عنوان المقالة: الهند في الأدب العربي الحديث
الكاتب: إي. كي. أحمد كنتي (محاضر في قسم اللغة العربية، جامعة كاليكوت - كيرالا - الهند)
المصدر: موقع ألوكة
( هذه مقالة قرأها الكاتب في ٢٨ ديسمبر ۱۹۷۸ في الندوة عن عن الاتجاهات الحديثة في الادب العربي الحديث ... Seminar on modern Trends in Arabic literature)انعقدت في كلية ما نباد ، ما نباد ، كيرالا ، جنوب الهند من ٢٤ الى ٢٩ ديسمبر ۱۹۷۸ ، تحت رعاية يونيفرستي كرانتس کمیشن University Gryants Commission of India)
إن الصلات بين الهند والعرب تعود الى أزمنة موغلة في القدم . ولقد كانت صلات تجارية ودبلوماسية بين الشعبين منذ قديم الزمان ، بل قبل زمن التاريخ ؛ ثم جاء الاسلام فتطورت هذه الصلات وأصبحت علاقات روحية ودينية وثقافية واجتماعية وسياسية . وأما في العصر الحديث فازدادت العلاقات العربية الهندية قوة وعمقاً وتنوعاً ، وتقوم الآن بين البلاد العربية والهند مؤاخاة وتواد وروابط وثيقة وتعاون وتظاهر في شتى المجالات .
إن الهند وحضارتها وثقافتها كانت موضع الاعجاب والتقدير عند العرب منذ زمن قديم . وكثير من الرحالين العرب المشاهير زاروا بلاد الهند وساحوا فيها وشاهدوا فيها ما شاهدوا ، ثم دونوا كل ما رأوا وما سمعوا في كتبهم، فكتبوا عن مناخ الهند وطبائع أهلها وعاداتهم وتقاليدهم ودياناتهم وعباداتهم ، كما وصفوا لنا أشجار الهند وثمارها وأنهارها . ومن هذه المؤلفات العربية التي مازلنا نقرؤها حتى أيامنا هذه كتب البيروني والمسعودي وابن بطوطة .
ولكن كل هذا قصة قديمة . فماذا يقول الادب العربي الحديث عن الهند ؟ هذا ما يهمنا في هذه المقالة .
على الرغم من مزيد الاتصالات التي تقوم بين الهند والاقطار العربية لا نرى في الادب العربي الحديث مواد كثيرة تتعلق بالهند وشؤونها. وهذا يبدو غريباً ، ولكنه الحقيقة . واذا قارنا بين ما تشتمل عليه الكتب العربية القديمة التي أشرنا اليها آنفاً من المعلومات عن الهند وبين ما يتضمن الادب العربي الحديث من الامور المتعلقة بالهند ، رأينا أن الاخير قليل جداً بالنسبة الى الاول .
وكان متوقعاً أن توجد دراسات محققة شاملة عن الهند والمواضيع المتصلة بها ، في الادب العربي الحديث . ولكن هذا لم يحدث .
انما أريد أن الادب العربي الحديث لا يشتمل على مواد وافرة عن الهند كما ينبغي أن يكون . ولا أريد أنه خال كل الخلو من الذكر للهند والاشارات إليها . لأن هناك في الادب العربي الحديث ذكراً للهند وإشارات اليها ومحاولات لدراسة ثقافتها وآدابها وفنونها وأحوالها السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وغيرها من الأمور المتصلة بالهند مما لا يمكن أن يُهمَل . وانّي أحاول في هذه المقالة نظرة وجيزة الى ما يقول الادب العربي الحديث عن الهند . فلنبدأ بالعلاقات بين الهند والعرب ، تمهيداً لبحثنا في نواحي الموضوع الاخرى.
