ادعمنا بالإعجاب

الدكتور أحمد أمين، رائد من رواد الإصلاح والتجديد في الأدب والفكر الإسلامي

د/ محمد شهاب الدين
الأستاذ المشارك بقسم دراسات العرب، جامعة الإنجليزية واللغات الأجنبية، حيدرآباد


(تمت إضافة العناوين بواسطة الذكاء الاصطناعي)

نشرت الدراسة أولاً في:
مجلة كاليكوت، المجلد الخامس عشر، العدد الثاني، مايو - أغسطس ٢٠٢٥

سيرة حياة أحمد أمين وإسهاماته الثقافية

الأستاذ أحمد أمين من المفكرين المحدثين الذين أثروا الحياة العلمية والفكرية والأدبية والثقافية من خلال كتاباتهم المتميزة، كان الهدف الرئيسي لحياة الدكتور أحمد أمين إثراء الثقافة العربية، كرس حياته كلها للبحث والقراءة والكتابة، وترك خلفه تراثاً علمياً ضخماً، هذه الورقة تحاول تسليط الضوء على جهوده في تجديد الأدب والفكر العربي. ولد أحمد أمين في مدينة القاهرة سنة ١٨٧٨ م في بيت علم ودين أدب وثقافة وكان والده من علماء الأزهر فتلقى أحمد أمين تعليمه الابتدائي من والده وكان بيت والده بمثابة المدرسة الحقيقية الأولى في حياته وتكوين شبابه وامتلاء قلبه بقبس الإيمان وعقله بنور المعرفة والدين.١ ساهمت عوامل ثلاثة رئيسية في تكوين شخصية أحمد أمين (أ) تربية أبيه (ب) البيئة الاجتماعية، فكانت مثالاً لأبناء الأسر المتوسطة قبل أن تغزوها المدنية الغربية بعلومها وماديتها (ج) الكتاب الذي يهتم بتحفيظ القرآن الكريم وتعليم القراءة والكتابة. والعامل الأول يعني رعاية والده العلمية وتربيته الدينية تركت أعمق الأثر على شخصية أحمد أمين، يقول الأستاذ أحمد أمين معترفاً بتأثير تربية أبيه في تكوين شخصيته "والحق أن أبي كان يمتاز على كثير من شيوخ الأزهر بأشياء كثيرة - كان واضح العبارة قادراً على الإفهام من أقصر الطرق. وكان يرى في الحواشي والتقارير مضيعة للوقت .... وهكذا، مما أكسبه ذوقاً في التعليم وقدرة على التفهيم، وله مزية أخرى وهي كثرة مطالعاته في كتب الأدب والتاريخ واللغة واهتمامه بجمعها. ولم يكن ذلك معروف عند كثير من الأزهريين. فرتب لي دروساً في النحو، واختار لي من كتبه طبعات ليس عليها حواش حتى لا يتشتت ذهني فيها - قرأ لي شرح الأجرومية للشيخ خالد، ثم كتاب قطر الندى، وكتاب شذور الذهب لابن هشام، ثم شرح ابن عقيل على الألفية، وكلها كتب تمتاز بوضوح العبارة وسهولة الأسلوب فكنت أتقبل دروسه في هذه الكتب في لذة وشغف ونهم. وإلى جانب ذلك قرأ لي كتاب فقه اللغة لالثعالبي، وشرح لي بعض مقامات الحريري في الأدب.

صورة 1
صورة أحمد أمين

صورة 2
صورة أحمد أمين (تم تحسين الوضوح بواسطة الذكاء الاصطناعي)

