ادعمنا بالإعجاب

العلامة شبلي النعماني رائد النهضة التعليمية الحديثية (دراسة موضوعية لمآثره العلمية والدينية)



بلال أحمد شاه
الباحث في الدكتوراه
جامعة دلهي، الهند
المدخل:
يعد "شبلي حبيب الله بن سراج الدولة النعماني" واحداً من أبرز علماء الهند في العصر الحديث، وأحد أعلام النهضة الأدبية والعلمية بها، ومن رواد الإصلاح والفكر الإسلامي الذين ساهموا بجهود ملموسة في حركة الأدب والتاريخ والدعوة الإسلامية في شبه القارة الهندية. ولد شبلي النعماني في قرية "بندول" من أعمال "أعظم كراه" بالهند سنة 1275ه = 1858م، لأب من أصل برهمي، وكان جده الثالث عشر "سيوراج سنك" قد اعتنق الإسلام وتسمى "سراج الدين".
وكان والده الشيخ "حبيب الله" من العلماء فاعتنى بتنشئته ورعايته ليشب محبا للعلم، وقد رحل شبلي في طلب العلم وتنقل بين لكناؤ ودلهي ولاهور ورامفور وسهارنفور وغيرها من المدن الهندية، فدرس الأدب والفقه والحديث وعلوم الفارسية والأدبية والعربية، كما درس الهندسة والمنطق والفلسفة، وتلقى العلم على عدد من أعلام الهند، منهم الشيخ "محمد فاروق الجرياكوتي"، والشيخ "أحمد علي"، والشيخ "إرشاد حسين"، والشيخ فيض الحسن".
وعندما بلغ التاسعة عشرة من عمره قرر شبلي أداء فريضة الحج، وهناك اتصل بعدد من علماء الحجاز، وأتم تعليمه بالأراضي المقدسة، ثم عاد بعد ذالك إلى "أعظم كراه" حيث عمل بالمحاماة لفترة قصيرة، ولكنه لم يستطع أن يندمج في تلك المهنة طويلا وسرعان ما تركها ليعمل بوظيفة أخرى، إلا أنه لم يستطع أن يعيش بعيداً عن البحث والدراسات فدعاه حنينه للعلم وشوقه للمعرفة إلى التفرغ للقراءة والإطلاع فترك الوظائف العامة وعكف على المطالعة والدراسة والبحث، ثم ما لبث أن بدأ في الكتابة والتصنيف، وظهرت مواهبه وقدراته في التأليف ونظم الشعر، وبدأ اسمه يلمع ويشتهر ذكره بين قراءة العربية والأردية والفارسية.
الرحلة في طلب العلم:
وفي تلك الفترة وبالتحديد في سنة (1300ه = 1882م)[1]، التقى شبلي النعماني الذي كان في نحو الخامسة والعشرين من عمره بالسيَد "أحمد خان" مؤسس جامعة عليكراه، فعرض عليه أن يعمل معه في التدريس، وتردد شبلي النعماني في البداية، ولم يبد رغبة في العمل بالتدريس، إلا أنه بعد مناقشات ومحاورات وافق على أن يكون أستاذا لآداب اللغتين العربية والفارسية فكانت تلك هي البداية الحقيقة لنشاطه العلمي الجاد.
واستمر شبلي النعماني في عمله في جامعة عليكراه الإسلامية لمدة عشر سنوات حتى سنة (1310ه = 1892م)، أقام خلالها في بيت السيد أحمد خان في صحبة واحد من كبار أدباء الأردية وشعرائها هو "ألطاف حسني"، كما صاحب المستشرق الإنجليزي المعروف "توماس أرنولد" صاحب كتاب "دعوة الإسلام"، وأفاد من صحبتهما ومجالستهما، كما أفاد من مكتبة السيد أحمد خان العامرة بمختلف العلوم والفنون التي كانت تضم الكثير من المطبوعات المصرية والأوروبية، فكان يقضي فيها الساعات الطوال بين البحث والاطلاع.