العلاقات العربية الهندية
إن العلاقات العربية الهندية موضوع هام، ليس بالنسبة لأهل الهند والعرب فقط ، بل لجميع بلاد العالم . لأن هذه العلاقات هي أكثر إيغالا في القدم من أية علاقة بين الاقطار في تاريخ العالم . وان هذه العلاقات لعبت دوراً هاماً في تكوين تاريخ البشر وأثرت في مجراه تأثيراً فعالا. ولكن هذا الموضوع ، مع أهميته الدولية لم ينل اهتماما يستحقه عند المؤلفين باللغة العربية في البلاد الهندية ولا في البلاد العربية. وقد وضعت بعض المؤلفات في هذا الموضوع مثل « أثر الاسلام في الثقافة الهندية (Influence of Islam on India Culture) للدكتور تاراشاند بالانكليزية و « العلاقات العربية الهندية » ( عرب - و - هندكي تعلقات ) للسيد سليمان الندوي بالأوردية . ولم يكن مثل هذه الدراسات موجوداً في اللغة العربية، الى أن ظهر فيها كتاب الدكتور سيد مقبول أحمد "العلاقات العربية الهندية" ، كتبه أصلا باللغة الانكليزية ثم نقله الدكتور نقولا زيادة الى العربية[1]. وهذا الكتاب يشتمل على دراسة شاملة عن الصلات بين الهند والبلاد العربية منذ أقدم الازمنة الى أواخر القرن الماضي ، ويتناول جميع نواحي هذه الصلات والآثار الحميدة التي خلفتها في الشعبين الهندي والعربي . ولكنه ، كما يعترف المؤلف نفسه لم يتناول القرن ونصف القرن الماضيين « لأن المعلومات والمادة التي بين أيدينا كثيرة ومتنوعة الى حد أنها تحتاج الى دراسة خاصة[2] ).
وهذا يعني أن الادب العربي الحديث لا يزال يعوزه دراسة عن العلاقات العربية الهندية في الزمن الحالي . فلننتظرها حتى تظهر.
وجدير بالذكر هنا محاولة محمودة للدكتور جميل أحمدمن جامعة كراتشي بباكستان وهى مقالته « الصَّلات اللسانية بين الهند والعرب » نشرت في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق[3]. ويتناول فيها الكاتب دراسة موجزة عن التبادل والتعاون بين الهند والبلاد العربية في مجال الثقافة العربية والاسلامية أثناء العصور المتعاقبة ، فيبحث عن تأثثر كل واحد من الجانبين الهندي والعربي بالآخر ، وفتح العرب وآثاره في الثقافة العربية والاسلامية ، في الهند ، والعلماء الواردين بأرض السند ، والعلماء من أهل السند ، ومكانة اللغة العربية في العصر الغزنوي وما يليه من العصور في الهند . ولكنه في دراسته لا يتجاوز القاضي عبد المقتدر الكندي التمانيسري ثم الدهلوي توفي (۱۳۸۸/۱۹۷۱ ) . وبذلك ، فإن هذه المقالة قاصرة بالنسبة للثقافة العربية والاسلامية في الهند في العصر الحديث .
ثقافة الهند - شعرها وآدابها وعلومها وفنونها
فلنلتفت الآن الى الثقافة الهندية كما تنعكس في الأدب العربي الحديث .
إن ثقافة الهند - علومها وفنونها و آدابها وغيرها من مكونات الحضارة الهندية العتيقة - كانت دائما موضع الاعجاب والتقدير عند كتتاب العربية منذ زمن قديم، وكتبوا عنها كثيراً كما أشرنا اليه من قبل.
وأما في الادب العربي الحديث ، فإن أول كاتب اعتنى بهذا الموضوع بعض الاعتناء هو جرجي زيدان . وهو وإن لم يُجر دراسات مستقلة عن الثقافة الهندية ، فإن تصانيفه مثل "تاریخ آداب اللغة العربية" "وتاريخ التمدن الاسلامي" تتضمن بعض الاشياء التي تتصل بهذا الموضوع . مثلا : حين يتكلم عن الادب العربي في العصر العباسي الاول يذكر الكتب الهندية القديمة في علم الطب وعلم النجوم وعلم الحساب وعلم الموسيقى التي نقلها المسلمون الى اللغة العربية [4]. ويقول إن نحو ثلاثين كتاباً من اللغة السنسكريتية أكثرها في الرياضيات والطب والنجوم والادب نقلت الى العربية في هذا العهد .[5] ونستطيع أن ندرك مدى تأثر العرب بالعلوم الهندية والآداب الهندية ممَّا يقول جرجي زيدان بهذا الصدد : ويظهر ممَّا كتبه المسلمون بعد العصر العباسي في الادب أو الطب أو الصيدلة أو السِّير أنهم اعتمدوا في جملة مصادرهم على كتب هندية الاصل[6].
والدكتور أحمد أمين ، وهو كاتب عربي عصري آخر ، تناول في كتبه الثقافة الهندية القديمة وتأثيرها العميق عند العرب ببعض التفصيل . وقد وضع فصلا مستقلا للثقافة الهندية والآداب الهندية وتأثيرها عند العرب في الجزء الاول من كتابه « ضحى الاسلام[7] ، ويبحث في هذا الفصل عن الفلسفة الدينية ، والتعاليم الرياضية ، والقصص والحكم الادبية ، والشعائر والتقاليد الاجتماعية وغيرها من عناصر الثقافة الهندية بحثا مفصلا ، ويبين كيف أثرت هذه في آداب العرب وثقافاتهم وذابت في المملكة الاسلامية حتى صارت عنصراً هاماً من عناصر تراث العرب العقلي .
