ادعمنا بالإعجاب

الشيخ غلام نقشبند الكهوسوي اللكنوي

  تفاصيل عن المقالة

عنوان المقالة :  الشيخ غلام نقشبند الكهوسوي اللكنوي  

الكاتب:القاضي أبو المعالي أطهر المباركفوري (كاتب ومحقق هندي له مساهمات جليلة عن العلاقات بين الهند والعرب أبرزها "رجال السند والهند"). 

 ترجمة من الأرودية:د. سيد محامد الهاشمي ( أستاذ مساعد، قسم الدراسات العربية، جامعة اللغة الإنجليزية واللغات الأجنبية، حيدرآباد )

المصدر: مجلة الهند 

تصدر عن : مولانا آزاد آئيديل إيجوكيشنال ترست / بولفور، بنغال الغربية

رقم العدد:١

ISSN: 2321-7928

أرقام الصفحات: 250-271

المجلد : ١٠

السنة: ٢٠٢١

الدولة: الهند

تاريخ الإصدار:١ يناير ٢٠٢١

رئيس التحرير:  د. أورنكزيب الأعظمي

لقد أنجبت مدينة جونبور التي كانت تسمى "شيراز الهند"، آلافا منا لعلماء والفضلاء، والأعلام والشخصيات، فكانت قراها وأريافها عامرة بفضلهم وجهودهم بالمدارس والزوايا، وكانت هذه المناطق تضاهي بغداد وقرطبة. و

كانت الفترة بأكملها من عهد سلاطين الأسرة الشرقية من جونبور إلى عهد الإمبراطورية المغولية عهد الربيع العلمي، ولا سيما عصور السلطان إبراهيم شاه الشرقي، وشاهجهان، وأورنك زيب عالمكير الزاهرة التي كانت للعلم والعلماء فيها صولة وجولة ورونق وبهاء، وقد أولى أورنك زيب عالمكير اهتماما خاصا بعلماء جونبور ونوابغها في أيام ولاية عهده وإمبراطوريته حتى تحوّلت هذه المنطقة كلها إلى معدن العلم وحديقة المعرفة. 

وقد صوّر الشيخ خير الدين محمد الجونبوري هذه الفترة الزاهرة بأزهى كلماته، فقال: كان الإمبراطور أورنك زيب عالماً يعمل بعلمه، وعاملا يعمل على بصيرة، وكان يقيم للعلماء وزنًا كبيرًا، ويقدرهم حق تقدير، وقد اهتم بهم منذ أن كان ولي العهد، أصبحت جونبور مأوى العلماء، وموئلاً للعلم والفضل في زمنه مثل عصور سلاطين الشرق وذلك لكثرة العلماء وطلاب العلم، وعندما تولى عالمكير الحكم، أرسل إلى والي جونفور أمرًا سلطانيًا للبحث عن ظروف المدرسين والمشايخ بهذه المنطقة، وألحّعليه بالتأكيد والتهديد أن لا يتأخر في إشعاره بأحوال هذه الفئة الخاصة، وهكذا، أصبحت هذه المنطقة في زمن الإمبراطور عالمكير بستانا من العلم، حيث تم تجديد المدارس الدينية القديمة في كافة المدن والقرى المجاورة لمدينة جونبور، وتم بناء العديد من الزوايا ومراكز التصوف في أرجائها، وانتشر جو التعلم والتعليم في كلّ حي من أحياء مدينة جونبور، وتم إنشاء المدارس الدينية في أماكن مختلفة، فكان مير أبو البقاء، والسيد مبارك، والملا حفيظ يدرسون في حي "المفتي"، والشيخ أمير الدين في حي "شاه مدار"، ومير عبد الباري في حي "دريبة"، ونجل الملا محمود في حي "سباه"، وكانت هناك مدرسة في كلّ حي من أحياء جونبور، حيث كان المعلمون يدرسون الطلّاب، كما كانت هناك زوايا في كلّ زقاق حيث كان المشايخ يتولون تربية الناس على الإيمان والأخلاق  (تذكره علماء هند، ص 51. )

على هذا المنوال، كان المئات من العلماء والمشايخ يعملون في أوساطهم بهذه الديار الشرقية من الهند في عصر عالمكير، فكان من بين معلمي هذا العصر الحافظ أمان الله البنارسي (1133هـ)، والقاضي محبّ الله البيهاري (1119هـ) والملا قطب الدين الشمس آبادي (1121هـ)، والشيخ أحمد بن أبي سعيد المعروف بالملا جيون الأميثوي (1130هـ)، والسيد سعد الله السلوني (1138هـ)، والقاضي عصمة الله اللكنوي (1113هـ)، والشيخ غلام محمد اللكنوي (1136هـ)، والشيخ غلام نقشبند الكهوسوي اللكنوي (1126هـ) وغيرهم، وكلهم كانوا معاصرين، حتى أصبحت هذه الديار الشرقية كلها "دار العلم" بأنشطتهم العلمية والتعليمية، وكان من بينهم الشيخ غلام نقشبند الكهوسوي- رحمه الله - ، الذي كان صاحب شخصية متميزة بسبب إنجازاته التعليمية والتربوية. 

كان الشيخ من قرية "كهوسي" (Ghost) الكائنة بالمنطقة الشرقية من مديرية أعظم كره الحالية، وكان من بين ابناء وطنه البارزين المعاصرين له الشيخ إسماعيل بن أبي الخير البهيروي (1106هـ) والشيخ عبد اللطيف المتهن بوري (نظام آباد) ومير قيام الدين السكروي (1128هـ)، والشيخ مرتضى الجرياكوتي (1109هـ) والشيخ محمد شاه البهيروي (1114هـ)، وكان هؤلاء العظماء يوزعون ثروات من العلم والمعرفة من مدارسهم وزواياهم وكلهم كانوا في حدود خمسة عشر إلى عشرين ميلا مربعا، لكن الشيخ غلام نقشبند سافر من كهوسي إلى لكناؤ، وأفاد الخلق من معينه العلمي والروحي الفياض، واستمر الشيخ في نشر القيم والمعالم التربوية والتعليمية، وهذا هو الشيخ الأجلّ وشيخ الكلّ من الديار الشرقية، الذي أود ذكره في هذه السطور. 

