حكايات التراث العربية وأثرها في القصص الهندية والأقطار المجاورة لشبه القارة
د. داود سلوم
كلية الآداب - جامعة بغداد
۱ - مقدمة تاريخية :
إن العلاقة بين العرب وبلاد الهند قد سبقت الفترة الإسلامية بعهد قصير. فقد كانت مالابار مركزاً تجارياً في جنوب الهند يلتقي به التجار العرب مع غيرهم من تجار العالم .
وإن أول محاولة جادة للتقدم نحو الهند ودخولها دخولاً عسكرياً كانت محاولة محمد بن القاسم الثقفي عام ٩٢هـ / ۷۱۰م واستمرت الفتوحات في الهند إلى زمن المعتصم بالله عام ٢١٨ هـ / ٨٣٣م .
وفي واقع الحال كان كل ما احتله العرب من الهند هي المناطق الغربية )أي باكستان (والسند ومنطقة كشمير والبنجاب وكجرات وراجستان ولم تفتح دلهي إلا عام ٦٩٢هـ / ۱۲۹۳م فتحها قطب الدين أيبك . ولكن هذا المقدار من الفتح العسكري كان كافياً لأن يترك أثره الفعال في اللغات الهندية والفكر الهندي ، وسرعان ما أصبحت اللغة العربية لغة الكلام في القرن الرابع في السند وملتان كما كانت في مكران وغيرها كما نص على ذلك الأصطخري حوالى ٣٤٠هـ / ٩٥١م وابن حوقل ٣٥٨ هـ / ٩٦٨م ويندر أن لغة واحدة من اللغات الهندية لم تتأثر بالمفرد العربي ولم تستق من معين اللغة العربية والتي كانت لغة الحضارة والفكر والدين.
فهناك حوالى أربع وعشرين لغة تستخدم الخط العربي ومن اللغات التي تأثرت بالمفرد العربي أو الخط العربي اللغة السندية وكانت العربية سائدة إلى جانب هذه اللغة أيضاً في ديبل الميناء البحري) وما حوله من قرى تبلغ المائة وذلك حوالى القرن الرابع وقد كانت تكتب هذه اللغة بالحرف العربي . ومن هذه اللغات أيضاً لغة البشتو التي امتد أثرها من أفغانستان إلى المنطقة الشمالية والغربية من باكستان الحالية، وإضافة إلى تأثرها. بلغات مختلفة كالفارسية والتركستانية واليونانية والتركية فقد تأثرت كذلك
باللغة العربية وهي ترسم بالحرف العربي منذ القرن الثالث الهجري . ومن اللغات الأخرى التي تأثرت بالمفرد العربي والخط العربي في الهند لغة الأردو التي نشأت بعد ٦٩٢هـ / ۱۲۹٣م وبعد أن فتح قطب الدين أيبك دلهي، وكان جنوده يتكونون من الهنود والترك والفرس ومن هذا الخليط نشأت لغة وسط دخلت بها مفردات اللغات المحلية والفارسية والتركية والعربية.
1. ومن خلال هذا الامتزاج بين الأمم فقد نبغ من أهل الهند الذين نشأوا في قلب الأمبراطورية العربية في العراق عدد من الرجال في الأدب والفن والسياسة منهم
2. أحمد بن أبي بكر الزاهد السندي البغدادي.
3. وأحمد بن محمد بن الحسين أبو الفوارس السندي البصري.
4. وإبراهيم بن السندي بن شاهك .
5. وإبراهيم بن عبد السلام السندي البغدادي.
6. ومحمد بن زياد بن الأعرابي السندي الكوفي اللغوي والنحوي
7. والشاعر أبو العطاء السندي الخ...
ثم سرعان ما بدأت أسماء شعراء القارة الهندية من الذين كتبوا باللغة العربية تلمع في الأفق. فمن هؤلاء هرون بن موسى الملتاني السندي (توفي حوالى القرن الرابع. ورابعة بنت كعب القزدار (من بلوجستان في (باكستان وكانت تنشد الشعر بالعربية والفارسية وقد توفيت في القرن الرابع أيضاً.
ومنهم أبو العلاء عطار بن يعقوب الكاتب (ت 491هـ / (۱۰۹۷م) وله ديوان شعر بالعربية وآخر بالفارسية.
ومن هؤلاء مسعود بن سعد بن سليمان اللاهوري (ت) (٥١٥هـ / (١١٢١م وكان من أوائل الذين برعوا في علوم العربية في الهند وكان كثير الشعر وقد اختلف المؤرخون في نسبه فمرة قيل إنه هندي وأخرى قيل إنه فارسي ومنهم كذلك الأمير خسرو بن الأمير سيف الدين ت (٧٢٥ هـ / (١٣٢٤م وقد كان والده ترك وطنه في ما وراء النهر وسكن قرب دلهي في عهد جنكيز خان وألف الأمير خسرو كتاباً في البلاغة اسمه الإعجاز الخسروي وكانت أمثلته عربية وله شعر مركب بالعربية والفارسية وقد وصفت أشعاره بأنها تفوق أشعار جرير والفرزدق .
ومنهم القاضي عبد المقتدر الشاعر (ت) ٧٩١ هـ / ۱۳۸۸م) وقد درس في دلهي وتتلمذ لشمس الدين يحيى وله قصيدة لامية يعارض بها لاميتي العجم والعرب.
ومنهم كذلك الشاعر زين الدين المعبري (ت ٩٢٨ هـ / ١٥٢١م) وقد ولد في مليبار ) (الهند) وله عدد من المؤلفات في اللغة وله ديوان
بداية الأذكياء إلى طريق الأولياء بالعربية .
ومنهم كذلك أحمد تانيسري (ت ٢٠هـ / ١٤١٧م) وهو فقيه وعالم بالعربية وقد ولد في دلهي وتتلمذ على القاضي عبد المقتدر بن ركن الدين الشريحي الكندي وعلى الشيخ الصوفي نصر الدين الأودي وله قصيدة مشهورة في مدح الرسول
إن هذه الصلة المستمرة بين اللغة العربية والثقافة العربية يدل على أثر المؤلف العربي الذي كتب في الشرق في المثقف الهندي، وإن نظرة إلى فهارس المخطوطات العربية في الهند تكفي أن تقنعنا بمقدار عدد الكتب العربية التي وقعت إلى الهنود من المتصلين بالفكر العربي. ومن خلال هذه الطريق دخلت الحكاية العربية من خلال كتب التراث وأتيح لها أن تنتقل من خلال حلقات الدرس والترجمة إلى الجمهور ، ثم دخلت مرور الزمن إلى الرواية الشفهية الفلكلورية وهي إما أنها نجحت أن تكون قصة مستقلة بذاتها أو أنها تضاف إلى قصة أكبر منها لتكون جزءاً من عقدة تلك الحكاية الشعبية . ثم إن عامل الهجرة والنقل إلى خارج القارة الهندية حملها إلى أقطار أبعد من الهند فانتقلت إلى تبت أو ماليزيا ملايو) أو غيرها من الأقطار، وإن ظهور الحكاية العربية في الحكاية الشعبية الهندية لم يقتصر على غرب وشمال غرب الهند فقط وإنما هناك مجموعة من الحكايات العربية ظهرت في جنوب شرق وشرق الهند، وهو القسم الذي لم يصل إليه النفوذ العربي ولذلك فعلينا أن نفترض من الآن أن أثر الصلات التجارية بين الخليج العربي وعمان وعدن واليمن كانت طريقاً آخر لنقل هذا التراث إلى هذه الأماكن في شرق الهند وجنوبها الشرقي ثم منها إلى ماليزيا (الملايو)
۲ - الحكايات العربية المستعارة:
على الرغم مما أشاعه ماكس ميلر وجمهور الباحثين في أصول القصص والحكايات بأن الهند هي المصدر لكل الحكايات فإننا يمكن أن نلمح بعض المؤثرات العربية أو العراقية في هذا التراث . (انظر حول أثر الثقافة العربية في الهند والباكستان (رسالة الدكتوراة ) ، « تأثير اللغة العربية في اللغة والأدب الباكستاني لأبي الفضل بخت روان أجار خان الباكستاني . جامعة بغداد ۱۹۷۹م / ۱۳۹۹هـ) .
يمكن أن يلمح المتتبع للقصص الشعبية في الهند والبلدان المجاورة لها مثل تبت وماليزيا وسير الانكا ثلاثة جوانب من التأثير العربي بمعناه العام في النتاج الفلكلوري الهندي والشرقي فإلى جانب الحكاية العربية الإسلامية التراثية المروية في مؤلفات الأدب العربي يمكن أن يلمح الباحث تشابهاً في الأساطير التي يمكن أن توصف بأنها أساطير الخلق فهناك روايات شبه مشوهة لأساطير الطوفان أو خلق البشر وهي أساطير عراقية الأصل أقدم من أي نتاج يشابهها ويمكن أن نلمح كذلك تشابهاً بين الحكايات والقصص الشعبية العراقية التي رويت مشافهة وسجلت مؤخراً وبين بعض القصص الشعبية الهندية وقصص البلدان المجاورة للهند، وهذا لا يمكن الجزم به في تحديد الذي أخذ عن الأخير في هذا وقد يكون الحكم في هذا إلى جانب الهند أكثر مما يكون إلى جانب القصص الشعبية العربية .