طاغور وإقبال :
وعلى الرغم من الصلات الزائدة النامية بين الهند والبلاد العربية في العصر الحديث ومن الحب والاحترام اللذين يكنتهما العرب للهند ، فمن الغريب أن معرفة العرب بثقافة الهند و آدابها وفنونها الحديثة قليلة وتافهة جداً . ولكن رابیندرنات طاغور والدكتور محمد إقبال استثناء لهذا ، لأن العرب لا يعرفون عن أي من رجال الهند البارزين في حقول الفن والأدب والشعر كما يعرفون عن هذين الشاعرين الكبيرين.
ويبدو أن رابيندرنات طاغور حصل على حظوة خاصة ممتازة عند العرب قبل أن يعرفوا شيئاً عن الدكتور محمد إقبال وشعره . فبذلك نرى الاستاذ الكبير أبا الحسن علي الحسني الندوي يشكو بهذه الكلمات حين يتكلم عن دوافع تأليف كتابه « روائع إقبال » : « ... وكان يغيظنا أن طاغور أشهر في الاقطار العربية من اقبال ، واعجاب اخواننا العرب والادباء في مصر وسورية بشعره أكثر ، وكنا نعد ذلك تقصيراً منـا في التعريف بشعر إقبال[8] ۰۰۰). والكتاب المحدثون من العرب مثل الدكتور طه حسين ، وتوفيق الحكيم ، ونجيب محفوظ معجبون بطاغور إعجاباً شديداً .
وفي رأي طه حسين، أن شعر طاغور يتفوق على شعر شعراء العرب المحدثين الكبار مثل شوقي وحافظ ابراهيم والبارودي أو مطران لأن شعر طاغور شعر انساني ، وان شعر شعرائنا شعر أشخاص وظروف . ولطاغور فلسفة كما للمعري وللمتنبي فلسفة . فأين فلسفة شوقي أو حافظ أو البارودي أو مطران[9]. وحسب أهل الهند مفخرة أن الاديب العربي الكبير طه حسين يفضل شاعرهم المحبوب على كبار الشعراء في لغته وأمته ووطنه .
وحتى كاتب اسلامي معاصر شديد التحمس للاسلام مثل محمد قطب لم ينج من التأثثر بهذا الشاعر الهندي الكبير . وفي كتابه « منهج الفن الاسلامي[10]. يقول إن طاغور وان كان هندوكيا راسخ القدم في الهندوكية يلتقي في شعره مع منهج الاسلام الفني في بعض نقاطه مثل مودته وحبه نحو الوجود الكبير والحياة والاحياء وحبه الجميل للانسانية ودعوته الدائمة للسماحة والخير بين الناس ، وانفلاته من ثقلة الضرورة ، وانطلاقه الى عالم الطلاقة والنور . ثم يستشهد الكاتب على هذا ببعض قصائد لطاغور منقولة الى العربية .
وقد نقلت الى العربية رائعة طاغور » كيتا نجلي » . والى جانب هذا كثير من كتاباته ، نثراً وشعراً ، ترجمت الى اللغة العربية ، منها « بين الحب والعبادة وهو ترجمة عربية المسرحية غنائية لطاغور شترا وارجنا عربها مهدي وكامل العبد الله [11]، و طاغور : مسرح وشعر » ، ترجمة يرحنا قمير[12] ، و “مختارات من طاغور” وهو ترجمة لحياة الشاعر وتعريف بأدبه[13] .
والشاعر الهندي الآخر الذي أقبل عليه العرب في العصر الحديث إقبال الود والحفاوة ، كما أشرنا اليه من قبل ، هـو الدكتور محمد إقبال . ولا عجب ، فإن شعره الاسلامي الذي يمتاز « بالطموح والحب والايمان ( كما يصفه السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي[14] .
قد سيطر على مشاعر العرب والمسلمين وأحاسيسهم . والكتاب العرب ، خصوصاً المسلمين منهم ، معجبون بشعره وفلسفته اعجاباً شديداً ، و یوردون أبيات شعره ومقاطيعه في كلامهم وكتاباتهم استشهاداً أو توضيحاً أو تدبيجاً لما يقولون أو يكتبون ، ومحمد قطب،الكاتب الاسلامي المعاصر الذي أشرنا اليه آنفاً يثني في كتابه « منهج الفن الاسلامي » ثناء خالصاً جزيلا على إقبال ويحلل مزايا شعره وفلسفته في أسلوب بديع رائع .
