تفاصيل عن المقالة
عنوان المقالة : التراث الخطي المعماري في قبة الصخرة
الكاتب: يوسف ذنون
المصدر: مجلة حروف عربية (مجلة فصلية تعنى بشؤون الخط العربي)
تصدر عن : ندوة الثقافة والعلوم
رقم العدد:26
أرقام الصفحات: 41-34
تاريخ الإصدار: 01 أكتوبر 2010
بلد النشر : الإمارات
رئيس التحرير: بلال البدور
تمثل معالم قبة الصخرة تاريخ الفن الإسلامي بعمارتها وخطوطها وزينتها الزخرفية منذ بزوغه في العصر الأموي إلى يومنا هذا، فهي قديمة قدم التاريخ الإسلامي ومتجددة مع توالي العصور، يتجسد فيها تراث العرب والمسلمين وهي الرمز الأكبر والأشمل لحضارتهم، فهي العمارة في أبهى أشكالها التي تطالعنا بشتى أنواع الزخارف التي حملت إرهاصات نواة الفنون الزخرفية وصارت سمة خاصة بالفن الإسلامي، بدأت في العصر الأموي منطلقة من الفنون المحلية المتأثرة بالفنون السابقة ومن ثم تنامت شخصيتها المميزة في العصر العباسي الأول، لتنطلق بتنوع عجيب وتطور أعجب ومنها وفيها انطلق الفن العربي الأصيل، فن الخط العربي الذي انفردت فيه الحضارة العربية والإسلامية بتنوع مبهر وإبداعات لم تقف عند حد حتى الوقت الحاضر مكونة سمة الفنون الإسلامية، احتل فيها المكانة الأسمى في جميع مخلفات الحضارة العربية والإسلامية وقد ضمت جنباتها نماذجه على اختلاف العصور.
فإذا تفحصنا تصميم مبنى قبة الصخرة، فإننا نجد أنفسنا أمام تصميم فريد من نوعه، يستمد منطلقاته من الصلة بين الأرض والسماء بشكله الذي خرج عن المألوف، وهو الشكل الدائري إلى الشكل المثمن (الشكل (۱) ، ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ) سورة الحاقة ١٧، ويرتكز على فكرة تخدم شكل الصخرة غير المنتظم الذي منح معالجته تصميما يرتكز على تعدد الحوامل الذي أكسبه مقاومة الظروف الطبيعية خلال هذه المدة الطويلة من السنين (حوالي ألف وثلاثمائة وستين سنة)، وخاصة مقاومته للهزات الأرضية والزلازل التي لم تؤثر فيه إلا قليلا بينما دمرت المباني المجاورة، فهو تصميم متفرد من نوعه في تاريخ العمارة الإسلامية، ليس له مثيل في السابق ولا في اللاحق، نابع من طبيعة المكان الذي وضع له الصخرة التي عرج منها الرسول محمد، إلى السماء، فهو بناء رمزي لحفظها بالإضافة إلى كونه رمز لأولى القبلتين.
وقد أجمع الدارسون لهذا التصميم أمثال كريزول ورشمند وكليزغانو (1) وغيرهم على مكانته الممتازة في العمارة الإسلامية والتي تفوق سائر المباني في الجمال والفخامة والرونق وإبداع الزخرفة بالإضافة إلى بساطة التصميم وتناسق الأجزاء ودقة النسب والتفرد في عمارته المثمنة التي لم يظهر لها مثيل في المساجد الإسلامية وما ظهر في بعض المقابر والمدارس يختلف جملة وتفصيلا، تدرج المبنى من الداخل بإطار دائري يحتضن الصخرة، تعلوه قبة ضاربة في الفضاء يساعد على حملها وإسنادها مثمن يثبتها قائم على الدعائم والأعمدة، يليه مثمن يسورها ويتم إسنادها بنسب فاضلة عجيبة وعناصر عمارية متنوعة وتفاصيل مذهلة (٢).
أمر الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (حكمه ٨٦هـ / ٦٨٤ - ٧٠٥م ببناء قبة الصخرة سنة (٦٦ هـ / ٦٨٥م) ، وانتهى البناء سنة ( ٧٢هـ / ٦٩٢م ) (۲)، كرمز المعجزة الإسراء والمعراج، فكانت معجزته الباقية إلى يومنا هذا تقارع الزمن شاهدة على العصور العربية والإسلامية التي مضت، فهي تمثل ولادة مجموعة فنون عربية، تأتي العمارة في مقدمتها والزخرفة في مصاحبتها للعمارة، بدأت بما هو معروف من فن الفسيفساء قامت على خبرة الصناع المحليين في ثلاثة اتجاهات الأول منها في الرسوم الجدارية.
