ادعمنا بالإعجاب

معالم مسجد « تشيرمان» طراز معماري فريد يحمل عبق الحضارة الإسلامية


بقلم: منصور محمد .الهند - كيرالا
لا يمكن أن تزور ولاية كيــرالا )مليبار( الهندية، ذات الطبيعة الســاحرة، دون أن تتوقف عند مســجد تشــيرمان. وما إن تتهادى قدماك باجتاه باب املسجد حتى تسكنك الطمأنينة وراحة النفس؛ لم لا وكل شــيء هنا داخل المسجد وخارجه يعيدك إلــى العصر الإســالامي الأول، ويذكرك بعبق عصر الرسول صلى اهلل عليه وســلم، حينما عرفت هذه الوالية العريقة الإســلام. يدل على ذلك حديث لأبى سعيد الخدري قال: »أهدى ملــك الهند إلى رســول الله صلى الله عليه وســلم جرة فيها زجنبيل فأطعــم أصحابه قطعة قطعة، فأطعمني منها قطعة«.

ويُعتقد أن الملــك المذكور في الحديث هو شــيرمان فرما( Perumal Cheraman)   الذي ترك سلطنته بـ )مليبار – كيرالا ( ورحل إلــى النبي صلى الله عليه وســلم مع جتــار العرب واعتنق الإســلام وسِّمي أبو بكر تاج الدين، فلبث هناك مدة ثم خرج فــي جماعة من الدعاة إلى بالده ولكن وافته المنية في الطريق.
ويحكــى أن ملك مليبار شــيرمان فرمال قد شــاهد انشــقاق القمر الذي وقع في مكة معجزة للنبي صلى اهلل عليه وســلم فاستفســر عنها كهانه أوال فلم يجد عندهم جواباً ً شافيا، ث لقي تجار العرب الذين كانوا يعتادون العبور على ميناء مُسرسكدنغلور- مليبار- كيراال فأخبروه بحقيقة الأمر، فترك السلطنة لوارثيه وارحتل إلى الحجاز و اعتنق الإســلام بحضرة النبي صلى الله عليه وســلم.
وفى التفاصيل أن الملك كان قد خرج إلى مليبار ومعه الصحابي الجليل مالك بن دينار وأربعة عشر من أصحابه، رضي الله عنهم، ولكنه ابتلي بمرض شــديد فــي طريقه إليهــا ( بِمنطقة ظَفار-صَلالة - في دولة عمان) وتوفــي بها. وقد أوصى إلى أهله مبليبار في رسالة أرسلها إليهم )على يد مالك بن دينار وأصحابه رضي الله عنهم،(، أن يساعدوا هذه الجماعة التي تقصد دعوة الإسلام في البلاد.

وقصــد مالك بن دينــار وأصحابه، رضي الله عنهم، منطقة كدنغلور- وهى ميناء قد يكان معروفا عند العرب وأمثالهم من التجار وفوضوا رسالة شيرمان إلى المسؤوليين فوعدوهم بالنصر والمســاعدة، وكان من أول مــا صنعوه في مليبار تأســيس أول مســجد فى الهند بني فى مدينة كدجنلور عاصمة ولاية كيرالا الواقعة على شاطئ بحر العرب في ساحل الهند الغربي المواجه لجزيرة العرب في عام 701م
            ويقول المؤرخون إن رســالة من الرســول قــد وصلت إلى ملك كدجنلور (شــيرمان برومال) في عام 8 هـ، وســافر هذا الملك إلى مكة للقاء الرســول محمد، ثم وصلت جماعة من المســلمين العرب تحت زعامة (مالك بن دينار) إلى بلاد كيرالا التي كان يطلق عليها المؤرخون العرب اســم - مليبار- لنشر الدعوة اإلسالمية  ,  ثم طافــت بأنحاء البلاد ونزلــت هذه الجماعة فــي كدجنلور أولا تدعو إلى الإســلام وتنشــر مبادئه، وتعاليمه بـيـن الناس وتبني المســاجد والمعاهد الدينية. وبمرور الزمن بنى مالك بن دينار أحد عشــر مسجداً في أنحاء كيرالا ، ومن أشهرها مسجد كدجنلور المعروف اآلن باســم (مسجد شــيرمان)، ولايزال عامراً بالمصلين  والزائرين ومحط أنظار الباحثين والسياح.
ومنذ ذلك الحين انتشر الإسلام ســريعا في كيرالا؛ لما رأى الناس من حســن ديننا الإســلامي وأخلاق الكرمية للدعــاة ، وبنيت المســاجد من أقصاها إلى أقصاها، ومن أشهرها أيضا مسجد مالك بن دينار أول قاض بـ »كاسركود«، وصار يقصده يوميا مئات المسلمين وغيرهم.
وعلى مر الأيام أضافت( مليبار - كيراال-) كثيرا من العلماء وأهل البيت من اليمن، فكان لهم قبول عظيم عند المسلمين، فعينوا قضاة ورؤســاء، فمضى الناس في مليبار على المذهب الشافعي، فيما يتبع معظم المســلمين في الهند المذهب الحنفي ، ومع أن المســلمين يمثلون نحو 26 %من سكان هذه الولاية الصغيرة ، إلا أنهم يملكون تراثا عظيما وثقافة إســلامية غزيرة ، ولهم مكانة دينية وسياســية واقتصادية عظيمة ، شــأنهم في ذلك شأن كل مســلمي الهند الذين يمثلون ثاني أكبر تعداد للمســلمين في العالــم، ويعتبرون أمنوذجا فريدا في التعايش الســلمى مع غير الملســلمين ، ويقدمون إســهامات هائلة فى تدريس الإسلام وعلومه، ويقومون بدور فاعل في المجتمع الهندي ، منذ أن بسطوا  نفوذهم في شمال الهند في أواخر القرن الثاني عشر الميلادي.
إبداع معماري
وتتميز المساجد الإســلامية القدمية في شــبه القارة الهندية بفنها المعماري الأصيل، وبأســلوبها الراقي فــي البناء والمختلف عما كان ســائدا في مصر وتركيا وبلاد فارس آنذاك، حيث يتكون المسجد من مجموعة مبان متلاصقة في مكان فسيح مفتوح، على عكس المســاجد الهندية التي تتميز بتشــكيالت بنائية وزخارف فنية مليئــة بالصور الآدمية والألشــكال الرمزية، ومع التواصل بين النوعين نشــأ مزيج عجيب من هذين الأســلوبين في البناء، وظهرت فيما بعد مساجد ضخمة ذات إبداع معماري هندي إسلامي متفرد، لا يشبهه أي فن معماري آخر في المنطقة والعالم .
سمات مميزة وملامح أصيلة