وقد قامت ، حديثاً ، محاولات عديدة لتعريف اقبال وشعره وفلسفته للعرب . ومن أحسن هذه الدراسات عن إقبال « روائع إقبال « للسيد أبي الحسن علي الحسني الندوي . ولم ينقل الاستاذ الندوي في هذا الكتاب بعض أشعار إقبال فقط ، بل تناول فيه دراسة شاملة عن حياة إقبال وثقافته وشاعريته ، ومنتجاته الادبية، والعوامل التي كونت شخصيته ونظرته الى الحضارة الغربية وتصوره عن « الانسان الكامل.
وقد نقل الاستاذ الندوي في كتبه الاخرى مثل « ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين » و « الطريق الى المدينة » أيضاً بعض أشعار إقبال.
ومن العرب الذين حاولوا أن يعرفوا إقبال لمواطنيهم الاستاذ الكبير الدكتور عبد الوهاب عزام . وقد نقل الى العربية كثيرا من شعر إقبال : وظهرت له عدة دواوين في هذه السلسلة . منها ( رسالة المشرق » ، و « ضرب الكليم » و « أسرار خودي » و « رموز بيخودي » و «جاوید نامه[15] (۱) . ولا شك أن عمل الدكتور عبد الوهاب عزام هذا مأثرة أدبية جليلة تستحق كل تقدير وثناء وشكر . ومع هذا نلاحظ هنا أن عمله في ترجمته لشعر إقبال الى العربية ليس خاليا من الضعف . وقد انتقد عليه أن ترجمته لا تعطي صورة كاملة واضحة لفكر إقبال ورسالته ولا تؤثر في نفس القارىء كما يفعل شعر اقبال الاصلي . وسبب هذا الضعف والتعقيد في الترجمة يرجع ، في الاكثر ، الى أن عبد الوهاب عزام ترجم الشعر بالشعر ، وذلك الذي أفقد شعر إقبال قوته وانسجامه وأفقد الترجمة بياءها وتأثيرها .
وإن عدة قصص وروايات هندية عصرية قد اتخذت سبيلها الى اللغة العربية عن طريق الترجمة . ومنها « شـّين » (CHMMEEN) الرواية المليالاية المشهورة لتكزي شو شنكتر بلاي ( Thakazhi Shivashankara Pilla ) عر بها محيي الدين الآلوائي .
دور الصحافة :
وعلينا ألا ننسى السعي المشكور الذي تقوم به الصحافة العربية في تعريف الثقافة الهندية للعرب وترويجها بينهم . وقصب السبق في هذا المجال لـ « صوت الشرق » ، وهي مجلة شهرية ثقافية مصورة تصدر من القاهرة ، وقد دخلت في السابعة والعشرين من عمرها . ومن أهدافها تقديم ألوان الادب الهندي والفن الهندي والسينما الهندية والثقافة الهندية الى قراء العربية . وجنباً الى جنب ، تنشر الآداب والفنون والثقافة العربية . وهكذا ، تهدف الى توثيق الروابط والصداقة بين الشعبين الهندي والعربي . وقد نتج عن هذا العمل المتصل الدؤوب اعداد مجموعة من القصص الهندية صدرت لأول مرة في كتب مستقلة باللغة العربية عن "صوت الشرق ".
والمنشورة الاخرى التي تقوم بمجهودات محمودة في هذا المجال هي "ثقافة الهند" ، مجلة عربية تصدر عن « مجلس الهند للروابط الثقافية ) Indian Council for Cultural Relation بنيودلهي وغرض هذه المجلة أن تعرف العرب بمختلف جوانب الثقافة الهندية كالفنون والآداب والفولكلور الهندي والديانات الهندية والفلسفة الهندية والتصوف الهندي عن طريق تعريب المقالات القيمة الاصيلة للعلماء الثقات في هذه الحقول .
سياسة الهند
ان الاحوال السياسية في الهند كانت دائما موضع الاهتمام والاعتناء عند العرب . لأن الهند والبلاد العربية جميعاً كانت تمر بنفس الادوار التاريخية حول منتصف القرن الحالي . وقضايا الشعبين ومطالبهما و مطامحهما كلها كانت متشابهة متجانسة في هذه الفترة من تاريخهما فمن البديهي أن كل واحد من الشعبين أظهر اهتماماً بالغاً بما يحدث عند الآخر من الحوادث والتطورات .
