ادعمنا بالإعجاب

العلامة السيد محمد علي المونكيري رحمه الله

مجلة بدر الدجى السنوية العدد الخاص بـ حركة ندوة العلماء : فكرتها وإنجازاتها
 ندوة التعليم والتربية لطلاب كيرالا دار العلوم لندوة العلماء ، لكناؤ 1434هـ الموافق 2013م
(كتبه = محمد ألطاف بن أشرف الطالب في السنة الخامسة)

يبعث الله رجالا عظاما في كل عصر ومصر لحماية الدين وصيانته وتجديده ، ولا يزال وجود سلسلة هؤلاء حتى يورثهم الله الأرض ومن عليها ، وهم يبذلون ما كان عندهم من الجهود المكثفة للدفاع عما يعترض الإسلام وأهله من قبل أعدائه من التحديات والشكوك والفتن ، يعد الشيخ العلامة محمد علي المونكيري واحدا من هذه السلسلة الذهبية وهو الذي دعا إلى حركة ندوة العلماء وقاوم ضد النصرانية والقاديانية التي أثارت الفتنة والفساد والضلال ضد الإسلام في زمانه ، وقام بخدمات جليلة في تاريخ الهند الإسلامي بخدماته الدعوية والإصلاحية .
ولد الشيخ في كانفور سنة 1826م ، مات أبوه في صغره ونشأ وترعرع على تربية جده السيد غوث علي رحمه لله ، وتلقى العلوم الابتدائية من عمه وتتلمذ على الأستاذ المفتي عنايت أحمد الكاكوروي رحمه الله والأستاذ لطف الله ، وتخرج من مدرسة فيض عام بكانفور ، وكان جُبل على الأخلاق الفاضلة منذ طفولته من الصلاح والخير والإخلاص وغلب عليه الشوق والرغبة في زيارة مدينة النبي صلى الله عليه وسلم والحب للدين وأهله والبحث عن أهل الحق ومعرفته منذ سنه الباكر ، وبايع الشيخ فضل الرحمن الكنج مرادآبادي واختص به واستفاد من علومه وصحبته علما جما وقضى برهة من عمره في الدرس والتدريس حتى رسخ في قلبه ذوق خاص في العلم والتحقيق والبحث ، وكان في أيام طلبه للعلم يشترك في بحث علمي مع أساتذته ويقطع مسافة كثيرة لأجل التحقيق في بعض المسائل .
وكان يتألم بمشاهدة فساد الأوضاع السائدة وبما يجري حوله من الحوادث والتيارات المنحرفة ويفكر في حلولها وإصلاحها ، وكان الإسلام ثقافته وحضارته وعقيدته أوشكت على وشك المحو في زمانه ، وطرأ الخوف والرعب في قلوب المسلمين ، إن الغرب حاول لتحريف المسلمين عن عقيدتهم وإيمانهم وأدخل الشبهات والشكوك في عقلية الشباب نحو الإسلام فتأثر معظمهم بحضارة الغرب المادية الجارفة وذهبوا وراءها وقلدوها وآمنوا بها نظاما في كل مجال الحياة حتى وجدت فيهم طائفتان ، طائفة اعتنقت علوم الغرب بغض النظر عما فيه من الضرر وأحلوها مكانها الأول وآمنوا عصمتها وسيادتها وإمامتها في العلوم وقبلوها نظامهم ومنهاجهم في التعليم والتربية ، وطائفة تمسكت بالعلماء المتأخرين في منهاج درسهم وتربيتهم وعضوا عليها بالنواجذ ، وما كانوا يرون البديل عنها رغم تغير الظروف والأحوال ، تدعو إلى إصلاح منهاج الدرس ، وإن العلامة محمد علي المونكيري رحمه الله فهم أن منهاج الدرس القديم لا بد فيه من الإصلاح والتجديد ورفع صوته في إصلاح المناهج وتوسيعها وتطويرها ، وقد كان الصوت غريبا في