ادعمنا بالإعجاب

عبقرية سماحة الشيخ سيد ابراهيم الأديب ولاميته الدكنية

محمد شاكر رضا (باحث الأدب العربي بجامعة الإنجليزية واللغات الأجنبية حيدرآباد )

جدول المحتويات

1. توطئة 

2. خلفية عن لامية العرب 

3. من هم الصعاليك ؟ 

4. وقسم الصعاليك إلى ثلاثة أقسام 

5. قيمة لامية العرب الأدبية 

6. مولانا سيد إبراهيم الأديب الرضوي

7. مولده ونشأته 

8. مؤلفاته العربية 

9. التعريف بـ لامية الدكن 

10. مراجع 

11. الحواشي


توطئة : 

كان العرب يسمون القصائد كما سموا الجبال والأودية وموارد الماء ... فكأنما كانت هذه القصائد معالم كبرى في الشعر العربي تسمى لتذكر وتخلد ، وكأن التسمية نوع من الحكم عليها إذ أنها تمييز لنباهة ذكرها وإشادة وتعريف بها. 

وكان من طرقهم في تسمية القصائد ، تسميتها بأسماء المطالع كقصيدة: "قفا نبك" و"بانت سعاد" ، ولعل هذه الطريقة أتت لهم من قولهم: أنشدني القصيدة التي مطلعها كذا حتى أصبح المطلع علما تسمى به القصيدة. 

وكما اهتموا بالمطالع اهتموا بالقوافي بل إن اهتمامهم بها أكثر ، يقول ابن جني : " ألا ترى أن العناية في الشعر إنما هي بالقوافي لأنها المقاطع وفي السجع كمثل ذلك ، نعم وآخر السجعة والقافية أشرف عندهم من أولها والعناية بها أمس والحشد عليها أوفي وأهم (1) . وقد سموا قصائدهم بحروف قوافيها. 

واللاميات والميميات والرائيات وغيرها أسماء أطلقت على القصائد أخذا من قوافيها واللاميات من أكثرها ويشاركها هذه الكثرة الرائيات والميميات والنونيات والداليات والسينيات والعينيات ، ولعل ذلك يرجع  إلى كثرة دوران هذه الحروف على الألسنة 

إلا أن اللاميات قد حظيت بما لم يحظ به غيرها من القصائد . ومن أشهر اللاميات في الشعر العربي لامية امرئ القيس التي مطلعها : 

ألا عم صباحا أيها الطلل البالي 

وهل يعمن من كان في العصر الخالي 

ولامية النابغة، ولامية أحيحه بن الجُلاح ولامية عنترة، ولامية عدي بن وداع، ولامية النمر بن تولب، ولامية زهير، ولامية حسان بن ثابت رضي الله عنه، ولامية القطامي، ولامية عبيد الراعي، ولامية عبدة بن الطبيب، ولامية ضابئ بن الحارث، ولامية السموءل ، ولامية بشامة بن عمرو، ولامية عبد قيس بن خفاف ، ولامية امرئ القيس بن جبلة السكوني، ولامية المزرد ، ولامية ابن الوردي ، وأخيرا لامية العرب للشنفرى . 

خلفية عن لامية العرب : 

ذهب الجمهور إلى أن صاحب لامية العرب هو الشنفرى . وهو ثابت بن أوس بن الحجر الأزدي الملقب بالشنفرى ، توفي عام 70 قبل الهجرة (٥٢٥م)، وهو صعلوك جاهلي مشهور من قبيلة الأزد اليمنية، ويعني اسمه (غليظ الشفاه) ويدل على أن دماء حبشية كانت تجري فيه. نشأ في قبيلة "فهم" بعد أن تحولت إليها أمه وقتلت الأزد والده، ويرجح أنه خص   بغزواته بني سلامان الأزديين ثأراً لوالده وانتقاما منهم، وكان الشنفرى سريع العدو لا تدركه الخيل حتى قيل " : أعدى من الشنفرى"، وكان يغير على أعدائه من بني سلامان برفقة صعلوك فتاك هو تأبط شراً وهو الذي علمه الصعلكة، وقد عاش الشنفرى في البراري والجبال وحيداً حتى ظفر به أعداؤه فقتلوه قبل ۷۰ عاما من الهجرة النبوية. 

