ادعمنا بالإعجاب

صفي الرحمن المباركفوري في ضوء كتابه "الرحیق المختوم"

بقلم: د/ نسيم أحمد (محاضر ضیف سابقا، قسم اللغة العربیة وآدابها، الجامعة الملیة الإسلامیة، نیودلهي.)

هذه حقیقة لا ریب فیها بأن شخصیة الرسول – صلى الله علیه وسلم – هي أكبر وأسعد شخصیة في العالم اعترف بفضلها كل طبقة من طبقات الجنس البشري، دون تفریق بین الأدیان والأوطان والألوان، وحظیت بالقبول لدى كل رجل، عربي وعجمي، ومسلم وغیر مسلم، وتغلغل حبها في كل قلب، تغلغل في قلوب الأعداء كما في قلوب الأصدقاء، وفي قلوب العجم كما في قلوب العرب. وقد عبر كل واحد منهم عن حبه بشتى الصور، بالدموع والدماء، والتضحیة والفداء، والسنان والقلم.
لقد اهتم المسلمون منذ الأیام الأولى للإسلام بسیرة الرسول – صلى الله علیه وسلم – واعتنوا بتسجیل وقائعها وستظل موضع عنایتهم بإذن الله، لأن سیرته – علیه الصلاة والسلام – تنفیذ عملي للتشریع الرباني وبیان لأحكامه. وظهرت في كل عصر ومصر، وفي كل زمان ومكان، دراسات ومؤلفات في السیرة النبویة تتخذ طوابع مختلفة، فمنها ما یحرص على تدوین السیرة الكاملة، ومنها ما یهدف إلى اختصارها وتلخیصها، ومنها ما یعني بالدروس الدینیة والتربویة المستقاة منها، ومنها ما یطمح إلى التحقیق من بعض الوقائع والأقوال ....... إلى غیرذلك.
لقد أنجبت أرض الهند عددا كبیرا من العلماء والكتاب والمؤلفین الذین قدموا إسهامات بالغة قیمة في مجال السیرة النبویة، ومن أبرز هؤلاء العلماء الشیخ صفي الرحمن المباركفوري 1942 م- 2006 الذي تمیز بعلمه الغزیر وتواضعه الجم، -  وشارك في ندوات ومحاض ا رت في مختلف أرجاء الهند وفي الولایات المتحدة والمملكة العربیة السعودیة وكثیر من الدول الأخرى. عمل بالجامعة الإسلامیة بالمدینة المنورة لمدة عشر سنوات ابتداءً من عام 1988 م وعمل على تألیف العدید من الكتب القیمة باللغتین العربیة والأردیة وأشهرها "الرحیق المختوم".
إن كتاب "الرحیق المختوم" الذي أكسب الشیخ المباركفوري شهرة عریضة واسعة في أرجاء العالم الإسلامي یتناول دراسة السیرة النبویة في عهدیها المكي والمدني بأسلوب عصري وجیز وبمفردات معاصرة واضحة. وقد ألفه المؤلف إسهاما في المسابقة الكتابیة العالمیة في السیرة النبویة التي عقدتها رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة بالمملكة العربیة السعودیة في عام 1976 م، وفاز هذا الكتاب بالجائزة الأولى من بین البحوث التي بلغ عددها 171 بحثا.
وقد نال هذا الكتاب قبولاً عاماً بین علماء وطلاب السیرة النبویة، وترجم إلى عدة لغات، وصدرت له طبعات كثیرة، ولا یزال یطبع حتى یومنا هذا. وأما النسخة التي اعتمدت علیها في هذا المقال، تم طبعها في صورة جمیلة من مطبعة دار السلام للنشر والتوزیع بالریاض عام 1418 ه بعد التعدیلات المهمة النافعة والإضافات الطیبة من قبل المؤلف، وهي أصح الطبعات وأسلمها من التصحیف والغلط وأنفعها للقارئین وتقع في 488 صفحة من حجم متوسط.
ومن الملاحظ أن الشیخ ألف هذا الكتاب خلال فترة وجیزة جداً لا تتجاوز ثلاثة أشهر، وفیه یقول الشیخ: "وكان من حدیث هذا الكتاب أني لم أطلع على إعلان الرابطة عن المسابقة في وقته، ولما أخبرت به بعد حین لم آمل إلى الإسهام فیها، بل رفضت هذا الاقتراح رفضًا كلیًا إلا أن القدر ساقني إلى ذلك. وكان آخر موعد لتلقي بحوث المسابقة واستقبالها عند الرابطة أول شهر محرم من العام القادم 1397 ه، أي نحو تسعة أشهر من وقت الإعلان، وقد ضاعت مني من ذلك عدة أشهر، والمدة الباقیة لم تكن تكفي لإعداد مثل هذا الكتاب، ولكن لما عزمت على ذلك استعنت بالله سبحانه وتعالى، وشمرت عن ساق الجد، حتى تم إنجازه وٕارساله . في الموعد[1]"
ولیس هذا فحسب بل المتأمل لحال الشیخ في ذلك الوقت یجد أنه قد ألفه مع شح المصادر في منطقته، وعدم القدرة على مراجعة الإحالات، وتوثیقها مع ضیق الوقت.
محتویات الكتاب
لم یقسم المؤلف هذا الكتاب إلى أبواب وفصول كما هو المعتاد عند كتاب السیرة النبویة، بل قسمه إلى عناوین رئیسیة مختلفة، ثم وضع عناوین فرعیة كثیرة تحت كل عنوان رئیسي. وبالإضافة إلى هذه العناوین یحتوي الكتاب على ثلاث مقدمات في صفحاته الأولى كلمة معالي الشیخ محمد علي الحركان - رحمه الله -، مقدمة الناشر، ومقدمة المؤلف وعلى ثبت المراجع والمصادر وفهرس الموضوعات في صفحاته الأخیرة، فالعنوان الرئیسي الأول هو عن موقع العرب وأقوامها، قدم فیها المؤلف بعض التفاصیل عن أقوام العرب وتطوراتها قبل الإسلام وعن الظروف التي بعث فیها محمد - صلى الله علیه وسلم- وذلك لفهم الرسالة المحمدیة بتمامها بعد المقارنة بین خلفیات هذه الرسالة وآثارها.