والمصدر الرئيس لسيرته الذاتية ومسيرته العلمية كتابان للشيخ مير غلام علي آزاد البلكرامي، وهما: "مآثر الكرام"، و"سبحة المرجان"، وكان جده لأمه وأستاذه الجليل البلكرامي من أخص تلاميذ الشيخ غلام نقشبند، والتقى مير غلام علي آزاد بالملّا نظام الدين في لكناؤ بعد مرور 22 عاما على وفاة الشيخ غلام نقشبند، وذلك في سنة 1148هـ، وكان الملا نظام الدين تلميذا نجيبا للشيخ غلام علي، وألف البلكرامي "مآثر الكرام" سنة 1180هـ بعد وفاة الشيخ بـ54 عاما، وبذلك يعتبر ما كتبه عنه مكتوباً على دراية تامة ومعرفة كاملة بالشيخ، وكأنه كتب عن أمور داخل منزله، ولقد ذكر البلكرامي ترجمة الشيخ في كلّ من هذين الكتابين، كما سجل في سياق ذكر مير عبد الجليل في "مآثر الكرام" بعض أهم الحوادث من حياة الشيخ، ويتناول كتاب "بحر زخار" أحوال الشيخ أيضًا، ولكنه غير متوفر، إلا أن بعض محتوياته ورد ذكره في "نزهة الخواطر"، كما ورد ذكره في "تذكره علماء هند" و"نزهة الخواطر"، وعلى كل حال، نقدم ما استطعنا الوصول إليه حتى الآن في البحث عن الشيخ تقديما مرتباً في السطور الآتية: 

الاسم والنسب والأحوال العائلية: الشيخ غلام نقشبند بن عطاء الله بن القاضي حبيب الله بن أحمد بن ضياء الدين بن يحي بن شرف الدين بن نصير الدين بن المفتي حسين العثماني الأصفهاني ثم الكهوسوي الجونبوري اللكنوي- رحمهم الله- يرجع نسبه إلى أمير المؤمنين سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه-، فكان من سلالة سيدنا أبان بن عثمان أو سيدنا عمر بن عثمان، ويبدو من نسبة "الأصفهاني" أنّ أجداد الشيخ انحدروا إلى أصفهان من الجزيرة العربية، ثم جاء أحد المشايخ من أصفهان إلى الهند واستقر في جونبور، ولكن لم نعثر على ذلك الشيخ، ولا ندري منْ كان؟ ومتى استوطن الهند؟ فأصحاب التراجم صامتون عن ذلك، وكلّ ما هو معروف لدينا أنّ جدّ الشيخ القاضي حبيب الله كان أول من تم تعيينه مَنْ قاضياً لقرية "كهوسي"، ثم استوطنها، وقد كتب آزاد البلكرامي في هذا الصدد "أنّ أجداد الشيخ غلام نقشبند كانوا من قرية "كهوسى" الواقعة في مدينة جونبور، وكانوا يعتبرون من أشراف الناس في تلك المنطقة"(1 مآثر الكرام، 213/1). 

جده القاضي حبيب الله: كان أجداد الشيخ أصحاب علم وفضل، ويظهر من أسمائهم ومآثرهم أنهم كانوا من مشاهير علماء عصورهم، ومن بينهم المفتي حسين، الذي كان مدرسًا ومفتيًا، وكان جده القاضي حبيب الله أول من عين من عين قاضيًا في قرية "كهوسي"، ولعله شغل هذا المنصب في عهد الإمبراطور همايون (937- 963هـ)، كان عالماً فقيها، أصوليا ،وأديبا، متقناً في هذه العلوم، معروفًا بين أوساط العلماء، وقد بايع الشيخ مير علي عاشقان السراميري (950هـ)، فكان من أتباعه ومريديه، تولى منصب القضاء في "كهوسي"، وأقام بها واتخذها له موطنًا ومقراً. 

والده الشيخ عطاء الله: ولد والده الشيخ عطاء الله في "كهوسي"، ونشأ وترعرع فيها، تلقى العلم من العالم الشهير في عصره، الملا محمود البهيروي الجونبوري (ت1062هـ) وغيره من المعلمين المرموقين، وشغل نفسه في خدمة الشيخ شاه عبد القدوس الجونبوري خليفة الشيخ شاه عبد القدوس (ت12 شوال 1052هـ) مدة من الزمن، حتى أصبح خليفة الشيخ الجونبوري. ورد في كتاب "انتصاح عن ذكر أهل الصلاح": "وكان من خلفاء الشيخ شاه عبد القدوس الجونفوري (1052هـ) اثنان: الأول: ديوان عبد الرشيد الجونبوري، والثاني: قدوة العلماء عمدة العرفاء الشيخ عطاء الجونبوري والد الشيخ غلام علي نقشبند، وكان خليفة الشيخ حسام الدين المانك  بوري كذلك.(انتصاح عن ذكر أهل الصلاح، ص 16). 

وكان الشيخ عطاء الله قدوة العلماء في العلم والمعرفة، وكان ضليعا بالفقه، وأصول الفقه وعلم الكلام، والأدب والعربية وغير ذلك مثل أبيه، وامتاز بالورع والتقوى، وصل به الجذب الروحي أخيرا إلى لكناؤ، فحضر مجلس الشيخ بير محمد الجونفوري اللكنوي (ت 1085هـ)، هجر وطنه "كهوسي" واستقر في لكناؤ، وتوفي في  ربيع الآخر 1063هـ (نزهة الخواطر، 274/5-285). 

 وكان من بين تلاميذه الشيخ مير مير محمد شفيع الدهلوي (ت1109هـ) الذي كان من أشهر علماء عصره، وهو الذي قام بدور هام في تربية الشيخ غلام علي نقشبند وتكوين شخصيته، وسيأتي ذكره مفصلا، وجاء في كتاب "أصول المقصود": "كان والد الشيخ غلام نقشبند خليفة الشيخ بير محمد اللكنوي قدوة العلماء الشيخ عطاء الله علامة زمانه، وتلميذا رشيدا للشيخ الملا محمود الجونبوري في العلوم الظاهرة، أخذ البيعة في سلسلة "بندكي" (العبودية)، وتلقى الخلافة للبيعة في السلسلة القلندرية من الشيخ عبد القدوس، توفي في 5 1063هـ، وقبره في لكناؤ"(3 أصول المقصود، ص 86).