وكانت ثمرة تلك المرحلة أن قام بتأليف عدد من الكتب والرسائل تتناول تاريخ الإسلام والمسلمين، وتنوه بأمجادهم الغابرة، من أشهرها "مسلمانون كي كذشته تعليم" أي تعليم المسلمين في الماضي، و"أميد" أي فجر الأمل، كما ألف كتابا عن الخليفة المأمون، وآخر  عن سيرة أبي حنيفة النعمان.
وفي سنة (1310ه =1892م) قام شبلي النعماني برحلة إلى منطقة الشرق الأوسط فزار الشام ومصر واستانبول وبيروت والقدس، وقد أفاد النعماني من هذه الرحلة أمورا كثيرة أهمها أنه استطاع التعرف على نفائس كتب التراث والأدب واللغة الموجودة بالمكتبات وبخاصة في مصر.
وعاد شبلي النعماني مرة أخرى إلى جامعة عليكراه حيث قوبل بحفاوة بالغة، وسجل مشاهداته وانطباعاته عن رحلته العلمية الطويلة في كتاب بعنوان "سفرنامه مصر  وروم".
وبالرغم من محاولات شبلي النعماني العديدة لترك التدريس بالجامعة، فإنه كان يُقابل بالرفض من السيد أحمد خان في كل مرة يقدم فيها استقالته. فلما توفي السيد أحمد خان (1316ه = 1898م)، ترك الجامعة، وعاد إلى مسقط رأسه في أعظم كراه" حيث استطاع إنجاز كتابه القيم عن سيرة الفاروق عمر بن الخطاب الذي ظل يعد له سنوات طويلة، واتجه شبلي إلى المشاركة في النهضة الفكرية الإسلامية وعكف على البحث والتأليف.
تأسيس ندوة العلماء:
ثم تولى بعد ذالك رئاسة "دار العلوم والفنون" في حيدر آباد، وقضى بها بضع سنوات كتب خلالها عددا من المصنفات عن الغزالي، وسوانح مولانا روم، وعلم الكلام، وموازنة أنيس ودبير، وغيرها من الأعمال، ولكنه ما لبث أن استقال وعاد إلى مسقط رأسه. وقد شارك شبلي النعماني في تأسيس ندوة العلماء سنة (1312ه = 1894م)، ثم اختير أمينا لها سنة (1319ه = 1901م)، واجتهد شبلي النعماني في وضع منهج تعليمي متطور لكلية دار العلوم ضمنه كل ما استفاد من رحلاته العلمية وتجاربه العملية في مجال التعليم. واستطاع شبلي النعماني من خلال عمله بالتدريس ومشاركته في الجمعيات المختلفة أن يكشف ويفند كثيرا من الشبهات التي حوتها بعض الاتجاهات الفكرية والثقافية الغربية، والتي ظهرت من خلال مؤلفات عدد من المستشرقين والمبشرين. وكان منهجه في الرد على تلك الشبهات وتفنيد تلك المزاعم والافتراءات وإبطالها شبيها بمنهج الشيخ "محمد رشيد رضا"، نقدين لشبلي النعماني، وأعرب عن إعجابه بعلمه وفكره حينما حضر مؤتمر المسلمين في لكناؤ فقال عنه: "هو عالم مستقل لا عالم رسمي مقلد، وإنه أستاذ نفسه وتلميذ همته، وقد استطاع بجده واجتهاده أن يصبح أشهر نوابغ علماء الهند في هذا العصر، لا يعرف له ضريب في إتقان اللغة العربية وطول الباع وحسن التذوق في فهم منثورها ومنظومها والقدرة على الكتابة بها"[2].
