ادعمنا بالإعجاب

آراء سماحة الشيخ مولانا أبي الحسن الندوي حول الاستشراق والمستشرقين في مكتوباته

 عنوان المقال:  آراء سماحة الشيخ مولانا أبي الحسن الندوي حول الاستشراق والمستشرقين في مكتوباته 

الكاتب: الدكتور علي رضا  (الأستاذ المساعد بكلية بهانغر التابعة لجامعة كولكاتا )

ولد العالم والمصلح الكبير سماحة الشيخ مولانا أبو الحسن الندوي في عام ۱۹۱۴م في أسرة علمية دينية بمديرية راي بريلي الواقعة بولاية أترابراديس درس في بيته دراسة تقليدية غير منتظمة على يد أخيه وأساتذته في قريته ومدينة لكناؤ وغير ذلك من المدن وفي مدة قصيرة اشتهر بغزارة علمه وعمق تفكيره وفاق على أقرانه و طار صيته في الهند وخارجها. أما الاستشراق والمستشرقون فإنه أظهر آراءه حيال الموضوع في كتابه " الإسلاميات بين كتابات المستشرقين والباحثين المسلمين" الذي تمت طباعته في البداية من الهند باسم "الإسلام والمستشرقون". 

في الواقع إن الكتاب " الإسلاميات بين كتابات المستشرقين والباحثين المسلمين هو مقالة افتتاحية كتبها بمناسبة ندوة علمية حول المستشرقين عقدت في عام ۱۹۸۲ ببلدة أعظم جراه أوضح فيه موقفه تجاه الاستشراق والمستشرقين. قبل أن نستعرض آراءه في هذا الكتاب يحسن بنا أن نلقي نظرة عابرة على تاريخ الاستشراق لكي نصل إلى كنه الاستشراق قبل ان نستعرض الكتاب. 

مر الاستشراق بأدوار تاريخية مختلفة في العصور الوسطى ، الدور الأول يركّز على دراسة العبرية لصلتها بالدين ودراسة العربية لعلاقتها بالعلم وذلك بسبب تخلف أوربا دينيا وعلميا ففي ١١٣٠م أنشئت في طليطلة مدرسة للترجمة برئاسة الأسقف ريموند وقد قامت هذه المدرسة بنقل جلائل الأسفار والكتب العربية إلى اللاتينية بإعانة اليهود حتى بلغ ما ترجموه من العربية في القرون الثاني والثالث والرابع عشر ثلاثمائة كتاب كما أحصاها الدكتور ( كلارك ) في كتابه تاريخ الطب العربي وأحصاها غيره أربعمائة وكان أكثر ما ترجم في هذه القرون هو كتاب الرازي وأبي القاسم الزهراوي وابن رشد وابن سينا وغيرهم من العلماء المسلمين وكذلك الكتب المترجمة في العربية من اليونانية مثل كتاب جالينوس وأبقراط وأفلاطون وأرسطو وأقليدس فنفخت هذه الترجمة في أوربا الخامدة روحا جديدة وشعورا لطيفا أما الدور الثاني جاء في شكل انتماء الطلاب الأوربيين إلى المدارس الإسلامية في الأندلس حتى نرى أن الراهب روجر بيكون الإنجليزي أوصى قومه بتعلم اللغة العربية وقال " إن الله يؤتي الحكمة من يشاء ولم يشأ أن يؤتيها اللاتين ، وإنما آتاها اليهود والإغريق والعرب " فمن هذه العبارة يمكن أن نفهم علو مرتبة المسلمين في مجال العلم والمعرفة. 


أما الدور الثالث فلم يبق محصورا في دائرة الانتفاع بعلوم العرب ومدنيّة الشرق بل توسعت وتشعبت أهدافه ودوافعه و بدا الغربيون يقصدون به در اسة تاريخ الشرق وأممه ولغاته وآدابه وعلومه وعاداته ومعتقداته وذلك لغرض تحقيق أهدافهم الاستعمارية الهدّامة. 