ولا ريب أن العوامل البيئية والاجتماعية قد أثرت على الشنفرى وبرز ذلك واضحا في شعره فضلا عن لاميته، تلك القصيدة التي تبدو فيها ملامح الصعلكة من ثورة على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي كانت في بيئته آنذاك، والغربة التي يشعر بها كل صعلوك عاش في بيئته، كما نجد فيها مفاخرته بنفسه وبأخلاقه وشجاعته. 

يصور الشاعر في لاميته تصوير حياة الصعاليك العرب تصويرا دقيقا . ومن أجل ذلك صارت القصيدة أثرا من آثار الجاهلية على العموم ومن الشعراء الصعاليك على الخصوص لقد لقيت لامية العرب من العناية ما لم تلقه قصيدة أخرى . فلها من الشروح - كما ورد في فهرس دار الكتب المصرية – أكثر من عشرين شرحا . 

ويكفيك ما قال عمر بن الخطاب رضي الله عن هذه القصيدة : علموا أولادكم لامية العرب فإنها تعلمهم مكارم الأخلاق (2) . 

ولاشك في أنه قد جمعت لامية العرب المعاني الفخمة التي تقوم بها حياة الإنسان ويحكم عليه من خلالها بسعة الخلق أو ضيقه كالغنى والفقر والجوع والصبر ... وبهذا سميت لامية العرب دون سواها 

وإليك عدة أبيات أولى من لامية العرب : 

أقيموا بني أمي ، صدور مطيكم 

فإني ، إلى قوم سواكم لأميلُ! 

فقد حمت الحاجات ، والليلُ مقمر 

وشدت ، لطياتٍ ، مطايا وأرحلُ؛ 

وفي الأرض مَنْأَيَّ ، للكريم ، عن الأذى 

وفيها ، لمن خاف القِلي ، مُتعزّلُ 

لَعَمْرُكَ ، ما بالأرض ضيق على أمرئ 

سرَى راغباً أو راهباً ، وهو يعقلُ 

ولي ، دونكم ، أهلون : سِيْدٌ عَمَلَّسٌ

 وأرقطُ زَهلولٌ وَعَرَفَاءُ جيالُ

 هُمُ الأَهْلُ لا مُسْتَودَعُ السِّرِّ ذَائِع 

لَدَيْهِمْ وَلَا الجَانِي بِمَا جَرَّ يُخْذَلُ (3) 

هذا ، ونرى عزة النفس لدى الشنفرى أنه إذا جار عليه أهله لم يتذلل، بل يدعهم ، لأن الأرض واسعة في وجه الكريم ، يؤثر سكنى البراري مع الوحوش ، لأن الوحوش أفضل من الأهل ، تحفظ السر ، ولا تخذل الجاني. يفضل الوحوش على الناس ويفضل نفسه على تلك الوحوش : وهو يفترش الأرض ويستغني عن الجميع بقلب مشيع وسيف صقيل وقوس طويلة . 



 وهذه اللامية للشنفري تبلغ ثمانية وستين بيتا يمثل الشاعر فيها وصف حياة الصعاليك وصفا رائعا كاملا . وحيث تدور هذه القصيدة حول الصعاليك ومواصفاتهم ، ينبغي لنا أن نقوم هنا بتعريف موجز للصعاليك 

من هم الصعاليك ؟ 

الصعلكة- لغةً- مأخوذة من قوله : "تصعلكت الإبل" إذا خرجت أوبارها وانجردت ومن هذا الأصل اللغوي أصبح الصعلوك هو الفقير الذي تجرد من المال، وانسلخ من جلده الآدمي ودخل في جلد الوحوش الضارية ! والصعاليك - مصطلحاً - قوم من العرب طردتهم قبائلهم فلم تفتح لهم ذراعيها، إما بسبب أعمالهم التي لا تتوافق مع أعراف القبائل التي ينتمون إليها مثل حاجز الأزدي وقيس الحدادية ، أو من أبناء الحبشيات السود ممن نبذهم آباؤهم ولم يلحقوهم بأنسابهم مثل السليك بن السلكة وتأبط شراً والشنفرى. 

