ادعمنا بالإعجاب

الهند ...... بين الأمس واليوم

أبوذر
 باحث بقسم اللغة العربية وآدابها 
جامعة علي كره الإسلامية



إن الهند من أقدم بلدان العالم حضارة وثقافة ويرجع تاريخها أكثر من خمس ألف سنوات، ومن خلال هذه الفترة شهدت الهند تحولات جسيمة في مختلف مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والتاريخية،فكم من الحضارات سادت ثم بادت، وكم من الامبراطوريات قامت ثم انعدمت، وكم من السلطات رسخت ثم تزعزعت، وكم من الأمم تطلعت ثم اختفت وكم من الجبابرة ظهروا ثم تواروا، وكم من الحروب الدامية حدثت ثم انقضت، ومع كلذلك كانتالهند تتقدم وترتقي عبر العصور والدهور حتى وصلت إلى يومنا هذامتمتعة بحضارتها الغنية وثقافتها السنية كما أنها تشتملعلى سهولها الفيحاء وواحاتها الواسعة وجبالها المتراسية وأنهارها الجارية وأرضها الخصبة.
بدأ تاريخ الهند الحقيقي منذ قدوم "الأريين" الذين دخلوا الهند عبر ممر خيبر المعروف الشهير، فتمكنوا بعد معارك عنيفة من إخضاع السكان الأصليين وطردهم إلى الجنوب أو استعبادهم بعد تدمير حضارتهم وثقافتهم، كانت الهند معروفة لدى العالم بنظامها الطبقى الذى يتمثل في أربع طبقات خاصة منها الكهنة (براهما) والمحاربين (كاشتريا) وعامة الشعب (قاييسا)والطبقة السفلى المستعبدة (شودرا)ظهرت الأديان المختلفة على أرض الهند مثلاً(بوذا وجين) ردا عليها ومخالفا عنها لما كان فيها من أسباب الذل والرذيلة للبشرية جمعاء، فما لبث أن ظهر تأثير هذهالأديان على سكانالهند بما فيهامن أسباب التخلص عن الظلم والعدوان الموجود في نظام طبقات الهند حتى اعتنقامبراطور "أشوكا"مذهب (بوذا ) فبلغ هذاالمذهب فى عهده إلى ذروته العليا من العزة والكمال.
طلعت شمس الإسلام من أفق جزيرة العربيةمنبعثة أنوارها المشرقة الزاهية وأشعتها النيرة إلىالعالم المعمور  المتحضر،فما زال الإسلام ينتشر فىمناطق الأرض المعمورة والمطمورة حتى توسع نطاقه في أقرب مدة منالهند شرقا إلىأسبانياغربا، ومن نهر (لورا) شمالا إلى الإفريقية الوسطى جنوباً، فدخل دين الاسلام الهند علىيد محمد بن قاسم فاتح السند،رغم أنعلاقات الهند كانت وطيدة بالعرب خلال التجارة عبر البحار، فاعتنق أهاليالهند الإسلام حبا لهفارين من نظام عدم المساواة والمؤاساةوالمؤاخاة الموجودة فى نظام طبقات الهند.
أقام المسلمون دولة إسلامية فى الهند،وحكموا عليها المدة التي تمتدأكثر من ثماني مائة أعوام. ومنخلال هذه الفترة أقيمت الامبراطوريات المسلمة المختلفة، ولكن سبقت منها الإمبراطورية المغولية وهي كانت أكبر امبراطوريات المسلمين في الهندمساحة ومسافة،وخلفت آثارها الخالدة الباهرةعلى أرض الهند ، فمنها التاج والقلعة الحمراء والمسجد الجامع بدلهي. أما التاج فهي آية الحب الخالدة الفذة التي بناها الامبراطور المغولي شاهجهان في ذكرى زوجته ممتاز محل بمدينة آغرة،وفي الحقيقة إنها العبرات المتجمدة على خد الكون قبل أن تتساقط على الأرض، وهىمن أجمل بناء العالم يتدفق إليها السائحون من كل فج عميق، ولها سمعة عالمية، وتعدالعجائب السبعة العالمية بجمالها النادر وحسنها الفذ.
ومع مرور الزمن جعلت قوة المسلمين تضعف يوما فيوما ولا سيما بعد وفاة الامبراطور المغولي العظيم اورنك زيب عالمكير الذي حكم البلاد خمسين سنوات مستقلا، فبدأت قصة انحطاط المسلمين في الهند من وفاته، وكسرت شوكتهم وقوتهم ولم يكن هناك أحد ينقذهم من الورطة الإنكليزية المحاطة بهم من كل جانب، وجعلت الدولة تتعرض لسلسلة من الثورات الداخلية والخارجية، حتى انزوتفي القلعة الحمراء بدهلى،وفىأثناء ذلك حدثت ثورة فى عام ١٨٥٧ التىكانت معروفة بدورها في تاريخ الهند الحديث باسم حرب التحرير الأول ضد الانكليز الغاشم. واندلعت الحرب طول البلاد قاصيها ودانيها، وانفجر غضب المواطنينالكامن في قلوبهم ضدهممن زمن طويل فقاوموهم بشدة وقوة ولكن انهزموا،وفشلت الثورة فكانت نتيجة لقلةالوسائل وعدم معرفة مخططات الحرب وكانفريق الهند بمثابة جموع محتشدة، وتولى الانكليز مقاليد الحكم بفشلها تماما، فعذبوا الثوار أنواع التعذيب وقتلوا ونهبوا وصلبوا.