وليست دراسة اللغة والأدب مما يعنى به الأزهر ولكن عُنيَ بها أبي. ثم حبَّب إليَّ القراءة في مكتبته فكنت أقرأ في تاريخ ابن الأثير، ووفيات الأعيان وفاكهة الخلفاء، وكليلة ودمنة ونحو ذلك، وقرأ لي كتاباً في المنطق وكتاباً في التوحيد، فكان هذا كله في الحقيقة أساس ثقافتي ٢. "وبدأت مرحلة جديدة في حياة أحمد أمين حينما التقى بالشيخ عبد الحكيم بن محمد الذي كان على ذوق رفيع بالأدب وإتقان اللغة وصفاء في الدين والسلوك الصوفي فعلاقة أحمد أمين به كانت خيراً وبركة، إذ رَشَدَتْ قدمَهُ في طريق العلم وجدَّدَتْ أفكارَهُ وصَقَلَتْ مواهِبَهُ يقول الدكتور أحمد أمين تقديراً لدور الشيخ عبد الحكيم بن محمد في تنمية شخصيته: "وعلى الجملة فلئن كان أبي هو المعلم الأول فقد كان هذا الأستاذ هو المعلم الثاني انتقلت بفضله نقلة جديدة وشعرت أني كنت خامداً فأيقظني وأعمى فأبصرني، وعبداً للتقاليد فحرَّرَنِي وضيقَ النَّفْسِ فوَسَعَنِي وظلت صداقتنا سنين ينتقل من الإسكندرية إلى القاهرة فتتجدد صداقتنا وتزيد، ويشاء القدر أن يجمعنا بعد مدرسين معاً في مدرسة القضاء فتقوى الصداقة وتتأكد، وأستفيد على مر الأيام من علمه وتجاربه وحسن حديثه وتجيء الحركة الوطنية فأتحمس لها تحمس الشباب، وينظر إليها نظر الشيوخ وأقومها بشعوري ويقومها بعقله، فينقد زعماء الحركة الوطنية وأكره النقد، ويعيبهم وأكره العيب، وتدفعني الحماسة الوطنية إلى نقد أستاذ آخر لي نقداً فيه شيء من العنف فيلسع ذلك صديقي الأستاذ ويغضب له، ويكره من تلميذ أن يزل لسانه بمثل ما زل لساني في أستاذي فيخاصمني ويقاطعني وأسترضيه فلا يرضى، ثم أمعن في الاسترضاء فيبدأ في الرضاء، ولكن يسرع إليه القضاء، فيموت وفي عيني دمعة، وفي قلبي حسرة. رحمه الله "٣.

تأثير التربية والمعلمين على شخصية أحمد أمين

نجد أحمد أمين سنة ١٩٠٧ م يهجر مهنة التدريس للالتحاق بمدرسة "القضاء الشرعي" سعياً إلى التمكن العلمي والتزود بالمعرفة وهنا تأثر أحمد أمين بناظر مدرسة القضاء الشرعي عاطف بك. لما تخرج أحمد أمين منها، اختاره عاطف بك ليكون مساعداً له في تدريس علم الأخلاق، ومن ثم تعمقت فلسفته الدينية وأفكاره الإسلامية فإن كان والده المعلم الأول في حياته وشيخه وزميله عبد الحكيم بن محمد هو المعلم الثاني فإن معلمه الثالث هو عاطف بك. يتحدث أحمد أمين في سيرته الذاتية عن شخصية عاطف بك بشكل ممتع، فهو يقول: وكنا نتناقش في الدروس قبل إلقائها، وأحياناً يجرنا الحديث من موضوع الدرس إلى موضوع آخر اجتماعي أو ديني أو سياسي، فيعرض آراءه ويستمع إلى مجادلتي وقد أثر فيَّ أثراً كبيراً من ناحية تحكيم العقل في الدين، فقد كنت إلى هذا العهد أحكم العواطف لا العقل، ولا أسمح لنفسي بالجدل العقلي في مثل هذه الموضوعات، فالدين فوق العقل، فإن جاء فيه ما لا يدركه العقل آمنت به، لأن علم الله فوق علمنا، وهو أعلم بما يصلحنا وما يضرنا وهو يأبى إلا تحكيم العقل والبحث عما لا نفهم حتى نفهم، وكان له غرام بالبحث، وصبر على الجدل، وطول نفس في المناقشة حتى ليفضل من يناقشه أن يسكت أخيراً وإن لم يقتنع من طول ما أدركه من التعب والعناء، كان من أثر هذا الجدل الديني أني أعملت عقلي في تفاصيل الدين وجزئياته، أما جوهر الدين من إيمان بالله وجلاله وعظيم قدرته فظل ساكناً في أعماق قلبي لم ينل منه أي جدل ولم يتأثر بأي قراءة وكل ما في الأمر أني صرت أكثر تسامحاً مع المخالفين، وأوسع صدراً للمعارضين. واستفدت منه سعة في الأفق٤. تربية هؤلاء العظماء الثلاثة تركت التأثير العميق في حياة أحمد أمين الفكرية ودفعته إلى أن يتخذ المواقف والآراء من خلال إعمال العقل يتجنب من العاطفة والمزاج الشخصي في إصدار الأحكام واتخاذ القرارات، كما تعلم أحمد أمين منهم ألا يسمح لنفسه بتحكيم العقل بما فوق طاقاته من أمور الدين، لأن جوهر الدين فوق البحث العقلي، ولا يتعلق به وجدل علمي٥.