وقد حدد الدكتور شوقي ضيف معنى "الصعلوك" لغة بأنه "الفقير الذي لا يملك من المال ما يعينه على أعباء الحياة"، مؤكداً أن هذه اللفظة تجاوزت دلالاتها اللغوية وأخذت معاني أخرى كقطاع الطرق الذين يقومون بعمليات السلب والنهب.

وقسم الصعاليك إلى ثلاثة أقسام : 

١ - فئة الخلعاء الشذاذ وهم الذين خلعتهم قبائلهم بسبب أعمالهم التي لا تتوافق مع أعراف القبائل التي ينتمون إليها مثل حاجز الأزدي وقيس الحدادية. 

۲ - فئة أبناء الحبشيات السود ممن نبذهم آباؤهم ولم يلحقوهم بأنسابهم مثل السليك بن السلكة وتأبط شراً والشنفرى . 

٣ - فئة ليست من الخلعاء ولا أبناء الإماء الحبشيات، بل هي مجموعة احترفت الصعلكة احترافا وحولتها إلى ما يفوق الفروسية من خلال الأعمال الإيجابية التي كانوا يقومون بها، وقد يكونون أفرادا مثل عروة بن الورد سيد الصعاليك ، وقد يكونون قبائل مثل قبيلتي هذيل وفهم (4). 

ونجد في أشعار هؤلاء الصعاليك ترديد صيحات الفقر والجوع والحرمان، كما كانوا ناقمين وثائرين على الأغنياء والأشحاء، وامتازوا بالشجاعة والصبر وقوة البأس والمضاء وسرعة العدو، وقد ضرب بهم المثل في شدة العدو حتى قيل: أعدى" من "السليك" و "أعدى من الشنفرى" . 

وكانت غاراتهم تتركز في المناطق الخصبة، وترصد قوافل التجارة وقوافل الحجاج القاصدة مكة المكرمة، وكثيرا ما تغنوا بكرمهم وبرهم بأقاربهم؛ لأن ما يحصلون عليه كان يوزع على الأهل والأقارب المحتاجين، كما اتسمت لغتهم الشعرية بالترفع والسمو والشعور بالكرامة في الحياة (5). 

ومن أشهر الصعاليك عروة بن الورد والسليك بن السلكة، وتأبط شراً،  والشنفرى والحارث بن ظالم المري، وقيس بن الحدادية، وحاجز بن عوف الأزدي، وأبو منازل السعدي، والخطيم بن نويرة وقد عاش في صدر الإسلام وربما أدرك أوائل العصر الأموي، والقتال الكلابي فضالة بن شريك الأسدي، وصخر الغي من هذيل توفي في صدر الإسلام، والأعلم الهذلي وهو أخو الشاعر الصعلوك صخر الغي وقد عاش حتى عصر صدر الإسلام، وحماد الراوية . 

قيمة لامية العرب الأدبية : 

تعد لامية العرب من عيون الشعر العربي التي احتفل بها النقد قديما وحديثا ، وتنافس على شرحها اللغويون والرواة كالمبرد وثعلب والتبريزي والزمخشري والعكبري.

 ولم تقتصر العناية بها على القدماء بل تجاوزتهم إلى المعاصرين فترجمها المستشرقون إلى عدة لغات أوربية ، كالإنجليزية والفرنسية والألمانية كما ترجمت إلى اللغة البولندية ، وتنم أقوالهم فيها عن إعجاب بالغ من ذلك ما قاله المستشرق كرنكو : هي من أجمل آيات الشعر العربي (6) . 