المدارس العربية بالهند التي ظلت متمسكة بالمناهج القديمة ، يعلم ذلك من قطعة أقتبسها من كتابة الشيخ محمد علي المونكيري " قد تغيرت الظروف والأحوال في هذا العصر ، إن الاعتراضات التي شغلت العقول وحلقات الدرس قديما قد فقدت أهميتها وقيمتها ، وانقرضت الفرق التي كانت تثيرها وتتشبث بها وأصبح الوقوف على دراساتها وتفهمها إضاعة للوقت وجهادا في غير عدو ، وقد نشأ عالم جديد وتجددت حاجاته ،قد أثار أعداء الإسلام وخصومه أسئلة جديدة في هذا العصر لم تكن تخطر على بال ، وذلك في ضوء الفلسفة الجديدة ، ولا يمكن إشباع الرد عليه والاقتناع العلمي بالاعتماد على الفلسفة القديمة فقط و إن زعم زاعم ، والسبب في ذلك أن الإنسان لا يستطيع أن يحل الشبهة ويفهم الخصم إلا إذا عرف ما يؤول إليه الاعتراض وعرف الدوافع " .
وإنه رأى في زمانه العلماء يضيعون أوقاتهم في الخصومات والمشاجرات والجدال والنزاعات والخلافات في المسائل الفقهية المذهبية ، وكانت فتنة التكفير والخصومات الفقهية الفرعية قد بلغت أوجها في هذه الفترة ، وما كانوا قادرين على الدفاع عن الإسلام مما يثيره أعداء الإسلام وتخلفوا عن ركب الثقافة وكانت المساجد والمدارس أصبحت مركز حروب داخلية وازدحمت المحاكم بالقضايا الخلافية التي يرفعها المسلمون ويحكم فيها القضاة المسيحيون والحكام الوثنيون ، كل ذلك حمله على تأسيس حركة ندوة العلماء لتقوم بإصلاح التعليم وأمور المسلمين ، واتخذ طريقا وسطا بين هذه المناهج كما بينه القرآن "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس" ، وأنشأ مدرسة دار العلوم التابعة لندوة العلماء بعد تأسيس حركة ندوة العلماء لتكون نموذجا للمدارس الأخرى التي ظلت متمسكة بالمناهج القديمة ولتنجب علماء ربانيين جامعين بين القديم والجديد وقادرين للرد على ما تثيره الفلسفة المادية وقائمين بتغيير الأحوال والأوضاع في العالم الإسلامي ، وإنه وهب نفسه وعقله وعنايته لهذه الحركة ومركزها وأصبح له الشغل الشاغل واشتغل بإدارة حركة ندوة العلماء وتحقيق مشارعها وأهدافها .
وإنه أدى دورا فعالا في مقاومة حركة النصارى والدعاة التبشيريين وذلك أن القساوسة المسيحيين ودعاة التبشير نشروا دعوتهم في أرجاء الهند كلها ، وفدوا الهند من الغرب وفودا وفودا فازدادت يوما فيوما ، وبذلوا ما كان من استطاعتهم من الجهود لتنصير المسلمين وتضليلهم وتشكيكهم في عقيدتهم ودينهم عن طريق التعليم والتقدم والمال ، فبدت طلائع هذا التأثير ردة في صفوف المسلمين ، ورأى الشيخ ذلك الخطر على جيل الشباب وأبناء المسلمين وأقبل على الدراسة النصرانية ومراجعها وحججها ، وشمر عن ساق الجد للرد على القسوس ودعاة التبشير ، وخاض في مطالعة الكتب النصرانية وألف وكتب الرسائل الكثيرة عن فساد عقيدة النصارى حتى أظهر بعض الأشياء التي كانت مخفية لدى قسوس النصرانية ومؤرخيها حتى إنهم عجزوا عن الرد عليها وأبطل عقيدتهم ونشاطهم وكسر شوكتهم وأنقذ الأمة وشبابها وأبناءها من أيديهم ، وأنشأ مدرسة في كانفور للأيتام ورباهم على التعليم والثقافة والصناعة لأن لا يقعوا فريسة لدعاة التبشير .