وقد أوضح المؤلف في هذا العنوان أن هاجرة، زوجة إبراهیم وأم إسماعیل - علیهما السلام - لم تكن أمة مملوكة لفرعون مصر، كما یعتقد بعض المؤلفین بل إنها كانت حرة، وكانت إبنة فرعون، وقد رجح المؤلف هذا الرأي بناء على تحقیق الكاتب الكبیر العلامة القاضي محمد سلیمان المنصورفوري في كتابه "رحمة للعالمین" وعلى " تاریخ ابن خلدون" [2]
والعنوان الثاني: هوعن الحكم والإمارة في العرب وأحوالهم السیاسیة. ذكر فیه المؤلف تاریخ الحكومة والإمارة في العرب وأحوالهم السیاسیة. والعنوان الثالث: هو عن دیانات العرب، استعرض فیه الحالة الدینیة عند ظهور الإسلام فذكر عقائدهم وأعمالهم وبیّن كیف بدأ وانتشر الشرك وعبادة الأصنام.
في المجتمع الجاهلي. والعنوان الرابع: هو "صور من المجتمع العربي الجاهلي" بین فیه المؤلف الأحوال الاجتماعیة والاقتصادیة والخلقیة للعرب عند ظهور الإسلام. والعنوان الخامس: هو "نسب النبي - صلى الله علیه وسلم - وأسرته" ذكر فیه نسب النبي - صلى الله علیه وسلم - وأسرته كما ذكر فیه واقعة حفر بئر زمزم وواقعة الفیل . والعنوان السادس: المولد وأربعون عاما قبل النبوة، وفیه ذكر ولادته-صلى الله علیه وسلم- وما یتعلق بها من الروایات المختلفة المعروفة لدى المؤرخین، ولو أنه ذكر روایة الطبري، والبیهقي وغیرهما عن سقوط أربع عشرة شرفة من ایوان كسرى  . عند ولادته - صلى الله علیه وسلم - إلاّ أنه لم یؤمن بصحتها وارتاب في إسنادها [3]
ثم ذكر أحوال طفولته - صلى الله علیه وسلم - وٕاقامته في قبیلة بني سعد وواقعة شق صدره وحنان أمه وعطف جده وعمه علیه كما ذكر قصته مع بحیرا الراهب أثناء سفره إلى الشام ومشاركته في حرب الفجار وحلف الفضول، وأمانته في التجارة وزواجه خدیجة، وفي نهایة هذا العنوان ذكر واقعة بناء الكعبة وتحكیمه في نزاع وضع الحجر الأسود في مكانه كما ألقى ضوءً إجمالیاً على سیرته قبل النبوة. ثم قسم المؤلف حیاة رسول الله - صلى الله علیه وسلم - بعد أن أكرمه الله بالنبوة والرسالة إلى عهدین یمتاز أحدهماعن الآخر تمام الإمتیاز.
·       العهد المكي : ثلاث عشرة سنة تقریباً .
·       العهد المدني : عشر سنوات كاملة .
أما العهد المكي فقسمه المؤلف إلى ثلاث مراحل:
·       مرحلة الدعوة السریة، ثلاث سنوات
·       مرحلة إعلان الدعوة في أهل مكة، من بدایة السنة الرابعة من النبوة إلى  هجرته - صلى الله علیه وسلم - إلى المدینة.
·       مرحلة الدعوة خارج مكة، وفشوها فیهم، من أواخر السنة العاشرة من النبوة، وقد اشتملت على العهد المدني، وامتدت إلى آخر حیاته صلى الله علیه وسلم.
أما مراحل العهد المدني فسنتكلم عن تفصیلها في موضعه.
وقبل الأخذ في المرحلة الأولى من العهد المكي أقام المؤلف عنواناً "في ظلال النبوة والرسالة" ذكر فیه إقامة النبي - صلى الله علیه وسلم - في غار حراء في شهر رمضان وعبادته فیه وتفكیره فیما حوله من مشاهد الكون كما ذكر بدایة الوحي، واختلاف العلماء في تعیین یومها وشهرها، ورجح یوم الإثنین لإحدى وعشرین مضت من شهر رمضان الموافق 10 أغسطس سنة 610 م، وفي الأخیر بین أقسام الوحي المختلفة.
وفي المرحلة الأولي من العهد المكي - وهومرحلة الدعوة السریة- تناول المؤلف ثلاث سنوات من الدعوة السریة، وأوائل المسلمین الذین آمنوا برسالته - صلى الله علیه وسلم - خلال هذه الفترة.
 وفي المرحلة الثانیة من العهد المكي - وهي مرحلة الدعوة جهاراً- تناول المؤلف أمورًا كثیرة ومنها إظهاره - صلى الله علیه وسلم - بالدعوة في عشیرته وفي قریش، وخطابه أهل مكة من على جبل الصفاء، ثم إجهاره -صلى الله علیه وسلم- بالدعوة إلى الإسلام في مجامع المشركین ونوادیهم وردود فعل المشركین علیه، والصراعات بین المسلمین والمشركین ومراحلها المختلفة، والأسالیب الشتى لمجابهة الدعوة الإسلامیة، واضطهادات الكفار واعتداءاتهم على النبي - صلى الله علیه وسلم- وعلى المسلمین جمیعاً وما نتج عن ذلك من الهجرة الأولى والثانیة إلى أرض الحبشة، ومكیدة قریش بهؤلاء المهاجرین وتهدیدهم أبا طالب - عم رسول الله - صلى الله علیه وسلم- وٕاسلام حمزة وعمر- رضي الله عنهما-، ثم ذكر مقاطعة المشركین بني هاشم وبني عبد المطلب وحبسهم في شعب أبي طالب لثلاثة أعوام، وما لاقوا من المصائب والمشكلات خلال هذه الفترة، وما عانى النبي وأصحابه من لأحزان والآلام إثر وفاة عمه أبي طالب وزوجته خدیجة الكبرى - رضي الله عنها- ، ثم استطرد المؤلف إلى ذكر الأسباب والعوامل التي بلغت بالمسلمین إلى تلك الغایة القصوى، والحد المعجز من الثبات، وأثبت أن شخصیة النبي الجذابة وقیادته الحكیمة هي التي جعلت كل ذلك ممكناً إلى حد كبیر.