توسع ثقافة أحمد أمين وإسهاماته في التعليم والنشر

الدكتور أحمد أمين حاول توسيع دائرة ثقافته في حقول مختلفة من العلم والمعرفة، فلم يقتصر على ثقافته الدينية والعربية، وقام بتثقيف نفسه سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وفكرياً، وقد دفعته الرغبة الملحة لتوسيع أطر فكره أن يتقن اللغة الإنجليزية، كما استفاد بنخبة من خريجي دار العلوم المصرية، تكونت منهم مدرسة علمية انبثقت عنها لجان في السياسة والاقتصاد والثقافة، و"لجنة التأليف والترجمة والنشر"، جاءت في الظهور بسبب هذا التجمع للشباب الموهوبين، فقد تولى الدكتور أحمد أمين رئاسة اللجنة وأسس مطبعة ومجلتين الثقافة والرسالة وظل رئيساً للجنة طوال حياته. يروي الأستاذ أحمد أمين تفاصيلها: وانضم إلى جماعتنا ثلاثة من نوابغ خريجي مدرسة الحقوق كانت لهم ثقافتهم القانونية والسياسية، ودَبَّ في الجماعة روح التفكير القومي: فهذا البلد ضعيف مسكين متأخر في جميع مرافقه، ونحن الشباب يجب أن نفكر ونعمل في تقدمه وإعلاء شأنه رغم الاحتلال وسيطرته، فلنؤلف لجاناً لدراسة مصر من نواحيها المختلفة لجنة للناحية الاقتصادية وأخرى للناحية السياسية ولجنة للتربية والتعليم، ولتفعل كل لجنة فعل الطبيب يشخص المرض ويصف العلاج، وفعلت اللجان ذلك وبدأت الجماعة تعمل لكن عصفت الرياح باللجان كلها وبقيت - بحمد الله لجنة التأليف والترجمة والنشر "٦. ولما عُيِّنَ عضواً لالمجمع اللغوي فحاول تقريب اللغة الفصحى من العامية، حتى تنكمش المسافة بين العوام والخواص ولكنه لم ينجح في هذه المحاولة، وقد قام بإنشاء معهد المخطوطات التابع للإدارة الثقافية، وحاول جمع المخطوطات القديمة فيه، وميزانتها وحمايتها، وفي عام ١٩٤٦ م شارك في مؤتمر فلسطين المنعقد في لندن وعرض قضية فلسطين بأسلوب جيد. ثم انتقل إلى وزارة المعارف حيث بدأت منها حياته الشعبية، وقام بأعمال جليلة بناءة، فحينما عُيِّنَ مدير الإدارة الثقافية "قام بعملين جليلين، أحدهما أنه اقترح لإنشاء "الجامعة الشعبية على طراز الجامعة المفتوحة (OPEN) وتصدَّى له حتى أُنشِئَتْ وظلت تعمل بنجاح، واستفاد منها أكثر من سبعة عشر ألف طالب، وثانيهما أنه قام بترجمة أمهات الكتب الأدبية الغربية. ولقد قضى أحمد أمين حياته مليئة بالجد والكفاح والمثابرة وقام بخدمات وأعمال جليلة بناءة، وخلال إقامته في كلية الآداب بالجامعة المصرية، قام بأعمال تعتبر من مآثره الخالدة وألف كتباً قيمة، من أهمها: "فجر الإسلام" و"ضحى الإسلام" و"ظهر الإسلام" و"زعماء الإصلاح المسلمين في القرن التاسع عشر" و"فيض الخاطر" و"يوم الإسلام" و"حياتي" و"معجم الحاجات والتقاليد" و"مبادئ الفلسفة والأخلاق" ومن مؤلفاته التي شارك فيها الآخرون، "قصة الفلسفة اليونانية" و"قصة الفلسفة الحديثة" ومجلدين "قصة الأدب في العالم" في أربع مجلدات ٧. يقول الأستاذ لمعي المطيعي مشيراً إلى الخدمات العلمية التي قدمها الأستاذ أحمد أمين: وفي تقديرنا أن الكتب التي ألفها أحمد أمين (١٢ عملاً) هي التي بقيت له، وإن كان "فيض الخاطر" في ١٠ أجزاء و"النقد الأدبي" في جزئين و"قصة الفلسفة الحديثة" في جزئين. فإن "فجر الإسلام وضحى الإسلام وظهر الإسلام" هي أقدر أعمال أحمد أمين على البقاء، على حد تعبير دكتور طه حسين، وهي من أقوم وأروع ما وَضَعَ عن الحياة العقلية والفكرية للإسلام كما قال دكتور عبد الرزاق السنهوري. وحسبه أنه حلَّلَ الحياة العقلية للعرب والمسلمين تحليلاً لم يتهيأ مثله لأحد من قبله، كما قال عنه أحمد حسن الزيات ولم يكن هذا العمل في تقديرنا مصادفة، وإنما هو نتاج حياة أحمد أمين، ونتاج لتطور هذا العقلي، ونتاج للبيئة التي عاشها وللظروف التي رَبَّتْهُ أو التي مَرَّتْ بِهِ ٨. يضيف الأستاذ لمعي المطيعي مسلطاً الضوء على عدة جوانب شخصيته "حياة أحمد أمين الشخصية، وحياته العقلية وكلتاهما نموذج يُحْتَذَى أو ينبغي أن يترك آثاره لدى أجيالنا الجديدة. وقَدِرَ لَهُ أَنْ يَرَى الغرب كما رَأَى الشرق، فيكون له بدل العين عينان واختير عضواً في مؤتمر المستشرقين الذي يعقد في هولندا وزَارَ إنجلترا وفرنسا وإيطاليا ....... ومن غير الحصول على الدكتوراه يرقى إلى الأستاذية بفضل كتابيه (فجر الإسلام وضحى الإسلام) بعد أن فحصهما أستاذان مستشرقان. واختير ليكون ممثلاً لكلية الآداب في مجلس الجامعة لعشر سنين ٩."