في معترك الثقافة والفكر:
ولم يكن شبلي النعماني بمعزل عن الحركة الثقافية والفكرية في العالم العربي والإسلامي، فعندما أصدر "جورجي زيدان" كتابه "تاريخ التمدن الإسلامي" الذي نال شهرة كبيرة وذاع صيته بعد أن تداوله الناس وأقبلوا عليه، وحينما اطلع النعماني على الكتاب استطاع بعقليته العلمية النافذة وبصيرته الواعية أن يقف على كثير مما جاء فيه من أخطاء علمية وتجاوزات، فوضع كتابه "انتقاد تاريخ التمدن الإسلامي"، الذي طبع بمطبعة المنار بالقاهرة سنة (1330ه = 1912م).
وبعد رحلة كفاح طويلة انطفأت تلك الجذوة التي طالما أضاءت الطريق أمام الدارسين وطلاب العلم ورواد الحقيقة، وتوفي شبلي النعماني في (30 من ذي الحجة 1332ه / 18 من نوفمبر 1914م) عن عمر بلغ 56 عاما بعد أن ساهم بنصيب وافر في نشر الدعوة الإسلامية، وإبراز العديد من الجوانب الحضارية المشرقة في تاريخ الإسلام. وقد لقي النغماني ما يليق به من الوفاء والتكريم، فقد أطلقت ندوة العلماء اسمه على مكتبتها الجديدة تكريما له وتخليدا لذكراه.

المأمون:
وجه المستشرقون سهامهم إلى الحكام المسلمين، فقد كان سهمهم الأخير في إثبات أن حكوماتهم كانت ظالمة غاصبة، وفي تشويه مآثر رجالها الحضارية والاجتماعية والسياسية، شعر العلامة النعماني بخطورة هذا الموضوع، فألف كتابا باسم "المأمون" الخليفة العباسي، تحدث فيه عن أعماله العلمية والعملية وبطولاته ونظام حكومته ورجال عصره البارزين، يشتمل هذا الكتاب على جزئين، الجزء الأول يتحدث عن أهمية الخلافة، وولادة مامون الرشيد، وتعليمه وتقلده منصب الخلافة، ومقاومته للحروب الأهلية، وانتصاراته ووفاته، أما الجزء الثاني فهو يتناول جوانب حياة المامون البارزة التي تجعل عهد خلافته عهدا ذهبيا.
سيرة النعمان:
                لما بدا للعلامة شبلي النعماني أن يعد سلسلة عباقرة الإسلام اختار من الصحابة الكرام شخصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومن الخلفاء الخليفة العباسي مأمون الرشيد ووقع خياره في جماعة فقهاء الدين على الإمام أبي حنيفة، وقد درس العلامة النعماني الفقه الحنفي بشوق ورغبة، وكان معجباً بمؤسس الفقه الحنفي الإمام أبي حنيفة النعمان ويحترم آراءه للعمل بها في ضوء الشريعة الإسلامية.
                ألف العلامة شبلي النعماني هذا الكتاب في عام 1819م[3]، ولم يكن حينذاك كتاب قيم باللغة الأردية حول حياة ومآثر الإمام أبي حنيفة، وإن المؤلفات العربية حول سيرته كانت تتحدث عن أحواله الشخصية وسيرته الذاتية، فألفه العلامة شبلي رحمه الله بأسلوبه البديع، وهو في جزئين، الجزء الأول يتناول حياته بالذكر، والجزء الثاني يكشف عن حقيقة تدوين فقهه وأسلوب اجتهاده، وبحث العلامة النعماني في أن آراءه الاجتهادية متفقة بالأحاديث، وذكر في آخر الكتاب قائمة لتلاميذه البارزين، ولا شك أن هذا الكتاب دليل على حسن تأليفه، وانتمائه إلى الإمام أبي حنيفة والفقه الحنفي، وقد ألف العلامة هذا الكتاب بجهد بالغ، يدل على  ذالك ما كتب إلى أستاذه الشيخ إرشاد حسن المجددي قائلاً: "أدون حياة مآثر الإمام أبي حنيفة النعماني بدقة، وقد جمعت لهذا العمل كثيرا من المواد التاريخية، والآن أقوم بتدوين فتاويه، لكن وقعت في شك وارتياب في أمرين، فأوجه إلى حضرتكم السؤال عنهما ليطمئن قلبي" (حياة شبلي للعلامة السيد سليمان الندوي)، وكتب رسالة إلى الشيخ سميع: "لا بد أن تطبع نسخ كثيرة في أعظم جراه، وهي تكون سبباً للاطلاع على حياة ومآثر الإمام أبي حنيفة النعمان".
