دراسات وأبحاث :
بقلم : البروفيسور محمد اجتباء الندوي (نيو دلي الهند/ توفى صاحب القلم رحمه الله يومَ الجمعة : 15/6/1429هـ الموافق 20/6/2008م عن 76 من عمره )
يشرفني بأن أتقدم بأجمل تحية وأجزل شكر إلى كلية الآداب بجامعة الكويت وعميدتها الفاضلة المؤرخة الأديبة الدكتورة الأستاذة ميمونة الخليفة الصباح المكرمة وزملائها الأكارم على عقد مؤتمر عالمي عظيم حول موضوع جديد بكر : (الأدب والثقافة العربية في الهند وإيران في دولة الكويت العظيمة الراعية للعلم والثقافة والأدب والفكر والمعرفة والحكمة والحضارة ، وقد قطعت أشواطاً بعيدة المدى في إنجازات قيمة وعطاءات ثمينة غالية بثمار يانعة وقطوف دانية ، وهي على الدرب سائرة نحو التقدم والتنور والإبداع والتطور يبشر بالمستقبل الزاهر الوضاء ، فالله يرعاها ويكلل جهودها بالتوفيق والنجاح والسداد .
سادتي الحضور الكرام والوفود والمندوبون الأعزاء :
موضوع المؤتمر جميل جليل وشيق عظيم ولكنه طويل عريض ، فالهند وحدها قدمت في مدى عمرها الألف عام أو أكثر في مجال التفاعل الثقافي الهندي العربي إنتاجات كثيرة متنوعة تبلغ آلافا من الكتب تحقيقاً وتأليفاً وشرحاً وإعداداً في الأدب والثقافة العربية الإسلامية ولا تزال نشيطة متحركة فعالة في دورها ودوائرها ومنتدياتها ومراكز بحوثها وجامعاتها فلم تنقطع ولم ينضب معينها ، ولا يمكن لشخصي الضعيف قصير الباع وقليل الزاد بأن يقدم بين أيديكم كل ما أنجزت الهند متفاعلة تفاعلا أدبيا وثقافياً مع العرب من التراث الأدبي والثقافي ولكن سأوجز في مقالتي هذه المتواضعة القصيرة ما قدمت الهند في مجال الثقافة والأدب بداية من عصرها العربي الأول إلى يومنا المعاصر ما أمكن بإذن الله تعالى ، نحن نعلم بأن الصلات بين العرب والهند قديمة قدم التاريخ ، وإذا أنعمنا النظر على الروايات التاريخية القديمة التي وردت في بعض كتب التاريخ غير الموثقة تحقيقاً ودراسة ، فتكون قد توثقت هذه الصلات منذ أن وطأت قدم أول إنسان آدم عليه السلام هذه البسيطة ، مهما كان الأمر ، فلا يشك فيه اثنان بأن الهند والعرب بلاد بجاورة يحول بينهما البحر فحسب فوقه طرقات واسعة وسبل واضحة تربط بعضها بعضا ، وكانت الملاحة والسفن الشراعية قد جعلت مواطني هذه البلدان المجاورة يتفاعلون بعضهم البعض ويتبادلون القدرات الفنية والمهارات البحرية في الاطلال على ما تحوي من الكنوز والذخائر والنفائس وكل ما ينفع بني آدم ، ويتعاونون في توثيق الصلات التجارية ، بله المعلومات اللغوية والثقافية ، ليست بين الهند والعرب وحدهم بل امتدت شرقاً إلى الصين وغربا إلى أوربا ، وكان الملاح العربي مسيطرا على البحار بسفنه الشراعية والبواخر التي كان يسميها ( بوارج) مفردها (بارجة) وهي كلمة هندية كما أثبت أبو ريحان البيروني (1) .