أسلوب أحمد أمين الأدبي ودعوته للتبسيط

كان أحمد أمين من العظماء المصلحين، وكافة مؤلفاته ترمز إلى فكرته الإصلاحية، إذا أمعنا النظر في أسلوب كتاباته، ليبدو جلياً أنه يختلف عن طراز عامة الأدباء فأسلوبه يتميز بالبساطة وعدم تكلف الزينة والزخرف فيه فيختار أسلوباً يخاطب به العوام، ومن أجل ذلك نجد لغته سهلة ميسورة، وذلك لكراهيته الشديدة لكل تكلف وتصنُّع في أساليب الحياة. يقول أحمد أمين نفسه "واعتدت منذ اول عهدي بالقلم ان اقصد الى تجويد المعنى اكثر مما اقصد الى تجويد اللفظ، و الى توليد المعاني اكثر من تزويق الالفاظ، حتى كثيرا ما تختل (ضمائري) فاعيد الضمير على مؤنث مذكرا و على مذكر مؤنثا، لأني غارق في المعنى غير ملتفت الى الالفاظ، و لا اتدارك ذلك الا عند التصحيح، وقد يفوتني ذلك ايضا. ولتقديري للمعنى اميل الى تبسيطه، حتى لا اسرف احيانا في ايضاحه لشغفي بوصوله الى القارئ بينا و لو ضحيت في ذلك بشيء من البلاغة ١٠.

دعا الاستاذ أحمد أمين زملائه من الادباء والمفكرين الى التبسيط في اسلوب الكتابة وهذا هو التجديد في الادب الذي اشار اليه الاستاذ أحمد أمين في عدة كتاباته ولم يتردد ابدا في نصح زملائه من الكتاب ان يتبعوا خطواته فيقول:

ولا أرى في ذلك بأسا، بل لقد هممت احيانا ان أتحدث بالعامية، لأني ارحم الاميين وأشباههم أن يكون لهم غذاء عقلي يستمعون به، وأكره من الادباء ارستقراطيتهم فلا يكتبون الا للخاصة، ولا يتفننون الا لهم. وواجب الادباء أن يوصلوا غذاءهم الى كل عقل ونتائجهم الفنية الى كل اذن، فإذا لم يفعلوا فقد قصروا" ١١.