ولا يقتصر تاريخ لامية العرب على ما كتب حولها من دراسات بل يمتد ليشمل ما أعقبها من لاميات نسبت للأمم الأخرى وهي لامية العجم ولامية الهند ولامية الدكن ولامية الأتراك ولامية الروم . 

ومما يجدر بالذكر هنا أن هذه اللامية سارت بين العرب ولم يشك أحد من العلماء الأوائل في نسبتها للشنفري ، حتى جاء القالي و أتى بخبر في سياق الحديث عن خلف الأحمر مما جعل الناس يرتابون في نسبة لامية العرب إلى الشنفرى فقال في أماليه : كان أبو محرز أعلم الناس بالشعر واللغة ، وأشعر الناس على مذاهب العرب . حدثني أبو بكر بن دريد أن القصيدة المنسوبة إلى الشنفرى التي أولها : 

أقيموا بني أمي صدور مطيكم 

فإني إلى قوم سواكم لأميل 

له، وهي من المقدمات في الحسن والفصاحة والطول ، فكان أقدر الناس على قافية (7) . قال العلماء : إن خبر القالي هذا خبر مفرد ، وان ابن دريد لم يذكر ذلك في كتبه ولا يعرف لهذه الرواية سندا . ومع ذلك فقد تشبث المتأخرون - أمثال كرنكو وبلاشير ، ويوسف خليف بهذا الخبر فراحوا يتهمون خلفا بصنع القصيدة ويسوقون الأدلة التي تؤكد زعمهم.

 وتختلف هذه القصيدة في بنيتها عن مثل ما ذكره ابن قتيبة عن القصائد الجاهلية الأخرى التي تبدأ بالنسيب وذكر الديار ثم تنتقل إلى الغرض الذي من أجله قيلت ، ولعل هذا كان من دواعي الشك في نسبة القصيدة للشنفرى وعزوها لخلف الأحمر.

 هذا، وتاريخ لامية العرب يمتد إلى اللاميات التي نسبت للأمم الأخرى وهي : "لامية "العجم" لمؤيد الدين أبي اسماعيل الحسين بن على الأصبهاني المعروف بالطغرائي . وقد أخذت هذه اللامية ما تستحقه من الاهتمام فوصلت شروحها إلى ما يقرب من خمسة عشر ، وأعظمها على الإطلاق " الغيث المسجم في شرح لامية العجم " للصفدي . 

ولامية الهند للقاضي عبد المقتدر الكندي . وقد نشرت في كتاب "نزهة الخواطر" لعبد الحي الحسني ثم نشرت في مجلة ثقافة الهند 

ولامية الأتراك لعبد اللطيف الناصري ، ومنها نسخة مخطوطة في دار الكتب المصرية تحت رقم (۹۱) 

ولامية الروم لمحمد بن الحنفي الحلبي ، وقد شرحها حسین رستم الشهير بباشا زادة ، وشرحه لايزال مخطوطا بدار الكتب المصرية أيضا رقم (۸۸م) . 

ولامية الدكن ، لمولانا سيد ابراهيم الرضوي . وسنقوم بتعريفها وتعريف المؤلف بشكل موجز في الصفحات الآتية.

 وقد نسبت هذه اللاميات للأمم فى مقابل نسبة لامية العرب للعرب ، قال الصفدي: وأما هذه القصيدة اللامية فإنما سميت لامية العجم تشبيها لها بلامية العرب لأنها تضاهيها في حكمها وأمثالها ، ولامية العرب هي التي قالها الشنفري ومطلعها : 

أقيموا بني أمي صدور مطيكم 

فإني إلى قوم سواكم أميل 

وحسبك أن الناس قالوا في هذه القصيدة : إنها لامية العجم في نظير تلك ، بمعنى إن كان للعرب قصيدة لامية مشهورة بالأدب والأمثال والحكم فإن للعجم لامية مثلها تناظرها (8) وكلام الصفدي يصدق على بقية اللاميات 

مولانا سيد إبراهيم الأديب الرضوي: 

لا يسع هذا المقال المتواضع ليحيط أدب مولانا السيد الواسع العميق ، الذي يتجلى فيه فكره الأدبي الرباني . كان ممدوحنا رجل دين وأدب واجتماع وفلسفة ومنطق وتاريخ وأخبار وتصوف وزهد . وكان شاعرا بليغا ، مرهف الحس ، بعيد الأثر في النفس ، فقد نهل الشعر العربي وعلّ وشرب كأسه حتى الثمالة ، إلى أن تفرد في عصره ومصره بالإيغال فيه ، والغوص على أسراره. 