إنه قاوم مقاومة شديدة ضد حركة القاديانية التي فشت في ولاية بيهار وأثارت الفتنة والفساد في البلاد نحو الإسلام عن كل طريق من المجلات والرسائل والجرائد والكتب وبذل العلامة ما كان في وسعه من الجهود والقوة لمواجهة هذه الفتنة وأفتى عن مقاومتها أنه جهاد للوقت وأفضله ورغب وحرض الناس على مواجهتهم وتضحية النفائس في سبيل ذلك وعقد الحفلة والمناظرات لإبطال تحدياتهم ودعواهم وكتب أكثر من مئات من الكتب ردا عليهم حتى اضطروا إلى الانسحاب عن ميدان دعوتهم .
هناك جوانب ثلاثة تتجلى في شخصية العلامة وهي التي كونت شخصيته العظيمة ، الأولى :أنه كان في غاية الكراهية والنفور مما جرى في زمانه من الخلافات والمشاجرات والنزاعات بين العلماء ، إن كل من تأثر به العلامة من أفراد العائلة والعلماء ومن صحبه مبتعدون عن مثل هذه الأمور ، وهذه البيئة التي عاش فيها العلامة ساعدته أيضا للابتعاد عنها ، والثانية : استطاع له الإتيان بفكرة إصلاح النظام التعليمي حسب تطور الزمان وحاجته ، وذلك لما رأى أثناء رده على المسيحية ودعاة التبشير مواضع الضعف وقلة البضاعة في صفوف حملة الرسالة الذين تقع على عاتقهم مسؤولية الدفاع عن الإسلام بسبب ما شاع من الفساد والزيغ والضلال في طبقة المسلمين بانتشار التعليم الجديد في البلاد ، وهو الذي حمله على إنشاء مدرسة للأيتام في كانفور ، ثم جمعية باسم ندوة العلماء تبعتها دار العلوم على منوال هذه الفكرة للمناهج التعليمية ليكون طلبة العلم أهلا لمواجهة أعداء الإسلام وموفين حاجيات العصر ومقتضياتهم .
والجانب الثالث الذي كون شخصية العلامة هو أنه ركز عنايته على إصلاح الناس وتزكيتهم وتربيتهم حتى نال القبول والمكانة والتقدير لدى عامة الناس ، وذلك أنه بايع الشيخ فضل الرحمن الكنج المرادآبادي الذي كان على قمة عالية من الأخلاق الفاضلة وتوارث منه هذه الصفات السنية ، وترك ما لا يؤول إليه أية فائدة من كلام الفلسفة وكلام المنطق ماكنه للجمع بين كلمة المسلمين وجعلهم أمة واحدة بلا تفريق بينهم حتى عم إصلاحه الدعوي من التزكية والتربية على جميع من المسلمين .
إنه كان عالما متبحرا ومصلحا كبيرا لا يخشى في الله لومة لائم ، قضى أكثر أوقاته في الذكر والدعاء وتلاوة القرآن  وكانت صلته بالله صلة وثيقة لا يعتري في إيمانه وعقيدته وصلته بالله شك ولا ريب ، وبايع على يده خلق كثير يعدون من مئات الآلاف وتابوا عما كان من زلاتهم وعفواتهم وأحسنوا حياتهم وأصلحوها .
سرت إليه الأمراض بعدما أدى الحج فازدادت يوميا حتى لبى نداء ربه سنة 1346هـ في ربيع الأول 6 الموافق سنة 1927م في سبتمبر 13 ، غفر الله ذنوبه وأدخله فسيح جناته .

مواضيع ذات صلة
الأعلام المسلمة, الأعلام،, دراسات,

إرسال تعليق

0 تعليقات