وفي المرحلة الثالثة - وهي المرحلة خارج مكة- تناول المؤلف أحوال سفره - صلى الله علیه وسلم- إلى طائف لدعوة أهلها إلى الإسلام، كما تناول ملخصاً كیفیة عرضه الإسلام على القبائل والأفراد الذین كانوا یأتون إلى مكة لقضاء فریضة الحج من خارجها، ثم أتى المؤلف إلى ذكر تفاصیل الإسراء والمعراج، واختلاف العلماء في تعیین زمن حدوثه، وبعد ذلك ذكر تفاصیل بیعة العقبة الأولى وبیعة العقبة الثانیة، وتفاصیل محاولة المشركین لقتل النبي - صلى الله علیه وسلم – وهجرته إلى المدینة المنورة، وبذلك انتهت المرحلة الأولى من حیاة النبي - صلى الله علیه وسلم-.
وقسّم المؤلف العهد المدني إلى ثلاث مراحل:
·       مرحلة أثیرت فیها القلاقل والفتن، وأقیمت فیها العراقیل من الداخل، وزحف  فیها الأعداء إلى المدینة المنورة لاستئصال خض ا رئها من الخارج. وهذه المرحلة تنتهي إلى صلح الحدیبیة في ذي القعدة سنة ست من الهجرة.
·       مرحلة الهدنة مع الزعامة الوثنیة، وتنتهي بفتح مكة في رمضان سنة ثمان من الهجرة، وهي مرحلة دعوة الملوك إلى الإسلام.
·       مرحلة دخول الإسلام في دین الله أفواجاً، وهي مرحلة توافد القبائل والأقوام  إلى المدینة، وهذه المرحلة تمتد إلى انتهاء حیاة الرسول -صلى الله علیه وسلم- في ربیع الأول سنة 11 من الهجرة.
ففي المرحلة الأولي تناول المؤلف الأوضاع السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة في المدینة عند الهجرة، وما اتخذ النبي - صلى الله علیه وسلم- من الخطوات تجاه بناء مجتمع جدید في المدینة، مثل بناء المسجد النبوي، والمؤاخاة بین المسلمین، ومیثاق التحالف الإسلامي، ثم ذكر المعاهدة مع الیهود وأهم بنودها، وبعد ذلك استعرض بالتفصیل مكیدات المشركین ومؤامراتهم ضد المسلمین، وأحوال السرایا والغزوات، وأسبابها وحوافزها، ونتائجها ومن أهمها غزوة بدر وغزوة أحد وغزوة الأحزاب، وغیرها، وتضحیات المسلمین وبلاءهم الحسن، كما تناول الغزوات والصراعات الدامیة مع الیهود خلال هذه الفترة وتفاصیلها.
وأما المرحلة الثانیة، فقد قسمها المؤلف على قسمین:
·       النشاط في مجال الدعوة، أو مكاتبة الملوك والأمراء.
·       النشاط العسكري.
وفي القسم الأول تناول المؤلف مكاتبة الملوك والأمراء، فذكر فیه ثمانیة كتب أرسلها النبي - صلى الله علیه وسلم- إلى ملوك وأمراء البلدان المجاورة لدعوتهم إلى الإسلام وبیّن عواقبها ونتائجها.
وفي القسم الثاني تناول المؤلف موضوع النشاطات العسكریة بعد صلح الحدیبیة، ومن أهم هذه النشاطات غزوة ذي قرد، وغزوة خیبر، وغزوة وادي القرى، وغزوة ذات الرقاع، وغزوة الموتة، وغزوة فتح مكة وغیرها فذكر المؤلف أحوال هذه الغزوات وأسبابها وعواقبها بقدرمن التفصیل.
وأما المرحلة الثالثة فقد قسمها المؤلف إلى صفحتین:
·       صفحة المجاهدة والقتال.
·       صفحة تسابق الشعوب والقبائل إلى اعتناق السلام.
ففي الصفحة الأولى تناول المؤلف غزوة حنین وأسباب تشتت المسلمین في أول الأمر، وغزوة الطائف، وغزوة تبوك وأسبابها وما واجه المسلمون من المشكلات
والمشاق في سبیلهم إلى "تبوك" وغیرها من الغزوات، والس ا ریا، والبعوث. وفي الأخیر ألقى المؤلف نظرة عابرة على غزوات النبي - صلى الله علیه وسلم - جمیعها، ووصل من خلالها إلى نتیجة أن النبي - صلى الله علیه وسلم - كان أكبر قائد عسكري في الدنیا وأسدهم وأعمقهم ف ا رسة وتیقظا .
وفي الصفحة الثانیة تناول المؤلف موضوعات شتى ومنها تسارع الناس إلى اعتناق دین الإسلام، ونجاح الدعوة الإسلامیة وأثرها على المجتمع الإنساني، وحجة الوداع وأحوال مرضه - صلى الله علیه وسلم- ووفاته، والبیت النبوي وأعضاءه وأسباب كثرة زوجاته - صلى الله علیه وسلم-. وختم المؤلف الكتاب بالكلام عن صفات النبي - صلى الله علیه وسلم - وأخلاقه ومكارمه.
 فهكذا یمكننا أن نقول إن هذاالكتاب مع حجمه المتوسط بحث كامل وجامع حول السیرة النبویة ولایترك جانباً من جوانبها إلاّ و یتناوله بالتفصیل أو الإیجاز.
