ادعمنا بالإعجاب

لمحة عن التراث العلمي للهند


لمحة عن التراث العلمي للهند







  • فإن ما لا يشك فيه إنسان منصف، في ضوء الدراسات التاريخية الددقيقة والصحيحة، أن بلاد الهند قد أدركتها العناية الإلهية الكريمة، منذ القرن الأول الهجري، السابع الميلادي، حيث هبّت عليها نفحة من نفحات هداية اسلام في فجر تاريخه، ولم تزل الهند منذ ذلك محطّ رحال المسلمين من العلماء العاملين، والغزاة الفاتحين، والملوك الحاكمين، والدعاة المخلصيي لمرضات رب العالمين.
    تركت في ملف تاريخها آثاره العلمية الخالدة، وأريقتْ في أرجائها وربوعها الدماء الزكية الغالية، التي لم تن لتذهب هدار، وأنجبتْ أبطالا، هم محاسن الدنيا وزينة الحضارة، ورجالا يعتز بهم الأمة شرقا وغربا، تنوعت مواهبهم، وتعددت عطاياتهم، في إثراء الحضارة اسلامية العالمية، فمنهم من صهر الليالي، وترك الأهالي، للسير إلى الملك المتعالي، مع دعاء الخلق وتهذيب الخُلق، والدلالة على الحق، مثل العالم الرباني: مؤرخ التصوف والصوفية: على بن عثمان الهجويري، صاحب كشف المحجوب(ت465هـ /1072م)    والعارف القطب، سلطان الهند خَوَاجَه معين الدين حسن بن حسن السجزي الجشتي الأجميري(ت627هـ/1229م)  والإمام الرباني، مجدد الألف الثاني، الشيخ أحمد بن عبد الأحد السرهندي، صاحب المكتوبات المشهورة(1034هـ/1624م)   وغيرهم.
    ومنهم من تضلع بعلوم الشريعة بشتى فروعها: العقلية والنقلية، من التفسير والحديث، والفقه والتصوف، واكلام والأصول، كالشيخ  الإمام الهمام، صفي الدين الهندي(715هـ/1315م)،   والعالم المحدث الفاضل، على بن حسام الدين المتقِي، صاحب كنز العمال(ت 975هـ/1567م)،  والعلامة الفقيه الشهير زين الدين بن محمد الغزالي بن زين الدين بن على بن أحمد المليباري، صاحب فتح المعين(ت1028/1618م)، والشيخ شاه ولي الله بن عبد الرحيم الدهلوي،صاحب حجة الله البالغة(1176هـ/1762م) ، والعلامة المحقق، عبد الحكيم بن شمس الدين السيالكوتي الهندي، صاحب الحواشي البديعة والتقريرات المفيدة(ت1067هـ/1656م)، والسيد محمد مرتضى الزبيدي، صاحب تاج العروس والإتحاف(ت 1205هـ/1790م)، وغيرهم.
    وعدد أعيان الهند في العلوم الحِكَمِية والفلسفية يكاد لا يدخل تحت الحصر والإحصاء، ورأى الإعراض عنهم هو الأنسب في مثل هذا المقام. وهل هناك أحد لا يعرف القاضي الفيلسوف محبّ الله البهاري، صاحب السلم والمسلّم (ت1119هـ/1707م)، والشيخ فضل إمام الخيرابادي، صاحب المرقاة في المنطق وتلخيص شفاء ابن سينا (ت 1243ه/1827م)، وابنه فضل حق الخيرابادي(ت 1278هـ/181م)، والعلامة المحقق مير محمّد زاهد الهروي، وغيرهم.
    وازدهرت الثقافة الإسلامية في الهند ازدهارا، لم يعرف في بلد إسلامي آخر عبر القرون ، حتى في تلك الفترة الزمنية التي انحطت فيها الحركات العلمية، والفكر والتأليف في العالم العربي، الذي أثخنته حملة التاتار، زخرت القرى الكبيرة، فضلا عن المدن والحواضر بالعلماء  والباحثين، المنقطعين إلى الدرس والتمحيص، المتجردين للتأليف والإفادة، والشيوخ العاكفين على الزهد والعبادة، وهكذا ظلت خلية الإسلام في الهند تُعسِّل في قرون متتالية.
    ولكنها مع ذلك كله بقيت محجبة عن أنظار العلماء العرب، والمؤرخين العاليمين، لأسباب ليس من اللازم  أن نذكرها هنا. لقد مرّ عليها الرحالون الكبار، وسجلوا في دواوينهم مشاهداتهم وتجاربهم في الهند، من أمثال الرحالة البندقي ماركوبولو(652-725هـ/1254-1324م)، أول رحالة أوربي تتحدث عن حضارة الشرق العالية، والعلامة الرحالة الجليل ابن بطوطة المغربي الأصل، وكتب عنها آخرون في ثنايا مؤلفاتهم المتخصصة في التاريخ والتراجم، أمثال السخاوي والحافظ ابن حجر والمرادي والحضرمي والشوكاني والمحبي، وفي كل ما سجلوا وكتبوا لم  يسعد من أعيان الهند وعظمائها ونوابغ رجالها بالتعريف إلا تحلة القسم، النزر اليسير فقط أو القليل من الكثير، كوردة من باقة أو باقة من بستان ، ما أجمله وما أعظمة،
     ولولا الكعبة المشرفة والقبة الخضراء، اللتان تحن إليهما القلوب والنفوس من الشرق والغرب، ويجتمع حولهما الزوار الوافدون والضيوف القادمون، ويتبادلون فيما بينهم العلوم والمعارف، في علم الحديث خاصة لبقيت الهند منعزلة تماما عن اهتمامات أهل العلم العالمين، ومجهولة لديهم.
    وكم نعرف مثلا العلامة الفقيه المحدث ابن حجر الهيتمي الشافعي المكي(ت 974هـ/ 1566م)، تلمذ عليه من أهل الهند عددٌ  لا يستهان به، كما أنه تتلمذ كذلك على عددٍ من علماء الهند، واستجازهم والسيد أحمد بن زيني دحلان: مفتي السادة الشافعية بمكة المكرمة(1304هـ/ 1886م)، والعلامة الكبير عبد الحي  الكتاني وغيرهم كذلك. وكم نفرح ونستبشر حين يسعفنا العلامة الكتاني: مسند المغرب في فهرس فهارسة بتاريخ وتراجم كثير من الشخصيات الهندية البارزة.
    أكبر كتاب مطبوع يتحدث عن أعيان هذا البلد الآن هو نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر في تاريخ وتراجم أعيان الهند، لعبد الحي الحسني اللكهنوي، جمع فيه ما تشتت في دواوين الكتب التاريخية، التي آثرت اللغات غير العربية، كالأردية والفارسية، أو العربية على أسلوب لم يرتق إلى المستوى المطلوب، وأضاف إلى ذلك شيئا كثيرا من مجهوداته العلمية والتاريخية، فأجاد وأفاد.(نقلا عن الكتاب تراجم علماء الشافعية في الديار الهندية)












  • مواضيع ذات صلة
    الكتب,

    إرسال تعليق

    0 تعليقات