ادعمنا بالإعجاب

الشيخ نذير حسين المحدث الدهلوي وآثاره العلمية (مشيع أهل الحديث في الهند)


بقلم: الدكتور محمد أجمل القاسمي (أستاذ محاضر بمركز الدراسات العربية والإفريقية، جامعة جواهر لال نهرو- نيودلهي) 
مجلة " ثقافة الهند" المجلد ٦٥، العدد ٢، ٢٠١٤م 

في الواقع، شخص واحد يتمكن له من أن يغير التيار من اتجاه إلى اتجاه ويحول مجرى التاريخ ويأتي في زمن قصير بالأعاجيب التي تأخذ بالألباب، وكم حدث في التاريخ مثل هذه الأحداث، فهو الشيخ الإمام المحدث  الشاه ولي الله أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي( ١٧٠٣-١٧٦٢ م). ويأتي في زمن عصيب قد أحدَق بالإسلام جميع أنواع المخاطر من بدعة وضلالة، فيدرس القرآن والسنة ويفهمهما فهمًا بالغًا قد عجز عن ذاك الفهم الآخرون ويحول مجرى التاريخ بعلمه وفكره، وهو الشيخ سيد أحمد بن عرفان الشهيد البريلوي ( ١٧٨٦ -١٨٣١ م) يفتح عينيه في هذه الدنيا فيشاهد الإسلام وتعاليمه وشريعته الغراء في خطر، فإنه وحيد بعزمه القوي وهمته العالية يفعل ما لا يستطع أن يفعله الآخرون فهو يقيم الحكومة الإسلامية على أرض الله الصمد، ولكن الزمان لا يجود بمثل هؤلاء الرجال الأفذاذ إلا قليلا وفي زمن معلوم لا يعرف أهميته إلا الله. وكذلك اختار الله سبحانه وتعالى  الشيخ المحدث سيد نذير حسين الدهلوي ١٨٠٥( -١٩٠٢ م) أن يكون عَلمًا  من أعلام الفكر والاجتهاد والتقوى والعمل، ويغير بمشيئة الله وقواه العلمية والفكرية العملية مجرى التاريخ، وإذا درسنا سيرة الشيخ نذير حسين لوجدنا أن الزمن الذي ولد فيه كان زمنًا مظلمًا حالكًا للإسلام والمجتمع الإسلامي والمسلمين، كانت البدع والخرافات والأدواء الخلقية تنخر جسد الحياة الإسلامية وتمتص دماءها وتتركها جثة هادرة بقيت فيها الأنفاس تكاد تموت بين حين وآخر.
فقد كان الشيخ نذير حسين المحدث الدهلوي متبحرًا في العلم بين العلماء المعاصرين، وأحد رموز أساتذة الحديث النبوي صلى الله عليه وسلم وعلومه التي أنجبتها الهند، عجز الاستعمار الإنجليزي البغيض عن اختراقه رغم جميع ما ركزه من الموارد لشطب الإسلام من شبه القارة الهندية ولإعادة واحات المأساة التي قام الصهيونيون بممارستها مع الإسلام والمسلمين في العهد الأموي بالأندلس.
نشأته
هو الشيخ سيد نذير حسين بن جواد علي بن عظمة الله بن الله بخش الحسيني  ولد في سنة ١٨٠٥ الميلادية بقرية "بلتوا" التي تقرب بمدينة سورج غراه في مديرية مونغير بولاية بيهار الهند، وتقع هذه المدينة على شاطئ نهر غنغا بمسافة حوالي عشرين ميلا من مدينة مونغير غربًا، وثمانين ميلا من مدينة عظيم آباد (باتنا) شرقًا، نشأ وترعرع نذير حسين في بيئة مثقفة دينيًا إسلاميًا في المدينة إياها[1]. استمتع الشيخ نذير حسين بأسرة أرستقراطية هذا ما يقال أسر السادات الحسينية أبًا وأمًا وكان يحمل بلقب "ميان صاحب" بعد ما صارت له شخصية بارزة من حيث قدرات ومؤهلات تعليمية متفوقة. وهو كان معروفًا آنذاك بلقب "ميان صاحب"، ويعرب العلماء عن آرائهم حول اللقب يوجهه عامة الناس له، حيث كان سكان دلهي يصفون أعضاء عائلة الشيخ الشاه ولي الله المحدث الدهلوي البارعين ب "ميان صاحب" ولذلك توصف ابنه الأكبر الشيخ المحدث الشاه عبد العزيز ب "ميان صاحب"، وحينما تولى الشاه محمد إسحاق منصب جده (من الأم) الشاه عبد العزيز فهو كذلك وصف بنفس اللقب، فنقلا عن هذه المؤشرات السابقة عندما سلم الشيخ الشاه محمد إسحاق هذا المنصب لنذير حسين وذلك بعد ما هو غادر دلهي متوجهًا إلى مكة المكرمة بقصد الهجرة، تم انتقال هذا اللقب إلى الشيخ سيد نذير حسين. ومن الأخذ بعين الاعتبار أصبح نذير حسين حفيدًا لشاه ولي الله وقد جرت العادة بين مسلمي مدينة دلهي بما يستدعي نذير حسين كأحفاد ولي الله الروحانيين بسبب توليه منصب الشيخ محمد إسحاق علمًا وروحانيًا. وبدأ عامة الناس يعتبرونه من أحفاد الشيخ ولي الله الروحانيين.[2]
وتجدر الإشارة الى أنه  من ح له لقب "شيخ الكل في الكل" عند ما سافر نذير حسين إلى مكة المكرمة في عام ١٣٠٠ الهجري، وذلك نظرًا لكثرة تلاميذه، وطول مدة تدريسه وتعنى به أنه شيخ كل العلماء في كل العلوم وكذلك للتمكن من الحصول على مزيد من الدراسات في الأحاديث النبوية [3] ومن دون شك، ظلت مكة المكرمة مركزًا هامًا لدراسة الحديث في تلك الأيام فصاعدًا. كما كانت ملجأ للعلماء والمحدثين، فمنهم من تعاملوا مع الشيخ نذير حسين تأثر متأثرا بالغًا وقاموا بمنح هذا اللقب أما تلاميذه يدعونه ويصفونه ب "شيخ الكل" فقط، بدلا عن "شيخ الكل في الكل" في كتاباتهم ومذكراتهم. إلا أن الشيخ نذير حسين بنفسه كان يفضل لقب "ميان صاحب" المنسوب إلى الشيخ الشاه محمد إسحاق وتاليًا إلى المحدثين الكبيرين ولي الله ونجله عبد العزيز رحمهما الله تعالى.