منهج المؤلف في الكتاب
إن المؤلف نفسه أشار إلى منهجه في مقدمة كتابه إشارة بسیطة فقال: "وكلمة بسیطة أرى أن أقدمها عن منهجي في مقالتي هذه: إني حین قررت كتابتها رأیت أن أضعها في حجم متوسط متجنباً التطویل الممل والإیجاز المخل، وقد وجدت في المصادر اختلافا كبیرًا في ترتیب الوقائع، وفي تفصیل جزئیاتها، وفي مثل هذه المواقع قمت بالتحقیق البالغ، وأدرت النظر في جمیع جوانب البحث ثم أثبت في صلب المقالة ما ترجح لدي بعد التحقیق. ولكن احترزت عن إیراد الدلائل والبراهین لأنّ ذلك یفضي إلى طول غیر مطلوب. نعم! ربما أشرت إلى الدلائل حین خفت الإستغراب ممن یقرأ المقالة، أوحین رأیت عامة الكاتبین ذهبوا إلى خلاف . الصحیح" [4]
ویتضح من هذه الكلمات أن المؤلف اختار أسلوباً عصریاً وطریقة علمیة في عرض المادة التاریخیة وقام بالتحقیق البالغ لأجل الوصول إلى السداد والصواب، وسوف نتكلم عن ذلك بشيء من التفصیل تحت عنوان "می ا زت الكتاب وخصائصه".
مصادر الكتاب
كل منا یعرف أن السیرة النبویة قد عانت الكثیر بمرور الزمن من الإضافات في الخبر التاریخي، بموازاة ما كان یحدث في الحدیث النبوي، ومن ثم فإنّ أیة محاولة لكتابة السیرة أو إعادة كتابتها بشكل أدق یتحتم أن تمارس اختیارًا مسئولاً بطبیعة الحال، ولیس مجرد هوى عشوائي، لخیر ما قدمته المصادر القدیمة عن السیرة من روایات موثقة أصیلة، ولأحسن ما طرحته الدراسات الحدیثة من تحالیل ومواقف واستنتاجات قد تعین على إضاءة أشد تركیزا لموضوعات السیرة الخصبة المتشابكة، ولكن تبقى المصادر الأولى الأصیلة الأساس الذي یقوم علیه البناء، لأنّ المادة الأولیة التي یقام علیها الصرح موجودة هناك، ونظرًا لأهمیة ضرورة تنقیة السیرة مما شابهها على مر الزمان اعتمد المؤلف في كتابه "الرحیق المختوم" على  خیر ما كتب في القدیم والحدیث وفیما یلي نقدم إلیكم بعض أهم المصادر التي اعتمد علیها المؤلف والتي یبلغ عددها 60 مصدرًا، حتى یتبین لنا مدى اهتمامه بالتركیز والاعتماد على المصادر الأساسیة والموثقة لدى علماء المسلمین:
1.     القرآن الكریم: إن كتب السیرة والتاریخ التي تدرس حیاة النبي - صلى الله علیه وسلم - تستدل كثیرًا من الآیات القرآنیة، وقد سار مؤلف "الرحیق المختوم" كذلك على درب سابقیه فنرى كتابه قد اعتمد على القرآن الكریم كمصدر أساسي موثوق وبخاصة فیما یتعلق بالأوضاع الدینیة والاجتماعیة للعرب قبل الإسلام، واعتداءات المشركین وأسالیبهم المختلفة لمجابهة الدعوة الإسلامیة ومكیدات المنافقین، والغزوات وغیرها.
2.     كتب السنة: إنّ كتب السنة النبویة تحوي كمّاً هائلاً من سیرة المصطفى  صلى الله علیه وسلم-، والمعلومات المبثوثة في كتب السنة تمتاز بالدقة والوضوح، وقد جمع المؤلف في هذا الكتاب كمّاً كبیرًا من مرویات السیرة النبویة، واقتصر على الصحیح منها، وابتعد عن الأحادیث الضعیفة والموضوعة التي جعلت بعض أحداث السیرة شبیهة بالخرافة والأسطور إلاّ قلة قلیلة منها شكّ في صحتها بعض العلماء، ولذا نراه یعتمد على كتاب "صحیح البخاري" أكثر منه على كتب السنة الأخرى، وهو یعد أفضل وأصح الكتب بعد كتاب الله بإجماع الأمة الإسلامیة، كما هو أغناها وأضبطها وأوفرها على مادة السیرة النبویة.
3.     السیرة النبویة لإبن هشام: هو تهذیب واختصار كتاب "المغازي" لابن  إسحاق، وكما هو معلوم أنّ ابن إسحاق كان إماماً في فن السیرة النبویة لمن جاء بعده على اختلافهم بلا منازع، فكتابه في المغازي الذي وصلنا مختصرًا في صورة السیرة النبویة لابن هشام كان المصدر الخصب والمادة الأساسیة لكل من یكتب أو یتحدث في السیرة حتى یمكننا أن نقول: ما من كتاب وضع في السیرة بعد ابن إسحاق إلاّ هو غرفة من بحره. هذا إذا استثنینا رجلاً أو إثنین كالواقدي وابن سعد.  وقد أكثر مؤلف "الرحیق المختوم" من الاعتماد على هذا الكتاب واستفاد منه استفادة لم یستفد مثلها من أي مصدر آخر إلاّ صحیح البخاري، فقلما نجد صفحة من صفحات هذا الكتاب لم یستفد فیها المؤلف من " سیرة ابن هشام "أو كتاب" صحیح البخاري" فهذان الكتابان یشكلان مصدرین أساسیین للمؤلف في كتابه "الرحیق المختوم".
4.     زاد المعاد في هدي خیر العباد للإمام العلامة الحافظ شمس الدین بن  القیم الجوزیة: هذا الكتاب لیس كتاب سیرة بالمعنى الإصطلاحي، بل هو أول كتاب وصل إلینا فیما أعلم عرض السیرة وحیاة نبینا -صلى الله علیه وسلم-، واستنبط منها أحكاما . ولهذا فقد عُدّ بحق أول كتاب في فقه السیرة.
وهذا الكتاب أیضاً من المصادر التي اعتمد علیها مؤلفنا واستفاد منها كثیرًا وٕان لم یبلغ الدرجة التي بلغها "سیرة ابن هشام" وصحیح البخاري".
