أبو الحسنات عبد الحي الفَرَنْجِي المحلي وأعماله في الحديث النبوي والفقه الحنفي
بقلم الأستاذ أبو الكلام القاسمي( محاضر ضيف وباحث الدكتوراه بقسم اللغة العربية وآدابها الجامعة العالية، بكولكتا، الهند.)
مجلة الداعي، المحرم – صفر ١٤٤٠ هـ = سبتمبر - نوفمبر ۲۰۱۸م، العدد: ١-٢، السنة: ٤٣
الهند من بلاد الله السعيدة التي دخلت فيها اللغة العربية قبل مجيء الإسلام كما هَبَّتْ عليها نفحةٌ من نفحات الإسلام في فجر تاريخ الإسلام وأدركتها العناية الإلهية في القرن الأول من الهجرة، فلم تَزَل محط رجال المسلمين من الغزاة والفاتحين، والعلماء، والصالحين حتى أشرقَتْ أرضها بنور الإسلام، وتَنَوَّرَتْ رُبُوعُها بخيرة العالم الإسلامي، وأنجبت رجالا ، هم تَحَاسِنُ الدنيا و نُجومُ الأرض، ومَفَاخِرُ المسلمين جميعا، فضلًا عن مسلمي الهند، وإن مساهماتهم في مجال العلوم الإسلامية واللغة العربية تفوق على جميع الشُّعُوبِ غير العربية في العالم. وبعض أولئك العلماء أبدعوا بمعارفهم العلمية والأدبية، ونالوا بذلك تقدير المؤرخين والعلماء المشهورين في العالم فمنهم العلامة عبد الحي لفرنجي المحلي رحمه الله
هو فخر المتأخرين، ونادِرَةُ المحققين المصنفين، والمحدث الفقيه، الأصولي ، المنطقي، المتكلم، المؤرخ ، البحاثة ، النقادة، الإمام الشيخ أبو الحسنات محمد عبد الحي بن العلامة المحقق الإمام الشيخ محمد عبد الحليم الأنصاري اللكنوي الهندي (١) ، وينتهي نسبه إلى الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه (٢) .
ولد الشيخ عبد الحي ببلدة باندا في أترا براديش يوم الثلاثاء ٢٦ من ذي القعدة سنة ١٢٤٦ هـ، وبدأ حفظ القرآن الكريم حين بلغ الخمس سنين، وفرغ من حفظه وهو ابن عشر سنين، وقد منحه الله منذ نشأته قُوَّةَ الحِفْظِ الوَاعِية حيث قال الإمام عن نفسه : رُزِقْتُ قُوَّةَ الحفظ من زمن الصبا، حتى إني أحفظ جميع وقائع قراءة الفاتحة، حين كان عمري خمس سنين؛ بل أحفظ ضربة وقعت بي حين كان عمري ثلاث سنين فقط (۳). وقرأ بعض الكتب الفارسية والإنشاء والخطّ وغير ذلك على والده العطوف خلال حفظ القرآن الكريم كما قرأ على والده الذي كان مدرسًا بمدرسة الحاج إمام بخش في «جونفور) جميع الكتب المدرسية في الفنون المختلفة مثل : الصرف والنحو، والمعاني، والبيان، والمنطق، والحِكْمَة، والطب، والفقه، وأصول الفقه، وعلــم الكلام، والحديث وأصول الحديث، والتفسير وأصول التفسير وما إلى ذلك، وقد أكمل الشيخ هذه الفنون حين كان عمره سبع عشرة سنة، وقرأ كتبا عديدة في العلوم الرياضية على خاله وأستاذه مولانا محمد نعمت الله كما تعلم الحساب من أرْشَد تلامذة والده المولوي محمد خادم الحسين المظفر بوري العظيم آبادي.
وقد ألقى الله في قلبه من مُسْتَهَل شبابه مَحَبَةً التدريس والتأليف، فلم يقرأ كتابًا إلا درسـه بعـد قراءته، فحصل له من ذلك التمكن من العلوم و الملكة في الفهم والعلم حتى كان يقرأ الكتب التي لم يقرأها على أستاذ ككتاب شرح الإشارات للطوسي، وقانون الطب»، و «علم العروض وغيرها.
وذاتَ مَرَّةٍ رأى في المنام المحقق نصير الدين الطوسي مؤلف التذكرة» و «التجريد» و «تحرير أقليدس» وغيرها وسأله عن أشياء فأثنى عليه الطوسي باشتغاله بالعلوم وأظهر الفَرَحَ والسرور كأنه كان يبشره بحصول الكمال في العلوم المختلفةِ ثم ألقى الله في قلبه محبة التدريس والتصنيف (٤)
ويقول الباحث الكبير الشيخ عبد الفتاح أبو غدة: «ولقد آتاه الله تعالى ذوقا مرهفا، وحسا علميا نقيا، ودقة نادرة في الفهم، وقوّةً بالغةً في الحفظ، وقدرةً عجيبة على التأليف بأسرع وقت وأنصع أسلوب، حتى إنك لا تكاد تلمح في كلامه مَسْحَةُ العُجْمَة وهو هندي الدار والمولد واللغة، ولا يمكن أن تشك مرةً واحدةً في ذوقه فيما يكتب أو ينقل أو يناقش .... ويتجلى لك من أسلوبه الالتزام بالأدب، وتحكيم العلم في ميدان المناقشة، لا السَفْسَطَة والإقذاع»(٥).