والجدير بالذكر، أنه لم يعتن باللقب الذي سمحت الحكومة الإنجليزية بسبب ولائه معها، وذلك لقب "شمس العلماء" حيث يقول: إنه لا يحتاج إلى لقب آخر بعد أن وصفنا القرآن الكريم ب "حنيف مسلم"، وهذا يكفي، وكان يصر هو على اللقب "ميان صاحب" ويعتبر هذا اللقب كسعادة وفخرة له.
 انتقال أجداد نذير حسين إلى قرية سورج غراه
قام بعض أفراد من الأقلية المسلمة في بعض من أحياء البلاد بذبح البقرة اختفاء من أنظار الناس أو بشكل تحايلي وعمت الحادثة بين الهندوس بصورة سريعة وكان ذبح البقرة غير مسموح رسميًا فلذلك كان ذنبًا كبيرًا في ذلك العصر، بالنتيجة تم اقتتال بعض المسلمين في أماكن شتى أرجاء البلاد وكان صدر الأمر من الملك الحاكم أندردون[4]  في المنطقة تأتي تحت ضمن نطاق صلاحية حكمه بذريعة خطابه الهائج إلى متبعيه المتشددين وذلك خلال عهد الملك قطب الدين أيبك حيث كان يعتلي منصب الحكومة في عاصمة دلهي.
ولما عم خبر الحادث المؤلم واستمع عليه الملك قطب الدين أيبك في دلهي العاصمة الهندية، فأرسل جيشًا كبير الحجم لسد هذه الاضطرابات التي ظهرت عقب حدوث حادثة ذبح البقرة، كذلك توجه ستون ضابطًا من كبار علماء السادات إلى موقع الحادث وكان واحد منهم "أحمد الشاه جاجنيري" وهو من أجداد الشيخ نذير حسين. وغلب هذا الجيش المبعوث على الملك أندردون، وخلال ذلك، تم التوقيع على اتفاق بأن الضابطين المعارضين الهاجمين ضد جيش الملك أندردون يلجؤون حيثما يودون في بقعة من بقاع البلاد بحسب حسن سكنهم، فاستوطن الشيخ أحمد جاجنيري مدينة "سورج غراه[5]"  وعاشت فيها أسرته ومعظم أبنائه ومن بينهم كان الشيخ جواد علي بن عظمة الله بن الله بخش الحسيني الذي تشرف بأن يكون أبا الشيخ نذير حسين. جواد علي كان ذكيًا حادًا بين أبنائه الآخرين في الكتابة والقراءة، وتعلم اللغة العربية والفارسية وتوفق وأتقن في كلتي اللغتين بأحسن درجاتهما ولبى جواد علي دعوة الأجل في نفس القرية ودفن فيها[6].
 إن أحوال طفولة الشيخ نذير حسين ليست لها أهمية خاصة حيث إنه لا يبذل جل اهتمامه إلى الدراسة والكتابة، بل كان يفر من الدراسة ويرغب في اللهو واللعب، وليس من المستغرب، إن هذا اللهو والاشتغال بالألعاب الرياضية في ريعان شبابه أدى إلى حسن صحته وسلامة جسمه فإننا نراه في أواخر سنه صابرًا حليمًا ولم يكن يشعر بالملل والإعياء في سبيل أهدافه وغاياته، وإذ أنه كان من أسرة العلماء والقضاة الأجلاء مع أنه لم يكن جديًا خلال طفولته واكتسب كثيرًا من العلم والفضل بعد أن كبر في السن.
 الرغبة في العلم
 الشيخ نذير حسين يحرص على اتخاذ أصدقاء من الشبان أو من عامة الناس المعاصرين، بالرغم من أنه يتمتع بالبيئة الأرستقراطية المترفة، وكان فتى من الطبقة البراهمة الهندوسية صديقا له في قريته الذي ربما يقوم باللقاء ويحمل علاقة وطيدة مع أبيه.