يقول الدكتور محمد عبد الستار خان رئيس القسم العربي بالجامعة العثمانية سابقا عنه : (هو) ألمع جوهرة في تاج الأدب العربي في الدكن ومحيي الشعر الجاهلي بقريضه الممتاز في الزمن . لقد بني صروحا من المجد بأبياته الخالدات وآياته البينات . فكم له من نفثات دونهن السحر ، وكم له من وقفات ووثبات عاد على قضيتها بجميل الأثر وطيب الذكر (9) . 

مولده ونشأته :

ولد سيد ابراهيم بن سيد حيدر بن سید عباس بن سید علی بن سید عبد القادر المعروف بقادر باشاه بقرية ميسرم من قرى ابراهيم بتن مديرية حيدرآباد سنة ١٢٩٥هـ ونشأ بها ، وترعرع في أحضان العلم والدين .وكان أبوه عالما ورعا ، ومدرسا في مدرسة نظم الجمعية العسكرية فقرأ عليه وعلى غيره من مدرسي المدرسة الكتب الدراسية الابتدائية والقرآن الكريم . 

وبعد التعليم الابتدائي الإعدادي دخل المدرسة النظامية العريقة وأخذ العلوم والفنون من المنقول والمعقول عن أساتذتها الأجلاء ، واستفاد فيها من كبار العلماء . فنبغ في الأدب العربي كما برع في التفسير ، والحديث والكلام ، والفلسفة ، والتاريخ ، والتصوف والفقه . وكان حنفيا ، وصوفيا كبيرا وشاعرا مجيدا . وكان أحد فحول الشعراء بالدولة الآصفية. 

نشأ الأديب الأريب في الجامعة النظامية واستفاد من بيئتها العلمية والأدبية والثقافية ، وله ولع عظيم في اكتساب المعارف والأسرار ، قد متعه الله المواهب العالية من الحفظ والضبط والإدراك والفطانة والشرف والديانة والصدق والأمانة. 

وتولى التدريس بالجامعة النظامية في البداية ، ثم تصدى للتدريس في دار العلوم بحيدرآباد ، درس فيها اللغة العربية وآدابها بكل جهد وحماسة ونشاط ، فذاع صيته في الأوساط العلمية في البحث والدراسة . كان يذهب إليه الطلاب فيدرسهم في منزله أيضا . وله طول باع وتضلع في الأدب العربي ، وعلى وجه الأخص في علوم البلاغة والشعر. كان ينتقد الكلام والشعر (10) . 

لما كان الشيخ متضلعا في اللغة العربية وآدابها استقدمته الجامعة العثمانية من حيث الأستاذ للغة العربية في القسم العربي ، ولانتقائه لهذا المنصب الجليل قصة غريبة مروية . دعي الشيخ أمام لجنة التعيين بالجامعة العثمانية وكان على رأسها سماحة الأستاذ ألما لطيفي رئيسا ، فسأله أن يترجم قطعة  من الجريدة الأردية بالعربية ، فقال الأديب الألمعي أ أترجمها نثرا أم نظما ؟ وشرح تلك القطعة شعرا فصيحا مباشرا ومرتجلا ، فقام العلامة ألما لطيفي عن مكانه وقال : كرسيي هذا أحرى لك يا أستاذ ! فأنت الأديب الشاعر بلاشك 

ولما زار بروفيسور القسم العربي بجامعة أكسفورد الدكتور مارغوليت الجامعة العثمانية بحيدر آباد جرى النقاش بينه وبين البروفيسور  فاعترف بنبوغه وخبرته غير العادية في اللغة العربية ، وجميع فنونها واستعداده الكامل في الشعر العربي وقال : ما وجدت مثل هذا العالم الأديب في اللغة العربية في الهند (11). 