وأنا لا أريد أن أتعرض في هذا البحث إلا لنوع واحد من التأثير العربي لأن الجزم به واضح بسبب وجود النصوص في كتب الأدب منذ حوالى ألف سنة في الوقت الذي ظهرت هذه الحكايات في كتب القصص الشعبية الهندية في القرن العشرين، مما يدل على وقت كاف لتحول قصة تراثية عربية إلى حكاية شعبية هندية أو جزء من قصة شعبية وسأبحث في هذا البحث في أصول سبع عشرة حكاية تراثية عربية وأقارنها بمثيلاتها مما انتقل إلى الهند والبلدان المجاورة لها وليس معنى هذا أن هذه القصص هي كل ما هناك من تأثير، ولكننا نقدم هذا العدد كدليل على نفوذ التأثير العربي الحضاري في الهند وأقطار الشرق الأقصى، ولعل هذا البحث سيكون نقطة انطلاق لعدد من البحوث الأخرى في مثل هذا الموضوع أو في موضع أساطير الخلق أو الحكاية الشعبية المروية شفاهاً والمسجلة حديثاً .
سأثبت هنا قائمة بهذه القصص ومصادرها والقرن الذي ظهرت فيه، وسأضع لها العناوين التي تربطها بالمصدر المروية عنه أو بمعنى موضوعها وأعطي مصادرها الأقدم فالأقدم ، ثم نوزعها توزيعاً جغرافياً حسب أماكن ظهورها في الهند.
ق الجاحظ (ت) ٢٥٥هـ) : الحيوان - الرجل المدين
ق ابن عبد ربه (ت ٣٢٧هـ) : العقد الفريد - «الطبيعة والتطبع»
المسعودي ت (۳۲۷هـ) : مروج الذهب - ذكاء العرب»
الأصفهاني (ت ٣٥٦هـ) : الأغاني - «أبو دلامة وزوجه
ق الحصري (ت ٤٦٠ هـ) : جمع الجواهر - أشعب والدينار» ا
لحصري (ت (٤٦٠هـ : جمع الجواهر - قصة معاوية بن مروان
الميداني (ت ٥١٨هـ) : مجمع الأمثال - رجع بخفي حنين
ابن الجوزي (ت ٥٩٧هـ) : أخبار الأذكياء - الكنز المدفون والمعتضد
ابن الجوزي (ت٥٩٧هـ) : أخبار الأذكياء - «الوديعة والمعتضد
ابن الجوزي (ت ٥٩٧هـ) : أخبار الظراف والمتماجنين - الأعمش في دعوة
ق الشريشي (ت (٦٢٠هـ : شرح مقامات الحريري - القنبرة والنصائح الثلاث»
ق أبو الفدا (ت) (٧٣٢هـ) : المختصر في أخبار البشر - حبل العدالة
ق الأبشيهي (ت ٨٥٠هـ) : المستطرف - «معن والفلاح»
الأبشيهي (ت ٨٥٠هـ) : المستطرف - المعتصم والأعرابي
ألف ليلة وليلة - الأحدب والخياط»
ألف ليلة وليلة - الفتاة ذات ثوب الريش
ألف ليلة وليلة - التاجر الذي يكلم الحيوان
وحين ننظر في الأماكن التي ظهرت فيها هذه القصص في شبه القارة الهندية وما حول هذه القارة يظهر لنا أن مجموعة من هذه القصص حملت إلى شمال وشمال غرب الهند وهي قد تخطت القسم الهندي المعروف بالباكستان اليوم، مما يدل على أن هذه الحكايات إنما دخلت في فترة التأثير الحضاري بعد القرن الرابع ولم تدخل إبان الفتح العسكري ولذلك فإننا لا نجدها في باكستان وإنما نجدها في الهند المعاصرة.
أما القسم الآخر فإنها ظهرت في جنوب شرق الهند وقسمها الشرقي مما يدل على أنها نقلت عن طريق التجارة وحملها التجار والمسافرون والحجاج من الهنود وتجار الخيل والجواري وما إلى ذلك وبكلمة موجزة إن هذه الحكايات قد انطلقت إلى الهند عن طريق البحر على الرغم من عدم وجود صلة ثقافية مباشرة قامت في الأساس على احتلال عسكري أو استقرار مجموعات ضخمة من العرب أو المسلمين.
وهنا جدول توزيع هذه الحكايات جغرافياً :
١ - الحكايات المنتشرة في شرق وجنوب شرق الهند :
أ - ولاية TAMIL NADU جنوب شرق
الأصفهاني (ت (٣٥٦هـ) : الأغاني - أبو دلامة وزوجه
الحصري (ت ٤٦٠ هـ) : جمع الجواهر - قصة معاوية بن مروان
ابن الجوزي (ت ٥٩٧هـ) : أخبار الأذكياء - «الوديعة والمعتضد
ألف ليلة وليلة - الأحدب والخياط»
ب - ولاية ORISSA شرق
راجع الحصري - قصة معاوية بن مروان
جـ - ولاية ADHRA PRADESH جنوب شرق
المسعودي (ت (٣٤٦هـ ) : مروج الذهب - «ذكاء العرب»
أبو الفدا (ت) (٧٣٢هـ) : المختصر في أخبار البشر - حبل العدالة»
الأبشيهي (ت ٨٥٠هـ) : المستطرف - «المعتصم والأعرابي»
۲ - الحكايات المنتشرة في وسط ووسط غرب الهند :
أ ـ ولاية( MAHARASHTRA) وسط غرب
قع (راجع المسعودي): «ذكاء العرب ق ٦ ابن الجوزي (ت ٥٩٧هـ ) - أخبار الظراف والمتماجنين - الأعمش في دعوة» (۷)
ب - ولاية MADHYA PRADESH وسط غرب
(راجع المسعودي): - ذكاء العرب
٣ الحكايات المنتشرة في شمال و شمال غرب الهند :
أ - ولاية KASHMIR) شمال غرب
ق الجاحظ (ت) ٢٥٥هـ) : الحيوان - «الرجل المدين» قه الحصري (ت ٤٦٠هـ) : جمع الجواهر - أشعب والدينار»
ب - ولاية HARYANA) شمال غرب
ق الأبشيهي (ت ٨٥٠هـ) : المستطرف - معن والفلاح
جـ - ولاية HIMACHAL PRADESH) شمال الهند
ابن الجوزي (ت ٥٩٧هـ) : أخبار الأذكياء - الكنز المدفون والمعتضد
د - ولاية ASSAM) شمال شرق
) ألف ليلة وليلة - الفتاة ذات ثوب الريش
٤ - الحكايات المشتركة بين الولايات الهندية :
وإن بعض هذه القصص والحكايات كان مشتركاً بين عدد من الولايات، مما يدل على الطريق الذي سلكته هذه القصص بين الجنوب والجنوب الشرقي أو بين الجنوب والوسط وهذه هي القصص المشتركة حسب الولايات .
أ - القصص المشتركة بين الجنوب الشرقي ووسط الهند:
ولاية ANDHRA PRADESH) جنوب شرق).
ولاية MADHYA PRADESH وسط الهند.
ولاية MAHARASHTRA) وسط غرب
قع المسعودي ت (٣٤٦هـ (: مروج الذهب - «ذكاء العرب
ب - القصص المشتركة بين الجنوب الشرقي وشرق الهند :
ولاية TAMIL NADU جنوب شرق
ولاية ORISSA شرق
الحصري (ت ٤٦٠هـ) : جمع الجواهر - قصة معاوية بن مروان
٥ الحكايات العربية المستعارة في الأقطار المجاورة للهند:
أ - الأقطار التي تقع جنوب وشرق الهند :
SIRILANKA (سیلان) - جنوب الهند
MALAYSIA (الملايو) - شرقالهند.
ق الشريشي (ت (٦٢٠هـ) : شرح مقامات الحريري - القنبرة والنصائح الثلاث»
MALAYSIA الملايي
) ؟ ( ألف ليلة وليلة - التاجر الذي يكلم الحيوان وزوجه
ب ـ الأقطار التي تقع شمال الهند :
TIBET تبت) شمال (الهند.
ق ابن عبد ربه (ت) ۳۲۷هـ) : العقد الفريد - «الطبيعة والتطبع ق ٦ الميداني (ت ٥١٨ هـ : مجمع الأمثال - «رجع بخفي حنين ونتمكن أن نستنتج من هذا التوزيع أن الحكايات العربية التي انتقلت إلى الهند هي الحكايات التي سجلت بين سنة ٢٥٥هـ / ٨٦٨م وسنة ٨٥٠هـ / ١٤٤٦ : وهو زمن الامتزاج الحضاري والفكري بين الشعوب العربية والإسلامية والشعوب المجاورة، قبل أن يدخل الاستعمار الغربي لإقامة الحواجز السياسية ويقدم ثقافته بديلا عن الفكر العربي والإسلامي
٣ الحكايات العربية ومقارنتها بالقصص الشعبية الهندية :
. سنحاول في هذا البحث أن نقدم صيغ الحكايات العربية بنصها أو بإعطاء تلخيص سريع لقصص ألف ليلة وليلة إذا كانت معروفة، ثم نقوم بالمقارنة بين النص العربي والنص المستعار في القصص الهندية أو البلدان المجاورة وسنتبع في التقسيم نفس الخطة التي اتبعناها في القسم الثاني حيث وزعنا القصص جغرافياً حسب ظهورها في الولايات الجنوبية والشمالية والوسط والولايات المجاورة أو الأقطار المحاذية للهند .