وذات يوم قال لسيد نذير حسين بأن قدمك على عتبة الشباب ولم تدرس شيئًا من العلم مع أن كلا من أسرتك بارعين في العلم والفضل، أما أنت فستبقى جاهلا. فهذه الملامة والنصيحة أثارت كوامن نفسه وأحدثت شعورا طاغياً، فمال إلى الدراسة والحصول على العلم والفضل ميلا عظيمًا. ودرس الفارسية من أبيه الشيخ جواد علي الذي كانت له مهارة تامة في هذه اللغة السائدة في زمنه ثم درس الكتب العربية الابتدائية كذلك تعلم الخط والإنشاء في قريته إياها، ونهل من ينابيع مختلفة. ودرس عديدًا من العلوم والفنون حتى اشتهرت براعته في الفقه والحديث. [7]
وفي غضون ذلك يختلج في قلبه شوقٌ إلى تحصيل الدراسة العليا، وهذا الشوق حّثه أن يغترب عن قريته الجدية وقصد المغادرة الى مدينة باتنا (عظيم آباد) وحال كون عمره ستة عشر عامًا. فلما أدرك رائجة العلم والمعرفة خرج من القرية تحمل مشاق السفر عن القرية للحصول على هدفه وهي القراءة والدراسة وبذلك جهودا كبيرة بهذا الشأن، واستشار مع زميل له كان يحرض على العلم أيضا فشد الرحال في ليلة مظلمة وقاما باللجوء إلى مدينة صادق فور وهو المكان الذي كان معروفا بالعلم والفضل يتوافد إليه الطلاب من جميع أنحاء البلاد للدراسة آنذاك. فقرأ سيد نذير حسين على أساتذة صادق فور ودرس هناك ترجمة القرآن وكتاب مشكاة المصابيح. [8]
اللقاء بالسيد أحمد البريلوي والشاه إسماعيل الشهيد
وفي أثناء ذلك، بلغ إليه خبر قدوم سيد أحمد البريلوي وإسماعيل الشهيد فوصلا إلى مدينة باتنا (عظيم آباد) فأدرك سيد نذير حسين بتلك المدينة وسار حتى زار إلى زعيمي حركة الجهاد الإمامين الشهيدين في عام ١٢٣٧ الهجري/ ١٨٢١ الميلادي، فاستمع سيد نذير حسين إلى خطاباتهما الدينية الإسلامية والإصلاحية في الحفلة التي انعقدت في غاندي مايدان (الساحة الغاندية) بمدينة باتنا. الكلمة التي ألقاها الشهيدان تركت أثرًا كبيرًا في عواطفه وأحاسيسه وأفاضت نورًا متألقًا على أفكاره وأخيلته حتى امتلأ خاطره بالإيمان وتجلى قلبه بنور المعرفة. وكان يقول سيد نذير حسين: "إننا حضرنا تلك الحفلة ثم حان وقت الصلاة فأديناها في ساحة غاندي لمدينة باتنا بمناسبة حضور سيد أحمد البريلوي والشيخ إسماعيل الشهيد وكنت الساحة مملوءة بالحاضرين، ولقيت بهما للمرة الأولى في مدينة "باتنا"[9].
  الارتحال لطلب العلم العالي
 رحل سيد نذير حسين لطلب العلم إلى صادق فور والتحق بمدرسة "مولوي عنايت علي" وكان الشيخ عنايت علي من كبار علماء "صادق فور" ومؤسس مدرسة "صادق فور"،(Sadiqpur) وكانت هذه المدرسة آنذاك  مدرسة شهيرة ومعروفة بالعلم والفضل يتوافد إليها الطلاب ورجال الدين من أرجاء البلاد، فقرأ هناك سيد نذير حسين بعض الكتب الابتدائية المهمة ولم يلبث فيها إلا ستة أشهر. ثم غادرها متوجهًا إلى مدينة دلهي ماكثًا في أماكن عديدة حتى أقام في أثناء سفره بقرى مختلفة مثل "مدينة غازيفور" (Gazipur) وسكن فيها أياما غير كثيرة ثم وجه إلى مدينة إله آباد وأقام بها، وقرأ المختصرات الدراسية على أعيان تلك المدينة ولاحقًا وصل إلى مدينة دلهي في سنة ١٢٤٨ ه/ ١٨٣٢ م.
وحلّ الشيخ نذير حسين شمس العلماء في مدينة دلهي عام ١٨٢٨ م ولكنه نزل بها بعد فترة مديدة وجعل مسجدًا ملجأ له يسمى ب "مسجد أورنغ آبادي" يقع في حي "كاترا بانجابي"، وكان هذا المسجد فخمًا شامخًا ونال مكانة مرموقة بين مساجد دلهي الأخرى، ولم يكن هذا المسجد أقل بهاء ورونق من المسجد الجامع ومسجد فتح فوري، لكن "مسجد أورنغ آبادي" ذهبت ضحيته بسبب توسيع محطة القطار بدلهي"[10].
 وتلمذ الشيخ نذير حسين على أساتذته، وقرأ الكتب المتداولة على مولوي عبد الخالق وأخذ الأصول والبلاغة والتفسير من الشيخ كرامت علي الإسرائيلي، والأدب من الشيخ عبد القادر الرامفوري وتخرج من ذلك في خمس سنين.
 ثم لازم الشيخ نذير حسين بالشاه محمد إسحاق سبط (ابن بنت) الشيخ عبد العزيز بن ولي الله المحدث الدهلوي وأقام تحت إشرافه ورعايته حوالي ثلاثة عشر عامًا، وتشبع بعلومه واستغرف من بحار عرفانه، وفاق في العلم والفضل، فاستخلفه الشيخ محمد إسحاق منصبه عندما قام بهجرته إلى مكة المكرمة عام ١٢٥٨ الهجري/ ١٨٤٢ الميلادي فعكف على هذا المنصب، وتصدر للتدريس والتذكير والإفتاء، ودرس الكتب الدراسية من كل علم وفن لا سيما الفقه والأصول لغاية سنة ١٢٧٠ ه/ ١٨٥٣ م وكانت له عناية كبيرة في الفقة الحنفي ثم غلب عليه حب القرآن والحديث فترك اشتغاله بما سواهما إلا الفقة فأصبح من أهل الحديث (الغير المقلدين)[11].
وكان الشيخ نذير حسين أخص تلامذة الشاه محمد إسحاق، وأخذ عنه ما لم يأخذه غيره، وكان يجعله يفتي ويقضي بين الناس بحضرته، ويمتحنه كثيرًا بالمشكلات ويجيبه، وأجازه غير مرة، ثم استخلفه على مسند تدريسه لما ارتحل للحجاز سنة ١٢٥٨ ه. وأعاد كتابة الإجازة له، وُلقِّب نذير حسين ب "ميان صاحب".