الولادة والنشأة: ولد الشيخ غلام نقشبند في كهوسي في 19 ذي الحجة 1051هـ قبل إقامة والده في لكناؤ، جاء في نزهة الخواطر: "ولد" لإحدى عشرة بقين من ذي الحجة سنة إحدى وخمسين وألف بقرية كهوسي"، ووفقًا للشيخ آزاد البلكرامي، فإنّ الأب أطلق على ابنه اسم غلام نقشبند بإشارة روحية، قضى أيام صباه في كهوسي، وترعرع في البيئة المنزلية، الدينية والعلمية والروحية، ولما بلغ 11 أو 12 سنة من عمره توفي والده، فرباه تلميذ والده النجيب مير محمد شفيع تربية حسنة، وعلمه فأحسن تعليمه. 

مبشرات منامية في زمن طلب العلم: يروي الشيخ غلام نقشبند أني رأيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم في المنام ذات ليلة في بداية أيام دراستي أنه يفك زر اللباس من صدري بيده المباركة، وقد فتح الله علي في نفس المنام تعبير هذه الرؤيا أنّ الله يشرح صدري لأبواب العلم. 

تلقى الشيخ التعليم والتدريب الكاملين من البداية حتى النهاية في خدمة مير محمد بعد وفاة والده عام 1063هـ، وفي سن الثامنة عشر من عمره تخرج في جميع العلوم والفنون السائدة آنذاك، وبعد تخرجه درس قليلا لدى مرشد والده بير الجونبوري اللكنوي للحصول على البركة، ونال منه شهادة التخرج، وكان الشيخ يبلغ من العمر إذ ذاك 21 عاماً، وقد كتب آزاد البلكرامي: "من بداية دراسته إلى النهاية بذل قصارى جهده لاكتساب الفضائل لدى تلميذ والده الشيخ المير محمد شفيع، وفي سنّ الثامنة عشر من عمره حقق النجاح في كافة العلوم والفنون، وقرأ فاتحة الفراغ من تحصيله على شيخ شيخه الشيخ بير محمد اللكنوي".

أساتذته: وهكذا جاء في سبحة المرجان باختصار، وهذا يعني أن الشيخ من مواليد 1051هـ، وقد ظل في تربية أبيه 11 أو 12 سنة، وبعد وفاة والده في عام 1063هـ رافق المير محمد شفيع ست أو سبع سنوات، يدرس ويتعلم، حتى أكمل المراحل التعليمية السائدة آنذاك، وكان في الثامنة عشر من عمره، ونال الشهادة حين كان عمره 21 سنة، وذلك لدى الشيخ بير محمد عام 1072هـ، ويدلّ ذلك على أنّ له أستاذين علاوة على والده. وحسب تصريح نزهة الخواطر، فإنّ الشيخ غلام محمد "قرأ على الشيخ بير محمد اللكهنوي القدوري، وشرح الجغميني، وجزءًا من البيضاوي". 

1. الشيخ بير محمد الجونفوري اللكنوي: ولد الشيخ بير محمد بن أولياء في 26 من شهر رمضان عام 1027هـ في قرية تسمى "ماندياهو" (Marhyahün) التابعة لجونبور، توفي والده في طفولته، فربّاه عمه، ذهب إلى مانيك فور، وتلقى تعليمه الابتدائي من معلمي تلك القرية، وهنا التقى بالشيخ عبد الله سياح الدكني، منه التربية الروحية والطريقة الصوفية، ودخل في دائرة مريديه، ثم جاء وتلقى إلى لكناؤ، ودرس بقية الكتب المدرسية على القاضي عبد القادر اللكنوي (ت 1077هـ)، ثم التحق بالشيخ عبد الله سياح مرة أخرى، وبدأ يتعلم منه الطريقة الجشتية، وبلغ فيها درجة الكمال في خدمته، حته الشيخ عبد الله سياح على أن يبذل قصارى جهوده في الأشغال العلمية والتعيلمية، ثم ينخرط في سلك الطريقة، فسافر إلى دهلي على توجيه الشيخ بير محمد، وأكمل الكتب الدراسية من الشيخ حيدر، وهنا لقي مرة أخرى الشيخ عبد الله سياح، وقد أجاز الشيخ بير محمد في كافة الطرق والسلاسل الصوفية، وعوارف المعارف"، و"الجواهر الخمسة"، وبعد إكمال العلوم الظاهرة والباطنة عاد إلى لكناؤ. اشتغل بالتعليم والتدريس والإرشاد والتلقين، وعد من مشاهير مشايخ الديار الشرقية في القرن الحادي عشر، ومن تصانيفه المشهورة: حاشية الهداية، ومجموعة الفتاوى، وسراج الحكمة وحاشية هداية الحكمة والمنازل الأربعة، واستفاد منه كثير من العلماء والمشايخ، ومن أبرزهم الشيخ عطاء الله والد الشيخ غلام نقشبند. 

توفي في 14 جمادى الآخر عام 1085هـ في لكناؤ، ودفن على تلّ على شاطئ نهر كومتي، أصبح يعرف فيما بعد باسم تل الشيخ بير محمد شاه. 

2. المير محمد شفيع الدهلوي: ولد المير محمد شفيع بن محمد مقيم الحسيني الدهلوي في لاهور، توفي والده في صغر سنه، فانتقل من بلدته مع أمه، وعمه محمد طاهر إلى جونبور، وبايع الشيخ جلال الدين الحسيني الحسين بوري، وأقام بجونبور مدة، وعندما ولي تحرير السوانح لمحمد طارق اللكنوي ، انتقل معه إلى لكناؤ، وقرأ بعض الكتب الدراسية على القاضي عبد القادر اللكنوي (ت1077هـ)، ولقي الشيخ كان مرجعًا للعلوم، فمكث في خدمته مدة، ثم أشار عليه أن يعود محمد الذي إلى جونبور فرحل إليها وقرأ سائر الكتب الدراسية على أساتذة تلك البلدة ثم رجع إلى لكناؤ، وأخذ الطريقة عن الشيخ بير محمد المذكور، وصحبه مدة، ثم ذهب إلى كوركهبور، وكان عمه محمد طاهر قد عين هناك، واعترف بفضله فدائي خان أمير تلك البلدة، خلال هذه الفترة أشار عليه شيخه بير محمد أن يذهب إلى دلهي، ويستقر بها، لينفع الخلق، فسافر إليها، وكذلك ذهب فدائي خان إلى دلهي وبنى لنفسه مدرسة وزاوية فخمة، وجاء إلى لكناؤ عند وفاة شيخه بير محمد سنة 1085هـ، وأجلس على مسنده "تلميذه الشيخ غلام نقشبند"، وسافر إلى الحجاز، فج وزار، ثم رجع إلى دهلي، وتوفي بدلهي في 8 محرم 1009هـ. 



