المسلمون كثيرا من البلاد ومنها بلاد فارس فاختلطت الثقافات  واستفادت دولة من أخري وهكذا آثار العلم‘ فتدفقت التفاسير منها تفسير الكشاف للزمخشري وتفسير محمد بن يوسف بن حيان الأندلسي المسمّي بالبحر المحيط وعلي هامشه النهر المادّ من البحر‘ وتفسير ابن حبّان وكذلك تفسير القرآن في كل المجامع الحديثية نحو الصحاح وسنن سعيد بن منصور ومسند الدارمي ومحلي ابن حزم الأندلسي  وتفسير الشواذ وتفسير مناهج القرآن وتفسير المعاني ثم جاء دور التفاسير الكبرى والتفسير الكبير  أن يأتي في عشرين مجلدا علي الأقل نحو تفسير جامع أحكام القرآن للقرطبي وتفسير جامع البيان للطبري وتفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور وكذلك التفاسير الأخرى نحو تفسير الآلوسي وتفسير صفة البيان وتفسير معالم التنزيل وتفسير الفتح الرباني ولقد كتب الفيضي في زمن الإمبراطور الأكبر تفسيرا غير منقوط اسمه سواطع الإلهام ونسخة منه مخزونة في المكتبة العمرية بعمرآباد تاميل نادو.
وإن تفسير سيد قطب المسمّي في ظلال القرآن وتفسير عائشة بنت الشاطي يشكّلان نقطة تحول في مسار التفسير‘ وأمّا ذيل اللغة الأردية  فليس  بفاض  عن  التفسير
  ويأتي على رأسها تفسير المودودي الذي انتقده وندّد به عدد لا بأس به من المفسرين‘ فطاحل العلماء لان المودودي لقد أنكر وجود الجنة والنار وقال بأن ذكرهما من بأب الترغيب والترحيب بينما أهل السنة أي الأشاعرة إنما يؤمنون بأن علي المسلم أن يعتقد بوجود القدر خيره وشره وبالملئكة و الجنة والنار.