 أساتذة الشيخ نذير حسين
 لدى إقامته بمدينة صادق فور في ولاية بيهار، درس الشيخ نذير حسين هنالك ترجمة القرآن الكريم وكتاب مشكاة المصابيح على الأستاذ الشاه محمد حسين وهو خليفة مولوي عنايت علي الصادقفوري. ثم نزل بمدينة غازي فور-اوترابراديش حوالي ثلاثماية كيلومتر من العاصمة-دلهي مسافة، ودرس هناك على مولوي أحمد علي تيشرياكوتي، ثم وصل إلى دلهي في سنة ١٢٤٢ ه وتلمذ أولا لدى الأستاذ الشيخ عبد الخالق وهو تلميذ الشاه محمد إسحاق المحدث ودرس عليه من الكتاب التالية: الكافية، والقطبي، والمختصر المعاني وحسامي وبعضًا من الكتب الفقهية. 
وقرأ كتاب شرح جامي، وصدرا، وشمس بازغة للملا محمود الجونبوري على الأستاذ ملا أخوند شير محمد وهو تلميذ الشاه عبد القادر بن الشاه ولي الله وزميل في فصل الصحيح البخاري للشاه محمد إسمعيل الشهيد. ودرس الشيخ نذير حسين على الأستاذ كرامت علي الإسرائيلي مؤلف "السيرة الأحمدية" الكتب كما تلي : المطول، والتلويح، ومسلم الثبوت، وعدد من الكتب التفاسير وغيرها. وهو كان تلميذ فضل إمام الخير آبادي والشاه رفيع الدين ابن الشاه ولي الله المحدث الدهلوي.
وأخيرًا لازم الشاه محمد إسحاق الدهلوي وأخذ منه الحديث والتفسير ودرس عليه كتاب كنزل العمال والجامع الصغير وغير ذلك. [12]"
وفي الواقع أن الشيخ نذير حسين ينتمي إلى الزعماء البارعين من حركة أهل الحديث، وهو خليفة الشاه محمد إسحاق جيلا بعد جيل منه إلى الشاه عبد العزيز والشاه ولي الله حتى وصف بلقبهم "ميان صاحب". [13]
الإفتاء والتدريس
تولى الشيخ نذير حسين منصة التدريس، بدأ يقوم بإجراء الفتاوى حلا محل شيخه الشاه محمد إسحاق، وتحمل مسؤولية التدريس جميعا من المواضيع المتعلقة بالفنون والأصول لفترة طويلة وذلك حتى عام ١٢٧٠ ه/ ١٨٥٣ م وكان مولعًا بالفقه الحنفي كما قال العلامة عبد الحي الحسني الحنفي، وأضاف الشيخ شمس الحق العظيم آبادي ( ١٢٦٩-١٣٢٩ هـ ١٨٥٢ -1911 م ) كان كل مسائله بين عينيه؛ يأخذ ما يريد ويدع  ما  يشاء. [14]
ثم غَلب عليه حب القرآن والحديث، فترك الاشتغالَ بما سواهما إلا الفقه. ولكنه اشتهر بتدريس كتب الحديث رواية ودراية، وذاع صيته بحيث يتلقن تلاميذه محاكاة نهج سلف أهل الحديث اعتقادًا وعملا، وأعطاه الله قبولا عظيمًا، حتى ارتحل إليه الطلبة من سائر أنحاء الهند، بل تجاوزت سمعته إلى عدة البلاد العربية، فجعل يرحل إليه عدد من علمائها، وكثر طلبته غير محصى، حتى قال تلميُذه العظيم آبادي: "وقد نفع الله تعالى بعلومه خلَقه، وله لطفًا عظيمًا على خلق الله تعالى، حتى يتشكل تناوله دراسة الفقة بشكل ملموس وإشاعة علم الحديث بصورة مكثفة، وهكذا قام بترويج علم السنن، حيث ظهرت آثار السنَّة النبوية كنوافير أنوار الفيضانات له وينابيع الأفكار والأبحاث من كافة الجهات - وإن كان غيره من النبلاء الأتقياء المحققين مشاركًا فيها - ليس في بلاد الهند بلد بل ولا قرية إلا بلغت فيضاناته، وتلاميذه موجودون فيها، يروون الأحاديث، ويروجون السنن، ويطهرون الناس عن اعتقاد الشرك والبدعات والمنكرات والمحدثات، ولم يتم حصر تلاميذه ببلاد الهند فحسب بل انتشر تلاميذه في الآفاق من العرب والعجم.
شغفه بالدراسة والمطالعة
الشيخ نذير حسين كان مولعًا بالدراسة والمطالعة منذ حداثة سنه، ومن حسن حظه، حينذاك، توجد في مدينة دلهي مكتبتان هائلتان: إحداهما المكتبة الحكومية في الحصن التي كانت تذخر فيها الكتب الدينية المتنوعة منذ آلاف سنة، وفي إطار ذلك كان الشيخ نذير حسين يحب ولي العهد العائد لبهادور الشاه ظفر، ميرزا فخر الدين، الذي حاول في أكثر الأحيان بخصوص توفير الكتب والمجلات للمكتبة الآنفة الذكر. والمكتبة الثانية التي تقع في مدينة دلهي أيضا ويكون بابها مفتوحا لجميع النفوس، ويملك عليها  الشيخ الشاه عبد العزيز ( ١١٥٩-١٢٣٩ ه/ ١٧٤٦- ١٨٢٣ م) نجل الشاه   ولي الله الدهلوي واستفاد منها كثيرًا. واقتصر الشيخ نذير حسين أن يمتلك على مكتبة بنفسه فبدأ يحاول تذخير الكتب والمخطوطات فيها من جميع أقطار البلاد، ومعظمها كانت كتبًا خطية نادرة لم يتحول أحد انتباهه إلى الطباعة والنشر ولذلك فقدت أكثرها خلال ثورة الاستقلال عام ١٨٥٧ م[15]. واشترك في نشاطات الكفاح لاستقلال الهند. ويبدوا في بعض المراحل أنه قام بالولاء مع الحكومة الإنجليزية.