شموليته: كان الشيخ غلام نقشبند يجمع بين العلم والمعرفة، والشريعة الإسلامية والطريقة الصوفية السليمة في شخصيته الفذة، وكان يعتبر من أبرز وأعظم علماء عصره في العلوم الدينية والعلوم العقلية والعلوم الأدبية والنحو واللغه والشعر العربي وأيام العرب والشعر والأدب، فكان مدرسًا ومعلما، ومرشدا وموجها، ومصنفًا وشاعرًا في وقت واحد، وأصبح مرجعًا لطلاب العلوم وطلاب الفيوض، وذلك لمكارمه وأمجاده، فقد كتب آزاد البلكرامي في مآثر الكرام: "هو علامة جامع بين علوم العجائب والغرائب التي توصل الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى وأسرار العلوم المخفية"،1 وقال في سبحة المرجان: "هو أوحد الزمان، والجامع بين العلم والعرفان"، وفي "تذكره علماء هند": "كان نابغة عصره، جامعاً بين الشريعة والطريقة"، ويكتب صاحب نزهه الخواطر: "الشيخ العالم الكبير العلامة، كان من كبار الأساتذة، لم يكن في زمانه أعلم منه بالنحو واللغة والأشعار وأيام العرب وما يتعلق بها، متوفراً على علوم الحكمة". 

وقد انتهى من تحصيل العلوم وإكمالها، وكان في الحادية والعشرين من عمره عام د، وأصبح خليفة للشيخ بير محمد بعد وفاته عام 1085هـ، ثم اشتغل بالتعليم والتدريس والإرشاد والتوجيه، وقبل ذلك قضى 12 أو 13 سنة في الأخذ والعطاء في المجال العلمي، وقام بخدمات علمية وتربوية مكان مرشده منذ 1085هـ إلى وفاته في 1126هـ على مدى 40 عاماً. 

وفاة الشيخ بير محمد وخلافة الشيخ غلام نقشبند: وكانت خلافة الشيخ غلام نقشبند إثر وفاه الشيخ بير محمد ذات يمن وبركة لحياته العلمية والدينية؛ لأنه قبولا بعد ذلك، وقدم الشيخ المير محمد شفيع تلميذ والده وأستاذ الشيخ غلام نقشبند نموذجا رائعا للإخلاص والإيثار يعتبر مثالاً يحتذى به للعلاقة بين الأستاذ والطالب في هذه الدنيا، وفيه عبر ودروس لأساتذة هذا الزمان وتلاميذهم. 

فقد كتب آزاد البلكرامي تفصيل ذلك في مآثر الكرام وسبحة المرجان أنّ خلفاء الشيخ بير محمد ومريديه اتفقوا على أن يكون المير محمد شفيع خليفة له بعد وفاته بلكناؤ، يقول البلكرامي: "وأجمعوا على أن يجلس في مكانه المير محمد شفيع، وهو كان من كبراء المريدين، وكان وقت وفاته بدهلي، فجاء منها إلى لكنؤ، وأراد أن يجلس الشيخ غلام نقشبند على سجادة ،الشيخ، وما أخبر عن إرادته أحدا، حتى الشيخ غلام نقشبند، وعين يوما، وجمع فيه مشايخ البلدة وأعيانها، ومهد المير سجادة الشيخ بيده قدام صف الأكابر، وأخذ بيد الشيخ غلام نقشبند، وأجلسه عليها وهنأه، فتبع الحاضرون المير، وهنأوا الشيخ". ويقول في مآثر الكرام ويمكن معرفة مكانة الشيخ غلام نقشبند من أن المير محمد شفیع كان يعتبره جديراً بالخلافة؛ ومن ثم أجلسه مكان شيخه، وجعل نفسه تابعا له، وقد رفع الشيخ غلام نقشبند من قيمة المكان، وأكسبها رونقا وبهاء، وكان مرجعًا لطلاب العلوم الظاهرة والباطنة، فقد أثرى العالم بالكمال العلمي والروحي من خلال بركات توجيهاته، وتنتهي إليه سلسلة دروس أغلب علماء ذلك العصر".

ويكتب في سبحة المرجان: "ومن ههنا يعرف علوّ منزلة الشيخ حيث وجده المير أهلًا للسجادة، وآثره على نفسه في الجلوس عليها، فزينها الشيخ بالتمكن، ونفع خلقا كثيرًا بالتدريس والتلقين، وسلسلة الأكثرين من علماء العصر تنتهي إليه".

وقد صرح صاحب نزهة الخواطر أيضًا بخلافة الشيخ غلام النقشبند في ترجمته، لكنه كتب في ترجمة المير محمد شفيع أنه أجلس على مسند مرشده محمد آفاق البيهاري، وهذا يبدو مخالفًا للواقع. 

العلاقة الخاصة بالمير محمد شفيع وتقديره واحترامه: إنّ الشيخ المير محمد قام بتربية نجل أستاذه اليتيم الشيخ غلام نقشبند، وتعليمه بصدق ووفاء، حتى أصبح الطالب ذائع الصيت محبباً لدى الناس، ولكنه ظلّ وفيا لأستاذه ومربيه، وجازى الإحسان بالإحسان في حياته وبعد مماته، حتى كان يقرأ الفاتحة على ضريحه ويقدّم له الثواب، وقد كتب آزاد البلكرامي: "كان محل إقامة المير محمد شفيع دلهي، وزاويته مشهورة هناك، كان يزوره الشيخ غلام نقشبند في حياته، وبعد وفاته، يكسب البركات بذلك". 

وقد أثنى الشيخ نقشبند على المير محمد ، وله في مدحه قصيدة، مطلعها: 

خليلي، هل هاتان دارة جُلجُل 

ودارة سلمى في قفاف عـقـنقل

 إنّ رأفة الأستاذ على تلميذه، وتقدير التلميذ لأستاذه يعتبر واسطة العقد في الإفادة والاستفادة الدينية والعلمية، وبهذه العلاقة العلمية الحميمة الخالصة تتغذى العملية التعليمية، والعلاقة الوطيدة بين الشيخ غلام وأستاذه المير محمد شفيع أفضل مثال على ذلك. 