مؤلفاته العربية : 

تفسير سورة التين ، وسورة قريش - شرح الشواهد الملخص من شرح الشواهد - حاشية وتعريب على كتاب الفائق - شرح لامية العرب  للشنفرى - معالم النور - قصيدة لامية الدكن - ديوان شعر غير مطبوع ، فيه ۱۲۰۰ بيتا رائعا . 

التعريف بـ لامية الدكن : 

لامية الدكن قصيدة على بحر " لامية العرب " للشنفرى وقافيتها ورويها في مدح النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ، هي تعد من باكورة عصرها وفريدة دهرها . وهي خير ما يعرف بعبقرية صاحبها ومكانته الأدبية . يقول صاحب لامية الدكن في تقديم قصيدته : 

الحمد لله الظاهر في مظاهر الأكوان ، الباطن عن مدارك العقول والأذهان ، الأول قبل أن يحدث الزمان ، الآخر بعد انقضاء الدوران  والصلاة والسلام على مجلى نوره وإنسان بصره ، حامل لواء الحمد في حظيرته ، الداعي إلى الله على بصيرته ، محمد أكرم خلق الله عليه وأحب عباده إليه ، من أجابه عرف نفسه ، ومن تولى عنه خسر نفسه . وعلى آله مفاتيح خزائن أسراره ، وأصحابه مصابيح أنواره ، ومن تبعهم بإحسان في إقباله وبعد ! 

فإني لما فرغت من شرح لامية العرب للشنفرى الأزدي على ما سنح لي من إفادة طلاب الأدب العربي سنة ست وخمسين بعد الألف وثلاثمائة من الهجرة رأيت أن أقول قصيدة على بحرها وقافيتها ورويها في النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه ، ولداعية تجذبني إلى ذلك رجاء أن يجمعني بهم في مستقر الرحمة ، فأنشأت على ما بي من هموم تشفني وشواغل دونه تحفني ، فجاءت والله الحمد باكورة عصرها وفريدة دهرها ، وسميتها صمصامة الزمن لما فيها من ذكر سيف الله المسلول على من يعصي والرسول ، أهديتها إلى من قلت فيهم وهي مني كرجل جراد أهديت من قرية النمل إلى سليمان عليه الصلاة والسلام لاغير ، والله الحمد أولا وآخرا  قلت وبالله التوفيق.

ابتدأ مولانا الأديب لاميته على الأسلوب القديم بالغزل وشبب بسليمي وهي عبارة عن حقيقة الحقائق التي تتجلى في مظاهر اسمائها وصفاتها . انظر إلى ندرة المطلع وجودتها ، لقد أجاد فيما أتي بالبديع حيث اخترع أمرا اختاره قليل من الشعراء في الأدب العربي ، يقول : 

أ لاحت سليمى في البراقع ترفل

 أو الشمس تجري في الغمام وتذأل 

وما الشمس إلا رشحة من جمالها 

و ما البدر إلا ظلها المتمثل 

هكذا شبّب بحقيقة الحقائق وهي الذات الواجب الوجود في تسعة عشر بيتا وتمتاز هذه الأبيات بالجودة والانسجام مع الجزالة ، أجاد فيها وتفنن تفنن أديب عارف يمثل صورا من الإحسان والإبداع ، كاد أن يتفرد في هذه الصناعة يغلب عليه في إنشادها التجنيس والاشتقاق وسائر أنواع البديع يكسو كل ذلك ثوب من الفصاحة ومطرف من البلاغة من غير تعسف ومن دون تكلف . ثم تخلص إلى مدح النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأسلوب لا نظير له . فيقول : 