 ومن المصادر الأخرى التي استفاد منها المؤلف في مواضیع شتى من كتابه:
1.     الطبقات الكبرى لابن سعد.
2.     تاریخ الأمم والملوك لابن جریر الطبري.
3.     البدایة والنهایة لإسماعیل بن كثیر الدمشقي.
4.     تفسیر ابن كثیر، نفس المؤلف.
5.     المواهب اللدنیة للقسطلاني.
6.     الشفاء بحقوق المصطفى للقاضي عیاض.
7.     خلاصة السیر لمحب الدین أبو جعفر أحمد بن عبدالله الطبري.
8.     فقه السیرة لمحمد الغزالي.
9.     مختصر سیرة الرسول لمحمد بن عبدالوهاب النجدي.
وٕالى جانب هذه المصادر العربیة استفاد المؤلف من الكتب الأردویة أیضاً
ومنها:
1.     رحمة للعالمین للقاضي محمد سلیمان المنصورفوري.
2.     تفهیم القرآن لأبي الأعلى المودودي.
3.     الجهاد في الإسلام ، نفس المؤلف.
4.     تاریخِ إسلام لأكبر شاه خان نجیب آبادي.
5.     رسولِ أكرم كي سیاسي زند كي للدكتور حمید الله الحیدرآبادي .
هذه هي بعض المصادر التي اعتمد علیها المؤلف، واستفاد منها في كتابه إلاّ أن اعتماده المحوري، هو على "سیرة ابن هشام" و"صحیح البخاري" مع شرحه "فت الباري" و" ا زد المعاد". ویتضح من خلال هذه المصارد أنّ المؤلف حریص أشد الحرص على الاعتماد والاستفادة من أصح الكتب وأوثقها لدى علماء المسلمین.
النصوص الأدبیة في الكتاب
عندما نلقى نظرة سریعة على كتب التاریخ والسیرة النبویة نعرف أنها تمزج الأدب بالوقائع التاریخیة وتسجل النصوص الأدبیة، نظماً ونثرًا، من آیات قرآنیة وأحادیث نبویة وخطب ورسائل أدبیة رائعة وغیرها، ولذا سوف ندرس كتاب "الرحیق المختوم" من حیث احتوائه على النصوص الأدبیة. ومن أهم النصوص الأدبیة في هذاالكتاب:
§       الآیات القرآنیة: لقد نزل القرآن الكریم على نبینا الكریم باللغة العربیة  الفصحى في زمن كانت الفصاحة والبلاغة میزة أصیلة عند العرب، فكان العرب یتبارزون ویتنافسون في البیان في الأسواق، كأسواق عكاظ والمجنة، والمجاز، ولذلك نزل القرآن الكریم متحدیاً أمامهم، كقوله تعالى: "فلیأتوا بحدیث مثله إن كانوا صادقین" [5] فعجز القوم - مع فصاحتهم وعلو كعبهم فیها - عن ذلك لأنّ النصوص الأدبیة كانت من لدن حكیم حمید. وذلك معجزة خالدة للأمة من حیث كونها نموذجاً ا رئعاً للأدب والفصاحة والبیان، ولم تكن هذه الآیات مجرد أدب رائع، بل كانت تتمثل في خلقه - صلى الله علیه وسلم-، ولذا نرى أن كتب السیرة والتاریخ التي تدرس حیاة النبي -صلى الله علیه وسلم- تستدل كثيرا من الآیات القرآنیة، وقد سار مؤلف "الرحیق المختوم" على درب سابقیه، فنراه یعتمد في كتابه على القرآن الكریم كمصدر أساسي موثوق كما مضى في السطور المذكورة أعلاها.
§       الأحادیث النبویة: كما أن الآیات القرآنیة من أفصح النصوص الأدبیة  وأبلغها، فإنّ الأحادیث النبویة أیضاً تُعَدّ بالدرجة الثانیة من أفصح النصوص الأدبیة وأبلغها، لأنها أقوال أبلغ العرب وأفصحها.
 وكما هو معلوم أن الأحادیث النبویة تناول جزءً كبیرًا من سیرته -صلى الله علیه وسلم- ومغازیه وسرایاه وبعوثه، فمؤلف "الرحیق المختوم" من وراء سرد السیرة النبویة ومغازیه یأتي بكثیر من الروایات المرفوعة المنقولة عن أفصح العرب وأبلغهم، وهذه الروایات كثیرة جداً، ومنتشرة في الكتاب كله. ویدل على ذلك اعتماده الكبیر على "صحیح البخاري" كمصدر أساسي.
§       الخطب: تعد الخطب أیضاً من النصوص الأدبیة، ولانجهل ما كان لها  من أهمیة أدبیة في الجاهلیة وصدر الإسلام، وقد وجد كثیر من الخطباء المصاقع في العهد الجاهلي والعهد الإسلامي، وكان النبي -صلى الله علیه وسلم- أفصحهم وأبلغهم وأصقعهم جمیعاً، ولقد حفظت لنا كتب الأدب والسیرة والتاریخ نصوص خطبهم الأدبیة، أما كتاب "الرحیق المختوم" فلا یذكر إلاّ تلك الخطب التي ألقیت في العهد النبوي ومعظمها على لسان النبي -صلى الله علیه وسلم- ولایتناول خطب العهد الجاهلي وعهد الخلافة الراشدة ومابعده وذلك لكونه كتاب السیرة النبویة الخالصة، ولیس كتاب التاریخ العام وتاریخ الأدب.
والجدیر بالذكر أن المؤلف لایذكر نصوص الخطب النبویة كاملة بل یذكر بعض أجزاءها المختارة ومن أهم هذه الخطب خطبته - صلى الله علیه وسلم- على جبل الصفا لدعوة أهل قریش إلى الإسلام [6] وخطبته یوم فتح مكة والیوم الذي تلاه [7] وخطبه المختلفة في حجة الوداع [8] وخطبته بعد صلاته على شهداء أحد في أوائل صفر سنة 11 ه[9]  وخطبته قبل وفاته بخمسة أیام[10]  وخطبة أبي بكر بعد وفاة النب . - صلى الله علیه وسلم - حین اختلف الصحابة في وفاته [11]
§       الرسائل والكتب: لقد أعد علماء الأدب الرسائل والكتب من فنون الإنشاء،  فنرى أن كتب الأدب والتاریخ ملیئة بتلك الرسائل بأنواعها، وقد ذكر مؤلف "الرحیق المختوم" أیضاً عدیداً من الكتب التي كتبها النبي-صلى الله علیه وسلم- وبعث بها إلى مختلف الملوك والأمراء یدعوهم إلى الإسلام، ومنها هذه الكتب الثمانیة المشهورة:
1)    الكتاب إلى النجاشي، ملك الحبشة .