التدريس والإفادة: كان للشيخ غلام نقشبند شهرة مستفيضة بين أقرانه ومعاصريه في الخدمات التعليمية، وكثرة التلاميذ، وسعة نطاق أعماله، فكان هناك عدد كبير العلماء والفضلاء والمشايخ في الشرق، الذين كان لهم اهتمام بالتعليم والتلقين، ولكن الشيخ غلام نقشبند يمتاز بينهم بجهوده التعليمية والتدريسية، وهي سمة خاصة وسمعة مميزة له، وقد مرّ قول البلكرامي بالإحالة إلى سبحة المرجان: : "ونفع خلقا كثيرًا بالتدريس والتلقين، وسلسلة الأكثرين من علماء العصر تنتهي إليه". 

وجاء في تذكره علماء هند: "عاش الشيخ حياته بأكملها حافلة بالعطاء في إفادة الطلاب وحققت مجموعة كبيرة من الفضلاء بتربيته الخاصة نجاحا باهرا، وسلسلة وتعليمهم، تعلم معظم علماء الهند تنتهي إليه"، وذكر صاحب نزهة الخواطر مآثره التعليمية والتدريسية بكلمته الجامعة إذ قال: "كان من كبار الأساتذة". 

حل الشيخ غلام نقشبند بعد وفاة شيخه بير محمد مكانه، واشتغل على مدى أربعين عاما بالشؤون التعليمية، وهذه المدة هي عصارة حياته العلمية، وقد جددت كثرة الطلاب في دروسه ونشاطاتهم عهد الشيخ القاضي شهاب الدين الدولت آبادي، وتخرج لديه مئات من العلماء و الفضلاء، ونالوا قبولًا واسعًا في مناطقهم، لكن الملا نظام الدين (ت1161هـ) مؤسس المنهج الدراسي النظامي المتبع في المدارس الإسلامية بالهند امتاز من بينهم، فكان خير خلف لخير سلف، انتشرت سلسلة الشيخ التعليمية بواسطته في كافة أرجاء الهند. 

الرأفة والمحبة مع الطلاب : كان الشيخ غلام نقشبند معلما عطوفا، كان يسره ويثلج صدره الاعتراف بفضل تلاميذه وتشجيعهم وشحذ هممهم، ويدعو لرقيهم وازدهارهم، ويتمنى لهم نجاحهم وعلو مكانتهم، ومن المعلوم أنّ هذا الحب يفيد الطلاب كثيرًا، الأمثلة على ذلك أن: "المير عبد الجليل كان تلميذا ذائع الصيت للشيخ، وكان يعترف بعلمه وفضله صراحة، ويثني عليه ثناء عطراً، يقول البلكرامي في ذكر مير عبد الجليل: "كان الشيخ غلام نقشبند يثني عليه دائما"، ثم أورد قصة، وهي أنّ الشيخ غلام دائرة تاريخية، وأرسلها إلى تلميذه المير عبد الجليل،  ولم يكتب طريقة استخراج التواريخ والأرقا من الحروف الأبجدية، ولكن المير تعرف على طريقة الدائرة التاريخية، ورسم خطة شبيهة بها، وأرسلها إلى أستاذه، فابتهج بها الأستاذ، وكتب في الرد عليه: "صاحب المدارج الإنسانية ومجمع الفيوض الربانية المير عبد الجليل! وصل كتابك الحافل بالحب والوفاء، المتضمن ذكر وصولك إلى بلكرام، وتعيينك على عمل توزيع الرواتب في الجيش، والمراسلة، وهذا ما أثلج صدري، أحمد الله أنك قدمت إلى هنا، اعتبر هذا الفقير إلى الله مخلصًا لك، ولا تحسبه غافلاً عن التذكر والدعاء، كتب الله لك الرقي في العلم والمعرفة للأبد، والشيء الثاني الجدير بالذكر هو وصول خريطة الدوائر المبهرة، وأنا قاصر البيان في مدحها، والحقيقة أنك سامق الذرى، لا نظير لك، أدام الله ،نفعك، فإنك ذكي بالطبع، ومتوقد الذهن، فقد رسمت الخريطة بنفسك، والخلاصة أنّ كمالك يفوق الخيال، ووصفه بالكتابة، والثالث أنني مشتاق إلى رفقتك، سنح الله هذه الفرصة بخير وعافية". 

ويمكن إدراك مدى عطفه وحنانه على تلاميذه بخطابه هذا، وكيف كان يعترف بفضائلهم ومكارمهم بقلب كبير. 

تقدير الشيخ من قبل الملك شاه عالم: عاصر الشيخ ثلاثة سلاطين من المغول، فقد ولد في عهد شاهجهان (1036-1098هـ)، وفي نفس العهد تم تعيينه خليفة للشيخ محمد، ومدرسًا في مدرسته بلكناؤ بعد الانتهاء من تحصيل العلم، وكان عهد عالمكير (1098-1118هـ) عهد أوج درسه وإفادته، كما كان عهد شاه عالم بن عالمكير (1118-1124هـ) استمر إلى ما قبل وفاة الشيخ بسنتين، وبعد ذلك بدأ تضاؤل سلطة المغول، كان شاهجهان ،وعالمكير وعالمكير بالأخص، يقدّران العلماء والفضلاء كثيرًا، ولكن لم نعثر على علاقة لهما بالشيخ غلام نقشبند، إلا أنّ علاقته الملك شاه عالم مما ورد تصريح بذلك، وذلك أنه زاره بعد ما مع سمع عن عبقرية سمع الشيخ ونبوغه العلمي، قدره تقديرًا بالغا. 

جاء في مآثر الكرام: زاره شاه عالم واستقبله بالحفاوة والتكريم"، وفي سبحة المرجان: "وكلفه شاه عالم بن السلطان عالمگير الملاقاة، وأقبل عليه في نهاية التعظيم والمداراة"، ولم يذكر صاحب السبحة مكان اللقاء، أكان دلهي أم لكناؤ، ولكن جاء في نزهة الخواطر أنه كان في لكناؤ، يقول صاحب النزهة: "شاه عالم بن عالمگير الدهلوي لقيه بمدينة لكهنؤ، وأكرمه غاية الإكرام"، ويبدو أنّ هذا اللقاء كان محدودًا على التكريم المؤقت، ولم يقبل منه الشيخ إقطاعاً أو منصباً. 

