ادعمنا بالإعجاب

مساهمات علماء كيرالا في الشعر العربي

 محمد شاه جهان

جامعة دار الهدى الإسلامية، بنغال الغربية

Mdsahajahan27092@gmail.com

  من الأمور التي لا ينكرها الصبيان أنّ الشعر العربي روضة من رياض الأزهار التي تتفتح فيها نورات النبات والشجر  متشعبة، وتدوم  متفتحة مخضرة عند الشعراء الفصحاء، والشعر العربي قد حلّ مرتبة عليا في نفوس جميع الشعراء في تلك المنطقة العظيمة، فقد اهتمّ به المتقدمون اهتمامًا بالغًا واقتداهم المتأخرون باستخدام هذا الفنّ بالكتابة والخطابة، ولا تزال المناهضة على الشعر العربي طفرة سائدة يوما فيومًا، إنّ الأدباء والفصحاء يعرفون الشعر العربي حقّ المعرفة.

  وقد ذاع صيت اللغة العربية في الزوايا المتنوعة والنواحي المتشعبة حتى في العَالم كله صاحبة الجلالة التي ملكت زمام اللغات والألسنة، وإنّها تشرّت بشفة خير من نطق بالضاد، وكان النبي صلى الله عليه وسلّم يفتخر بكونه أفصح الناس وأبلغ فيها، كما قال : أَنَا أَفْصَحُ من نطق بِالضَادِ بيد أني من قريش[1].

     ممّا لا ينكره الصبيان أنّ الشعر العربي قد وقع من بين أوراق التاريخ على فنّ مشهور من الفنون الأدبية، وقد اختاره كثير من الأدباء الفصحاء والبلغاء، والشعراء القدماء والحدثاء لأسلوبه بديعًا ونظامه رائعًا. أنا مستحق بالذكر أن شعراء كيرلا قد قرضوا أشعارهم في الأوزان الخليلية كلها من بسيط وطويل ورمل ووافر وغيره. وقد أخذوا الأشعار قديما لذكر حوادثهم اليومية ولتقليد علومهم الدينية في العربية، وشعراء كيرلا كأنهم ياقوت مرجان يُبلجون بقعة كيرلا تلألأ.


     إنّ العلماء العباقرة والأدباء الجهابذة قد اختاروا اللغة العربية وسيلة أساسية لتعبير أفكارهم وظنونهم، وطموحاتهم وعواطفهم بين أيدي المجتمع، ذا هو البرهان اللامع والدليل الساطع على أنّ أهل كيرلا له شغف باللغة الضاد، وعلى أن هذه اللغة العربية تتداول وتسيد ميادين الحياة قاطبة ويستخدمها أصحاب الأرض في ظمئ حياتهم.

    إنّ اللغة العربية كشجرة خضري لها أغصان متشعبة، لو رأينا إليها وجدنا أنّ لها أوراق بديعة يحسن شكلها، كذا للشعر العربي فنون متنوعة ومنها الشعر العربي يتزيّن اللغة العربية بإحاطتها في الزينة، ويشكلها بأحسن الصورة، والشعر العربي له القواعد الكتابية والقوانين الرسميّة، فنتيجة هذا الإحتكاك والتبادل اللغوي أخذ الناس يقرضون شعرًا متنوّعًا على الطرق الرسميّة.  

ارتباط العرب مع العجم[2] في اللغة العربي: رحلات الصحابة الدعوية

   هناك عدي د من الحجج التاريخيّة على أنّ ولاية كيرلا كانت لها علاقة عميقة وارتباط قوية مع العرب منذ بداية الزمان وقديم الآوان بالشعر العربي. إن كيرلا هي البقعة الأولى في الهند التي وطأتها أقدام العرب، وهي تعتبر البوابة الرئيسية التي دخلوا منها.

    الشعر العربي من الفنون الأدبيّة، وهو فنّ قديم يعرفونه أهل العرب متلازم الشعور، ينظمون النظم ويقرضون الشعر منذ عصر يرجع إلى ما قبل الإسلام بفترة طويلة، وذاع صيت هذه الفترة في تاريخ الأدب العربي بالعصر الجاهلي، وقد ورثت هذه الوراثة أهل كيرلا تاما. وقد أقاموا الأشعار محلّ دمائهم، ووضعت القصائد موضع لحومهم وجعلتهم البداوة في صنّاع الشعر العربي الممتّع.

    ومن الحقائق الغضّة الناصعة أنّ هذه اللغة انتشرت في الهند بسرعة مدهشة نتيجة رحلات الصحابة الدعوية المخلصة إلى مناطق بعيدة في مختلف الأقطار والقارات، وانتشرت هذه اللغة في الهند بسبب علاقة المسلمين معها، ومن بلاد التي نشأت فيها هذه اللغة في وقت مبكرٍ ولاية كيرلا، التي تقع في منطقة ساحلية في جنوب الهند يتكلمون اللغة المليبارية[3].