ونظرا الى سذاجة اسلوب أحمد أمين ونزعته الادبية نجد العديد من مؤرخي الادب العربي لم يعدوه من الادباء، فشوقي ضيف لم يذكره من الادباء في كتابه المعروف "الأدب العربي المعاصر في مصر" ولم يذكره الا في مكان واحد ضمن تطور النثر العربي، وهكذا نجد عقادا يراه عالما محققا ولا يراه اديبا، فكل مؤلفة التي كان يرسلها الى أحمد أمين هدية يكتب عليها "الى العالم المحقق احمد امين" وكذلك يشير الى اتساع فكره ودراسته أنه تناول في مؤلفة "زعماء الإصلاح" تراجم عشرة من المصلحين بالتفصيل ولم يقتصر في الذكر على المصلحين من العرب، وإنما ذكر كافة المصلحين البارزين من العالم الإسلامي كله فيوحي هذا الامر أنه كان مصلحا يتخذ ذهنا واسعا، ويطلع على جميع المصلحين المتواجدين في كل دولة ومكان واعمالهم ومآثرهم، وكتابه "فيض الخاطر" يتواجد فيه الكثير من المقالات الإصلاحية، وتغلب عليها النزعة الإصلاحية.

وقضية تعليم المرأة، ومكانتها الاجتماعية وحقوقها هي من القضايا قد جعلها أحمد أمين موضوعه الخاص وعرض رؤيته بوضوح، وقال مرة "إن الدافع الأساسي لتطور الغرب إن المرأة لها مكانة مهمة عاملة في الهيكل الاجتماعي الغربي ومجال التعليم ١٢.

ولعب الدكتور أحمد أمين دورا بارزا في مجال التعليم من خلال إنشاء "الجامعة الشعبية".

وأسهمت هذه الجامعة دورا محوريا في إيقاظ الوعي القومي، كما قام الاستاذ أحمد أمين برحلة واسعة الى كافة الدول الإسلامية والعربية وكتب عن أوضاع الخلقية والتعلمية والاجتماعية لكل دولة، وحيث لمس الفساد فوضع الامنامل عليه، وعلى سبيل المثال، سافر الى بلاد تركستان فكتب عن احوال مجتمعاتها بالتفصيل وبحث في الجوانب الإيجابية والسلبية لثورة مصطفى كمال، ومدح الاتراك وقال: "أعجبني في الاتراك خلقان لطيفان نظافتهم وهدوئهم، فهم في الحق في هذين الامرين إنجليز الشرق"١٣.

وفي عام ١٩٣٠ م لما سافر الى الشام، فنبه أهل الشام على مخططات الاستعمار وأبدى مخاوفه عن مستقبل الشام وسافر الى فلسطين، ورأى قادتها يتضاربون ويتصارعون فيما بينهم، فأبدى قلقه ونبه على أن اليهود سوف يستحكم وجوده في هذا المكان، وارتحل الى العراق ووجد الشيعة وأهل السنة متنازعين فأكد على دفع الخلاف وقال: "لئن كانت الخصومة بين أصحاب علي وأصحاب معاوية معقولة في زمنهما او بعد زمنهما بقليل فلم تعد معقولة الآن."١٤ وفي عام ١٩٣٧ م قام بأداء مناسك الحج وعاين سوء النظام والإدارة وقلة التسهيلات هناك فكتب الى وزارة الخارجية المصرية لإزالة ما يواجهه الشعب من المشاكل في الحج والحركة التي ثارت في قيادة سعد زغلول ضد الانجليز شارك فيها أحمد أمين، فقام بسلسلة خطب موسعة ايام الجمعة عقب الصلاة في المساجد وحاول إيقاظ الوعى السياسي في العوام، ومن ناحية أخرى أعد نشرات للقضاء على جمود العوام، وايجاد الوحدة بينهم، هكذا حياته كلها بذل وعطاء.