الشدة في الأمور والقضايا الشرعية: نشأ الشيخ غلام نقشبند في بيئة دينية وعلمية صافية، فكان جده قاضياً لقرية "كهوسي"، ومريدا للمير علي عاشقان السرائميري، وكان جامعا بين الشريعة والطريقة، وكان والده يجمع بين النبوغ في العلوم النقلية والعقلية والمكانة المرموقة في الورع والتقى، وكان ينتسب إلى الشيخ عبد القدوس النظام آبادي والشيخ بير محمد اللكنوي انتساباً روحياً وإحسانيا، وخلاصة القول أنّ أسرة الشيخ كانت "مجمع البحرين" للعلم والمعرفة، متمسكة بأوامر الشريعة ونواهيها بشدة، وكان الشيخ نفسه قد بلغ درجة الكمال في العلوم الباطنية بالإضافة إلى كونه عالماً معروفاً، ومدرسًا شهيرًا، وكان لا يراعي أبدًا في الأمور الشرعية، إلا أنه كان يتمتع بجانب المهابة في علوم الدين بجلال الإحسان والتصوف، ينكر على التقصير الشرعي بشدة، ولكن لا يدخر وسعا في المداراة والتسامح بعد التوبة، فجاء في مآثر الكرام: "كان ينصرف إلى الحفاظ على الشريعة بقلبه وقالبه، يستشيط غضباً على من يصدر منه عمل مخالف للشرع، ويكثر رأفته ورحمته عليه لو وفق للتوبة والرجوع إلى الله عملا بـ"الحب في الله والبغض في والبغض في الله . 

وفي سبحة المرجان: "وكان الشيخ حامياً لحمى الشريعة الغراء، وحارسًا لبيضة الملة البيضاء"، وذكر في مآثر الكرام وسبحة المرجان أنه ورد مجلسه يوما واحد من الدراويش الأحرار من قيد الشريعة، فعتب عليه الشيخ وقال: لا ترزق هذه الطائفة رؤية وجه الله تعالى، ولا شفاعة نبيه صلى الله عليه وآله وسلّم، فقال الدرويش: مهلا يا شيخ! سوف نرزق الرؤية والشفاعة كلتيهما، وأنتم لا تحصلون منهما على شيء. 

فسأله الشيخ عن السبب؟ فقال: أنت ما حمت في عمرك حول الإثم، فيدخلك الجنة غدا من غير مؤاخذة، ونحن قوم آئمون، يحكم الله تعالى بإحضارنا في حضرته، ويقدم النبي صلى الله عليه وآله وسلّم علينا لشفاعتنا، فرق له الشيخ وعطف عليه". 

ذلك أنّ ولا يعني الشيخ رضي بذلك، والحقيقة أنه لا يجوز ارتكاب شيء يغضب الله تعالى اعتمادًا على رحمة الله وشفاعة النبي المختار.

شعره: كان الشيخ غلام نقشبند شاعرًا قديرا، وأديبا أريباً، وكان عالماً معروفاً في العلوم اللغوية والأدبية، وماهراً في الشعر العربي، يحتل مكانة مرموقة بين "أعلام الشعر العربي في الهند"، كان شاعرًا مجيدًا في اللغة العربية، يوجد طابع قديم على شعره شعره بعيد من شوائب العجمة وانعكاساتها، وله قصيدة تتضمن ثلاثين بيتا في أستاذه المير محمد شفيع ومناقبه وفضائله، ينسج فيها على منوال معلقة الشاعر الجاهلي امرئ القيس المشهورة، ويمكن تقدير مستوى الشيخ في الشعر وذوقه الرفيع من خلال هذه القصيدة، وإليكم قصيدته: 

خليلي، هل هاتان دارة جلجل

 ودارة سلمى في قفاف عقنقل

 عليها سواري المزن سحت مطيرة

 فحت مبانيها محوح المهلهل 

أربع الحبيبة صار للوحش موطناً

 فيا عجباً عجباً من صنع دهر محوّل 

أمنزل سلمى هل تفرج غمتي

 وتكشف عما ظعن ذات التدلل 

على أي أرض خيمت ذات هولة 

تهول بوجه كالضحا متهلل 

فمنذ غداة البين قد بت في الهوى

 بصدر جوي أو بقلب مقتل مقتلي 

أعيني مهلا عبرة الوجد والجوى

 أإنكما أزمعتما اليوم  مقتلي 

وهل ينفع المبكي عيونا ذوارفا

 إذا وجهت سلمى ركاب التبتل 

حبيب إذا ما جود الغنج عينها

 فما المحي فيه واجد أو موئل؟ 

لها عارض تبریقه غير عارض

 أسيل صقيل حسنه كالسجنجل 

إلام تمنيني وفيك تلون 

وحتام  تلهيني بوعد مخيل 

مواعيد عرقوب تقرمط بينها 

كقرمطة النحلان نحل المنول 

له همة عليا تنوف  على السما 

ومجد مجيد نيله لم يسهل 

بجيل جليل من شفيع كاسمه 

ومن جده خير الورى خير مرسل 

لزهرة زهراء ووردة حيدر

 ويهزأ خلقًا عطر دار التجمل 

لنور به الأفلاك والأرض نورت

 وتشويد تسويد وشرق مكلل

 إذا ما هداة الناس عدت فراسهم 

وهاديهم المقدام من كلّ أمثل 

معارفه جلّت معاليه قد علت

أشم جبال يا لفخم مفضل 

لديه علوم لا يرام يرام فناؤها 

وأسرار لوح في الأسارير تجتلي 

ولم يؤثر الدنيا الدني نعيمها

 وينعم عند الله أحسن مفضل 

لقد دام بالرحمن حظ شهوده 

تحني جنا العرفان غير معلل 

تجلى له في كلّ آن تجليا 

لديه تجلى الطور لم يتجمل 

ومن سره قد ذاق يعلول طاهر السـ

 سرائر منه فهو بالنور ممتلي

 شفيعي ليوم الحشر حرزي وموئلي

 ووجهة قلبي غوث كلّ مؤملي

 لكل عصام عصام واعتصامي بفضله 

كفاني قواما ذات يوم التجلجل 

مآثره لا يهدين بعدها؟ 

ومحصى الحصا محصى الرمال وجندل 

يطوف حواليه المكارم والعلى

 طواف حجيج حول بيت مهجل 

تلاميذه: يحتل الشيخ غلام نقشبند مكانة مرموقة في التعليم والتدريس، وكانت حلقة درسه مشهورة، تلمذ عليه كثير من كبار العلماء، وإليه تنتهي سلسلة معظم العلماء الهنود، كان عالماً قديرًا في الفقه وأصوله، والأدب العربي، والحكمة والفلسفة، واستفاد من حلقته الدراسية خلق كثير على ما روى آزاد البلكرامي، قام بتدريس العلوم الإسلامية على مدى 40 عاما منذ 1085هـ إلى 1126هـ، وقرأ عليه آلاف من الطلاب، ونورد هنا نبذة من تراجم أبرز تلاميذه: 