    وأما اللغة العربية فهو جاء في الهند خاصة في بقعة كيرلا عن طريق التجارة أولًا ثم بواسطة الملوك، ولا تزال تبلغ ذه اللغة  إلى صدور أهلها بعدما اعتنقوا الإسلام حتى قرضوا الأشعار وألفوا الدواوين في هذه اللغة المقدسة الطاهرة عندهم، وإن الشعراء العرب أيضًا نظموا تجارتهم عن الهند في شعرهم.

     إنّ كيرلا أصغر ولاية من أكثر ولايات الهند ولكنّها أكبر شهرة وأكثر رفعة في بلاد العرب، إنّ جميع من اللغات لم يصل منها شيء إلى القرن الخامس عشر بل الشعر العربي وتاريخه كانا مخفيين من أعين الناس من قبل هذا العصور. وقد انجبت من الشعراء والكتّاب الذين عبروا عن أفكارهم و عواطفهم في العربيّة نظمًا ونثرًا، والولايات غيرها قد أدبروا إلى تنمية وترقية الشعر ولكنّ ولاية كيرلا قد سبقت الولايات كلها، حتى أصبحت الشعر العربي قريب المنال لأبناء كيرلا، وحاصل الكلام أن كيرلا لم تتخلف قط عن شقيقاتها منذ البداية إلى يومنا هذا نثرًا وشعرًا.

مساهمات ولاية كيرلا في ترسيخ الشعر العربي

     إنّ هذا الفنّ كان متداول وسائد في جميع ميادين الحياة يستخدمه الناس على حياتهم اليوميّة. فإنّ أهل كيرلا قد اختاروا هذا الفنّ لإظهار أمور الإجتماعية، والمدح والثناء حلوة، والطعن والعتاب على الطريق الشعر كانت رسميّة أو غير رسميّة ولتعبير أفكارهم وعواطفهم وطموحاتهم أمام المجتمع.

   ومن الأمور المهمة التي لا تقبل أي جدال أنّ شعراء كيرلا قرضوا أشعارهم في جميع الأوزان الخليلية من طويل وبسيط ورمل ووافر وما إلى ذلك، كما نظموا القصائد العربية في البحور المختلفة والألحان المحليّة،كما اشتهر عبد الله السلمي شاعر فصيح عالم قدير قد ولد قرية كوتيل المناسبة منكدا في مقاطعة مالابرم.

  يُحسب أنّ الشعر العربي قد بدأ في كيرلا بالشيخ زين الدين المخدوم وانتهى من رحيل ن.ك أحمد المولوي، ولقد مرّ بالشعر العربي في كيرلا أطواره كنظم ونشيدة في غالبها وكشعر في أوقات نادرة. 

تنمية الشعر العربي في عصر القديمة الغائبة

    يحتوي علي تلك الوثائق المطموسة ويزين الستار عن موافقهم وأحوالهم النبيلة والجسيمة عبر القرون الماضية والفترة المنصرمة وكانوا شديد التنيد والمتتابع اللغة العربية خاصة على فنّ واحد هو الشعر العربي. الشعر العربي وتاريخه قبل ذلك العصر لا يزالان مستورين، ويظلّ على خفاء لعدم المراجع المتعمدّة، وأنّ المسلمين في العصور الأولى  كانوا قليلين، قد استهلّ الشعر العربي في كيرلا بجهود البلغاء القدماء، إنهم انشروا الشعر العربي واللغة العربية معًا في كيرلا بسرعة مدهشة وأورد الشعر العربي إلى رأس الفنون، فمنهم:

        القاضي أبوبكر بن رمضان الشلياتي (ولد في سنة ٨٨٥ من الهجرة\ ١٤٨٠ من المسيحيّة)، وزين الدين بن علي المعبري (جاء في الكون في عام ٩٢٨ من الهجرة\ ١٥٢١ من المسيحيّة)، والقاضي محمّد بن عبد العزيز (ولد في عام ۱۰۲۵من الهجرة\ ۱۶۱۶من المسيحيّة)، وفي جميع أشعار هؤلاء الثلاثة من أوائل الشعراء في كيرلا مسحة دينيّة وثيقة وعاطفة إجتماعيّة عميقة.

ترقية الشعر العربي في عصر الحديثة الحاضرة

       يرجع القرن التاسع عشر للميلاد عصر الحاضرة الحديثة في الشعر العربي في ولاية كيرلا، قرض شعراء كيرلا الشعر العربي على موضوعات مختلفة، وتتميّز أكثرها بالروعة والجمالة والتنوع في الأساليب والموضوعات، والعذوبة في الألفاظ، وجميلة في المعاني، والبراعة في الخيال.  