                حاز العلامة شبلي النعماني ثقة الناس ببعض مؤلفاته مثل تعليم المسلمين في الماضي، والمامون وسيرة النعمان، وطار صيته في داخل البلاد، فكان الناس في لهفة وشوق إلى لقاء هذا الرجل العظيم الذي كان يتحدث عن تاريخهم المفتخر به.
الجزية:
                الجزية هي الضريبة التي يجبيها الأمراء المسلمون من غير المسلمين، ونظرا إلى هذا يقول أعداء الإسلام: إن هذه الضريبة "الدينية" تجبى من الذمي في الحكومة الإسلامية صيانة لنفسه وماله، لكن العلامة شبلي النعماني رد على الافتراء وقال مستشهداً بكتب المغازي والسير في تأييد الإمام السرخسي: إن الجزية ما كانت عوضا عن قتل الذمي بل كانت ضريبة لاستثنائه من الخدمات العسكرية التي كانت واجبة على المسلمين، ليكون ضباط الأمن المسلمون مدافعين عنهم هجمات الأعداء الخارجية، ثم لما رضي غير المسلمين بالقيام بالخدمات العسكرية وقبلهم المسلمون كمحاربين استثنوا من الضرائب، وهذا ما يوجد في الفقه، فرح المسلمون ولا سيما الطبقة المثقفة بهذا التحقيق النادر فرحا لا نهاية له، وكانت مأثرة العلامة النعماني هذه تكفي لمعرفتهم فضله العلمي والديني.
الانتقاد على تاريخ التمدن الإسلامي:
                إن جرجي زيدان (1861-1914م) كان رئيس تحرير مجلة الهلال، وكان أحد الكتاب المعروفين حول علوم العرب والموضوعات التاريخية، وقد ألف كتابا باسم "تاريخ التمدن الإسلامي" في 9/ مجلدات، شوه فيه وجه التمدن الإسلامي، لكنه قدمه بأسلوب يتظاهر به أنه يمدح التمدن الإسلامي، لكنه قدمه بأسلوب يتظاهر به أنه يمدح التمدح الإسلامي، لكنه قدمه بأسلوب يتظاهر به أنه يمدح التمدن الإسلامي، والحقيقة أنه يعيب التمدن الإسلامي، وقد كشف الباحث المصري الدكتور محمد لبيب أولاً عن مساوئ مؤلفاته في 1908م، وكان العلامة النعماني آنذالك مشغولاً في أعمال تعليمية، لكن في عام 1911م شعر العلامة النعماني بحساسية هذا الأمر أن الدكتور يوسف هارويز من علي جراه قد أشار على مسؤولي جامعة على جراه أن يضم جزءاً من كتاب تاريخ التمدن الإسلامي إلى المقررات الدراسية، وأن هارويز قد ترجم كتاب "محمد" لمارغوليث إلى اللغة الإنجليزية، وهو أخطر كتاب حول سيرة محمد صلي الله عليه وسلم، فتأثر به العلامة النعماني، وعزم على أن يكتب رداً على هذا الكتاب، وقد انقطع إلى هذا العمل في 5/أغسطس عام 1911م بكل جدية، وقد كانت مراجعة آلاف مؤلفة من الصفحات، والبحث عن الطبعات المختلفة وإخراج المواد التي استند إليها المؤلف أمراً صعباً، وقد ابتدأ شهر رمضان، وكان الحر شديداً، لكن العلامة النعماني كان مشتغلاً بمطالعة الكتب وقراءتها وإعداد المقالات في حالة صومه، فنظراً إلى هذا الانهماك الزائد نزل الماء في عينه، وكأنه فقد بصره، ولكنه استمر في نشاطاته العلمية وأنجز الرد على هذا الكتاب في أقرب وقت.
