ادعمنا بالإعجاب

ذكر الحروب الصليبية في كتابات القاضي الفاضل

 بقلم: الأخ مهتاب عالم

باحث بقسم اللغة العربية وآدابها/ جامعة عليكرة الإسلامية

 لمحة صغيرة عن  الحروب الصليبية

الحروب الصليبية هي سلسلة الحروب الدينية الواقعة بين المسيحيين من أوروبا الغربية والمسلمين من الشرق الأوسط التي بدأت في عام ١٠٩٥م وانتهت في عام ١٢٩١م. بدأت هذه الحروب بخطبة البابا أوربان التي ألقاها أمام عدد كبير من الحكام والفرسان الغربيين الحاضرين في مدينة كليرمون الفرنسية يوم ٢٧ نوفمبر عام ١٠٩٥م، ألقى البابا خطبة عاطفية فيها صوّر ظلم المسلمين على الحجاج المسيحيين في الأرض المقدسة وحرضهم لتطهيرها من رجس المسلمين، ووعدهم بالوصول المباشر إلى الجنة قائلا إن كل الذين يموتون على الطريق أو في معركة ضد الوثنيين (المسلمين) سيكون لهم مغفرة فورية من الذنوب، وقال أنا أمنحكم بقوة الله التي بها أنا مستثمر. فتحرك الجمهور الموجود بعاطفة وحيوية وأدى اليمين على الحروب الصليبية. شن المسيحيون الغربيون سبع حملات صليبية كبرى ضد مسلمي الشرق الأوسط بالإضافة إلى العديد من الحملات الصليبية الصغيرة.

 

حياة القاضي الفاضل

مولده وعائلته

ولد القاضي الفاضل يوم الاثنين الخامس عشر من جمادى الآخرة سنة ٥٢٩هـ في مدينة عسقلان، عاش حياته في كنف والديه، فدرس القرآن والحديث وديوان الحماسة وغيرها من العلوم، انفصل عن أهله ليقيم بمصر سعيًا وراء علمه ورزقه تاركًا أخويه في عسقلان إلى أن احتلها الفرنج سنة ٥٤٨هـ..

نشأ القاضي الفاضل في بيئة علمية راسخة في العلم، وهو سليل عائلة توارثت القضاء أبا عن جد. حيث كان جده السعيد محمود بن الحسن قاضيًا في بيسان، هذا المنصب الذي يعد من أعلى المناصب الإدارية؛ يقول المنذري: "وكان والد القاضي الأشرف تولى الحكم بيسان، فنسبوا إليها وغلبت عليهم." أما والده هو الأشرف أبو المجد علي بن الحسن العسقلاني البيساني، ولد في عسقلان وتعلم فيها الفقه وفن الكتابة إلى أن عمل قاضيًا فيها. كان للقاضي الفاضل أخوان، فأحد أخويه هو الأثير أبو القاسم عبد الكريم كان له هوس مفرط في تحصيل الكتب وشرائها، فكانت مكتبته تتكون من مائتي ألف كتاب، وفيها نسخ متعددة لبعض الكتب، فالصحاح جمع له ثماني عشرة نسخة. كما عرف عن أخيه الآخر أنه كان مغرمًا بجمع التحف من خزف وقدور وفرش وكان بيته مملوءًا منها وإذا رأى خاتمًا أو سمع به اجتهد في تحصيله واشتراه.

 

صفاته

كان القاضي الفاضل مصدر عزم وقوة لعدد كبير من الأدباء والمفكرين في عصره، وحافزًا على العمل والإبداع ومثالًا لهم في الإخلاص والعمل والتواضع، قليل اللذات كثير الحسنات، دائم التهجد، ومتقللًا في مطعمه وملبسه، يلبس البياض ولا يبلغ جميع ما عليه من ثياب دينارين. كان يكثر تشييع الجنائز وعيادة المرضى وزيارة القبور، وله معروف في السر والعلانية، ولم يكن له انتقام من أعدائه إلا بالإحسان إليهم والإعراض عنهم.