إن أصلها ( بيره) والعرب يستبدلون (ه) ب (ج) ، وكان العالم الجليل محمد الخوارز مىقد شرح نظام الهندسة الهندي وأوضحه في اللغة العربية ، وترجمت بعض الك ، السنسكرية إلى اللغة العربية يجنب كتاب كليلة ودمنة نقله إلى اللغة العربية عبد الله بن المقفع، ودخلت ألفاظ كثيرة في اللغة العربية بواسطة التجار والسياح العرب والهنود نحو : (قرنفل وفلفل وهيل وزنجبيل وجائفل ونارجيل وليمون وتنبول وصندل ومسك وأمثال ذلك ، وقد ذكر بعض العلماء العرب أن (طوبى) الذي ورد في القرآن الكريم هو هندي الأصل ، والسيف العربي (مهند) كان يصنع من الحديد الصلب الذي كان يستورد من الهند ، وكان العرب يسمون بناتهم (هند) ، وكان شعراء الغزل والنسيب يلقبون حبائبهم ومعشوقاتهم المتخيلة ( بالهند) ، وكذلك انتقلت كلمات عربية سمعها التجار الهنود من أفواه العرب إلى اللغة الهندية وفيما بعد إلى اللغة الأردية أمثال : ( رسالة ، خطاب ، خطبة ، كلام ، روح ، مزاج ، مستقل ، زيادة ، طبيعة ، وفاء ، إخلاص ، رفيق ، صديق ، كتاب ، قلم ، مكتب وغير ذلك ، وتأثرت لغة الهند بتعابير وأساليب عربية وبخاصة في جنوب وغرب الهند كيرالا وغجرات والسند) وأكد بعض المؤرخين أن العرب حينما توجهوا إلى الهند ووصلوا إلى شاطئه الجنوبي كيرالا شاهدوا فيها الماء والخضرة والأرض الخصبة فسموها (خير الله) وتحولت فيما بعد على ألسنة عامة الناس إلى كيرالا (۲) .
كانت هذه القوافل العربية الهندية تمر بطرق ثلاثة :
١ من الهند بطريق حضر موت إلى أوربا .
۲ ومن ولاية السند بطريق نهر فرات مرورا بأنطاكية والميناء الشرقي لبحر الروم إلى بلاد العرب
٣ تسير عن طريق العراق وسورية إلى ميناء الإسكندرية ومنها إلى الغرب
وكانت تنقل العقاقير والأقمشة والبهارات والعطور وأدوات الحرب والحوائج الأخرى من الهند والصين والبلاد العربية إلى أوربا وعلى العكس ، وكانت سوق دبا وسوق صحارا من الأسواق العالمية الكبرى يفد إليها التجار من كل أنحاء العالم وبخاصة تجار الهند والصين ، يقول العلامة السيد سليمان الندوي في كتابه القيم : (الصلات بين العرب والهند " يكون قاطنو شواطئ البحار تجارا بالطبع ، وهذه هي الصلة الأولى التي ربطت بينهما العرب والهند) بوشائج وثيقة ، فإن التجار العرب بدؤا ينزلون على شواطئ الهند قبل آلاف من السنين ، وينقلون البضائع التجارية والإنتاجات عن طريق مصر وسورية إلى أوربا ومنها إلى الهند وجزر الهند والصين واليابان " (۳) .
وكان طبيعياً أن تتبع هذه الصلات التجارية علاقات ثقافية ولغوية وأدبية كما ذكرنا ، وبقيت هذه الأواصر تنمو وتزدهر وتترعرع إلى أن انبثق نور الإسلام و أضاء شواطئ الهند وولاياتها الساحلية مثل كيرالا في الجنوب والسند وغجرات في الشمال والغرب في العصر النبوي الكريم بواسطة هؤلاء التجار، واستأنست الهند وتعارفت بدعوة الإسلام منذ فجر تاريخ الإسلام ، ودخل الزوار والسياح العرب إلى هذه المناطق فسعدت بالإسلام وتشرفت بدعوته قبل أن تدخل الجيوش العربية الإسلامية إليها ، فقد ذكر أبو حنيفة الدينوري أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الله سأل سائحا عربياً عن الهند فعرفها بكلمة صغيرة جامعة : (بحرها) در وجبالها ياقوت وشجرها
قم بتحميل الملف لقراءة بقية البحث
0 تعليقات
أكتُبْ تعليقا