۱ - عرض الحكايات العربية المنتشرة في شرق وجنوب شرق الهند :
لقد قلنا من قبل إن الحكايات العربية التي نفذت إلى جنوب الهند وشرقها كانت من الحكايات التي انتقلت عن الطريق التجاري في الغالب، مهما اختلفت المبررات والدوافع نقول ذلك لأن الأثر الإسلامي لم يصل بعنف إلى جنوب الهند ،وشرقه، فإن المنطقة المحصورة بين أوريسا وسط شرق (الهند والجنوب كانت منطقة شبه معزولة عن الأثر الإسلامي والفتح والغزو، ولكن مع ذلك فإننا لا نجد هذه الحكايات إلا هناك.
لا يمكن أن ننكر أن آلافاً من المسلمين يعيشون في هذه المناطق وأن منطقة البنغال (بنغلاديش) التي هي شمال أوريسا منطقة تموج بملايين المسلمين فإن أثر الثقافة الإسلامية لا يمكن أن يكون لذلك معدوماً ولكنه ليس بنفس العنف وبنفس القوة التي سادت في شمال وشمال غرب الهند .
(۱) حكاية أبي دلامة وزوجه (رقم ٤)
جاء في كتاب الأغاني الحكاية التالية عن أبي دلامة: أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا الغلابي، قال حدثنا بن الضحاك قال : دخل أبو دلامة على المهدي وهو يبكي.
فقال له : ما لك؟
قال : ماتت أم دلامة وأنشد لنفسه:
وكنا كزوج من قطا في مفازة
لدى خفض عيش ناعم مؤنقٍ رغدِ
فأفردني ريب الزمان بصرفه
فأمر له بثياب وطيب ودنانير.
ولم أر شيئاً قط أوحش من فردِ
فدخلت أم دلامة على الخيزران فأعلمتها أن أبا دلامة قد مات فأعطتها قبل ذلك وخرجت. فلما التقى المهدي والخيزران عرفا حيلتهما فجعلا يضحكان لذلك ويعجبان منه) أبو فرج الأصفهاني : كتاب الأغاني نشر دار الثقافة بيروت ١٩٥٧ جـ ١٠ ، ص ٢٦٧ (
ومن القصص المنتشرة في ولاية تاميل نادو قصة أيا كابان الذي أصبح ملكاً، وقد أخذت هذه الحكاية العربية ومزجت في أحداث طويلة في هذه القصة منها أن أيا كابان يزوره الملك والوزير في بيته ثم أن يكون يسمعانه يتمنى ملكاً ليوم واحد لينتقم من جيرانه ويرسل لأمه نقوداً، وتحقق له هذه الأمنية بحمله مخدراً إلى دار السلطان وبعد أن تتكرر هذه اللعبة مرتين ويبدأ يخاف من هذين الزائرين اللذين كلما قدما عليه تغيرت أحواله فتصور نفسه ،سلطاناً، وبعد ذلك يكشف له الملك عن لعبة التخدير وأنه لم يكن يحلم ولم يكن مجنوناً وإنما كان يحمل فعلاً إلى دار السلطان. وفي سبيل أن يرضي الملك (أيا كابان) فإنه يعطيه جارية تعود للملكة وكان قد رآها حين كان يحمل إلى دار السلطان .
وأراد (أياكابان) وزوجه أن يحتالا على الملك والملكة في سبيل الحصول على المال الذي قل لديهما، فتذهب الزوجة إلى الملكة تبكي وتقول : إن (أيا كابان) قدمات فتعطيها الملكة بعض ما يساعدها، وفي نفس الوقت يذهب (أياكابان) إلى الملك يبكي ليقول له : إن زوجه قد ماتت ويعطيه الملك بعض ما يعينه وحين يلتقي الملك والملكة يخبر كل منهما بما سمع فيريان أن في الأمر لغزاً فيذهبان إلى دار أيا كابان) وحين يسمع وزوجه بقدوم الملك والملكة ينطرحان على الأرض كأنهما ميتان وهنا يقول الملك : أظن أن أيا كابان قد مات بعد زوجه حسرة عليها فتقول الملكة : لا ، إني أظن أن زوجه قد ماتت بعده حسرة عليه
فيقول الملك : أتمنى لو يخبرني أحد عمن مات قبل الآخر وأجعل جائزته كبيرة فجلس) أيا كابان( وقبل قدم الملك وقال: أنا مت أولاً .
وجلست المرأة وقبلت قدم الملكة وقالت : أنا مت أولاً ( Folk Tales of Tamil Nadu P. 38)
(۲)حكاية قصة معاوية بن مروان (رقم (٦)
قال الحصري :
كان معاوية بن مروان أخو عبد الملك بن مروان مغفلاً، فبينما هو واقف بباب دمشق ينتظر عبد الملك على باب طحان ، إذ نظر إلى حمار يدور بالرحى وفي عنقه جلجل .
فقال للطحان لم جعلت في عنق الحمار جلجلا؟
قال لربما أدركتني سآمة أو نعسة فإن لم أسمع صوت الجلجل علمت بأنه قد قام فصحت به.
فقال له معاوية : أرأيت أنه قام ومال برأسه هكذا وهكذا ـ وحرك رأسه - ما علمك أنه قائم؟
فقال الطحان ومن لحماري بمثل عقل الأمير أعزه الله تعالى
وتقع نفس القصة في ولاية (تاميل) بعنوان (المنطقي وتاجر (الزيت والشخصية في القصة كما تظهر من العنوان ليس أميراً بل هو أحد المناطقة المشهورين وكأن القصة الهندية هنا تهدف للسخرية من المتعلمين الذي يقيسون كل شيء قياساً نظرياً ولا يعيشون في الواقع - وإن المطحنة في القصة الهندية تتحول إلى معصرة ، والحمار يستحيل إلى جماعة من الثيران ويكون جواب صاحب المعصرة :
«المعلوماتك، إن ثيراني ليست من المناطقة المشهورين ولذلك فإنها لن تحرك رؤوسها دون أن تتحرك حول الطاحونة»
وفي رواية ولاية أوريسا في شرق (الهند فالشخصية هي شخصية البراهمي ويضحك صاحب المعصرة ويقول بعد أن يسأله البراهمي : كيف يعرف إذا وقفت الثيران وحرکت رؤوسها؟
حقاً أنه سؤال صعب أصعب من كل الأسئلة ولا يمكن حله، ولكن من حسن الحظ يا سيدي أن الثيران لم تقرأ كتب المعرفة (الساسترا) ولم تتعود على تحريك رؤوسها دون أن تفعل شيئاً. وتحمل القصة لذلك عنوان( المتعلم الأحمق(
(۳) حكاية الوديعة والمعتضد رقم (۹)
قال المؤلف : بلغني أن رجلاً قدم إلى بغداد للحج وكان معه عقد من الحب يساوي ألف دينار، فاجتهد في بيعه فلم ينفق، فجاء إلى عطار موصوف بالخير فأودعه إياه ثم حج وعاد فأتاه بهدية . فقال له العطار أنت؟ وما هذا؟ فقال : أنا صاحب العقد الذي أودعتك. فما كلمه حتى رفسه رفسة رماه عن دكانه :وقال تدعي علي مثل هذه الدعوى. فاجتمع الناس وقالوا للحاجي : ويلك هذا رجل خير ما لحقت من تدعي عليه إلا هذا !؟ فتحير الحاجي وتردد إليه فما زاده إلا شتما وضرباً، فقيل له : لو ذهب إلى عضد الدولة فله في هذه الأشياء فراسة. فكتب قصة وجعلها على قصبة ورفعها لعضد الدولة، فصاح به فجاء حاله فأخبره بالقصة فقال :
اذهب إلى العطار بكرة واقعد على دكته فإن منعك فاقعد على دكة تقابله من بكرة إلى المغرب ولا تكلمه وافعل هكذا ثلاثة أيام فإني أمر عليك في اليوم الرابع وأقف وأسلم عليك، فلا تقم لي ولا تزدني على السلام وجواب ما أسألك عنه .
فإذا انصرفت فأعد عليه ذكر العقد، ثم اعلمني ما يقول فإن أعطاكه فجيء به إلي . قال : فجاء إلى دكان العطار ليجلس فمنعه فجلس بمقابلته ثلاثة أيام فلما كان في اليوم الرابع اجتاز عضد الدولة في موكبه العظيم ، فلما رأى الخراساني وقف وقال: سلام عليكم . فقال الخراساني ولم يتحرك وعليكم السلام فقال : يا أخي تقدم فلا تأتي إلينا ولا تعرض حوائجك علينا ؟ فقال : كما اتفق ! ولم يشبعه الكلام وعضد الدولة يسأل ويستحفي وقد وقف ووقف العسكر كله والعطار قد أغمي عليه من الخوف ، فلما انصرف التفت العطار إلى الحاجي فقال: ويحك متى أودعتني هذا العقد؟ وفي أي شيء كان ملفوفاً؟ فذكرني لعلي أذكره فقال :
من صفته كذا وكذا. فقام وفتش ثم نفض جرة فوقع العقد، فقال : كنت نسيت ولو لم تذكرني في الحال ما ذكرت فأخذ العقد ثم قال : وأي فائدة لي في أن أعلم عضد الدولة؟ ثم قال في نفسه : لعله يريد أن يشتريه فذهب إليه فأعلمه فبعث به مع الحاجب إلى دكان العطار فعلق العقد في عنق العطار وصلبه بباب الدكان ونودي عليه هذا جزاء من استودع فجحد فلما ذهب النهار أخذ الحاجب العقد فسلمه إلى الحاجي وقال : اذهب ولهذه الحكاية صيغة أخرى تروى في أخبار الأذكياء أيضاً وهي كما يأتي :
أخبرنا أبو الحسن القيسي قال: استودع رجل رجلا من أبناء الناس مالاً وكان أميناً لا بأس به، وخرج المستودع إلى مكة فلما رجع طلبه فجحده فأتى أياساً فأخبره فقال له أياس: أعلم أنك أتيتني؟ قال: لا قال فنازعته عند أحد ؟ قال : لا ، لم يعلم أحد بهذا قال : فانصرف واكتم أمرك ثم عد إلي بعد يومين. فمضى الرجل، فدعا أياس أمينه . ذلك فقال : قد حضر مال كثير أريد أن أسلمه إليك أفحصين منزلك؟
قال : نعم . قال : فاعد موضعاً للمال وقوماً يحملونه. وعاد الرجل إلى اياس فقال له : انطلق إلى صاحبك فاطلب المال فإن أعطاك فذاك، وإن جحدك فقل له إني أخبر القاضي .