فإن رمت مغناها و مخدع سرها 

فلذ بالذي يهدي إليها و يوصل 

ومن سرّها في عينه و فؤاده

 و من حسنها في وجهه يتأمل

 توسل به و الجأ إليه و إنما 

ينال المرام من به يتوسل 

وما هو إلا المصطفى سيد الورى 

محمد الهادي النبي المبجل 

هكذا نراه يمدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أربع وعشرين بيتا ونصدق من غير مرية أنه أملت هذه الأبيات الرائعة قوة غلبت طبع الشاعر هي قوة الإيمان والعاطفة لحب النبي صلى الله عليه وسلم . ثم نراه يمدح الصحابة الكرام رضي الله عنهم فيقول : 

فآمن إيقانا به و بربه 

رجال أهلوا للإله و هللوا 

على رغبة أو رهبة إذ دعاهمو 

أجابوا إليه بادرين و هرولوا 

تراهم لديه جاثمين كأنما 

على رأسهم طير ترف وتحمل 

ملابسهم تقوى الإله ودينهم 

لهم و لمن يأتي قفاهم مكمل 

وبعد ذكر الصحابة رضي الله عنهم إجمالا في هذه الأبيات الرابعة افتخر مولانا الأديب بقوتهم ومضاء سيوفهم وحسن جيادهم وتعطش رماحهم إلى دماء المشركين . وذلك في هذه الأبيات : 

فلما تجلى ربهم لقلوبهم 

تردوا به ردأ لهم و تسربلوا

 وخرت لأذقان جموع عدوهم 

لما نابهم من هيبة وتزيلوا

 إذا ركبوا لم يستقر لبأسهم 

أسود الشرى شم المناخر بسل

 أحلوا بلاد الكفر دار بوارهم 

واصلوهمو نارا تلظى وتشمل 

هكذا وصفهم صاحب القصيدة في ستين بيتا وصفا رائعا قل نظيره ثم يصف الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم . فشرع في مدح أولهم وهو أمير المؤمنين عبد الله بن أبي بكر الصديق هكذا : 

تولى بإجماع من الناس أمرهم

 شديد القوى منهم همام مجلجل

 أبو بكر الصديق من سبق الورى 

إلى ذروة الإسلام يسمو ويرقل 

ثم شرع في مدح الخليفة الثاني فقال : 

و ولى أمور الدين من كان فيهم 

شدید بأعباء الخلافة يحمل 

فساس بلاد الله و ارتعدت به 

فرائص من في الأرض ضلوا وضألوا 

وقال في شأن أمير المؤمنين سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه : 

فولي ذو النورين عثمان بعده 

وقام بما قاما وما كان يكسل 

ولم يك جبارا عنيدا ولا كمن 

إذا رامه الأعداء بالشر يفشل 

و لكنه من رأفة ومهابة 

يلين لهم في بردتيه و يبسل 

وقال في شأن أمير المؤمنين سيدنا على بن أبي طالب رضي الله عنه:

فبويع منهم بعده من بنوره 

عيون قلوب الأولياء تكحل 

إمام الهدى صنو النبي و سره 

المؤقر في حوبائه المتزمل 

وباب علوم الدين في عين سالك 

إلى الله منه إذ يراقب مدخل 

وقال في شأن سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنهما : 

وقام بأمر الله في الخلق من له 

به الاعتصام أو عليه التوكل 

أتت نحوه تشتاق خود خلافة 

تجر إليه ذيلها و تترفل 

إلى الحسن السامي سنام مفاخر 

واصفى كرام من كرائم ينسل 

وقال في شأن سيدنا الحسين رضي الله عنه : 

أخوه الحسين المجتبى عند ربه 

إمام البرايا قطبها المتأصل 

و بايعه الأبدال أهل ولاية 

وعُمي العيون في الورى عنه لَه ذُهَل 

و كرسيه في عالم الغيب قائما 

بتنفيذ أقدار الأمور موكل 

ويقول في مقطع القصيدة يناجي ربه : 