 وكان الشيخ نذير حسين يدرس أكثر من أوقات الليل والنهار، وقد كان وزع كل لحظات وقته ما بين التدريس والإفتاء والعبادة، وكان له مجلس للوعظ والإصلاح بعد صلاة الفجر يحضره عدد كبير من محبي العلم والمعرفة ويصغون بكل عناية واهتمام، واشتهر بتدريس كتب الحديث رواية ودراية، وكما قمنا بطرح آرائنا أنه كان على نهج السلف إتقانا وإيمانا، وتوجب الله نصيبه بقبول حسن وعناية عظيمة، حتى حلوا إليه الطلبة من سائر أقطار البلاد، بل انتشرت رائحة خدماته إلى المناطق العربية، فارتحل إليه عدد من علمائها، وكثر طلبته بحيث لا يحصى، حتى قيل: "وقد نفع الله تعالى بعلومه خلَقه، وله منَّة عظيمة على خلق الله تعالى.
 وقال عبد الحي الحسني: "وأما تلاميذه فعلى طبقات عدة؛ فمنهم العالمون الناقدون المعروفون، فلعلهم يبلغون إلى ألف نفس، ومنهم المقاربون بالطبقة الأولى في بعض الأوصاف، ومنهم من يلي الطبقة الثانية، وأهل هاتين الطبقتين يبلغون إلى الآلاف... وخلق لا يحصون"[16].
 وقد أحصى المقيمون على مدرسة الشيخ الطلبة الذين سكنوها في مدة سبع سنوات، فبلغوا اثني عشر ألفًا، هذا سوى الذين كانوا يحضرون ولا يقيمون في المدرسة و لم يتم العثور على تلميذ تتلمذ عليه وذاق لذاذة علمه ومعرفته وتخرج عليه عدد يضاهي من تخرج على يدي نذير حسين، وقد . قام بالتدريس لهم بضعًا وستين سنة. ونظرًا لكثرة تلاميذه[17]
 وفي المقابل تدريسه العلمي يوجهه الشيخ بكل اهتمام وعناية ويربي التلاميذ سلوكيًا وعمليًا بسمته وهديه، كذلك تصدر من شخصيته قصص وإعتيادات ذات عبرة، حيث أن ذات يوم في المساء هطلت أمطار غزيرة، وامتلأت الأسواق والشوارع بالمياه، كان الفصلُ فصلَ الشتاء، وكان الشيخ نذير حسين قد رجع إلى بيته بعد صلاة المغرب، إلا أن جميع الطلبة ظلوا في داخل المسجد، ولم يتمكنوا على توفير أمور الطعام، واستمر المطريهطلُ حتى نصف الليل، وسمع من في المسجد َ طرقات على باب المسجد، ولما فتحوا الباب وجدوا الشيخ نذير حسين واقفًا وقد حمل جميع ما في بيته من طعام حتى لا يموت الطلا  ب جوعًا[18].
أشهر تلامذته
قام ناقدوه بالمناقشة على الاختيار بين تلاميذه الكبار، ويبدو واضحا أسماء بعضهم، فمنهم: ابنه شريف حسين الذي توفي في حياة والده، وعبد الله الغزنوي، وأبناؤه محمد وعبد الجبار ( ١٢٦٨ - ١٣٣١ ه/ ١٨٥١ -  ١٩١٢ م) وعبد الواحد وعبد الله، ومحمد بشير السهسواني (توفي في ١٣٢٦ ه/ ١٩٠٨ م، وعبد المنان الوزير آبادي ( ١٢٦٧- ١٣٣٤ ه/ ١٨٥٠-١٩١٥ م)، ومحمد حسين البتالوي ( ١٢٥٦ - ١٣٣٨ ه/ ١٨٤٠ - ١٩١٩ م)، وعبد   الله الغازيفوري، وشمس الحق العظيم آبادي، وعبد الرحمن المباركفوري (توفي ١٣٥٣ ه/ ١٩٣٤ م)، وأحمد الله البرتابغرهي ( ١٢٨٢-١٣٦٢ ه/١٨٦٥- ١٩٤٣ م)، وعبد السلام المباركفوري، وأبو المكارم محمد  علي المووي، وأحمد بن حسام الدين المووي، وأبو القاسم البنارسي، وثناء الله الأمرتسري ( ١٢٨٥ - ١٣٦٧ ه/١٨٦٨ -١٩٤٧ م)، ومحمد نعمان الأعظمي، ويوسف الخانفوري[19]. وهو أحد من نشر علم الحديث في العراق وأبو سعيد شرف الدين البنجابي. بالإضافة إلى أنه تجمع من تلامذة البلاد العربية واشتملوا على إسحاق بن عبد الرحمن آل الشيخ، وسعد بن حمد بن عتيق ( ١٢٦٧- ١٣٤٩ ه/١٨٥٠ -١٩٣٠ م)، وعلي بن ناصر أبو وادي،  وفوزان السابق، وأبو بكر خوقير، وعبد الله بن إدريس السنوسي المغربي (توفي سنة ١٣٥٠ ه/ ١٩٣١ م)، وغيرهم كثير حتى قام تلميذه فضل حسين آخر كتابه "الحياة بعد الممات" بإحاطة أسامي خمس مئة عالم من تلامذته. [20]
محنته بسبب دعوته للسنَّة
نظرًا لما كان عليه الشيخ نذير حسين من اتِّباع ودعوة لمنهج أصحاب السلف، واشتهار وكثرة في التلاميذ، فقد أصابه ما أصاب غيره من المصلحين، فأوذي وعودي من المخالفين والمتعصبة، والحاسدين، وابتلي في ذات الله غير مرة، واستطال عليه أعداؤه استعانة بالمحتل الإنجليزي! - كما فعلوا مع العلامة صديق حسن خان - واتهموه بالخروج على الولاة والاعتزال عن السنَّة، فسجنه الإنجليز سنة ١٢٨٠ ه تقريبًا في روالبندي بباكستان سن ً ة كاملة، ولما أُطلق سراحه رجع إلى التدريس والإفادة كعادته، ولما حج سنة ١٣٠٠ م سبقه كيد أعدائه وسعيهم عند والي مكة واتهموه بما هو بريء منه، فسجنه، وأراد به سوءًا، ثم جرى إطلاقه.