1). الملا نظام الدين اللكنوي: كان الملا نظام الدين بن الملا قطب الدين شهيد السهالوي اللكنوي من أنجب تلاميذ الشيخ غلام نقشبند، الذي انتشر منهجه الدراسي بواسطته في كافة أرجاء الهند، ومن هذه الناحية كان الملا نظام الدين خليفة الشيخ نقشبند ووريثه العلمي. انتقل إلى لكناؤ بعد استشهاد والده، وقرأ على الشيخ الملّا قطب الدين الشمس آبادي والحافظ أمان الله البنارسي وغيرهما أولًا، ثم قرأ على الشيخ غلام نقشبند في لكناؤ، وتخرج في حلقة درسه بعد قضاء مدة في خدمته، وأخذ الطريقة، وتربيتها وتلقينها عن الشيخ عبد الرزاق الهانسوي، والمير إسماعيل البلكرامي، ثم تصدّر للتدريس بعد التخرج في فرنكي محل، لكناؤ، وأفاد الهند كلها إفادة علمية، فكان أستاذ الدنيا، ومحرر الزمان" بمعنى الكلمة كما قال آزاد ،البلكرامي، فقد ذكر في كتابه "مآثر الكرام": "اشتغل الشيخ بالتدريس والتصنيف طوال عمره، ونال قبولا وثقة في ذلك، فأكثر العلماء الهنود اليوم ينتمون إلى الشيخ انتماء التلمذة والتلقي، ويعتبرون ذلك مفخرة لهم، فكلّ من يضيف سلسلته العلمية إليه يعد من العلماء البارزين، وكثير من العلماء قرأوا على غيره، ولكنهم أكملوا دراستهم وقرأوا فاتحة الفراغ على الشيخ نظام الدين حتى يعتبروا من العلماء الموثوق بهم". توفي الشيخ الملا يوم الأربعاء في 9 من جمادى الأولى عام 1161هـ في لكناؤ، وانتشر تلاميذه في الهند ،كلها، وكان هناك عدد من تلاميذه في المناطق المجاورة لموطن أستاذه الشيخ غلام نقشبند، على رأسهم الشيخ محمد أحسن الجرياكوتي، والشيخ غلام فريد المحمدآبادي، كان الشيخ محمد أحسن بن محمد إكرام بن محمد سلطان أحمد العباسي في جريا كوت، تلقى التعليم الابتدائي هناك، ثم انتقل إلى لكناؤ في خدمة الملا نظام الدين، وتخرج على يده بعد قراءة العلوم السائدة آنذاك، كان عالماً نبيها بالغ الذكاء، وكانت له مهارة تامة في العلوم العقلية، ذهب إلى دلهي بعد إكمال الدراسة، واكتسب سمعة علمية هناك، حتى أحبه كثير من الأمراء، حسده بعض معاصريه، ووضعوا له السم في طعامه. 

أما الشيخ غلام فريد فولد في محمد آباد، وتلقى تعليم الكتب الدراسية من الملا نظام الدين بعد الذهاب إلى لكناؤ، ومنه استفاد في الطريقة والروحانية، ثم عاد إلى وطنه، وعاش حياة بسيطة في الزهد والقناعة، كان يصوم يوما، ويفطر يوما، يكسب قوته بيده، كان إنسانًا وقورًا صالحاً، لم يتزوج طيلة حياته، يأكل من الطعام الذي كانت أمه تطبخه، وكان الأمر الذي يلفظه يتحقق، له قوة تأثير خارقة، طلب منه النواب فضل علي خان أمير بلدة غازي بور أن يدعو له بعد أن فتح جزءا من مدينة أعظم كره، وسمي حي من أحياء المدينة على اسمه "فريد آباد"، وكان من بين تلاميذه نجل أستاذه الشيخ غلام نقشبند الذي، سيأتي ذكره. 

2). المير عبد الجليل البلكرامي: ومن أشهر تلاميذ الشيخ المير عبد الجليل بن سيد أحمد الحسيني البلكرامي الذي كان من كبار العلماء، قرأ الكتب الدراسية الابتدائية على المير سعد الله البلكرامي برفقة المير طفيل محمد الأترولوي البلكرامي، وبعد إكمال المرحلة المتوسطة من دراسته في قرى الديار الشرقية حضر درس الشيخ غلام نقشبند، ومن هنا أكمل المراحل التعليمية، كانت له خبرة تامة في الحديث والتفسير، واللغة العربية وآدابها، والتاريخ والموسيقى، وكانت له ذاكرة قوية، حفظ "القاموس"، أضخم القواميس العربية وأشهرها، وكان أستاذه الشيخ نقشبند يعجبه الثناء على تلميذه وتحبيذه وكانت بينهما مراسلات ومكاتبات. 

رحل المير عبد الجليل في البداية بغية تحصيل العلم والدراسة برفقة المير طفيل محمد إلى آكره، حيث قابل النواب فضائل خان رئيس الكتاب الرسمي السابق الذي كان قد زهد في الدنيا وانعزل عنها بعد الاستقالة من الوظيفة الملكية، وبعد أيام تم تعيين شاه حسين خان سركار رئيس الديوان بلكناؤ، وبهذا الصدد جاء إلى اكره من الدكن، فانتقل المير عبد الجليل والمير طفيل محمد معه من آكره إلى الأيام لكناؤ، وقد منحهما شاه حسين خان الإعفاءات والامتيازات، وفي هذه حظي المير عبد الجليل بشرف التلمذة على الشيخ غلام نقشبند، تولى منصب مدوّن الأحداث في الجيش من زمن عالمكير إلى زمن فرخ سير، كان ماهرا في اللغات العربية والفارسية والهندية والتركية وله مؤلفات في كل لغة من هذه اللغات، توفي في 23 ربيع الآخر سنة 1138هـ في دلهي، ودفن في بلكرام. 

3). السيد فريد الدين البلكرامي: السيد فريد الدين البلكرامي يعرف بسيد بدلي. في 1113هـ حضر حلقة دروس الملا جيون الأميثوي برفقة قادر البلكرامي فتلقى عليه التعليم المتوسط ثم ألقى عصا التعليم لدى الشيخ غلام نقش فأتم ما بقي من قراءة الكتب الدراسية ونال الفراغ. توفّي في 1121هـ.2 .