وشهدت أرض الهند بأبشع الأشكال الهمجية والوحشية من القتل والفتك، فخربت البيوت وهدمت المباني وانتهكت الأعراض ونهبت مدينة دهلي مطلقا ونفي آخر الامبراطور المغولي بهادر شاه ظفر الذي كان رائد الثورة إلى رانكون. وتمخضت منخلال الثورة الجامعات والمدارس لحفظبقية الباقية من الهلاك والدمار. فكانتجامعة علىكره الإسلامية ومدرسة ديوبند، ومدرسة مظاهر العلوم ومدرسة ندوة العلماءوليدة لتلك الحادثة القاسية.فحملت الثورة مسلمى الهند علىاتخاذ وسائلجديدة وإعادة نظر عليها من جديدلمكافحة الانكليزوإنقاذ البلاد من أياديهم المستبدةالغلابة، ولذلك قام الزعماء الكبار والقادة العظام أسلحة التعليم والثقافة. وقاموا بجهود متواصلة وآثار عظيمة إلى أن تحررت الهند من الانكليز في عام 1947.
ولما حصلت الهند على الاستقلال وتمخضت عن ذلك دولة باكستان المسلمة ازدادت العداوة والحقد بين الهندوس المتطرفين والمسلمين مما أسفر عن ضحية آلاف من كلا الجانبين،وبدأ يطالب غلاة الهندوس طرد المسلمين من أرض الهند الذين آثروا البقاء فيها واختاروا الهند وطنا لهم، ولكنقد ضاقت الأرض بما رحبت بمرور الأيام وقد أصبحت الأوضاع الهندية أكثر قاسيا ومضطربا منذ أن تولى مقاليد الحكم حزب متطرف يعرفبحقده للأقليات عامة وللمسلمين خاصة فى عام ٢٠١٤ برئاسة رئيس الوزراء الهندى نريندرا مودى، وازدادت الحوادث الطائفية والتصريحات المستفزة ومحاولة فرض الفكرةالخاصة على المواطنين مكرها وإجباريا كمااشتدتمحاولة تحويل البلاد إلى بلد هندوسيالذىينتمي إلى كبار اله الهندوس رام ويقال له (رام راجيه)وشرعوا لتنفيذذلك المشروع إذقررت المحكمة العليا الهندية أخيراًهدم مسجد البابرى وبناء على أنقاضها معبد راما الكبيرالذى كان يعد أكبر السبب للنزاع فيما بينهم حيث ان الهندوس المتطرفون مازالوا يدعون بمكان المسجد كمسقط رأس راما فى مدينة ايودهيا بولاية اترا برديش.
 شهد المسلمون الهنديون العديد من الاضطرابات الطائفية والعنصرية خلال الأعوام المنصرمة على مستوى كبير التي قادها المنظمة آر ايس ايسالمتطرفة، بدءا من استقلال الهند إلى شهادة مسجد البابرى فى عام ١٩٩٢، وإلى الاضطرابات الطائفية المستجدة بدهلى التى تضر المسلمين حرقا ونهبا وقتلا ودمارا وهلاكا تحت ظل صمت الدولى السري، وتفاقم الأمر إذ قررت الحكومة الهندية تهميش المسلمين وطردهم من البلاد حسب قانون الجنسية الجديدة التىتسحبهويتهم وجنسيتهم مما ضجت البلاد صخبا واندلعت الاحتجاجات ضد الحكومة من الشرق إلى الغرب فى البلاد ،وتم الاعتقال لعديد من المظاهرين منطلاب الجامعاتولا سيما طلاب الجامعة الملية الإسلامية بدهلى وجامعة على كره الإسلامية،وكذلك اتهمت جماعة التبليغ بتفشي فيروس الكورنا المستجد بالهندكما أنها معروفة بسبب عدم علاقتها بالسياسة، فوقعت فريسة للظلم والعنف والاعتداء على أنها تقول بأن الله ربها، والاسلام دينها والقرآن دستورها، مما أسفر عن الاعتداء والعنف للمسلمين جميعاً.
يبدو أن الهند بدأت تفقد روحها الأصلية وجوهرها الحقيقية التي تكونت من التعددية واحترام المتبادل والتفاهم المشترك والتسامح الجميل، وهي لاتزال تنعزل عن أسس قوية من الوئام الطائفي التى تعرف بها كل العالم من طويلة الأمد.
هذا هو الهندالجديدة التى تطالب من الأمة الإسلامية الهندية المضطهدة قوة العمل وتنمية الوعىالاجتماعية والسياسية والثقافية كماأنها تحملها على التفكير وتدعوها  أن تبذلقصارى جهودها فعلياًفي مختلف ميدان الحياة، وقد آن الأوان أنتشعل جمرتها الخامدة وتقوم بدور مثالي في تكوين المجتمع الاسلامي المثالي  لا على مستوى الهند فحسب بل على مستوى العالم.

مواضيع ذات صلة
الاستعمارية, تاريخ الهند, تراث الهند،,

إرسال تعليق

0 تعليقات