                أرسل العلامة النعماني خلال هذه المدة رسالة إلى الشيخ أبي الكلام آزاد وهو يذكر فيها حاله: "وقد اشتغلت بكتابة الرد على تاريخ التمدن الإسلامي اشتغالاً بحيث نزل الماء في عيني، ولا أستطيع أن أقرأ إلا بصعوبة، وإن عيني التي هي صحيحة تشكو أيضاً الألم، وقد قلت الدراسة والقراءة الآنن فما كتبت حتى الآن إلا 60/ صفحة، ومع ذالك أكملت الكتاب وإن نفسي حزينة، إذا سلب سلاح الشرطي فماذا يكون عمله"؟.
                طبعت خلاصة هذا الرد باللغة الأردية في مجلة الندوة الصادرة من جامعة ندوة العلماء في شهر أكتوبر عام 1911م، وإن مقاله العربي الذي كان نموذجاً عالياً للأدب العربي اهتم بطبعه العلامة النعماني في لكناؤ في يناير عام 1912م، ثم أرسل بعض أجزائه في شهر فبراير إلى العلامة رشيد رضا المصري رئيس تحرير مجلة المنار لنشره في مجلته، قرأ العلامة رشيد رضا المصري هذا المقال فأثنى على صاحبه ثناءاً عاطراً، وشكر الله تعالى على إنجاز هذا العمل الجليل، ذالك أنه قد أرسل رسالات إلى عدد من العلماء نحو القيام بهذا العمل، لكن لم يجترئ أحد، إلا أن العلامة شبلي النعماني قد أدى الواجب الذي كان على العلماء، قال الشيخ الجليل حبيب الرحمن الشيرواني :إن العلامة السيد رشيد رضا المصري كان يتمنى أن يكتب رداً على هذا التاريخ، إلا أنه عجز عن هذا العمل نظراً إلى دسائس جرجي زيدان المبعثرة في أمكنة مختلفة، فقد قيض الله عز وجل العلامة النعماني أنه جمع جميع المكايد، وكتب ردها.
                قدم العلامة رشيد رضا المصري إلى الهند على دعوة من العلامة النعماني وزار المدارس والمراكز العلمية، ثم رجع، وقام بطبع هذا المقال الوجيز في مصر في صورة كتيب، فكان هذا الكتاب ترياقاً للسم الذي بذره تاريخ التمدن الإسلامي في قلوب الناس، في الهند ومصر وجميع نواحي العالم الإسلامي، هكذا ماتت هذه الفتنة العمياء شر ميتة.
حقوق الذمين:
                إن مستشرقي أوربا كانوا ينشرون هذه الدعاية أن لا حقوق لغير المسلمين في الحكومات الإسلامية، ومن المصادفة أن قد ثار النصارى من آرمينية على الخلافة العثمانية في ذالك الوقت، فتعرضوا للعقاب والنكال الشديد، اعتبر مستشرقو أوربا الإسلام دينا جائرا بالاستناد إلى مناظر وحشية مفروضة على غير المسلمين في هذا الأمر، ألف العلامة النعماني مقالاً، ذكر فيه أسباب الهجوم المفروض على آرمينية، وأثبت أن الحقوق التي وفر الإسلام للذميين كلها مبنية على العدل والإنصاف، وإن أوربا لا تستطيع أن تنال رائحة عدل الإسلام.