ثم إنه لما عاد إلى الهند، أتُّهم بإفشاء البدعات والخرافات حتى قام عليه الحاسدون بادعاء التكفير، كما كفَّر الناس في الزمان السالف كبار العلماء من الأئمة المجتهدين، ولكن الشيخ نذير حسين، فإنه كان آية ظاهرة، ونعمة باهرة من الله سبحانه في التقوى والديانة، والزهد والعلم والعمل، والقناعة والعفاف، والتوكل والاستغناء عن الناس، والصدق وقول الحق، والخشية من الله، والمحبة له ولرسوله - صلى الله عليه وآله وسلم – اتفق الناس ممن رزقه الله سبحانه وتعالى حظًا من علم القرآن والحديث على جلالته في ذلك، وقال العلامة العظيم آبادي: "امُتحن وأوذي مرات، وكم من حاسد افتروا عليه بالأباطيل والأكاذيب، وكم من معاند له تقولوا عليه بما لم يقل به، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، لكن هو لا يخاف في الله لومة لائم". [21]
. مؤلفات الشيخ نذير حسين
"ولم يكن الشيخ نذير حسين كثرة اشتغال بالتأليف، ولو أراد ذلك لكان له في الحديث ما لا يقدر عليه غيره، وله رسائل عديدة. وأما الفتاوى المتفرقة التي شاعت في البلاد فلا تكاد أن تحصر، وأعتقد بأنها لو جمعت لبلغت إلى مجلدات ضخمة". [22]
ولكن الحقيقة هي أن مؤلفاته التي هي موسومة بأساميها فلم يتم العثور عليها إلا "معيار الحق"، وذلك باللغة الأردية، وهذا كتاب لم يؤلَّف مثله في بابه، و"واقعة الفتوى ودافعة البلوى"، و"ثبوت الحق الحقيق"، و"رسالة في تحلي النساء بالذهب"، و"المسائل الأربعة"، وكلها (الأردية)، و"َفلاح الولي باتباع النبي"، ومجموعة بعض الفتاوى، وهاتان الرسالتان بالفارسية، و"رسالة في إبطال عمل المولد" بالعربية، أما الفتاوى المتفرقة التي شاعت في البلاد والقرى وانتفع بها الناس فكثيرة، ما بين مطول ومتوسط ومختصر، بالألسنة الثلاثة المذكورة، يعسر عدها، ونعتقد أنها لو جمعت لبلغت إلى مجلدات ضخام، وإنس ميت فتاواه على نمط رسائل الحافظ السيوطي وجعلت رسائل مستقلة في كل باب بلغت إلى مئتين". [23]
"  رتَّب بعض تلاميذه فتاواه في جزأين كبيرين باسم الفتاوى النذيرية، ولو رتب أبحاثه وفتاواه كلها لكانت في مجلدات عديدة، وله كتاب جليل في مباحث الاجتهاد والتقليد "معيار الحق"، وقد ذكر مؤلف "الحياة بعد الممات" سبعة ثلاثين بحثًا أو كتابًا له[24]. فإن هذه الرسائل طبعت قديمًا ولم يتم تجديدها وتنجيدها، وقد مضى على وفاة هذا الإمام قرنًا أو أكثر، فيجب على علماء تلك البلاد إعادُة إحياء تراثه وإخراجه من جديد مع جميع ملاحظاته وملحقاته.
ثناء العلماء عليه
يقول العلامة المتفنن  صديق  حسن خان القنَّوجي: إنه هو "شيخ الإسلام، ومركز علوم الاستجازة والسماح، والعالم الخبير حقيقة ومجازه، ومن المثل السائر: لايفتى ومالك في المدينة، ولا يسند والحاكم ببغداد"[25].
  إن الذي أعلمه وأعتقده وأتحققه في مولانا السيد الإمام، والفرد الهمام: نذير حسين الدهلوي أنه فرد زمانه، ومسند وقته وأوانه، ومن أجلِّ علماء العصر، بل لا ثاني له في إقليم الهند في علمه وحلمه وتقواه، وأنه من الهادين والمرشدين إلى العمل بالكتاب والسنة والمعلِّمين لهما، بل أجلُّ علماء هذا العصر المحققين في أرض الهند أكثرهم من تلاميذه، وعقيدُته موافقةٌ لعقيدة السَلف؛ الموافقة للكتاب والسّنة، وفي رؤية الشمس ما يغنيك عن زحل[26].
 يكتب في رسالة بتاريخ من ربيع الأول ١٣١٢ ه: "حضرة الشيخ العلامة، المحدث الفهامة، قدوة أهل الاستقامة: السيد محمد نذير حسين"[27].
 ويقوم بإعراب الاعتقاد بكلمات: "وإني صاحبته ولازمُته قريبًا من ثلاث سنين، واستفضت منه فيوضًا كثيرة، ووجدته إمامًا في التفسير والحديث والفقه، عاملا بما فيها،  حسن العقيدة، ملازمًا لتدريس القرآن والحديث ليلا ونهارًا، كثير الصلاة والتلاوة والتخشع والبكاء، حسن الخُلق، كثير التودد، لا يحسد ولا يحقد، منكسر النفس، ولم أر في زمننا من أهل العلم أكثر عبادة منه، وكان يطيل الصلاة جدا، ويمد ركوعها وسجودها، وكان يعظ الناس كل يوم بعد صلاة الصبح بالمسجد، ويجتمع في مجلسه جمع غفير، ولو حلفت بين الركن والمقام أني ما رأيت بعيني مثله ولا رأى هو مثلَ نفسه في العلم والعبادة والزهد والصبر والكرم والخلق والحلم، ما حنثت، وليس هو بالمعصوم، ولكن لم أر في معناه مثله، شيخ الإسلام، مفتي الأنام، محدث العصر، فقيه الدهر، رئيس الأتقياء، قدوة النجباء، الإمام الأجل الأكرم، شيخ العرب والعجم، عمدة المفسرين، زبدة الناسكين، ذو الكرامات الظاهرة والمقامات الفاخرة"[28].