ثقافته

عاصر القاضي الفاضل فترتين حاسمتين في حياته بما فيها الدولة الفاطمية الشيعية والدولة الأيوبية التي عاشها بكل حذافيرها وتفاصيلها من أحوال سياسية وثقافية واقتصادية واجتماعية، كان لها تأثير كبير على حياته وفكره وأدبه. كان القاضي الفاضل ذا شخصية واسعة الاطلاع منذ صغر سنه، متنوعة الثقافة، غنية بالمعروف والعلوم المختلفة، وفي أدبه وشعره ما يؤكد لنا سعة حفظه لأشعار العرب وأقوالهم، ولا سيما ديوان المتنبي الذي كان القاضي الفاضل معجبًا به، وديواني أبي تمام والبحتري، وغيرهم. كما انتهت إليه براعة الإنشاء وبلاغة الترسل، وله من ذلك معان مبتكرة لم يسبق إليه مع كثرتها، ومما يشهد على ذلك ما أورده معاصره العماد الأصفهاني عن نتاجه الأدبي الوفير إبان الحروب الصليبية، ولم يكرر فيه لفظا ولا دعاء، وإنما كان في كل عمل أدبي ينشئه يبتكر شيئًا جديدًا من مخزونه الثقافي الواسع، يقول: "وما ألفيته كرر دعاء ذكره في مكاتباته، ولا ردد لفظًا في مخاطبة، بل تأتي فصوله مبتكرة مبتدعة، مبتدعة لا مفتكرة، بالعرف والعرفان معرفة لا نكرة". ويضيف مؤكدًا ذلك فيقول: "إن شاء أنشأ في يوم واحد، بل في ساعة واحدة، ما لو دون لكان لأهل الصناعة خير بضاعة".

علاقته مع صلاح الدين الأيوبي

عمل القاضي الفاضل في مستهل حياته بالإدارة المصرية في الإسكندرية والقاهرة خلال الفترة الواقعة بين ٥٤٩-٥٦٣هـ/١١٥٤-١١٦٩م، وما لبث أن تدرج في مناصب كثيرة إلى أن أصبح وزيرًا مرموقًا في دولة صلاح الدين سنة ٥٦٧هـ/١١٧١م.

عندما أصبح صلاح الدين سلطان مصر نال القاضي الفاضل مكانة مرموقة لدى صلاح الدين فور استلامه وزارة العاضد حيث اتخذه كاتبه ووزيره ومستشاره في الحل والترحال ومنحه ثقة حتى أصبح من خاصته المحببة إلى نفسه، لا يقدم على فعل شيء إلا بمشورته ورأيه. قال سبط بن الجوزي: "وكان القاضي الفاضل حاكمًا على الجميع وهو المشار إليه بالسيف والقلم، لا يصدر السلطان عن رأيه، ولا يمضي في الأمور إلا بمضاته." ويقول المنذري: "وتقلب في الأمور الديوانية بالدولة المصرية ثم وزر للسلطان الملك الناصر صلاح الدين وكان الغالب على أموره وتقدم عنده كثيرًا وركن إليه ركونًا تامًا." وذكر ابن فضل العمري: "كان الفاضل هو الدولة الصلاحية كان كاتبها ووزيرها، وصاحبها ومشيرها والحامل لكلها والمجهز لبعوثها والمبرز عند إقعاء ليوثها." ويقول السبكي:" وكان صديق صلاح الدين وعضده ووزيره وصاحب ديوان إنشائه ومشيره وسميره". وأما كثير فيقول:" وكان أعز عليه من أهله وولده".


ولقد خص صلاح الدين القاضي الفاضل بثقته التامة نظرًا لما قدمه هذا الأخير من إصلاحات سياسية ومالية وحربية وفي جهاده مع الصليبيين، وفي ذلك يقول العماد الأصفهاني: "سلطانه مطاع والسلطان له مطيع رحمه الله من مفتتحات فتوحه ومختتماتها ومبادئ أمور دولته وغاياتها ما افتتح الأقاليم إلى بأقاليد آرابه وآرائه". فكان لهذه الثقة إخلاص تام من القاضي الفاضل لصلاح الدين ودولته أيما إخلاص وخدمها بكل ما لديه من مواهب بقلمه وفكره ونصحه ونفسه وكان لذلك أثر فيما حققه من انتصارات على الصليبيين ويتمثل ذلك جليا في قول صلاح الدين فيما بعد فتح بيت المقدس: "لا تظنوا أني ملكت البلاد بسيوفكم بل بقلم الفاضل".

وفاته

كان للأمراض التي تراكمت على الفاضي الفاضل أثر في ابتعاده عن الجو السياسي، فقد كان ضعيف البنية كثير المرض وكان مرضه يؤخره عن الاشتراك في بعض الغزوات عندما كان صلاح الدين حيًا وفي رسائله إشارات كثيرة إلى مرضه وضعفه اللذين ازدادا بعد وفاة صلاح الدين. توفي القاضي الفاضل بعد كل تلك الآلام الجسمية والمعنوية سنة ٥٩٦هـ/١١٩٩م في القاهرة ودفن في سفح المقطم في القرافة الصغرى.