فأتى الرجل صاحبه فقال مالي وإلا أتيت القاضي وشكوت إليه وأخبرته ما جرى فدفع إليه ماله فرجع الرجل إلى أياس فقال: قد أعطاني المال. وجاء الأمين إلى أياس فزجره وانتهره وقال : لا تقربني يا خائن (أخبار الأذكياء لابن الجوزي ص ٦٨ . ومحاضرات الأدباء ٩٥/١ وثمرات الأوراق ص66)
وتظهر القصة في ولاية (تاميل) أيضاً ، ويظهر أصلها العربي أيضاً حتى في تسمية الشخصية، إذ تبدأ القصة بأن رجلاً أودع قلادة مع رجل ما اسمه عبد الله with one Abdul وهي أقرب في صيغتها هذه في قسمها الأول إلى قصة المعتضد وتقترب في نهايتها من قصة أياس إذ إن المودع يذهب إلى الملك شاكياً أن عبد الله قد أنكر العقد الذي أودعه . فأرسل إليه الوزير وعرض على (عبد الله أن يترك عنده أموالاً في صندوق . ثم جاء صاحب العقد في الوقت الذي حمل فيه الصندوق الذي لا يحوي إلا على كسر من الخزف فاستلم المودع من التاجر عبد الله عقده ولكن قد خاب ظن التاجر حين فتح الصندوق بعد ذلك ليسرقه فوجد كسر الخزف التي في الصندوق والتي لا تساوي شيئاً عنده ( Folk Tales of Tamil Nadu, P. 109)
(٤) حكاية الأحدب والخياط رقم (١٦)
وهي شبه ترجمة عن قصة ألف ليلة وليلة ففي النسخة العربية يأخذ الخياط الأحدب إلى بيته فيموت فيحمله مع امرأته إلى بيت طبيب يهودي ثم يهربان . فينزله الطبيب اليهودي من المدخنة إلى بيت جاره المسلم مباشر مطبخ السلطان فيضر به ظناً منه أنه لص وأنه هو الذي قتله، فيحمله إلى السوق ويتركه إلى جانب حائط في عطفة في السوق، فيراه سمسار مسيحي، ، وكان سكران فلطمه ظناً منه أنه يريد أن يخطف عمامته الجديدة ، فمسكه الحارس ثم حوكم ولما قدم إلى المشنقة تقدم مباشر مطبخ السلطان واعترف ثم تقدم الطبيب اليهودي واعترف وهكذا . . . ثم ظهر أن الأحدب لم يكن قد مات على كل حال وإنما كان مختنقاً (ألف ليلة وليلة بيروت ١٠٦/١).
ومثلها القصة التي تروى في ولاية تاميل نادو ، فإن الأحدب يذهب إلى بيت الخياط، ثم يتركه في بيت الطبيب ثم يتركه الطبيب في بيت تاجر ويتركه التاجر في السوق ثم يراه البراهمي فيضربه فيراه الشرطي ثم تنتهي المسألة نفس النهاية
(٥) حكاية ذكاء العرب (رقم (۳)
رغم أن هذه القصة تظهر في أوائل القرن الرابع وعند المسعودي وأن «الجمل العربي يكون أحد مميزاتها المهمة، ولكن مع ذلك فإنا نراها واسعة الانتشار في الهند وهي تحتفظ بشخصية الجمل وبالأخوة الأربعة وبالألغاز المحيرة . ومن الغريب جداً أن تكون الرواية التي تقترب من النص العربي أظهر في وسط الهند منها في جنوب شرق أو وسط غرب الهند ولعلها حين وصلت إلى الجنوب الشرقي في الهند بفحواها العربي انتقلت إلى وسط الهند واحتفظت بطابعها في الوقت الذي جرى عليها التحوير ثانية في الجنوب وفي وسط غرب الهند وهذا هو النص العربي في إحدى رواياته المتعددة :
لما حضرت نزاراً الوفاة جمع بنيه : مضر وأياداً وربيعة وأنماراً. وقال لهم يا بني هذه القبة الحمراء. وكانت من ادم - لمضر، وهذا الفرس الأدهم والخباء الأسود لربيعة وهذه الخادم - وكانت شمطاء . لأياد وهذه الندوة والمجلس لأنمار يجلس فيه فإن أشكل عليكم كيف تقتسمون فأتوا الأفعى الجرهمي ، ومنزله بنجران فلما مات تشاجروا في ميراثه فتوجهوا إلى الأفعى الجرهمي .
فبينما هم في مسيرتهم إليه، إذ رأى مضر أثر كلا قد رعي، فقال:
إن البعير الذي رعى هذا لأعور !
قال ربيعة : إنه لأزور يمشي على شق
قال أياد : إنه لأبتر . قال أنمار إنه لشرود.
ثم ساروا قليلاً فإذا هم برجل ينشد جمله فسألهم عن البعير، فقال
مضر أهو أعور؟
قال : نعم .
قال ربيعة : أهو أزور؟
قال : نعم .
قال أياد أهو أبتر ؟
قال : نعم .
قال أغمار أهو شرود؟
قال : نعم . وهذه والله صفة بعيري فدلوني عليه.
قال : والله ما رأيناه .
قال : هذا والله الكذب وتعلق بهم .
وقال كيف أصدقكم وأنتم تصفون بعيري بصفته؟
فساروا حتى قدموا نجران فلما نزلوا نادى صاحب البعير هؤلاء أخذوا جملي ووصفوا لي صفته، ثم قالوا لم نره! فاختصموا إلى الأفعى الجرهمي - وهو حكم العرب .
فقال الأفعى : كيف وصفتموه ولم تروه؟
فال مضر : رأيته رعى جانباً وترك جانباً، فعلمت أنه أعور
قال ربيعة : رأيت إحدى يديه ثابتة الأثر والأخرى فاسدته فعلمت أنه أزور لأنه أفسده بشدة وطئه لإزواره
وقال أياد حرفت أنه أبتر باجتماع بعره، ولو كان ذيالاً لمصع به حرته
وقال :أنمار عرفت أنه شرود لأنه كان يرعى في المكان الملتف نبته، ثم يجوزه إلى مكان أرق منه وأخبث نبتاً فعلمت أنه شرود.
فقال للرجل : ليسوا بأصحاب بعيرك فاطلبه .
ثم سألهم: من أنتم ؟ فأخبروه ، فرحب بهم، ثم أخبروه بما جاء بهم. فقال : أتحتاجون إلي وأنتم كما أرى؟
ثم أنزلهم، فذبح لهم شاة وأتاهم بخمر، وجلس لهم الأفعى كلامهم .
حيث لا يرى وهو يسمع فقال ربيعة : لم أر كاليوم لحما أطيب منه لولا أن شاته غذيت بلبن كلبة .
قال مضر : لم أر كاليوم خمراً أطيب منه لولا أن حبلتها نبتت على قبر. فقال أياد لم أر كاليوم رجلاً أسرى منه لولا أنه ليس لأبيه الذي يدعى له .
فقال له أنمار لم أر كاليوم كلاماً أنفع في حاجتنا من كلامنا وكان كلامهم بأذنه. فقال ما هؤلاء إلا شياطين. ثم دعا القهرمان فقال ما هذه الخمر؟ وما أمرها؟
قال: من حبلة غرستها على قبر أبيك لم يكن عندنا شراب أطيب من شرابها .
قال للراعي : ما أمر هذه الشاة؟
قال : هي يكن في الغنم شاة ولدت غيرها .
شاة صغيرة أرضعتها بلبن كلبة وذلك أن أمها قد ماتت ولم ثم أتى أمه فسألها عن أبيه فأخبرته أنها كانت تحت ملك كثير المال
وكان لا يولد له قالت فخفت أن يموت ولا ولد له فيذهب الملك !
فخرج الأفعى عليهم، فقص القوم عليه قصتهم، وأخبروه بما أوصى به أبوهم .
:فقال ما أشبه القبة الحمراء من مال فهو لمضر. فذهب بالدنانير والإبل الحمر فسمي مضر الحمراء لذلك .