و يقول العلامة عبد الحي الحسني في نُزْهَة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر»: «كان الإمام خطيبا مصقعا، متبحرا في العلوم معقولا ومنقولا، مطلعا على دقائق الشرع وغوامضه، تبحر في العلوم، وتحرّى في نقل الأحكام، وانفرد في الهند بعلم الفتوى، وكان له في الأصول والفروع قوة كاملة، وقدرة شاملة، وفضيلة تامة وإحاطة عامة، وفي حسن التعليم صناعة لا يقدر عليها غيره، وكان إذا اجتمع بأهل العلم وجَرَتِ المباحثة في فن من فنون العلم لا يتكلم قط؛ بل ينظر إليهم ساكتا، ثم يتكلم بكلام يقبله الجميع ويُقنع بـه كـل سـامع، والحاصل أنه كان من عجائب الزمن ومن محاسن الهند، وكان الثنـاء عـلـيـه كـلـمـة إجماع والاعتراف بفضله ليس فيه نزاع» (٦).
وقد خلف لنا الإمام عبد الحي الفرنجي المحلي كتبا عديدة في فنون مختلفة. وهذه المؤلفات القَيِّمَة تدلُّ على عُلُوّ كعبه في العلوم والمعارف، فمن
مؤلفاته المهمة في الحديث:
الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة
فرغ الإمام عبد الحي من تأليف هذا الكتاب في رجب سنة ١٣٠٣ للهجرة، وكان يريد تأليف كتاب شامل في الأحاديث الموضوعة ولكن أوجزه ببعض الأسباب والعلل المجهولة على الأحاديث المتعلقة بالصلاة فقط.
وذكر الإمام في سبب تأليف هذا الكتاب أنه جَرَتْ بينه وبين بعض أعزائه مناقشة ومناظرة لطيفة حول فضائل يوم عاشوراء في ١٣٠٣ للهجرة، ثم سأله بعض الناس عن كمية وكيفية صلاة يــوم عاشوراء وما كُتِبَ عليها من ثواب وجزاء، فكان جواب الإمام عبد الحي أنه لا توجد في أية روايةمحكمة موثوقة كمية الصلاة المعينة أو كيفيتها في هذا اليوم، وكل ما يُذكر إنما هو شائعات وضعية ليست لها حقيقة واضحة في أصول الدين الإسلامي (۷)، وفي نفس الحين أراد الإمام أن يؤلّف رسالةً خاصةً في الأحاديث الموضوعة، فألف هذا الكتاب واقتصر على الأحاديث الموضوعة في صلوات أيام السنة ولياليها موضحا اختلافها ووضعها ليتنبه به العلماء والدارسون ويستفيدوا منه استفادة تامة. وطبع هذا الكتاب في عدة بلاد أخرى غير الهند منها باكستان وبيروت كما حقق وعلّق عليه أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول، وطبع بدار الكتب العلمية ببيروت سنة ١٤٠٥ للهجرة / ١٩٨٤م.
ويستهل المؤلف هذا الكتاب كعادته في بقيّة مؤلفاته بالحمد والثناء في أسلوب مؤثر رصين ثم يذكر سبب تأليفه ثم يتحدث الإمام عن الأحاديث التي يظن أنها موضوعة في بعض كتب أئمة الصوفية مثل الإمام الغزالي والشيخ عبد القادر الجيلاني وغيرهما ثم يذكر أقسام الوضاعين وأنواعهم موجزا والتي يبلغ عددها إلى سبعة، ثم يستعرض أغراض الوضاعين ودوافع وضعهم فيوزّع هذه الأسباب في ثمانية أقسام مع تحليل وتوضيح شامل ثم يبين الصلوات المختلفة في أيام السنة مثل صلاة ليلة البراءة والقضاء العمري في رمضان وصلاة ليلة عيد الفطر وصلاة ليلة النحر وصلاة عاشوراء مع ذكر الأدعية المخصوصة وأقوال العلماء حول هذه الصلوات وما إلى ذلك.
ويكشف العلامة عبد الحي في هذا الكتاب ثمانية أقسام من الوضاعين ثم يعرض كل قسم منها منفصلا بالشرح الوافر على نحو ما يلي:
النوع الأول قوم من الزنادقة وهم يقصدون إفساد الشريعة وإيقاع الفساد في الأمة. وقد شبههم اللكنوي باليهود والنصارى الذين أحرقوا الكتب الإلهية، والنوع الثاني هم قوم يقصدون وضع الأحاديث زهوا وتأييدا لمذاهبهم. وقد حلل ذلك المؤلف بتحليل بسيط وأمثلة وافية. والنوع الثالث قوم يضعون الأحاديث ترهيبا وترغيبا ليحثوا بها الناس على الخير والصواب وقد شرحهم بأمثلة كثيرة. والنوع الرابع قوم استجازوا وضع الأسانيد لكل كلام حسن ظنا منهم أن الحسن كلـه أمــر شرعي، ولا حاجة لنسبته إلى الرسول . والنوع الخامس قوم حملهم على الوضع غرض من أغراض الدنيا كالتقرب إلى السلطان أو تحصيل الثروة أو نيل الشهرة والصيت وغيرها. والنوع السادس قوم حملهم على الوضع التعصب الديني والتجمد التقليدي والنوع السابع قوم حملهم على الوضع عشق الخلق وجنونه الذي أعماهم وأصمهم تماما، ومن أمثالهم قوم وضعوا الأحاديث عن أهل البيت. والنوع الثامن قوم وضعوا الأحاديث بهدف الإعجاب والإغراب وهذا النوع يحوي كثيرا من أقسام القصاصين والوعاظ (۸).
الأجوبة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة
هذا كتاب ألفه العلامة عبد الحي في ذي الحجة من سنة ۱۲۹۱ للهجرة، وقد نشر عدة مرات في الهند، كما طبع أولا بالمطبع المصطفائي بلكناؤ سنة ١٢٩٩ للهجرة، ثم حقق وعلّق عليه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، ونشر بمكتب المطبوعات
الباقي للتحميل
0 تعليقات
أكتُبْ تعليقا