مكتبة الإسكندرية:
                اتهم المستشرقون عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأنه أحرق مكتبة الإسكندرية التي كانت أذخر المكتبات، فنّد العلامة النعماني بدلائله التاريخية أن هذه التهمة بالنسبة إلى الخليفة الثاني غلط فاحش، وأن المسيحيين هم الذين أحرقوا هذه المكتبة قبل قرون، نال تحقيقه رواجاً وشهرة، وكانت دلائله محكمة بحيث تراجع المؤرخون المسيحييون فيما بعد عن توجيه هذه التهمة إلى المسلمين.

نظرة على أورنغ زيب عالمكير:
                قام المؤرخون الإنجليز بنشر "مظالم" مفترضة لأورنغ زيب عالمكير نظراً لأغراض سياسية، بحيث وثق بها المسلمون، حتى إن مؤرخ الهند الشهير جادو ناته سركار جعل الحاكم المغولي أورنغ زيب عالمكير عرضة لكل تهمة، لأنه كان يريد أن ينفح الروح الإسلامية في الهند من جديد، استلفت الزعيم الهندي الشيخ محمد على جوهر عناية العلامة النعماني إلى هذا، والتمس منه أن يكتب رداً على هذا، فتناول العلامة النعماني هذا الموضوع بالدراسة وأجاب رداً على جميع التهم الموجهة إلى أورنغ زيب إجابة شافية، لاشك أن هذا الكتاب مؤلف لا نظير  له، وقد ترجم إلى عدة لغات بالإضافة إلى اللغة الإنجليزية.
تعليم المسلمين في العهد الماضي:
                بدأ العلامة النعماني ردوده الإيجابية ضد هفوات المستشرقين من كتابه هذا "تعليم المسلمين في العهد الماضي"، وكان سبب تأليفه أن انعقدت حفلة للمؤتمر التعليمي المحمدي في لكناؤ عام 1887م،  وقد استدعى السر السيد أحمد خان المثقفين للحضور في هذه الحفلة بإعداد مقال حول جوانب مختلفة للتعليم الإسلامي، فاختار العلامة النعماني لمقاله عنوان "تعليم المسلمين في العهد الماضي"، وكان هذا العنوان موجوداً في قائمة العناوين الفرعية، كتب العلامة النعماني رسالة إلى الشيخ سميع خلال هذه الأيام، قال فيها: "أرجو أن هذا المقال سيكون نابعاً من القلب ومدعماً بالمواد العلمية"، انعقدت الحفلة في مبنى بارة دري بلكناؤ، قدم فيها العلامة النعماني مقاله إلى الحضور المستمعين الذين سمعوا كلمات تاريخية بليغة عن مآثر أسلافهم أول مرة، بذالك انتشرت شهرة النعماني في البلاد، وأثنى عليه القاصي والداني، ذكر النعماني في مقاله هذا مناهج المسلمين التعليمية وأحوال المدارس ومزاياها، وكيف قام المسلمون بترجمة الكتب الأجنبية في اللغة العربية ونشرها في أرجاء المعمورة وكيف أسسوا المدارس والمؤسسات، وما هي مآثرهم في تنمية الثقافة الإسلامية، هذا وأمثاله ذكره العلامة النعماني في المقال نفسه.
محاولة سيئة لتحريف القرآن الكريم:
إن المسيحيين يحاولون منذ أن يبدلوا القرآن الكريم، فكان يخططون له مخططات منوعة، ففي عام 1914م[4]، أعلن مسئول مكتبة جامعة كيمبردج لندن أنه قد وجد في مكتبة نسخة خطية من القرآن تختلف من القرآن الكريم، وقام بنشر هذا النبأ على مستوى عالمي، حتى كتب مقالاً يتعلق بهذا الموضوع في 25/ أبريل عام 1914م في صحيفة (Times of London)، صال فوق الطرس صرير العلامة النعماني، فدبج مقالات بالدلائل الخطابية والبراهين العلمية قضى بها على دسائس أعداء الدين.