وقال: أما صاحب الفرس الأدهم والخباء الأسود فله كل شيء أسود. فصارت لربيعة الخيل الدهم. فقيل: ربيعة الفرس. وما أشبه الخادم الشمطاء فهو لأياد فصارت له الماشية البلق من الحَبَلّق والنَّقَد الحَبَلَّق: صغار الغنم ، والنقد : غنم قبيحة الشكل فسمي أياد الشمطاء.وقضى لأنمار باندراهم وبما فضل فسمي أنمار الفضل وصدروا من عنده على ذلك
وسنستعرض فيما يلي الروايات الثلاث التي وردت لنفس القصة في مختلف أنحاء الهند وسوف نركز على الجوانب المتشابهة مع
القصة العربية .
فإن قصة ولاية أندرا براديش جنوب) شرق (الهند) قد جعلت قصة الجمل جزءاً من عقدة القصة وحولت الجمل إلى (ناقة) ففي قصة (الأخوة الأذكياء).
يقول الأول بأن الحيوان هو ناقة ويسبب ذلك ببول الناقة، ويقول الثاني إن الناقة عوراء العين اليسرى ويسبب ذلك بالرعي، ويقول الثالث: إن أحد الراكبين على الناقة امرأة ويسبب ذلك بصغر القدم وأثر حلي القدم في التراب. ويقول الرابع: إن المرأة حامل ويسبب ذلك بعمق أثر المرأة في الأرضز.
لقد قلنا إن التحريف النسبي في هذه الرواية أكثر من رواية ولاية مادهیا براديش وسط (الهند) وإن الرواية الأخيرة تأخذ باللغزين المذكورين في الحكاية العربية أي لغز البعير ولغز الطعام الذي قدم لهم ، ولكن القصة تقدم اللغز الثاني على الأول وتجعل سبب ذهابهم إلى أحد الملوك للفصل بينهم في جوهرة سرقها أحد الأخوة من مجموع أربع جواهر تركها لهم أبوهم .
فحين يقدم لهم الملك الطعام يقول الأول : بأن طعام الملك ملوث بالدم وعلق الثاني بأن دهن الملك قديم وعلق الثالث بأن الحلوى مخلوطة بحليب امرأة ذكر في النص العربي أن الشاه أرضعتها كلبة ويقول الرابع: إن الورق الذي صب عليه الطعام ملوث بروث البقر، وحين يكشف الملك عن ذلك يظهر صدقهم فيرسلهم إلى ملك ثانٍ ويحيلهم هذا بعد اختبارهم أيضاً إلى ثالث ثم يرون في الطريق أثر الجمل.
فيقول الأول : الجمل الذي مر من هنا أعرج ويسبب ذلك أنه رأى أثر ثلاثة أقدام واضحة فقط.
ويقول الثاني : إنه أعور ويسبب ذلك بأنه أكل من جانب واحد . ويقول الثالث: إن سناً من أسنانه قد سقطت ويسبب ذلك بأن بعض الحشائش لم يقطع حيث رعى الجمل.
ويقول الرابع: إن الراكب عليه امرأة حامل ويسبب ذلك بأنه رأى آثار يديها وهي ترفع نفسها عند القيام من على الأرض
أما قصة ولاية مهارا شترا (وسط غرب) فهي تجعل من البعير العقدة الوحيدة في القصة وتعطيها بعداً اجتماعياً، إذ إن الملك أمر بطرد وزرائه الأربعة الأذكياء لأنهم منعوه من فرض الضرائب الفادحة ثم يرون أثر الجمل وحين سألهم صاحبه .
قال الأول: هل كان بعيرك أعرج في إحدى رجليه الخلفيتين ويسبب ذلك بعد حين بسبب آثار رجليه المختلفتين.
قال الثاني : هل كان أعور العين اليسرى ويسبب ذلك بالرعي . قال الثالث: هل كان مقطوع الذيل؟ ويسبب ذلك بمقدار الذباب الذي امتلأ بالدم فلم يعد قادراً على الطيران ولو كان له ذيل لطرد الذباب الرواية العربية تشير إلى ذيله المقطوع ولكن لسبب آخر. وقال الرابع: هل كان مريضاً ويسبب ذلك بالروث الذي يشبه روث الجمل المريض .
(٦) حكاية حبل العدالة (رقم (۱۲)
وردت القصة العربية مروية مرة عن ملك من ملوك الفرس، ومرة مروية عن ملك من ملوك الصين. وتقول الرواية العربية الأولى : وطلب أن يعلم بظلم المتظلم ساعة فساعة فأمر باتخاذ سلسلة من الطريق وخرق لها في داره إلى موضع جلوسه وقت خلوته وجعل فيها جرساً، فكان المتظلم يجيء من ظاهر الدار فيحرك السلسلة فيعلم به فيتقدم بإحضاره وإزالة ظلامته (١٦) .
وتقول الرواية العربية الثانية :
في كل مدينة من مدن الصين شيء يدعى الدُّرَا ، وهو جرس على رأس ملك تلك المدينة مربوط بخيط مار على ظهر الطريق للعامة كافة، وبين الملك وبينه نحو من فرسخ فإذا حرك الخيط الممدود أدنى حركة تحرك الجرس، فمن كانت له ظلامة حرك هذا الخيط فيتحرك الجرس منه على رأس الملك فيؤذن له في الدخول حتى ينهي حاله بنفسه ويشرح ظلامته وجميع البلاد فيها مثل ذلك .
ولم تذكر كلا الروايتين قصة الحصان الذي أكل طرف الحبل من الجوع والذي كان صاحبه قد تركه في الطريق بعد أن كبرت سنه وعجز عن خدمته فأنصفه الملك منه .
ولعل القصة الهندية تأخذ ذلك من رواية عربية أخرى لم تصل الينا وكانت القصة بمضمونها الهندي (۱۸) تدرس في كتب المطالعة في المدارس العراقية ولا أعرف مصدرها في كتب التراث .
(۷) حكاية المعتصم والأعرابي (رقم ١٤)
تدور الحكاية العربية والحكاية الهندية على نفس المضمون، إلا أن الأعرابي في الحكاية العربية خرج يحمل رسالة إلى أحد الولاة يأمره فيها الخليفة بقتل الأعرابي، وفي القصة الهندية يوصي الملك حراس القصر بقتل من يخرج وهو يحمل الفاكهة(۱۹) وفي الحالتين يقتل الذي كاد لصاحبه وينال جزاءه .
وهذا هو نص القصة العربية :
من ذلك ما حكي أن رجلاً من العرب دخل على المعتصم فقربه وأدناه وجعله نديمه وصار يدخل على حريمه من غير استئذان وكان له وزير ،حاسد فغار من البدوي وحسده وقال في نفسه: إن لم احتل على هذا البدوي في قتله أخذ بقلب أمير المؤمنين وأبعدني منه . فصار يلطف بالبدوي حتى أتى به إلى منزله فطبخ له طعاماً وأكثر فيه من الثوم فلما أكل البدوي منه قال له احذر أن تقترب من أمير المؤمنين فيشم منك رائحة الثوم فيتأذى من ذلك فإنه يكره رائحته . ثم ذهب الوزير إلى أمير المؤمنين فخلا به :وقال يا أمير المؤمنين إن البدوي يقول عنك للناس: إن أمير المؤمنين ،أبخر، وهلكت من رائحة فمه فلما دخل البدوي على أمير المؤمنين جعل كمه على فمه مخافة أن يشم منه رائحة الثوم، فلما رآه أمير المؤمنين وهو يستر فمه بكمه قال : إن الذي قاله الوزير عن هذا البدوي صحيح، فكتب أمير المؤمنين كتاباً إلى بعض عماله يقول له فيه: إذا وصل إليك كتابي هذا فاضرب رقبة حامله ثم دعا بالبدوي ودفع إليه الكتاب وقال :له امض به إلا فلان وائتني بالجواب، فامتثل البدوي ما رسم به أمير المؤمنين وأخذ الكتاب وخرج به من عنده .
فبينما هو بالباب إذ لقيه الوزير فقال : أين تريد؟ قال: أتوجه بكتاب أمير المؤمنين إلى عامله فلان فقال الوزير في نفسه : إن هذا البدوي يحصل له من هذا التقليد مال جزيل. فقال له يا بدوي ما تقول فيمن يريحك من هذا التعب الذي يلحقك في سفرك ويعطيك ألفي دينار فقال: أنت الكبير وأنت الحاكم ومهما رأيته من الرأي افعل قال اعطني الكتاب فدفعه إليه فأعطاه الوزير ألفي دينار وسار بالكتاب إلى المكان الذي هو قاصد فلما قرأ العامل الكتاب أمر بضرب رقبة الوزير فبعد أيام تذكر الخليفة أمر البدوي وسأل عن الوزير فأخبر بأن له أياماً ما ظهر، وأن البدوي بالمدينة مقيم، فعجب من ذلك وأمر بإحضار البدوي ،فحضر ، فسأله عن حاله فأخبره بالقصة التي اتفقت له مع الوزير من أولها إلى آخرها .
فقال له : أنت قلت عني للناس إني أبخر؟ فقال : معاذ الله يا أمير المؤمنين أن أتحدث بما ليس به علم وإنما كان ذلك مكراً منه وحسداً، وأعلمه كيف دخل به إلى بيته وأطعمه الثوم وما جرى له معه .
فقال : يا أمير المؤمنين قاتل الله ،الحسد ما ،أعدله بدأ بصاحبه فقتله.