وكان العرب ينظرون الى حركة الاستقلال الهندية بنظر الاعجاب والتقدير منذ أول عهدها . وكان العالم النابغ والمصلح الاسلامي الكبير السيد جمال الدين الافغاني ( توفي ۱۸۹۷ م ) قد زار الهند ، وقال لأهل الهند هذه الكلمات المشهورة وهو راحل منها : « وعزة الحق وسر العدل أو أن ملايينكم مسخت ذباباً لأخرجت الانجليز بطنينها من الهند . ولو انقلبت سلاحف وخاضت البحر الى الجزر البريطانية لجذبتها الى القاع[16].
مهاتما غاندي والعرب :
والزعيم الهندي الذي نال حظاً أوفر من تعظيم العرب وحبهم هـو مهاتما غاندي. ومن أسباب حفاوته عند العرب تأييده المتصل لقضايا العرب كقضية فلسطين . وكان غاندي يكن الكثير من الاحترام لسعد زغلول باشا الزعيم الوطني المصري الكبير.
ولم يخلص الادب العربي الحديث من التأثر بعظمة غاندي وشخصيته الفذة ، فمثلا المرحوم أحمد شوقي أمير الشعراء قد أعجب بغاندي إعجاباً شديد[17]. وعبر الشاعر عن تقديره له في قصيدة له عنوانها غاندي[18] ، نظمها تحية لغاندي حين مروره بمصر سنة ۱۹۳۱ في طريقه الى مؤتمر المائدة المستديرة بلندن لمفاوضة الحكومة البريطانية، مطلعها:
بني مصر ، ارفعوا الغار
وحيوا بطل الهند
وأدوا واجباً واقضوا
حقوق العلم الفرد
لايرى الشاعر غاندي كأحد من الزعماء السياسيين الذين نعرفهم، بل يرفعه الى درجات سامية فيضعه في زمرة الانبياء والمرسلين ، فيقول:
على إفريز راجبوتا
نا [19]تمثال من المجد
نبي مثل كونفوشيو
س أو من ذلك العهد
قريب القول والفعل
من المنتظر المهدي
شبيه الرسل بالذود
عن الحق وفي الزهد
يب بيه الرسل بالذود
فيقول الشاعر إن تلك القوة الروحية التي جبل عليها غاندي
لا تعطى إلا لذي حظ عظيم ، وإنما تأتي الى الانسان » بتوفيق من الله » و « تيسير من الشعب » ، فلا تحصل بالاسباب المادية والقوة العسكرية ولا بالمال ولا بالكدح والكد .
ولكن هبة المولى
تعالى الله الله للعبــــ
وفي آخر القصيدة ينصح الشاعر غاندي ليكون على حذر ويقظة من مكر الانجليز في مفاوضاته معهم في مؤتمر المائدة المستديرة ،
التي يذهب ليحضرها ، ويطلب منه أن يلاقي الانجليز ملاقاة ( الند للند » ويحبط مكايدهم :
ولاق العبقــريين
لقاء الند للند
وقل هاتوا أفاعيكم
أتى الحاوي من الهند
وقد ألف عن غاندي عدة كتب في اللغة العربية . منها : « غاندي قديس السياسة « لفؤاد محمد شبل[20] . وهذا الكتاب ، على صغر حجمه ، دراسة شاملة لجميع جوانب حياة غاندي وشخصيته وفلسفته وأفكاره . وقد مهد الكاتب كتابه بهذه الكلمات المأثورة عن غاندي : « لا تفاد القوة من القدرة البدنية لكنها تنبع من الارادة ، الارادة التي لا تقهر والتي يجب ألا تخشى سوى الله . إن الطاغية يتدثر بالقوة ويتقلد مظاهر المادة إلا أنه يتجرد من الطاقة الروحية ، انه ليستحيل قهر الروح واخضاعها لإرادة أي مخلوق » .
وقد نقل كتاب غاندي في ترجمته الذاتية My Experiment with Truth إلى العربية بعنوان « في سبيل الحق أو قصة حياتي » عربه الاستاذ محمد سامي عاشور.
جواهر لال نهرو أيضا حصل على حفاوة عظيمة عند العرب . وكثير من الكتاب العرب كطه حسين معجبون به إعجاباً شديد[21] . وقد وضعت عدة كتب عربية عن حياة نهرو وأعماله ، منها كتاب نشر حديثا نهرو - شخصيته من كتاباته » .