       الشعراء الذين أحيوا الشعر العربي في كيرلا نشاطًا، والذين عاشوا في قرن العشرين وهم ليسوا على قيد الحياة ويطلق عليهم بشعراء العصر الحاضر. أسلوب هؤلاء يتشعب حسب الكفاءات الموهوبة والمكتسبة، وبعضهم خصّ لنفسه أسلوبًا، وبعضهم اتبع القواعد الشعراء الآخرين، وبعضهم قرض الأبيات بوفرة. وقال ويران محي الدين الفاروقي[4]: أشعارهم بدقة وتأن في كتابه المعنون على موضوع "الشعر العربي في كيرالا مبدؤه وتطوره".     

     قفد اعتنى بعض الشعراء هذه الطبقة في كيرلا بالمحسنات البديعية والمعنوية معًا فتوفقوا، وبعضهم اعتنوا بالمعاني الغزيرة فأتوا بأورع الأشعار، ومن أشهر الشعراء الطبقة الحديثة في الشعر العربي في كيرلا السيد شيخ بن محمّد الجفري والقاضي عمر بن علي البلنكوتي والقاضي محي الدين بن علي الكالكوتي. وكثير من الشعراء الذين مرّوا بنا في العصر الحاضر، ومنهم بعض أسماء الشعراء الحدثاء:

    عبد الرحمن الكريادي[5]: من مواليد القرية كرياد المناسبة بقرية ماهي سنة ١٢٣٤ه\ ١٩١٦م. له كثير من الأشعار والمقالات وتأليفات في الموضوعات المتشعبة، وقرض الشعر العربي بلا حد ولا حصر. أسلوبه رائع، وألفاظه سهلة.

   محي الدين بن علي: المولود في قرية شيور القريبة من نادابورم في عام ١٣٤٠ه \١٩٢١م. إنّه قد شغف بفنّ الشعر العربي في أزمنة الطالب. وقد قرض كثير من الأشعار في الأحيان المختلفة. أشعاره ذو عاطفة عميقة وخيال بديع. إنّه ترجم القصيدة "الله" من الشاعرة المشهورة المليبارية إلى اللغة العربية.

   عبد الرحمن المولوي الأريكلي: ولد في قرية مويفوت القريبة من واداكرا سنة ١٩٣٢م، أسلوبه الحرّ وإتباعه الطليق للتقاليد العربية جدير بالاعتناء، قصيدته التي وصلت أبياته إلى أكثر من خمس مائة[6] شعر بالمناسبة حلول القرن الخامس عشر الهجري، وذكر فيها سيرة النبي على الله عليه وسلم من عهد النبوة إلى الهجرة المباركة.

 علوي كوتي مولوي الكوتوري:  ولد في مالابرم في سنة ١٩٤٣م. إنه علم من أعلام الشعراء في وحيد القرن، قد تنشر أشعاره الدوريات العربية. له شريط الأشعار باسم "أناشيد الأطفال والسنابل"،إنّ أشعاره في مختلف الأنواع كأمور الإجتماعية فيها جذّابة، والمدح والثناء فيه حلوة، والطعن والعتاب فيه لذعة مريرة.

الشيخ محمد ضياء الدين الفيضي: الذي تخرج من الجامعة النورية العربية عام ١٩٩٣م ، ثم اشتغل هناك مدرسًا، ويعمل حاليًّا بالرياض[7] في المملكة العربية السعودية، وقد نشرت له عدة قصائد حول موضوعات مختلفة. وأقدم هنا نموذجًا من قصيدته التي نال عنها الشيخ الفيضي الجائزة الثانية في مسابقة جائزة السيد محمد علي شهاب الوطنية للإبداع الشعري المعقودة في كيرلا في الهند عام ٢٠١٢م، فيقول :

قمر جلا بدجى الضلال يبيدها     بشر علا قمم الكمال يفيدها


وغـدا يؤرقني الربيـع هلالـه     فبطيبة الخضرا ينام مليـكها


عشق الفؤاد فبات يعشق وصله       فسرى الخيال، ففي العيون دموعها

نسأل الله أن يبارك لنا في هذا الفنّ، و أن يجعلنا خير خلف هؤلاء الشعراء الكرام، وصلى الله على الحبيب المختار، وعلى آله الأطهار، ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار.

المصادر والمراجع

[1] قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في آخر تفسير الفاتحة: لا أصل له،

[2] العجم هنا ولاية كيرلافي الهند

[3]هي مليالم  اللغة المليبارية

[4]أديب، عالم مفكر قد كتب الشعر العربي في كيرالا مبدؤه وتطوره   هو

[5] شاعر أديب من أهل كيرالا

[6] جوهر المنظم في سيرة النبي المكرم

[7] الرياض هي عاصمة المملكة العربية السعودية

مواضيع ذات صلة
أدب كيرالا, الأدب العربي الهندي, دراسات أدبية,

إرسال تعليق

0 تعليقات