"إن من علامات أهل السّنة أن يحب أهلَ الحديث ونا  صريهم، كالأئمة الستة، والأئمة الأربعة، وغيرهم من متقدميهم ومتأخريهم - وعد أسماء بعضهم، وقال في آخره: ومنهم شيخ الهند حضرة الشيخ مولانا َنذير حسين الدهلوي. فوالله نعم ما قال هذا الفاضل الصالح، وإني أقول: إن  حبه من علامات أهل السّنة، وإنه لا يبغضه إلا مبتدع معاند للحق"[29].
 ويذكر فضل حسين عند البيان حول المجددين عبر القرون وعلى رأس الثالثة عشرة شيخنا العلاَّمة النبيل، والف  هامة الجليل، نبراس العلماء الأعلام، سامي المجد الأثيل والمقام، ذو القدر المحمود، والفخر المشهود، حسن الاسم والصفات، رب الفضائل والمكْرمات، المحدث الفقيه المفسر، التقي الورع النَّبيه، الشيخ الأكمل الأسعد، السيد الأجلُّ الأمجد،  رحلة الآفاق، شيخ العرب والعجم بالاتفاق، صاحب كمالات الباطن والظاهر، ملحق الأصاغر بالأكابر، شيخنا وبركتنا، السيد نذير حسين، جعله الله تعالى ممن يؤَتى أَجه مرتين، ولا زالت أنوار معارفه مدى الأيام لامعة، وشموس عوارفه في فَلك المعالي ساطعة، وحماه الله من حوادث الأزمان ونكباتها، وأعز محله في الجنان بأعلى درجاتها"[30].
 ولا يأتي ذكره فيه إلا مقرونًا بالتبجيل والثناء، ويضيف قائلا فإنه إمام عصره، وأستاذ  دهره، العلاَّمة المحدث الفقيه المفسر، شيخنا ومعلِّمنا السيد محمد َنذير حسين الدهلوي[31].
ويقول في توصيفه: "قرأت بعض السنن على رئيس المحدثين في عصره، عمدة المحققين في دهره،  مسند الوقت، شي ِ خ الإسلام، جمال الملة والدين، السيد محمد َنذير حسين الدهلوي"[32].  كما قيل "أولهم وأَشرفهم وأقدمهم: السيد العلاَّمة،  زين أهل الاستقامة، المحدث، المفسر، الفقيه، الكامل، النَّبيه، الورع، الزاهد،  ملحق الأحفاد بالأجداد، الذي لم ترمثله العيون، وملئت المشارق والمغارب بتلاميذه، الإمام الهمام، السيد محمد َنذير حسين". [33]
 وأعرب عن تقديره الشيخ أبوبكر في تصنيفه قائلا "شيخنا السيد َنذير حسين عالم  دهلي المحدث الشهير"[34].
 ويقول أحد من تلاميذه: "ممن حضر ت عليهم؛ وسمع ت منهم؛ وأخذت عنهم من العلماء الأعلام المحدثين الكرام: الشيخ الفاضل النِّحرير، والعالم الكامل الشهير، حاملُ لواء أهل الحديث بلا نزاع، وحلية أهل الدراية والرواية والسماع: السيد َنذير حسين الدهلوي، رفع الله درجاته، وبارك في حسناته"[35]. ، وكما قيل: " العالم النِّحرير، الذي ليس له في عصره َنظير، السيد محمد َنذير"[36].
 وقال ثناء عليه أحد من علماء النبلاء الهنود: "ثم إنه هاجر إلى مكة المكرمة، واستخلف من هو فرد زمانه وُقطْب أوانه،  رحلة الآفاق، شيخ العرب والعجم بالاتفاق، المجدد على رأس المئة الثالثة عشرة، أعني المحدث المف  سر الفقيه شيخنا الأجل السيد: محمد َنذير حسين الدهلوي؛ في إشاعة العلوم الحديثية، فولى التدريس والإفادة والإفتاء والوعظ والتذكير، ودرس الكتب من جميع العلوم المتداولة اثنتي عشرة سنة، ثم َ غَلب عليه  حب تدريس القرآن والحديث، فترك اشتغاله بما سواهما إلا الفقه، فاشتغل بتدريس هذه العلوم الثلاثة إلى آخر عمره، أي من سنة ١٢٧٠ ه إلى ١٣٢  ه، فجميع مدة اشتغاله بتدريس هذه العلوم الثلاثة ٦٢ سنة، أفاد شيخنا بعلومه ونفع بإفاضته َ خلْقًا كثيرًا، حصل له من الشرف والفضل ما لم يحصل لأحد ممن عاصره، وبلغ من العلى والرفعة ما لم يبلغ غيره من المعاصرين"[37].  
وهكذا قال أحمد الله بن أمير الدهلوي في إجازته للشيخ عبد الله الَقرعاوي رحمهما الله واصفًا: "أخذت قراءة وسماعًا وإجازة عن مشايخ أجلاء أعلام، وسادة كرام، من أجلِّهم شي ُ خنا الشريف الإمام الهمام المدقِّق سيدنا َنذير حسين الدهلوي رحمه الله"[38].