يهم موضعنا الدور الثالث لأنه مهم جدا بالنسبة إلى الإسلام والمسلمين وذلك بسبب سيطرة الاستعمار على البلدان الإسلامية علميا وفكريا من جانب ومن جانب آخر ضعف المسلمين علميا وفكريا وإذلالهم في عقر دارهم في هذه الفترة الصعبة وهناك كان بونا شاسعا بين المسلمين والغربيين ففي هذه الفترة نرى تحولا كبيرا في الاستشراق. ألا وهو التحول من دائرة الاستفادة الى دائرة الإفادة فظهر عدد كبير من المستشرقين أدوا خدمات جليلة في العلوم والمعتقدات الشرقية ، وقاموا ببحث و نشر نوادر العلم والمعرفة التي تعتبر اليوم من أهم المصادر للباحثين. لكن مع اعتراف جهودهم يمكن أن نقول إنهم أتوا بأشياء في كتاباتهم لا أساس لها بالصحة وبذلوا قصارى جهدهم لإثباتها مستخدمين قوة بيانهم وحجتهم خلف هذا العمل تأثيرا سلبيًا على المسليمن خاصة الأجيال القادمة الذين درسوا ومازالوا يدرسون في الجامعات الغربية. 

تقسيم المستشرقين حسب أعمالهم: 

وحينما نعمق النظر في مكتوبات سماحة الشيخ الندوي رحمه الله نجد إنه قسم المستشرقين إلى قسمين القسم الأول : الذين كرسوا حياتهم وطاقاتهم لدراسة العلوم الشرقية دون تأثير عوامل سياسية أو دينية وبذلوا قصارى جهد لحفظ هذه العلوم من الضياع. واعترافا وتقديرا لجهودهم يقول سماحة الشيخ الندوي: 

" ويكون من المكابرة والتقصير أن لا ينطلق اللسان بمدحها والثناء عليها ، وبفضل جهودهم برز كثير من نوادر العلم والمعارف التي لم تر ضوء الشمس منذ قرون ، إلى النشر والإذاعة ، وأصبحت مصونة من وعاهة الأرضة ، وكم من مصادر علمية و وثائق تاريخية ، لها مكانتها وقيمتها ، صدرت لأول مرة بفضل جهودهم وهمتهم وقرت بها عيون العلماء في "الشرق" الإسلاميات : ص ۱۳.

 مما لا شك فيه أنهم أتوا بخدمات جليلة في مجال العلوم الشرقية و نجحوا بطباعة نوادر الكتب التي كانت مجهولة من أعين الناس. بعض من الكتب القيمة التي أنقذوها من الضياع هي : 

البروفيسور ت. و . آرنلد TW Arnold صاحب الكتاب القيم The Preaching of Islam ( الدعوة الى الاسلام ) واستانلي لين بول Stanley Lane Poole صاحب کتاب Saladin (صلاح الدين الأيوبي ) و Moors In Spain ( العرب في الأندلس ) والدكتور إسبرنجر Dr. Aloys Sprenger صاحب المقدمة الإنجليزية القيّمة " الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني" طبع المجمع الآسيوي الملكي بكلكته وإدوارد لين (Edward William Lane ) صاحب المعجم الكبير المنسوب إليه المعروف بـــــــــ Arbic-English Lexicon" لشرح المواد العربية باللغة الإنجليزية وما إلى ذلك. 

والقسم الثاني: الذين يعملون بعوامل عديدة ويضعون أمامهم أهدافا خاصة لنيل بغيتهم يمكن أن نقسم عواملهم حسب ما يلي: 

العامل الديني: يهدف إلى نشر الديانة المسيحية وإثبات فضيلة المسيحية وخلق الجوّ للإعجاب بالمسيحية ، هكذا نرى الاستشراق و التبشير يسيران معا في أغلب الأحوال. 

 أما العامل السياسي: يقول سماحة الشيخ الندوي إن المستشرقين كانوا من رواد الدول الغربية في الشرق. وكان من واجبهم أن يساعدوها بالعلم لذلك حاولوا بدراسة تقاليد الشعوب الشرقية وطبيعيتها ومعيشتها ولغاتها وآدابها حتى عواطفها ونفسياتها ليتسنى للغرب أن يبسط نفوذه وسلطته في الشرق. 

 العامل الاقتصادي : يهدف هذا العامل إلى تجارة رابحة ولذك يحاولون بنشر المؤلفات والكتب المتعلقة بالإسلاميات والشرقيات لما يرون لها من سوق نافعة في أوربا وآسيا. 