إنجازات أحمد أمين في الثقافة والإصلاح

الدكتور محمد رجب البيومي ألف مجلداً ضخماً حول حياة وأعمال الأستاذ أحمد أمين، فهو يلخص إنجازاته بهذه العبارة: "أما الأثر الأول (فإنشاء لجنة التأليف والترجمة والنشر)، وهو أثر أورث الثقافة العربية خصوبة وازدهاراً، حيث قامت هذه اللجنة بنشر ما لم تستطعه هيئات حكومية بين يديها المال الكثير، وطرق التوزيع المتعددة، لقد قدمت لجنة التأليف والترجمة والنشر للقارئ العربي ذخائر الفكر الأوروبي في كل فرع من فروع المعرفة تقديماً أميناً، يبتعد عن الاتجار وكسب السوق المنتهز كما قدمت ذخائر التراث العربي مشروحة مضبوطة كأحسن ما يستطيع أن يقوم به محقق ضليع، لأن الذين أشرفوا على تحقيق التراث في هذه اللجنة هم من كبار الأكفاء ذوي الدراية والأمانة معاً، ثم اتجهت إلى التأليف الخاص فرَقَدَتْ المكتبة العربية بأنفس ما وعته من قرائح أحمد أمين، وطه حسين، وفريد أبي جديد، والغمراوي والزيات، وأحمد زكي العبادي، وزكي نجيب محمود، ومحمد بدران وعبد الوهاب عزام، والكرداني، ومن لا أستطيع حصره من الفضلاء ١٥. ثم يقول:

أما الأثر الثاني فهو صدور (مجلة الثقافة) أربعة عشر عاماً متوالية، بعد صدور (مجلة الرسالة) ست سنوات حافلة بآثار أعضاء اللجنة، لأن الاستاذ أحمد أمين قد عوّن الرسالة معاونة كبرى مع المرموقين من أعضاء اللجنة منذ إنشائها، ثم رأى المجلة تكسب كثيرا، ولا تعطي الكتاب شيئا ذا بال، وهذا موضوع فصلتها بالأدلة على صفحات مجلة الهلال من قبل فلا أعود الى هذا التفصيل الآن، ولكني أذكر أن ازدهار (الرسالة) في سنينها الاولى كان اكثره بجهود لجنة التأليف والترجمة والنشر، وحين رأت اللجنة بعد ست سنين أنها تستطيع أن تنشئ مجلة تغني غناء (الرسالة) في كل شيء بادرت بإنشاء (الثقافة)١٦

خاتمة: أحمد أمين رائد النهضة العربية الحديثة

الأستاذ أحمد أمين سعى دائماً أن يقوم بالتجديد والإصلاح في الأمة ويحدث تغييراً جذرياً في الأنماط الفكرية والأوضاع الاجتماعية للأمة العربية والإسلامية عن طريق إنتاجاته الأدبية ونشاطاته الاجتماعية والعلمية حتى أصبح علماً من أعلام النهضة العربية الحديثة ورائداً من رواد التجديد في الأدب والفكر الإسلامي.

الحواشي السفلى

١. أحمد أمين حياتي ص ٢٠ – ٢٥، الفصل الثالث ص١ ٢. أحمد أمين حياتي ص ٢٠ – ٢٥، الفصل الثالث ص ٥٩ ٣. أحمد أمين حياتي ص ٢٠ – ٢٥، الفصل الثالث ص ٦٣ ٤. أحمد أمين حياتي ص ٢٠ – ٢٥، الفصل الثالث ص ٩١ ٥. أحمد أمين: فيض الخاطر، ج ١٠ ص ١١١ ٦. أحمد أمين حياتي ص ٢٠ – ٢٥، الفصل الثالث ص ١١٥ ٧. أحمد أمين مؤرخ الفكر الإسلامي، الفصل الأول الدكتور محمد رجب البيومي ص ١٣م دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع. ٨. موسوعة هذا الرجل، الأستاذ لمعي المطيعي ص ١٢م الطبعة الثانية ١٩٩٧، دار الشروق مصر ٩. موسوعة هذا الرجل الأستاذ لمعي المطيعي ص ١٤، الطبعة الثانية، ١٩٩٧، دار الشروق، مصر. ١٠. أحمد أمين حياتي ص ٢٠ – ٢٥، الفصل الثالث ص ٧٢ ١١. أحمد أمين حياتي ص ٢٠ – ٢٥، الفصل الثالث ص ٢٥٩ ١٢. أحمد أمين حياتي ص ٢٠ – ٢٥، الفصل الثالث ص ٢٠٧ ١٣. أحمد أمين حياتي: الفصل الحادي والثلاثون والفصل الثاني والثلاثون ١٤. نفس المصدر ص ٢٣١، ٢٣٢ ١٥. أحمد أمين مؤرخ الفكر الإسلامي الدكتور محمد رجب البيومي، ص ١٣، دار القلم للطباعة ١٦. نفس المرجع، ص ١٤

مواضيع ذات صلة
تراجم العلماء, دراسات أدبية,

إرسال تعليق

0 تعليقات