وأما أندرا غاندي رئيسة وزراء الهند ، فيبدو أنها ، ولو كانت تنزل منزلة عالية في أعين العرب مثل أبيها ، قد أنزلت بعض الشيء من ذلك المحل الرفيع لما فرضت » حالة الطوارىء » على الهند ، فانتقدها جزء من الصحافة العربية انتقاداً مراً لإعلانها لحالة الطوارىء في الهند وتصرفاتها المريبة في أثناء تلك الفترة ، ومن هذه الصحف » مجلة رابطة العالم الاسلامي » وأسبوعيتها « أخبار العالم الإسلامي.
مولانا محمد علي :
والزعيم الهندي الآخر الذي نزل من نفوس العرب منزلة الحب والحفاوة والتقدير هو مولانا محمد علي، وذكره أيضا أحمد شوقي في شعره[22]. ولما مات البطل الهندي المسلم في سنة ۱۹۳۱ ، رثاه بقصيدة[23] ، أنشدها في حفلة تأبين كبيرة أقيمت له في القاهرة ، مطلعها :
بيت على أرض الهدى وسمائه
الحق حائطه وأس بنائه
ويشير الشاعر الى أن الفقيد دفن في بيت المقدس وفقاً لوصيته قبل موته ، فيخاطب القدس ويطلب منها أن تضم هذا الزعيم الكبير الى حضنها وتكرم مثواه لانه هو « سيف الهند » ، و سيف الله » وبطل كبير قام بحقوق الشرق والاسلام ومصالحهما :
يا قدس، هيىء من رياضك ربوة
لنزيل تربك ، واحتفل بلقائه
هو من سيوف الله جل جلاله
أو من سيوف الهند عند قضائه
فتح النبي له مناخ براقه
ومعارج التشريف من إسرائه
بطل حقوق الشرق من أحماله
وقضية الاسلام من أعبائه
ويرى الشاعر أن محمد علي ليس غريباً في القدس ، بل هو من أبنائه بسبب خدماته الجليلة للاسلام والمسلمين :
نم في جوار الله ما بك غربة
في ظل بيت أنت من أبنائه
وهذا التشريف العظيم ، أي دفنه في بيت المقدس ، استحقه الفقيد كل استحقاق لأنه ، كما يقول الشاعر ، كرس حياته لنصرة القضايا العربية والاسلامية والجهاد في سبيلهما :
قد عشت تنصره وتمنح أهله
عونا ، فكيف تكون من غربائه ؟
المسلمون في الهند والثقافة الاسلامية والعربية فيها
لاتزال الهند مأهولة بشعب مسلم قوي في دينه غني بعلمه وبرجاله وتراثه الثقافي وهم يكونون أقلية ذات شأن وخطر في الهند تعتز بخدماتها الجليلة لوطنها منذ ألف سنة . ولكن ، من المؤسف أن العرب وجلتهم مسلمون لا يعرفون كثيرا عن اخوانهم في بلاد الهند وتاريخهم وأحوالهم . فلذلك أصبح أدبهم الحديث ناقصاً بالنسبة لهذه الناحية .
ونذكر بهذا الصدد السعي المشكور الذي قام به المرحوم العلامة السيد عبد الحي الحسني مدير ندوة العلماء الاسبق ( م ١٣٤١ هـ ) وهو أبو الاستاذ الكبير أبي الحسن الندوي . فقد ألف في تراجم أعيان الهند كتابه المشهور « نزهة الخواطر » في ثمانية مجلدات ضخمة تشتمل على نحو خمسة آلاف ترجمة ، وفي تاريخ الهند العلمي والتعليمي « عوارف المعارف « الذي أصدره المجمع العلمي بدمشق باسم « الثقافة الاسلامية في الهند » . ولكتب السيد عبد الحي الحسني فضل عظيم في تعريف تاريخ مسلمي الهند وأحوالهم وتراثهم الثقافي والعلمي لإخواننا العرب.
واتتبع خطوات هذا الاب الجليل ابنه الألمعي النابغ الأستاذ الكبير أبو الحسن علي الحسني الندوي . ومن عادته أن ينتهز كل فرصة ، سواء كان خطبة أو كتابة ، كي يشيد بذكر مسلمي الهند وتراثهم الغني في مجالات مختلفة . وكتابه "المسلمون في الهند"[24] دراسة شاملة لتاريخ المسلمين في الهند وأحوالهم الدينية والاجتماعية والسياسية والثقافية .
ومن الجانب العربي ، بذل بعض الادباء والكتاب الكبار جهدهم التعريف مسلمي الهند وأحوالهم لمواطنيهم ، ومنهم الاستاذ عبد المنعم النمر الذي ألف كتاب « الاسلام في الهند » ، وهو أول كتاب يصدر في الشرق العربي في هذا الموضوع ويسده عوزاً كبيراً في المكتبة العربية .