استراتيجية و نفسية المستشرقين لإجراء البحث: 

من المعلوم أن المستشرقين كانوا يعملون حسب أهدافهم وغاياتهم المحددة وهو نفوذ الغرب على الشرق من كل جوانب سواء كان سياسيا أو كان علميا ودينيا ولذلك كانوا ينظرون الى الأشياء بكل دقة وعمق ويستغلونها للحصول على غاياتهم، يمكن أن نحددها بالايجاز وهي:

  • يبحثون عن مواضع الضعف في تاريخ الاسلام ومدنيته وحضارته ويدققون فيها حتى ينظرون اليها عن طريق المجهر وذلك لتقديمها وتمثيلها بصورة مضخمة مروّعة وهكذا يجعلون الذرة جبلا والقطرة بحرا طبقا لسماحة الشيخ أن هذه النفسية تثير في قلوب قادة العالم الإسلامي وزعمائه - ممن تتقفوا في مراكز الغرب أو درسوا الإسلام بلغات الغرب - شبهات حول الاسلام والمصادر الإسلامية وكذلك تحدث في نفوسهم يأسا عن مستقبل الإسلام ، ومقتا على حاضره ، وسوء الظن بماضيه. 
  •  يعينون لهم غاية ومن أجل الحصول على هذه الغاية يجمعون المعلومات - من كل رطب ويابس - ليس لها أي علاقة بالموضوع ويقدمونها بعد التمويه كأساس نظرية لا يكون لها الوجود. 
  • يذكرون عيبا واحدا بذكر عشرات المحاسن لتمكينه في النفوس لكي يعترف القارئ بسعة قلبهم ونظرهم على الرغم من أن هذا العيب يكفي لطمس جميع المحاسن على سبيل المثال إنهم يصورون بيئة دعوة أو شخصية ويلصقونهما بالتاريخ والعوامل الطبيعية بلباقة وبلاغة لكي يظهر للقارئ أن هذه الدعوة أو الشخصية ليست إلا نتاج البيئة والزمن وليست لها علاقة بتأييد إلهي أو إرادة غيبية. 
  • يدسّون في كتاباتهم مقدارا خاصا من السم ويأخذون في ذلك الحيطة والحذر لكي لا تضعف ثقة القارئ بنزاهة الكاتب. يقول سماحة الشيخ: "إن كتابات هؤلاء أشد خطرا على القارئ من كتابات المؤلفين الذين يكاشفون العداء ، ويشحنون كتبهم بالكذب والافتراء ، ويصعب على رجل متوسط في عقليته أن يخرج منها ، أو ينتهي من قراءتها دون الخضوع لها". الإسلاميات : ص ۱۷. 

محاسبة كتابات المستشرقين: 

لابد من أن يكون هناك حد من إعطاء أهمية بالغة ودرجة التقديس لمؤلفات المستشرقين والاعتماد عليها دون النظر إلى أخطائها ونقائصها ولابد أن يقوم العلماء والباحثون باستعراض مؤلفات المستشرقين ومحاسبتها في ضوء الحقيقة والواقع حتى ينكشف الغطاء عن تلبيساتهم كما نرى أن العالم الإسلامي والعربي يعتمد منذ زمن بعيد على كتب لا تخلو من الكذب والتدليس والافتراء مثلا تاريخ آداب العرب لــ آر.ايه نكلسن وتاريخ العرب والإسلام لدكتور بي. كيه هتي و(  The Origins of Mohammadans Jurisprudence )مصادر الفقه الإسلامي لشاخت (Schacht ) و الإسلام المعاصر واتجاهاته وحركاته ( Islam In Modern History ) لدبلو سي اسمث وغير ذلك من الكتب. 

ملخص القول: 

على كل حال، مساهمة المستشرقين في العلوم الإسلامية والآداب العربية كبيرة جدا و يجب على العلماء والباحثين المسلمين أن يقدروا جهود المستشرقين الذين عملوا بدون أي تاثير سياسي ومادي لكن الذين عملوا تحت تاثیر وهدف خاص فيجب عليهم أن يقوموا لمقاومة نزعتهم التشكيكية والتضليلية التي تتسرب في بيئة إسلامية وتأكل صرح العالم الإسلامي كالدودة بصورة بطيئة وسرية ويبذلوا قصارى جهد للحصول على مستوى يفوق على مستوى المستشرقين بسعة الدراسة وعمق النظر وتأكد المصادر والاستدلال القوي والاكتفاء الذاتي وذلك لتقديم المعلومات الإسلامية الحقة والكتابة حول الموضوعات الدينية والعلمية الصحيحة. 

المصادر والمراجع 

1. مولانا أبو الحسن الندوي الإسلاميات" بين كتابات المستشرقين والباحثين المسلمين" مؤسسة الرسالة بيروت ۱۹۸۶م 

2. مولانا أبو الحسن الندوي " الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية في الأقطار الإسلامية" المجمع الاسلامي العلمي ، لكناؤ ۱۴۲۶هجره 

3. أحمد حسن زيّات " تاريخ الأدب العربي " كتب خانه رشيديه ، دلهي ۶ 

4- Edward W. Said "Orientalism" Penguin 2003 


مواضيع ذات صلة

إرسال تعليق

0 تعليقات