وتمتــاز واجهات ومداخل وأبواب مســاجد الهند بالفخامة التي تشبه الأسوار والأبراج في ضخامتها حتى تقاوم الغزاة، وبارتفاع جدرانها وزيادة مســاحتها عن غيرها من المساجد خارج الهند، أما المآذن فقد اشــتهرت بشكلها المســتدير العظيم االرتفاع، وهيئتهــا الفخمة التــي تعتبر منارة القطب مثــال لها، يصل ارتفاعها إلــى 5.72 متراً وقطر قاعدتهــا 15 متراً وتتناقص مع ارتفاعهــا أثناء صعودها إلى أعلى لتصــل إلى ثالثة أمتار فقط عند القمة. وتشــتهر المآذن بشــكلها المضلع، كما أنها تشبه أعمدة متجاورة متلاصقة ولها شــرفات تستخدم للمؤذن الذي يدعو للصلاة، واتخذت المآذن الأســلوب السلجوقي الذي كثر في غزنة بأفغانستان.
ومن ســمات القباب بالهند أثناء حكم ســلاطين أفغانســتان والتيمورين كونها ذات شكل بصلي، وتعتمد طريقة القباب على الشكل الأســطواني، أو بطريقة الانتقال من الشكل المربع إلى المستدير بواســطة وضع مثلثات كروية (حنايا) في أركان المربع، ومن أعلى قمم هذه المثلثات يتكون الشــكل الدائري الذي ترتكز عليه طاقية القبة البصليــة، وتجتاور القبة الضخمة قباباً أخرى أصغر منها أو متوســطة الحجم، وتشــيد القبــة الكبرى فوق محراب المسجد، كما يتضح في مبنى المركز الإسالمي في الهند بمدينة دلهي.
ومن أقدم مساجد دلهي، مســجد (قوة الإسلام)، ويقع في حرم )منار قطب) وتم تشــييده بني عامي 1191-1196 ،وقد بني طبقاً لأســلوب فن البناء الهندي الإسلامي، وهو عبارة عن مبنى مربع يتكون من قاعة كبيرة للصالة في الجهة الغربية، ومن سلسلة من الأعمدة والأقواس، وقد أجريت فيه بعض التوسعات في عام 1230 في عهد السلطان الطمشي، ولم يبق منه الآن إلا   الهيكل الرئيســي وبعض الأعمدة والجدران مع زخارفها ونحوتها الرائعة من الآيات القرآنية وغيرها.
            وفي عام 1310 شيد مســجد ضخم على مقربة من قبر الشيخ خاجة نظــام الدين الداعية الإســامي، ووتوفر بــه نواحي الفن المعماري الإسالمي، ويشتمل على ثالث غرف ذات قباب عالية ومنبر مرتفع ومحراب في الجهة الغربية، ولا يزال محتفظاً بعظمته.
ويعتبر المســجد الذي بناه السلطان شير شــاه في عام 1541 داخل القلعة القدمية في دلهي أفخم المســاجد في الهند قبل العهد المغولي، ويمتاز هذا الملســجد بجمال زخرفي ومعماري مع وقاره في هيكله العام، وقد شــيد في دلهي في تلك الفترة عدد من المســاجد الرائعة، ومنها )كالي مسجد( و)كهركي مسجد( وكلها ذات بوابات متعددة وقباب وأبراج كثيرة وأبواب مقوســة ومنافذ للنور والهواء، وما زالت هذه المساجد باقية وعامرة حتى الآن، وشاهدة على عظمة الحضارة الإسالمية العريقة.


مواضيع ذات صلة
تاريخ الهند, تاريخ كيرالا, تراث الهند،, ثقافة كيرالا, كيرالا,

إرسال تعليق

0 تعليقات