4). الشيخ محمد قاسم الكاكوروي: الشيخ الصالح محمد قاسم بن عبد الكريم بن إله داد الحسيني الجونبوري الكاكوروي، ولد ونشأ بكاكوري، وفي لكناؤ تلمذ على الشيخ غلام نقشبند، ولازمه مدة من الزمان، وأخذ عنه الطريقة، ثم رجع إلى كاكوري، وكان من المشائخ المعروفين في زمانه، وكان صاحب روحانية تذكر له كشوف وكرامات، ولما توفي والده انتقل إلى بجنور (من أعمال لكناؤ) فسكن بها، وتوفي فيها في 25 محرم 1105هـ.

 5). السيد قادري البلكرامي: حفظ القرآن الكريم وتعلم التجويد على والده السيد ضياء الله ،البلكرامي، وقرأ عليه الكتب الابتدائية، ثم درس عند الملا جيون الأميثوي مع السيد فريد الدين البلكرامي، وأما بقية الكتب فقرأها على الشيخ غلام نقشبند، سافر إلى الحرمين الشريفين بعد إكمال الدراسة، وسعد بالحج والزيارة مرة ثانية، أخذ البيعة في السلاسل القادرية والرفاعية والشاذلية من مشايخ كربلاء وبغداد، وتوفي في بلكرام ليلة الخميس 13 الأول سنة 1145هـ.

6). الشيخ نور الهدى الأميثوي: ولد الشيخ نور الهدى بن مودود بن عبد الواسع العثماني في أميثي، وبعدما حفظ القرآن الكريم أتم الدراسات المتوسطة والعليا على الشيخ غلام نقشبند وغيره من العلماء، نال الفراغ من كافة العلوم في عمر لم يتجاوز 15 سنة، كان ذكيا حادّ الذهن وتقيا ورعًا، وكانت له رغبة شديدة في المناقشات العلمية. أمضى عمره كله في التدريس وتربية الطلاب مثل شيخه. توفي في 13 رجب 1133هـ.

7). المفتي شرف الدين اللكنوي: المفتي شرف الدين بن محي الدين بن صدر الدين بن محمد الأعظمي اللكنوي، تلقى العلم من والده زمانًا، ثم تلقى دروسا من تفسير البيضاوي على الشيخ غلام نقشبند، وأخذ عنه الطريقة، ثم تقرب إلى عالمكير فنال منصب "جيش ذات أربع مائة جندي"، فاستقل به إلى أيام محمد شاه، ثم أضيف إلى منصبه ثلاثة آلاف جندي، وكان نائب حاكم بيهار فدائي خان. له مصنفات عديدة منها: حاشية على شرح المواقف، وحاشية على تفسير البيضاوي. توفي في ذي الحجة سنة 1133هـ. 

مؤلفات  الشيخ غلام نقشبند الكهوسوي اللكنوي 

 كان الشيخ نقشبند مؤلفًا قديرًا بجانب كونه معلما ومدرسًا، وله مؤلفات في مختلف العلوم والفنون ذكر أصحاب ترجمته من مؤلفاته أسماء الكتب التالية: 

.1 أنوار القرآن، وفيه تفسير ربعالقرآن مع الحواشي

 2 فرقان الأنوار 

3 تفسير سورة الأعراف مع الحواشي 

4. تفسير سورة مريم 

5 تفسير سورة طه 

7 تفسير سورة يوسف 

6 تفسير سورة محمد 

8 تفسير سورة الرحمن 

9 تفسير سورة عم مع الحواشي

 10. تفسير سورة الكوثر 

11. تفسير سورة الإخلاص 

12. تفسير آية "الله نور السماوات والأرض" 

13. تفسير آية "إنا عرضنا الأمانة" .

14. تفسير آية "أفحسبتم " 

15. تفسير آية "ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً" .

16 تفسير آية "الرحمن على العرشا ستوى"  

17. تفسير آية "كلوا واشربوا" 

18. لامعه عرشيه في مسألة وحدة الوجود 

19. شرح القصيدة الخزرجية (في علم العروض) 

وقد كتب آزاد البلكرامي بعد ذكر أسماء هذه الكتب "وغير ذلك"، وهذا يدلّ على للشيخ مؤلفات علاوة على المذكورة أعلاه. 

وفاته: 

أجمع أصحاب ترجمته على أنّ وفاته كانت في أواخر رجب سنة 1126هـ في لكناؤ، ودفن على مقربة من قبر أستاذه ومرشده الشيخ بير محمد اللكنوي في تل محمد شاه، وكانت ولادته في ذي الحجة سنة 1052هـ، فكان عمره وقت وفاته زهاء 75 سنة. 

أولاده: لم نعثر على أحوال أولاده إلا نبذة عن أحد أبنائه، وهو الشيخ غلام نقشبند بن عطاء الله العثماني اللكنوي، ولد ونشأ بمدينة لكناؤ، وأخذ العلم عن والده، ثم على الشيخ نظام الدين، ثم تصدر للتدريس في مدرسة الشيخ بير محمد، أخذ عنه غير واحد من العلماء، وكانت وفاته في سنة 1159هـ، وخلفه في التدريس والإرشاد نجله الشيخ قطب الهدى بن أحمد بن غلام نقشبند. 

الشيخ محمد علي العثماني اللكنوي:

 ونجد ترجمة لعالم آخر لكنوي كبير من علماء هذه الأسرة العلمية في نزهة الخواطر، وهو الشيخ العالم المحدث محمد علي بن عبد العزيز بن حميد الحق بن بشير الحق الكوركهبوري ثم اللكنوي كان من سلالة القاضي حبيب الله الكهوسوي، ولد ونشأ ببلدة لكناؤ، وتلقى علم الحديث من مرزا حسن اللكنوي، ثم تصدر للتدريس، أخذ عنه عبد العزيز بن أحمد الكشميري، وعبد الغفار بن عالم علي الكانبوري، وخلق آخرون، توفي في آخر يوم من شوال سنة 1267هـ بلكناؤ، وقد أخبر صاحب نزهة الخواطر بهذه الأحوال حامد علي أحد أفراد عائلته.

ولا توجد معلومات عن أحد من هذه السلالة العثمانية في الديار الشرقية بعد انتقالها من "كهوسي" إلى لكناؤ، ومع ذلك ينتسب علماء هذه المنطقة إلى نسبة العثمانيين، وليس هناك دليل علمي ولا تاريخي على ذلك.


مواضيع ذات صلة
تراجم العلماء,

إرسال تعليق

0 تعليقات