2)    الكتاب إلى المقوقس، ملك مصر.
3)    الكتاب إلى كسرى، ملك فارس.
4)    الكتاب إلى قیصر، ملك الروم.
5)    الكتاب إلى المنذر بن ساوى.
6)    الكتاب إلى هوذة بن علي صاحب الیمامة.
7)    الكتاب إلى الحارث بن أبي شمر الغساني صاحب دمشق.
8)    الكتاب إلى ملك عمان.
وبجانب هذه الكتب الثمانیة، ذكر المؤلف أیضاً بعض الكتب التي بعث بها النبي -صلى الله علیه وسلم- إلى مختلف رؤساء القبائل وأمراء الجیوش. ولننظر إلى إحدى تلك الكتب كنموذج أدبي رائع، وهو كتاب بعث به النبي - صلى الله علیه وسلم- إلى ملك عمان جیفر وأخیه عبد ونصه:
"بسم الله الرحمن الرحیم، من محمد بن عبد الله إلى جیفر وعبد ابني الحلیذي، سلام على من اتبع الهدى، أماّ بعد! فإني أدعوكما بدعایة الإسلام، أسلما تسلما، فإني رسول الله إلى الناس كافة، لأنذر من كان حیاً ویحق القول على الكافرین، فإنكما إن أقررتما بالإسلام ولیتكم، وٕان أبیتما أن تقرا بالإسلام، فإن ملككما زائل، . وخیلي تحل بساحتكما، وتظهر نبوتي على ملككما" [12]
1.     الشعر: یعد الشعر من صمیم النصوص الأدبیة، ونرى كتاب السیرة  والتاریخ یأتون بكثیر من النصوص الشعریة ویستشهدون بها في كتبهم ولكن الملاحظ في كتاب "الرحیق المختوم" أن الشعر بصفة خاصة لیس كثیرًا إذا ما قارناه بما تضمنه كتاب "السیرة" لابن هشام مثلاً، فلا نرى المؤلف یستشهد بالشعر إلاّ في قلیل من المواضع، ومعظم هذا القلیل مذكور فیما یتعلق بالغزوات والسریا.
على كل حال، فإن هذه النصوص الشعریة والأدبیة التي سبق ذكرها، والتي احتواها كتاب "الرحیق المختوم" هي ذخیرة أدبیة ثقافیة رائعة عظیمة تعكس صورة الوقائع والأحداث التي تناولها المؤلف في كتابه
 میزات الكتاب وخصائصه
یتمیز الكتاب بخصائص عدیدة، منها:
1)    الأسلوب العصري في عرض المادة التاریخیة، من حیث اتباع طریقة  علمیة مؤسسة على المصادر الأصیلة المطابقة لما جاء في القرآن الكریم وصحیح السنة، وما یستبتع ذلك من نقد وتمحیص.
2)    الاهتمام بتصویر البیئة والعصر الذي ظهر فیه الإسلام، وهذا أیضاً من مظاهر لمنهجه العصري، واستفادته من الدراسات الحدیثة التي تهتم بالبیئة والظروف السائدة التي یبرز في جوها الحدث العام الكبیر.
3)    الاستشهاد بالآیات الكریمة، والأحادیث الشریفة، وذلك بصورة كثیرة.
4)    وضع عنوانات دالة، وذلك موجود في كل مراحل الكتاب وأقسامه، وتكشف  عن فهم عمیق لروح السیرة النبویة، وتدل على ما یتمتع به المؤلف من حسن لغوي وقدرة بالغة على التعبیر العربي عن المفاهیم والدلالات.
 ویجدر بي أن أذكر هنا قصة تدل على الأثر الذي أحدثه هذا الكتاب في نفوس الشباب. یقول الشیخ المباركفوري - رحمه الله : ذات یوم وأنا في المدینة النبویة اتصل بي شاب وقال یا شیخ لا بد أن أراك، فتواعدت معه في المسجد النبوي، وفي الموعد جاء هذا الشاب وقال للشیخ: جئت حدیثا من الجهاد في البوسنة وهناك شاركت في المعركة الشهیرة ب "بدر البوسنة" وكیف أن الله تعالى فتح لنا هذا الجبل العاتي مع التحصینات الشدیدة من جانب الصرب الملاعین... وقال هذا الشاب: إن كتابك یا شیخ الرحیق المختوم كان زادا لنا في الثبات والصبر وتذكیرنا بجهاد الرسول صلى الله علیه وسلم والصحابة الكرام حتى إن الإخوة ترجموه إلى اللغة البوسنیة وصار زادا للإخوة البوسنیین أیضا، والاَن هذا الكتاب یدرس في الجامعة هناك ویقرأ منه في إذاعة سراییفو لما أحدثه هذا الكتاب من رفع الهمة للشباب المسلم المجاهد في البوسنة.
5)    التوسط في حجم الكتاب والتجنب من التطویل الممل والإیجاز المخل، مع الاهتمام بالوضوح والشمولیة الجامعة في عرض السیرة.
أخذ المعلومات عن الأحداث والوقائع من المصادر المختلفة ثم تلخیصها،  وذكر جمیع المصادر لمن یرید التفصیل، ولعل ذلك نشأ عن حرصه على وضع الكتاب في حجم متوسط. وأمثلة ذلك منثورة في الكتاب فانظر مثلاً صفحات 278،282، 403، 417، 432 وغیرها.
6)     الاهتمام بذكر الأشخاص وتعیین الأیام والتواریخ والسنین للحوادث  والوقائع.