ثم خلع على البدوي واتخذه وزيراً ، وراح الوزير بحسده
۲ - عرض الحكايات العربية المنتشرة في وسط الهند:
لقد استعرضنا بعض الحكايات العربية المنتشرة في الجنوب والمشتركة مع ولايات وسط الهند والحكاية العربية الوحيدة التي وردت في قصص وسط الهند ولم ترد في مكان آخر هي حكاية الأعمش في دعوة وهي تتفق مع القصة الهندية في العقدة وتختلف في الشخصيات.
(۸) حكاية الأعمش في دعوة (رقم (۱۰)
لقد أثارت شخصية الأعمش الكوفي (ت ١٤٨هـ) كثيراً من الأقاصيص لغرابتها وصراحتها وقد روي عنه الخبر التالي :
دعي الأعمش إلى عرس فنشر فروته ثم جاء فرده الحاجب. فلبس قميصاً وأزراراً وجاء فلما رآه الحاجب أذن له فدخل وجاءوا بالمائدة فبسط كمه على المائدة وقال : كل فإنما أنت دعيت ليس أنا. وقام ولم يأكل !
أما القصة الشعبية الهندية فتجعل شخصية القصة امرأة فقيرة وهي أخت لرجل متزوج غني وحين تزوره في دعوة بملابس متواضعة تطردها زوجه ولكن حين تعود بلباس آخر مع كامل زينتها وجميع حليها يرحب بها الأخ وزوجه، وحين تقدم لها المائدة تطلب صحناً خالياً وتضبع فيه حليها ثم تصب عليها الطعام وتقول لهما : إني لم أدع لشخصي إلى المائدة ولكني دعيت إليها بسبب الحلي فلتأكل الحلي إذن
۳عرض الحكايات العربية المنتشرة في الشمال وشمال شرق وشمال غرب الهند :
وفي شمال الهند حيث كانت الثقافة العربية تسود وتسيطر على الفكر في تلك المنطقة فقد انتقلت أيضاً مجموعة من الحكايات الأدبية من كتب الأدب العربي إلى أفواه الناس، ثم تحولت بمرور الزمن إلى قصص شعبية يرويها الناس وجمعت بعد ذلك على أنها كذلك . ونحن في الواقع لا يمكن أن نحدد لا في شمال الهند ولا في جنوبه التاريخ الدقيق لدخول الحكاية ولا تاريخ انتقالها إلى نوع من التراث المحلي شفاهاً. الفترة التي حددناها بين القرن الثالث والقرن التاسع الهجريين هي الفترة الزمنية المحتملة الوحيدة لمثل هذا النقل.
(۹) حكاية الرجل المدين (رقم (۱)
وتبقى وهي أقدم حكاية عربية هنا في هذا البحث رويت في مصادر الأدب وكان راويتها الجاحظ الفذ .
قال الجاحظ:
قال أبو الحسن كان عندنا في المدينة رجل قد كثر عليه الدين حتى توارى عن غرمائه ولزم منزله فأتاه غريم له عليه شيء يسير فتلطف حتى وصل إليه .
فقال له ما تجعل لي إن أنا دللتك على حيلة تصير بها إلى الظهور والسلامة من غرمائك؟ قال : أقضيك حقك وأزيدك مما عندي مما تقر به عينك. فتوثق منه بالإيمان .
فقال له غداً قبل الصلاة مُرّ خادمك يكنس بابك وفناءك ويرش ويبسط على دكانك حصراً، ويضع لك متكأ، ثم اجلس وكل من يمر عليك ويسلم تنبح في وجهه، ولا تزيدن على النباح أحداً كائناً كان، ولو كلمك أحد من أهلك أو خدمك أو من غيرهم أو غريم أو غيره حتى تصير إلى الوالي فإذا كلمك فانبح ،له وإياك أن تزيده أو غيره على النباح فإن الوالي إذا أيقن أن ذلك منك جد لم يشك أنه قد عرض. لك عارض من مس فيخلي عنك.
ففعل فمر به بعض جيرانه فسلم عليه فنبح في وجهه ثم مـ آخر ففعل مثل ذلك حتى تسامع غرماؤه فأتاه بعضهم فسلم عليه فلم يزده على النباح ثم آخر وآخر فتعلقوا به فرفعوه إلى الوالي، فسلم عليه فلم يزده على النباح فرفعه معهم إلى القاضي فلم يزده على ذلك، فأمر بحبسه ،أياماً وجعل عليه العيون فملك نفسه وجعل لا ينطق بحرف سوى النباح فلما رأى القاضي ذلك أمر بإخراجه، ووضع عليه العيون في منزله وجعل لا ينطق بحرف إلا النباح، فلما تقرر ذلك عند القاضي أمر غرماءه بالكف، ثم إن غريمه الذي كان علمه الحيلة أتاه متقاضياً لعدته فلما كلمه جعل لا يزيد على النباح .
فقال له : ويلك يا فلان وعلي أيضاً؟
فلما يأس انصرف غير آمل مما يطالبه به
(كتاب الحيوان الجاحظ تحـ عبد السلام هارون ، وقصص العرب ٤٣٧/٤ جمع محمد أحمد جاد المولى ومحمد أبو الفضل إبراهيم وعلي محمد البجاوي ط ٣ ، القاهرة ١٣٧٥ هـ / ١٩٥٦م. )
ويدل من عنوان القصة الكشميرية كيف خدع الزبون محاميه إنها من القصص التي دخلت متأخرة إلى الفلكلور الهندي، وخلاصة القصة الهندية أن صاحب دكان مدين لمرابي ذهب إلى محام وقال له إنه يعجز عن دفع دينه ولما ذهب إلى المحكمة كان يجيب : (زعفران) عن كل سؤال يسأله له القاضي فاخترع له المحامي قصة أنه كان يملك حقلاً من الزعفران وهو مادة ثمنية جداً ولكنه تلف كله ولذلك فقد اختل عقله
فلما أخلي سبيله طالبه المحامي بأجره فأجابه بـ «زعفران (٢٤) ولهذه القصة شبيه في القصص الشعبية العراقية المروية وهي أن المدين كان يجيب الذي يسأله بكلمة: «صوف» ولما جاءه الذي علمه الحيلة أجابه أيضاً بكلمة: «صوف».
(۱۰) حكاية أشعب والدينار (رقم ٥):
مرت هذه الحكاية بمرحلتين فقد كانت في المرحلة الأولى تنسب إلى أشعب وكان الدينار هو الذي يلد» الدراهم ويموت في النفاس وفي المرحلة الثانية نسبت القصة بعد القرن الرابع إلى «جحا» ثم كان «القدر» هو الذي يلد» و«يموت» وهذا هو النص العربي :
وجدت امرأة أشعب ديناراً فأتته ،به فقال: ادفعيه إلي حتى «يلد» لك في كل أسبوع درهمين فدفعته إليه .
فصار يدفع إليها في كل أسبوعين ،درهمين، فلما كان الأسبوع الرابع طلبته منه
فقال لها مات في النفاس
فقالت: ويلي عليك، كيف يموت الدينار؟
فقال لها : الويك لك على أهلك كيف تصدقين بـ «ولادته ولا تصدقين. وتنكرين موته في نفاسه؟»
وفي المرحلة الثانية وبعد القرن الرابع تصبح الحكاية كما يأتي :
أخذ (جحا) من جاره (حلة كبيرة وطبخ فيها، ثم وضع داخلها حلة) صغيرة وأعطاه إياها . فقال له : ما هذه يا جحا؟ قال: هي بنت حلتك ولدتها عندي ثم طلبها مرة ثانية وخبأها. فقال له جاره أين (الحلة)؟
قال : ماتت وهي
فقال له : وهل تموت (الحلة)؟
فقال :جحا وهل تلد «الحلة»؟ الذي يأخذ المكسب يتحمل الخسارة
وتنقل القصة الكشميرية الرواية الثانية من النسخة العربية إلا أنها تعطيها بعداً ،آخر حيث إن الشخصية في القصة لا تستعير من شخص واحد وإنما كان يستعير من كل بيوت القرية حتى أن شهرته شاعت في القرية المجاورة، ثم في إحدى المرات جمع كل قدور أهل القريتين ثم أخفاها ولما طالبوه بها قال لهم :
- كيف تؤمنون بأنها «تلد» ولا تؤمنون بأنها «تموت»
(۱۱ )حكاية معن والفلاح رقم (۱۳)
رويت الحكاية في مصدر متأخر نسبياً ولم نقع لها على مصدر أقدم منه وهذه هي الرواية العربية :
خرج معن بن زائدة في جماعة من خواصه للصيد فاعترضهم قطيع ظباء فتفرقوا في طلبه وانفرد معن خلف ظبي حتى انقطع عن أصحابه، فلما ظفر به نزل ،فذبحه فرأى شيخاً مقبلاً من البرية على ،حمار، فركب فرسه واستقبله فسلم عليه .
فقال : من أين وإلى أين؟ - قال : أتيت من أرض لها عشرون سنة مجدبة، وقد أخصبت في هذه السنة فزرعتها مقثاة فطرحت في غير وقتها فجمعت منها ما استحسنته، وقصدت به معن بن زائدة لكرمه المشكور وفضله المشهور ومعروفه المأثور، وإحسانه الموفور. قال وكم أملت منه ؟ قال : ألف دينار. قال : فإن قال لك كثير؟ قال : خمسمائة . قال : فإن قال لك كثير؟ قال : ثلثمائة . قال : فإن قال لك كثير؟ قال : مائة - قال : فإن قال لك كثير؟ قال : خمسين . قال : فإن قال لك كثير؟ قال : فلا أقل من ثلاثين. قال : فإن قال لك كثير؟
قال : أدخل قوائم حماري في حر أمه، وأرجع إلى أهلي خائباً .