ومنهم أيضاً الاستاذ علي الطنطاوي كتب عدة مقالات عن المسلمين في الهند وتاريخهم وأحوالهم ، منها « الفردوس الاسلامي في قارة آسيا » مقالة كتبها في مجلة «المسلمون»[25] ،على أثر زيارته للهند ، ويستعرض فيها الكاتب تاريخ الهند الاسلامي وملوكها المسلمين خلال العصور. وفي كتاب علي الطنطاوي "رجال من التاريخ" أيضا ذكر لبعض نوابغ المسلمين في الهند .
والمصلحون الاجتماعيون والدينيون والتعليميون من مسلمي الهند مثل سير سيد أحمد خان والسيد أمير علي نالوا اعتناء عند بعض الكتاب والادباء في الادب العربي الحديث ، مثلاً ، يبين جرجي زيدان في كتابه تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر خدمات سيد أحمد خان في النهضة العلمية الاخيرة في بلاد الهند[26] . ويذكره أيضا الدكتور أحمد أمين في كتابه « زعماء الاصلاح » .
ومن المعروف أن الأمة المسلمة في الهند لها يد بيضاء في الآداب العربية . وقد ألف أدباؤها وعلماؤها وكتابها كتباً عربية لا يحصى عددها تتناول مختلف نواحي الآداب العربية والاسلامية . ومن بواعث الحزن والاسف أن معرفة العرب بمساهمة مسلمي الهند في الادب العربي ضئيلة . وباستثناء ما كتب المرحوم السيد عبد الحي الحسني ، والسيد أبو الحسن علي الحسني الندوي ، والدكتور مقبول أحمد في مؤلفاتهم العربية عن الثقافة العربية والاسلامية في الهند واسهام مسلمي الهند في الآداب العربية ، لم تقم محاولة مذكورة لتعريف هذا الموضوع للعرب ، وأذكر هنا ، بهذه المناسبة ، مقالة قيمة قد نشرت حديثاً في مجلة مجمع اللغة العربية [27]، بدمشق بعنوان نظرة اجمالية في حركة التأليف باللغة العربية في الهند "للدكتور جميل أحمد من جامعة كراتشي" . وهي محاولة طيبة مشكورة لابراز مساهمة مسلمي الهند في التأليف في اللغة العربية خلال. العصور على نحو موجز.
ولا ننسى هنا الخدمات الجليلة التي تؤديها بعض المنشورات الدورية العربية التي تصدر من الهند لترويج ثقافة الهند الاسلامية والعربية ، منها "البعث الاسلامي" مجلة شهرية ، و "الرائد" نصف شهرية كلاهما يصدر من دار العلوم بندوة العلماء بلكهنو ، و "الداعي" نصف شهرية يصدر عن الجامعة الاسلامية دار العلوم بديوبند ، و الدعوة من دلهي. وجدير بالذكر أن المسلمين في جنوب الهند لهم مساع مشكورة في مجال النشاطات الدينية والادبية والثقافية والاجتماعية . ولكن ، لسوء الحظ ، لا تنال هذه النشاطات في جنوب الهند ، خصوصاً في ولاية كيرالا Kerala ، شهرة تستحقها . وإن معرفة العرب بنشاطات مسلمي الهند تقتصر على شمال الهند ، ولا تتجاوزها الى جنوبها ، وهم لا يعرفون شيئاً مذكوراً عن الخدمات الجليلة التي يقوم بها مسلمو كيرالا وسائر جنوب الهند في مختلف مجالات الثقافة الاسلامية والعربية . ومن يستطيع أن يُنكر المساعي الجليلة الضخمة التي يتولاها مسلمو كيرالا ومنظماتهم (Muslim Educational Society) المختلفة كجمعية "تعليم المسلمين" و "ندوة المجاهدين بكيرالا" ، و "الجماعة الاسلامية الهندية بكيرالا" . واتحادات معلمي اللغة العربية في الحقول الثقافية والادبية والاجتماعية والتعليمية والدينية ؟
ولابد أن ينتهي هذه الاهمال ويملأ هذا الفراغ . وإني أرجو من كتتاب العربية في الهند والبلاد العربية أن يلتفتوا بأنظارهم الى هذا الجانب المغفل و يسدوا هذا الفراغ بمجهوداتهم الأدبية .