7)     ربما یذكر المؤلف بعض الحكم والأسرار الكامنة في واقعة أو حادثة  بصورة إجمالیة، فمثلاً یكتب المؤلف بعد سرد واقعة الإسراء والمعراج. "والحكم والأسرار التي تكمن وراء جزئیات هذه الرحلة، إنما محل بحثها كتب أسرار الشریعة، ولكن هنا حقائق بسیطة تنفجر من ینابیع الرحلة المباركة وتتدفق إلى حدائق أزهار السیرة النبویة - على صاحبها الصلاة . والسلام والتحیة - أرى أن أسجل بعضاً منها بالإیجاز ........." [13]
8)    وربما یقوم بتحلیل الأحداث والاستنتاج منها، فمثلاً یكتب المؤلف معبرً ا عن رأیه حول مصیر غزوة أحد هل كانت هزیمة أم لا ؟ فیقول:" ....... بل یؤكد لنا ماحصل لقریش لم یكن أكثر من أنهم وجدوا فرصة، نجحوا فیها بإلحاق الخسائر الفادحة بالمسلمین، مع الفشل فیما كانوا یهدفون إلیه من إبادة الجیش الإسلامي بعد عمل التطویق -وكثيراما یلقي الفاتحون بمثل هذه الخسائر التي نالها المسلمون- أما أن ذلك كان نصرًا وفتحاً فكلا وحاشا ........ كل ذلك یؤكد لنا أن تعجیل أبي سفیان في الانسحاب والانص ا رف أنه كان یخاف على جیشه المعرة والهزیمة لو جرت صفحة ثالثة من القتال، ویزداد ذلك تأكداً حین ننظر إلى موقف أبي  سفیان من غزوة حمراء الأسد[14] .....
9)    القیام بالتحقیق البالغ فیما تعددت آراء العلماء فیه وذكر ما ترجح لدى  المؤلف بعد الفحص والتمحیص في المصادر الأصیلة المؤثقة. وأمثلة ذلك كثیرة في الكتب أنظر صفحات 97، 106، 132، 163، 164، 165، (حاشیة) 282،310 وغيرها
10)                       حواشي الكتاب مفیدة جداً، یذكر فیها المؤلف المصادر التي اعتمد علیها والتي استفاد منها، كثيرا ما یشیر إلى أكثر من مصدر لمن یرید التفصیل في واقعة ما، ویقوم أیضاً بشرح الألفاظ المشكلة الواردة في النص كما یضیف بعض المعلومات المفیدة المتعلقة بحادث ذكره في المتن.
وها هي بعض الخصائص التي یتمیزبها الكتاب، فأصبح بذلك بحثاً علمیاً جامعاً، ووثیقة تاریخیة قیمة، وقطعة أدبیة رائعة في نفس الوقت، فهو كتاب غزیر الفائدة، عظیم النفع في هذا الباب، ویشكل مصدرًا مهماً لاغنى عنه لمن یرید أن یكتب أو یتحدث في السیرة النبویة، ویدل ذلك على أن كاتب هذا الكتاب عالم متمكن، واسع الأفق ودقیق التفكیر.
أسلوب المؤلف الأدبي في الكتاب
یمتاز الشیخ صفي الرحمن المباركفوري بكونه شخصیة فذة في مجال العلم والمعرفة، وصاحب مؤلفات عدیدة بالعربیة والأردویة، وله قدرة فائقة في اللغة العربیة، واستخدام ألفاظها وتركیبها، فیكتب بأسلوب یمتاز بالسهولة والجزالة والفصاحة، وننقل فیما یلي بعض الكلمات للشیخ المباركفوري لكي یتضح أسلوبه إذ هو یقول متحدثاً عن عوامل صبر المسلمین وثباتهم أمام اضطهادات الكفار والمشركین .
"وهنا یقف الحلیم حیران، ویتساءل عقلاء الرجال فیما بینهم: ماهي الأسباب والعوامل التي بلغت بالمسلمین إلى هذه الغایة القصوى، والحد المعجز من الثبات؟ وكیف صبروا على هذه الاضطهادات التي تقشعر لسماعها الجلود، وترجف لها الأفئدة؟ ونظرًا إلى هذا الذي یتخالج القلوب، نرى أن نشیر إلى بعض هذه العوامل والأسباب إشارة عابرة بسیطة[15] "
ویكتب في موضع آخر في نفس السیاق: "هذا ولم یزل الرسول -صلى الله علیه وسلم- یغذي أرواحهم برغائب الإیمان، ویزكي نفوسهم بتعلیم الحكمة والقرآن، ویربیهم تربیة دقیقة عمیقة یحدو بنفوسهم إلى منازل سمو الروح، ونقاء القلب، ونظافة الخلق، والتحرر من سلطان المادیات، والمقاومة للشهوات، والنزوع إلى رب الأرض والسماوات، ویزكي جمرة قلوبهم، ویخرجهم من الظلمات إلى النور، ویأخذهم بالصبرعلى الأذى والصفح الجمیل، وقهر النفس، فازدادوا رسوخاً في الدین، وعزوفاً عن الشهوات، وتفانیاً في سبیل المرضاة، وحنیناً إلى الجنة، وحرصاً على العلم، وفقهاً في الدین، ومحاسبة للنفس وقهرًا للنزعات، وغلبة على العواطف، وتسیطرًا  على التأثرات والهائجات، وتقیداً بالصبر والهدوء والوقار" [16]
ویقول متحدثاً عن مكیدات الیهود: "هذا نموذج مما كان الیهود یفعلونه ویحاولونه من إثارة القلاقل والتحریشات في المسلمین، وٕاقامة العراقیل في سبیل الدعوة الإسلامیة. وقد كان لهم خطط شتى في هذاالسبیل، كانوا یبثون الدعایات الكاذبة، ویؤمنون وجه النهار، ثم یكفرون آخره، لیزرعوا بذور الشكوك في قلوب الضعفاء، وكانوا یضیقون سبل المعیشة على من آمن إن كان لهم به ارتباط مال، فإن كان لهم علیه یتقاضونه صباحاً ومساءً وٕان كان له علیهم یأكلونه بالباطل ویمتنعون عن أدائه" [17]
آ راء العلماء حول الكتاب
وقد نوّه كثیر من العلماء بقیمة هذا الكتاب وبجهد مؤلفه وأثنوا علیه ثناءا عطرًا. وفیما یلي نذكر آراء بعض هولاء العلماء الذین درسوا هذا الكتاب د راسة متأنیة عمیقة فشكلوا آ راءهم حوله وعبروا عنها في مقالاتهم المنشورة في مختلف الجرائد والمجلات
وكان هذا الكتاب "الرحیق المختوم" من الكتب المتفردة في السرد التاریخي،  والذي امتاز بمنهجه الواضح وشمولیته الجامعة في عرض السیرة العطرة عرضاً عمیقاً یسیرًا، خالیاً من الشوائب أو الأباطیل التي ألحقت ببعض كتب السیرة.