ذكر الحروب الصليبية في كتاباته

كان القاضي الفاضل من أبرز كتاب للرسائل الديوانية من فترة الحروب الصليبية، وكثير من الرسائل المهمة من قبل صلاح الدين قد كتبت بقلم القاضي الفاضل منذ بداية حكمه حتى وفاته، ومن تلك الرسائل كانت أيضًا الرسائل التي تحتوي على ذكر المعارك بين صلاح الدين وبين الصليبيين. ستأتي في هذه المقالة بعض الرسائل بقلم القاضي الفاضل التي ستعرض ذكر الحروب الصليبية في كتاباته.

 

كان صلاح الدين الأيوبي يستعد للقتال ضد الفرنج منذ أن أصبح سلطان مصر في عام ١١٧٢م، وكان لديه رؤية للجهاد وتحرير أراضي المسلمين من الصليبيين منذ سن مبكر وأراد أن يوحد إمارات ودويلات المسلمين بقدر ممكن تحت راية واحدة من أجل الجهاد. فبعد تأسيس دولته في مصر وفتح اليمن وأجزاء من المغرب اتجه نحو الشام لمواجهة الصليبيين الذين كانوا أعداءه الأساسيين. أرسل رسالة بقلم القاضي الفاضل إلى الخليفة العباسي المستضيء بأمر الله سنة ٥٧٠هـ/١١٧٤م وذكر فيها عن إعداد المسلمين لمحاربة الصليبيين. وفيها يخبر الخليفة أنه كان يسير ضد الفرنج بموجب اتفاق مع نور الدين أنهما سيهاجمان الصليبيين في نفس الوقت من الجانبين: مصر والشام، كما يذكر أن الأمراء المسلمين أيضًا مستعدين للجهاد ضد الفرنج، وجاء في الرسالة:

لم يكن سبب خروج المملوك من بيته إلا وعد كان انعقد بينه وبين نور الدين رحمه الله تعالى في أن يتجاذبا طرفي الغزاة من مصر والشام؛ المملوك بعسكري بره بحره ونور الدين من جانب سهل الشام ووَعْره، فلما قضى الله بالمحتوم على أحدهما وحدثت بعد الأمور أمورٌ، اشتهرت للمسلمين عورات وضاعت ثغور وتحكمت الآراء الفاسدة وفُورقت المحاج القاصدة وصارت الباطنية بطانة من دون المؤمنين، والكفار محمولة إليها جزى المسلمين، والأمراء الذين كانوا للإسلام قواعد وكانت سيوفهم للنصر موارد، يشكون ضيق حلقات الإسار وتطرق الكفار بالبناء في الحدود الإسلامية. 

كان أرناط صاحب الكرك يكره الإسلام والمسلمين إلى حد كبير، وهو بنى سفنًا عام ٥٧٨هـ وأرسل رجاله مع آلات القتال إلى الحجاز. فوصل الفرنج إلى بحر الحجاز وانقسموا إلى فريقتين، واحدة منهما أرسلت إلى حصن أيلة لتحصره، والفرقة الثانية اتجهت نحو عيذاب حيث نهبت وقتلت وأخذت المراكب الإسلامية وتجار المسلمين وكانت قاصدة إلى الحرمين الشريفين. فأرسل أهل المدينة أنباء إلى مصر عن خطوة الفرنج في الحجاز. وكان أخو السلطان الملك العادل نائبًا له في مصر، فأرسل العادل رجال البحرية بقيادة حسام الدين لؤلؤ فوصلوا إلى أيلة وأخذوا مركب الصليبيين، ثم توجهوا نحو عيذاب ووجدوا الفرنج على البر، فحاصروهم وظفروا بهم وقتلوا بعضًا منهم وأسروا كل الآخرين، وعادوا مع الأسرى إلى مصر. أمر السلطان بضرب رقاب جميع الأسرى حتى لا يبقى منهم أحد يخبر عن البحر وطريقه. كتب القاضي الفاضل رسالة عن صلاح الدين إلى الخليفة الناصر يخبره هذه القضية:

وسارت المراكب الإسلامية طالبة شوكة المراكب الحربية المتعرضة للمراكب الحجازية واليمنية. وكانت مراكب العدو قد أوغلت في البحر، ودلها على عورات الساحلين من العرب من أشبه ركابها في الكفر، فوصلت إلى عيذاب فلم تتل منها مرادًا غير أن ما وجدته في طريقها أو فرضة عيذاب نالت منه، وشعثت وأفسدت فيه، وعتت وتمادت في الساحل الحجازي إلى رابغ إلى سواحل الحوراء، وهناك وقع عليها أصحابنا وراءهم خيول العربان التي وجودها، وأخذوا الكفار من شعاب وجبال واعتصموا بها وقصدوها، وكُفي المسلمون أشد فساد في أرضهم، وأقطع قاطع لفرضهم، وانبسط أمالهم بقبضهم وعميت على الكفار هذه الطريق التي لو كشف لهم غطاؤها قدما، ولو أحاطوا بها علمًا، لاشتطّت نكايتهم، واشتدت جنايتهم، وعز على قدماء ملوك مصر أن يصرعوا هذه الأقران، ويطفؤوا هذه النيران، ويركبوا غوارب اللجج، ويُرخصوا غوالي المهج، ويقتنصوا هذا الطائر من جوه الذي لا يدركه لُوحُه، ويدركوا هذا العدو الذي لا يدرك إلا أن ينجد عليه ملائكة الله وروحه. 

كان أرناط مكروهًا للغاية بين المسلمين كما هذا واضحًا من أفعاله السابقة، أراد صلاح الدين أن يعاقبه على خطواته في الحجاز. فحشد السلطان عساكره الشامية سنة ٥٨٠هـ وخرج من دمشق يقصد حصار حصن أرناط، وكتب إلى مصر ليحضر جيشها ويلتقى به في الكرك. وحاصر المسلمون الحصن ولكن كان الحصن تقع على سطح الجبل ومحاطة بخندق عميق، ولذلك استغرق الأمر وقتًا لفتحها، وفي هذه الأثناء اجتمعت الفرنج عساكرهم من أماكن أخرى وساروا لمساعدة الحصن. فألغى السلطان الحصار وذهب لمحاربة الصليبيين الآتية، واقترب منهم ويخيم الفريقين قرب بعضهما البعض، أراد السلطان مهاجمتهم لكنه لم يستطع فعل ذلك بسبب خشونة الأرض، والصليبيون لم يخرجوا من مكانهم بسبب الخوف. وعندما رأى السلطان هذا ابتعد عنهم قليلاً، فتسلل الصليبيون في الليل وصلاح الدين لم يتبعهم بل نهب وخرب في بلادهم ورجع إلى دمشق. كتب القاضي الفاضل رسالة يصف حصار حصن الكرك، فجاء فيها:

الحصن الذي نحن حاضروه وحاصروه في حصانة الحصانة، قد هدت الحجارة منه ما أحكموه بالحجارة، وغدا عليه بالتخريب ما أعدوه للعمارة، فقسي المنجنيقات ترمي ولا ترنم سهامها، ويستديم من أعداء الله ومعقلهم بالقتل والهدم انتقامها، فما قابل المنجنيقات من الأبراج والأبدان، قد أتى التخريب على ما فيه من العمران، فلم يبق إلا طم الخندق، والأخذ بعد ذلك من العدو بالمخنق، والقلوب واثقة بحصول الفتح، وقد علم كل واحد منا أن متجره قد فاز باربح، فما يسمع منا بحمد الله من أحد ملل ولا ضجر، ولا تسفر هذه النوبة إن شاء الله تعالى إلا عن نصر وظفر.

وبعد أن أصبح صلاح الدين قويًا وكان مستعدًا وجاهزًا لفتح القدس من الصليبيين، كان ينتظر فرصة حيث كانت هناك هدنة بينه وبين الصليبيين خلال هذا الوقت. ومنحه أرناط الفرصة التي يريدها بمهاجمته قافلة من حجاج المسلمين، وكان صلاح الدين يقيم بدمشق حينئذ، فحشد عساكره من الشرق ومصر وسار لمواجهة الفرنج وتحرير الأراضي المقدسة منهم. أرسل صلاح الدين هذه الرسالة بقلم القاضي الفاضل إلى الخليفة العباسي عام ٥٨٢هـ/١١٨٦م، وكتب فيها الفاضل حول استعداد صلاح الدين للمواجهة الكبرى مع الصليبيين: 

 

والأخبار عن السلطان أعز الله نصره سارة لأوليائه، كابتة لأعدائه، مبشرة لقرب الفتح الجليل، وبحسن صنع الله الجميل، فلم يبق من ملوك الأطراف وولايتها ومقدمي العساكر وحماتها إلا من حضر سماطه، ووطئ بساطه ولبس خلعه، وركب خيله ووقف بين يديه وألقى أمره إليه. وأقرب الواصلين عهدًا زين الدين صاحب إربل وصل في عسكر يقارب ألف طواشي، ومعه تحمل ظاهر وبرك واسع، وكاثر العساكر وخدم فيها، وانفصل عن الجانب الفلاني وباينه، وشاه أرمن والبهلوان وأخوه قزل، كل منهم يمهد بجنبه، ويعمل عند السلطان لنفسه، ويتقرب إليه بكتبه ورسله وهداياه، ولا يناقضه ولا يعارضه في شيء من قضاياه.