فضحك منه وساق جواده حتى لحق بأصحابه ونزل في منزله معن وقال الحاجبه : إذا أتاك شيخ على حمار بقثاء فادخل به علي. فأتى بعد ساعة . فلما دخل عليه لم يعرفه لهيبته وجلالته وكثرة حشمه وخدمه وهو متصدر في دسته والخدم والحفدة قيام عن يمينه وشماله بين يديه فلم سلم عليه .
- قال ما الذي أتى بك أخا العرب؟
قال أملت الأمير وأتيته بقثاء في غير أوان .
فقال : كم أملت فينا؟ قال : ألف دينار.
كثير قال : والله لقد كان ذلك الرجل ميشوماً علي ثم قال: خمسمائة .
قال : كثير
فما زال إلى أن قال : خمسين دينار.
فقال له : كثير.
فقال : لا أقل من الثلاثين.
فضحك معن فعلم الأعرابي أنه صاحبه .
- فقال يا سيدي إن لم تجب إلى الثلاثين فالحمار مربوط بالباب
وها معن جالس !
فضحك معن حتى استلقى على فراشه ثم دعا بوكيله .
- فقال : اعطه ألف دينار وخمسمائة دينار وثلثمائة دينار ومائة دينار وخمسين دينار وثلاثين دينار ودع الحمار مكانه فتسلم الأعرابي المال وانصرف ! (۲۸) . أما رواية ولاية هريانا) الهندية فهي تقص قصة ملك خرج للصيد
وعطش فجاء إلى فلاح له حقل من البطيخ وطلب منه بطيخة فرفض أن يعطيه وقال له إنه يريد أن يأخذها إلى الملك. فقال له الملك :
افترض أن الملك لن يقبلها؟ فأجابه :
فليذهب إلى الجحيم .
وحين أخذها إلى الملك قال له الملك :
افترض إني لا أقبلها؟
فعرفه الفلاح وقال :
إنك تعرف الجواب سلفاً
(۱۲ )حكاية الكنز المدفون والمعتضد (رقم۸):
وهي رواية يرويها ابن الجوزي من غير إسناد ويقول فيها :
قال مؤلف الكتاب : وحدثت أن بعض التجار قدم من خراسان ليحج فتأهب للحج وبقي معه من ماله ألف دينار لا يحتاج إليها، فقال : إن حملتها خاطرت بها، وإن أودعتها خفت جحد المودع فمضى إلى الصحراء فرأى شجرة خروع فحفر تحتها ودفنها، ولم يره أحد، ثم خرج إلى الحج وعاد فحفر المكان فلم يجد شيئاً، فجعل يبكي ويلطم، فإذا سئل عن حاله قال : الأرض سرقت مالي !
فلما كثر ذلك منه قيل له : لو قصدت عضد الدولة فإن له فطنة . فقال : أو يعلم الغيب؟ فقيل له : لا بأس بقصده، فقصده وأخبره بقصته، فجمع الأطباء وقال : هل داويتم في هذه السنة أحداً بعروق الخروع؟ فقال أحدهم : أنا داويت فلاناً، وهو من خواصه .
فقال علي به
فقال : هل تداويت هذه السنة بعروق الخروع؟
قال : نعم .
قال : من جاءك به؟
قال : فلان الفراش.
قال علي به
فلما جاء قال: من أين أخذت عروق الخروع؟
فقال : من المكان الفلاني
فقال : اذهب بهذا معك فأره المكان الذي أخذت منه فذهب معه صاحب المال إلى تلك الشجرة وقال : من هذه الشجرة
أخذت .
فقال الرجل : ها هنا - والله - تركت مالي
فرجع إلى عضد الدولة فقال للفراش : هلم المال فتلكأ فأوعده
فأحضر المال
وتتشابه الحكاية العربية مع القصة الهندية المروية في ولاية هميكل براديش شمال (الهند تشابهاً يكاد يكون متطابقاً إلا في المبلغ فإنه في الرواية الهندية يكون خمسمائة من النقود الذهبية فقط (۳۱) وربما قل المبلغ بسبب الفقر وإن مبلغ ألف دينار يبدو وكأنه مبلغ خيالي .
(۱۳) حكاية الفتاة ذات ثوب الريش (رقم (۱۷)
لا تتشابه القصتان المرويتان في ألف ليلة وليلة والقصة الشعبية المروية في ولاية آسام (شمال) شرق) (الهند من حيث سير القصة وإنما تتشابهان فقط في كون المرأة التي حصل عليها العاشق إنما هي فتاة على شكل طائر تلبس ثوباً من الريش فإذا نزعته استحالت إلى امرأة بشرية وبعد أن يتزوجها حبيبها تهرب منه ثانية بسرقة ثوب الريش الذي يخفيه بالقصة المروية في الليلة ٧٤٩ وما بعدها أشبه منها بالقصة المروية وهي في الليلة ٥۰۱ وما بعدها (۳۲) ولكن القصة الهندية أقرب إلى روح الشعبية المحبوكة
٤ - عرض الحكايات المروية في الأقطار التي تقع جنوب وشرق الهند :
قد تكون الهند هي الطريق الذي سلكته هذه الأقاصيص إلى هذه الأقطار التي تقع على طريق الهند ، ولكن يمكن أن تكون الحكاية العربية قد سافرت مباشرة إلى تلك الأقطار بنفس الطرق التجارية التي سافرت بها إلى جنوب الهند وهذا ليس مهما بمقدار معرفة الحقيقة عن أثر هذه الحكاية العربية أو تلك في قصة شعبية لهذا القطر أو ذاك .
(١٤) حكاية القنبرة والنصائح الثلاث (رقم ۱۱):
تروى الحكاية عن الشعبي وهو من رجال القرن الأول( ت ١٠٣هـ)
قال الشعبي : أخبرت أن رجلاً صاد قنبرة فلما صارت في يده.
:قالت: ما تريد أن تصنع بي؟
نال : أذبحك وآكلك .
:قالت ما أشفي من مرض ولا أشبع من جوع، ولكن أعلمك ثلاث خصال خير لك من أكلي أما واحدة ، أعلمك وأنا في يدك، والثانية على الشجرة والثالثة على الجبل.
فقال: هات الواحدة.
:قالت لا تتلهفن على ما فاتك.
فلما صارت على الشجرة .
قال : هات الثانية .
:قالت لا تصدق بما لا يكون أن يكون يا شقي لو ذبحتني أخرجت من
حوصلتي درتين في كل واحدة عشرون مثقالاً .
قال : فعض على شفتيه ،وتلهف فلما صارت على الجبل .
قال لها : هات الثالثة .
قالت: إنك نسيت اثنتين فكيف أحدثك بالثالثة، أنا وريشي ولحمي لا
أكون عشرين مثقالاً .
قال وطارت فذهبت (٣٤) .
وتظهر القصة في مجموعة قصص سير الانكا (سيلون) في جنوب الهند وتظهر كذلك في مجموعة قصص ماليزيا ملايو) في شرق (الهند). أما القصة في رواية سير الانكا فهي أقرب إلى النص العربي، والطائر ليس القنبرة وإنما هي الببغاء وتساوم على حريتها مقابل ثلاث نصائح
وهي :
. لا تأسف على ما فاتك في حياتك حتى ولو كان يساوي حياتك كلها .
- لا تصدق شيئاً حتى تراه بأم عينك .
ثم قالت له : في جوفها لؤلؤتان . فأسف على إطلاقها ثم سأل عن النصيحة الثالثة .
فقالت : إنك لم تنتفع بالنصيحتين السابقتين فماذا تفعل بالثالثة (٣٥). وتتطور الحكاية قليلاً في الرواية الماليزية، فإن الملك يمسك بطائر صغير فيقول له إن جده قد أوصاه أن ينقل إليه ثلاث نصائح وأن يسلمه جوهرة حجمها حجم إبهام رجل الملك ولكنها على الشجرة فاطلقني لأجلب لك الجوهرة وأقدم لك النصائح .
ونصائحه هي :
- لا تصغ للأقوال المعسولة .
لا تأمل خيراً فيما ذهب .
- لا تفكر فيها فقدته .