(الشیخ عبد الملك مجاهد / ناش ا رلكتاب) [18]
·       وللكتاب میزة خاصة تتمثل في إبتداع بیانه وأسلوبه وابتكار تحقیقه وجهده  العلمي.
(الدكتور محمد یسین مظهر صدیقي) [19]
·       إن كتاب " الرحیق المختوم " كتاب جامع حول السیرة النبویة، دوّن فیه  المؤلف جمیع الوقائع والحوادث في ضوء القرآن والأحادیث النبویة الصحیحة بالتحقیق البالغ والنقد التاریخي.
(المولانا محمد مستقیم السلفي) [20]
·       إنه كتاب جامع وثیق وتألیف قیم مفید.
(د/ محمد صلاح الدین العمري) [21]
·       قلما حصل هذا القبول العام لأيّ كتاب ألف بعد تحریر الهند حول السیرة  النبویة ، وقد بلغ قمة العظمة والكرامة.
(الشیخ عبد المعید السلفي) [22]
·       أصبح الكتاب مرجعاً مهماً من مراجع السیرة النبویة.
(المولانا أسعد الأعظمي) [23]
·       لاشك في أن الكتاب یستحق بأن یُعد من بین الكتب الهامة القیمة التي  ألفت حول السیرة النبویة في عصرنا.
(د/ شجاع الدین الفاروقي) [24]
·       خلاصة القول إن هذا الكتاب ذو أهمیة بالغة في موضوع السیرة النبویة ومصدر مهم من مصادرها، وله أیضاً أهمیته التاریخیة والعلمیة والأدبیة، وتتجلى أهمیته التاریخیة في كونه متضمناً للمعلومات المتعلقة بالحیاة الدینیة والاجتماعیة والسیاسیة والعسكریة والثقافیة للعرب في العهد النبوي وفي العهد الجاهلي .
 وتظهر أهمیته وقیمته العلمیة في اختیار المؤلف أسلوبا عصریاً وطریقة علمیة في عرض المادة التاریخیة، وفي اعتماده على المصادر الأصیلة الموثقة المطابقة لما جاء في القرآن الكریم وصحیح السنة وقیامه ببالغ من التحقیق والتدقیق والبحث والتمحیص في مواضع الخلاف للوصول إلى السداد والصواب بعیداً عن الشوائب والأباطیل التي تسربت إلى بعض كتب السیرة مما جعل هذا الكتاب مرجعاً موثوقاً لكل من یرید أن یكتب أو یتحدث في السیرة النبویة.
وتعظم أهمیة كتاب " الرحیق المختوم " لاحتواءه على كثیر من النصوص الأدبیة التي تهم الدارسین للأدب كالخطب والرسائل والشعر، والذي احتواءه الكتاب من هذه النصوص الأدبیة - رغم قلتها - یعد ثروة جدیرة بالاهتمام والدراسة.
ولا ندعي أن هذا الكتاب خال تماماً من العیوب والنقائص فالنقص من طبیعة البشر وسعي المرء إلى بلوغ الكمال هو المقدور المستطاع ولیس الكمال إلاّ لله.
الهوامش..
1)    صفي الرحمن المباركفوري "الرحیق المختوم" ص 11
2)    الرحیق المختوم ص: 18
3)    نفس المصدر ص: 55
4)    نفس المصدر ص: 13،14
5)    سورة الطور رقم الاَیة: 34
6)    الرحیق المختوم ص: 77
7)    نفس المصدر 385 -388 ،
8)    نفس المصدر ص 437،439،440
9)    نفس المصدر ص: 442
10)           نفس المصدر ص: 443
11)           نفس المصدر ص: 448
12)           نفس المصدر ص: 341
13)           نفس المصدر ص: 135
14)           نفس المصدر ص: 272
15)           نفس المصدر ص: 114
16)           نفس المصدر ص: 120
17)           نفس المصدر ص: 225
18)           الرحیق المختوم: من مقدمة الناشر، ص: 11
19)           محمد یاسین مظهر صدیقي مقالة: هندوستان مین عربي سیرت نغاري" :مجلة " تحقیقاتِ إسلامي " اكتوبر ونوفمبر 1984 م ص: 21
20)           محمد مستقیم السلفي: جماعتِ أهلحدیث كي تصنیفي خدمات ص: 533
21)           مقالة د/ محمد صلاح الدین العمري: هندوستان مین عربي سیرت نغاري" :مجلة. "تحقیقاتِ إسلامي" ابریل، یونیو 1997 م ص: 47
22)           مقال أسعد الأعظمي: رحیل الشیخ صفي الرحمن المباركفوري :مجلة " صوت الأمة، " ذوالقعدة الحارم 1427 م ص: 57
23)           جریدة ترجمان  31-16  دیسمبر2006م ص 21
24)           مقالة د/ شجاع الدین الفاروقي: الرحیق المختوم : ایك تجزیاتي مطالعه: جریدة ترجمان . 14/8/92،ص :11



مواضيع ذات صلة
إسهام علماء الهندية, الأعلام المسلمة, الأعلام،, تراجم العلماء,

إرسال تعليق

0 تعليقات