وبعد هزيمة الصليبيين في حطين سنة ٥٨٣هـ، فتح صلاح الدين منهم مدينة تلو الأخرى، فهو فتح عكا ونابلس وصيدا وبيروت وعسقلان وغزة، ثم فتح هدفه الرئيسي القدس في نفس العام وهي ٥٨٣هـ/١١٨٧م. وبعد خسارة القدس، قام الفرنج في الغرب بتنظيم حملة الصليبية الجديدة ضد المسلمين من أجل استعادة القدس ومدن أخرى التي فقدها الصليبيون في الأرض المقدسة. فبدأ الصليبيون الجدد بالوصول إلى الأرض المقدسة وحاصروا عكا بقيادة ملك إنجلترا ريتشارد الأول الذي وصل إلى الأرض المقدسة مع ملوك الغرب الأخرى في حملة الحروب الصليبية الثالثة. فذهب السلطان صلاح الدين إلى عكا لمساعدة المدينة، وكان يحاصر الصليبيين ولكن بسبب عدد الصليبيين الكبير لم يهاجمهم. كتب القاضي الفاضل هذه الرسالة عن صلاح الدين إلى الخليفة العباسي بعد تشديد حصار الفرنج على عكا، وجاء فيه:

ما قطع الخادم الخدم، إلا أنه قد أضجر وأسأم من المطالعة بخبر هذا العدو الذي قد استفحل أمره واستشرى شره، فإن الناس ما سمعوا، ولا رأوا عدوًا حاصرًا محصورًا، غامرًا مغمورًا، قد تَحَصَّن بخنادق تمنع الجائز من الجواز، وتعوق الفرص عن الانتهاز، ولا تقصر عَدَّتهم عن خمسة آلاف فارس ومئة ألف راجل، وقد أفناهم القتل والأسر، وأكلتهم الحرب ولفَظَهم النصر، وقد أمدهم البحر بالبحار، وأعان أهل النار أهل النار، واجتمع في هذه الجموع من الجيوش الغربية، والألسنة الأعجمية من لا يُحصر معدوده، ولا يُتصور في الدنيا وجوده.

خلاصة البحث

 

حاولتْ هذه الدراسة أن تشمل ما جاء في ذكر الحروب الصليبية من رسائل القاضي الفاضل المتعددة التي كتبت وأرسلت من قبل صلاح الدين إلى الخليفة العباسي وغيره من الرجال الهام في تلك الحقبة. وبما أن القاضي الفاضل كان يعمل في ديوان الإنشاء في العصر الفاطمي وعندما أصبح صلاح الدين سلطاناً على مصر جعله وزيراً ومشيرًا له فيستمر في كتابات الرسائل لصلاح الدين يصف فيها خطواته ضد الصليبيين لفتح الشام من أيديهم، كما سجل خطوات صلاح الدين الأولى في مواجهة الصليبيين، ومساعيه لتوحيد البلاد الإسلامية من أجل محاربة الفرنج، وجهوده وتجهيزاته في فتح القدس، وصراعاته ضد الملك الإنجليزي ريتشارد الأول خلال الحملة الصليبية الثالثة.


المصادر والمراجع:

١. أبو شامة، كتاب الروضتين 

٢. الذهبي، سير أعلام النبلاء

٣. ابن الجوزي، مرآة الزمان

٤. المقريزي، اتعاظ الحنفا

٥. ابن خلكان، وفيات الأعيان

٦. السبكي، طبقات الشافعية

٧. ابن العماد، شذرات الذهب

٨. ابن فضل الله العمري، مسالك الأبصار في ممالك الأمصار

٩. الذهبي، تاريخ الإسلام

١٠. ابن الأثير، الكامل في التاريخ

١١. ابن واصل، مفرج الكروب في أخبار بني أيوب

١٢. عبد العظيم المنذري، التكملة لوفيات النقلة

١٣. العماد الأصفهاني، خريدة القصر وجريدة أهل العصر

١٤. جمال الدين الشيال، تاريخ مصر الإسلامية

 

١٥. إسمت غنيم، تاريخ الحروب الصليبية

١٦. زيد بن عبد العزيز الفياض، قاهر الصليبيين صلاح الدين الأيوبي

١٧. عبد الرحمن مجير الدين الحنبلي، الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل


مواضيع ذات صلة
دراسات,

إرسال تعليق

0 تعليقات