و غاية مأمولي بما قلت فيهم 

شفاعتهم لي عند ذي العرش تقبل 

وقد ظهر مما كتبنا ، أن التشابه بين اللاميات الأخرى ولامية الدكن هو في الأدب والأمثال والحكم فحسب . حيث تُعد اللاميات الأخرى ديوان أممهم ، فلكل أمة تصورها المتميز للأشياء والكائنات . وعلى سبيل المثال لامية العرب حاملة لتصوراتهم ، ولامية العجم حاملة لتصورات قائلها الذي ينتمي إلى تلك الأمة ، وكذلك لامية الأتراك واليهود... بينما تختلف لامية الدكن عن اللاميات الأخرى في هذا الصدد فإنها لاتحمل تصوارت الناس في الدكن ، بل هي تحمل ما هو أكبر من ذلك وأعظم منه : هي تكشف عن حقيقة الحقائق التي تتجلى في مظاهر الذات الواجب الوجود . هي تُبرز صلة المؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم . هي توضح أن النبي صلى الله عليه وسلم نور الله ولأجله خلق الله سبحانه تعالى كل شيء . هو كان نبيا حين كان آدم عليه السلام بين الماء والطين ، وهو أم جميع الأنبياء ورسالته لسائر الأمم . هي لامية الدكن تصف الصحابة الأبرار رضي الله عنهم بأنهم جند الله المؤزرون ، وأنهم كفء للحرب ، وأن لهم اللواء المنصور في كل غزوة . وأنهم هو السابقون الألون ، وهو الخيار العظام . وأن ملابسهم تقوى الاله ، وأنهم هم الذاكرون الله سرا وجهرا . 

هذا ، والقصيدة هذه مطبوعة ، وقد درس عنها عدد من الباحثين في الهند وخارجها . وهي تدرس في الجامعات العصرية والأهلية في الهند وخاصة في منطقتها الجنوبية.

مراجع 

1 - الأمالي ، لـ أبي علي القالي 

2 - الخصائص لابن جني 

3 - دائرة المعارف الإسلامية . 

4- ديوان الشنفرى - دار الكتاب العربي بيروت 

5 - سلسلة تاريخ الأدب العربي، العصر الجاهلي، لـ الدكتور شوقي ضيف 

6- شعراء الدولة الآصفية لـ الدكتور محمد عبد الستار ، أصدره الدكتور محمد عبد الحليم محمود عميد جامعة الأزهر بالقاهرة أثناء زيارته حيدرآباد سنة ١٩٧٥ م. 

7 - علماء العربية ومساهماتهم في الأدب العربي - لـ الدكتور محمد سلطان محي الدين. 

۸ - الغيث المسجم في شرح لامية العجم ، لـ الشيخ صلاح الدين الصفدي. 

الحواشي

1 - الخصائص لابن جني ج ٢ ص ٨٤ 

2- الغيث المسجم في شرح لامية العجم ، للصفدي ج ۱ ص ۲۷ . 

3- ديوان الشنفرى - دار الكتاب العربي بيروت ، ١٩٩٦. 

4- سلسلة تاريخ الأدب العربي، العصر الجاهلي، شوقي ضيف، ص ٣٧٥. 

5- السابق نفسه 

6-  دائرة المعارف الإسلامية ج ١٣ص ٣٩٥. 

7- الأمالي _ لأبي علي القالي ، ج ١ ص ١٥٦ 

8- الغيث المسجم في شرح لامية العجم ج ۱ ص ۲۷ . 

9- شعراء الدولة الآصفية لـ الدكتور محمد عبد الستار ص ٦٩ ، أصدره الدكتور محمد عبد الحليم محمـــود عـميــــد جامعة الأزهر بالقاهرة أثناء زيارته حيدرآباد سنة ١٩٧٥ م . 

10- علماء العربية ومساهماتهم في الأدب العربي - لـ الدكتور محمد سلطان محي الدين ، ص ۳۹۹-۳۹۸. 

11-  السابق نفسه ص ٤٠٠ . 

مواضيع ذات صلة
إسهام علماء الهندية, الأدب العربي الهندي, تراجم العلماء,

إرسال تعليق

0 تعليقات