هذه إطلالة على بعض مؤلفات العلامة شبلي النعماني تنم عما قام به من خدمات جبارة في الدفاع عن الإسلام وإعادة ثقة المسلمين بالإسلام بإخلاص وجهد بالغين، فهو وحده منارة نور في هذا الجهاد العلمي.
النهاية:
مزايا مؤلفات العلامة النعماني:
اختار العلامة شبلي النعماني اللغة الأردية لمؤلفاته، فصنف فيها جميع تأليفاته وأثرى اللغة الأردية بدقة نظره وأسلوبه العذب، حتى لم يبق عار ولا شنار لعلماء عصره أن يكتبوا باللغة الأردية، فألف بعض العلماء كتباً كانت حافلة بمواد دسمة من حيث الإرشاد والهداية والندرة وعمق الموضوع، لكنها كانت معقدة بصعوبة الموضوع، وعدم فصاحة التركيب، وكثرة الاصطلاحات العلمية والفنية والبحث عن الأسلوب الفلسفي للفضلاء الماهرين فضلاً عن عامة الناس، فانتجح العلامة في كتبه نهج سهولة العبارة، وسلاستها، وجودة الترتيب واختيار الكلمات الفصيحة واستعمال الاستعارة والتشبيه حتى اعتبرت كتاباته أعلى مثال للأدب والإنشاء، فلم يكن لعلماء عصره مندوحة من أن يحاكوا أسلوبه فضلا عن المثقفين، ثم صار أسلوبه البديع لغة فصيحة للعلوم الدينية والعلمية.

أهم مصادر الدراسية:
1.         الجندي، أنور، أعلام القرن الرابع عشر الهجري،  مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1970م.
2.        النعماني، شبلي، سيرة الفاروق عمر بن الخطاب، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2000م.
3.        محجوب، د. فاطمة، الموسوعة الذهبية، دار الغد العربي، القاهرة، 2004م.
4.        سعيد، عبد الفتاح، مجلة منار الإسلام، ندوة العلماء بالهند ومكتبة شبلي النعماني، العدد 11، السنة 2009م.
5.        الندوي، أبوالحسن، المسلمون في الهند، ندوة العلماء لكناؤ، الهند، 1976م.
6.        الندوي، عبد الحليم، مراكز المسلمين التعليمية والثقافية والدينية في الهند، مطبعة نوري المحدودة، الهند، 1967م.
7.        الحسني، عبد الحي، الهند في العهد الإسلامي، دائرة المعارف حيدر آباد الدكن، الهند، 1972م.
8.        الندوي، مسعود عالم، تاريخ الدعوة الإسلامية في الهند، دار العربية، 1996م.
9.        النعماني، خورشيد، دار المصنفين أعظم كراه كى أدبي خدمات، رحيمي بريس، بومباي، 1977م.
10.     الندوي، السيد سليمان، مقالات شبلي، معارف بريس أعظم كراه، الهند، 1964م.
11.     الندوي، السيد سليمان، حياة شبلي، معارف بريس أعظم كراه، الهند، 1943م.
12.     الندوي، شاه معين الدين أحمد، حياة سليمان، معارف بريس أعظم كراه، الهند، 1971م.



[1]   الندوي، السيد سليمان، مقالات شبلي، معارف بريس أعظم كراه، الهند، ص – 44، 1964م.
[2] .  الندوي، عبد الحليم، مراكز المسلمين التعليمية والثقافية والدينية في الهند، مطبعة نوري المحدودة الهند، ص – 175، 1967م.
[3] .  الندوي، السيد سليمان، مقالات شبلي، دار المعارف أعظم كراه، ص 244-  ج، 2، 1964م.
[4] .  الندوي، السيد سليمان، حياة شبلي، معارف بريس أعظم كراه، ص – 89، 1943م. 






مواضيع ذات صلة
الاستعمارية, الأعلام المسلمة, تراجم العلماء,

إرسال تعليق

0 تعليقات