ويطير الطائر وينتظر الملك ويطلب منه تسليم الجوهرة ولكنه طال انتظاره حين قال له الطائر يا صاحب الجلالة لماذا لا تذهب إلى البيت ألم أقل لك: لا تصغ للأقوال المعسولة ... الخ كيف يمكن أن أحمل لك جوهرة أكبر من حجمي ؟
ثم قال :له تذكر كلماتي وانقلها إلى شعبك اعتن بما لديك ولا تأمل فيما خسرته
(١٥) حكاية التاجر الذي يكلم الحيوان رقم (۱۸)
وهي من أوائل حكايات ألف ليلة وليلة والتي يقصها والد شهرزاد عليها حين تطلب أن يزوجها من الملك شهريار لحماية بنات جنسها، خلاصتها أن التاجر الذي عرف لغة الحيوان يسمع الثور يشكو للحمار تعبه من الحرث فيطلب منه أن يتمارض فيأمر صاحبهما بإخراج الحمار وحين عانى الحمار ما عانى ندم على نصيحته وعاد إلى خداع الثور كي يعود إلى الحرث فقال له إنه سمع صاحبهما يقول : إذا لم يأكل الثور علفه فاعطوه للقصاب يقطع جلده قطعاً قطعاً، فيضحك التاجر وهنا تسأله زوجه أن يخبرها لماذا يضحك؟ وحين يقول لها إنه لا يستطيع أن بذلك خوف الموت لا تهدأ زوجه حتى يعدها بأن يبوح الديك فيسخر منه وأن له أربعين دجاجة وهو ملك بينهن ويرى يبوح لها بذلك حتى أن يضرب صاحب البيت زوجه كي تنقطع عن سؤاله ويبقي على حياته فيضرب الزوج زوجه فتطلب العفو ولا تعود إلى سؤاله
القصة العربية مضغوطة فنحن لا نعرف كيف تعلم التاجر لغة الحيوان في الوقت الذي يشرح لنا القاص في الرواية الماليزية في مقدمة للقصة كيف أن الأفعوان هو الذي علمه ذلك، ولكنه أعلمه أنه سيموت إذا علم ذلك غيره ثم إن الشخص ليس تاجراً وإنما هو ملك وامرأته ملكة. وإن الملك كان يخبر ملكته أنه يضحك من كلام تقوله الحيوانات ويخبرها به إلا أنه لم يشأ أن يعلمها كيف يفهم هذه اللغة وهنا تختلف العقدة عن عقدة الحكاية العربية .
والحيوانات التي يسمع كلامها تتعدد فهو نوع من التنويع والإطالة لم يتوافرا للحكاية العربية. ولكن في الأخير يكون الحوار بين الكلب والديك له نفس المضمون والنهاية واحدة هو أن الملك يضرب الملكة عن سؤاله وتنتهي القصة
ه - عرض الحكايات المروية في الأقطار التي تقع شمال الهند :
في الوقت الذي قلنا فيه إن الحكاية العربية التراثية انتقلت إلى الأقطار التي تقع شرق الهند وكذلك نقول إن الحكايات العربية قد انتقلت إلى الأقطار التي تقع شمال الهند عن طريق الهند أيضاً. ونحن نجد في بلاد ثبت حكايتين قد سجلتا في التراث العربي وهما اليوم من الأقاصيص الشعبية التبتية .
(١٦) حكاية الطبيعة والتطبع (الرقم (۲)
وهذه الحكاية هي أقدم ثاني حكايتين. فقد رواها ابن عبد ربه في أوائل القرن الرابع وربما في أواخر الثالث ، ونحن سننقلها عن مجاني الأدب (۳۹) منقولة عن العقد الفريد كتاب) الياقوتة والحكاية هي :
قيل إن ملكاً من ملوك فارس كان له وزير حازم مجرب فكان يصدر عن رأيه ويتعرف اليمن في مشورته ثم إنه هلك ذلك الملك وقام بعده ولده فأعجب بنفسه مستبداً برأيه ومشورته
فقيل له : إن أباك كان لا يقطع أمراً دونه . فقال : كان يغلط فيه وسأمتحنه بنفسي .
فأرسل إليه فقال : أيهما أغلب على الرجل : الأدب أو الطبيعة؟ فقال له الوزير الطبيعة أغلب لأنها أصل والأدب فرع، وكل فرع يريم
إلى أصله
فدعا بسفرته فلما وضعت أقبلت سنانير بأيديها الشمع فوقفت حول السفرة. فقال للوزير : اعتبر ،خطأك وضعف ،مذهبك متى كان أبو هذه السنانير شماعاً؟
فسكت عنه الوزير وقال : امهلني في الجواب إلى الليلة المقبلة.
فقال : ذلك لك !
فخرج الوزير فدعا بغلام له،
فقال : التمس لي فأراً اربطه في خيط وجئني به .
فأتاه به الغلام في سبنيته (٤٠) وطرحه في كمه ثم راح من إلى الملك فلما حضرت سفرته أقبلت السنانير بالشمع حتى حفت بها فحل الوزير الفأر من سبنيته ثم ألقاه إليها فاستبقت السنانير إليه، ورمت بالشمع حتى يكاد البيت يضطرم ناراً .
فقال الوزير: كيف رأيت غلبة الطبع على الأدب؟ ورجوع الفرع إلى أصله؟
قال: صدقت ورجع إلى ما كان أبوه عليه معه فإنما مدار كل شيء على طبعه، والتكلف مذموم من كل وجه».
أما في القصة الشعبية في تُبت فإن القصة تدخل كجزء من عقدة وإن أحد المحتالين يراهن التجار المارين ببلدته على قصة لا يصدقها العقل فإن قال التاجر لا أصدق برهن له المحتال ذلك وأخذ ماله فأخذ أحد التجار البسطاء ولما سمعت زوجه جاءت في زي التاجر وبرهنت على أن طبيعة السنانير هي الأغلب . ومما يدل على أصل القصة العربي أن عنوانها يحمل أثراً إسلامياً فعنوان القصة «قصة المسلم الأحمق» ورغم ما في عنوان القصة من نقد صامت للمسلمين إلا أن نسبة القصة إلى مسلم ما يدل على أثر الحكاية العربي بلا شك (٤٢) .
(۱۷ )حكاية رجع بخفي حنين (رقم ٧)
وهي من النوادر العربية المعروفة والشائعة وقد رويت في كتب الأمثال والأدب العربيين. أما الحكاية العربية فهذه هي:
نادرة لطيفة تتضمن المثل السائر في قولهم عن الخائب: (رجع خفي حنين). المنقول عن حنين إنه كان إسكافاً من أهل الحيرة ساومه أعرابي ،بخفين ولم يشتر منه شيئاً، وغاظه ذلك فخرج إلى الطريق التي لا بد للأعرابي من المرور منها .
فعلق الفردة الواحدة منهما في شجرة على طريقه. وتقدم فطرح الفردة الثانية واختفى. فجاء الأعرابي فرأى أحد الخفين فوق الشجرة .
فقال : ما أشبهه بخفي حنين ! لو كان معه آخر لتكلفت أخذه . وتقدم فرأى الخف الآخر ،مطروحاً، فنزل وعقل بعيره وأخذه، ورجع ليأخذ الأول، فخرج حنين من الكمين فأخذ بعيره وذهب. ورجع الأعرابي إلى ناحية بعيره فلم يجده . فصارت مثلاً (٤٣) .
وتدخل الحكاية العربية جزءاً من قصة شعبية أطول وتدور حول شريكين في السرقة فيخدع أحدهما الآخر ويهرب بما سرقا معاً، فيقوم الثاني بهذه اللعبة ولكن المسروق ليس بعيراً وإنما هو كيس كبير من الذهب أخفاه الأول تحت شجرة ورجع لجلب فردة الحذاء الذي رآه آنفاً
النتائج والخاتمة :
إن هذه النماذج السبعة عشر من الحكايات العربية التراثية تدل دلالة قاطعة على أثر الأدب العربي في الآداب الشرقية الشعبية. وإنها تشجعنا على البحث في أثر الأدب العربي في الآداب المكتوبة في الشعر والقصة للآداب الشرقية، وهناك مجال للبحث في أثر الأساطير العراقية القديمة في الأساطير الشرقية أيضاً وإني متأكد أن النتائج ستكون مشجعة للباحث الصبور
إن الباحث في القصص الشعبية العراقية والقصص الشعبية الشرقية يحتاج إلى شيء من الحذر فإن احتمال تأثر الأقاصيص العراقية محتمل جداً كاحتمال تأثير هذه القصص العراقية في القصص الشعبية الشرقية والسبب بسيط، فإن القصص الشعبية العراقية لم تسجل كلها وما سجل لم يسجل إلا متأخراً وإن اتصال الشعوب لا يجعلنا في حقل القصص الشعبية الشفهية الأمة المؤثرة فقط، بل قد نكون نحن الأمة المتأثرة بما عند الآخرين . فإن عدم معرفة الزمن الذي ظهرت فيه القصة يجعل الحكم القطعي غير ممكن والاستنتاج غير علمي .
المصادر العربية
۱ - أخبار الأذكياء لأبي الفرج بن الجوزي (٥١٠ - ٥٩٧هـ) تحـ محمد مرسي الخولي القاهرة ۱۹۷۰.
٢ - أخبار الظراف والمتماجنين لابن الجوزي تحـ محمد بحر العلوم . النجف١٣٨٦ هـ / ١٩٦٧م. ٣ - ألف ليلة وليلة (ط) . تجارية) بيروت.
(٤) - ثمرات الأوراق لتقي الدين أبي بكر علي بن محمد بن حجة الحموي (ت ٨٣٧هـ).
تح محمد أبو الفضل إبراهيم . ط ١ - ١٩٧١
ه - جمع الجواهر في الملح والنوادر (ذيل) زهر (الآداب لأبي إسحق إبراهيم بن علي الحصري (ت (٤٦٠هـ تحـ . علي محمد البجاوي . القاهرة ط ١ - ١٣٧٢ هـ / ١٩٥٣م . ٦ - شرح مقامات الحريري للشريشي (ت ٦٢٠ هـ طبع الخفاجي القاهرة
0 تعليقات
أكتُبْ تعليقا