وكذلك قام الهنود بتفسير مخصّص مثلا تفسير سورة الكهف و وقايتها لفتنة الدّجال وأن قراءة هذه السورة أيام الجمعة تشكّل حجزا ومتراسا بين القارئ وبين النار وإن التفاسير بالرأي فالمشهور فيها بعض الأعاجم. إذ أنهم يقيمون المنطق والكلام في التفسير وإن جار الله محمود الزمخشري لقد أدخل في تفسيره الكشاف مزاعم الاعتزال وهي الديانة الجديدة التي قام بإيجادها عطاء بن واصل  أو مقلوبه.
و أما التفاسير التي تتعرض لبيان أسباب النزول فقصب السباق أنما أحرزه الواحدي والتفسير المعقّد الذي لا يكاد يفهمه أحد تفسير العقّاد تفسير أبو جعفر الحرالي ولقد أتى في التفسير بعجائب وغرائب الطنطاوي الذي ألف التفسير الطبيعي فأمّا التفسير الكبير للرازي. فيقال أن فيه كل شيء سوي التفسير والتفسير الكبير هو الذي يحتوي علي عشرين مجلّدا مثل تفسير الرازي وتفسير نظم الدرر في يناسب الآي والسور والتفسير الجامع  لأحكام القرآن للقرطبي وجامع الأحكام للطبري وهو متهم بالتشيع وأورد في تفسيره ما يساند أقلية الشيعة الغلاة. ولقد أمضينا بعض الي النماذج للكتب التفسيرية البدائية بلغت أقصي الذري في القرن التاسع حينما قام برهان الدين أبو عمر البقاعي بكتابة تفسير حول المناسبات القرآنية ولا شك أن ابن حيّان الأندلسي لقد قدّم هذه المناسبات القرآنية في  كتاب البحر المحيط ولكن في غاية الوجازة. ثمّ جاء صاحبنا البقاعي وصنّف نظم الدرر في تناسب الآيات والسّور في ثمانية مجلدات ضخمة وقام بتحقيقه الشيخ محمد عمران الآعظمي حفظه الله تعالي فاشتمل هذا التفسير بعد التحقيق والتدقيق علي اثني وعشرين مجلدا. و واحد منها ليس بأقل من  خمس مئات صفحة. وهذا يعني  أن مجموع الصفحات إنما تكون أحد عشر ألف صفحة ولذلك يسمّي هذا التفسير بالكبير. ولقد يستشهد فيها المؤلف بكتب ربما يبلغ عددها عشرة آلاف من أمهات الكتب منها تنوير المقياس في تفسير ابن عباس ومنها جميع الصحاح والسنن والمساند. والمعاجم وكتاب الأفعال لابن القطاع والمفصل والكشاف وتخريج أحاديث الكشاف لابن حجر العسقلاني وتفسير مدارك التنزيل وتفسير البيضاوي والسبكي وكتب الرمّاني وأسباب النزول للواحدي وكذلك كتاب البرهان لإمام الحرالي  وكتاب غريب الحديث والغريبين ولسان ابن منظور وتاج العروس  للزبيدي وحلية الأولياء للأصفهاني وتاريخ البخاري وطبقات ابن سعد ومصنف ابن أبي شيبة ومصنف عبد الرزاق  إلي غير ذلك من الكتب النافعة‘ ومن خصائص هذا الكتاب أنه يبيّن ربط الآية الأولي بالسورة وبالآية التالية وبمقصد السورة فيحتج بالكتب القديمة نحو التوراة والأناجيل الأربعة وصحف اشعياء والانبيآء الآخرين ويأتى بعجائب وغرائب ولقد فاز الدكتور الطراوري الكاتب برابطة العالمي الإسلامي بنيل شهادة الدكتوراه علي هذا الكتاب الهام والمؤلف إنما يؤكد علي أن ثلاث كلمات مادّة إذا ما حولناها إلي التراكيب الست دار معناه الأول في كل كلمة‘ ومع بداية القرن العشرين لقد جآء تفسير صفوة البيان وتفسير المودودي المسمّي بتفهيم القرآن وتفسير أبي الكلام آزاد الموسوم بترجمان القرآن وتفسير عائشة بنت الشاطي نقطة تحول في التفسير فكتبوا التفسير في ضوء العقل والمنطق وطبقوا علي القرآن ماحدث في القرآن من الآيات الكونية والاكتشافات الحديثة إلى غير ذلك عن العجائب والغرائب التي تتجلي بكل قوة في أسلوب أبي الكلام آزاد فهو يقول في ترجمان القرآن في بيان المطر: إن الله تعالي ينزّل من السماء مطرا حسب حاجة الإنسان إليه ويسقي به كل إنسان وحيوان وهذا نظام يتحير فيه العقل ويعجز عن إدراكه البسطاء من الرجال وكل هذا يأتي أنموذجا لان الله تعالي كريم بعباده مسلمين كانوا أو كافرين و كان النبي صلي الله عليه وسلم إذا صلي صلاة الاستسقاء طلب المطر لا للمسلمين فحسب. بل للطبقات الاخري من صناديد قريش والمسيحيين واليهود وهكذا يأتي هذا الكتاب خليطا نافعا وتفسيرا مجديا في ضوء الاختراعات الجديدة والصناعات القشبية ورحم الله أرواح المفسرين ولا سيما روح فضيلة جنغ أنوار الله الفاروقي الذي أتى في تفسيره بما يذهل  العقول ويحيّرالالباب وقد نشر بعضه مولانا أبو الوفاء الأفغاني نور الله قبورهما تحت راية إحياء المعارف العثمانية و من أراد الاطلاع عليها فعليه أن يزور مكتبة الشيخ المذكور الكائنة في كوشا جلال من حسيني علم الملاصقة بحرم الجامعة النظامية وكذلك ربما يوجد هذا التفسير في مكتبة الجامعة النظامية أيضا.






[1] * الاستاذ المساعد بكلية العلوم الماجستر بسيف آباد‘ الجامعة العثمانية

مواضيع ذات صلة
دراسات,

إرسال تعليق

0 تعليقات