المصادر والمراجع (حاشية سفلية)
[1] الدار المتحدة للنشر ، بيروت ، ١٩٧٤
[2] العلاقات العربية الهندية ، للسيد مقبول أحمد ، ترجمة نقولا زيادة ، ص ٢٢٤
[3] الجزء الرابع ، المجلد الخمسون، شوال سنة1395هـ ، تشرين الأول سنة م 1975 ، 777-805 ص
[4] انظر ص ٣٣٦ و ۳۳۷ من « تاریخ آداب اللغة العربية، تأليف جرجي زيدان دار مكتبة الحياة ، بيروت.
[5] الكتاب نفسه ، ص ۳۳۸ ۰
[6] تاريخ التمدن الاسلامي ، تأليف جرجي زيدان مطبعة الهلال ، سنة ۱۹۳۱ ، الجزء الثالث ، ص ۱۹۸
[7] انظر ضحى الاسلام ، تأليف أحمد أمين ، الطبعة العاشرة ، دار الكتاب العربي بيروت ، ص ٣٣٩ وما يليها
[8] روائع إقبال للسيد ابو الحسن علي الحسني الندوي ، دار الفتح للطباعة والنشر ، بيروت، الطبعة الثانية ، ۱۳۸۸ هـ - ١٩٦٨ م -
[9] المجموعة الكاملة لمؤلفات الدكتور طه حسين ، المجلد الثاني عشر - علم الادب- القسم الاول - دار الكتاب اللبناني - بيروت، الطبعة الاولى ١٩٧٤ ، ص ٤٦٤ ٠ ه
[10] منهج الفن الاسلامي ، لمحمد قطب، دار الشروق ، ۱۳۹۳ هـ - ۱۹۷۳ م ، ص ۲۹۲ ، ۲۹۳
[11] نشرة دار الكتاب اللبناني ، بيروت .
[12] نشرة دار الشروق ، بیروت ، ١٩٦٧
[13] وقام الاستاذ بديع حقي بترجمات رائعة لروائع طاغور - - لجنة المجلة .
[14] روائع إقبال» للسيد ابو الحسن علي الحسني الندوي ، ص ٦ .
[15] صدر عن اقبال كذلك في سورية كتاب باسم ذكرى محمد اقبال ضم الكلمات التي قيلت في حفل أقيم في ١١ حزيران ١٩٦٤ كتب مقدمته الدكتور الزميل عبد الكريم اليافي عضو مجمع العربية وبعد كلمات الدكتور اسعد النص وزير الثقافة آنذاك ، والدكتور جورج طعمه ، والاستاذة سمر العطار والشاعر عبد الرحيم الحصني ، وفي سنة تالية كتب الدكتور اليافي مقالة في مجلة اللغة العربية ( مج ٥٤ ج ٣ ( بعنوان محمد اقبال فيلسوف الذات وشاعر الفن . هذا وللدكتور احسان حقي كتابات كثيرة عن اقبال “ لجنة المجلة”
[16] تاریخ الادب العربي لأحمد حسن الزيات ، بیروت ، لبنان ، ص ٤٤٠ الطبعة السادسة والعشرون ، دار الثقافة بيروت لبنان ص '440
[17] انظر تفاصيل هذا في مقالة هذا الكاتب بعنوان أحمد شوقي وحركة الاستقلال الهندي . نشرتها . ثقافة الهند مجلس الهند للروابط الثقافية ، نيودلهي ، المجلد ٢٦ ، العدد ۲-۱ ، ۱۹۷۰ ، ص 46-37
[18] الشوقيات، المكتبة التجارية الكبرى ، الجزء الرابع ص ٨٥٨٣
[19] راجبوتانا» اسم الباخرة التي أقلت غاندي من الهند الى لندن
[20] نشرته الهيئة المصرية العامة للكتاب ، ١٩٧٤
[21] العلاقات العربية الهندية ، للدكتور مقبول احمد ، تعريب نقولا زيادة ، ص۲۲۸
[22] انظر تفاصيل هذا في مقالة هذا الكاتب بعنوان أحمد شوقي وحركة الاستقلال الهندي في مجلة : ثقافة الهند المشار اليها من قبل ۰۱۳
[23] الشوقيات، الجزء الثالث ، ص ۱۲ ، ۰۱۳
[24] نشرته مكتبة دار الفتح بدمشق.
[25] العدد الخامس من المجلد الرابع نقلا عن « مختارات من أدب العرب ، للاستاذ أبي الحسن علي الحسني الندوي ، الجزء الاول ، ص ١٥٠ وما يليها ٩
[26] و تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر ، الجرجي زيدان ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، الجزء الثاني ، ص ٨٤-٩٣
[27] الجزء الثاني ، المجلد الخمسون ، ربیع الاول ۱۳۹۵ هـ ، ابریل ۱۹۷۵م
0 تعليقات
أكتُبْ تعليقا