ادعمنا بالإعجاب

أهمية كتاب (فتح الوهاب) في الدرس الفقهي الشافعي المعاصر

د. علي زين العابدين الحسيني (باحث وكاتب أزهري)

يعد كتاب (فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب) لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (ت926) من الكتب المهمة المعتمدة في التدريس في المذهب الشافعي، وهو شرح على كتاب (منهج الطلاب) للمؤلف نفسه، اختصر فيه كتاب (منهاج الطالبين) للإمام النووي، واختصر النووي منهاجه من كتاب (المحرر) للإمام الرافعي.

 وقد اختلف في أصل كتاب (المحرر) للرافعي، فذهب ابن حجر الهيتمي أنه كتاب مختصر مستقل، وذهب العناني -من المتأخرين- كما نقله عنه الجمل والبجيرمي أنه مختصر من الوجيز للإمام الغزالي، وأغرب الشيخ عبد الله بن حسين بلفقيه القول (ت1266) فذكر أنه مختصر من كتاب (الخلاصة) للإمام الغزالي، وهو قول غريب بعيد؛ لأن الغزالي نفسه نص في مقدمة كتابه (الخلاصة) بأنه اختصر كتابه (الخلاصة) من (مختصر المزني). 

والذي يظهر أنه يمكن الجمع بين قولي ابن حجر والعناني، فكتاب المحرر كتاب مستقل مختصر في الفقه مأخوذة مادته الفقهية من كتاب (الوجيز) للغزالي، ويتضح ذلك من خلال المقارنة لبعض أبواب الكتابين، وهو ما نبه عليه الباحث الدكتور مرتضى المحمدي.

وفائدة هذا الخلاف تظهر في محاولة اكتمال سلسة كتب المذهب، وهو الأمر الذي اشتهر عند المتأخرين، وفخروا به عن بقية المذاهب، فمنهج الطلاب مختصر من المنهاج للنووي، والمنهاج مختصر من كتاب (المحرر) للرافعي، وكتاب (المحرر) مأخوذة مادته من كتاب (الوجيز) للغزالي، واختصر الغزالي (الوجيز) من كتابه (الوسيط)، واختصر (الوسيط) من كتابه (البسيط)، واختصر (البسيط) من كتاب (نهاية المطلب في دراية المذهب) لإمام الحرمين الجويني، وشرح إمام الحرمين (مختصر المزني ) في كتابه (نهاية المطلب)، واختصر الإمام المزني كتابه من علم الإمام الشافعي، ومن أقواله كما نص على ذلك في مقدمة مختصره.  

ولذا يعد كتاب (المنهج) ضمن سلسلة كتب فقهية شافعية آخرها كتاب (مختصر المزني)، وترجع أهميته أيضًا لارتباطه بكتاب (المنهاج) للنووي، وهو أحد أعمدة الفتوى في كتب المذهب، وأحد الركائز الذي اعتمد عليها المتأخرون في كتبهم، فشرحوه شروحًا كثيرة، وقد اهتم المتأخرون بكتاب المنهج، وشرحه (فتح الوهاب).



 قال الفقيه عيسى منون الأزهري: "واختصر المنهاج شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في كتاب سماه (المنهج)، حذف منه الخلاف، واقتصر فيه على المعتمد، ثم شرحه، ويكاد هو المعول عليه في هذا الزمن".

واشتهر "منهج الطلاب" عند المتأخرين بالمنهج، واشتهر شرحه "فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب" بشرح المنهج.

 وتظهر أهميته من خلال ثلاثة أمور:

الأول: كثرة الأعمال المتفرعة عن كتابي: (المنهج) و (فتح الوهاب)، وهذه الأعمال ما بين شرح وحاشية واختصار ونظم وتقرير وتعليق، وقد أحصى صاحب كتاب (جامع الشروح والحواشي) أكثر من أربعين (40) مصنفًا على المنهج وشرحه، ما بين تحشية واختصار وتعليق وتقرير ونظم، أولها حاشية الشيخ أحمد بن قاسم الصباغ العبادي (ت992) على كتاب (فتح الوهاب)، وآخرها نظم المنهج للشيخ عبد الرحمن بن عبد الغفور البهنمي العباسي المسمى (عطية الوهاب نظم منهج الطلاب)، وقد فات ذكر النظم عند صاحب كتاب (جامع الشروح والحواشي).  

الثاني: حرص المتأخرين المتصدرين للفتوى، والتدريس على التحشية عليه وخصوصًا علماء الأزهر الشريف كالشيخ منصور الطبلاوي (ت1014)، والشيخ نور الدين علي بن يحيى الزيادي (ت1024)، والشيخ علي بن إبراهيم الحلبي (ت1044)، والشيخ محمد بن أحمد الشوبري (ت1069)، والشيخ سلطان المزاحي (ت1075)، والشيخ نور الدين علي بن علي الشبراملسي (ت1077)، وشيخ الأزهر إبراهيم البرماوي (ت1106)، والشيخ سليمان بن عمر العجيلي المعروف بالجمل (ت1204) ، وغيرهم كثير، ومن خلال قراءة تراجم هؤلاء العلماء وغيرهم تظهر العناية به أيضًا من ناحية التعليم والحفظ والتدريس والقراءة على الشيوخ.

الثالث: كثرة نقولات المتأخرين في كتبهم عن المنهج وشرحه "فتح الوهاب"، بل يكاد لا يخلو كتاب من كتب المتأخرين، إلا وينقل عن المنهج وشرحه، أو عن إحدى حواشيه، وهو أمر مشهور.

والذي ينظر في جميع الكتب التي تأخرت عنه سيدرك مدى أثر هذا الكتاب على غيره، حتى يمكن القول بأن هذا الكتاب أصل ومادة علمية لكثير من الكتب المتأخرة عنه، فغالب الكتب المتأخرة عنه -إن لم يكن كلها- ناقلة عنه أو آخذة عمن نقل عنه، كما أن من يطيل النظر في (فتح الوهاب) يدرك ارتباطه بكتاب آخر من شروحات المنهاج المشهورة، وهو كتاب (كنز الراغبين) للإمام المحلي، وربما اختصر في مواضع كثيرة منه كلام المحلي اختصاراً محكماً، معتنياً بالدليل والتعليل في غالب المسائل.

كل هذا وغيره يدلل على أهمية المنهج وشرحه في الدرس الفقهي الشافعي المعاصر.

مواضيع ذات صلة
الفقه,

إرسال تعليق

0 تعليقات