 وأبدى الشيخ يوسف الهزاروي الخانفوري عن آراءه حول الشيخ سيد نزير حسين فانه "شيخنا ومولانا، شيخ الإسلام والمسلمين، رئيس العلماء المحققين، بقية السلف، حجة الخَلف، مجدد القرن الثاني عشر، معلِّم بني الأسود والأصفر والأحمر، المجتهد المطلق، الحاوي على كل ما جلَّ من العلوم الشريفة وما دق، الفارس الأسبق في ميدان البراعة فلا يلحق، المحدث المفسر الحافظ الفقيه الأصولي النَّحوي المقرئ، السيد محمد نذير حسين، الشيخ الإمام العابد الزاهد، الثقة، العدلُ، الضابط المتْقن، ناصر السنة، قامع البدعة، سلالة أهل بيت رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - فلْذُة َ كِبد البتول، قُرة عين أسد الله الغالب أبي الحسن علي بن أبي طالب، عليهم الصلاة والسلام"[39].
 وقال الشيخالعلامة أبو القاسم محمد بن محمد سعيد البنا رسي في إجازته للشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ: "شيخ الكلِّ في الكلّ، مولانا السيد فخر المحدثين، تاج ال  مفسرين، شيخنا وسيدنا محمد َنذير  حسين المحدث الدهلوي"[40].
 وقال العلامة الرحلة المؤرخ عبد الحفيظ الفهري الفاسي: "الشيخ َنذير حسين بن جواد علي الرضوي العظيم آبادي الدهلوي من أشهر العلماء الأثريين بالهند، ورسائله تدل على تبحره في علم الحديث"[41].
وقال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة: "المحدث الكبير الشهير، المحقق الناقد، الضابط المتقن، الشيخ نذير حسين". [42]
وقد أُنشدت قصائد كثيرة في مدحه ورثائه، ومنها قصيدة محمد عبد
الرحمن بقا الغازيفوري، ومطلعها:
ظَعَنَتْ سُليمي فالسرور قبيحُ
                والعين تذرف والفؤاد جريحُ
الصبر في يوم الفراق محرم 
               أوَ ما ترى وُرْقَ الأراكِ تنوحُ[43]

الهوامش
١. سيد بن حسين العفاني: "زهر البساتين من مواقف العلماء والربانيين"،
. دار العلم للملايين، بيروت، ط. ١٩٨٨
٢. فضل حسين المظفرفوري: "الحياة بعد المماة"، ط. المكتبة النذيرية، قصور باكستان، ١٨٣٢
٣. عبد الرحمن الفريوائي: "جهود مخلصة في خدمة السنة المطهرة" ط. إدارة البحوث الإسلامية، بنارس. ١٩٩٠
٤. عبد الحي الحسني: "نزهة الخواطر"، ج ٥، ط. دار ابن حزم، بيروت .١٩٩٩
٥. محمد ميان: "علماء هند كا شاندار ماضي"،
٦. أبو يحيى خان نوشهروي: "تراجم علماء اهل حديث". ط. الكتاب . انترانيشنول، نيودلهي ١٩٩٢
. ٧. محمد اجتبا ندوي: الأمير سيد صديق حسن خان حياته وآثاره"، ط. جامعة ميشيغان ١٩٩٩
٨. محمد إبراهيم سيالكوتي: "تاريخ أهل حديث"، ظ. الكتاب انتراناشيونال، . نيودلهي ١٩٩٥
٩. الحيء الحسني: "نزهة الخواطر ج/ ٥، ط. دار عرفات رائى بريلي .١٩٨٤
١٠ . فضل حسين : "الحياة بعد المماة".
١١ . عطاء الرحمان قاسمي "دهلي كى تاريخى مساجد"، ط. أبو الكلام . آزاد اكيدمى، نئ دهلى ٢٠٠٦
١٢ . عبد الرحمن الفريوائي: "جهود أهل الحديث في خدمة القرآن . الكريم"، ط. إدارة البحوث الاسلامية بنارس، ١٩٩٢
١٣ “Islamic Revival in British India, :Barbara Daly Metcalf .
Deoband 1800-1900”, Princeton University Press, New Jersey,
1982
٤ . غلام رسول مهر: "يوميات رحلة إلى الحجاز" (الترجمة العربية، ط دارة الملك عبد العزيز بالرياض ١٩٧٨
١٥ . شيخ محمد إكرام: رود كوثر: كتابى دنيا نيودلهي ١٩٨٥
١٦ . شمس الحق العظيم آبادي: "تذكار نذير حسين".
١٧ . شمس الحق العظيم آبادي: "دراسة نذير حسين".
١٨ . حسين بن  محسن الأنصاري اليماني عن طريق الحياة بعد الممات.
١٩ . أحمد بن إبراهيم بن عيسى النَّجدي بواسطة "الحياة بعد الممات".
٢٠ . شمس الحق العظيم آبادي عن نذير حسين في "غاية المقصود شرح سنن أبي داود".
٢١ . أبو بكر خوقير المكي: "َثبت الأثبات الشهيرة (الغفيلي).
٢٢ . سعد بن  حمد بن عتيق: " إتحاف النُّبلاء بالرواية عن الأعلام الفضلاء".
٢٣ . عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الوهاب: "مقدمة المجموع المفيد من رسائل وفتاوى الشيخ سعد بن حمد بن عتيق".
٢٤ . عبد الرحمن المباركْفوري: "مقدمة تحفة الأحوذي"، ط. الجامعة السلفية.
٢٥ . أحمد الله أمير الدهلوي: "كتيب للسماح من الشيخ القرعاوي".
٢٦ . يوسف  حسين الهزاروي: "الجوائز والصلات في أسانيد الكتب والأثبات".
٢٧ . عبد الحفيظ الفهري الفاسي: "استنزال السكينة الرحمانية".
٢٨ . عبد الفتاح أبو غدة: "تراجم ستة من فقهاء العالم الإسلامي".

المراجع



مواضيع ذات صلة
الأعلام المسلمة, الأعلام،, تراجم العلماء, علوم الهند,

إرسال تعليق

0 تعليقات