الخليفة المقتدر بالله سنة ٣٠١هـ، تطالعنا بعدها نصوص العهد الفاطمي في ترميمات القبة من زمن الحاكم بأمر الله سنة ٤٠٧ هـ ، وبعده الظاهر بأمر الله سنة ٤١٣ هـ ، ثم القائم بأمر الله سنة ٤٦٣هـ ، أعقبتها الكتابات الصليبية حينما سيطروا على القدس والتي حررها صلاح الدين الأيوبي، فقام بإزالة المعالم الكتابية والكنسية التي خلفها الصليبيون، وترك لنا في القبة من الداخل شريطا من الكتابات التذكارية بخط الثلث القديم (٥) ، سنة (٥٨٦هـ / ١١٩٠م)، بعد أن كانت الكتابات السابقة بالخط الكوفي البسيط والمروس والفراغ الزخرفي واستمرت تكتب بخط الثلث القديم في داخل مبنى القبة فيما كتبه سلاطين المماليك بعد ذلك، ومنها الشريط الكتابي للسلطان محمد بن قلاوون المؤرخ سنة ۷۱٨هـ، وبعده الملك الأشرف قايتباي سنة ٨٧٢هـ (٢) ، وختمت هذه الكتابات في العهد العثماني، وكان من أبرزها الشريط.
الكتابي الذي يحيط بجدران مبنى قبة الصخرة من الخارج، كتبه الخطاط العثماني الشهير محمد شفيق بخط الثلث الحديث كتب فيه سورة يس سنة ١٢٩٣هـ / ١٨٧٦م ، ( الشكل (۲)، إن ما تقدم من الكتابة يشير إلى أن هذا المعلم يشكل معرضا لفنون الخط يسجل تطور الكتابات الخطية وتنوعها طوال العصور الإسلامية مع ما صحب ذلك من تطورات زخرفية كبيرة خاصة في العهد العثماني، حينما جرى ترميم مبنى القبة بالقاشاني بزخارفه الفنية والمعروفة في ذلك الوقت مثل الزخارف النباتية والتوريق ( الرومي) والخطاي والهندسي، وقد تم ذلك في سنة ( ٩٥٢هـ / ١٥٤٥م)، حينما جرى ترميم التالف من الفسيفساء الأموي في زمن السلطان سليمان القانوني (حكمه ٩٣٦ ٩٧٤هـ / ١٥٢٠ ١٥٦٦م)، والذي لا زال قائماً فيها حتى الوقت الحاضر () ( الشكل - (٣) .
إن ما تقدم لا يغني في إلقاء الضوء على هذا الصرح المعماري، الذي أشادت في وصفه كتب العمارة العربية الإسلامية شرقها وغربها بمؤلفات خاصة وعامة لا تحصى، بصورة تفصيلية في جميع دقائقه مثل كتاب كريزول العمارة الإسلامية المبكرة المشهور وغيره كثير في كل مؤلفات هذا الفن، ولسنا بصدد ترديد ما كتب، ومن أراد التوسع والتدقيق فيمكنه ارتياد مراجعه المختلفة وهي متوافرة في المكتبات والمواقع ولكننا هنا نركز على جانب فيه لم يأخذ حقه في هذا المعلم النادر والوحيد، وهو بحاجة إلى دراسة موسعة، إلا أن البحث سوف يسعى إلى جلب الأنظار إلى أهميته التي لا يمكن تقدير قيمتها التاريخية والدينية والفنية والإنسانية، ألا وهو الشريط الكتابي المنفذ بالفسيفساء الذهبية للكتابة على أرضية زرقاء داكنة، وهو الذي يعلو جوانب المثمن الداخلي من الجهتين والذي يبلغ طوله ٢٤٠ متراً من الكتابة بخط الجليل الشامي، يبدأ من الجهة الجنوبية الداخلية لينتهي في الجهة الغربية الجنوبية من الداخل أيضاً، ثم يستمر في الجهة الخارجية من المثمن الداخلي حيث يبدأ في الجهة الجنوبية (جهة القبلة) من خارجه، ويستمر بعكس الداخلي لينتهي النص كاملا في الجهة الجنوبية الشرقية (الشكل - (٤) ونصوصه تحتوي مجموعة من آيات القرآن الكريم التي يثبت.
يرجى التحميل لمتابعة الباقي
0 تعليقات
أكتُبْ تعليقا